Tuesday, July 9, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM

الفقرة الحادية والثلاثون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
(ومن هذه الحقيقة) التي هي سريان الحق تعالى بصفة القيومية الجامعة لجميع الصفات المتقابلات المعبر عنها بالصورة في موضع، و بالصورتين في موضع آخر، وباليدين في آخر. سریانا في جميع الموجودات .
(كان الافتقار من العالم) كله (إلى الحق) تعالى (في وجوده) كما أن الافتقار من الحق تعالى إلى العالم كله في وجوده أيضا عند العالم.
مع أن الوجود للحق تعالى وحده لا للعالم.
لكن وجود الحق تعالى لا ينفك عن إعطاء الوجود للعالم ليظهر به وجود العالم المستفاد من الحق تعالى.
لا ينفك أيضا عن إعطاء الوجود للحق تعالی ليظهر به الحق تعالی دونه (فالكل)، أي العالم والحق تعالی (مفتقر) هذا إلى هذا من وجه وهذا إلى هذا من وجه آخر، ومراد بالمفتقر من الحق تعالى رتبته لا ذاته لأنها غنية عن العالمين بحكم قوله تعالى : "الله غني عن العالمين" 97 سورة آل عمران .
ومرادنا بالمفتقر إليه من العالم الحقيقة الثابتة في علم الحق تعالى التي هي كناية عن حضرة من حضراته تعالى .
جامعة لكل حضرة من حضراته وهي العالم الظاهر في بصيرة العارف الباطن عن بصيرة الجاهل.
وأما العالم الباطن عن بصيرة العارف الظاهر في بصيرة الجاهل، فهو نفس الجاهل الظاهرة له مع جهله.
بحيث متی عرفها عرف ربه أي نفسه المتعرية عن ذلك الجهل.
فعرف العالم على ما هو عليه ، فعرف افتقار الحق تعالى إلى العالم على حد ما قلنا.
وإذا لم يعرف نفسه لم يعرف ربه فلم يعرف العالم.
 ويظن أن العالم هو ما ظهر له من جهله، فتوهمه على خلاف ما هو عليه.
فحمله ذلك على عدم فهم قولنا، فجحد ما لم يفهم وأخطأ من حيث لا يشعر.
(ما الكل) المذكور (مستغني) عن الكل .
(هذا)، أي الذي ذكرته (هو الحق) الذي لا شبهة فيه عند أهل المعرفة (قد قلناه)، أي صرحنا به عند من يعرفه ولا يعرفه نطقا بالله تعالى ليضل الله تعالى به من يشاء ويهدي من يشاء (لا نكني) بسكون الكاف، أي لا نشير إليه من غير تصريح لأن کتابنا لأهل المعرفة لا لأهل الجهل.
فإن ذكرت أنا في کلامی (غنية لا افتقار به)، أبدا (فقد علمت) أنا ذلك الغني (الذي بقولنا نعني) أي نقصد، ومراده ذات الحق تعالى من حيث هي مجردة عن الأوصاف والأسماء فإنها غنية عن كل ما عداها.
 وأما من حيث هي موصوفة بالأوصاف مسماة بالأسماء فاعلة بأفعال حاكمة بأحكام، فهي مرتبطة بالعالم كله، والعالم مرتبط بها ارتباطا من الأزل إلى الأبد لا ينفك البتة كما قال :
(فالكل) من حق وخلق (بالکل)، من حق وخلق (مربوط) ربط عبد برب ورب بعبد وخالق بمخلوق ومخلوق بخالق.
وهكذا إلى آخره من جميع الأوصاف والأسماء والأفعال والأحكام (فليس له)، أي للكل (عنه)، أي عن الكل (انفصال) بوجه من الوجوه في الأزل والأبد.
فإن قلت: كيف هذا الارتباط في الأزل والعالم غير موجود فيه، لأنه حادث وليس بقديم.
قلت : بل العالم الذي يعرفه العارف قدیم لا حادث.
 وهو موجود كله بلا ترتيب ولا تقديم ولا تأخير. وليس فيه الجزء مقدمة على الكل.
ولا خلق آدم عليه السلام فيه مقدما على خلق جميع ذريته إلى يوم القيامة .
وليس يوم القيامة فيه متأخرا عن يومنا هذا.
وليس له وجود مع الله تعالی غیر وجود الله تعالى.
لأن وجوده بالله تعالى لا بنفسه حتى يكون له وجود غير وجود الله تعالى.
وأما العالم الذي يعرفه الجاهل، فإنه حادث مترتب بعضه على بعض ، وفيه التقديم والتأخير.
وهو موجود مع الله تعالى وجودا آخرا غير وجود الله تعالی وذلك حقيقة جهل الجاهل رآها في مرآة حقيقة العالم.
فانحجب بها عن حقيقة العالم ثم قال : (خذوا)، أي تناولوا بأيدي أذواقكم (ما)، أي الذي (قلته) في الكلام من الحق المبين عند أهله (عني) والله يتولى هدى من أراد بمحض فضله .
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
(ومن هذه الحقيقة) أي و من سريان الحق بالصورة في الموجودات (كان) أي حصل (الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده) ومن الحق إلى العالم في ظهور أحكامه فإذا كان الأمر كذلك.
شعر:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني
(فالکل) أي كل واحد من الحق والعالم المفتقر إلى الآخر من جهتين مختلفتين (ما الكل مستغني).
أي ليس كل منهما مستغن (هذا) أي افتقار الكل وعدم استغنائه (هو الحق) وغيره ليس بحق.
ولذلك (قد قلناه لا تكني) أي لا نترك أو لا نستر بل فلناه صريحا لا قلناه كناية أي سترا.
(فإذا ذكرت غنيا لا افتقار به) أي : إن سئلت أن الله غني عن العالمين فكيف قلتم إن الله مفتقر إلى العالم صدقت .
لكن الغني من حيث الذات بدون اعتبار الصفات لا من حيث الصفات فهو معنى قوله : (فقد علمت الذي بقولنا نعني).
أي علمت مرادنا بقولنا فالکل مفتقر ما الكل مستغن من حيث الأسماء والصفات لا من حيث الذات .
فلا ينافيه الغناء الذاتي فثبت أن الاستغناء من حيث الذات والافتقار من حيث الصفات هذا هو المعنى الذي أخذه القوم في هذا المقام من كلام الشيخ .
لذلك قال بعض الشارحين الباء في به بمعنى اللام أي لا افتقار له أو بمعنى في أي لا افتقار في كونه غنيا أما أنا فأقول معناه أن يقول لما قال .
(فالکل مفتقر ما الكل مستغن) فكأنه قال المعارض لا بل الكل مستغن لا افتقار به فأشار إلى المعارضة بقوله فإن ذكرت غنية لا افتقار به .
والافتقار بمعنى الارتباط لذلك تعدى بالباء دون إلى كما قال .
(فالكل بالکل مربوط) أي فإن وصفت الحق بالغناء عن العالمین لا افتقار به أي لا يرتبط العالم به من حيث غناء الحق عنه .
كما لا يرتبط الحق به فإنه إذا استغنى الحق به عن العالم فقد استغني العالم عن الحق من جهة استغناء الحق عنه فإن المعلول مستغن عن غير عليه.
والعلة لوجود العالم مجموع الذات والصفة لا الذات وحدها فثبت على هذا التقدير أن الكل مستغن .
أي كل واحد من الحق والعالم مستغن عن الآخر لا يرتبط أحدهما بالآخر ولأجل الإشارة إلى هذا المعنى أورد الباء دون اللام ومن غير الباء عن معناه إلى غيره من الحروف.فهو من عدم ذوقه هذا المعنى من كلام الشيخ .
فانظر بنظر الإنصاف إلى ما ذكره القوم وإن كان صحيحا في نفسه لكنه ليس من مدلولات هذا الكلام .
وأشار إلى جواب المعارضة بقوله "فقد علمت الذي بقولنا" نعني فإذا كان الأمر كذلك (الكل) أي مجموع العالم (بالکل) أي بالحق من حيث
الأسماء والصفات وبالعكس مربوط فليس له أي ليس لمجموع العالم.
(عنه) عن الحق من حيث الأسماء وبالعكس (انفصال خذوا ما قلته عني، فقد علمت حكمة) أي أصل (نشأة جسد آدم) وهو أي أصل نشأة جسده
قوله من قبل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره.
قوله: (أعني صورته الظاهرة) تفسير لنشأة الجسد لا لحكمة النشاة .
فكذلك قوله : (وقد علمت نشأة روح آدم) وهي قوله : وأنشأ صورته الباطنة على صورته.
قوله : (أعني صورته الباطنة) تفير لنشأة الروح وإنما فسر ليعلم أن المراد بأدم الروح الكلي المحمدي لا آدم الذي خلق من طين (فهو الحق في الخلق) .
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
قال: ومن هذه الحقيقة كان افتقار العالم إلى الحق تعالى في وجوده، لأن الكليات هي صور علمه فطلبت بلسان الحال من الحق تعالى وجودها بلسان الفقر والشيخ قد أسر هنا سرا إلهيا لكن أشار إليه إشارة مبهمة في هذه الأبيات.
وهي قوله: فالکل مفتقر ما الكل مستغن.
وموضع إبهامه هو قوله: فإن ذكرت غنيا لا افتقار له.
فأنه سکت عن الجواب، لأنه لو أجاب فإما أن يقول لا بد من الفقر في الحضر تین وحينئذ يقع عليه الرد من المحجوبين، فأشار إشارة لا يتنبه لها إلا من له کشف فإن الذي يعني بقوله.
هو قوله: الكل مفتقر ما الكل مستغن، إلا أن فقر الرازق إلى المرزوق في أن يتحقق رازقيته بالفعل، ما هو مثل فقر الممكن في وجوده إلى الواجب ومن شهد أن الحضرتين الإلهية والكونية تجمعهما الإحاطة الذاتية.
فما يعزب عنه أن يعلم أن فقر الشيء إلى نفسه ما هو فقر أصلا، لأنه ما هناك إلا الحق وأسمائه وصفاته وأفعاله والكل يرجع إلى ذاته تعالى ونحن حقائق أفعاله أعني وجودنا في اصطلاحه لا أعياننا الثابتة التي تجمعها الكليات.
وأما في اصطلاح صاحب المواقف فهو أمر غير هذا بوجه ما وإن كان المعنى يرجع إلى حقيقة لا تختلف، وما ذكره بعد هذا فهو ظاهر إلى قوله اتقوا ربكم.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
"ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده " .
فافتقار العالم إلى الموجد من أهل هذه الحقيقة ، حتى يحصل له شرف المظهرية لصورته تعالى فإنّ المخلوق على الصورة التي هي مخلوقة على الصورة الإلهية يكون على الصورة الإلهية يكون على الصورة
 .
قال رضي الله عنه : شعر :
فالكلّ مفتقر ما الكلّ مستغن     ...... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيّا لا افتقار به     ..... فقد علمت الذي من قولنا نعني
فالكلّ بالكلّ مربوط فليس له   ....... عنه انفصال خذوا ما قلته عنّي
قال العبد - أيّده الله به - : اعلم :
أنّ الله - سبحانه وتعالى - بجميع نسبه الذاتية موجب لوجود العوالم والمظاهر ، ومستلزم لمتعلَّقات حقائقة الوجوبية ، ودقائق سائر أسماء الربوبية .
وتلك المتعلَّقات هي حقائق المخلوقية والمربوبية ، فهي واجبة الوجود بإيجاب الواجب الوجود بالذات لها ، ولولا هذه الحقائق المظهرية من أكوان عالم الإمكان ، لما ظهرت الصورة الإلهية المقدّسة الأحدية الجمعية الذاتية .
فشمل الافتقار نسب الربوبية وحقائق المربوبية ، بيد أنّ افتقار العوالم إلى الحق في التحقيق بالحقيقة والوجود على التعيين .
وليس كذلك افتقار النسب الأسمائية ، فإنّ الوجود هو المسمّى بجميع الأسماء ، المتعيّن بجميع النسب ، فما بها افتقار في الوجود والتحقيق إلى العالم .
ولكن في ظهور الآثار والأحكام لا غير ، ومع ذلك فلا افتقار بها إلى عالم معيّن أو مظهر شخصيّ مبيّن ، بل يوجب بالذات لها مظاهر لا على التعيين إلى أبدا الآبدين ، كما هو مقتضى ذاته المقدّسة من الأزل دهر الداهرين . فافهم .
واعلم : أنّ فلك الوجود الحقّ محيط بالموجودات العينية والغيبية ، وهويّته المحيطة وأوّل تعيّنه الذاتي بفلك الإلهية ، وهي محيطة بأفلاك الأسماء الإلهية .
ثم أفلاك الأسماء محيطات بحقائق مظاهرها الكيانية ، وهي أجناس العوالم وأنواعها وأصنافها وأشخاصها ، ودائرة فلك الهوية الكبرى الذي للوجود الحق فلك محيط بجميع الأفلاك.
وجميعها منحصر في أربعة أفلاك :
فلك اللاتعيّن والإطلاق الوجودي العيني الحقيقي ، وفلك التعين الأوّل الأحدي الجمعي الأكبر .
وهو من الوجود الحق كالقلب من الإنسان ، وهذا الفلك محيط بفلكين عظيمين كلَّيّين محيطين بسائر الأفلاك التفصيلية الآتي حديثها في مواضع ، مواقعها فلك الإلهية المحيطة بجميع نسبها وأسمائها  بالفلك الكوني المظهري من المعلول الأوّل إلى آخر صورة توجد من آخر نوع وجد .
ثم اعلم : أنّ فلك كل حقيقة من نقط محيط فلك الإلهية وهي عبارة عن نسب الربوبية والحقائق الوجوبية إنّما يتمّ بفلك متعلَّقها من العالم .
فكل فلك من أفلاك حضرات الأسماء مقسوم بقوسين كلَّيّين متساويين مساويين مجموعهما من محيط الفلك الدائر .
فالقوس الأعلى لنسب حقيقة فلك الاسم « الله » ونسبها ولوازمها نقط محيط دائرة متعلَّقة الحبائل ، متّصلة الرقائق والجداول بنقط محيط القوس الآخر الخصيص بمرتبة الكون المظهري .
والمجموع فلك كامل ، فأفلاك الإلهية ونقط محيطها مربوطة بأفلاك العوالم ونقط محيطها ، فالكلّ مفتقر ، ما الكلّ مستغن.
وهذا معنى قول الكامل :
فالكلّ بالكلّ مربوط ، فليس له  ..... عنه انفصال خذوا ما قلته عنّي " .
وأنّى الانفصال والافتراق والحقيقة الكلية مقتضية للاتّصال والاتّفاق والائتلاف والاعتناق ؟
وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناه ُ طائِرَه ُ في عُنُقِه ِ " .
فإذا قامت قيامة التفصيل ، وتمّت مقامات التوصيل والتحصيل ، وبعثرت قبور النشور ، وبسطت أرض الحشر والنشور .
فيوم القيامة يلقاه كتابا منشورا ، سنذكر ما يبقى من تتمّة هذا السرّ في الموضع الأليق به ، إن شاء الله تعالى .
وأمّا قوله :
فإن ذكرت غنيّا لا افتقار به   ..... فقد عرفت الذي من قولنا نعني
فإنّه - رضي الله عنه - يشير إلى الغنى الذاتي الحقيقي الأحدي ، القاهر أعيان الأغيار ، والموجد كثرة النظراء والنظَّار " كان الله ولا شيء معه ".  " هُوَ الله أَحَدٌ الله الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ ".
لم يوجب من حيث ذاته الغنيّة معنى الإنتاج والإيجاد ، ولا يقتضي الإظهار والإشهاد لأنّه بالذات كامل أبدا الآباد " وَلَمْ يُولَدْ " لم ينتج من أصل مقدمات منتجة " وَلَمْ يَكُنْ لَه ُ "لا يكون للهوية الكبرى المحيطة بالكلّ مثل ولا كفؤ من أحد معيّن ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
ولذلك قال ( ومن هذه الحقيقة ) أي من جهة أن الحق في الموجودات سار بالصورة حتى وجد ما وجد ( كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده ) لأن صورته هو الموجود فبوجوده وجد كما ذكر في المقدمة قوله نظما :
( فالكل مفتقر ما الكل مستغنى )
الفاء للسببية وما نافية ورفع خبرها على اللغة التميمية ،وعليها قرئ ما هذا بشر بالرفع أي إذا كان الحق ظاهرا بصورته في العالم والعالم مفتقر في وجوده إليه.
فكل واحد من العالم والحق مفتقر إلى الآخر ليس كل منهما مستغنيا عن الآخر . أما افتقار العالم إلى الحق ففي وجوده ،وأما افتقار الحق إلى العالم ففي ظهوره.
ولما كان التصريح بهذا الافتقار غير مأذون فيه وإن كان هو الحق قال :
( هذا هو الحق قد قلناه لا تكنى      ......       فإن ذكرت غنيا لا افتقار به)
أي ذاته من حيث هي هي ومن حيث اسمه الباطن لأنه تعالى بالذات غنى عن العالمين .
وأما من حيث اسمه الظاهر والخالق والرزاق فليس يغنى ( فقد علمت الذي بقولنا ) وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ( نعنى ) أو بقولنا الحق من حيث هو أي فقد علمت لحق من حيث اسمه الباطن أو من حيث الذات بدون الصفات لأنه من هذه الحيثية غنى لا افتقار به .
ويجوز أن يكون المراد فإن ذكرت غنيا لا افتقار به فقد علمت أن المراد بقولنا فالكل مفتقر هو الحق مع جميع الصفات والأسماء والله أعلم .
قوله : ( فالكل بالكل مربوط وليس له     ......      عنه انفصال خذوا ما قلته عنى )
أي العالم مربوط بالحق في الوجود والاستناد إلى صمديته والحق مربوط بالعالم في ظهوره وسائر أسمائه الإضافية .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
"ومن هذه الحقيقة" أي، ومن هذا الارتباط الذي للحق، هو المعنى الثابت في نفس الأمر، إذ "الحق" هو الثابت لغة. 
"كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده" "كان" تاما بمعنى حصل. 
وإنما قال: "في وجوده" ولم يتعرض بذاته، تنبيها على أن الأعيان ليست مجعولة لجعل الجاعل مع أنها فائضة من الحق بالفيض الأقدس، لأن الجعل إنما يتعلق بالوجود الخارجي. كما مر تحقيقه في المقدمات.
قوله شعر:
(فالكل مفتقر، ما الكل مستغن  ....  هذا هو الحق قد قلناه لا نكنى)
أي، فكل واحد من العالم وربه مفتقر إلى الآخر: أما العالم ففي وجوده وكمالاته، وأما ربه ففي ظهوره وظهور أسمائه وأحكامهما فيه. (ما) في (ماالكل) للنفي. و (مستغن) خبره. 
ورفعه على رأى الكوفيين، كقوله تعالى: "ماهذا بشر". عند من قرأ بالرفع.
ولما كان الارتباط وافتقار كل منهما إلى الآخر ثابتا في نفس الأمر، قال:
"هذا هو الحق قد قلناه لا نكنى" وهو من (الكناية) وهو الستر. أي، لا نستره إرشادا للطالبين.
(فإن ذكرت غنيا لا افتقار به  ....   فقد علمت الذي من قولنا نعنى)
أي، فإن قلت، إن الحق غنى عن العالمين ولا افتقار له، فقد علمت من الذين عنى بقولنا: (فالكل مفتقر) لأن كلامنا في الارتباط بين الحق والعالم، وذلك بالأسماء التي تطلب العالم بذاتها، فهي مفتقرة إلى العالم، لا الذات الإلهية منحيث هي هي، فإنها من هذا الوجه غنى عن العالمين. 
و (الباء) في (به) بمعنى اللام. أي، لا افتقار له. أو بمعنى (في). أي، لا افتقار في كونه غنيا.
(فالكل بالكل مربوط وليس له  ....  عنه انفكاك خذوا ما قلته عنى) 
ضمير (له) عائد إلى العالم. وضمير (عنه) إلى الحق. والباقي ظاهر.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
فقال: (ومن هذه الحقيقة) (')، أي: سريان إشراق نور الحق في الموجودات بالصورة التحقق بالوجود مع إمكانها، (كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده) سواء فرض قديما بالزمان أو حادثا.
"حقيقة الافتقار من العالم إلى الحق تعالى الموجد في وجوده:
أي لو لم يكن الحق سبحانه الموجد ساريا في العالم ما كان العالم , وإذا ارتفع المدد، ينعدم العالم ويرجع إلى أصله، فالعالم محتاج إلى الحق سبحانه الموجد دائما أبدا .
والحق سبحانه لا تظهر أحكامه إلا في العالم، كما أن الرعية تحتاج إلى السلطان، والسلطان ما يظهر سلطانه إلا على الرعية فلا يكون السلطان إلا بالرعية.
إن الرب بلا مربوب لا يعقل، كما أن المربوب بلا رب لا يكن، فافهم."
فالعالم بهذا الافتقار لا يتحد بالحق لغناه في ذلك، وإن افتقر في الظهور بالمظاهر إليه لكنه مستغن عن ذلك الظهور إذ لا كمال له فيه بخلاف العالم، فإن افتقاره إلى الحق في تحصيل الكمال له.
وبقوله: "في وجوده"  قد أشار إلى افتقار الحق إليه في الظهور لكنه لم يصرح به الآن؛ لأنه كالافتقار من حيث استغناؤه عن ذلك الظهور، لكنه أشار إليه بقوله: (فالكل) أي: كل واحد من الخلق والحق في الوجود والظهور (مفتقر) إلى الأخر.
ولما كان نسبة الافتقار إلى الحق شنيعا عند العامة أكده بقوله: (ما الكل مستغن) ضرورة أن الربوبية تفتقر إلى المربوب و الخالق إلى الخلق والرازق إلى المرزوق لكن هذا الافتقار بحسب الظهور عند إرادته مع الاستغناء عنه فهو كالضرورة لشرط المحمول في قولنا: زيد قائم بالضرورة مادام قائما، وقد دخل في هذا افتقار الموجودات العينية إلى الحقائق الكلية وافتقارها إلى الموجودات.
ثم قال: (هذا هو الحق قد قلناه لا نکني)، أي: ليس نسبة الافتقار إلى الحق بطريق المجاز بناء على أن الافتقار بحسب الظهور، ليس بافتقار حقيقي للاستغناء عن ذلك الظهور، فنسبته إليه بطريق المجاز.
فقال: هذا ليس بطريق المجاز؛ لأن كماله يقتضي تكميل يستحق التكميل فهو افتقار حقيقي في مقتضى الكمال الوجودي، وإن لم يتوقف عليه شيء من كمالاته الذاتية والأسمائية من حيث تعلق الأسماء بالذات.
ثم قال: (فإن ذكرت غنيا لا افتقار به) وهو الذات الإلهية والأسماء من حيث نسبتها إلى الذات واستدللت عليه بقوله تعالى: "والله الغنى وأن الفقراء" [محمد:38]، وإجماع الملك على أنه الغني المطلق؛ فلا يرد علينا، (فقد علمت الذي بقولنا نعني) هو افتقار الحق في ظهور ذاته وصفاته في المظاهر لا في وجودها وكمالاتها في أنفسها.
ثم صح بالمقصود من اعتبار هذا الافتقار، فقال: (فالكل بالكل مرتبط) ارتباطا موجبا لقرب كل واحد من الأخر، (فليس له) أي: لكل واحد (عنه) أي: عن الأخر (انفصال)أي: استغناء وعدم ارتباط.
(خذوا ما قلته عني) إن لم يكن لكم استقلال ذوق بذلك، فلا بأس لمن لا يتم له الذوق في أمران يقلد من علم كماله منه إلى أن يكمل له الذوق فيه فقلدوني.
ولا تقلدوا من خالفني بمنع القول بالافتقار من جانب الحق مطلقا حتى في الظهور في المظاهر مع أنه لا ضرر فيه.
وإن الافتقار الممتنع في حقه تعالى هو ما ينافي الوجوب الذاتي، وهو الافتقار في الوجود والكمالات الذاتية.
وأما الكمالات الظهورية؛ فلا ينافي في الافتقار فيها ذلك، وإذا علمت أن الخليفة لا به وإن يكون جامعا بين صورتي الحق والخلق مع لزوم الاجتماع المطلق في إحداهما وشوب التفرقة في الأخرى ليناسب بذلك الحق والخلق.
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
قال رضي الله عنه : ( ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده ) كما أنّ الافتقار منه إليه في ظهوره ، فالافتقار أيضا من تلك الجهات .
وبيّن أنّ هذا الظهور من الإجمال مما يأباه الأحكام الظاهرة والأوضاع التشريعيّة الفارقة ، كما سيشير إليه في معنى قوله تعالى : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ " .
فما ناسب لبيانه إلَّا القرائن الشعريّة والتواليف المنظومة الجامعة كما أومأنا إليه فلذلك غيّر مسلك التعبير.
إلى قوله : ( فالكلّ مفتقر ما الكلّ مستغن ) اعلم أنّ « الكلّ » في عرفهم إنّما يطلق على الحق باعتبار الأسماء ، كما أن « الأحد » يطلق عليه باعتبار الذات ، ويقال : "أحد بالذات ، كلّ بالأسماء
 "  فالكل من العالم والحق بهذا الاعتبار له الافتقار .
وليس من شأن الكل الاستغناء ، ضرورة أن الكلية هي النسبة الإضافية المستدعية للافتقار؛ فالح باعتبار كلية أسمائه وتفاصيل كمالاتها ، له الافتقار ضرورة .
( هذا هوالحق قد قلناه ، لا نكني ) عن أمثاله في نظم الإجمال ، كما في نشر التفاصيل ، على ما هو المشار إليه بقوله : «إن العالم مفتقر إلى الحق في وجوده» ؛ فإنه إذا تقرر أن المفتقر إنما يفتقر في الوجود ، يستلزم افتقار الكل فيكون كناية.
وذلك لأن الغناء التام الذي لا يمكن أن يتطرق شوائب الاحتياج والافتقار فناء عزته وسلطانه المتفرد هو الذي في ضمن الافتقار لاغير وقد سلف ما هو أصل لهذا ؛ فقوله :
( فإن ذكرت غنيا لا افتقار به   .....     فقد علمت الذي بقولنا نعني )
إشارة إليه ، ويحتمل أن يجعله إشارة إلى طريق استحصال ذلك العلم ، أعني اشتراك نسبة الافتقار الذي غزل الفكر والنظر عن أن يتوصل به إليه .
هذا حكم الإجمال ؛ وأما لدى التفاصيل فلكل من الأعيان القابلة للعالم ارتباط بأسماء الحق ، كما أن لكل من تلك الأسماء بها ارتباط .
فانتظام أمر العالم واتصاله به مما لايتصور فيه الانقطاع ولا الانفصال أصلا .
(فالكل بالكل مربوط، فليس له عنه انفصال خذوا ما قلته عني)


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قوله رضي الله عنه :  (و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
"و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:  "
(ومن هذه الحقيقة ) التي هي الرقيقة الثابتة في نفس الأمر بين الموجودات والحق يتوقف وجودها على سريانها فيها (كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده) كما أن الافتقار منه سبحانه إلى العالم في ظهوره .
ولما شبه رضي الله عنه ارتباط الموجودات بالوجود الحق بارتباطها بالأمور الكلية، وقد ثبت في ما تقدم الارتباط بينهما بافتقار كل من الطرفين إلى الآخر.
في بعض الأحكام كان فيه إشعار بأن الحق سبحانه وإن كان غنية عن العالمين بذاته وأسمائه الذاتية .
لكن لا سيما باعتبار ظهورها وترتب أثارها عليه افتقار إلى العالم كما وقع به الإشارة إليه في صدر الفص.
"فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نَكني
فإن ذكرت غنيّاً لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نَعْنِي
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصالُ خذوا ما قلته عني"
 فلهذا فرع عليه قوله : (فالكل)، أي كل واحد من الحق والعالم (مفتقر) إلى الآخر، أما افتقار العالم إليه فعلی تعينه العلمي بالفيض الأقدسي .
وفي تعبنه الوجودي بالفيض المقدسي.
وأما افتقار الحق إلى العالم فباعتبار ظهور أسمائه في المراتب وترتب آثارها عليها لا باعتبار ذاتها واتصافها بالصفات الحقيقية كالوجوب والعلم فإنه بهذا الاعتبار غني عن العالمين .
ثم أكده بقوله: (ما الكل مستغن) ما نافية و مستغن خبره رفعه على اللغة التميمية وعليها قريء : ما هذا بشر بالرفع (هذا) الذي قلناه من إثبات الطرفين (هو الحق) المطابق لما في نفس الأمر (قد قلناه) صريحا لإرشاد الطالبين (لا نکني).
أي لا نقوله على سبيل الكناية لئلا يلتبس عليهم (فإن ذكرت عينا) مطلقا (لا افتقار) ملتبس (به).
بأن لا يفتقر إلى غيره أصلا وهو الحق سبحانه باعتبار ذاته وصفاته الذاتية .
فهو لا ينافي ما قلناه (فقد علمت الافتقار الذي بقولنا نعني).
أي نعنيه ونزيده بقولنا : الكل مفتقر .
فإن الافتقار الذي أثبتناه من جانب الحق سبحانه إنما هو باعتبار ظهور الأسماء وترتب آثارها کم علمت.
وهو لا ينافي الغني الذاتي (فالكل بالكل مربوط) ارتباط افتقار (فليس له عنه) استغناء لكل واحد عن الآخر أو للعالم عن الحق أو بالعكس (انفصال) انفصال أستغناء (خذوا ما قلته عني).
اعلم أن الشيخ المفيد المرشد رضي الله عنه لما كان بصدد بيان نسبة الحق والعالم بافتقار كل إلى آخر من وجه .
وكانت هذه النسبة بعينها واقعة بين المفيد المرشد والمستفيد الطالب بل هي من طلالها وفروعها نبه عليها بالماح لطيف.
وهو أنه عبر في البيتين الأولين عن نفسه بصيغة جماعة المتكلم الدالة على التعظيم المنبئ عن رفعة شأنه .
وعن المخاطب الطالب بصيغة الواحد الدالة بالمقابلة على صفة شأنه وذلك لمعنى افتقار الطالب إلى المرشد، فإن المفتقر إليه أرفع شأنا من المفتقر، ثم قلب الأسلوب في البيت الآخر بأن عبر عن نفسه بصيغة الواحد .
وعن المخاطب بصيغة الجماعة إشعار بأن المفيد أيضا مفتقر إلى المستفيد لتظهر کمالاته فيكون المفيد مفتقرا والمستفيد مفتقرا إليه و المفتقر إليه أرفع شأنا كما عرفت
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (
و من هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني  )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده . فالكل مفتقر ما الكل مستغن .هذا هو الحق قد قلناه لا نكني . فإن ذكرت غنيا لا افتقار به . فقد علمت الذي من قولنا نعني . فالكل في الكل مربوط و ليس له . عنه انفصال خذوا ما قلته عني]

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( و من هذه الحقيقة ): أي حقيقة لو لم تكن لم يكن كان الافتقار من العالم إلى الحق تعالى في وجوده: أي لو لم يكن الوجود ساريا في العالم ما كان العالم و إذا ارتفع المدد، ينعدم العالم و يرجع إلى أصله، فالعالم محتاج إلى الوجود دائما أبدا و الوجود لا تظهر أحكامه إلا في العالم، كما أن الرعية تحتاج إلى السلطان، و السلطان ما يظهر سلطانه إلا على الرعية فلا يكون السلطان إلا بالرعية .
فإنّ الرب بلا مربوب لم يعقل، كما أن المربوب بلا رب لم يكن، و قد أعطي حكم التضايف ذلك فافهم .
و لما كان الافتقار كالافتقار، و الغنى كالغنى قال رضي الله عنه شعر إلا أنه إشعار و تنبيه :
فالكلّ مفتقر ما الكلّ مستغنى   ..... هذا هو الحق قد قلناه لا تكنى
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به    ..... فقد علمت الذي من قولنا تعيى
الكلّ بالكلّ مربوط فليس له     ..... عنه انفصال خذوا ما قلت عني
قال تعالى: " إنّك كُنْت بنا بصِيرًاً " [ طه: 35] .
قال رضي الله عنه في الباب الموفي أربعمائة من "الفتوحات ": 
إنّه بنا عليم و بنا بصير، فلو لم أكن بمن كان عليما بصيرا وأنا أعطيته العلم لأنّ العلم تابع المعلوم و أنا المعلوم، كما هو أعطاني الوجود و أنا المعلوم المعدوم.
قال تعالى: " هُو معكُمْ أين ما كُنْتمْ" [ الحديد: 4] فالله في هذه المعية، يتبع العبد كان كما نحن نتبعه حيث ظهرنا بالحكم و نحن وقوف .
حتى يظهر أمر يعطي حكما خاصا في الوجود فنتبعه فيه فارتبطت الأمور و التفّت الساق بالساق، و قد اعترف لي بذلك الساق .
حيث قسم الصلاة بيني و بينه على السواء لأنه علم أني له كما أنه لي .

قال تعالى: "وأوْفوا بعهْدِي أوفِ بعهْدكُمْ" [ البقرة: 40] فهو زينتي بهويته، فهو سمعي وبصري من قرب النوافل و أنا زينته، فظهر بي اقتداره و نفوذ أحكامه و سلطان مشيئته من قرب الفرائض، فلو لم أكن لم تكن للملك زينة، فلولاه لما كنا ولولا نحن ما كان، فأبدانا وأخفى وأبدى هو وأخفانا فأظهرنا ليظهر هو سرارا ثم إعلانا، كما نطلبه لوجود أعياننا بطلينا لوجود مظاهره فلا مظهر له إلا نحن و لا ظهور لنا إلا به .
فيه عرفنا نفوسنا وعرفناه، وبنا تتحقق عين ما يستحقه إلا له، فالأمر متوقف على الأمرين فيه نحن و هو بنا بصيرا بل إن الله تعالى أطلع خواصّه على أنّ حاجة الأسماء إلى التأثير في أعيان الممكنات أعظم من حاجة الممكنات إلى ظهور الأثر، وذلك لأن الأسماء لها في ظهور الآثار السلطان و العزة، والممكنات قد يحصل فيها أثر فتضرّر به وهو على خطر، فبقاؤها على حالة العدم أحبّ إليها لو خيرت .

أما ترى قوله تعالى: "ويقُولُ الكافرُ يا ليْتني كُنْتُ تراباً" [ النبأ: 40] فإنها في مشاهدة ثبوتية حالية خالية عن الأغيار ملتذة بالتذاذ ثبوتي، فافهم .
بل الافتقار من الجانبين من حيث المرتبتين إنما هو من حيث الأثر.
فإنه ثبت بالذوق الصحيح و الكشف التام الصريح أنه لا يؤثر مؤثر كان حتى يتأثر فأول ما يظهر حكم الانفعال في الفاعل ثم يسري منه إلى من يكون محلا لأثرة، ذكره الشيخ صدر الدين القونوي في شرحه على الفاتحة .
وهكذا نجد في التجربة، فإنه إذا ورد الغذاء على المعدة فيؤثر فيها أولا، فإذا تأثر و انهضم أثر في المعدة بالتبريد أو بالتسخين، و التغذية و التنمية بل هكذا الشاهد في المحسوسات كالسراج و الدهن فإن أوله يطغى النار و آخره يشعل.

فهذا عين ما قلناه من الأثر: أن المختلفات فيهما فكل واحد مؤثر و متأثر، فافهم .
هكذا في معنى البيت فالكل مفتقر ما، و الكل مستغن بالاعتبارات التي ذكرنا .
ما هذا سر الأمر من حيث الانفعال، و أمّا سر الأمر من حيث الاحتياج فهذا اندراج العبودة في السيادة، فإن العبودة: عبارة عن نسبة جامعة عن نسبتيّ الفقر و الانفعال، و المتضايفان: أي العبد و السيد، كما توقف معرفة كل واحد منها و ظهوره على الآخر، علم أنه لا غني لأحدهما عن الآخر .

و يشير إلى هذا الذوق كلام سيدنا علي رضي الله عنه و نهج البلاغة حيث قال فيه:
فلو أن الباطل فيه خلص من مزاج الحق لم يخف على المرتادين، و لو أن الحق خلص من لبس الباطل انقطعت عنه السنة المعاندين، و لكن يؤخذ من هذا ضغث و من هذا ضغث فيمزجان، فهنالك يستولي الشيطان على أوليائه وينجو الذين سبقت لهم من الله  الحسنى، انتهى كلامه رضي الله عنه. فلا بد من الأمرين فافهم.
.
واتساب

No comments:

Post a Comment