Tuesday, July 9, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM 

الفقرة الرابع والثلاثون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم إنه تعالى أطلعه)، أي أطلع آدم عليه السلام على ما أودع فيه) من الجمعية الكبرى التي هي مجموع اليدين والصورتين (وجعل الله تعالى (ذلك)، أي ما أودع في آدم عليه السلام مما قلنا (في قبضتيه) تعالى بيديه الإلهيتين على حسب ما بيناه فيما مر.
القبضة الواحدة، وهي قبضة الشمال (فيها العالم) كله وقد خلق الله تعالی جميع الأجساد الآدمية منها.
(وفي القبضة الأخرى)، وهي قبضة اليمين (آدم) عليه السلام (وبنوه) كلهم إلى يوم القيامة وقد خلق الله تعالى الأرواح الآدمية منها .
وقد ورد في الأثر ما معناه: قال آدم عليه السلام: "خيرني ربي بين قبضتيه فاخترت يمين ربي فبسط يمينه فإذا فيه آدم وبنوه".
وبين الله تعالى لآدم عليه السلام (مراتبهم)، أي مراتب بني آدم كلهم (فيه)، أي في آدم عليه السلام من کاملين وقاصرين و مؤمنين وكافرين ومطيعين و عاصين فانقسموا إلى قسمين:
سعداء وأشقياء "وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته"115 سورة الأنعام.
(ولما أطلعني الله) تعالى (في سري) لا في جهري، فإن الاطلاع على مثل هذا لا يكون إلا في عالم الأسرار بطريق الذوق والاستبصار (على ما أودع) سبحانه وتعالى من أسرار الذرية المباركة وغير المباركة.
(في هذا الإمام)، أي المقتدي به في الصورة الظاهرة والباطنة (الوالد) الذي تولد منه كل إنسان (الأكبر) قدرة وصورة وهو آدم عليه السلام (جعلت في هذا الكتاب) الذي هو كتاب فصوص الحکم (منه)، أي من ذلك الذي أطلعني الله تعالى عليه.
(ما حد لي)، أي مقدار الذي حده لي رسول الله له في الرؤيا التي أريتها على ما سبق بيانه.
(لا ما وقفت عليه) من حقائق الكاملين وغيرهم من ذرية آدم عليه السلام (فإن ذلك) الذي وقفت عليه كله (لا يسعه کتاب) من الكتب.
(ولا) يسعه أيضا (العالم الموجود الآن) من السموات والأرض وما بينهما ولا شك أن قلب العبد المؤمن الذي وسع الحق تعالی بعد أن ضاقت عنه السموات والأرض يسع أكثر مما ذكر.
(فما شهدته ) في مقام التجلي الإلهي حين أشهدني الله تعالى ما أودعه في من الجمعية الكبرى في الإرث الآدمي (مما نودعه) بإذن الله تعالى (في هذا الكتاب) الذي هو كتاب فصوص الحکم (كما)، أي على حسب ما (حده)، أي عينه (لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا)، التي رأيته فيها كما تقدم فلا أزيد على ذلك تأدب معه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم) أي بعدما أوجده على ما ذكر (أنه تعالى أطلعه) أي أطلع الله هذا الوالد الأكبر لأن الخليفة يجب أن يطلع على ما اختزنه الحق تعالى فيه ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها فيعطي كل ذي حق حقه بأمر الله تعالى .
(على ما أودع فيه) أي في شأنه من الصفات الإلهية والحقائق الكونية وصورها (وجعل ذلك) المودع (في قبضتيه القبضة الواحدة فيها العالم و) في (القبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه) يتصرف ما في قبضته خلافة عن الله تعالى.
(ولما أطلعني الله في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر جعلت في هذا الكتاب منه) مما اطلعت عليه (ما حد لي لا) كل (ما وقفت عليه فإن ذلك لا يسعه کتاب ولا العالم الموجود الآن) .
فهذا الكلام يدل على أن من رآه في مبشرة وأعطى له نصوص الحكم هو الروح الأعظم المحمدي الذي ظهر وتمثل له في الصورة المحمدية .
ويدل أيضا على محاذاته رتبة الوالد الأكبر في الاطلاع على ما في القبضتين فانظر بنظر الإنصاف إلى هذا الكامل في رتبة العلم كيف ينكر كلامه.
(فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم).

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه . ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر.جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
قوله: "ثم إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى آدم وبنوه. وبين مراتبهم فيه.
ولما أطلعني الله في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه کتاب ولا العالم الموجود الآن فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
ما ذكره فهو ظاهر

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
قال رضي الله عنه : " ثم الله أطلعه على ما أودع فيه ،وجعل ذلك في قبضتيه :القبضة الواحدة فيها العالم ، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه ،وبيّن مراتبهم فيه".
قال العبد أيّده الله تعالى به : اعلم :
أنّ الكمّل من الصورة الأحدية الجمعية الإنسانية لا بدّ لهم أن يريهم الله ويشهدهم صور تفاصيل ما أودع فيهم تشريفا لهم وتكميلا وتفهيما لهم بحقائقه التي أودعها فيهم وتوصيلا .
وكذلك أشهد آدم عليه السّلام صور تفاصيل النشأة الإنسانية في مقامي الجمع والفرق المشار إليهما بالآفاق والأنفس .
فأشهد جميع العالم في القبضة الواحدة وهي اليسار عرفا اصطلاحيّا وأشهد آدم وذرّيّته في الأخرى ، وهي اليمين كذلك ، وكلتا يدي ربّي يمين مباركة ، والحديث مشهور .
وَالله يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ
قال الشيخ رضي الله عنه : " لمّا أطلعني الله تعالى في سرّي على ما أودع في هذا الوالد الأكبر ، جعلت في هذا الكتاب ما حدّ لي منه ، لا ما وقفت عليه فإنّ ذلك لا يسعه كتاب ، ولا العالم الموجود الآن ".
قال العبد :
فكما أطلع الله هذا الوالد الأكبر من كونه أحدية جمع ظاهرية الصورة الجمعية الأحدية الإنسانية الكمالية الإلهية على ما أودع فيه من أسرار مظهريّات الأولاد .
كذلك أطلع وأشهد خاتم الولاية الخاصّة المحمدية ، الجامع لجميع الكمالات الأحدية الجمعية الإنسانية ، والجامع لجميع الجمعيات جميع ما أودع في الوالد الأكبر عليه السّلام من صور أحديات جمع الجمعيات الكمالية من بين جميع الكمالات النبوية .
ما أمر رضي الله عنه بإظهار حقائق كل ذلك ، ولكن بإظهار ما حدّه له رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم خاتم نبوّة التشريع .
وصورة جمع جميع التفاصيل النبوية والرسالتية ونسب الربوبية وحقائق الأسماء الوجوبية المتعلَّقة بالوضيع والرفيع ،والله يقول الحقّ وهو المجيب البصير السميع.
قوله رضي الله عنه : " لا يسعه كتاب ، ولا العالم الموجود الآن " إشارة إلى أنّ العالم أحكم كتاب يعوّل إليه وعليه ، كتبه الله بقلمه الأعلى ، وفسّره في لوحه المحفوظ الأجلى.
وحروفه الحقائق الذاتية والوصفية والفعلية والحقيّة والخلقية الربانية والكيانية ، وهو أي العالم الموجود الآن كتاب مبيّن جميع الخفيّات والجليات من الكمالات .
وهو وإن حصل على كمالات لا تتناهى فليس إلَّا كتابا واحدا .
ولكنّ الله له كتب كثيرة تمثّلها الحقيقة الروحية العلمية الإنسانية الكمالية أبد الآبدين ، ولن يزال خلَّاقا موجدا دهر الداهرين ، وصلَّى الله على محمد خاتم النبيّين ، وعلى ورثته الكمّل المقرّبين .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فممّا شهدته ممّا نودعه في هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
وقوله :" ثم إنه أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه القبضة الواحدة فيها العالم والقبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه ". معناه أنه أطلع الإنسان الحقيقي على ما أودع فيه من أسرار الألوهية .
وجعل الجميع مما أوجد كالواحد وأودع فيه في قبضتيه أي قبضتى الحق فجعل حقيقة آدم وبنيه في قبضته اليمنى التي هي الأقوى أي الصفات الفعلية .
وأسمائه في العالم الأعلى الروحاني وجعل صورة العالم في قبضته اليسرى التي هي الأضعف أي الصفات القابلة المذكورة وأسمائه في العالم الجسماني .
وإن كانت كلتا يدي الرحمن يمينا لأن القابلية في قوة القبول تساوى الفاعلية في قوة الفعل لا تنقص منها ، وبين في ذاته مراتب بنى آدم في عرض عريض كما يشعر سائر الفصوص ببعضها .
قوله : ( ولما أطلعنى الله في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن ، فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلَّم

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم، إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه) أي، آدم.
(في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، وفي القبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه). أي، بعد أن أوجد آدم وجعله متصفا بصفاته وخليفة في ملكه، أطلعه على ما أودع فيحقيقته من المعارف والأسرار الإلهية، كما قال: "وعلم آدم الأسماء كلها".
وجعل ذلك المودع في قبضتيه، أي، في ظهوري الحق وتجلييه بالقدرة لإيجاد العالم الكبير مرة والصغير أخرى، أو في عالميه الكبير والصغير، لأنه قد يقال (القبضة) ويراد بها المقبوض.
قال الله تعالى: "والأرض جميعا قبضته". أي،مقبوضة مسخرة في يد قدرته.
القبضة الواحدة فيها العالم، أي، أعيان الموجودات على سبيل التفصيل، وفي القبضة الأخرى آدم وبنوه المشتمل على كل من الموجودات على الإجمال.
والمراد بهما (اليدان) المعبر عنهما بالصفات الفاعلية والقابلية: فالعالم هو اليد القابلة، وآدم هو اليد الفاعلة المتصرفة في القابلة.
وقوله: (وبين مراتبهم فيه) أي، مراتب بنى آدم في آدم المشتمل عليهم، كما قالفي الحديث: (إن الله مسح بيده ظهر آدم وأخرج بنيه مثل الذر). - الحديث. ويجوز أن يعود ضمير (فيه) إلى الحق. أي، بين مراتبهم في الحق. والأول أولى.
قوله : (ولما أطلعني الله تعالى في سرى على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر،
جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي، لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولاالعالم الموجود الآن.)
"الوالد الأكبر" وآدم الحقيقي الذي هو الروح المحمدي، و "الوالد الأكبر" هو آدم أبوالبشر.
وإنما قال: (فإن ذلك لا يسعه كتاب) إلى آخره. لأن الكمالات الإنسانية هي مجموع كمالات العالم بأسره مع زيادة تعطيها الحضرة الجامعية والهيئة الاجتماعية، فلو يكشفها كلها، لا يسعها كتاب ولا يسعها أهل العالم بحسب الإدراك، لقصورهم وعجزهم عن إدراك الحقائق على ما هي عليه.
(فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله، صلى الله عليه وسلم: )

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
(ثم) أي: بعد إن جمع الله في آدم بين يديه فجعله جامگا الصورة الحق والخلق على سبيل الاجتماع والتفرقة جامعا بينهما في حقه (إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه) ذلك الاطلاع مقصود للحق بالذات، كما أشار إليه بقوله: "فأحببت أن أعرف".
ولا يتأتى قبل ذلك إذ لا يعلم أحد ما ليس فيه ولتتأتى منه الاستفاضة والإفاضة مع الشعور کالأصل ولذلك (جعل ذلك) أي: ما أودع فيه (في قبضتيه) أي: قبضتي آدم وإنما جعلهما قبضتين لاعتبار التفرقة في أحدهما والجمعية (في الأخرى القبضة الأخرى فيها آدم وبنوه) يتصرف فيهم بقواه وقوتهم بالجمع، وإن كانت جمعيته لا تخلوا عن التفرقة وتفرقته عن الجمعية.
ولما توقف التصرف على النهج الأكمل فيهم على الشعور باستعداداتهم، واستحقاقاتهم (بین مراتبهم فيه) أي: في أدم بإخراج الذر من ظهره ثم الذر من كل ذر خرج منه إلى آخر ما يكون من أولاده؛ فأعطاها الحياة بإفاضة نور الروح عليها، ثم أنطقهم ببلی .
ثم رد الذر إلى ظهر آدم والأرواح إلى مقارها ليعرف آدم ما يستحق كل من أولاده.
فلذلك ورد: "أنه يقال له يوم القيامة: أخرج بعث النار، فيخرج من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين".
قال رضى الله عنه : (وإنما يعرف ذلك منهم لما رأي في أول فطرتهم، وجعل ذلك حجة عليهم أيضا، إذا كشف عنهم الحجب فيتذكرون ما جرى عليهم؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم. .
(ولما أطلعني الله في سري) أي: روحي المنور بنور ربه عند محاذاته للعلم الأزلي بغاية صفائه واتساعه للانتقاش بما فيه (على ما أودع في هذا الإمام) بدؤه الكل في تحصيل الفضائل الإنسانية (الوالد الأكبر) الذي تولدت منه الكمالات الإنسانية كما تولدت منه الأفراد الإنسانية؛ فهو الوالد حسا ومعنى.
وأما الفضائل المخصوصة بمحمد صلى الله عليه وسلم  ؛ فليست من جهة الإنسانية بل من حقيقته المخصوصة به (جعلت في هذا الكتاب منه ما ) أي: ما حده (لي) رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفيه إشارة إلى إن المذكور في الكتاب ليس مأخوذا عن المنام وحده بل عن الاطلاع الإلهي.
وإنما المتعلق بالمنام تحديد ما فيه (لا ما وقفت عليه) لمحاذاة سرى للعلم الأزلي (فإن ذلك لا يسعه کتاب)، وإن بلغ من طول الحجم ما بلغ فضلا عن هذا المختصر بل (ولا)يسعه (العالم الموجود الآن)؛ لأن متناه في ذاته ومدة بقائه.
وكلمات الله التي وقفت عليها بمحاذاة سرى للعلم الأزلي مما أودع في آدم الجامع للحقائق الإلهية والكونية غير متناهية : "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا" [الكهف: 19].
وإذا كان لا يسع لما اطلعت عليه كتاب ولا العالم الموجود الآن (فمما) خبر مقدم لقوله حكمة (شاهدته) ما بيان لما في (فمما نودع في هذا الكتاب كما)
يتعلق بقوله: «نودع» (حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . .
وفيه إشارة إلى أنه لما تعذر أيراد الكل مما شاهدته في الكتاب، فبالضرورة أخذت ما حده لي رسول الله و للإيداع فيه.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه). ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
لذلك قال : ( ثمّ إنّه تعالى أطلعه على ما أودع فيه ) من مفردات أجزاء العالم وتراكيب نسبها وجزئيّات أحكامها بأحديّة جمعيّته الإحاطيّة التي بها يدرك الكلّ ( وجعل ذلك ) يعني ما أودع فيه  ( في قبضتيه ) الشاملتين للكل .
( القبضة الواحدة ) منهما المشتملة على أعيان المفردات كلَّها (فيها العالم).
(والقبضة الأخرى) منهما المشتملة على النسب التركيبيّة والأحكام الامتزاجيّة أجمع هي (آدم) الذي هو روح العالم وباطنه .
وإذ قد عرفت أنّ آدم هو النفس الواحدة بالوحدة الحقيقيّة التي لا يتأثر كمال وحدتها عن تكثّر الزوج والأولاد أصلا فلا يبعد أن يكون باعتبار صاحب القبضتين ، وبالآخر في طيّ إحداهما كما أنّ الثمرة باعتبار هو الجامع بين أصل الشجرة وفروعها فهي صاحب القبضتين ، على أنّها في طي قبضة واحدة منهما .
ثمّ إنّك قد عرفت أنّ من أولاد آدم من صحّت نسبته إلى آبائه العلويّات الوجوبيّات الإلهيّات كالأنبياء عليهم السّلام وهم الرجال بنو آدم ومنهم من صحّت نسبته إلى امّهات السفليّات الإمكانيّات الكونيّات ، كالكائنات مطلقا وهم النساء بنات آدم والمودع في هذا الكتاب إنّما هو الطائفة الأولى منهم .
بما لهم من مراتبهم المقدّرة لهم ، وحكمهم الكاشفة عنها ، فإنّهم هم الصور الوجوديّة المظهرة للحق دون الثانية .
فإنّهم الصور الكونيّة المخفية إيّاه فهي بمعزل عمّا هو بصدده .
فلذلك قال : ( وبنوه وبيّن مراتبهم فيه ) أي فيما أودع في آدم الحقيقي ضرورة أنّ تعيين مراتب جزئيّات ذلك النوع من أمهات النسب المشتمل هو على كلَّها
قال رضي الله عنه : ( ولمّا اطلعني الله في سرّي ) حيث لا دخل للواسطة فيه أصلا (على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر) يعني آدم الحقيقي ( جعلت في هذا الكتاب منه ما حدّ لي ،لا ما وقفت عليه فإنّ ذلك لا يسعه كتاب ، ولا العالم الموجود الآن ) لأنّ إظهار الحقائق بحسب ما نطق به لسان الوقت لبنيه ، وإشعار المعارف بحسب ما سمح به مشاعر الزمان لذويه .
ولذلك ترى المتأخّرين من الأولياء يفهمون من الكلام الكامل ما عجز عنه المتقدّمون منهم ، واللاحقون يصلون إلى ما لم يصل إليه السابقون .
وفي كلامه هذا ضرب من الاعتذار بين أيدي الورثة الختميّة مما تنزّل في كلامه بالنسبة إلى شاهق علوّهم فلا تغفل .
( فممّا شهدته - مما نودعه في هذا الكتاب كما حدّه لي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حكمة إلهيّة في كلمة آدميّة ، وهو هذا الباب ) .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه : القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه. قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
قوله رضي الله عنه : "ثم إنه سبحانه و تعالى أطْلَعَهُ على ما أوْدع فيه و جعل ذلك في قبضتَيْه : القبضةُ الواحدة فيها العالم، و القبضة الأخرى فيها آدم و بنوه. و بيَّن مراتبهم فيه."
(ثم إنه تعالى أطلعه)، أي آدم (على ما أودع فيه وجعل ذلك).
أي ما أدوع فيه من الحقائق الإلهية والكونية (في قبضتيه سبحانه)، أي قبضتي الجمع والفرق السالمين للكل المشار إليهما الآفاق والأنفس (القبضة الواحدة ) اليسرى التي هي قبضة الفرق( فيها العالم وفي القبضة الأخرى) اليمني التي (فيها) الجمع (آدم وبنوه)، أي أولاده
(وبين مراتبهم فيه)، أي بين مراتب بني آدم في آدم المشتمل عليهم.
(ولما أطلعني الله سبحانه في سري) حيث لا واسطة فيه أصلا (على ما أورد في هذا الإمام الوالد الأكبر) آدم عليه السلام من كمالاته وكمالات بنیه كما أطلعه عليه.
(جعلت في هذا الكتاب ) منه ، أي مما أودع فيه (ما حد لي) أن أدرجه فيه (لا ما وقفت عليه فإن ذلك).
أي ما وتفت عليه (لا يسعه کتاب) لو بين بالكلمات الحرفية والرقمية (ولا العالم الموجود الآن) لو بین بالكلمات الوجودية فإن العوالم البرزخية و الحشرية الجنانية والجهنمية الغير المتناهية أبد الآبدين .
هي تفصيل ما أودع في النشأة الإنسانية الكمالية وهي لا تنتهي .
فكيف يسعه كتاب والعالم الموجود الآن فإنهما متناهيان (فما شهدته على ما نودعه في هذا الكتاب) المسمى بفصوص الحکم (كما حده لي رسول الله ) .
و في أكثر نسخ شرح القيصري ما حذه لی بدون الكاف.
فيكون بدلا مما نودعه وهو هذا الباب .
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم إنه سبحانه وتعالى أطلعه على ما أودع فيه وجعل ذلك في قبضتيه:   القبضة الواحدة فيها العالم، والقبضة الأخرى فيها آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه.
قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه وتعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر.
جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن. فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ثم إنه تعالى أطلعه على ما أودع فيه و جعل ذلك في قبضتيه: القبضة الواحدة فيها العالم، و في القبضة الأخرى آدم و بنوه و بين مراتبهم فيه .
و لما أطلعني الله في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر، جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه فإن ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن ] .
قال الشارح رحمه الله :
و كان أسفله (أطلعه ): أي أعثر آدم الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان، و كان ذلك بعد الخلافة و الإمامة الكبرى، و الاطلاع إمّا بتعريف إلهيّ، أو بتجلي إلهيّ و هو اطلاعه على نفسه و على عينه الثابتة الجامعة لجميع الحقائق الكونية .
و من كرامات القلب معرفة الكون قبل أن يكون، و هذا هو العلم الخفي الذي فوق العلم السري و فوقه علم أخفى و فوق الأخفى أخفى إلى الأخفى الذي استأثره الله دون خلقه.
فالأخفى الأول: عمى عنه كل مخلوق ما عدا هذا الشخص الذي أطلعه الله عليه كرامة منه به، و لا يلتفت إلى من يقول: إنّ كل إنسان له سرّ يخصه لا يعلمه أحد معه إلا الله تعالى هيهات! و أين اللوح و القلم، نعم لكل إنسان سر مسلم ذوقا لا يعلمه أحد من جنسه و لا الأكثر من غير جنسه، و يعلمه هذا الذي أكرمه الله تعالى بقوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76]، فافهم .
ذكره الشيخ رضي الله عنه في "مواقع النجوم" على ما أودع فيه من حقائق العالم عموما، كما في قبضة شماله، و من حقيقة نفسه و نبيه من حيث أنه إنسان لا من حيث أنه خليفة خصوصا كما في قبضة يمينه، و جعل ذلك عطف على قوله أودع : أي جعل ذلك الوديعة .
( في قبضته ): أي قبضتي آدم و هما قبضتا اليمين و الشمال .
قال تعالى:" و مِنْ كُل شيْءٍ خلقنا زوْجيْنِ لعلّكُمْ تذكّرون" [ الذاريات: 49] .
إن هذا من حكم القبضتين، فالقبضة على الحقيقة .

قوله تعالى: "اللّهُ بكُل شيْءٍ مُحِيطاً" [ النساء: 126] و من أحاط به فقد حكم عليه لأنه ليس له منقذ مع وجود الإحاطة، و هكذا الخليفة فهو قابض لجميع العوالم، و لا يخرج من قبضة إحاطته  شيء، حتى آدم الإنسانيّ أبا البشر و ذلك لأن آدم من حيث العنصرية جزاء من أجزاء العالم كسائر العوالم فالكل من أجزائه و صورة ذلك أنه ما من موجود سوى الله إلا و هو مرتبط بنسبة إلهية، و حقيقة ربانية تسمّى أسماءا حسنى، و كل ممكن في قبضة حقيقة إلهية و كلها في قبضة الكامل الخليفة، بإقباض الله إياه فالكل في القبضة، فافهم .
ثم فصّل ما في القبضتين باعتبار اليدين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فقيل فيهما: أهل الجنة و أهل النار، هو لا للجنة و لا أبالي، و هو لا للنار و لا أبالي .

قال رضي الله عنه: فلمّا رأيت آدم في الإسراء فقلت له يمين الحق يقضي بالسعادة قال: نعم فقد فرق الحقّ بين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فقال لي: يا ولدي ذلك يمين أبيك و شماله، انتهى كلامه رضي الله عنه، و جعل (القبضة الواحدة) فيها العالم سعيده و شقيه فى شماله، و إنما قال العالم مطلقا لأنه سعيد و شقيّ .
لما ورد في الأخبار الصحيحة "إنّ جبل أحد مثلا من جبال الجنة".
، و جبل عير على وزن زيد و هو جبل في المدينة المشرّفة من جبال جهنم، و هكذا حكم السعادة و الشقاوة سار في العالم حتى في الأمكنة و الأزمنة كالمتمكنين، و القبضة الأخرى فيه آدم و بنوه: أي من هذه القبضة من آدم الخليفة، فيها آدم أبو البشر و بنوه .
فلمّا كانت هذه القبضة من أثر مزج العجز الأوّل الإلهيّ، الذي دخلت أحكامه بعضها في بعض من كل قبضة في أختها، اختلطت أحكام السعادة و الشقاوة و الطيب و الخبيث بحكم الجمعية التي فيه .

و ذلك لأنّ الصّفات قبل المزج لا تتصف بالشقاوة و لا بالسعادة لذاتها، و الذوات كذلك قبل الامتزاج لم تكن قبله، فقيل هذا سعيد و هذا شقيّ و هذا طيب و هذا خبيث، فانظر ما أحدث الامتزاج كسواد الحبر و المداد بامتزاج العفص و الزاج، فكل الآفات من التركيب و المزاج، و جميع المصائب من الامتزاج و اختلاط الأمشاج، و نهاية الأمر و غاية السالك التخلص من التركيب و الرجوع إلى البساطة الأصلية، و السّبك و الفّك عن هذه القيود العارضة المتعارضة .
كما قال أبو يزيد قدّس سره: إنه لا صفة له، يشير إلى السّبك و التخلص على حكم الامتزاج لأنه أقيم في كل معقولية بساطته، و لم ير مركبا مخلا للبساطة الأصلية، و لكن هذا حال جائز و ظل زائل، فما ثمّ ة إلا مرّكّب يقبل الصّفات إمّا السعادة أو الشقاوة بحسب ما يقتضي مزجته و تركيبه، فما في العالم إلا سعيد أو شقي، و قد بين أسباب الخير و السعادة و طرقها و أسباب الشر و الشقاوة و طرقها .

لقوله تعالى: "فألهمها فجُورها وتقْواها" [ الشمس: 8] يميز الخبيث من الطيب، فافهم .
فلمّا تداخلت أحكام القبضتين، و جهلت الأحوال تفاضلت الرجال باستخراج الخبيث من الطيب، و تميز الطيب من الخبيث، فأراد تعالى الفرقان بين الطبقات و رؤية الغايات في البدايات بتخليص المزج و تميز أهل القبضتين حتى ينفرد كلّ بعالمه، و يتميز الطائع من العاصي لتميز المراتب بأربابها، فكل أحد يعرف حاله و ماله و عاجله و آجله، و كلّ أحد يعرف ماله عنده و ما عليه من عنده، بل تعلم من أنت و من هو، كما انفرد العالم و آدم من قبضتيّ الحق و من هذا المقام .

قال تعالى"ليمِيز اللّهُ الخبيث مِن الطّيِّبِ ويجْعل الخبيث بعضهُ على  بعْضٍ فيركُمهُ جمِيعاً فيجْعلهُ في جه نّم أولئك هُمُ الخاسِرُون " [ الأنفال: 37] .
فمن بقى فيه شيء من هذه المزجة غير متخلص، و مات عليها لم يحشر يوم القيامة من الآمنين، و لكنّ منهم من يتخلص في الحساب، ومنهم بشفاعة الشافعين و أما من تخلص في دار الدنيا فيحشر من الآمنين لقوله تعالي: "لا خوْفٌ عليْهِمْ ولاهُمْ يحْزُنون" [ البقرة: 62] جعلنا الله من المخلصين المتخلصين آمين .
و إنما قلنا إنه رضي الله عنه أراد بالقبضة قبضة آدم لأنه القابض المقبوض و بيان ذلك أنه قابض من حيث أنه خليفة و مقبوض من حيث إنه إنسان، و حقيقة من الحقائق .

قال رضي الله عنه في الباب السابع و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
فلمّا أراد الله أسرى بي ليريني من آياتي في أسمائه من أسمائي أزالني عن مكاني، و عرج بي على براق إمكاني، فلم أر أراضي أركاني، فالتفت آدم فإذا أنا بين يديه و عن يمينه في نسيم نبيه عيني فقلت له: هذا أنا فضحك، فقلت: فأنا بين يديك و عن يمينك.
قال: نعم هكذا رأيت نفسي بين يديه
فقلت له: فما كان في اليد المقبوضة الأخرى،
قال: العالم .
فإذا فهمت هذا فأرجع، و أقول في بيان النص الشريف: إنّ للكامل أن يرى لطيفته ناظرة إلى مرّكّبها العنصري، و هو متبدّد في العناصر فيشاهد ذاته العنصرية قبل وجودها و خلقها و تركيبها، كما للحق أن يراها قبل الوجود و له السّراج: أي التحلية و عدم المانع و الإطلاق في كل موطن و مقام لأن له صورا في كل موجود من عقل و نفس و طبيعة و عرش و كرسيّ، و هكذا في جميع الموجودات لأنه مرّكّب من الكل و الجميع أجزاؤه .
و من هذا المقام : "كنت نبيا، و آدم بين الماء و الطين".
بل أنه يرى في صورته الكمالية صورة حقيقية التي هو بها هو لأنه جامع للعوالم كلها، و صورته العنصرية بالنسبة إليه من جملة العوالم، فيرى نفسه خارجا عما يرى غيره من هذا القبيل قوله ما ورد في الخبر عنه صلى الله عليه و سلم في الإسراء :

" إنه دخل فإذا آدم عليه السلام وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء وعن شماله أشخاص بنيه الأشقياء فرأى صورته صلى الله عليه و سلم في الذين عن يمين آدم فشكر الله" 
وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين و هو عينه لا غيره فكان له كالصورة المرئية و الصور المرئيات في المرآة و المرائي.
ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات".
و هذا العلم لا يدرك بالعقل و هذا من علوم التجليات التي تجمع الأضداد بل يرى الأضداد عينه .
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و ثلاثمائة من "الفتوحات":
للإنسان في كل عالم من عالم الأرواح و الأعيان الثابتة و عالم الخيال، و غيرها صورة بل في كل مقام و علمه بصورته إن كان صاحب الكشف بل في كل مقام، و كما أنّ لنا صورة و وجودا في صورته، و وجوده كذلك له صورة و وجوده من صورنا وجودنا، كما في الميثاق كان معنا من صورة ظهوره، فشهد معنا كما شهدنا، فهذا آدم و ذريته صور قائمة في قبضة الحق، و هذا آدم خارج عن تلك القبضة و عن تلك اليد، فهو يصير صورته العنصرية، و صورة ذريته و بنيه في يده، و هو خارج عنها .

ثم قال رضي الله عنه: فاعرف ذلك و أكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال فيهم عزّ و جل: "صُم بكْمٌ عُمْيٌ فهُمْ لا يعْقِلون" [ البقرة: 171] .   و قال تعالى: "إنّ شرّ الدّواب عِنْد اللّهِ الصم البكْمُ الّذِين لايعْقِلون" [ الأنفال: 22] .
و أخذ الله الصور من ظهر آدم، و آدم فيهم و أشهدهم على أنفسهم بحضرة الملأ الأعلى و الصور التي لهم في كل محل لقوله تعالي: "ألسْتُ بربِّكُمْ قالوا بلى"  [ الأعراف: 172] .
فالإنسان عالم بجميع الأمور الخفية فيه من حيث روحه المدبر، و هو لا يعلم أنه يعلم، قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ جزاءً بما كانوا يعْملون" [ السجدة: 17] . 
فهو الناسي و الساهي، و الأحوال و المقامات و المنازل تذكره، وهو رجل يدري ولا يدري أنه يدري .
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "الحكمة ضالة المؤمن" .  وقال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ  الذكْرى نتفعُ المُؤْمِنين" [الذاريات: 55] .

( و بين مراتبهم ): أي بين الله تعالى مراتب العالم سوى الإنسان أو مرتبة نفسه من حيث أنه إنسان، و مراتب بنيه أو المجموع فيه: أي في ذلك الاطلاع أو في آدم الخليفة أو في الوجود الحق و ذلك لأن العالم بالنسبة إلى الكامل سواء كان نفسه أو بنوه أو غيرهما بمنزلة الأجزاء كلها، و تبين له جزء جزء على مراتبها لأنها منها بمنزلة النفس، و منها بمنزلة القوي، و منها بمنزلة الحواس، و منها الحواس منها بمنزلة الظاهرة و من الظاهرة منها بمنزلة السمع، و منها بمنزلة البصر، و منها بمنزلة الشم و الذوق و اللمس، و منها بمنزلة الحواس الباطنة، و منها بمنزلة الأعضاء، و منها بمنزلة العضّلات، و منها بمنزلة الزينة كالشّعر، كما ذكرناه سابقا أن الملائكة بمنزلة القوي، و قس على هذا الأمر كله .
و من كان بنفسه في نفسه بهذه الشهود و الأتم، إلا و في اطلع على الكل بحسب مراتبهم، و بمعرفته بنفسه على هذا الأسلوب عرف الله .
و هذا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم : " من عرف نفسه فقد عرف ربه"
فإنه عين المجموع، و هذا من علم المضاهاة فإنه رأى نفسه واحدة العين كثيرة المظاهر، وحده في عين كثرة، و عرف ربه أنه واحد كثير، فعرف مراتب الكثرة في عين  الوحدة، و سراية الوحدة في الكثرة، و علم نفسه أنه بمنزلة حبه، أوجد الحق منها أوراقا و أغصانا و أزهارا و أصولا و عروقا و بذورا كثيرة .
فظهرت الكثرة في الصورة عن عين واحدة، و هي عينها و غيرها بالشخص و هذا هو المراد من إيجاد العالم .

قال تعالى"وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا  ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] :
أي ليعرفون أنّ الكثرة ناشئة عن الوحدة الحقيقية والنشأة الآخرة نشأة في بعض الأحكام، نشأت البرازخ غيبا أو شهادة، فترى نفسك فيها و هي واحدة في صور كثيرة و أماكن مختلفة في الآن الواحد، فيرى نفسه أنه هو ليس غيره في الكل، و هكذا يكون يوم القيامة فإنّ النبي صلى الله عليه و سلم يطلبه الناس في مواطن القيامة، فيجدونه من حيث طلبهم في كل موطن يقتضيه ذلك الطلب، في الوقت الذي يجده الطالب الآخر في المواطن الأخرى بعينه فسببه ما ذكرناه، فافهم .
و أما كيفية الاطلاع و البيان، فقد يكون بالتعريف الإلهيّ كالخلافة فإنها قد تكون بالتعريف، كما قال تعالى في آدم عليه السلام: "إنِّي جاعِلٌ فِي الْأرضِ خلِيفةً " [ البقرة: 30].
و قال لداود عليه السلام: "إنّا جعلناك خليفةً" [ صّ : 26]، و قال لإبراهيم عليه السلام: "إنِّي جاعِلك للنّاسِ إماماً"[ البقرة: 124] .
قد يكون: أي بالتجلي الإلهيّ وهو أتم من التعريف فإنّ متعلق التعريف السّمع وهو خبر إلهيّ بواسطة أو بلا واسطة .
و قد يكون الاطلاع و البيان بالتجلي و هو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب بعد الستر، و لا يكون أبدا إلا بالتحقق و أنّ يكون حقّ اليقين و لا يلقى التخلق .
فبين مراتبهم و درجاتهم حتى علم ما علم، و ذلك أنه تعالى لما علمه الأسماء التي (أودع فيه) و جعل في قبضتيه عليه السلام، و هو الأسماء الكونية و كل اسم من العالم علامة على حقيقة معقولة مخصوصة به ليست للآخر.
و كذلك وجوده العنصري و وجود بنيه في خروجهم من آدم الخليفة إلى الوجود العيني فإنه كثير يطلب تلك الأسماء الكثيرة، و هم مسمياتها و إن كانت العين واحدة فهي كثيرة كما أن العالم من حيث أنه عالم واحد و هو كثير بالأحكام و الأشخاص، فاجتبى إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب .
و ما ذكرنا هنا نعتا و لا حالا بل ذكر الأمرين اجتباءا و بداية فافهم هذه الإشارة .
و لما خرج بنوه فنظر إلى شخص من أخويهم فسئل عنه؟
فقيل: هذا ولدك داود عليه السلام كما في الخبر المشهور، فعلم بهذا الاطلاع و الأداة كل المسميات بطلسم اسمه، فإن الاسم طلسمه على المسمّى من علم الحروف و كيفية وضعها، كما أنعم الله على داود بإعطاء اسم ليس فيه حرف من حروف الاتصال .
وهي الحروف التي من شأنها أن تتصل بما بعدها فقطعه عن العالم بذلك، وسمّاه بذلك الاسم إخبارا لنا عنه عليه السلام بتجرّده وانقطاعه، وأعطي محمدا صلى الله عليه وسلم اسما بحروف الاتصال و الانفصال الاختصاصي لأنه حكيم عليم ما يضع الأشياء إلا في موضعها فيستخرجه العارف بوضع الحروف، فإن الأسماء تنزل من السماء فما وضع شيئا على شيء إلا بالحكمة، فالوجود كله ما انتظم منه شيء بشيء إلا للمناسبة ظاهرة أو باطنة صورية أو معنوية إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها .

قال رضي الله عنه في مواقع النجوم: إن معرفة مثل هذه المناسبات من مقام خواص أهل الطريقة رضوان الله عليهم و هي غامضة جدا .
و لقد أشار أبو يزيد السهيلي إلى هذا المقام في كتاب: “المعارف و الإعلام” الذي له باسم النبي صلى الله عليه و سلم محمد و أحمد، و تكلم على المناسبة التي بين أفعال النبي صلى الله عليه و سلم و أخلاقه صلى الله عليه و سلم و بين معانيها .
و القائلون بهذه المناسبات عظماء أهل المراقبة والأدب و لا يكون هذا العلم إلا بعد كشف علمي و مشهد ملكوتي، و لا سيما الآمنين من طريقتنا  كشيبان الراعي، و أبي يزيد البسطامي، و من لقينا من المشايخ كالعربيني و أحمد المرسي و عبد الله البرجاني و جماعة منهم انتهى كلامه رضي الله عنه .

فعلم آدم مرتبة كل مسمّى من اسمه لا من خارج، و إنما قلنا أن الاطلاع تعريفي لأن الأخذ كان من ظهره يعني: ظهر الغيب عليه السلام و هو غيب له و أخذه في الميثاق أيضا من ظهره، فما نحن على يقين من ذلك أي من أنه كان بالكشف فأخذنا أقل المراتب مع احتمال ذلك، فإن قبضه لا مقطوع ولا ممنوع.

قال رضي الله عنه في هذا المبحث: عبدا وقف على علم ذلك باليقين و يخبر به انتهى كلامه .
و أما الخلافة بالتجلي فهو مخصوص سيد البشر صلى الله عليه و سلم وهو مظهر حقيقة الاسم الموفي مائة، و هم اسم الذات .
أما ترى طلب هذا الظهور من الأنبياء كداود عليه السلام فخوطب بخطاب تسعة و تسعين نعجة إشارة إلى تحققه بتسعة وتسعين اسما.

و طلبه الموفي مائة قيل: إنه لأخيك محمد صلى الله عليه و سلم و الطلب ليس في محل، و حين طلب موسى عليه السلام خوطب، فقال تعالى: “فخُذْ ما آتيْتك وكُنْ مِن الشّاكرين” [ الأعراف: 144] .
و كم تطاولت الأعناق لهذه المرتبة، و ضربت من دونها و خوطب بالصدّ و القلى .

قال الشيخ ابن الفارض قدّس سره من هذا المقام إشارة إلى هذا الصد بيت :
و لا تقربوا مال اليتيم إشارة    .... لكفّ يد صدّت له إذ تصدّت.
وكان أمية بن الصلت في الأيام الجاهلية يترشح للنبوة قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كان من شأنه أنه قال لأخته: ها أنا أنام فاصنعي طعاما.
قالت: فبينما هو نائم إذ رأيت وقد نزل طائران من النافذة فشق أحدهما صدره، ثم أخرج نكتة سوداء فقال أحدهما: أوعي؟
قال الآخر: نعم، و على علوم الأولين
فقال: أدرك
فقال: لا
فقال: ردّوا قواده إليه فليست النبوة له إنما هي لسلالة عبد المطلب
قالت: فلمّا انتبه أخبرته بالقصة فبكي وقال متمثلا بأبيات، ثم انصدعت كبده فمات،
فانظر إلى لمن يبلغ به أهله و الأمر محتوم فافهم  .

و كان آدم أبو البشر حامل الأسماء و نبينا صلى الله عليه و سلم حامل معانيها .
فلهذا قال رضي الله عنه: إن الأمم السابقة ما وقفوا من الاسم الأعظم إلا على حروفه أو على معناه ،بخلاف المحمديين فإنهم جمعوا بين الحروف والمعاني.
وأشار إلى هذا المعنى سيدنا قطب الوقت محيي الدين عبد القادر الكيلاني في سكره حاكيا عن المرتبة المحمدية و المحمديين:
معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا.  ذكره رضي اللّه عنه في "الفتوحات" .
و ذكر فيها: إن اثنى عشر نبيا صلوات الله عليهم أجمعين صاموا نهارهم و قاموا لياليهم مع طول أعمارهم سؤالا و رغبة و رجاءا أن يكونوا من أمته، فافهم .
"و قد رميت بك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه و لما أطلعني الله تعالى اعلم أن الاطلاعات من كرامات القلوب و لها مراتب بحسب صفاء القلوب و جلائها". 
و من كراماتها اطلاع الحق تعالى عبده الكامل على ما أودع في العالم الأكبر من الأسرار، ثم أين حظه في نفسه من ذلك السر؟
حتى يعرف أين البحر فيه و أين البر و أين الشجر و أين السماء و الكواكب و الأقاليم و مكة و القدس و يثرب وآدم أبو البشر و موسى و عيسى و هارون، كما يعرف أيضا في ذاته الدجّال و يأجوج و مأجوج و الدابة المكلمة .
و هكذا بحيث لا يخرج منه شيء من الموجودات ولا أريد حصرها وإنما أريد أنّ كل ما عرفه من العالم الكبير لتصحيح كتابه الخاص به ذوقا.
و فوق هذا أن يطلعه الله تعالى على هذه الأسرار بعكس المرتبة الأولى، فيكون في هذه يقابل العالم مع ذاته فيعرف  الشيء في نفسه أولا، ثم بعد ذلك ينظر ما يقابله في العالم من خارج .
فالأول طالب في نفسه ما وجد خارجا عنه،
والثاني طالب في الخارج عنه ما وجده في ذاته، وهذه الكرامة أشرف وأسبق في الرحموتيات:
ومنها أن يطلعه الله تعالى على هذه الأشياء في الكتابين معا من غير تقديم ولا تأخير كالصورة في المرآة مع الناظر .
هذا غاية المشيئة الأزلية و ظهور المرادات القديمة الأولية لأنه رأى أعيان الأسماء 
مرايا لوجوده  تارة، و رأى الوجود مرآة الأعيان تارة، و جمع بين الروايتين تارة أخرى، في كون جامع حاضر وعلى لسان صاحب هذا المقام.

قال الشيخ العارف ابن الفارض :
و لولاي لم يوجد وجود ولم     ..... شهود و لم تعهد عهود بذمّة
و هنا مقامان:
الأول أن يكون العالم مرآته.
والثاني أن يكون هو للعالم مرايا .وهو المقام الأعلى والمدرك الأقصى والمجلي الأعم الأسني .
قال: العالم يرى فيها نفسه و لا يراها أصلا كالمرآة حين ترى صورتك فيها فإنك حينئذ ما تراها فيكشف العالم و لا يكشفه العالم، فهذا قلب الخاتم الأتم لو تسأل الأيام عنه ما عرفته و لو طلب له مكان لم يعقل له مكان .
وهذا هو وارث الحق حقا، و صاحب هذه الكرامة المحمدية صدقا ليس له مقام فيدرك، و حال فيكشف .
ومن هذا المقام أشار في الكتاب العزيز: "يا أهْل يثرب لا مُقام لكُمْ فارجِعوا" [ الأحزاب: 13]: أي لتربية أرباب المقامات، فإنّ الأمر غير متناه و له تأثير في العالم من غير تعيين و نوى في كشفه ما يغنيك عن وصفة في سري .

أشار إلى أن تجليه رضي الله عنه كان سريا: أي ذاتيا اعلم أن سر كل شيء عبارة عن حقيقته، فحقيقة كل شيء سره: أي (لما أطلعني الله تعالى في سري على ما أودع في هذا الوالد الأكبر) في سري و حقيقتي، فما عرفت أمرا زائدا على نفسي بل عرفتها بمعرفة نفسية كمالية جامعة، و عرفتها بتفصيلها لا في الخارج .
يشير رضي الله عنه إلى تحقيق التحقيق و تشريف التجلي المحقق في هذا الاطلاع يعني: ما كان الاطلاع بالأخبار الإلهي و لا باعتبار القبضتين كاطلاع آدم بل كان بالكشف السري و بالشهود الذوقي و الوجدان النفسي: أي لا بمجرد الكشف و شهدت ما أودع في هذا الوالد الأكبر ذوقا و يقينا باطلاعي على نفسي وسري وحقيقتي وأشرفت على ما فيها.
ما أخفيت فيها من قرة أعين إشراقا وإطلاعا ذوقيا .
ومن هذا المقام قال العارف باللّه الشيخ ابن الفارض قدس سره، شعر :
و لا تحسبنّ الأمر عني  فما ......   ساد إلا داخل في عبوديتي
و قوله رضي الله عنه الأكبر من مقام قوله تعالى: "لخلْقُ السّماواتِ والْأرضِ أكْبرُ مِنْ خلْقِ النّاسِ" [ غافر: 57] .
لكون الإنسان متولد عن تأثيرات سماوية و تأثرات أرضية فيهما له كالأبوين رفع الله مقدارهما تعليما لنا حتى نفعل هكذا مع الأبوين .
و لكن أكثر الناس لا يعلمون هذا: أي أنه أكبر من حيث الفاعلية و التأثير و الأبوة فإن قيل كيف ؟قال العارف :
و إني و إن كنتّ ابن آدم     ..... فلي فيه معني شاهد بأبوّة
قلنا: هذا لسان إدلال و شطح، و صاحبه صاحب سكر .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم كيف يقول في الشك : "أنا أولى بالشك من إبراهيم" .

في قوله: " فلمّا جنّ  عليْهِ اللّيْلُ  رأى كوكباً قال هذا  ربِّي" [ الأنعام: 76]، ربي على سبيل الشك حجة على الكفار حفظا لرتبة الأبوّة مع الكمال الفائق فافهم و تأدّب، و صاحِبْـهُما في ُّ الدنيا معْرُوفاً [ لقمان: 15].
و أما اطلاعاته رضي الله عنه فعلى إنما شتي منها كما ذكرته سابقا.
و منها ما ذكره في "الفتوحات "، في الباب الثالث و الستين و أربعمائة:
إني رأيت جميع الأنبياء و الرسل عليهم السلام كلهم مشاهدة عين و كلمت منهم هودا أخا عاد دون الجماعة .
و رأيت المؤمنين كلهم مشاهدة عين من كان منهم، و من يكون إلى يوم القيامة، أظهرهم الله تعالى في صعيد واحد في زمانين مختلفين، و صاحبت من الرسل و انتفعت بها غير سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم جماعة منهم :
إبراهيم الخليل صلى الله عليه و سلم، قرأت عليه القرآن  و عيسى تبت على يديه،
و موسي أعطاني علم الكشف و الوضوح، و علمت تقليب الليل و النهار، فلمّا حصل عندي زال الليل و بقى النهار، في اليوم كله فلم تغرب لي شمس و لا طلعت، فكانت لي بشرى من الله تعالى أنه لا حظّ لي في الشقاء في الآخرة .
و عاشرت من الرسل محمدا و إبراهيم و موسى و عيسى و هودا و داود صلوات الله عليهم أجمعين، و ما بقى من الأنبياء فروية لا صحبة انتهى كلامه رضي الله عنه .
و في قوله سري يعني: أطلعني في كوني سرا إشارة لطيفة إلى تحققه بالحقيقة السرية التي أشار إليه صلى الله عليه و سلم بأن الولد سر أبيه و الذي كان له سرا فظهر على الولد بل الولد الأكبر، فافهم .
فإن استكثرت أيها  الطالب المتأمّل ما  ذكرته عن الإنسان الكامل بل إنسان الإنسان الكامل، بل عين إنسان الإنسان الكامل، بل روح الكل، روح الرّوح الكل وحقيقته، فأنت معذور فإن فهمك يعجز عن إدراك أمثال هذا لكن كما قيل :
إذا رأت عين العيون فتوحه     ..... نسخ العيان عجائب الأخبار
فإذا آمنت بالقرآن فإن الله تعالى قال: "إنّ اللّه على كُل شيْءٍ قدِيرٌ" [ آل عمران: 165] .
وهذه آية من آياته بل هو من آيات أشراط الساعة، فإنه طلوع شمس من مغربها و كفى بذلك عبرة و آية، فافهم .
و تكتم تسلم، فإن أردت بيانه أكثر من هذا، فاعلم أولا أن هذا جائز شرعا و عقلا بالنسبة إلى الحق، فإنه تعالى يرى ما في الأزل و الأبد في آن واحد.
كما يعلم ما كان و ما يكون قبل أن يكون، فيجوز أن يميز الله عبدا من عباده بهذا الاختصاص رؤية وعلما، فإن الله تعالى فعّال لما يريد و أنه على كل شيء قدير.

ولا شك أن هذا شيء وهو قادر عليه، فهو من المقدورات وما بقي بيننا أمر مبهم إلا أن نقول هذا الأمر واقع أم لا فهانت المسألة .
ورد في الخبر الصحيح و النص الصريح أنه صلى الله عليه و سلم قال : "مثلت لي أمتي في الماء والطين وعلمت الأسماء كلها كما علم آدم لأسماء كلها" ذكره الديلمي عن أبي رافع .
وقال صلى الله عليه و سلم: في حديث طويل : "فتجلى لي كل شيء وعرفت فعرفت تأنيسا".

اعلم أنّ القلب له بابان باب إلى عالم الملكوت و باب إلى عالم الشهادة 
و على كل باب إمام، فالإمام الذي هو بباب الملكوت قارع ذلك حتى يفتح له و لا بد أن يفتح.
فإذا فتح ظهر عند فتحه طريقان واضحان طريق إلى الأرواح وقف على أسراره و يصير صاحبا لهم وسميرا.
وإن سلك على طريق اللوح يعرف ما ذكرناه لأنه قد ارتقم فيه علم ما كان و ما يكون، و ما كان لو شاء الله أن يكون كيف يكون.
فيقابله بذات قلبه فيرتقم فيه على حسب كشفه و استعداده .
والمشاهد لهذا المقام ساكن الجوارح لا يتحرك له عضوا أصلا إلا عينه لغلبة المقام عليه، و هنا يقع التفاضل بين أهل الطريقة.
فمنهم من لا يزال عاكفا على اللوح أبدا لا ينتفع به، و منهم من يشهده تارة، و منهم من يترك فيما سطر قبل و يرتقي إلى النظر فيما يسطر.
و هنا مرتبتان منهم من ينظر فيما يسطر أعني: ماذا يسطر؟ و منهم من ينظر في كيفية تخطيط القلم، و كيف تقع العلوم من الدواة التي هي النون مجملة، و ينثرها على سطح اللوح مفصّلة، فإن تحكم صاحب هذا المقام لم يفهم منه كلام أصلا لإجماله . و منهم من ينظر اليمين .
و منهم من ينظرها من حيث هي هي: أي من حيث أن اليمين عين ذاته تعالى، و هذه أسنا المراتب و المقامات و أعلاها، و ليس ورائها مقام و لا منزل يتعالى .

و في هذه المقامات يقع التفاضل بين أصحابها، فللرسول منها شرب، وللنبيّ  شرب، و للصّوفي الوارث المحقّق شرب .
قال تعالى: "قدْ علم  كُل أناسٍ مشْربهُمْ" [ الأعراف: 160] و لكل مقام أدب يخصه و شاهد حال يشهد له بصدق المقام .
قال تعالى: "كُلٌّ  قدْ علِم صلاتهُ و تسْبيحهُ " [ النور: 42] .
و للخاتم المحمدي فيه يد الأخذ و العطاء و إطلاق التصرف فيها كما يشاء، فافهم لأن المساواة في إفادة العلم، فإن علمه بالعالم من علمه بنفسه، و علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن واحد و الفرق بينهما أنّ علم هذا العبد الوارث المحمدي عطية و عناية سبقت من الله تعالى له الحسنى من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله تعالى على الأعيان الثابتة في حال عدمها .

و إنما قلنا بسبق العناية لأنها نسبة ذاتية لا صورة لها حتى يقع عليه اطلاع مخلوق ، فصاحب هذا العلم هو أعلى عالم بالله ليس كمثله شيء، فإنه أعطاه العلم و المعرفة بالتجلي فكملت معرفته بالله فنزه و شبه اقتداءا بسنن سيده و مولاه، فإنه نزه و شبه في آية بل نصفها .
وقال: " ليس كمِثلهِ شيْءٌ وهُو السّمِيعُ البصِيرُ" [ الشورى: 11] .

وليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل بالأصالة، ولخاتم الأولياء الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد المشرف على المراتب و المقامات، كذلك وهو حسنة من حسنات خاتم الرسالة و النبوة المقدم على الأسماء الإلهية في فتح باب الشفاعة .
لقوله تعالى:" لقدْ كان لكُمْ في رسُولِ اللّهِ أسْوةٌ حسنةٌ لمنْ كان يرجُوا اللّه" [ الأحزاب: 21] .
فالخاتم الحارث الراجي الوارث يقول: كما قال سيده و سنده :
و في الخبر: أما لكم فيّ أسوة"  الحديث رواه أبو قتادة رضي الله عنه.
"كنت وليا و آدم بين الماء و الطين" فمن فهم المراتب و المقامات لم يعسر عليه قبول أمثال هذا .
فخزائن الأعطيات مختومة بختام الفاتح، فما يخرجها إلا بقدر معلوم فلهذا قال :
( جعلت هذا الكتاب منه ): أي أظهرت فيه من هذه الحقائق الغير المتناهية ما حدّ لي: أي ما حدّ لي رسول الله صلى الله عليه و سلم لا ما وقفت عليه، و الوقوف من الكمّل مختلف باختلاف وسع الكمّل، فمنهم من يشهد الحكم و يزنها في الشئون الإلهية المشهودة له، و لا يشهدها إلا عند تكوينها في الخارج في عالم الأرواح لا عالم الحس .

خاصة و منهم من يشهد قبل ظهورها في الحس و هو التكوين، و الآخر يشهده في الإمام المبين و هو اللوح المحفوظ، و هذا أعلى من الأول و أما على الشهود و أتمه الذي كلامنا فيه و نحن بصدد بيانه، و هو أنه يزنها قبل أن يكون الحق فيها، و هو الذي يشاهد أعيان الممكنات في حال عدمها .
كما يشهدها الحق في قوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76] .
و هذا أعلى المدارك و أتمها و أعزها، قال: علمه بالأشياء بمنزلة علم الله تعالى بها لأن الأخذ من معدن واحد و هذا: أي الخليفة شرب الخاتم الفاتح، فإنّ ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن لأن المتناهي لا يسع غير المتناهي: أي عادة و إنما قلنا عادة لأنه قد يسع كرامة كما وسع القلب ربه .

و من دون ذلك الذوق يقول أبو يزيد البسطامي قدّس سره: العرش و ما فيه مائة ألف ألف مرة لو أبقي في زاوية قلب العارف ما أحسّ به هذا وسعه قدس سره في المحسوسات، فافهم .
و التأنيس في كيفية الاطلاع على غير المتناهي :
أولا: من قرب النوافل حيث يكون الحق قواه فيدرك غير المتناهي بغير المتناهي .
و ثانيا: من حيث قرب الفرائض، فإنّ المدرك هنا حق به .

فإن قلت: هل يمكن إدراك غير المتناهي بالقوة المتناهية الحادثة أم لا؟!
و إذا كان من الممكنات، هل هو واقع أم لا؟!
و إذا كان واقعا هل مخصوص ببعض دون بعض أم لا؟ !
مع أن حقيقة العلم  تستدعي الإحاطة و حقيقة غير المتناهي تمنع الإحاطة، و قلتم إن قلب الحقائق من الحالات، فمن تعلق العلم به يلزم أحد الحالين إما قلب حقيقة العلم و إما أن يكون غير المتناهي متناهيا و قد فرضناه متناه يقول: فاعلم أولا أنه تعالى قال: "ولا يحِيطون بشيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إلّا  بما شاء" [ البقرة: 255] علق أمر الإحاطة بالمشيئة .

و قال صلى الله عليه و سلم : "أوتيت جوامع الكلم و كلمات الله لا تنفد".
و قال صلى الله عليه و سلم في حديث صحيح : "علمت علم الأولين والآخرين". 
و ليس لأفراد الأولين و الآخرين نهاية دنيا و أخرى، فافهم .
و آدم عليه السلام شهد الله له بأنه علم آدم الأسماء كلها و قال صلى الله عليه وسلم : "علمت الأسماء كلها كما علم آدم الأسماء كلها " . ذكره الديلمي عن أبي رافع

والأسماء إلهية غير متناهية، فإذا عرفت هذا، فاعلم أنه رضي الله عنه قال في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات " : واختلف أصحابنا في العلم المحدّث (بفتح الدال) هل يتعلق بما لا يتناهى من المعلومات أم لا؟
فمن منع أن نعرف ذات الله سبحانه منع من ذلك و من لم يمنع من ذلك لم يمنع حصوله .
فإن قلت هذا التفصيل مبهم ما عرفت الحق منهما، و ما مذهب الشيخ رضي الله عنه من بينهما .

قلنا: قال رضي الله عنه في "الفتوحات" : إن الله تعالى علق الإحاطة بالمشيئة، فما شاء الله كان.
وقد يمكن أن يقع بل وقد يصح أن يقع بمشيئة الاشتراك مع الحق تعالى في العلم بمعلوم ما، و من المعلومات العلم بالعلم، أخبر سبحانه أنه يعلم ولا يعلم منه إلا ما أعلمه إذا شاء لمن شاء بقدر ما شاء .
وذكر رضي الله عنه في الباب السابع و التسعين و مائتين:إن العبد أقامه الحق في وقت ما في مقام تعلق العلم بما لا يتناهى و ليس بمحال عندنا، انتهى كلامه . فقوله صلى الله عليه وسلم : "إن لي مع الله وقتا" الحديث .

"" أضاف المحقق : قال سيدي عبد الكريم الجيلي في الكمالات الإلهية في الصفات المحمدية : فالأنبياء والأولياء والملائكة وسائر المقربين من سائر الموجودات ليس عندهم من المعرفة الذاتية ومحمد صلى الله عليه وسلم الذي هو قلب الوجود هو الذي عنده الوسع الذاتي للمعرفة الذاتية، وإلى ذلك أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: «لي وقت مع ربي لا يسعني فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل» اهـ.
وذكر الشيخ في هذا المؤلف العظيم اتصاف سيدنا صلى الله عليه وسلم بجميع الأسماء الحسنى، وجعل يذكر الأدلة على تلك الكمالات" .أهـ ""
يمكن أن يكون إشارة إلى ذلك الوقت فافهم .

"" أضاف المحقق : الوقت عبارة عن حالك، وهو ما يقتضيه استعدادك لغير مجهول، في زمن الحال الذي لا تعلق له بالماضي والمستقبل فلا يظهر فيك من شؤون الحق الذي هو عليها، في الآن، إلا بما يطلبه استعدادا، فالحكم للاستعداد و شأن الحق محكوم عليه. 
هذا هو مذهب التحقيق، فظهور الحق في الأعيان بحسب ما يعطيه استعدادها، فلذلك ينبوع فيها فيض وجود الحق، وهو في نفسه على وحدته الذاتية، وإطلاقه و تجرده، و تقدسه غني عن العالمين.
فالوقت هو الحاكم والسلطان، فإنه يحكم على العبد فيمضه على ما يقتضيه استعدادا، ويحكم على الحق بإفاضة ما سأله العبد منه بلسان استعداده في زمن الحال.
إذ من شأن الجواد التزام توفيقه استحقاق الاستعدادت كما ينبغي.
وفي قوله تعالى: "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة". تأييد لهذا التحقيق ومن كان بحسب ما خاطبه به الشرع في كل حال، فهو في الحقيقة صاحب وقته، فإنه قام بحقه، ومن كان هكذا فهو عند ربه من السعداء.  ""

أما قولك: إن العلم حقيقة تطلب الإحاطة و إن لم تحط، يلزم جوار قلب الحقائق فلا نسلم أنه حقيقة من الحقائق الوجودية حتى يلزم المحال، بل هو نسبة بين العالم و المعلوم، و النسبة من الاعتبارات العدمية فلا محال، فافهم .
وإن سلمنا أنه حقيقة من الحقائق فلم لا يجوز أن يكون مثله مثل وسعة القلب الذي يسع الحق الغير متناهي و هو منتاه. وقد ثبت ذلك بالخبر الصحيح من الله

مع أنّ الشيخ رضي الله عنه قال: إن الاقتصار غير لازم عندنا في كل شيء بل أوجد الله تعالى ما يريد في أي محل يريد، ذكره رضي الله عنه في الباب السابع و السبعين و مائتين من " الفتوحات" .
و لا يعلم ما قلناه إلا من وسع الحقّ قلبه كما ورد في الخبر الصحيح أن الحق يقول: " ما وسعني أرضي و لا سمائي و وسعني قلب عبدي " الحديث.
فإذا المتناهي وسع غير المتناهي، و قس عليه العلم المحيط على المعلومات الغير المتناهية، فإن قلت .
قال تعالى: "وما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا "[ الإسراء: 85] وهو الذي أثبته علم كثير بل غير متناه فما التوفيق بينهما قلنا .
قال الشيخ رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات " : 
إن القليل من الاستقلال: أي ما أعطيتم من العلم إلا ما تستقلون بحمله، انتهى كلامه رضي الله عنه .
أو يكون الاستثناء عن المخاطبين من أوتيتم: أي ما أوتيتم من العلم إلا قليلا منكم .
قال تعالى: "قلْ ربِّي أعْلمُ بعِدّ تهِمْ ما يعْلمُهُمْ إلّا قليلٌ" [ الكهف: 22] .
قال ابن عباس رضي الله عنه: أنا من القليل، وورد عن العلماء: اللهم اجعلنا من القليلين، فافهم.
خاطبه به الشرع في كل حال، فهو في الحقيقة صاحب وقته، فإنه قام بحقه، و من كان هكذا فهو عند ربه من السعداء.
و يحتمل أن يكون الآية خطابا على اليهود حين مرّ صلى الله عليه و سلم بنفر من اليهود فسألوه عن الرّوح، فأنزل الله الآية و قال آخرها: "وما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا" [ الإسراء: 85] و العلم بمعنى المعلومات و يساعد تفسيرنا هذا قراءة الأعمش وهو قوله :
"و ما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا" [ الإسراء: 85] .فيكون العلم بمعنى المعلومات، كما قلنا آنفا عن الأعمش هكذا في قراءتنا رواه البخاري في صحيحه وكيف لا؟
والمحمّديون أوتوا ما لم تؤتوا، وهم الحكماء الإلهيين.
قال تعالى: "ومنْ يـؤْت الحِكْمة فقدْ أوتي خيْرًاً كثيرًاً" [ البقرة: 269] و هل الحكمة غير العلم؟ بل هي خصوص العلم للخصوص، وخصوص الخصوص.
و من هذا المشرب ما قال الشيخ عبد القادر الكيلاني قدّس سره: أوتينا ما لم تؤتوا، يشير إلى هذا العلم الخاص العام التام الذي يؤخذ من المعدن الأصلي الذاتي بلا واسطة مع أنه كلما أعطاك في الدنيا و الآخرة جمعا و فرادى من الخير، كالعلم و غيره فهو قليل بالنسبة إلى ما عنده تعالى.
فإن الذي عنده لا نهاية لها على التتابع والتتالي، يظهر و كل ما حصل لك من ذلك فهو متناه لحصوله في الوجود و نسبة ما يتناهى إلى ما لا يتناهى قليل بل أقل القليل وما لا يتناهى ما يمكن حصوله في الوجود .

فلهذا قال رضي الله عنه: و لا العالم الموجود إلا هذا من توفيق التوفيق، فافهم .
قال رضي الله عنه في الباب السابع و التسعين و مائتين من "الفتوحات " :
إن الله قد أودع في الإنسان علم كل  شيء ثم حال بينه و بين أن يدرك ما عنده مما أودع فيه و هو من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل و يجهلها جملة واحدة .
و قال فيها رضي الله عنه: بهذا العلم انفردت من دون الجماعة و لا أدري هل عثر عليه أحد غيري أم لا، انتهى كلامه .
يشير إلى هذا الكشف و العلم الخاص أقول و الله أعلم أنه ورد في الخبر في حديث طويل: "
إنّ الحقّ وضع كفّه بين كتفيّ فوجدت برد أنامله بين ثدييّ فتجلى لي كلّ شيء وعرفت الحديث" رواه الترمذي حسن صحيح عن معاذ بن جبل رضي الله عنه و هذا من هذا الذوق انفرد به الختم الوارث المحمدي بيان ذلك .
اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه، أنّ الحقّ تعالى قد جعل كل فرد من أفراد العالم علامة و دليلا على أمر خاص مثله، فمن حيث وجوده المتعين هو: علامة على نسبة من نسب الألوهية المسمّاة أسماء الذي هذا الشي ء الدال مظهر له.
ومن حيث عينه الثابتة فهو: دليل على عين ثابتة مثله،ومن حيث كونه عينا ثابتة متصفة بوجود متعين هو: علامة على مثله من الأعيان المتصفة بالوجود.

فالأجزاء من حيث أجزاء علامة على أجزاء مثلها، و من حيث مجموعها و ما يتضمنه كل جزء من المعنى الكل هي علامة على الأمر الكلي الجامع لها، و الوجود المطلق الذي يتعين منه وجودها .
وجعل أيضا مجموع العالم الكبير من حيث ظاهره علامة و دليلا على روحه و معناه و جعل جملة صور العالم و أرواحه علامة على الألوهية الجامعة للأسماء والنسب وعلى مجموع العالم.
و جعل الإنسان الكامل المجموعة من حيث صورته و روحه و معناه و مرتبته علامة تامة و دليلا دالا عليه سبحانه دلالة كاملة.
و كل ما عدا الحق و الإنسان الكامل فليس كونه علامة على ما دل عليه شرطا ضروريا مطرد الحكم لا يمكن معرفة ذلك الشيء بدونه، بل ذلك بالنسبة إلى أكثر العالم والحكم الغالب بخلاف الحق تعالى .
والإنسان الكامل قد يعلم بكل منهما كل شيء ولا يعلم أحدهما إلا بالآخر وبنفسه وموجب ذلك أن الإنسان هو:
نسخة من كل شيء، ففي قوله و مرتبته أن يدل على كل شيء بما فيه من ذلك الشيء، فقد يغني في الدلالة على كل شيء عن كل شيء .
و هذا الأمر في الجناب الإلهيّ عن شأنه، فإن الحق محيط بكل شيء، فمن عرف كل شيء في ضمنه أو بالالتزام.

فمن عباده تعالى: من يكون عرف نفسه فقد عرف ربه وعرف الأشياء بربه، وقد يكون عرف نفسه وعرف الأشياء بنفسه، ويكون ممن عرف نفسه وعرف الأشياء بنفسه لأن عينها هذا أتم ما يكون في الإلهيين، فافهم المراد .
وهنا مبحث آخر، وهو: إن العلم هل يقبل القلة والكثرة؟
أو هو معنى من المعاني فلا يقبل القسمة، بل له أحدية العين لا يتجزأ ولا يقبل القلة والكثرة .
مع أنه قال تعالى: "و ما أوتيتمْ مِن العِلْمِ إلّا  قليلًا" [ الإسراء: 85] فانقسم، و قال تعالى: "و قلْ  رب زدْني عِلْماً" [ طه:  . [114
قلنا المراد من العلم في الآية المعلومات، ذكره رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين من "الفتوحات "، فما انقسم ولا دخل تحت القلة والكثرة.

وقال رضي الله عنه في كتابه المسمّى بكتاب المعرفة: إن العلم عندنا واحد لا أقول أن لكل معلوم علما فإني لا أشترط فيه التعلق بكل المعلومات بل له صلاحية التعلق و إنما قلنا بوحدانيته إذ لو كان لكل معلوم علم و المعلومات لا نهاية لها محال، انتهى كلامه رضي الله عنه، فافهم .
و اجمع المشرب الأول بالثاني تكن عليما، فإن فوق كل ذي علم عليم فلا يكون هذا إلا لمن يكون العلم عين ذاته، فافهم .
ولولا قصور المدارك ما احتجت إلى هذه التنبيهات كلها لأنها كالعلاوة الخارجة عن المقصود، فافهم و أمعن النظر فيما مضى .
و الحقّ أخّر الكلام بأوله و أجمع النكت المبثوثة فيه لتكون عليما فهما، فإن ما كل عليم فهم .
أما ترى قال الله تعالى"ففهّمْناها سُليْمان وكُلًّا آتيْنا حُكْماً وعِلْماً" [ الأنبياء : 79]، فافهم .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment