Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الرابعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM 

الفقرة الرابعة والعشرون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
(ولا نشك أنا كثيرون بالشخص) كزيد وعمرو مثلا (والنوع) کالعجمي والعربي والشاب والشيخ ونحو ذلك.
(وإنا وإن کنا) في نفوسنا (على حقيقة واحدة تجمعنا) وهي الإنسانية (فنعلم قطعا) من غير شبهة (أن ثمة فارقة به تميزت الأشخاص) والأنواع (بعضها عن بعض) بحيث صار كل شخص منا متشخصا بحقيقة على حدة مستقلة بانفرادها من تلك الحقيقة الواحدة التي تجمعنا كلنا.
وهذا الاختصاص نوع من أنواع الظهور وليس هو للنوع الآخر منه (ولولا ذلك) الفارق الذي تميزت به الأشخاص (ما كانت الكثرة) للجزيئات (في) الكلي (الواحد) كما قال تعالى : "يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)" سورة النساء.
فالنفس الواحدة آدم عليه السلام وزوجها المجعولة منها حواء والناس المخلقون من هذه النفس الواحدة وزوجها هم بنو آدم إلى يوم القيامة .
(فكذلك أيضا) في جناب الحق تعالى (وإن وصفنا بما وصف به نفسه من جميع الوجوه)، كما ذكرنا ليدلنا عليه تعالی بنا.
(فلا بد من فارق)، موجود بيننا وبينه تعالى (وليس) ذلك الفارق (إلا افتقارنا إليه)، سبحانه وتعالى (في الوجود) وافتقاره هو جل وعلا إلينا في الأوصاف والأسماء على حد ما بيناه فيما سبق.
(و) إلا (توقف وجودنا عليه) سبحانه وتعالى، فإن وجوب وجوده تعالى بذاته ووجوب وجودنا نحن به تعالى.
(لإمكاننا)، أي قبولنا للوجود والعدم على السوية من غير ترجيح إلا بمرجح من جهة الغير (وغناه) عز وجل (عن مثل ما افتقرنا إليه) من الوجود فإنه لا يحتاج في وجوده إلى غيره، وأما في أوصافه وأسمائه فهو متوقف علينا و مفتقر إلينا.
فكما أنه تعالى أعطانا الوجود فنحن أعطيناه الأوصاف والأسماء.
وربما يتلاعب بعقلك خاطر تشکل به علينا توقف الحق تعالى في الأوصاف والأسماء على غيره وافتقاره إلينا في ذلك.
فترد الحق المبين بوسواس عقلك المتمسك في دينك، فنقول لك أولم تؤمن بتعلقات أوصافه تعالى وأسمائه بآثاره.
وأن هذه التعلقات كلها أزلية، وأنها نفسية للصفات كما ذكروه في عقائد أهل البداية، والصفة النفسية، وتفارق الموصوف بها إذ لولاها لما كان الموصوف بها.
وهذا القدر كافي لك في نصرتك على وسواسك وعقلك إن كنت من أهل التوفيق في هذا الطريق.
(فبهذا)، أي بغناه تعالى على مثل ما افتقرنا إليه وهو الوجود الذاتي (صح له) تعالى دون غيره الاتصاف بوصف (الأزل والقدم) وهما بمعنى واحد، ولهذا نعتهما بطريق الإفراد .
فقال : (الذي انتفت عنه الأولية)، فإن الأزل والقدم لا أول له ثم نعت الأولية بقوله (التي لها افتتاح الوجود عن عدم) قبلها
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
ولما بين "النور الذاتي والسر الساري" الاتحاد بين العبد والرب من هذين الوجهين شرع في بيان الافتراق فقال : (ولا شك أنا كثيرون بالشخص) باعتبار انضمام تشخصاتنا إلى حقيقتنا النوعية (و) كثيرون (بالنوع) باعتبار انضمام فصولنا المميزة إلى حقيقتنا الجنسية.
(وإنا وإن كنا على حقيقة) واحدة نوعية (هي تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم) أي في حقيقة واحدة (فارقا به) أي بذلك الفارق (تميزت الأشخاص بعضها من بعض ولولا ذلك)الفارق (ما كانت) ما وجدت (الكثرة في الواحد) .
فإذا حصل الفراق بين الممكنات بعد اتحادها في حقيقة واحدة (فكذلك أيضا) حصل الفارق بيننا وبين الحق (وان وصفنا) الحق (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق وليس) .
ذلك (الفارق إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وفناه عن مثل ما افتقرنا إليه) وهو افتقارنا في الوجود (فبهذا) الأستغناء  (صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم).

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
وأما قوله رضي الله عنه : "فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية".
قلنا: معناه أنه لا أولية لغناه عن خلقه ولا أولية له في افتتاح الوجود أي وجوده ليس عن عدم سابق فيتحقق له الأولية في اتصافه بالوجود بعد أن لم يكن متصفا به. قوله: "مع كونه الأول" .
قلت: قوله، رضي الله عنه، مع كونه الأول في قوله تعالى: "هو الأول والآخر" (الحديد: 3). إلا أن الشيخ هنا لم يذكر بأي معنى قيل فيه تعالى: أنه الأول مع ما ذكره من انتفاء تلك الأولية المذكورة عنه.
قوله: ولهذا قيل له الآخر. قلت: يعني لنفي تلك الأولية المذكورة.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " ولا نشكّ أنّا كثيرون بالشخص والنوع ، وأنّا وإن كنّا على حقيقة واحدة تجمعنا ، فنعلم قطعا أنّ ثمّ فارقا ، به تميّزت الأشخاص بعضها عن بعض ، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد " .
يعني : رضي الله عنه :
أنّ هذه الشؤون وإن اشتركت في أنّ كلَّا منها شأن ذاتي له أو نسبة من نسب الألوهية ،ولكنّه لا بدّ أن تكون لكلّ شأن منها خصوصية ، بها يتميّز عن غيره.
فتلك الخصوصيات هي التي أوجبت تعدّد الأشخاص وتمايزها بشخصياتها عند وجودها العيني بموجب وجودها العلمي ، فالوجود وإن كان موجودا للكلّ ، ولكنّ الخصوصيات الذاتية تعيّن الوجود الواحد بحسبها .
فيختلف ظهور الوجود الحق الواحد الأحد في جميع مراتب العدد ، ويتكثّر بحسب القوابل المختلفة المتكثّرة .
ولولا هذا السرّ ، لم تظهر الكثرة المتعقّلة في الواحد ظهورا وجوديا ، ولا الكثرة الوجودية في أحدية الجمع ، كما نقول : " مدينة واحدة " مع اشتمالها على البيوت والدور الكثيرة ، وكقولنا : « كتاب واحد » مع أنّه ذو حروف وكلمات كثيرة ، و « شخص واحد » مع أنّه ذو أجزاء وأعضاء كثيرة .
قال الشيخ رضي الله عنه : " فكذلك أيضا ، وإن وصفنا بما وصف به نفسه من جميع الوجوه ، فلا بدّ من فارق  وهو افتقارنا إليه في وجودنا ، وتوقّف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه . فبهذا صحّ له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأوّلية التي لها افتتاح الوجود عن عدم"
قال العبد أيّده الله :
كما أنّا وإن كنّا مشتركين في الاستناد إلى الحق والدلالة عليه وفي القيام بوجوده الواحد ، ولكنّا كثيرون بالأشخاص والخصوصيات الذاتية ، والتفرقة فيما بيننا ظاهرة .
فكذلك إذا دللنا عليه فإنّ دلالة كلّ منّا بخصوصية ليست في الآخر .
وكذلك وإن وصفنا بما وصف به نفسه وأعطانا الاتّصاف بأوصافه جميعا والتسمّي بأسمائه طرّا ، فلا بدّ من فارق بيننا وبينه لا نشاركه فيه أصلا ، وهو وجوبه الذاتي الذي انفرد به من ذاته دوننا ، وأمّا الفارق من قبلنا الذي خصّصنا به دونه فهو افتقارنا جميعا إليه على التعين في الوجود وذلك لإمكاننا الذاتي ، كما مرّ ، فتذكَّر .
واعلم : أنّ في الإمكان سرّا شريفا ذكرنا في موضعه ، فاطلبه من هناك ، إن لم تعثر عليه من هاهنا ، فقد أومأنا إليه في مواضع ممّا سلف وفيما خلف .
وقوله رضي الله عنه : " عن مثل ما افتقرنا إليه " يدلّ على شمول الافتقار ومرتبتي الوجود أعني مرتبتي الحق والخلق لكون الوجود يشملهما ، والحق من حيث ذاته ووجوده الذاتي غنيّ عنّا ونحن مفتقرون إليه بذواتنا في وجودنا .
ولكنّ الربوبية من كونها تقتضي المربوب بحقيقتها ، والخالقية لا تتعقّل بدون المخلوق وجودا وتقديرا فثبت الافتقار للنسب الإلهية في تعيّنها الوجودي والتعقلي إلى متعلَّقاتها ضرورة توقّف الأمور الإضافية والنسبية على طرفيها وافتقارها إليها .
ولا يقدح ذلك في الغنى الذاتي فإنّ الله غنيّ بذاته في وجوده أزلا وأبدا .
وهذا الافتقار المذكور ليس إلَّا في النسب الأسمائية فإنّ الألوهية والربوبية والخالقية والرازقية وغيرها حقائق يتحقّق وجودها بالمألوه والمربوب والمخلوق والمرزوق ، والغنى لله في ذاته لكون وجوده من ذاته ، وعين ذاته .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
فلما علمناه ومنا نسبناه إليه كل ما نسبناه إلينا كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والكلام وغير ذلك ، والتراجم هم الأنبياء عليهم السلام .
فإنهم أخبروا بهذا المعنى في قوله تعالى :"وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله ". و " وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ".
و " من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله ". و " إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايعُونَ الله ".
- وفي الحديث « من عرف نفسه فقد عرف ربه » وأمثالها .
وهذا معنى قوله فوصف نفسه بنا فإذا شهدناه بوصف شهدنا نفوسنا بذلك الوصف ، إذ لو لم يكن ذلك الوصف فينا ما شهدناه به .
وإذا شهدنا بوصف شهد نفسه بذلك الوصف ، فإن ذلك الوصف وصفه تجلى به لنا بحسب استعدادنا وإلا من أين حصل لنا ذلك ونحن عدم محض ، ومن ثمة يعلم أن وجودنا وجوده تعين بصورتنا وانتسب إلينا فتقيد وتذكر صمديته لكل شيء حتى تراه في كل شيء.
" أَولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّه عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ".
- ولما بين هذا الاتحاد أراد أن يبين الفرق بين الحق والخلق .
فمثل بتعدد أشخاص النوع وأنواع الجنس .
أي فبالغنى الذاتي الصمدى القيومى لكل ممكن وكونه سند مقوم لكل مقيد صح له الأزل والقدم ، وانتفت عنه الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العدم ، فإنه محال في حقه مع كونه الأول

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
وقوله: (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع) ويجوز أن يكون (أنا) عبارة عن لسان أهل العالم، أي، أهل العالم أي، إنا كثيرون.
بالأشخاص والأنواع التي فيه، ويجوز أن يكون عن لسان الأفراد الإنسانية، أي، إنا كثيرون بالشخص وبحسب الأنواع التي فينا لتركبنا من العالمين الروحاني والجسماني. ويؤيد الثاني مابعده .
وهو قوله: (وإنا وإن كنا على حقيقة واحدة) أي، وإن كنا مشتملة على حقيقة نوعية هي
قوله: (تجمعنا، فنعلم قطعا أن ثمة فارقا به) أي، بذلك الفارق.
قوله: (تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك) أي الفارق.
قوله: (ما كانت الكثرة في الواحد) أي، حاصلة ومتصورة في الواحد.
قوله: (فكذلك أيضا وإن وصفناه) أيالحق.
قوله: (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه، فلا بد من فارق.)
لما شبه في الأول، أراد أن ينزه هنا ليجمع بين (التنزيه) و (التشبيه) على ما هو طريقة الأنبياء.
(وليس) ذلك الفارق.
قوله: (إلا افتقارنا إليه في الوجود، وتوقف وجودنا عليه، لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه) وإنما حصر الفارق في افتقارنا وغناه، لأن غيرهما أيضا عائد إليهما، سواء كان وجوديا أو عدميا.
قوله: "فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم"
أي، بسبب هذا الغناء صح له أن يكون أزليا وأبديا وقديما في ذاته وصفاته.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
فقال الشيخ رضي الله عنه : (ولا نشك أنا) أي: المحدثات (كثيرون بالتشخيص) أي: المحدثات (وإن كنا على حقيقة واحدة) نوعية أو جنسية (فنعلم قطعا أن ثمة) أي: في الواقع بين كل فرد فرد، ونوع نوع (فارقا) من الأعراض المشخصة، أو الفصول المميزة (به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض) و الأنواع بعضها عن بعض لكن لم يتعرض لتميز الأنواع لا يستلزم تميز الأشخاص إياه.
وإنما قال : بعضها عن بعض لئلا يتوهم أن المراد تميز أشخاص نوع عن أشخاص نوع آخر، (ولولا ذلك) الفارق بين الأفراد والأنواع (ما كانت) أي: حصلت (الكثرة في الواحد) النوعي أو الجنسي.
فهذا استدلال بالكثرة في الحقيقة الواحدة على وجود الفارق، وإذا عرفت هذا فيما بين الأشخاص والأنواع التي هي صور حقيقة الواحدة النوعية أو الجنسية مع أنها حقيقة معقولة.
(فكذلك أيضا وإن وصفناه) نحن الحق بسبب ظهوره فينا (بما وصف به نفسه) بحيث يطابق وصفنا إياه، وصفة نفسه (من جميع الوجوه فلا بد من فارق) بين أوصافنا وأوصافه.
(وليس) ذلك الفارق بالنسبة إلى الكل (إلا افتقارنا إليه) أي: (في الوجود)، وذلك الافتقار (توقف وجود)، الماهية من توقف صورة المرأة على محاذاة ذي الصورة إياها.
وذلك التوقف (لإمكاننا، وغناه) أي: الحق (عن مثل ما افتقرنا إليه) أي: في الوجود وإلا كان ظهوره في المظاهر يتوقف، وهي ثبوت المظاهر في نفسها أي: بالفناء الذاتي(صح) أنه لا يجتمع هو، واستمرار الوجود في الماضي بحيث لا ينقطع فيه أصلا؟ لأنه لما لا يفتقر في وجوده إلى غيره فوجوده مقتضى ذاته، فاستمر باستمراره الثابت، وصح له (القدم)، وهي هكذا استمرار الوجود في الماضي بحيث لا ينقطع فيه أصلا بل
(الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم)؛ لأنها بهذا المعنى ماهية للفناء الذاتي ؛ لأن ما افتتح وجوده عن عدم فمقتضي وجوده إما ذاته، ولا يتغير مقتضى الذات أو غيره فيفتقر إلى الغير.
وإنما قيد انتفاء الأولية بهذا المعنى لثبوت الأولية له بمعنی سبق وجوده على الكل، وبمعنی كونه يستند إليه الكل في الابتداء إلا أن الشيخ رضي الله عنه لم يعتبر الأول من المعنيين. لأن الأول بذلك المعنى لا يقابل الأخر، بل اعتبر المعنى الثاني.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. 
فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
فإليه أشار بقوله  رضي الله عنه : ( ولا شكّ أنّا ) أي الحوادث الإمكانيّة ( كثيرون بالشخص والنوع ، وأنّا ) أي الأفراد الإنسانيّة منها ( وإن كنّا على حقيقة واحدة تجمعنا ) بوحدتها العينيّة التي لا تقبل التفصيل ولا التكثّر  بالذات كما بيّن ، ( فنعلم قطعا أنّ ثمّ فارقا به تميّزت الأشخاص بعضها عن بعض ، ولولا ذلك ) الفارق ( ما كانت الكثرة في الواحد ) .
( فكذلك أيضا ) فيما نحن فيه ، فإنّه ( وإن وصفناه ) أي الحقّ في الموطنين المذكورين ( بما وصف به نفسه من جميع الوجوه ، فلا بدّ من فارق ) به يتميّز الوصفان ،( وليس ) ذلك الفارق (إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقّف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه) .أي انحصر الفارق في الافتقار في الوجود ، والغناء عنه .
فإنّ الغناء المطلق لا يصح فيما اعتبر فيه نسبة من النسب أصلا ، فما اختصّ به ذات الممكن هو الافتقار الذي به افترق عن الواجب وتكثّر ، ومنه بعد عنه وسمّي عبدا .
كما أنّ ما اختصّ به الواجب هو الغناء عن مثل ذلك ، وهو الذي به يتقدّم ذاتا ورتبة ، ويتّصف بالوحدة الحقيقية الذاتية ، لا العدديّة الإضافيّة
 .وفي هذا الكلام تلويح غير خفيّ .
( فبهذا ) الفارق (صحّ له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأوّليّة التي لها افتتاح الوجود عن عدم) على ما يلزم أرباب العقائد التقليديّة فيما اعتقدوه في الواجب من الصورة المحصورة المقيّدة ، والوجه الجزئي الجعلي تعالى عن ذلك علوّا كبيرا وذلك لأنّ الأوّليّة في تلك الصور إنّما يتصوّر إذا كان لها افتتاح الوجود عن عدم .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "و لا نشك أنّا كثيرون بالشخص و النوع، و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعاً أن ثَمَّ فارقاً به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد."
دفعه بقوله : (ولا تشك أنا) يعني أهل العالم (كثيرون) متفاوتون (بالشخص والنوع)، فإن في العالم أنواعا مختلفة .
ولكل نوع أشخاصا متعددة (وإنا) يعني الأفراد الإنسانية (وأن کنا) مشتملة على حقيقة واحدة) نوعيه (يجمعنا ليعلم قطعا أن ثمة).
أي أشخاص تلك الحقيقة (فارقا به)، أي بذلك الغارق (تميزت الأشخاص بعضها عن بعض)، وإذا لم يجمعنا يعني أهل العلم حقيقة واحدة نوعية فوجود الفارق أظهر ولهذا ما وقع التعريض له.
(ولولا ذلك) الفراق (ما كانت الكثرة) بحسب الأفراد متحققة (في) النوع (الواحد) ، وإذا عرفت أن بين أفراد العالم بل الأفراد الإنسانية فارقة يميز بعضها عن بعض .
"فكذلك أيضاً، و إن وَصَفَنَا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود و توقف وجودنا عليه لإمكاننا و غناه عن مثل ما افتقرنا إليه."
(فكذلك) الحال بيننا وبين الحق (أيضا)، فإنه (وإن وصفنا).
أي الحق سبحانه وأعطانا الاتصاف (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه)، أي وجوه الصفات وأنواعها أو وجوه الأوصاف القولية والفعلية (فلا بد من فارق) بيننا وبينه لا نشاركه ولا يشاركنا فيه أصلا (وليس) الفارق من قبلنا الذي خصصنا به دونه (إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه الإمكاننا).
وتساوي نسبتي الوجود وانعدم إلى ذواتنا فلا بد من مرجح.
وأما الفارق الذي انفرد به سبحانه ، فهو وجوبه الذاتي وغناه عن مثل ما افتقر إليه من الموجد
"فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم. "
(فبهذا) الوجوب الذاتي والمعنى :
(صح له الأزل)، أي الأزلية (والقدم) الذاتي (الذي انتفت به عنه الأولية التي) ثبت (بها)، أي تلك الأولية (افتتاح الوجود عن عدم).
قال صلى الله عليه وسلم : "أول ما خلق الله العقل" ، أي الذي افتتح الوجود بعدم العدم من الموجودات هو العقل.
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا نشك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد. فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه. فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.)

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و لا نشك أنا كثيرون بالشخص و النوع و أنا و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض، و لو لا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد .  فكذلك أيضا، و إن وصفناه بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق ] .

قال الشارح رحمة الله :
( و لا تشك أنا ): أي أهل العالم كثيرون بالشخص و النوع لأنك أشخاص غير متناهية تحت أنواع متناهية .
( و إن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا) تلك الحقيقة الواحدة في الواحدية لأن أفراد الجنس مثلا على كثرتها و عدم تناهيها يجمعنا النوع الكلي و هو الإنسانية و لكن لو لم يكن في كل فرد فرد معنى آخر زائد عن الأصل الكلي لما اختلفت الأفراد و الأشخاص باللوازم الشخصية و الخواص.
( فتعلم قطعا أن ثمة فارقا به تميزت الأشخاص بعضها عن بعض) كما تميزت الأنواع بعضها عن بعض، و لو لا ذلك التمييز ما كانت الكثرة في الوحدة: أي ما ظهرت الكثرة موجودا في العالم مع أن الأصل واحد، فعرفنا به أن التمييز الفارق ظهور العالم و صوره المتكثرة المتنوعة مع أن الأصل واحد، فكذلك أيضا: أي الحال في الإلهيات كثرة مع الفرقان في عين واحدة .

( و إن وصفناه ): أي الحق تعالى (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق) لما شبه، أو لا .
حيث قال رضي الله عنه: فوصف نفسه لنا بنا، فأراد أن ينزهه هنا ليجمع بين الحسنين التنزيه و التشبيه كما هو عادة الأولياء و سنن الأنبياء عليهم السلام، فأثبت الفارق .
و ذلك أنه لما قيل في الإنسان الكامل أنه على الصورة فما نقصه من الكمال  شيء، و بقي حكم وجوب الوجود للتمييز بين الحق و العالم إذ لا يرتفع ذلك: أي التمييز بين الحق و الإنسان بوجوب الوجود من حيث أنه إنسان و لا يصح له فيه قدم، فافهم .

و له تمييز آخر ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات ": 
و ذلك أن الحق يتقلب في الأحوال و لا تتقلب عليه الأحوال لأنه يستحيل أن يكون للمحال عليه .
و أمّا تقلب الحق في الأحوال فمعلوم بالاستواء و النزول و المعية و الضحك و الفرح و الرضا، و كل حال وصف به نفسه فهو يتقلب فيها بالحكم و هو التحول في الصور، فهذا الفرق بيننا و بين الحق تعالى و هو أوضح الفروق و أعلاها أن يكون الفروق بالحدود الذاتية التي بها يتميز الحق و الخلق و حدود الكون بأسره هو الحد الذاتي بواجب الوجود، هذا المشهد غاية العارفين و أهل الرؤية .

قال تعالى: "و فوق  كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76] فالعلماء بالله فوق هذا الكشف و المشهد، فإنهم في هذا المقام على حكم الحق فيه كما يرى المحجوب فينكرون النكرة، و يعرفون المعرفة و الحدود الذاتية عندهم للأشياء كالعامة، فافهم . 
فإنهم أهل تمييز و صحو، و أمّا أهل الرؤية قدّس سرهم يحافظون على هذا المقام لسرعة نقلته من قلوبهم، فإن من لم يستصحب الرؤية دائما مع الأنفاس لا يكون من هؤلاء الرجال . 
و هذا مقام من يقول غير الله قط، و أمّا من عرف الحق، و الحق سمعه و بصره و جميع قواه عليه هذه الرؤية لأنه بقواه يرى الأشياء كما هي، و يعلم الأمر كما هو فعرف بالحق و الخلق، و يرى الحدود الذاتية الفارقة للذوات حقا و خلقا . 
قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب الحادي والخمسين وثلاثمائة:
إن من لهذا المقام فلا يحاد به أحد في علمه بالله، فهذا هو العالم المميز بالحد الذاتي و العالم الفارق الذي لا نقال عنه، فافهم

قال المصنف رضي الله عنه : [وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.]
قال الشارح رحمة الله : ( و ليس إلا افتقارنا إليه في الوجود، و توقف وجودنا عليه لا مكاننا) . 
قال الله تعالى: "يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ" [ فاطر: 15] فافهم.
أنه وصفنا بما وصف به نفسه، توهم الاشتراك وهو لا اشتراك فيه، فإن الرتبة قد ميزته فيقبل كل واحد ذلك الإطلاق على تعطيه الرتبة التي يتميز بها فإنا نعلم قطعا أن الأسماء الإلهية التي بأيدينا تطلق علينا . 
كما قال تعالى في حق النبي صلى الله عليه و سلم:بالمُؤْمِنين رؤُفٌ رحِيمٌ" [ التوبة: 128] كما تطلق على الحق تعالى أن نسبة تلك الأسماء التي وقع الاشتراك في اللفظ بها إلى الله غير نسبتها إلينا، فما انفصل عنا إلا بربوبيته، و ما انفصلنا عنه إلا بعبوديتنا فمن لزم منا رتبته فما جني على نفسه، بل أعطي الأمر حقه فقد بان لك الحق تعالى و بان لك الخلق، فتل ما شئت . 
فالفارق من جهة الحق الوجوب الذاتي ومن جهة العبد الافتقار، وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
قال تعالى: "و اللّهُ هُو الغني الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
و قال تعالى: "و اعْلمُوا أنّ اللّه غني حمِيدٌ" [ البقرة: 267] .
و قال تعالى: "فِإنّ اللّه غني عنِ العالمِين" [ آل عمران: 97] . للدلالة عليه لظهوره بنفسه للعالم، فاستغنى أن يعرف بالعالم ولا يدل عليه الغير، بل هو الدليل على نفسه بظهوره لخلقه، فمنهم من عرفه و ميزه من خلقه، و منهم من معارفيه فلم يدر ما هو؟.
 كأبي يزيد قدّس سره : فإنه علم أن ثمة تميزا و لكن ما عرف ما هو حتى سأل .
وقال: يا ربّ بماذا أتقرب إليك؟ 
فقال تعالى: بما ليس لي، فقال: يا رب وما ليس لك وكل شيء لك؟ .
فقال تعالى: الذلة والافتقار حتى سكن ما عنده قدّس سره وهذه المحتملات الثلاثة من محتملات كلمة جمع جوامع الكلم صلى الله عليه و سلم .
فإنه قال : "من عرف نفسه فقد عرف ربه"  .
أمّا تعليق محال على محال هذا من مقام الحيرة، و أمّا من مقام العلم بصحو و تميز كالمحققين من الكمّل .
وأمّا من مقام العرفان أنه ما يرى الغير، فإذا عرف نفسه بهذا الاعتبار فهو عين معرفة الرب، فافهم .
وهنا لسان آخر و ذوق غير ذلك الذوق من أذواقه رضي الله عنه، قال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ الذكْرى تنفعُ المُؤْمِنين" [ الذاريات: 55] .
فاعلم أن الله تعالى غنيّ عن العالمين بالعالمين كما يقال في صاحب المال: إن الله غني عن المال بالمال، فهو الموجب له الغنى .

وهي مسألة دقيقة لطيفة الكشف فإن  الشيء لا يفتقر إلى نفسه فهو الغني عن نفسه بنفسه .
قال تعالى: " يا أيُّها النّاسُ أنْـتمُ الفُقراءُ إلى اللّهِ و اللّهُ هُو الغنِي الحمِيدُ" [ فاطر: 15] .
الذي يرجع إليه عواقب الثناء، و ما يثني الأبناء من وجودنا، و أمّا تنزيهه عما يجوز علينا، فما وقع إلينا عليه تعالى إلا بنا، فهو غنيّ عنا فلا بد منا بثبوت هذا الغنى له بقاء، و من أراد أن يقرب عليه تصور هذه المسألة فلينظر إلى ما سمّي به نفسه سبحانه من كل اسم يطلبنا فلا بد منا.
فلهذا لم يمكن الغنى إلا بنا إذا حكم الألوهية بالمألوه، وحكم الربوبية بالمربوب والمريد بالمراد، والقادر بالمقدور، والقول بالمقول وهكذا الأمر.

قال المصنف رضي الله عنه : [ فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.]
قال الشارح رحمة الله : 
(فبهذا ): أي بهذا الغنى الذاتي، و عدم الاحتياج بالوجود لأن الوجود عينه و الشي ء لا يكون مفتقر إلى نفسه، فإنه غني عن نفسه بنفسه، فلو كان فقيرا يلزم أن يكون  الشيء الواحد من حيث ما هو غني و هو محال، و إن كان الاسم الإلهي المغني، هو معطي الغنى للعبد، فهو الغني بالله عنه .
أخبر تعالى أنه:كُلّ يوْم هُو فِي شأنٍ" [ الرحمن: 29] و العالم شؤونه، و هو متحول فيه و به، و أخبر أنه يوم القيامة يوم عموم الكشف و العيان .
قال تعالى: " لكل امْرئٍ مِنْـهُمْ يوْمئذٍ شأنٌ يُـغنيهِ " [ عبس: 37] فالكل يحمد الله مستغني به عنه كالحق أنه الغني عن العالمين، و لكنّ العلم بالله داهية دهماء و فتنة عمياء صماء فإنه يعطي، الزهو على عباد الله، و يورث الجهل بالعالم و بنفسه.
كما قال صاحب جنيد قدّس سره حين عطس.
و قال: الحمد لله، فقال له حينئذ: أكمل بقول رب العالمين .
قال: ما العالم حتى نقرنه مع الله؟
وإن كان هذا القول قول صاحب حال و لكن ناقص العيار لأن الله تعالى قد قارن معه، وقارن رب العالمين وهو تعالى حكيم عليم ما خاطب العالم إلا بالقول الأتم، فبتنوع خطابه ليتسع الأمر ويعم .
فالفقر ذاتي، و الغنى أمر عرضّي و من لا علم له يغيب عن الأمر الذاتي لشهود الأمر العرضي، فافهم .
وأسند الغني إلى الغنى عن العالمين لتكون أديبا فإن العبد عبد فقير تحت أمر سيده، و الله هو الغني الحميد، فافهم .

( صحّ له الأزل) و هو نفي الأولية بمعنى: افتتاح الوجود عن عدم، و نسبة الأزل إلى الله تعالى كنسبة الزمان إلينا و هو نعت سلبي لا عين له، فيكون  كالزمان نسبة متوهمة الوجود لا موجودة لأن كلّ شيء تفرضه يصحّ عنه السؤال بمتى، و متى سؤال عن زمان فلا بد أن يكون الزمان أمرا متوهما لا موجودا و لهذا أطلقه الحق على نفسه .
قال تعالى: " و كان اللّهُ بكُل شيْءٍ عليماً " [ الأحزاب: 40] .
ورد في الخبر عن صاحبي :  "أين كان ربنا قبل أن يخلق الخلق و أمثالهما". 
فعرفنا أن هذه الصيغ ما تحتها أمر وجودي و إلا ما صحّ تنزيه الحق عن التقييد الزماني إذا كان حكم الزمان بقيده .
أما ترى تذيل الحديث المشهور :  "كان الله و لم يكن معه  شيء". 
فذيله عارف بقوله: و الآن كما  كان، فتوهم في الحديث زمانا، و قال: و الآن كما كان .
(و القدم الذاتي) و إنما قلنا: الذاتي لأن الأرواح القاهرة و الأعيان لها القدم و لكن بالزمان لا بالذات الذي: أي القدم .
( انتفت الأولية التي افتتاح الوجود عن عدم فلا ينسب إليه ): أي الأولية بهذا المعنى فهو افتتاح الوجود عن العدم مع كونه الأول و لكن بمعنى آخر، و هو كونه مبدأ لما سواه، كما أنّ آخريته عبارة عن  كونه يرجع إليه عواقب الأمور .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment