Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM   

الفقرة السابعة :


جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
(وهذا) يعني جمع الإنسانية الكبرى والصغرى لجميع ما تقتضيه الطبيعة الكل من قوابل العالم كله أعلاه وأسفله. وكذا كل ما كان من هذا القبيل من علوم المعرفة
(لا يعرفه) معرفة تامة لما هو عليه في حقيقة ثبوته (عقل) کامل (بطریق نظر فکري) .
إذ النظر الفكري يثبت في العقل حقيقة الشيء تابعة لما يقتضيه ذلك العقل من القوة الخيالية , لا تابعة لما عليه ذلك الشيء في نفسه.
ولم يقل لا يعرفه عقل مطلقا، إذ العقل في إدراكه للعلوم له طريقان:
طريق النظر الفكري وهو طريق خطئه في الغالب.
وطريق قبوله ما يلقى إليه بالفيض الرباني بعد وزنه بالميزان الشرعي ونقده بمحك الكتاب والسنة إذا كان مؤيدة بها معرفة وإتقانه .وهذا طريق صوابه دائما.
وقد أشار إلى الثاني بقوله :
(بل هذا الفن) الذي هو فن المعارف الإلهية والعلوم الربانية بالحقائق الغيبية والشهودية (من الإدراك) الإنساني (لا يكون)، أي لا يوجد دائما (إلا عن كشف) بتکمیل قصور الإدراك حتى يجد الأمر ظاهرة على ما هو عليه، غير أن الإدراك كان قاصرة عنه فقوي في معرفته .
(إلهي)، أي منسوب إلى الإله، وهو الكشف الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة كما ذكرنا.
(منه)، أي من ذلك الكشف الإلهي (يعرف ما)، أي: أي شيء
(أصل صور العالم) المعقولة والمحسوسة (القابلة لأرواحه) المختلفة الملكية والحيوانية والنباتية وغير ذلك.
فإن الأرواح كلها متعينة أولا في حقيقة القلم الأعلى الذي هو النور الأول.
مثل تعيين الحروف الحاملة للمعاني في المداد المحمول في رأس القلم.
ثم تفصلت منه بكتابتها في اللوح المحفوظ قبل خلق السموات والأرض.
مثل تفصيل الحروف المكتوبة في قرطاس بماء البصل، حيث لا يستبين على القرطاس من كتابتها شيء منها .
وهذه الحروف هي صور المعاني والمعاني أرواحها المخلوقة قبلها.
أي المعينة لها وتلك المعاني موجودة في هذه الحروف، ولكن وجود دلالة وتدبير لهذه
الحروف لا وجود حلول واتحاد، وهي لم تبرح من قلب المتوجه على كتابة الحروف .
ثم إن تلك الحروف المكتوبة بماء البصل إذا مسها حرارة النار تبينت حروف مرسومة يخالف لونها لون القرطاس فتظهر للقارىء فيقرأها فيفهم معانيها الظاهرة فيها.
وههنا تتوجه تلك الأرواح المتعينة في حقيقة القلم الأعلى التي رسمت في اللوح المحفوظ صورة وأشكالا غیر متبينة على تلك الصور والأشكال بسبب التوجه الأصلي من همة الكاتب الحامل لأرواح هذه الصور والأشكال :
فتنبعث الحرارة الغريزية والحركة الشرقية الروحانية، فتتبين بذلك تلك الصور والأشكال في عالمها المخصوص الذي هو عالم الطبائع والعناصر.
فإذا تم تبينها وهو المراد بتسوية الجسد قوي التوجه المذكور.
فسرت الروح النباتية النامية بعد الروح الجمادية المظهرة لصورة الجسد فقط،.
ثم تسري الروح الحيوانية المحركة.
ثم الروح الإنسانية المكملة للظهور الإلهي على أتم الوجوه الممكنة.
فتتحقق صورة الإنسان وتتميز عن غيرها في هذه الأكوان.
(فسمي هذا المذكور) الجامع لقوابل العالم كله أعلاه وأسفله كما ذكرنا (إنسانا) وهو الاسم الأصلي (وخليفة) وهو الاسم اللقبي.
(فأما إنسانيته) التي سمي بها أولا (فلعموم نشأته)، أي سريانها في كل نشأة روحانية أو طبيعية أو عنصرية وحصره الحقائق العلوية والسفلية.
(كلها) بحيث لا تبقى حقيقة في العالم إلا وفيه منها رقيقة متصلة يمدها بروحه الأمري الإلهي.
وتمده هي بروحها الجمادي والنباتي والحيواني ولهذا لا غناء له عن الغذاء المحسوس.
فهو لعموم نشأته يمدها وبذلك شرف عليها وصار مكرمة.
قال تعالى : "ولقد كرمنا بني آدم "70 سورة الإسراء.
و بحصره الحقائق كلها فيه تمده هي لسبقها عليه ولكبرها بالنسبة إليه .
كما قال تعالى: "لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس" 57 سورة غافر . (وهو)، أي هذا الإنسان المذكور (للحق) تعالى النافخ فيه من روحه الأمري الإلهي النوري الذي هو المخلوق الأول من جهة إمداده تعالی کل حقيقة كونية من حقيقة هذا الإنسان كما ذكرنا.
(بمنزلة إنسان العين)، وهو نورها الذي يظهر سوادا تبصر به بحيث لو زال أو قل زال أبصارها (من العين) الإنسانية أو الحيوانية (الذي به یکون)، أي يوجد (النظر)والإدراك للأشياء على وجه التمييز بين حسنها وقبيحها.
(وهو المعبر عنه بالبصر)، وإنما يظهر سوادة وهو نور مشرق، لأن جميع ما يقابله ظلمة بالنسبة إليه.
لأنه الروح الأمري المنفوخ وهو روح کل جماد ونبات وحيوان وإنسان وملك وجن.
ولكن ما قبل كمال الظهور إلا في الإنسان الكامل فقط دون غيره فنسب إليه، وسمي في غيره باسم أنزل منه، كما أن الآدمي ظهر في هذا العالم بالعصيان والمخالفة لأمر الله تعالى.
ولا عصيان ولا مخالفة في الحقيقة غير عدم قبول بقية العالم لكمال ظهور الروح الأمري.
ظهر ذلك ظلمة وسواد في نور مرآة الروح الأمري فكان سوادة في إدراك كل رائي.
قال تعالى : " إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها" 27 سورة الأحزاب.
وهذا حقيقة العصيان والمخالفة الظاهرة في آدم عليه السلام وبنيه إلى يوم القيامة ، والمراد بالجبال كل منجبل من العناصر الأربعة والطبائع الأربع وإنما عوقب بذلك من عوقب من بني آدم لغلبة حيوانيته على إنسانيته .
(فلهذا)، أي لأنه من الحق بمنزلة إنسان العين من العين (سمي إنسانا فإن به)، أي بهذا الإنسان الكامل (نظر الحق) تعالى (إلى خلقه) جميعهم (فرحمهم) بإمدادهم منه، فلا إمداد لشيء إلا منه ، لأنه محل نظر الله تعالى لخلقه.
وقلبه محل الوسع الإلهي الذي ضاقت عنه السموات والأرض مع كبرها بالنسبة إليه.
كما ورد في الحديث القدسي: "ما وسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن التقى" وهو العبد الكامل في رتبة العبودية.
هو واحد في كل زمان إلى يوم القيامة، وإن تعدد من حيث الظهور الجسماني .


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
وأشار إليها فقال : (وهذا) المذكور أمر (لا يعرفه) على ما هو عليه (عقل بطريق فكري بل هذا الفن) بجميع مسائله (من الإدراك لا يكون) أي لا يحصل للعقل.
(إلا عن كشف إلهي) فهذا المذكور لا يعرفه العمل إلا بالكشف الإلهي لأنه مسألة من مسائله بل هو أم الفصوص وأصل جميع مسائل الفن.
فيحتاج إلى الكشف كمال الاحتياج (منه) أي من الكشف (یعرف) على الوجه اليقين (ما أصل) يعني أن شيء حقيقة (صور العالم) المساواة القابلة لأرواحه وهي حقيقة الحقائق كلها وهي الذات الإلهية من حيث أسمائه الحسنى منه متعلق بيعرف قدم للحصر .
فإن قلت : إن كان الطالب من أهل النظر فلا حظ له من الفن لأنه قال في حقه لا يعرفه عقل .
وإن كان من أهل الكشف فلا يحتاج إلى إبراز الكتاب لأنه قال في حقه إلا عن کشف.
فما معنى قوله : وأخرج به إلى الناس ينتفعون به حكاية عن الرسول عليه السلام .
وقوله : ثم منوه على طالبيه بإسناده إلى نفسه.
قلت : أما أهل النظر فيحصل له في قراءة ذلك الكتاب من أهل الكشف واليقين منافع كثيرة وإن لم يحصل له كمال المنفعة فيدخل تحت قوله تعالی : "أو ألقى السمع وهو شهيد"37 سورة ق . بسبب قراءته كما لا يخفى .
وأما أهل الكشف فيحتاج إلى مطالعة الكتاب في إدراك المعاني المعتبرة بألفاظ منتظمة فيه فلا يكفي مجرد کشفه بل مع مطالعته إن كان من أهل
المطالعة أو القراءة إن كان من أهله فإن مفردات القرآن الكريم وأجزائه معروفة للعرب قبل نزول القرآن العظيم .
وأما المعاني المبينة بالقرآن الحكيم فيحتاج في إدراكها إلى الكلام القديم.
فهذا الكتاب كرامة قوليه له: لا يأتي مثله في هذا الفن أحد من المصنفين لا قبله ولا بعده .
فلا يتصور إدراك هذه المعاني بالكشف إلا من جهته كما لا يصل العلم إلى معاني القرآن إلا من الجهة القرآنية .
فمن لم يصل إليه بعد إبرازه مع القدرة فلا نصيب له من معانيه ولو كان أهل کشف فاجتهد.
فإن المراد بإبراز الكتاب منفعتنا به فهو مأمور بالإبراز بصيغة الأمر الحضوره فيه بقوله : خذه واخرج به إلى الناس ونحن مأمورون بصيغة الغيبة لغيبتنا فيه.
بقوله ينتفعون به فوجب به علينا الانتفاع.
فالكامل والناقص بعد إبراز الكتاب سواء في احتياج الانتفاع فلا يليق لنا ترك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام.
(فسمي هذا المذكور)، وهو الكون الجامع (إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم نشانه) وهي المرتبة الجامعة بين النشأة الروحانية وهي على صورة الحق والجسمانية وهي من حقائق العالم وصوره.
(وحصره الحقائق كلها) من الإلهيات والكونيات، فإنه حينئذ يونس جميع الحقائق فهو من الإنس (وهو) بيان لوجه تسمية أخرى (للحق بمنزلة إنسان العين) بفتح الهمزة (من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا) أي فلأجل أنه للحق بمنزلة إنسان العين من العين .
(سمي إنسانا) بكسر الهمزة للفرق (فإنه) تعليل لقوله وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين أي أن الشأن (به) أي بالمذكور لا بغيره (نظر الحق إلى خلقه) أي إلى موجوداته الخارجية بعد إيجادها به .
فالمقصود الأصل بإيجاد الإنسان الكامل النظر به وهو النظر بالغير في النظر بالذات لا كالنظر بالواسطة إلى خلقه فأحب النظر إليهم بالحب الذاتي (فرحمهم) بسبب نظره الحبي إليهم وأعطى حوائجهم على حسب استعدادهم .
وإنما قال : فرحمهم مع أن المقصود يتم بدونه وهر بيان لوجه التسمية إشارة إلى أن نظر الحق إلى عباده نظر عناية أزلية .
فإن الله تبارك وتعالى أحب أن ينظر إليهم على الدوام بحسب العوالم ومن لا يحبه شيئا لم ينظر إليه .
فنظر إليهم بعد إيجادهم بسبب حبه فرحمهم بسبب نظره ففيه بشارة للمذنبين حتى لا يقنطوا من رحمة الله .
وإنما فسرنا الخلق بالموجودات فإن النظر بالغير لا يتعلق بالمعدوم كالصورة الحاصلة في المرأة.
فإنه لا يتعلق النظر بها إلا بعد وجودها في المرآة فإن مآل النظر ونتيجته الرحمة والشفقة للمنظور إليه الذي يمسه العذاب ولو مغضوبا للناظر فضلا عن أن يكون محبوبا له .
بخلاف العلم الخالي عن النظر فهو نظر الرحمة والشفقة لا نظر الوجود ولو کان نظر الوجود .
كما قال الشيخ رضى الله عنه في التدبيرات الإلهية القطب معلوم غير معين وهو خليفة الزمان ومحال النظر والتجلي ومنه يصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم ويعذب من يعذب.



شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
و قوله رضي الله عنه : "وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فکری بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه، فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها، وهو للحق تعالی بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا سمي إنسانا فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم"
قلت: يريد بالنظر استعمال المقدمات والنتائج لكن يعرفه العقل من حيث ما هو قابل للتجلي الإلهي .
فإذن العقل له اعتباران:
أحدهما من جهة ما هو فاعل بالفكر ومن هذه الجهة لا يدرك هذه الأمور.
والآخر من جهة ما هو قابل وهذه هي جهة الكشف.
فالأولى طريقة الفكر وهذه الثانية طريقة الذكر.
والأولى طريقة الفلاسفة والمتكلمين
وهذه الثانية طريقة طالبي الحق تعالى من المتشرعين ..
قوله: وسمي إنسانا إلى آخر المعنى. قلت: والشيخ قد ذكر لأي شيء قد سمي إنسانا وهو التشبيه بإنسان العين.



شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ بل هذا الفنّ من الإدراك لا يكون إلَّا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه ).
قال العبد أيّده الله به : هذا إشارة إلى علم الطبيعة الكلّ التي حصرت قوابل العالم أعلاه وأسفله ، والطبيعة الكلَّية إشارة إلى ظاهرية الحقيقة الفعّالة للصور ، كما ذكرنا .
واعلم : أنّ الصور أعمّ ممّا عرفت عرفا في تعريف العرف الفلسفي الظاهر والنظر الرسمي ، والكشف والتحقيق يقضيان بأنّها اعمّ ممّا عرفوا وعرّفوا ، ولا تختصّ بالجسمانية ، بل قد تكون الصور عقلية وخيالية وذهنية ونورية وروحانية وإلهية.
كما جاء في الصحيح : « إنّ الله خلق آدم على صورته » فللَّه تعالى صورة إلهية نورية لائقة بجنابه تعالى.
ويقال : صورة المسألة وصورة الحال .
وقال : " رأيت ربّي في أحسن صورة ".
وكان الروح الأمين يأتي رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في صورة " دحية " وغيره .
وقد تمثّل لمريم " بَشَراً سَوِيًّا " مع تحقّق أنّ الأرواح غير متحيّزة .
فكان  ظهور روحانيّ في صورة مثالية ، وحقيقة الصورة هيئة اجتماعية من أوضاع شكلية في أي مادّة فرضت في أيّ أجزاء قدّرت ومثّلت ، فافهم .
وإذا تحقّقت حقيقة الصورة ، علمت أنّها أعمّ ممّا قيل ، والصور في طور التحقيق الكشفي علوية وسفلية :
والعلوية حقيقية وهي صور أسماء الربوبية والحقائق الوجوبية ، ومادّة هذه الصور وهيولاها عماء الربّ ، والحقيقة الفعّالة ، لها أحدية جمع ذات الألوهة ، وظاهرها الطبيعة الكلية . والعلوية الإضافية هي حقائق الأرواح العقلية والأرواح المهيّمة والأرواح النفسية والملكية المهيّميّة ، ومادّة هذه الصور الروحانية في مشرب التحقيق والكشف النور .
وأمّا الصور السفلية الإمكانية من الحقائق الكيانية مطلقة فهي صور الحقائق الإمكانية والنسب المظهرية الكيانية .
وهذه الصور أيضا منقسمة إلى علوية وسفلية ، فالعلوية منها ما ذكرنا من عالم الأمر أنّها علوية إضافية ، فإنّها علوية بالنسبة إلى الحقائق الجسمانية ، وموادّها وهيولاها عماء المربوب والكون من النفس الرحماني ، ويسمّى هذا العماء عماء ، لكونه مشوبا بالظلمة .
ومن الصور العلوية الكونية صور عالم المثال المطلق والمقيّد وعالم البرازخ ، ومادّة هذه الصور وهيولاها الأنفاس والأعمال والأخلاق والملكات والنعوت والصفات .
وأمّا السفلية الكونية فهي صور عالم الأجسام ، وهي أيضا علوية وسفلية :
فالعلويات هي العرش والكرسي والأفلاك والكواكب والسماوات ، ومادّتها الجسم الكلَّي .
والسفلية الجسمانية منها فهي العناصر والعنصريات ، وهي أيضا علوية وسفلية :
فالعلوية منها هي صور الأرواح الهوائية والنارية والمارجية ، ومادّة هذه الصور الهواء والنار وما اختلط منهما مع باقي الثقلين من الأركان المغلوبين في الخفيفين كما ذكرنا في الموضع الأنسب بذلك.
والسفلية الحقيقية هي ما غلب في نشأته الثقيلان وهما الأرض والماء على الخفيفين وهما النار والهواء
وهي ثلاث :
صور معدنية . -  وصور نباتية . - وصور حيوانية .
وكل عالم من هذه العوالم يشتمل على صور شخصيات لا تتناهى ولا يحصيها إلَّا الله تعالى .
والطبيعة هي الحقيقة الحاملة لهذه الصور كلَّها من كونها عين المادّة من وجه ، ومن وجه أخرى الفعّالة لهذه الصور كلَّها ، وحقيقتها هي الأحدية الجمعية الذاتية الفعّالة لصورتها في نفسها بنفسها . فالطبيعة الكلّ وإن كانت مظهر الفعل الذاتي الإلهي .
ولكن حقيقتها حقيقة أحدية جمع الصور الفعلية والانفعالية في العوالم الربانية والعوالم الكيانية ، والصورة الكلية المطلقة منفعلة على الإطلاق في المادّة العمائية الكلَّية الكبرى عن هذه الحقيقة الفعلية الذاتية للحقيقة الإلهية الكامنة في التعيّن الأوّل ، وهي منه وفيه ، والفاعل هو الله .
والطبيعة باعتبار آخر من قوى النفس الكليّة سارية في الأجسام الطبيعية السفلية والأجرام العلوية ، فاعلة لصورها المنطبعة في موادّها الهيولانية المعلومة لحكماء الرسوم .
وبالاعتبار الأوّل قوّة كلَّية من قوى النفس الإلهية الفعّالة للصور كلَّها معنويّها العلمية الإلهية الأزلية والعقلية والروحانية والنفسانية والمثالية والنورية والطبيعية والعنصرية والخيالية والذهنية والتصوريّة واللفظية النفسية الإنسانية من صور الحروف والكلمات ، والرقية كذلك ، فافهم .
وما أظنّك تفهم فادرج ، فليس نفسك إن كنت مقيّدا للحق .
وقد أشار الله تعالى إلى نفسه التي من قوّتها هذه الطبيعة الكلَّية بقوله :" وَيُحَذِّرُكُمُ الله نَفْسَه " , " وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي " .
فالطبيعة الكلية بهذا الاعتبار قوّة من قوى النفس الإلهية الذاتية الكلية التي لا يعلم ولا يحيط بما فيها إلَّا الله .
كما قال الله تعالى إخبارا وحكاية عن العبد الصالح : " تَعْلَمُ ما في نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما في نَفْسِكَ ". وكما قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " أنت كما أثنيت على نفسك لا أحصي ثناء عليك لا أبلغ كلّ ما فيك " .
فلمّا كانت أحدية الجمعية الإلهية ، وأحدية الجمعية التي بحقيقة الحقائق ، وأحدية الجمع التي للطبيعة الكلية في النشأة الحاملة لهذه الأوصاف كلَّها من الحقيّة والخلقية وما تحتهما سارية بالنفس الرحماني إلى الحقائق والقوى كلَّها بالكمالات والمناصب الراجعة إلى هذه الجمعيات وفي كل ملك ملك.
وقوّة قوّة وصورة صورة ، زعمت أنّ لها أهلية هذه الكمالات كلَّها ، وأنّى لها ذلك ؟
وما لكلّ منها إلَّا مقام معلوم ، فافهم .
فإنّ هذا الكشف من أصعب العلوم الخصيصة بكشف مرتبة الكمال المحمدي الختمي ، ولا يناله إلَّا من ورث خاتم النبيين ومشكاة خاتم الأولياء المحمديين .
حقّقنا الله والإخوان والأودّاء الإلهيين بعلومه ومقاماته وأحواله ومشاهده ومنازلاته ومعاريجه ، إنّه عليم قدير حكيم خبير .
ثم اعلم : أنّ الكشف عبارة عن رفع الحجب الظلمانية والنورية التي بين الحقيقة وبين المدرك منّا ، فإن كان المدرك النفس أو العقل ، والمدارك قواهما النفسانية النظرية والفكرية بطريق ترتيب المقدّمات وترتيب المبادئ والمفردات على الوجه المؤدّي إلى الغايات.
فهو طريق البرهان والاستدلال باللوازم القريبة والبعيدة على الملزومات ، فهي وإن كانت في زعم أهلها موصلة إلى إدراك الحقائق ، فليست موصلة إلى الحقائق من حيث هي هي في العلم الأزلي مجرّدة عن النسب والإضافات .
بل من كونها موجودات وملزومات ومعروضات للعوارض ولوازم ، لا من حيث هي حقائق مطلقة فإنّ ذلك لا يكون إلَّا بكشف حجب هذه اللوازم والعوارض من حيث هي حجب.
كذلك فإنّ الملزومية والعارضية والمعروضية نسب عارضة على الحقائق عند تلبّسها بالوجود العيني ، فإنّها في علم الله حقائق غيبيّة معنوية عريّة عن الوجود العيني .
أو قل : هي نسب علمية أزليّة ، أو صور معلوميّات الأشياء ، أو حروف الكلمات النفسية الرحمانية ، أو شؤون ذات اللاهوت ، أو الأعيان الثابتة في العلم الذاتي ، أو الماهيات ، أو هويات الموجودات من شأنها أنّها إذا وجدت لأعيانها ، كان بعضها ملزومات ومعروضات ، وبعضها لوازم وعوارض ولواحق .
كلّ هذه الاعتبارات والعبارات صادقة ، ويتداولها طائفة من المحقّقين في عرفهم الخاصّ بهم ، وهي في عرصة العلم الذاتي متمايزة بخصوصياتها الذاتية يدركها المكاشف عند رفع الأستار ، والتجلَّي والشهود متمايزة الحقائق لخصوصياتها ، ولا يدركها المفكَّر كذلك .
بل إنّما يدرك هذه الحقائق متلبّسة بالوجود العيني الموجب للتوحيد ، والرافع للتمييز والتعديد ، ونظنّ أنّها لم تزل على هذا ، وليس ذلك كذلك .
فإذا انشرحت العقول عن حجابيّات قيود العادات ، وانطلقت عن عقال ضمنيات الكائنات ، ويخلص السرّ الإلهيّ من أحكام التعيّن وآثار القيود الحجابية ، وانكشفت عن بصائرها وأبصارها الأستار ، حينئذ تأتّى للمدرك أن يدرك الحقائق على ما هي عليها في عالم الحقائق والمعاني .
وقد يظنّ العامّة من ظاهرية المتفلسفة ، أنّ علم الحقائق على ما هي عليها عبارة عن إدراكها في هذه اللوازم والعوارض واللواحق وأنّها لا تحقّق لحقائق بدونها في الخارج .
وهذا المتفلسف المدّعي للحكمة ما عرف الفرق بين حقائق الأشياء وبين أعيانها فإنّه ما أدرك إلَّا أعيان الموجودات ولم يدرك الحقائق من حيث إطلاقها وباطنها الحقيقية مجرّدة عن هذه العوارض واللوازم واللواحق ، وهو معذور لكون هذا العلم والشهود فوق طور العقل ، وراء طور الفكر ، والفرق بين المقامين بيّن ، فانظر ما ذا ترى ؟
وإذا تحقّقت ما ذكرنا ، علمت أنّ من الكشف ما هو عقلي وهو الذي يدركه العقل بجوهره النوري المطلق عن قيود الفكر والمزاج .
ومنه ما هو نفسانيّ وهو ما يحصل للنفوس المطلقة عن قيودها المزاجية بإدمان الرياضات والمجاهدات من النفوس الكلَّية العالية ، بكشف حجاب ما به المباينة والممايزة .
ومن الكشف ما هو روحاني ، وذلك بعد كشف الحجب النفسانية والعقلية ومطالعة الروح الإنساني لمطالع الأنفاس الرحمانية .
ومن الكشف ما هو رباني بطريق التجلَّي ، إمّا بالتنزّل والتدلَّي ، أو بالمعراج والتسلَّي ، أو بالمنازلات بأسرار التولَّي والتجلَّي ، أو بالجمع والتجلَّي بعد التخلَّي من الربّ المتولَّي .
وهو متعدّد بحسب تعدّدات الحضرات الأسمائية فإنّ للحق تجلَّيا من كل حضرة ، ومن الحضرات.
وأعلى التجلَّيات الأسمائية هو التجلَّي الإلهيّ الجمعيّ الأحديّ الذي يعطي المكاشفات الكلَّية الأحدية الجمعية ، وليس كلّ كشف كذلك.
وفوقها التجلَّي الذاتيّ الاختصاصيّ الذي يعطي الكشف بحقيقة الحقائق ومراتبها ، وبحقيقة النفس والعلماء ، وبالحقيقة الإلهية ، وبحقيقة الطبيعة الكلَّية ، فافهم واعرف قدر ما دسّيت لك من الأسرار ، والله وليّ التوفيق والتحقيق .
ثمّ أعلم : أنّ « الحقيقة » يصدق إطلاقها على كل ما له تحقّق في الجملة بالإطلاق العامّ ، فثمّ حقيقة تحقّقها بذاتها وهي حقيقة الحق ، وقد تكون حقيقة تحقّقها لا بذاتها .
بل تحقّقها بما هو متحقّق بذاته من ذاته ، إمّا في العلم أو في العين أو في بعض مراتب الوجود أو في جميعها دائما أو لا دائما ، بل في وقت دون وقت .
وعلى هذا يصدق إطلاق الحقيقة على الحق والخلق وعلى النسب والإضافات والجواهر والأعراض ، إن قلنا إنّ الخلق له تحقّق ، وقد تكون الحقيقة واحدة وكثيرة ، ومطلقة ومقيّدة ، فاعلم ذلك .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فسمّي هذا المذكور إنسانا وخليفة . فأمّا إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلَّها .
وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبّر عنه بالبصر ، فلهذا سمّي إنسانا فإنّه به ينظر الحقّ إلى خلقه ، فيرحمهم ) .
يعني رضي الله عنه : أنّ اعتبار الحقيقة الإنسانية على وجه يكون الاشتقاق اللفظي محفوظا فيه ، إن كان بمعنى الأنس من كونها مؤنسة للحقائق ومأنوسة.
وليس سائر الحقائق كذلك لكون كلّ حقيقة غيرها ممتازة عن غيرها بخصوصها المباين الموجب للغيرية بخلاف الحقيقة الإنسانية فإنّها أحدية جمع جميع الحقائق الحقيّة والخلقية والبرزخية .
فما امتازت الحقيقة الإنسانية عنها إلَّا بأحدية جمع الجمع والإحاطة ، وبها أنست بالكلّ ، وأنس بها الكلّ بعضه بالبعض .
ولهذا لم يكن مثله شيئا لعموم نشأته جميع النشئات ، وعدم عموم غيرها لأنّها ما من نشأة من النشآت إلَّا وفي نشأته نظيرتها .
وما من حقيقة  من الحقائق إلَّا وفي الحقيقة الإنسانية محتدها وأصلها لأنّ العوالم كلَّها على صورة الإنسان .
كما أنّ الإنسان على صورة الله فما من عرش ولا كرسي ولا فلك ولا روحاني ولا كوكب ولا منازل ولا بروج ولا سماوات ولا أرضين ولا نار ولا هواء ولا تراب ولا ماء ولا مولَّد من معدن ونبات وحيوان ماش أو ساع أو سائح أو طائر أو ناش إلَّا وفي النشأة الإنسانية أمثالها ونظائرها.
ولهذا قيل : الإنسان هو العالم الصغير .
وقالوا : العالم الإنسان الكبير .
وفيه نظر على ما سنبيّنه في موضعه ، فهو بصورته الطبيعية وبروحه جامع لخصائص عالم الأرواح من المهيّمة ومن العقول والنفوس والملائكة والجنّ ، وكذلك يجمع بحقيقته الإنسانية البرزخية بين بحريّ الوجوب والإمكان  وبين الإطلاق والتعيّن .
وقابليته أجمع القابليات ، ومظهريته أكمل المظهريات ، وما يخصّه من الفيض والتجلَّي أتمّ وأكمل وأعمّ وأشمل .
وبهذا استحقّ الخلافة وسجود الملائكة فإنّ السجود هو الدخول في الطاعة والتذلَّل والانقياد والخضوع.
فلمّا جمعت النشأة الإنسانية الكمالية بسعة قابليته وحيطة دائرة استعداده جميع الحقائق والقوى القائمة بصور العالم ، والمنتشرة والمطويّة منها في أعلاه وأسفله ، سجدت الملائكة التي هي عبارة عن صور أرواحها لآدم هو أوّل مظهر إنساني لافتقار العالم في كماله إلى وجوده واستغناء الإنسان بنشأته الكاملة عن العالم وما فيه .
فهو على حدته مغن عن العالم ، أو كان في مظهرية التجلَّي الذاتي الأحدي الجمعي والأسماء التفصيلية الفرعية .
والعالم بلا إنسان كامل غير كامل ولا كاف فيما ذكر .
ولهذا ما عرفته الملائكة إلَّا أسماء حين سألهم الحق عنها بقوله : " أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ " ، أي هؤلاء النسب والحقائق الإلهية الزمانية ، إشارة إلى حقائق الأسماء متجلَّية في صورها النورية وحقائق الموجودات القابلة لتلك التجليات .
فلمّا لم يعرف الملائكة أسماء تلك الصورة النورانية والحقائق المعنوية من حيث التمايز والخصوصيات التي تقوّمت بها نشأتهم .
قال الله تعالى : " يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ " أي أعلمهم وأخبرهم بأسمائهم .
أي بيّن المظاهر وأسماء الحق ، التي هم مستندون إليها في وجودهم فإنّ كلّ واحد منهم مظهر لحقيقة مخصوصة من حقائق أسماء الواجب الوجود ، وخادم لاسم معيّن ، وسادن لنسبة ربانية من النسب الإلهية ، فكلّ منهم لا يعرف الحقّ إلَّا من حيث مظهريته المعيّنة وقابليته الجزئية واستعداداته الخصوصية.
فالحق المسمّى بفتح الميم وآدم المسمّى بكسر الميم والملائكة لا يعرفون الحق ولا أنفسهم ولا ما يستند إليه من الأسماء إلَّا من وجه جزئي تعيّنيّ.
ولهذا لمّا أنبأهم آدم بأسمائهم في الحضرات الأسمائية ، وأظهر خصوصيات عبدانيات كلّ واحد منهم لاسم هو ربّه ، وأنبأهم بأسماء الحق ، التي هم مستندون إليها التي لها السلطان والحكم عليها.
قالوا : " سبحانك لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ".
فلهذا أنس بهذه الحقيقة الإنسانية الكلّ ، وأنس بالكلّ ، فسمّي الوجود الحق المتعيّن في هذه الحقيقة الكلَّية المطلقة إنسانا .
وهو « فعلان » من الأنس على صيغة المبالغة .
وسمّي أيضا إنسان العين إنسانا بهذا الاعتبار لأنّ العين تأنس بكلّ ما تقع عليه ولا يناسبه أيضا نور الحق المتعيّن بالجمع في نار الفرق .
وإيناس النور في النور مؤنس يعطي الأنس لناظر الناظر ، ولأنّ الإنسان من عين الإنسان آلة النظر ، وإدراك ظاهرية المبصرات وإبصار كلّ ذي بصر إنّما هو بحسبه .
وكان نظر الله أحديا جمعيا بأحدية جمع العلم والشهود لظاهرية أحدية جمعيات الحقائق والأشياء ، ولم يكن في الموجودات والحقائق حقيقة جمعية أحدية جامعة لجميع الجمعيات إلَّا هذا المظهر الأعمّ الأكمل ، والمنظر الأتمّ الأجمع الأوسع الأشمل ، به نظر الله في إبصاره لظاهريات الحقائق كلَّها ، فهو مجلى النظر الإلهي وإنسان العين المنزّهة ، فسمّاه بهذه الاعتبارات إنسانا .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
( وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكرى )
فإن العقل من الجناب الإلهي التي هي الحضرة الواحدية فلا يدرك إلا الحقائق المتعينة الكلية مع لوازمها في عالمها الروحاني .
وأما الجزئيات الجسمانية التي هي ما تقتضيه الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم فلا يعرفها وكذلك لا يعرف الحقيقة التي تحقق الحقائق الكلية والجزئية أي الذات التي تحقق بفيضها الأقدس أي تجلى الذاتي حقائق الروحانيات والجسمانيات وبتجليها الشهودى واسمها النور يظهر الكل .
فإنها لا يعرفها إلا عينها ، قوله وفي هذه النشأة الحاملة لهذه الأوصاف من القوى الروحانية ولوازمها من الحياة والقدرة والعلم والإرادة وأمثالها .
يشعر بأن الأوصاف المحمولة من النشأة المعنوية الروحانية المعبر عن عالمها بالجناب الإلهي .
قوله ( بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهى منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه )
إشارة إلى أن صورة العالم أيضا حقائق وأعيان وأصل الحقائق هو الذات الأحدية فحقيقة الحقائق كما تحقق الحقائق الروحانية في العالم الذي سماه الجناب الإلهي لتحقق أسماء الألوهية فيه فهي تحقق الحقائق الجسمانية في العالم السفلى بتجل واحد ذاتى .
فأصل الجميع أي الجناب الإلهي وما تقتضيه الطبيعة الكلية الحاصرة للقوابل واحد ، وهو الذات الأحدية السارية في الكل ولهذا قال عليه الصلاة والسلام « لو دلى أحدكم دلوه لهبط على الله وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله » .
وكيف يدرك العقل هذا المعنى فإنه لا يدركه إلا هو نفسه ، ولا يكشف إلا على من يأخذه من نفسه بنفسه.
( فسمى هذا المذكور إنسانا وخليفة ، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها ) أي لأن نشأته تحوى الحقائق كلها ، وجميع مراتب الوجود العلوية والسفلية بأحدية الجمع التي ناسب لها حقيقة الحقائق.
وهي الجمعية المذكورة إذ لا شيء في النشأتين إلا وهو موجود فيه أي لا مرتبة في الوجود إلا وشيء منها فيه فناسب وجود الكل مؤانسا به ، فسمى إنسانا لأنه عالم صغير ، والعالم يسمى إنسانا كبيرا ، أو باعتبار آخر ( وهو ) أنه ( للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر )
لأن الله تعالى نظر به إلى الخلق فرحمهم ( فلهذا سمى إنسانا ) أيضا .
والمعنى أنه المقصود من خلق العالم لأنه الحامل للسر الإلهي وأمانته أي معرفته والمقصود من الكل معرفته ،.
كما قال « فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق »
فلو لا محبة المعرفة لم يخلق الخلق فلا يعرفه من العالم إلا الإنسان فلو لا الإنسان العارف باللَّه لم يخلق العالم فالعالم تابع لوجوده
( فإنه به نظر الحق إلى خلقه فرحمهم ) أي فهو الذي نظر به إلى الخلق الموقوف هو عليهم فرحمهم بالإيجاد.




مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
قوله رضي الله عنه : (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه) .
أي، هذا الأمر المذكور وتحقيقه، على ما هو عليه، طور وراء أطوار العقل، أي النظري، فإن إدراكه يحتاج إلى نور رباني يرفع الحجب عن عين القلب ويحدبصره فيراه القلب بذلك النور، بل يكشف جمع الحقائق الكونية والإلهية.
وأما العقل بطريق النظر الفكري وترتيب المقدمات والأشكال القياسية، فلا يمكن أن يعرف من هذه الحقائق شيئا، لأنها لا تفيد إلا إثبات الأمور الخارجية عنها اللازمة إياها لزوما غير بين. والأقوال الشارحة لا بد وأن يكون أجزاؤها معلومة قبلها إنكان المحدود مركبا، والكلام فيها كالكلام في الأول.
وإن كان بسيطا لا جزء له في العقل ولا في الخارج، فلا يمكن تعريفه إلا باللوازم البينة، فالحقائق على حالها مجهولة.
فمتى توجه العقل النظري إلى معرفتها من غير تطهير المحل من الريون الحاجبة إياه عن إدراكها، كما هي، يقع في تيه الحيرة وبيداء الظلمة ويخبط خبطةعشواء.
وأكثر من أخذت الفطانة بيده وأدرك المعقولات من وراء الحجاب لغاية الذكاء وقوة الفطنة من الحكماء زعم أنه أدركها على ما هي عليه، ولما تنبه في آخر أمره، إعترف بالعجز والقصور. كما قال أبو على عند وفاته عن نفسه:
يموت وليس له حاصل  ...  سوى علمه أنه ما علم 
وقال أيضا:
إعتصام الورى بمغفرتك  .... عجز الواصفون عن صفتك
تب علينا فإننا بشر   ..... ما عرفناك حق معرفتك
وقال الإمام:
نهاية إدراك العقول عقال  ..... وغاية سعى العالمين ضلال
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا  ..... سوى أن جمعنا فيه قيل وقال
وأما الذات الإلهية فحار فيها جميع الأنبياء والأولياء، كما قال، صلى الله عليه وسلم: "ما عرفناك حق معرفتك" و "ما عبدناك حق عبادتك".
وقال أبو بكر،رضى الله عنه: "العجز عن درك الإدراك إدراك"
وقال آخر:
قد تحيرت فيك خذ بيدي   ..... يا دليلا لمن تحير فيكا
وقال الشيخ:
ولست أدرك من شئ حقيقته  .... وكيف أدركه وأنتم فيه
وإنما قيد قوله: (بطريق نظري فكري) لأن القلب إذا تنور بالنور الإلهي، يتنور العقل أيضا بنوره ويتبع القلب، لأنه قوة من قواه، فيدرك الحقائق بالتبعية إدراكا مجردا من التصرف فيها، ويسلم أمره إلى الله المتصرف بالحقيقة في كل شئ.
ويعترف اعترافه الأول بقوله: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم."
قوله: (منه يعرف)... أي، من الكشف الإلهي يعرف ما الذي ظهر على صور العالم التي قبلت لأرواحه.
وضمير (أرواحه) عائد إلى (العالم). وإنما قيد (الكشف) بـ (الإلهي) لخروج الصوري والملكي والجني، وكشف الخواطر والضمائر وأمثالها، فإنها لا تعطى ذلك.
بل كشف الحقائق الأسمائية والتجليات الصفاتية تعد القلوب للتجليات الذاتية المفنية لما سواها الجاعلة لجبال الإنيات دكا، فتفنى فيها فناء يوجب البقاء الأبدي، فتطلع بحقيقتها وحقيقةغيرها بالحق، وتعلم أن الذات الإلهية هي التي تظهر بصور العالم، وأن أصل تلك الحقائق وصورها، تلك الذات، وأنها هي التي ظهرت في الصورة الجوهرية المطلقة التي قبلت هذه الصور كلها من حيث قيوميتها.
والمراد بـ (الصور) يجوز أن يكون الأجسام القابلة للأرواح، ويجوز أن يكون الأجسام والأجساد المثالية والهياكل النورية، فيكون مشتملا على جميع العقول والنفوس المجردة وغير المجردة والجن وغيرها، لأن لكل منها صورة في عالم الأرواح حسب ما يليق بكمالاته، كما مر بيانه في المقدمات.
(فسمى هذا المذكور إنسانا وخليفة. فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها.
وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر، وهوالمعبر عنه بالبصر، فلهذا سمى إنسانا) أي، سمى هذا الكون الجامع إنسانا وخليفة.
أما تسميته (إنسانا) فلوجهين:
أحدهما، عموم نشأته. أي، اشتمال نشأته المرتبية على مراتب العالم وحصره الحقائق، أي المفصلة في العالم.
وذلك لأن (الإنسان) إما مأخوذ من (الأنس) أو من (النسيان).
فإن كان من (الأنس)، وهو ما يؤنس به، فهو حاصل للإنسان لكونه مجمع الأسماء ومظاهرها وتؤنس به الحقائق وتحصر في نشئاته الجسمانية والروحانية والمثالية لإحاطة النشأة إياها.
وإن كان من (النسيان)، وهو الذهول عن بعض الأشياء بعد التوجه إليه بالاشتغال إلى غيره، فالإنسان
بحكم اتصافه بـ (كل يوم هو في شأن) لا يمكن وقوفه بشأن واحد. وهذا، أيضا يقتضى العموم والإحاطة، إذ لو لم تكن نشأته محيطة بها، لكانت على منوال واحد ونسق معين كغيره من الموجودات.
وأيا ما كان سمى الإنسان إنسانا، لهذه المناسبة الجامعة بين الاسم والمسمى.
وثانيهما، أنه للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يحصل به النظر،
وهو الذي يعبر عنه بالبصر وكما أن إنسان العين هو المقصود والأصل من العين، إذ به يكون النظر ومشاهدة عالم الظاهر الذي هو صورة الحق، كذلك الإنسان هو المقصود الأول من العالم كله، إذ به يظهر الأسرار الإلهية والمعارف الحقيقية المقصودة من الخلق، وبه يحصل اتصال الأول بالآخر، وبمرتبته يكمل مراتب عالم الباطن والظاهر.
ففي قوله(وهو للحق) أي، الإنسان للحق.
(بمنزلة إنسان العين) إشارة إلى نتيجة قرب الفرائض، وهو كون العبدسمع الحق وبصره ويده، الحاصلة للإنسان الكامل عند فناء الذات وبقائها به فيمقام الفرق بعد الجمع. وهذا أعلى رتبة من نتيجة قرب النوافل، وهو كون الحق سمع العبد وبصره، لأنه عند فناء الصفات فالإنسان الذي للحقبمنزلة إنسان العين من العين هو الإنسان الكامل لا غير.
وأيضا، الكامل لكونه واسطة بين الحق والعالم باعتبار، صار بمنزلة إنسان العين من العين، لأنه أيضا واسطةبين الرائي الحقيقي وبين المرئي.
قوله: (فإنه به نظر الحق إلى الخلق فرحمهم)
تعليل لقوله: (وهوللحق بمنزلة إنسان العين من العين)
وإشارة إلى أن الكامل هو سبب إيجاد العالم وبقائه وكمالاته أزلا وأبدا دنيا وآخرة.
وذلك إما في العلم: فلأن الحق تعالى لما تجلى لذاته بذاته وشاهد جميع صفاته وكمالاته في ذاته وأراد أن يشاهدها في حقيقة تكون له كالمرآة .
كما ذكره في أول الفص - أوجد (الحقيقة المحمدية) التي هي حقيقة هذا النوع الإنساني في الحضرة العلمية.
فوجدت حقائق العالم كلها بوجودها، وجودا إجماليا، لاشتمالها عليها من حيث مضاهاتها للمرتبة الإلهية الجامعة للأسماء كلها، ثم أوجدهم فيها وجودا تفصيليا، فصارت أعيانا ثابتة،كما تقرر في موضعها.
وإما في العين بحسب وجوداتهم: فلأنه جعل الوجودالخارجي مطابقا للوجود العلمي بإيجاد العقل الأول الذي هو النور المحمدي .
المعرب عنه: (أول ما خلق الله نوري) أولا، ثم غيره من الموجودات التي تضمنها العقل الأول وعلمها ثانيا.
وإما بحسب كمالاتهم: فلأنه جعل قلب الإنسان الكامل مرآة التجليات الذاتية والأسمائية ليتجلى له أولا، ثم بواسطته تجلى للعالم، كانعكاس النور من المرآة المقابلة للشعاع إلى ما يقابلها، فأعيانهم في العلم والعين وكمالاتهم إنما حصلت بواسطة الإنسان الكامل .
وأيضا، لما كان الإنسان مقصودا أوليا ووجوده الخارجي يستدعى وجود حقائق العالم، أوجد أجزاء العالم أولا ليوجد الإنسان آخرا، لذلك جاء في الخبر: "لولاك لما خلقت الأفلاك".
وهذا الشهود الأزلي، والإيجاد العلمي والعيني عبارة عن النظر إليهم وإفاضة الرحمة الرحمانية المجملة والرحيمية المفصلة عليهم، إذ جميع الكمالات مترتبة على الوجود لازمة له.
فالوجود هو الرحمة الأصلية التي يتبعها جميع أنواع الرحمة والسعادة الدنيوية والأخروية.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
ثم أشار إلى أنه لا يمكن إقامة البرهان العقلي على رجوع بعض ما عندها إلى الجناب الإلهي، وبعضه إلى جانب حقيقة الحقائق، وبعضه إلى الطبيعة الكلية.
فقال: (وهذا لا يعرفه عقل)، وإن كان لا ينكره أيضا (بطریق نظر فكري) بترتيب المقدمات (بل هذا الفن من الإدراك) أي: إدراك مرجع الموجودات من الحضرات المذكورة(لا يكون إلا عن كشف إلهي) بأن ترفع حجب القلب بتصقيله، فيجاري به المبادئ العالية المنتقشة بالعلوم بل العلم الأزلي .
(منه يعرف ما أصل صور العالم) أي: مرجعها من الحضرات المذكورة (القابلة) تلك الصور (لأرواحه) أي: أرواح العالم الكبير والصغير من النفوس السماوية والمعدنيةوالنباتية والحيوانية والإنسانية وقواها.
ووصف الصور بذلك يشير إلى أنه كان الواجب على القوى أن تنظر في الصور القابلة أن لها أيضا هذه الجمعية مع أنها ليست مقصودة بذاتها بل بأرواحها، فلا يكون لها فضل بل هذه القوى باعتبار هذه الجمعية غايتها أن تساوي تلك الصور، فافهم؛ فإنه مزلة للقدم.
وإذا كان جمعية ما سوى آدم وأولاده قاصرة، وإن بلغوا من العظمة ما بلغوا، ولا بد من الجمعية الكاملة فكانت لآدم وأولاده، (فسمي هذا المذكور) أي: آدم
(إنسانا وخليفة فأما إنسانيته) أي: كونه مسمى بالإنسان (فلعموم نشأته) أي: شمول خلقته ظهورات الأسماء والصفات الإلهية، (وحصره الحقائق) أي: أسرار سائر الموجودات فهو مؤنس لهما، ولما تم فيه معنى الأنس اشتق منه صيغة المبالغة، وهي الإنسان.
وأيضا لتسميته إنسانا وجه آخر، (وهو) أنه (للحق بمنزلة إنسان العين من العين) أي: بمنزلة البصر للحق، فإن إنسان العين: هو (الذي يكون به النظر) أي: إدراك المبصرات للعين (وهو) أي: الذي يكون به للعين النظر، (والمعبر عنه بالبصر) الذي هو القوة المدركة للمبصرات، وهو إنسان العين.
فلهذا أي: فلوجود هذا المعنى في الإنسان من حيث إنه مقصود بالذات من خلق العالم.

"" اعلم أنه ليس المراد أن الواجب في حقه تعالی جسم له عين، وأن آدم إنسانها، فإنه لا يقوله عاقل فضلا عن عارف، وإنما أراد الله بحكمته عبدا إنسانا كاملا يكون خليفة له سبحانه لتصريف وإدارة بعض أمور الكون التي سوف يستخلفه عليها,وأما كونه سبحانه وتعالى في عالم القدم يرى الأشياء قبل  ظهورها؛ فهذا منه؛ لأنه من عالم القدم حيث هذا يكون لآدم حال كونه صورة مخزونة في العلم الإلهي، وليس هذا له حال كونه جسما عنصريا.""

وفي تقديم الجار والمجرور، وإعادة لفظ «سمي» إشارة إلى أن هذا الوجه الكامل الذي لا ينبغي أن يعتبر معه غيره سمي إنسائا كأنه هو بصر الحق بعينه، (فإنه به نظر الحق إلى خلقه)؛ لأن خلقه من مقدماته أو متمماته (فرحمهم) ليوقف ذاته أو كماله عليهم . فالإنسان: هو العلة الغائية من إيجادهم.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه.  فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها.  وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر.  فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
ولذلك قال تعريضا بهم : ( وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ ، بل هذا الفنّ من الإدراك لا يكون إلَّا عن كشف إلهيّ ، منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه ) فإنّك قد عرفت أنّ القابل وأصله راجع إلى الفيض الأقدس عن ثنويّة القابل والفاعل والكاسب والمكتسب منه ، فهو إذن بمعزل عن أن تقتنص شوارد حقائقه بمخالب قوى العقل وجوارحه .
أو يصل إليه أحد بسلاليم الأقيسة الفكريّة ومدارج مقدّماتها ، ضرورة أنّ الثنويّة التقابليّة غالبة في نشأة العقل وجبلَّته القدسيّة العالميّة على ما يظهر من تلويحه أيضا سيما فيما يدركه باستعانة من قواه وتوسّل إليها . 

نعم ، يمكن له الوصول إليه عند انطواء الأسباب والآلات التعمّليّة والاكتسابيّة ، وانطفاء مشاعل مشاعره الجزئيّة ، عند سطوع تباشير إصباح المكاشفات الإلهيّة ، وشروق أنوار شمس الحقيقة من مطلع الوهب والامتنان ، وافق اليقين ، الخالص عن شوائب الحجج والبرهان  .
ثمّ إنّه بعد تحقيق الحقيقة الآدميّة وتفصيل جمعيّتها التامّة شرع في تبيين أساميها ، كشفا عن كنه أحكامها ولوازمها المعربة عن تمام ذلك التفصيل ، وما له من كماليّة في الظهور والإظهار ، فإنّك قد عرفت أنّ حقيقة كلّ شيء بخواصّها ولوازمها إنّما تستعلم من أساميها وألفاظها المختصّة بها ، بقوله : ( فسمّي هذا المذكور « إنسانا » و « خليفة » ) بحسب كمالية الأوّل والآخر (فأمّا إنسانيّته : فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلَّها ) حصرا جميعا امتزاجيّا يتعاكس فيه النسب من الكلّ على الكلّ ، ويأنس بها الكلّ إلى  الكل.

( وهو للحقّ بمنزلة إنسان العين من العين ) أي كما أنّ إنسان العين من العين الشخصي فيه مثال الشخص بعينه حاصر الجميع أجزائه بأوضاعها وأشكالها ، كذلك الإنسان مثله من العين الوجودي ، وليس كمثله شيء ، أو كما أن بإنسان العين ينظر على الشيء ، فكذلك بحقيقته الأصليّة السابقة على الكلّ نظر الحقّ إلى العالم بعينه ، حسبما سمعه من ألسنة قابليّاتهم ، فرحمهم بوجوده .
فالإنسان بحقيقته هو ( الذي يكون به النظر ، وهو المعبّر عنه بالبصر ) في قوله : " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  ( فلهذا سمّي إنسانا ، فإنّه به نظر الحقّ إلى الخلق ) .
ورآهم بصورهم التي صوّرهم بها ألسنة قابليّاتهم في صيغ صبغ تعيّناتهم ( فرحمهم ) بالوجود التامّ المترتّب على ما حصل من المشعرين من العلم الكامل وكأنّك قد نبّهت على سبب طيّ أحد المشعرين في عبارته .


شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد المتوفي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها. وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم.)
قوله رضي الله عنه : "وهذا لا يعرفه عقل بطریق نظر فکري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه ."
(وهذا)، أي حصر الطبيعة قوابل العالم كله (لا بعرفه عقل بطریق نظر فكري)، بأن تتحرك من الطالب المشعور بها توجه إلى مباديها المعلومة ومنها إلى تلك المطالب.
وذلك لأن معرفة هذا الحصر لا تحصل إلا بمعرفة الطبيعة، ومعرفتها على ما يؤدي إليه النظر الفكري لا يتجاوز عما هو معلوم لعلماء الرسوم من اختصاصها بالأجسام السفلية والأجرام العلوية (بل هذا الفن)، أي النور (من الإدراك) و المعرفة (لا يكون إلا عن كشف إلهي) حاصل بالتوجيه والافتقار التام إلى الله سبحانه وتفريغ القلب.
وتعريته بالكلية من جميع التعلقات الملكوتية والعلوم والقوانين الرسمية (منه)، أي من ذلك الكشف الإلهي (يعرف ما أصل صورة العالم) المنطبعة في مواده بفعل تأثير من ذلك الأصل (القابلة) لتلك الصورة (لأرواحه) المنفوخة فيها إن كانت من الصور المجردة.

فالمراد بأرواحها الأسماء التي هي مظاهر لها فإن نسبة الظاهر إلى المظهر نسبة الروح إلى الصورة المساواة له.

اعلم أن الطبيعة في عرف علماء الرسوم قوة بين قوى النفس الكلية سارية في الأجسام الطبيعية السفلية والأجرام العلوية فاعلة تصورها المنطبعة في موادها الهيولانية.
وفي سر من مشرب الكشف والتحقيق إشارة إلى حقيقة إلهية فعالة للصور كلها . وهذه الحقيقة بفعل الصورة الاسمانية بباطنها في المادة العلمية فإن النشأة واحدة جامعة تحقيقها للصور الحقانية الوجوبية والصور الخلقية الكونية روحانية كانت أو مادية أو جسمانية بسيطة أو مركبة.
والصور في صور التحقيق الكشفي علوية وسفلية ؛ فالعلوية حقيقة وهي صور الأسماء الربوبية والحقائق الوجوبية ومادة هذه الصور الروحانية هي النور.
وأما الصور السفلية في صور الحقائق الإمكانية .
وهي أيضا منقسمة إلى علوية وسفلية ؛ فمن العلوية ما سبق من الصور الروحانية، ومنها صور عالم المثال المطلق والمقيد.
وأما السفلية فمنها صور عالم الأجسام للغير العنصرية كالعرش والكرسي ومادتها الجسم الكل ومنها صور العناصر والعنصريات.
ومن العنصريات الصور الهوائية والنارية والمازجية.
مادة هذه الصور الهواء والنار وما اختلط معهما من الثقيلين الباقين من الأركان المغلوبين في الخفيفين.
ومنها الصور السفلية حقيقة وهي ما غلب في نشأته
الثقيلان وهما : الأرض والماء .
على الخفيفين وهما النار والهواء.
وهي ثلاث صور معدنية وصور نباتية وصور حيوانية وكل عالم من هذه العوالم تستعمل على صور شخصية لا تتناهى ولا يحصيها إلا الله سبحانه. والحقيقة الفعالة الإلهية فاعلة بباطنها الصور الأسمائية وظاهرها الذي هو الطبيعة الكلية تفعل ما عداها من الصور.
فالحقيقة الإلهية أصل جميع الصور والطبيعة الكلية التي هي مظهرها أصل صور العالم كله
قوله رضي الله عنه : "فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحضرة الحقائق كلها وهو يلحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر . فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم ."
(تسمى هذه) الكون الجامع (المذكور إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم نشأته) المرآتية .
فإن له ثلاث نشأت :
نشأة روحية  -   ونشأة عنصرية  - ونشأة مرآتية هي أحدية جمعهما
والعموم أهل المرآتية (وحصره الحقائق كلها) إلهية كانت أو كونية (وهو)، أي الكون الجامع (للحق سبحانه بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر وهو)، أي إنسان العين (هو المعبر عنه بالبصر) الذي به يبصر الشيء ويؤنس (فلهذا)، أي لمعنى الإبصار المتضمن للإنسان (سمي) إنسان العين (إنسانا) وهو فعلان من الأنس للمبالغة فيه (فإنه) الضمير للشأن أو للكون الجامع (به)، أي بالكون الجامع المذكور (نظر الحق سبحانه إلى خلقه فرحمهم).
قوله : فلعموم نشأته مقدمة تقوله :
فإنه به نظر الحق فإنه لو لم تكن نشأته عامة حاصرة للحقائق كلها لم يمكن به النظر إلى خلفه كله.
وتوصيف إنسان العين بقوله :  الذي يكون النظر واردة فالوصف بقوله : وهو المعبر عنه بالبصر إشارة إلى وجه تسمية إنسان العين بالإنسان وهو كونه بحيث يبصر ويؤنس به.
ولهذا فرع عليه قوله : فلهذا سمي إنسانا.
وقوله : وهو للحق بمنزلة إنسان العين إشارة إلى أن وجه التسمية كما أنه متحقق في إنسان العين كذلك متحقق في الكون الجامع.
وقوله : فإنه به نظر الحق تعليل له.
ولو حمل قوله : فلهذا سمي إنسانا على أن معناه فلكون الكون الجامع بمنزلة إنسان العين للحق سبحانه . سمي ذلك الكون الجامع إنسانا .
و جعل قوله : فإنه نظر الحق علة له لا لما ذكر في الوجه الأول كان علة للعلية كما لا يخفى.
وإذا تحقق وجه تسمية إنسان العين بالإنسان الكون الجامع فكما يناسب تسمية إنسان العين به كذلك يناسب تسمية الكون الجامع بالإنسان بواسطة تسمية إنسان العين به ، فإن العكس أولى كما لا يخفى وعلى هذا التقدير هذا الكلام وجه واحد للتسمية لا رجحان.
ويمكن أن يجعل وجهين :
أحدهما : قوله لعموم النشأة، فإن عموم النشأة وحضرة الحقائق كلها تقتضي أن يكون له مع كل حفيفة نسبة مخصوصة بها أنس بالکل وأنس الكل به ، فيتحقق معنى الأنس فيه .
وثانيها : قوله: وهو للحق بمنزلة إنسان العين لأنه يفهم منه وجه تسمية إنسان العين به وهو متحقق بعينه في الكون الجامع کما عرفت.
ثم اعلم أن الشيخ الكبير رضي الله عنه أورد في كتاب "الفكوك" أن الإنسان الكامل الحقيقي هو البرزخ بين الوجوب والإمكان والمرأة الجامعة بين صفات القدم وأحكامه و بين صفات الحدثان .
وهو الواسطة بين الحق والخلق وبه ومن مرتبته يصل فیض الحق والعدد الذي هو سبب بقائه ما سوى الحق إلى العالم كله علوا وسفلا.
ولولاه من حيث برزخيته التي تغاير الطرفين لم يقبل شيء من العالم المدد الإلهي الوحداني لعدم المناسبة والارتباط ولم يصل إليه . انتهى كلامه.
وكان الشيخ رضي الله عنه ما أراد بنظر الحق به إلى خلقه ورحمته عليهم إلا وصول الفيض من مرتبته إليهم


كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكري، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه. فسمي هذا المذكور إنسانا وخليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته وحصره الحقائق كلها.
وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر، وهو المعبر عنه بالبصر. فلهذا سمي إنسانا فإنه به ينظر الحق إلى خلقه فيرحمهم. )
قال المصنف رضي الله عنه : ([ وهذا لا يعرفه عقل بطريق نظر فكريّ، بل هذا الفن من الإدراك لا يكون إلا عن كشف إلهي منه يعرف ما أصل صور العالم القابلة لأرواحه . 
فسمي هذا المذكور إنسانا و خليفة، فأما إنسانيته فلعموم نشأته و حصره الحقائق كلها و هو للحق بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر و هو المعبر عنه بالبصر . (فإنه به نظر الحق تعالى إلى خلقه فرحمهم . )

قال الشارح رضي الله عنه :
( و هذا لا يعرفه عقل) لأن هذه المعرفة تحتاج إلى معرفة الطبيعة، و معرفتها على ما يؤدي إليه النظر و الفكر لا يتجاوز عمّا هو موهوم علماء الرسوم من اختصاصها بالأجسام السفلية و العلوية، و هذا ما هو معرفة الطبيعة من حيث الحقيقة بل هي نهاية نظرهم، و غاية معرفتهم معرفة خواصها و لوازمها و عوارضها الذاتية لأن اللوازم الذاتية، و عوارضها لا تعرف إلا بمعرفة الذات لأنها نسب لها، فافهم . 
فما ذلك إلا الظن ، وهو لا يغني من الحق شيئا، و أن الشي ء كان ما كان ما يدركه بما يغايره في الحقيقة، و قد بسطت لك في هذا العلم قبل هذا في الفصول . 
أما ترى أن العقول اضطربت آراؤهم في الطبيعة حتى قالوا بتأثيرها، بل الطبيعيون اعتقدوا وحدانية الطبيعة، فكل ما ظهر من الموجودات الطبيعة، قالوا: هذا من الطبيعية، فوحّدوا الأمر و حصروه في الطبيعة كما وجدنا الإله في خلقه و كذلك الدهرية، و ما لهم بذلك من علم، بل يظنون بالله الظنون . 
و هنا مسألة أخرى و هي: إن الله تعالى تسمّى لنا بالدهر، و ما تسمّى بالطبيعة لأنها ليست بغير من وجد عنها عينا، فهي عين كل موجود، و طبيعي بخلاف الدهر ما هو عين الكون، و رأينا الطبيعة عين الكون، فتسمّى بالدهر للمغايرة المفهومة منه فافهم، فإن هذا من غرائب "الفتوحات المكية" . 
( بطريق نظر فكري) لأن علوم النبوّة و الولاية الصرفة، وراء طور العقل بمعنى : 
إنه ليس للعقل فيه دخول بفكر، و نظر لكن له القبول خاصة عند تسليم العقل الذي  
لم يغلب عليه شبه خيالية فكرية، يكون من ذلك فساد نظره لأن الله تعالى ما خلق للنفس آلة للإدراك غير العقل .
( بل هذا الفن ): أي هذا الضرب من (الإدراك) و هو إدراك الجمعية المذكورة في النشأة الطبيعية العنصرية، و إدراك حقائقها لا يكون إلا عن كشف إلهي: أي لا عن كشف صوري رحماني، و لا عن تعريف رباني، لهن كشف ذاتي بارتفاع حكم النسب الجزئية و الصفات الكونية التقليدية عن العارف حال تحققه بمقام قرب النوافل و بالمرتبة التي فوقها المجاوزة لها و هي مقام قرب الفرائض، و بقرب المقامين أو أدنى تنقلب كل صفة و قوة من صفات العبد و قواه إلى أخلاق إلهية، و يبقى العبد مستورا خلف حجاب عين ربه.
فينشد لسان حقيقة لا مجازا كما قيل :تسترت عن دهري بظل جناحه    ..... فعيني ترى دهري و ليس يراني
فلو تسأل الأيام ما اسمي ما      ...... و أين مكاني ما درين مكاني
لأنه عين الزمان و الوقت و لا وقت و لا مكان له و لا زمان، فانكشف الأمر كله له بهذا الكشف الذاتي الإلهي، (منه ): أي من هذا الكشف تعرف (ما أصل صور العالم) . 

قال الشيخ رضي الله عنه : 
انظر إلى الكون في تفصيله عجبا     ....... و مرجع الكل في العقبى إلى
في الأصل متفق في الصور .......    و لا ترى الكون إلا الله بالله
فمن الكشف الإلهي تعرف صور العالم من الأعلى إلى الأدنى إنها تطورات الفيض الأقدس و تجليات الذات المقدّسة تجلت بصور العالم، و ظهرت بصور المظاهر و ذلك لأن الطبيعة قابل للأمر الإلهي و محل طهور الأعيان جسما و جسدا و الصور فيها تتكون، و عنها تظهر فالأمر الإلهي بلا طبيعة لا يكون و الطبيعة بلا أمر لا تكون، فالأمر في نفس الأمر متوقف على الأمرين، و ظهوره في الأمر بالأمر هو عين ظهوره في المأمور لا بأمر زائد، و لكن باختلاف الصور، و اختلافها باختلاف القوابل، فافهم . 
فإن التجلي ما زال في الأحدية و الفيض فيض الأقدس، و ما بقى إلا حكم القابل، فإن قيل: إن الله قادر على إيجاد الأشياء من غير أن ينفعل شيء آخر كالطبيعة، و غيرها قلنا: ردّ الله عليك هذا النبأ . 
و قال: " إنّما قوْلنا لشيْءٍ إذا أردناهُ أنْ نقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ النحل: 40] .
فإذا ظهرت الطبيعة به، ظهرت الأجسام و الأجساد، و ظهرت بها الصور و الأشكال و الأعراض فالأبعاد و جميع القوى و الروحانية و الجسمانية و هو غير المعبر عنه بلسان الشرع العماء الذي هو للحق قبل الخلق ما تحته هواء، و ما فوقه هواء، فافهم . 
فمن عرف الله بهذه المعرفة عرف نعم الله التي أسبغها عليه الظاهرة و الباطنة، فتبرأ من المجادلة في الله بغير علم، و هي ما أعطاه الدليل النظري لا كتاب منير، و لا تعريف إلهي مستنير . 
قال تعالى عنهم: "ومِن النّاسِ منْ يجادِلُ في اللّهِ بغيْرِ عِلْمٍ "الحج: 3] بمجرد الفكر المخالف للكشف، و التجلي الإلهي، و لا مرتبة أنزل من هذا في الجهل، فافهم . 
وأمّا الصور التي في العالم كلها نسب و إضافات و أحوال لا موجودة و لا معدومة، و إن كانت مشهودة من وجه فليست بمشهورة من وجه آخر، و عين زمان فناء تلك الصورة عين زمان وجود الأخرى لا أنه بعد الفساد تحدث الأخرى . 
هكذا ذكر صاحب الكشف الأتم الأوفى الذي هو أولى بالتحقيق و أحرى، فماذا يرجع ما يدركه المدرك من تحول العين الواحدة في الصور في نظر الناظر؟
هل هي في نفسها على ما يدركها البصر؟
أو هي على ما هي عليه في نفسها لم تتقلب عينها؟ . 
وهذا راجع إلى ما يرى من الأعيان، ويحكم عليها أنها أعيان هل تكثرت بأعراض، أو بجواهر؟ فإن الصور تختلف في النظر دائما و كل منظور إليه بالبصر من الأجسام جسم، فالجسمية حكم عام و يرى فيها صورا مختلفة منها ما يكون سريع الزوال، و منها ما يعطي البطء في النظر و الجسم لا يتبدل، و ليس الموصوف بما ظهر إلا الجسم، و كذلك الصور الروحانية و التجلي الإلهي .
قال رضي الله عنه في الباب الرابع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
إن هذا علم فيه إشكال عظيم و التخلص منه بطريق النظر الفكري عسير جدا . 
و أمّا بطريق الكشف و علم التجلي، فإن العارف يرى ما أنكره العاقل بنظره، و فكره كدخول الجمل في سمّ الخياط، فإن الكاشف يراه بنظر الحس و الشهادة القابلة لأرواحه . 
اختلفوا في مسألة روح صورة هذا العالم الذي هو الإنسان الكبير، و أرواح صور العالم العلوي و السفلي، فها أنا أبسطها لك من كلامه رضي الله عنه و على الله قصد السبيل . 
اعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن روح العالم الكبير هو الغيب الذي خرج عنه، فافهم.
و يكفيك أنه المظهر الأكبر الأعلى إن عقلت، و عرفت قوله تعالى: "ألمْ تر إلى ربِّك  كيف مدّ الظِّلّ" [ الفرقان: 45] . 
و بعد أن بان لك روح العالم الكبير، فبقى لك أن تعلم أرواح صور الأعضاء للإنسان الصغير كالقدرة و هي روح اليد و السمع روح الأذن و البصر روح العين، فاعلم أن التحقيق في ذلك عند الشيخ الأكبر رضي الله عنه أن الأرواح المدبرة للصور كانت الموجودة في حضرة الإجمال كالحروف الموجودة بالقوة في المداد، فلم يتميزه لأنفسها.
فإذا كتب القلم في اللوح طهرت صورة الحروف مفصّلة بعد ما كانت مجملة متصلة في الدواة و المداد، فقيل: هذه ألف، و هذه باء و هي أرواح البسائط و قيل في أرواح الأجسام المركبة: هذا زيد، و هذا قائم . 
و يشير إلى هذه المراتب قوله تعالى: "ن والقلمِ وما يسْطرُون" [ القلم: 1] . 
فإن النون: هي مرتبة الإجمال.
و القلم: هو الكاتب،
و ما يسطرون: مراتب الأرواح البسيطة المسطرة.
و لما سوّى الله تعالى صور العالم: أي عالم شاء كان الروح الكل كالقلم، و اليمين الكاتبة، و الأرواح كالمداد في القلم، و الصور كمنازل الحروف في اللوح، فنفخ الروح في صورة مميزة بصورها، فقيل: هذا زيد، و هذا عمر، و هذا فرس فمن الناس من منع ذلك، و لكل واحد وجه يستند إليه في ذلك .
و الطريقة الوسطى ما ذهبت إليه أمة وسطا كالشيخ الأكبر رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: " ثمّ أنشأناهُ خلْقاً آخر" [ المؤمنون: 14] فإنه قال فيه: و إذا سوّى الله الصورة الجسمية، فأي صورة شاء من الصور الروحية رّكّبها . 
قال الله تعالى: "في أي صُورٍة ما شاء رّكبك" [ الانفطار: 8] .
إن شاء في صورة إنسان أو حيوان أو نبات على ما قدّره العزيز الحكيم القوي العليم، فثمّ شخص الغالب عليه البلادة، فروحه تقرب إلى روح الحمار في أصل المزاج.
و هكذا الأمر كله فامتازت الأرواح بصورها فمن عرف كشفا أو تعريفا أن الصور المختلفة الظاهرة في الوجود هي أحكام استعدادات أعيان الممكنات، عرف كشفا و شهودا أو تعريفا أنه عين مظاهره لا غير . 
و بيان ذلك أنه لما أراد الله تعالى وجود الممكنات، و أمرها بالتكوين، و لم يوجد وجود يتصف به، إذا لم يكن ثمة إلا وجود الحق تعالى، فظهرت صورا في الوجود الحق، فتداخلت الصفات الإلهية و الكونية.
فوصف الحق بصفات الكون، و وصف الحق بصفات الحق.
فمن قال: ما رأيت إلا الله صدق، و من قال: ما رأيت إلا العالم ما كذب.
و من قال: ما رأيت العالم إلا و رأيت الله قبله، أو بعده، أو معه صدق.
و من قال: ما رأيت شيئا صدق لسرعة الاستحالة، وعدم الثبات، وعين الوجود، و هو عين الفساد لا أنه بعد الفساد يوجد العين . 
هذه المسألة رباعية من مسائل اجتماع الضدين فافهم،
فإذا عرفت جميع ما ذكرته، عرفت أن الذات الأحدية هي السارية في الكل بالكل .
قال صلى الله عليه و سلم مشيرا إلى هذا المقام : "لو دلي أحدكم دلوه لهبط على الله"  .
قال تعالى"و هُو الّذِي في السّماءِ إلهٌ وفي الْأرضِ إلهٌ "[ الزخرف: 84].
و كيف يدرك العقل المعقول هذا المطلق المجهول، بل أن الله قد أودع اللوح المحفوظ علمه في خلقه بما يكون منهم إلى يوم القيامة، و لو سئل اللوح ما فيك؟ أو ما خطّ فيك القلم؟ ما علم . 
قال الصدّيق الأكبر رضي الله عنه: و العجز عن درك الإدراك إدراك . 

و قال الشيخ رضي الله عنه في بعض قصائده الإلهية و هو يناجي ربه تعالى : و لست أدرك من  شيء .....      و كيف أدركه و أنتم فيه
فسمّي هذا المذكور: أي آدم، فإنه ذكر و لم يكن شيئا مذكورا، أو الجلاء، أو الكون الجامع، و كلها ترجع إلى معنى واحد كما قيل : 
عباراتنا شتى و حسنك       ..... و كلّ إلى ذاك الجمال يشير
اعلم أنه لم يكن في الأزل شيء يقدر به ما يكون في الأبد إلا الهو، فأراد الهو أن يرى نفسه رؤية  كمالية أسمائية كانت لهو، و تزول في حقه حكم الهو، فنظر في الأعيان الثابتة فلم ير عينا يعطي النظر إليها هذه الرتبة الإنابية إلا عين الإنسان الكامل، فإنه كان إنسان العين، و عين الإنسان فقدرها و قابلها به، فوفت له الحقائق إلا حقيقة واحدة نقصت عنه و هو أن يكون وجوده لنفسه، فتطابقت الصورتان من جميع الوجوه، و قد كان قدر تلك العين على كل ما أوجده قبل وجود الإنسان من عقل و نفس و هباء و جسم و فلك، و ملك و عنصر و مولد، فلم يعط  شيء منها رتبة كمالية أسمائية إلا الوجود الإنساني، فأعطاه مرتبة العقل الأول، و علمه ما لم يعلم . 
العقل الأول من الحقيقة الحقية التي هي الوجه الخاص له من جانب الحق، و بها زاد على جميع المخلوقات، فلم تظهر الصور الحقية إلا به، فالعقل مع عظمته جزء من الصورة و هكذا كل موجود إنما هو في البعضية، فافهم .
( إنسانا) من أنست الشي ء إذا أبصرته، قال سبحانه عن نبيه عليه السلام أنه:" آنس مِنْ جانبِ الطُّورِ نارًاً " [ القصص: 29]:
أي أبصر، و إنما قلنا: أنس بمعنى: أبصر لأنه كان به بصيرا، و هو المثال الذي في العين لغة، ذكره في القاموس . 
فسمّي الإنسان إنسانا لكونه مثال ما في العين الوجود، أو مثال ما في العين الثابت، أو مثال ما في العلم فافهم.
أو من الإنس لأنه أنس الرتبة الكمالية الأسمائية، و إنما قدمت الوجه الأول لأنه أوجه بمراد المصنف رضي الله عنه . 
ثم اعلم أنه تعالى قال: "هلْ أتى على الِإنسانِ حِينٌ مِن الدّهْرِ لمْ يكُنْ شيْئاً مذكُورًاً" [ الإنسان: 1] فإنه أحد الموجود، و أول المقصود، و أمّا تأخيره لأنه في الحقيقة حضرة التصوير، و حضرة التصوير هي آخر حضرة الخلق، و ليس ورائها حضرة للخلق، و الإبداع جملة واحدة . 
أما ترى قوله تعالى: "هُو اللّهُ الخالقُ البارئُ المُصِورُ" [ الحشر: 24] .

أخّر درجة التصوير عن درجة الخلق و الإبداع فهي المنتهي و العلم أولها، و الهوية هي المنعوتة بهذا كله، فابتدأ بقوله: هو في العلم ثم ختم بها، و قال: إن الله خلق آدم على صورته فتنبه، و على الله قصد السبيل، و هو على التحقيق . 
ألا إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له:
كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم 
إن التقدّم و التأخّر من مقتضى ذات الكون، و أن الأمر الإلهي الذي هو القول له وحدة العين، و الكثرة الموهومة من أعمال الوهم في عين الخيال، و الأمر في نفس الأمر ليس كما يتوهم في الحق تعالى أنه لا يقول لشي ء كن إلا إذا أراده و رأيت الموجود، و يتأخر وجود بعضها عن بعض، و كل موجود لابد أن يكون مرادا بالوجود، و لا يتكون إلا بأن يقول له: كن على جهة الأمر، فيتوهم الإنسان، أو ذو القوة الوهمية أن الأوامر كثيرة لكل كون أمر إلهي، و لم نقل الحق إلا عند إرادة تكوينه، فبهذا الوهم عينه بتقدم الأمر الإلهي الإيجابي: أي  الوجود لأن الخطاب الإلهي على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم يقتضي ذلك العموم، فيصوّره مقدما و إن كان الدليل العقلي لا يتصوره و لا يقول به، و لكن الوهم يحصره، و يصوره كما يصور المحال، و يتوهم صورة وجودية ما لا يقع في الوجود الحسّي أبدا، و هكذا الأعيان مفصّلة في الثبوت الإمكاني، فافهم .

فالتقديم و التأخير في قبول الوجود باعتبار السماع من العين لا باعتبار القول لأنه واحد العين . 
قال تعالى: "و ما أمْرنا إلّا واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصر" [ القمر: 50] .
فيتعلق بالعين الحس في الوجود الحسّي، كما تعلق به الخيال في الوجود الخيالي، و هنا حارت الألباب هل الموصوف بالوجود المدرك بهذه الإدراكات الحسية هو العين الثابتة انتقلت من حال العدم إلى حال الوجود؟ أو حكمها.
تعلق تعلقا خاصا ظهوريا تعلق ظهور المرائي في المرآة بعين الوجود الحق.
و هي في حال عدمها، كما هي ثابتة بنعوته بتلك الصفة، فتدرك أعيان الممكنات بعضها بعضا في عين مرآة وجود الحق، أو الأعيان الثابتة على ترتيبها الواقع عندنا في الإدراك على ما هو عليه من العدم كالمرائي، و يكون الحق الوجودي ظاهرا في تلك الأعيان، و هي له مظاهر فيدرك بعضها بعضا عند ظهور الحق تعالى فيها، فيقال قد استفادت الوجود، و ليس إلا ظهور الحق، فصاحب الكشف الأتم الأوسع يرى الاثنين صحيحين، و من يكون دونه ينكشف واحد دون واحد، و ليس هذا الكشف إلا لأهل هذه الطريقة المثلى .

و أمّا علماء الرسوم في هذه المسألة على قسمين : 
طائفة تقول: لا عين للممكن في حال العدم، وإنما عينه عين وجوده كالأشاعرة رحمهم الله تعالى. 
و طائفة أخرى قالت: إن لها أعيانا ثبوتية هي التي توجد بعد إن لم يكن، و ما لا يمكن وجوده كالمحال، و لا عين له ثابتة، و هم كالمعتزلة عفا الله عنهم .
و المحققون من أهل الله يجمعون بينهما كما سبق آنفا بيانه، يرون الأعيان في المرآة الموجود في المرائي الأعيان، فافهم . 
(و خليفة) ورد في الخبر الصحيح : "أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل".  و هما اسمان من أسماء الله تعالى . 
قال تعالى: "إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً قالوا أتجْعلُ  فيها منْ يـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء و نحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك و نقِّدسُ لك قال إنِّي أعْلمُ ما لا تعْلمُون" [ البقرة: 30].
جعل آدم خليفة، و أعطاه حكم الخلافة، و الخليفة لفظة مؤنثة لأنها محل التكوين، و بها ظهر الكون، و من هذا قال رضي الله عنه في بعض أشعاره : 
نحن إناث لما فينا نولده  فليحمد الله ما في الكون من و هي زبدة مخضة الطبيعة التي ظهرت بتحريك الأفلاك و هي روح اللبن، فإذا خرج من العالم، فالعالم يكون كالنفل لا عبرة به، فافهم . 
( و أمّا إنسانيته )، فلعموم نشأته و حضرة الحقائق كلها، و هو عين كل  شيء فبعمومه، و حصره جميع الأشياء و به كل شي ء، فأنس به كل  شيء من مقام كل شيء، كما ذكر خاتم النبوة إشارة إلى المقام الأسنى في حديث طويل : "فتجلى لي كل شيء وعرفت".  
الحديث رواه الترمذي و قال: حديث صحيح عن معاذ بن جبل ذكره السيوطي في جمع الجوامع . 
و هذا حكم الولاية المحمدية من الأسوة، فإنه ذكر رضي الله عنه في "الفتوحات" .
و قال: لأنا توحدت بهذا المشهد دون إخواني، و بيان ذلك أن الإنسان نسخة جامعة مختصرة من الحضرة الإلهية و الكونية، فكل شي ء فيها لأن التجلي وحداني في جميع المواطن، و هو بكليته يتجلى لكل  شيء، و إن لم يكن مدركا لكل أحد للقرب المفرط، و الإدماج الذي توجبه غلبة حكم الوحدة على الكثرة، فإذا قام شي ء لشي ء في مقام المحاذاة المعنوية، و الروحانية كالمرآة، صار ذلك سببا لظهور صورة الشي ء و معناه المحاذي، و لا يظهر هذا إلا في الإنسان الكامل، و كماله لخاتم النبوة أصالة، و لخاتم الولاية المحمّدية كمالة وارثة، فافهم .

( و هو للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي به يكون النظر، و هو) : 
أي الإنسان المذكور المعبر عنه بالبصر، فيبصر بالإنسان الكامل الكمالات الأسمائيّ ة بجملتها هذا من مقام قرب الفرائض،  كما أنه بقرب النوافل يكون الحق تعالى بصره الذي به يبصر، كذلك في هذا المقام القرب الفرائض، يبصر الحق تعالى بالإنسان الكامل، و في الأول كان الحق بصر العبد، و في الثاني العبد بصره، و به يبصر و يرحم، يشير إلى هذا المقام قوله تعالى حكاية عن أعلم الخلق بالله تعالى:"  إنّك  كُنْت بنا بصِيرًاً" [ طه: 35].
و قوله تعالى: "إنّ  رّبهُ كان بهِ بصِيرًاً " [ الانشقاق:   . [15
فهذا من إشكال المسائل كيف يوجب المعنى حكمه لغير من قام به، فتشبه هذه المسألة مسألة قرب النوافل، والوجه الجامع بين المسألتين وجود الحكم المضاف إلى المعنى في غير المحل الذي قام به ذلك المعنى، وهل البصر يختلف حكمه باختلاف المبصرين؟ أم هل يستويان؟ مثلا يقوم زيد، ويبصر به عمرو، وهذا محال عقلا. و لكن أذكر لك مسألة متفق عليها، و هي ما ورد في الخبر الصحيح بالتنبيه عليها، و شهد الكشف الصريح . 

فاعلم أن الحق سبحانه منزه عن الحلول ، و الحدوث، و أن الإنسان يبصر ببصره، و يسمع بسمعه لا بسمع غيره، و هذه قوى قائمة بجوارحه.


""قال الشيخ رضي الله عنه في نفى القول بالحول و الإتحاد ""
"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة في معرفة أسرار وحقائق من منازل مختلفة :
ومن قال بالحلول فهو معلول وهو مرض لا دواء لدائه ولا طبيب يسعى في شفائه مريض الكون إذا بل أعل فإن الحدوث له لازم به وقائم فمرضه دائم لا يزال على فراشه ملقى ومن سهام نوائب زمانه غير موقى فلا يزال غرضا مائلا وهدفا نائلا فهو الصحيح العليل والكثيب المهيل علته صحيحه وألسن عباراتها بالحال عنها فصيحة فإن كان الحق قواه فقد بري ء من علته وقواه فإن الحق سمعه فانجبر صدعه وإنه بصره فقد نفذ نظره وإنه لسانه فقد فهم بيانه وإنه رجله فقد استقام ميلة وإنه يده فما يطلب من يعضده فمن عرف هذه النحل فقد بري ء من جميع العلل فالله شفاؤه وهو داؤه فالمتكبر مقصوم ومن كان الحق صفته فهو معصوم. أهـ""

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات المكية الباب التاسع والخمسون وخمسمائة :
وهذا يدلك على إن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا كما تحدث صورة المرئي في المرآة ينظر الناظر فيها فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها ولا يدري ما يحدث فيها ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور هذا أعطاه الحال فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة ونظرك فيها مثل قوله" إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ"""

""وقال رضي الله عنه فى الإجابة على السؤال الحادي والخمسون في الباب الثالث والسبعون من الفتوحات :
قال تعالى :"واعْبُدْ رَبَّكَ نسبة خاصة حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ" فتعلم من عبده ومن العابد والمعبود .
قال تعالى : "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ "
"وأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ". "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ " ."أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ " . "صِراطِ الله الَّذِي لَهُ ما في السَّماواتِ وما في الْأَرْضِ " ." أَلا إِلَى الله تَصِيرُ الْأُمُورُ"." وإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ". " وإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ" ." فَاعْبُدْهُ ".
لا تعبد أنت فإن عبدته من حيث عرفته فنفسك عبدت وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة الإلهية عبدت وإن عبدته عينا من غير مظهر ولا ظاهر ولا ظهور بل هو هو لا أنت وأنت أنت لا هو فهو قوله فاعبده فقد عبدته.
وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة فإنها معرفة لا يشهد معروفها فسبحان من علا في نزوله ونزل في علوه ثم لم يكن واحدا منهما ولم يكن إلا هما لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ." أهـ. ""


"" قال رضي الله عنه في الباب الثاني والتسعين ومائتين الفتوحات لنفي قول الحلول والإتحاد :
كذلك الاقتدار الإلهي إذا تجلى في العبيد فظهرت الأفعال عن الخلق فهو وإن كان بالاقتدار الإلهي ولكن يختلف الحكم لأنه بوساطة هذا المجلى الذي كان مثل المرآة لتجليه وكما ينسب النور الشمسي إلى البدر في الحس والفعل لنور البدر وهو للشمس فكذلك ينسب الفعل للخلق في الحس والفعل إنما هو لله في نفس الأمر ولاختلاف الأثر تغير الحكم النوري في الأشياء فكان ما يعطيه النور بوساطة البدر خلاف ما يعطيه بنفسه بلا واسطة كذلك يختلف الحكم في أفعال العباد ومن هنا يعرف التكليف على من توجه وبمن تعلق.
وكما تعلم عقلا إن القمر في نفسه ليس فيه من نور الشمس شيء وأن الشمس ما انتقلت إليه بذاتها وإنما كان لها مجلى وأن الصفة لا تفارق موصوفها والاسم مسماه .
كذلك العبد ليس فيه من خالقه شيء ولا حل فيه وإنما هو مجلى له خاصة ومظهر له وكما ينسب نور الشمس إلى البدر كذلك ينسب الاقتدار إلى الخلق حساأهـ. ""

"" قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع عشر وثلاثمائة من الفتوحات :
وكيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك ولو صح هذا انقلبت الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار الواجب ممكنا ومحالا والمحال واجبا وانفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق وإنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد وتنتقل عليه الحالات ويتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها وكيف يخرج عنها وهي تصرفه وكل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه .أهـ "  ""

ثم أن هذا الشخص يعمل بعمل زائد عن الفرض الذي افترض الله تعالى عليه من نوافل الخيرات، فينتج له هذا العمل نفي بصره، و سمعه، و جميع قواه التي كانت توجب له أحكامها، فكان ينطلق عليه من أحكامها أنه بصير إلى هذا: أنه بصير سميع إلى ذلك، فصار يسمع بالله بعد ما كان يسمع بسمعه، و يبصر بالله بعد ما كان يبصر ببصره مع العلم بأن الله تعالى تقدّس أن تكون الأشياء محلا له أو يكون هو تعالى محلا لها، فقد بصر العبد بما لم يقم به، و سمع بما لم يقم به فكان الحق سمعه، و بصره و هكذا في مسألتنا قرب الفرائض، و المناسبة بين القربين ظاهرة، و هي منشأ القياس بلا فارق، فافهم .

( فلهذا سمّي إنسانا ): أي لهذا الإبصار سمّي الإنسان إنسانا، و هو فعلان صيغة مبالغة للمبالغة فيه، فما كل عين ناظر لهذه المرتبة إلا عين الإنسان، و لو لا إنسان العين ما نظرت عين الإنسان، فبالإنسان نظر إلى الإنسان، كما أن المرآة إن  كانت تامة الخلق مجلية، فلا تكمل إلا بتجلي صورة الإنسان الناظر الذي هو العلة الغائبة فافهم . 

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 

فإذا علمت أنه ما في الوجود إلا ثلاثة أناسا :
الإنسان الأول الكل الأقدم
والإنسان العالم
والإنسان الآدمي
فانظر ما هو الأتم من هؤلاء الثلاثة ، انتهى كلامه . 

( فإنه به نظر إلى خلقه فرحمهم ): أي الحق بالإنسان نظر إلى خلقه، فرحمهم كما جاء في الخبر الصحيح :  "فبهم يرحمون و الله الرحمن الرحيم".
أما ترى أن موسى عليه السلام و على نبينا صلى الله عليه و سلم كيف طلب شرح الصدر، و وزارة الأخ و هو رحمة، ثم أعقبه بقوله:" إّنك  كُنْت بنا بصِيرًاً " [ طه: 35].
فما رحمهما إلا بعد أن بصرهما بهما، فالعبد آله الرب للإبصار، و هذا من مقام قرب الفرائض، فأوجب المعنى كلمة لغير من قام به . 
و من هنا برقت بارقة لمن قال من أهل النظر: إن البارئ مريد بإرادة حادثة لم تقم به تعالى لأنه ليس محل الحوادث، فخلق الإرادة لا في محل، فأراد بها، فأوجبت الإرادة حكمها لمن لم يقم به، كما ظنت المعتزلة في الكلام.
وأمّا الذي يرى أن المعاني لا توجب إلا لمن قامت به، طرأ عليه الغلط لكونه أثبت الصفات أعيانا متعددة وجودية، لا تقوم بنفسها، بل تستدعي موصوفا بها، تقوم به فيوصف بها فلو علم أن ذلك كله نسب و إضافات لا عين لها في عين واحدة، تكون تلك بالنسبة إلى كذا عالمة و إلى كذا قادرة، و إلى كذا غنية، و إلى كذا عزيزة، هكذا سائر الصفات و الأسماء، فيهون أمثال هذا عليه .
أما سمعت خبر : "كنت سمعه و بصره".  
فالعبد هو الرائي ببصره، و البصر هوية الحق، و كذلك السمع لا حال و لا محل، فإنه تعالى لا يحل في شيء، و لا يحل فيه شيء، و لابد من عين العبد، و لا بد من عين هوية الحق، فرأى بغير ما قام به فافهم، فإنه من مشكلات هذا الفن، ذكرتها بالتقريب .

.

واتساب

No comments:

Post a Comment