Tuesday, July 9, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM

 الفقرة الثامنة والعشرون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال) العالم (في حجاب) عن الحق تعالى (لا يرفع) عنه أبدا ما دام العالم.
فإذا زال العالم زال الحجاب والمدرك معا، وأما مع بقاء المدرك فالحجاب باقي لا يزول أبدا .
(مع علمه)، أي علم العالم (بأنه متميز) في ذاته وصفاته (عن موجوده تعالى بافتقاره) إليه.
وإن وقعت المضاهاة بينه تعالى وبين العالم في جميع ما ذكر (ولكن لا حظ له)، أي للعالم (في وجوب الوجود الذاتي الذي لوجود الحق تعالى) كما سبق ذكره.
(فلا يدرکه)، أي لا يدرك العالم الحق تعالى (أبدا)، لأنه محجوب عنه بنفسه الإلهية فلو أدركه أدرك نفسه التي في علم الحق تعالى الممدة له في هذا العالم وهي ربه .
كما قال عليه السلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، ولم يقل : فقد عرف الله. (فلا يزال الحق) تعالى (من هذه الحيثية) التي هي وجوب الوجود الذاتي (غير معلوم)للعالم دائما في الدنيا والآخرة (علم ذوق) کشفي (وشهود).
بل معلوم علم خیال غيبي، لأنه ليس فينا من ذلك ما تعلم به ذوق وشهودة وإنما عندنا تخيل ذلك تخيلا ممحوا بالتسليم للغيب المطلق .
ولهذا قال : (لأنه لا قدم)، أي لا مشاركة (للحادث) مطلقا (في ذلك) الأمر المخصوص بالحق تعالی وهو وجوب الوجود الذاتي.
(فما جمع الله) تعالى (لآدم) عليه السلام (بين يديه) سبحانه وتعالى القديمتين في خلقه له بهما معا (إلا تشریفا) لآدم عليه السلام وتعظيما له.
إذ ورد أنه تعالى خلق جنة عدن بيده اليمنى، وغرس شجرة طوبى بيده اليمنى، ولم يرد في شيء أنه خلقه بیدیه غير آدم عليه السلام، فقط على وجه التشريف والتعظيم له .
(ولهذا قال) جل وعلا في كلامه القديم (إبليس) عليه اللعنة (وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) 75 سورة ص. بالتشديد تثنية يد .
(وما هو)، أي خلقه له بیدیه معا (إلا عين جمعه) تعالى له حين خلقه (بين الصورتين) اللتين هما في الحقيقة كناية عن تلك الصفتين المتقابلتين على حسب ما سبق بيانه.
(من صورة العالم)، وهي الظاهرة بالحضرتين معا :
حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضاء، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر، إلى آخره.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجلال على حضرة الجمال، وحضرة الغضب على حضرة الرضى، وحضرة الظاهر على حضرة الباطن، وحضرة الأول على حضرة الآخر.
ولهذا كانت هي اليد الشمال الغلبة ما لا يلائم فيها على ما يلائم.
وقد طرد إبليس عن الحضرة الإلهية إلى هذه الحضرة . فقال له تعالى: "فأخرج منها فإنك رجيم " 34 سورة الحجر.
فخرج على هذه الحضرة فهي محل الرجم وموضع اللعن والطرد، فيها خلق الله النار، ويخلق كفة السيئات من الميزان.
وخروج آدم عليه السلام إليها يسمى هبوطا لا طردا كما قال تعالى له . وفقال له و لحواء: "اهبطا منها جميعا " 123 سورة طه.
وأشار تعالى إلى نوح عليه السلام بالخروج إليها من سفينته فقال له : " يا نوح أهبط بسلام " 48 سورة هود.  وذلك لأن آدم ونوح عليهما السلام لهما عودة إلى حضرتهما الأولى وصعودا إليها بعد هبوطهما منها إلى هذه الحضرة الشمالية، وليس الإبليس عليه اللعنة عود ولا صعود .
وهي محل الغين الذي كان يقول عليه السلام عنها : "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وفي رواية : "مائة مرة" وهي أسفل سافلين التي قال تعالى : "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين في إلا الذين آمنوا" آية 4 - 6 سورة التين.
(وصورة الحق) تعالى وهي الظاهرة بالحضرتين أيضا معا، حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضى، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر إلى غير ذلك.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجمال على حضرة الجلال، وحضرة الرضاء على حضرة الغضب، وحضرة الباطن على حضرة الظاهر، وحضرة الآخر على حضرة الأول.
ولهذا كانت هذه الصورة هي اليد اليمنى لغلبة ما يلائم فيها على ما لا يلائم، ومنها كان هبوط آدم وحواء وإليها رجوعهما، وفيها خلق الله تعالى الجنة .
وإليها رفع إدريس عليه السلام كما قال تعالى عنه : "ورفعناه مكانا عليا " 57 سورة مريم.
وإليها رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وهو حي كما قال تعالى عنه "بل رفعه الله إليه " 158 سورة النساء . وفيها عندية الله تعالى.
كما قال تعالى: «إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته " 206 سورة الأعراف.
ومنها خلق الله تعالى الجنة، وفيها يخلق تعالی كفة الحسنات من الميزان.
(وهما بدا الحق) تعالى، أي هاتان الصورتان هما اليدان الإلهيتان، الأولى صورة العالم، والثانية صورة الحق تعالى.
مع أن صورة العالم هي صورة الحق تعالى، لكن إما أن تكون صورة الحق تعالی بواسطة صورة العالم أو بلا واسطة صورة العالم، ولهذا ورد: «كلتا يديه يمين»، فصورة الحق تعالی بواسطة هي اليد الشمال.
وأهلها المقبوض عليهم بها هم الأشقياء، لأنها بعيدة عن الحق تعالى بسبب الواسطة، وصورة الحق تعالى هي اليد اليمين، وأهلها المقبوض عليهم بها هم السعداء، لأنها قريبا من الحق تعالی لعدم الواسطة .
(وإبليس عليه اللعنة جزء من) أجزاء (العالم)، كما أن الملائكة جزأ من أجزاء العالم أيضا كما تقدم، ومثل ذلك كل شيء ما عدا آدم عليه السلام وبنوه الكاملون.
وحيث كان إبليس جزء من العالم (لم يتحصل له هذه الجمعية) بين اليدين الإلهيتين كما حصلت لآدم عليه السلام.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال الحق من هذه الحيثية غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم) بفتح القاف أي في الاتصاف (للحادث في ذلك) الوجوب الذاتي حتى يعلم الحادث الحق علم ذوق وشهود من هذه الحيثية ولو كان ذلك الحادث من أهل الله تعالى .
فقد لزم من هذا الكلام مسالة مهمة لم تجيء بيانها في الكتاب وهي أنه كما لا حظ له في الوجوب الذاتي .
كذلك لا حظ له في الصفات القديمة إذ لا يتصور قدم الصفات مع حدوث الموصوف فلا يدرك العالم الحق أبدأ فلا يزال الحق من حيث القدم غير معلوم علم ذوق وشهود .
لأنه لا قدم للحادث في القدم فعلم الحادث للقديم من حیث القدم ليس من المعلوم الذوقية بل بمجرد الاطلاع.
فإذا لم يكن للحادث قدما في الوجوب الذاتي لم يكن جامعة لجميع الصفات الإلهية. وقد كان الله جمع لآدم بين يديه.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشریفا) على سائر المخلوقات لا لشرفه في حد ذاته فلو لم يشرفه الله تعالى فهو کسائر الموجودات.
كما أن مكة المشرفة بتشريف الله تعالى . وإلا فهو واد كسائر الأودية فلا يكون جمعية الإنسان الكامل علة تامة الجمعية اليدين بل لابد في التشريف من تشریف الحق.
(ولهذا) أي ولكون الجمع للتشريف (قال الله تعالى : "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" 75 سورة ص .
فإنه مستحق أن تسجد له لشرفه عليك لكونك مخلوقة بيد واحدة .
وهذا التشريف أي تشريف جمع اليدين مختص لآدم (وما هو) وليس جمع اليدين لآدم (إلا عين جمعه) أي إلا عين جمع الله لآدم .
(بين الصورتين صورة العالم) وهي مجموع الحقائق الكونية (وصورة الحق) وهو مجموع الحقائق الإلهية من الأسماء والصفات .
فآدم عبارة عن الصورتين واليدين (وهما) أي الصورتين (يد الحق) باعتبار اتحاد" سريان السر الإلهي" الظاهر والمظهر إذ بهما يتصرف الحق فعبر عنهما باليدين كما عبر عن الجلال والجمال .
فما أمر الملائكة إلا لأن يسجدوا لله تعالی . فکانت سجدتهم لله وقبلتهم آدم وأبي إبليس عن أمر به لعدم علمه "جهله " بذلك.
(و ابلیس جزء من العالم) فكان جزءا من جزء آدم (لم تحصل له هذه الجمعية) .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قوله رضي الله عنه : "فلا يزال الحق تعالى من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا."
ولهذا قال تعالى لإبليس "ما منعك أن تسجد لما خلقت بیدی" (ص: 70) وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.  وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية"
قلت: يعني ما ورد من قوله، عليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " "فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود لأنّه لا قدم للحادث في ذلك " .
فما جمع الله لآدم بين يديه إلَّا تشريفا ،
"ولهذا قال لإبليس : " ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ".
وما هو إلَّا عين جمعه بين الصورتين : صورة العالم وصورة الخلق ، وهما يدا الحقّ . وإبليس جزء من العالم ، لم تحصل له هذه الجمعية ."
وذلك لأنّ الكمال في أحدية جمع الجمع ، ثم الكمالات كلَّها إنّما تفيض من أحدية جمع هاتين اليدين المباركتين الإلهيتين .
فوجب أن تكون الكمالات المنبعثة من اليدين مجتمعة فيه مع أضعافها إذ الهيئة الجمعية الأحدية تعطي في الجامع أن يظهر فيه كلّ حقيقة من حقائق اليدين بهيئة الجمع .
ولهذا توجّهت المطالبة والمؤاخذة على إبليس الذي هو جزء من العالم في امتناعه عن سجود آدم لكون الواجب على كلّ قوّة من القوى الروحية والقوى الطبيعية جمعا وفرادى .
هو الإذعان والانقياد والطاعة والدخول تحت حكم صاحب الجمعية بين اليدين اللتين في قبضتهما عالم الأرواح اللطيفة وعالم الطبيعة الكثيفة ، وإبليس في إحداهما .
ولكنّ حقيقة إبليس منافية لحقيقة آدم بالحقيقة والطبع لأنّ حقيقة آدم عليه السّلام صورة ظاهرية أحدية جمع الجمعيات الإلهية والجمعيات الكونية .
وإنّما جمع الله له بين اليدين لأنّ الإنسانية التي هي حقيقته تقتضي الاعتدال وكمال الجمع بين التعين والإطلاق ، والكثرة والوحدة ، وعدم الانحصار في تعيّن جزئي .
بخلاف حقيقة إبليس ، فإنّها صورة الانحراف التعيّني الحجابي إلى الأنانية الجزوية المتقيدة بالاستعلاء والاستكبار ، والظهور والعلوّ على حقيقة العين إذ التعيّن يكفر العين ويحجبه ويعلو عليه .
وهذه الحقيقة تقتضي التفرقة النارية المعتلية على باقي العناصر .
فلمّا تباينت الحقيقتان ، وقعت المضادّة والمحادّة والمعاداة في عالم الصورة بسبب المضادّة الحقيقية في الحقيقة وبحسبها .
ولأنّ نشأة كلّ واحد منهما تضادّ نشأة الآخر في الجزء الأعظم فإنّ الجزء الأعظم في نشأة الإنسان الماء ، ثم الأرض ، وهما يعطيان بحقائقهما وصورهما وقواهما وروحانياتهما اللين والإذعان والطاعة والقبول والانقياد والإيمان والثبات والوقار والتّؤدة والسكينة والخشوع والاستكانة والعبودية والتذلَّل والعلم والحلم والإناءة وما شاكل ذلك .
والجزء الأعظم في نشأة إبليس والشياطين النار ، وهي بحقيقتها وصورتها وروحانيتها تعطي الاستعداد والاستكبار والخفّة والطيش والسفوف والكبر والخيلاء والتسلَّط والجبروت والكفر والجحود والحقد والحسد لأنّه صورة الانحراف العنصري التعيّني 
كما قلنا : إنّ التعيّن يعلو على المتعيّن فيه ، ويطغو ويكفره أي يستره وما له ثبات فإنّ نور العين المتعيّنة في حجابية كلّ تعيّن يخرقه ويحرقه ، ومن حق التعيّن أن يلعن ويطرد وينفي عن وجه العين المتعيّنة في ذلك التعين.
لكونه حجابا على من تعيّن به وفيه من وجه وإن كان دالَّا عليه من وجه آخر ، فمن كان مشهوده أنّ وراء التعيّن أمرا هو منه يشاهد الحقيقة في الحجاب .
ومن لم يشاهد إلَّا حجابية التعيّن ، حجب به ، والتعيّن حجاب على نفسه ، فلا يرى العين المحتجبة به أبدا ، كظهر المرآة لا يظهر فيه مثال صورة الرائي المنطبع في باطنه إلَّا أن يلعن حقيقة الحجاب عن وجه المحتجب .
ولهذا كلّ تعيّن يدّعي أنانيّة هو بها محجوب عن غيره وعن عينه وعين الكلّ التي بها قيام الكلّ وهو قيّام الكلّ وقد أشرنا إلى هذا السرّ في الغرّاء الرائية واللامية أيضا بقولنا : شعر :
لا يحجبنّك  أشكال يشاكلها   ..... عمّن يشكَّل فيها فهي أستار
وكن به فطنا في أيّ مظهره   ..... بدء ففي الأمر إظهار وأسرار
كالبحر بحر على ما كان في قدم   ..... ثمّ الحوادث أمواج وأنهار
ومن حجب بالتعيّن ، طلب الاستبداد والتفرّد بتعيّنه الجزئي إذ لا قدم له في الكلَّية والأحدية الجمعية الإلهية.
ولعن الحضرة الإنسانية لإبليس إذ الجزئية التعيّنية حجاب على العين الكلَّية الأصلية ، والتعيّن طار ولا يكون إلَّا من جهة غلبة جزء من أجزاء ظاهرية المتعيّن أو المعيّن ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا يزال الحق من هذه الحيثية ) أي من هذا الوجه ( غير معلوم ) أبدا ( علم ذوق وشهود لأنه لا قدم ) ولا سابقة ( للحادث في ذلك ) أي في الوجوب الذاتي البتة .
قوله ( فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا ، ولهذا قال لإبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيديّ ) لما ذكر أن الصفتين المتقابلتين يد الحق اللتان توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل.
وكان قد مثل بصفات الله تعالى متقابلة مشتركة في أنها مؤثرة فكانت أيادى معطية متقابلة ، وقد أومأ إلى صفات العالم متقابلة مشتركة في أنها انفعالية .
فكانت أيادى قابلة آخذة وسوانا فيها مع العالم فأراد أن يثبت لنا التشريف من الله بالجمع بين يديه المتقابلتين في الإعطاء والقبول أيضا ، فإن لله تعالى يدين متقابلات معطية كالرضا والغضب ، ومتقابلات آخذة قابلة ألا ترى إلى قوله تعالى :" أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ الله هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِه ويَأْخُذُ الصَّدَقاتِ ".
ولهذا وبخ إبليس وذمه على ترك السجود لآدم ، حيث رأى منه صفات العالم من الانفعالات القابلة كالخوف والرجاء ، ولم ير الصفات الفعلية ولم يعرف أن القابلة أيضا صفات الله فإنها من الاستعداد الفائض عن الفيض الأقدس .
وقال ( وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم وصورة الحق وهما يد الحق ) يعنى كما أن المتقابلات المعطية يد الحق .
فالمعطية والقابلة والآخذة أيضا يدان متقابلتان للحق .
فلو لم يكن لآدم تلك القوابل لم يعرف الحق بجميع الأسماء ولم يعبده بها ( وإبليس ) لم يعرف ذلك لأنه ( جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعية ) فما عرف إلا ما هو من العالم فاستكبر وتعزز لاحتجابه عن معرفة آدم .
إذ لم يكن له جمعية فلم يعرف منه إلا ما هو من جنس نشأته ،فاستوهنه ونقص به وما عرف أن الذي حسبه نقصانا كان عين كماله.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قوله رضي الله عنه : "فلا يزال الحق من هذه الحيثية" أي، من حيث الوجوب الذاتي. "غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك".
وإنما قيد بقوله: (علم ذوق وشهود) لأن الذوق والشهود يقتضى اتصاف الذائق بما يذوقه حالا، بخلاف العلم التصوري، فإنه بمجرد الاطلاع على الوجوب الذاتي وماله ذلك، يقدر على الحكم بأنه متصف به.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا) أي، ما جمع الله في خلق آدم بين يديه اللتين يعبر عنهما بالصفات الجمالية والجلالية إلا تشريفا وتكريما.
كما قال: "ولقد كرمنا بنى آدم وحملنا هم في البر والبحر". فصار جامعا لجميع الصفات الإلهية وكانت عينه متصفة بجميع الصفات الكونية، فحصل عنده جميع الأيادي المعطية والأخذية.
قوله رضي الله عنه : (ولهذا قال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي؟" وما هو) أي، وليس ذلك التشريف أو ليس ذلك الخلق.
(إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم) وهي الحقائق الكونية.
(وصورة الحق) وهي الحقائق الإلهية. (وهما يدا الحق.)
وإنما جعل صورة العالم (يدا الحق) لأنهما مظاهر الصفات والأسماء، لذلكعبر عن الصفات الجمالية والجلالية باليدين كما مر.
وعبر هنا عن الصورتين بـ (اليدين) تنبيها على عدم المغايرة بينهما في الحقيقة إلا في الظاهرية والمظهرية.
وأيضا، لما كان الفاعل والقابل شيئا واحدا في الحقيقة ظاهرا في صورة الفاعلية تارة والقابلية أخرى، عبر عنهما باليدين: فيمنا هما الصورة الفاعلية المتعلقةبحضرة الربوبية، ويسرا هما الصورة القابلية المتعلقة بحضرة العبودية، ويجمع المعنيين تفسيرهما بالصفات المتقابلة.
(وإبليس جزء من العالم، لم تحصل له هذه الجمعية) لأنه مظهر اسم "المضل" وهو من الأسماء الداخلة في الاسم (الله) الذي مظهره آدم، فلا يكون له جمعية الأسماء والحقائق.
قيل: "إبليس هو القوة الوهمية الكلية التي في العالم الكبير، والقوى الوهمية التي في الأشخاص الإنسانية والحيوانية. إفرادها لمعارضتها مع العقل الهادي طريق الحق". وفيه نظر.
لأن (النفس المنطبعة) هي الأمارة بالسوء و (الوهم) من سدنتها وتحت حكمها، لأنها من قواها، فهي أولى بذلك، كما قال تعالى: "ونعلم ما توسوس به نفسه". وقال: "إن النفس لأمارة بالسوء".
وقال، صلى الله عليه وسلم:
 "أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك". وقال: "إن الشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم".
وهذا شأن(النفس). ولو كان تكذيبه للعقل موجبا لكونه شيطانا، لكان العقل أيضا كذلك، لأنه يكذب ما وراء طوره مما يدرك بالمكاشفات الحقيقية، كأحوال الآخرة وأيضا، إدراكه للمعاني الجزئية وإظهاره لها حق ونوع من الهداية للاهتداء به في الجزئيات التي هي نهاية المظاهر.
قال الشيخ في "الفص الإلياسي": "فالوهم هو السلطان الأعظم في هذه الصورة الكاملة الإنسانية وبه جاءت الشرائع المنزلة فشبهت ونزهت، والشيطان مظهر الإضلال والإغواء لا للاهتداء، وفي باقي الحيوانات فهو بمثابة العقل.
ومن أمعن النظر، يعلم أن القوة الوهمية هي التي إذا قويت وتنورت  تصير عقلا مدركا للكليات وذلك لأنه نور من أنوار العقل الكلى المنزل إلى العالم السفلى مع الروح الإنساني، فصغر وضعف نوريته وإدراكه لبعده من منبع الأنوار العقلية فتسمى بـ (الوهم).
فإذا رجع وتنور بحسب اعتدال المزاج الإنساني، قوى إدراكه وصار عقلا من العقول.
كذلك يترقى العقل أيضا ويصيرعقلا مستفادا."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
(فلا يزال الحق من هذه الحقيقة)  أي: من هذا الوجه الذي هو الوجوب الذاتي (غير معلوم علم ذوق وشهود) بل غايته أن يعلم بعلم التصور الذي هو حجاب، وإن علم بالذوق والشهود من وجه آخر كان الفناء، والبقاء لكن لا يمكن من هذا الوجه أعني: الوجوب الذاتي.
(لأنه لا قدم للحادث في ذلك) الوجه، ولا يعرف أحد ذوقا وشهودا ما ليس فيه؛ لوجوب اتصاف الذائق بصفة المذوق، وانتفاش محل الشهود من الشاهد بصورة المشهود.
ولما كان العالم حجابا عن الحق يمنع عن ظهوره بأفعاله الدالة على أسمائه ، وصفاته الدالة على ذاته، ولا فاعل غيره فهو يفعل بالعالم أجسامه، وأرواحه في الظاهر كما يفعل بأسمائه وصفاته في الباطن.
فهما أيضا يدان للحق بينهما تقابل مثل التقابل بين الأسماء الإلهية، والحقائق الكونية وليده من الأسماء المتقابلة، لما توجهت على خلقة أدم صار جامعا الحقائق العالم المتقابلة ومفردات.
كذلك فقد اجتمعت فيه هاتان اليدان أيضا، وهما أشل مما تقدم، فحمل القرآن عليه أولى (فما جمع) ابنه (لآدم بين يديه إلا تشریفا) أي: لأعضاء الخلافة التي هي غاية الشرف؛ لأنه ناسب بهما الحق، والخلق فصار مستعدا؛ لأن يستفيض من الأول، ويفيض على الثاني.
ولهذا التشريف فضل آدم على التحمل، وصار مستحقا لسجود الملائكة له حتى الزم حجبة الحق على إبليس حيث قال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " [ص: 75].

(وما هو) أي: التشريف الملزم حجة الحق على إبليس (إلا عين جمعه بين الصورتين صورة العالم، وصورة الحق)؛ ليناسبهما فيستحق خلافة الحق على الخلق.
(وهما) أي: الصورتان (يدا الحق)، إما صورة الحق: وهي أسماؤه فهي المؤثرة في الباطن، وإما صورة العالم؛ فهي المؤثرة في الظاهر حتى أن المنفعل منه فاعل للقبول، وهو نوع من التأثير والتقابل بینهما أتم؛ لشمولهما تقابل الأسماء الإلهية، والحقائق الكونية مع اعتبار تقابل آخر بين تلك الأسماء والحقائق.
(وإبليس جزء من العالم) فليس له من الفضيلة ما يتمسك بها من الإباءة عن السجود، ولم يطلع على هذه الجمعية.
إذ (لم تحصل له هذه الجمعية)، فاعتبر نفسه جزءا من العالم وهو النار، وآخر لأدم، وهو التراب؛ فقال: "خلقتني من نار وخلقته من طين» [ص: 76].

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق. وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال رضي الله عنه : (فلا يزال الحقّ من هذه الحقيقة) يعني الوجوب الذاتي وما يستتبعه من الأوصاف الثبوتيّة المختصّة بالحق (غير معلوم) للعالمين ، (علم ذوق وشهود) فإنّه إنّما يعلم إذا علمه علم تقليد واستدلال ، ومن ثمّة يرى العقل من حيث هو هو لا يجاوزهما ، فإنّ العالم من حيث هو عالم لا يمكن له استحصال العلم الذوقي (لأنّه لا قدم للحادث في ذلك) ، فمن علم منهم تلك الحقيقة فإنّما يعلمها بالحق من نوره الفائض من صورته ، لا من صورة العالم .
وإذ قد ظهر معنى اليدين وشمولهما لصنوف المتقابلين ( فما جمع الله لآدم بين يديه إلَّا تشريفا ) له بكمال خلقته وترشيحا لشجرة رتبته ببلوغها لاستجماع الثمرة معها ، ( ولهذا قال لإبليس ) توبيخا له وتعريضا بنقصان خلقته منه : (" ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ").
 عند ظهور الإباء ، الذي هو مقتضى نشأته الناقصة عن إدراك كمال جمعيّة آدم والانخراط في سلك كليته والانقهار تحت قهرمان سلطانه .
فقال رضي الله عنه : ( وما هو إلَّا عين جمعه بين الصورتين : صورة العالم ) المشتمل عليها نشأة تفرقته الظاهرة (وصورة الحق ) المشتمل عليها نشأة جمعيّته الباطنة ( وهما يدا الحق . وإبليس جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعيّة ) يعني جمعيّة اشتمال اليدين ، إذ ليس له نصيب إلَّا من أحد اليدين ، أعني صورة العالم ولهذا غلب عليه الأوصاف العدميّة ، كالإباء والإغواء ، والقسم بالعزّة ، والاستغناء . وأمّا آدم فهو مشتمل على الصورتين.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.
ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟ . وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق و شهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا." (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة).
أي الوجوب الذاتي أو من أجل هذا الحكم الحقيقي الذي هو أن العالم لا حظ له في الوجوب الذاتي (غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم للحادث في ذلك)
يعني الوجوب فلا يدركه إدراك ذوق وشهود نعم يدرکه إدراكا تصورية يكفي في الحكم به على الحق سبحانه .
وإذ قد عرفت المعنى المراد من اليدين وجمعهما في خلق آدم (فما جمع الله سبحانه لآدم) حين خلقه (بين يديه إلا تشريفا) وتكريما له من بين سائر الموجودات . "و لهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟"
(ولهذا) أي لأن هذه الجمعية ليست إلا للتشريف.
(قال سبحانه لإبليس) توبيخا له: " قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ (75) " سورة ص .
وجعل رضي الله عنه اليدين فيما سبق عبارة عن نوعين متقابلين من الصفات الوجوبية الفعلية كما هو الظاهر وجعلهما هنا إشارة إلى معنى آخر.
"و ما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم و صورة الحق، و هما يدا الحق."
بقوله: (وما هو)، أي الجمع بين يديه لآدم (إلا) عين (جمعه)، أي الله تعالی أو آدم (بين الصورتين صورة العالم)، وهي أحدية جمع الحقائق الكونية القابلة.
(وصورة الحق)، وهي أحدية جمع الحقائق الإلهية الوجوبية الفاعلة.
(وهما)، أي هاتان الصورتان : (يدا الحق) إحداهما اليد القابلة الآخذة وهي اليسرى،
وثانيهما اليد الفاعلة المعطية، وهي اليمنى وكلتا يديه يمين مباركة.
وإنما جعلهما يدي الحق لأن كل واحد منهما صورة من صورة تجلياته بها يتم أمر الوجود.
لأنه الذي يتجلى بصورة القابل بأمره والفاعل أحرى، والفرق بين المعنيين أن الصفات المتقابلة لو خصت هناك بالصفات الفعلية الوجوب كما هو الظاهر يكون المراد بمجموع الیدین هناك بما أراده بالیمنی ههنا.
ولو عمت الصفات الإمكانية أيضا يكون المعنى فإن من جزئيات المعنى الأول خص بالذكر دونها لما يرد بعده .
"وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية."
أعني قوله : (و إبليس هو جزء من العالم) الذي هو جزء من أدم.
لأنه حقيقة مظهرية للاسم المضل الداخل تحت الاسم الجامع "الله"  للأسماء الظاهرة في مظاهر العالم كلها ظهورا قرآنيا وفي آدم ظهورا جميعا.
ولهذا قال : (لم يتحصل له)، أي إبليس (هذه الجمعية)، أي جمعية أدم.
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك.
فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا.  ولهذا قال لإبليس: «ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي»؟
وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين: صورة العالم وصورة الحق، وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فلا يزال الحق من هذه الحقيقة غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك. ].
ذكر الشارح رحمه الله  :
فلا يدرك الحق سبحانه: أي العالم لا يدركه تعالى من حيث إطلاقه إدراكه تقسه.
أي مثل إدراكه تعالى نفسه، وذاته تعالى و هو مطلق لأن المقيد لا يدرك المطلق لعدم المناسبة، فلا يدرك المطلق إلّا المطلق، و العالم مقيد فلا يدرك الحق المطلق، فلا يزال أي العالم في حجاب لا يرفع: 
منحتها الصفات و الأسماء  ..... أن ترى دون برقع اسما
قد تسمّت بهم و ليسوا    ...... فالمسمى أولئك الأسماء
و ذلك لتقييد العالم و عدم إطلاقه، و إطلاق الحقّ تعالى و عدم تقيده، و المقيد لا يدرك المطلق أبدا . 
قال تعالى: " وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164] لأن الإطلاق مشرف على التقييد لا بالعكس، فيعلمنا و لا نعلمه، و يدركنا و لا تدركه.

"" إضافة الجامع : ذكر الشيخ عبد الكريم الجيلي في الباب الثاني والستون في كتاب الإنسان الكامل عن تجلي القديم للحادث:
" فطلبت البقاء في مقام اللقاء، ومحال أن يثبت المحدث الظهور القديم، فنادى لسان سري مترجما عن ذلك الأمر العظيم.
فقلت: ربي "أرني أنظر إليك" آية 143 سورة الأعراف.
فأدخل بأنيتي في حضرة القدس عليك، فسمعت الجواب من ذلك الجناب و"لن تراني" ولكن انظر إلى الجبل وهي ذاتك المخلوقة من نوري في الأزل.
"فإن استقر مكانه "بعد أن أظهر القديم سلطانه. 
"فسوف تراني. فلما تجلى ربه للجبل" وجذبتني حقيقة الأزل وظهر القديم على المحدث "جعله دكا" فخر موسى لذلك صعقا، فلم يبق في القديم إلا القديم.   ولم يتجلى بالعظمة إلا العظيم، هذا على أن استيفاؤه غير ممكن وحصره غير جائز." أهـ ""

"" إضافة الجامع : قال الشيخ أبو المعالي صدر الدين القنوي في إعجاز البيان في تأويل ام القرآن :
فان ادعي احد معرفة هذا الاسم بطريق الشهود من حيث احدية التجلي والخطاب؟!
فنقول الذوق الصحيح التام افاد ان مشاهدة الحق تقتضي الفناء الذي لا يبقي للمشاهد فضلة يضبط بها ما ادرك.
وفي التحقيق إلاتم انه متي شهد احدا الحق فانما يشهد بما فيه من الحق وما فيه من الحق عبارة عن تجليه الغيبي الذي قبله المتجلي له باحدية عينه الثابتة المتعينة في العلم التي يمتاز بها عن غيره من الوجه الخاص دون واسطة فاستعد به لقبول ما يبدو له من التجليات الظاهرة فيما بعد بواسطة المظاهر الصفاتية والاسمائية.
وبهذا حصل الجمع بين قولهم ما يعرف الله إلا الله، وقولنا لا يمكن ادراك شيء بما ينافيه وبين دعوي العارف انه قد عرف الله معرفة ذوق وشهود.
ومن عرف سر قرب الفرائض والنوافل وما بينا في ذلك تنبه لما أومأنا إليه.
وعلي كل حال فنحن مقيدون من حيث استعدادنا ومراتبنا واحوالنا وغير ذلك فلا نقبل إلا مقيد مثلنا وبحسبنا كما مر والتجليات الواردة علينا ذاتية كانت أو اسمائية وصفاتية فلا تخلوا عن احكام القيود المذكورة .
ومن التقط ما قدمنا من التنبيهات وجمع النكت المبثوثة مستحضرا الهمه استغني عن مزيد البيان والتقرير فانه قد سبق ذكر ما يستنتج منه مثل هذا وغيره من إلأسرار الجليلة. أهـ ""

"" إضافة الجامع : كتاب إيقاظ الهمم في شرح الحكم العطائية لابن عجيبة الحسني يقول :
" القديم والحادث لا يلتقيان فإذا قرن الحادث بالقديم تلاشي الحادث وبقي القديم" .
قال رجل بين يدي الجنيد رضي الله عنهالحمد لله ولم يقل رب العالمين
فقال له الجنيد كمله يا أخي .
فقال له الرجل وأي قدر للعالمين حتى يذكروا معه.
فقال الجنيد قله يا أخي: "فإن الحادث إذا قرن بالقديم تلاشي الحادث وبقي القديم" اهـ.
فقد تقرر أن الأشياء كلها في حيز العدم إذ لا يثبت الحادث مع من له وصف القدم .
فأنتفى القول بالإتحاد إذ معنى الإتحاد هو إقتران القديم مع الحادث فيتحدان حتى يكونا شيئاً واحداً وهو محال.
إذ هو مبني أيضاً على وجود السوي ولا سوي .
وقد يطلقون الإتحاد على الوحدة كقول ابن الفارض
وهامت بها روحي بحيث تمازجا ... إتحاداً ولا جرم تخلله جرم
فأطلق الإتحاد على إتصال الروح بأصلها بعد صفائها ولذلك قال بعده ولا جرم تخلله إلخ فتحصل أن الحق سبحانه واحد في ملكه قديم أزلي باق أبدي منزه عن الحلول والإتحاد مقدس عن الشركاء والأضداد كان ولا أين ولا مكان وهو الآن على ما عليه كان .
ومما ينسب لسيدنا علي كرم الله وجهه :رأيت ربي بين قلبي ... فقلت لا شك أنت أنت
أنت الذي حزت كل أين ... بحيث لا أيبن ثم أنت
فليس للأين منك أين ... فيعلم الأين أين أنت
وليس للوهم فيك وهم ... فيعلم الوهم كيف أنت
أحطت علماً بكل شيء ... فكل شيء أراه أنت
وفي فنائي فنا فنائي ... وفي فنائي وجدت أنت .أهـ ""

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشريفا. و لهذا قال لإبليس: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ" [ص : 75]  و ما هو إلا عين جمعه ين الصورتين، صورة العالم و صورة الحق و هما يدا الحق . و إبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية .]
قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
( فما جمع الله لآدم بين يديه ): أي يدي تنزيه و تشبيه، و إن شئت قلت: يدي وجوب و إمكان، و قدم و حدوث .
( إلا تشريفا و تكريما له) فإنه جاز الشرف بكلتا يديه، و إنه حادث أزليّ .
( و لهذا ): أي و لهذا التشريف قال تعالى لإبليس توبيخا و زجرا: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ " [ ص: 75]: أي يدي تنزيه و تشبيه من حيث التشريف بقرينه الحال حين عرفه بذلك لإبليس لما ادعى الشرف على آدم بنشأته قال: " قال يا إبليسُ ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ  أسْتكْبرْت أمْ كُنْت مِن العالين" [ صّ : 75] .
فلا بد من النسبتين بحيث يصحّ بهما التشريف لخلافتي و إلا ذلك سائغ في غيره كالإنسان الحيواني (و ما هو ): أي ليس هذا التشريف، و هو الخلق إلا عين جمعه بين الصورتين (صورة العالم) و (صورة الحق) و تحقّقه بهما و هما: يدا الحق يد تنزيه و يد تشبيه .

أحدهما فاعلة معطية، و أحدهما قابلة آخذة، و كلتا يديه يمين مباركة، فافهم .
يقول الشيخ رضي الله عنه :
فليس عيني سواه ... فما أبيت إياه
فمن يشاهد بعين ... الوجود يشهد إياه
فنحن فيه سواء ... كما يراني أراه
و (إبليس) و كان اسمه حارث فأبلسه الله تعالى و طرده من رحمته، و طرد رحمته منه، فسمّي إبليسا: أي طريدا .
( جزء من العالم لم يحصل له هذه الجمعية) لأنه مظهر اسم المضل، و آدم عليه السّلام مظهر لاسم الله الجامع لجميع الأسماء الظاهرة في المظاهر المسمّاة بالعالم، و الاسم المضل من جملة تلك الأسماء، و اللبس على إبليس حقيقة الأمر لجهله بنفسه، فظنه أنه الشرف من حيث النشأة العنصرية، ثم ظن أن أشرف الاستقصات النار فرتب بالفكر الفاسد على هذا الوهم الكاسد الأقيسة الباطلة و المقدمات العاطلة في نفسه و توهّم منها النتيجة، و امتنع عن السجود حين أمره الله تعالى و ما اكتفى بمجرد الامتناع و كان أستر له بل فضح نفسه عند العلماء بإظهار استدلاله، و جمع بين الجهل و سوء الأدب لخفته و طيشه .

و قال تعالى: "قال أنا خيْـرٌ مِنْهُ خلقتني مِنْ نارٍ و خلقْتهُ مِنْ طِينٍ" [ الأعراف :  . [12
و هذه أول معارضة ظهرت من إبليس في صنعة الجدال، فإنه جادل ربه و ما أحسن في جداله لأنه ما أعطي حقه إن الحق تعالى  أراد بقوله: "ما منعك أنْ تسْجُد لما خلقْتُ بيديّ"  [ صّ : 75]: أي يد تنزيه و تشبيه، و إن شئت قلت يد وجوب و إمكان، أو يد بخلاف سائر العالم ملكا و فلكا .
قال تعالى: "إذا أ راد شيْئاً أنْ يقُول لهُ كُنْ فيكُونُ" [ يس: 82] فهو مجموع العالم أجزاءه و له شرف الكلية على الأجزاء، و على الأجزاء أن يطيعوه و لا يعصوا له أمرا، فأمر بهذه الحكم البالغة له سجدة إلا طاعة، و الانقياد له إظهارا لشرفه على الخلق المخلق سيما الملائكة عليهم السلام لأنه كل الوجود، فما فهم اللعين هذه المقدمات المطوية و  الأسرار الوجودية، و حمّل الخطاب على غير محله حسدا من عنده فجادل و عارض و تطاول.

و ذلك أنه لما فهم من لحن المخاطبة و القول إثبات الشرف لآدم، و ما علم أيّ شرف يوجب أن يطاع، و ينقاد بهذه السجدة، فادّعى بطريق المعارضة لنفسه الشرف، و استدلّ بأنه خلق من نار، و ظنّ أنه أعلى الاستقصات من حيث المكان.
و لم يعلم أن الطين أشرف الاستقصات فإن له الثبات و القرار، و للنار الطيش و التهتك و الاستكبار، و ما أعتبر أن التبن في الماء فوق التبر في المكان، فغفل عن المكانة أو استكبر وعاند و استكثر من الحسد، فعوتب .

استكبرت و عاندت أم كنت من العالين في الاحتجاج، و لك حجة في قولك و دعواك، فهذا لسان تبكيت و تعريض، و كان الأمر كما قلنا ظهر من آدم التمكين و الثبات والتوجّه في الأمور والأناة، و التدبر و إصابة الفكر و النظر في العواقب، و ظهر منه قلة الأدب و الجهل و التهتك و الطيش و الخفة، فإنه من مارج و هو نار مختلط بالهواء فله الخفة و عدم القرار و الاستكبار .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment