Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية عشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية عشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية عشرة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM

الفقرة الحادية عشرة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال رضي الله عنه : (فغلب عليها)، أي على الملائكة. (ما ذكرناه) من عدم وقوفها مع ما تعطيه النشأة الخليفة وما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية وعدم جمعيتها للأسماء الإلهية التي في آدم عليه السلام غير ما يخصها منها.
(وحكم عليها هذا الحال) المفهوم من جملة ما ذکر فحملها على ما ظهر منها.
(فقالت : من حيث النشأة)، أي قولا يقتضيه وجودها المخصوص وتشخيصها المعين فشرحت حالها بمقالها الظهور المقول فيه لها في مرآتها على حسب استعدادها والذي قالت هو (أتجعل فيها ) 30 سورة البقرة. أي في الأرض ("من يفسد فيها") فاستفهمت بطريق النهي عما طلب الله تعالى منها التكلم فيه بحسب ما عندها . (وليس) هذا الفساد الذي قالته (إلا النزاع) مع الله تعالى.
(وهو)، أي ذلك النزاع (عين ما وقع منهم) بقولهم: ذلك اقتضته حقیقتهم القاصرة عن كمال من قالوا ذلك في حقه.
(فما)، أي الذي قالوه في حق آدم عليه السلام من نسبة الفساد في الأرض إليه (هو عين ما هم فيه) حين قولهم ذلك (مع الحق) تعالی بعد سماعهم أن ذلك المجعول في الأرض خليفة له تعالى فقد نازعوا الله سبحانه بما قالوه فيه .
(فلولا أن نشأتهم) التي خلقوا عليها من قصورها عن درجة الخليفة (تعطی ذلك) القول منهم (ما قالوا في حق آدم ) عليه السلام .
(ما قالوه وهم لا يشعرون ) بأنه فيهم لا في آدم عليه السلام .
لأنه مقتضى نشأتهم القاصرة عن نشأة آدم عليه السلام الجامعة، ولا شك أن كل من قال في غيره شيئا إنما تصور ذلك الغير أولا في مرآة استعداده ثم أخبر عنه على حسب ما وجده فيها .
فما أخبر إلا عن استعداده فالقاصر يخبر بالقصور والكامل بالكمال (فلو عرفوا نفوسهم) من حيث ما هي ناشئة في تلك النشأة المخصوصة القائمة بتجلي اسم خاص وأنها قاصرة عن النشأة الجامعة التي للخليفة.
(لعلموا ما فيهم) من القصور عن نشأة الخليفة (ولو علموا) ذلك (لعصموا)، أي لحفظوا باعترافهم بالقصور عما وقعوا فيه من الطعن فيمن هو أعلى منهم.
فإن قلت هذا الكلام يشعر بعدم عصمة الملائكة للجمع عليها.
قلت : المراد بعصمتهم المجمع عليها عصمتهم من المخالفات والمعاصي.
وكلامهم ذلك في شأن هذه الخليفة الذي لم يكن موجودة حينئذ ليس بمخالفة ولا معصية.
وإنما هو بحسب ما عندهم من العلم بمن سئلوا عنه ممن لم يعرفوا مثله قبله أبدا.
فتكلموا فيه على مقتضى ما أعطاهم استعدادهم فأخطؤوه ولو علموه لحفظوا من ذلك.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال رضي الله عنه : (فغلب عليها ما ذكرناه وحكم عليها هذا الحال) فأخرجهم عن حد الاعتدال (فقالت من حيث النشأة) الخاصة بهم (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) ما قالوا في حق آدم من الإفساد وسفك الدماء.
(وليس إلا النزاع) أي نزاع آدم عليه السلام مع الحق (وهو) أي هذا النزاع (عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم) من المخالفة والمنازعة لأمر الحق (هو عين ما هم فيه مع الحق) وهذا من إعطاء نشأتهم.
(فلولا أن نشأتهم تعطى لهم ذلك) المذكور (لما قالوا في حق آدم ما قالوه) وفيه اعتذار من جانبهم (ولكن لا يشعرون) أنهم كانوا أصحاب النزاع بقولهم أتجعل وذكر الشعور دون العلم يدل على أن نزاعهم مع الحق تعالى.
قد بلغ غاية الظهور فكان كالمحسوس المشاهد فإذا لم يشعروا مخالفة أنفسهم مع الحق لم يعرفوا نفوسهم وأحوالهم.
(فلو عرفوا نفوسهم لعلموا) ربهم ولم يعلموا (ولو علموا) ربهم (لعصموا) عن قولهم في حق آدم كما عصموا بعد العلم بإظهار الحجة عليهم

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قوله:  "وما علمت أن الله أسماء ما وصل علمها إليها، فما تغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: "أتجعل فيها من يفسد فيها" (البقرة: 30). وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
"فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال".
فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم.
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.
ثم قال رضي الله عنه : " فلولا أنّ نشأتهم تعطي ذلك ، ما قالوا في حق آدم ما قالوه " .
يعني رضي الله عنه : النزاع والاعتراض من حيث ما ذكرنا من سراية أحدية جمع النشأة الطبيعية الكليّة ، « وهم لا يشعرون » بذلك لغلبة الحال وحكم البساطة والوحدة بالفعل ظاهرا ، وأعطى ذلك هذا الاعتراض والسعي في الجرح ، فقالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون .
قال رضي الله عنه : ( فلو عرفوا نفوسهم ، لعلموا ولو علموا لعصموا ) .
أي إنّ مقتضى ذاتهم ونوريّتهم وبساطتهم هو عدم الاعتراض والاعتساف ، والاتّصاف بحقائق الإنصاف . لعصموا عن وقوع المنازعة .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال رضي الله عنه : "فغلب عليها ما ذكرنا وحكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة " أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ".
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم .
فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق ،
فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون .
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا ولو علموا لعصموا"
شرعت في تجريح آدم وقدحت فيه ، إذ ما عرفت ما في آدم من الأسماء التي لم تعرفها ، فحكم عليها حالها التي هي النقص حتى نسبوا النقص الذي هو مقتضى نشأتها إلى آدم
، فقالت :" أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ".
- لأنها أدركت بنقصها نقص آدم وما تحت حيطتها ومرتبتها من خواص القوة الشهوانية والغضبية واحتجبت عما فوق نشأتها من الأسماء التي ليست لها فأظهرت النزاع الذي هو حالها ومقتضى نشأتها لأن إدراك النقص والاحتجاب عن الكمال عين الإنكار والنزاع.
فكان ما قالوا في حق آدم عين ما هم فيه مع الله

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قوله رضي الله عنه : "فغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال."
فقالت من حيث النشأة: (أتجعل فيها من يفسد فيها)  أي، ما وقفت الملائكة مع الأسماء التي تخص الملائكة وسبحت الحق بها وقدسته. (فغلب عليها) أي، على الملائكة.
(ما ذكرناه) من عدم الوقوف مع ما أعطته مرتبة الإنسان الكامل ومع ما اقتضته حضرة الحق منهامن العبادة والانقياد لكل ما أمر الله به. (وحكم عليها) أي، على الملائكة.
(هذا الحال) أي، عدم الوقوف (فقالت من حيث النشأة) أي، من حيث نشأتهم الخاصة بهم: (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟)
ولا ينبغي أن تحمل (النشأة) على النشأة العنصرية الإنسانية ليكون معناه: فقالت هذا القول من حيث النشأة الجسمية التي هي لآدم، مع غفلتهم عن النشأة الروحية والمرتبية.
لأن قوله: (فلولا نشأتهم تعطى ذلك، ما قالوا في حق آدم ما قالوا) تصريح على أن المراد بالنشأة هنا هي النشأة التي تخصهم.
أي، قالت الملائكة من حيث نشأتهم التي هم عليها: (أتجعل فيها من يفسد فيها؟)و(التسبيح) أعم من (التقديس) لأنه تنزيه الحق عن نقائص الإمكان والحدوث.
و (التقديس) تنزيهه عنها وعن الكمالات اللازمة للأكوان، لأنهامن حيث إضافتها إلى الأكوان يخرج عن إطلاقها ويقع في نقائص التقييد.
قوله : (وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم، فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق) أي، ليس هذا المعنى الذي غلب وحكم عليهم، وهو القول فيحق آدم، إلا المنازعة والمخالفة لأمر الحق، وهو، أي النزاع، عين ما وقع منهم مع الحق، فما قالوه في حق آدم من النقص والمخالفة هو عين ما هم فيه مع الحق، إذ ليس ذلك النقصان المنسوب إلى آدم إلا المنازعة والمخالفة للحق. وهو، أي ذلك النقصان، عين ما وقع منهم حالة الطعن فيه.
قوله : (فلو لا أن نشأتهم تعطى ذلك، ما قالوا في حق آدم ما قالوه، وهم لا يشعرون) أي، فلو لا أن نشأتهم التي حجبتهم عن معرفة مرتبة آدم تعطى ذلك النزاع.
ماقالوا في حق آدم ما قالوه، وهم لا يشعرون إن استعداداتهم وذواتهم يقتضى ذلك الذي نسبوا إلى آدم، كما قيل: "كل إناء يترشح بما فيه."
وهذا تنبيه على أن الملائكة التي نازعوا في آدم ليسوا من أهل الجبروت، ولامن أهل الملكوت السماوية، فإنهم لغلبة النورية عليهم وإحاطتهم بالمراتب يعرفون شرف الإنسان الكامل ورتبته عند الله وإن لم يعرفوا حقيقته كما هي، بل الملائكة الأرض والجن والشياطين الذين غلبت عليهم الظلمة والنشأة الموجبة للحجاب وفي قوله: "إني جاعل في الأرض خليفة".
بتخصيص (الأرض) بالذكر، و إن كان الكامل خليفة في العالم كله في الحقيقة، إيماء أيضا بأن ملائكة الأرض هم الطاعنون، إذ الطعن لا يصدر إلا ممن هو في معرض ذلك المنصب، وأهل السماوات مدبرات للعالم العلوي بالقصد الأولى، وللسفلى بالقصد الثاني.
وإذا حققت الأمر وأمعنت النظر، تجدهم في هذه النشأة الإنسانية أيضا أنهم هم المفسدون - كما قال الله: "ألا أنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون".
ألا ترى أن القوة الشهوية والغضبية هما ملكان من ملائكة الأرض، هما اللتان تغلبان على النفس الناطقة ويجعلان لها أسيرا منقادا لأفاعيلهما وأغراضهما.
وعند ذلك تصير النفس (أمارة بالسوء) فهم المفسدون في الحقيقة.
وكون السفك والفساد صادرا من القوى الجسمانية لا الروحانية القلبية، دليل واضح على ما ذهبنا إليه من أن أهل الجبروت والملكوت السماوية لا يتنازعون مع الحق ولا يخالفون أمره ونهيه، إذ القوى الروحانية والقلبية لا يتأتى منهم ما يخالف أمر الله، فافهم
تنبيه
اعلم، أن هذه المقاولة يختلف باختلاف العوالم التي يقع التقاول فيها: فإن كان واقعا في العالم المثالي فهو شبيه المكالمة الحسية.
وذلك بأن يتجلى لهم الحق تجليا مثاليا كتجليه لأهل الآخرة بالصور المختلفة  كما نطق به حديث
(التحول)، وإن كان واقعا في عالم الأرواح من حيث تجردها فهو كالكلام النفسي.
فيكون قول الله لهم إلقاؤه في قلوبهم المعنى المراد، وهو جعله خليفة في الأرض من غيرهم. وقولهم عدم رضاهم بذلك وإنكارهم له، الناشئين من احتجابهم برؤية أنفسهم وتسبيحهم عن مرتبة من هو أكمل منهم، واطلاعهم على نقائصه دون كمالاته.
ومن هذا التنبيه يتنبه الفطن على كلام الله ومراتبه:
فإنه عين المتكلم في مرتبة، ومعنى قائم به في أخرى كالكلام النفسي وإنه مركب من الحروف و معبر بها في عالمي المثالي والحسي بحسبهما.
كما بينا في رسالتنا المسمى بكشف الحجاب عن كلام رب الأرباب. والله أعلم.
قوله : (فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا) أي، لو عرفوا ذواتهم وحقائقهم، لعلموا لوازمها من كمالاتها ونقائصها وعدم علمها بمرتبة الإنسان الكامل، وبأن لله تعالى أسماء ما يحققوا بها.
ولو علموا ذلك، لعصموا من نقائص الجرح لغيرهم وتزكية أنفسهم.
ولما كان العلم اليقيني موجبا لخلاص النفس عن الوقوع في المهالك غالبا،
قال، رضى الله عنه: (ولوعلموا لعصموا.)

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون.  فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )

قال رضي الله عنه : (فغلب عليها) أي: على الملائكة (ما ذكرناه) أي: لا من كون كل منهم محجوبا بنفسه.
(وحكم عليها هذا الحال) أي: الجهل المركب الموجب لظن احاطتهم بالأسماء الإلهية، وبما في الأكوان من أسراره مع جهلهم لجمعية آدم، واختصاصه ببعض الأسماء الإلهية.

وهي التي لم يصل علمهم إليها بل رأوه قاصرا عن تجلي الأسماء الإلهية التي تجلت فيهم، فقالت: (من حيث النشأة ) الجسمانية لأدم المشتملة على العناصر المتقابلة الطبائع التي بها الكون، والفساد المشتملة على الشهوة والغضب بما فيها من الهواء والنار ("أتجعل فيها") أي: في الأرض ("من يفسد فيها") بطلب شهواته، ويسفك الدماء بثوران غضبه.
ثم زاد عليهم الشيخ فه بقوله: (وليس) أي: فساد آدم وأولاده (إلا النزاع) مع الحق بالاعتراض عليه فيما لا تبلغه عقولهم، والسخط بقضائه فيما لا يوافق طباعهم، ومخالفة أوامره ونواهيه.
(وهو) أي: النزاع المعبر عنه بالفساد فيه قول الملائكة الذين طعنوا به في حق آدم (عين) أي: مثل (ما وقع منهم) مع الحق حيث اعترضوا عليه، وإذا كان طعنهم في آدم نزاعا مع الحق، وهم سابقون على أدم في ذلك.
(فما قالوه في حق آدم) من الفساد (هو عين ما هم فيه) الآن من النزاع (مع الحق) سابقون على أدم فيه، فهم أولى بذلك الطعن.
ثم إنهم لما طعنوا في أدم بما رأوا فيه من مبدأ الفساد، وقد سبقوه في استحقاق ذلك الطعن، وهو حادث لا بد له من سبب هو مبدؤه فلا بد فيهم من مبدأ الفساد أيضا، وهو الجهل المركب والحجاب المذكوران.
(فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك) النزاع مع الحق (ما قالوا في آدم ما قالوه) ، من نسبة الفساد إليه مع أن النزاع مع الحق أعظم أنواعه (وهم لا يشعرون).
أن ما طعنوا في حق آدم نزاع مع الحق، ولا أنه فساد ناشئ من نشأتهم؛ فهذا جهل آخر مركب فيهم (فلو عرفوا نفوسهم لعلموا) ما في نشأتها من الجهل، والحجاب اللذين هما من مبادئ الفساد؛ فلذلك وقع منهم النزاع مع الحق، والدليل على ذلك: أنهم (لو علموا) أن الفساد الذي طعنوا به في حق آدم غير ما هم فيه "ما هم عليه وفيه الآن بالطعن والنزاع مع الحق سبحانه في آدم " (لعصموا) عن هذا الطعن، وسلموا عن النزاع مع الحق الذي هو أعظم أنواع الفساد.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )

قال رضي الله عنه :  ( فغلب عليها ما ذكرناه ) من عدم الجمعيّة التي لآدم .
وعدم وقوفها مع الأسماء كلَّها وعدم العلم بأنّ للحقّ أسماء وراء ما عندها ( وحكم عليها هذا الحال ) ، أي غلبها أحكام هذا السلوب والأوصاف العدميّة ( فقالت من حيث النشأة ) أي نطقت لسان نشأتها هذه بقولها : ( "أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها " ) مستنكرة للحق فيه .
ساعية لآدم بعدّ قبائح أوصافه العدميّة مثنية على أنفسها بعدّ محامد أوصافها السلبيّة كلّ ذلك من مقتضى نشأتها التي على محض التجرّد والتقدّس العدمي .
والدليل على أنّ ذلك القول إنّما صدر منها من حيث نشأتها أنّ ما نسبوه لآدم إنّما هو الفساد (وليس ذلك إلَّا النزاع ، وهو عين ما وقع منهم فما قالوه في حقّ آدم ) من الفساد ( هو عين ما هم فيه مع الحقّ . فلو لا أنّ نشأتهم تعطي ذلك ، ما قالوا في حقّ آدم ما قالوه ، وهم لا يشعرون ) .
أنّ ذلك القول هو عين ما نسبوه إلى آدم ، ضرورة أنّ صدور الآثار إذا كان من المبادي من غير شعور بها ولا رويّة ، دليل على أنّها من محض الجبلَّة ونفس الطبيعة .
( فلو عرفوا نفوسهم ) الجزئيّة بحقائقها وخصوصيّاتها ( لعلموا ) أن ذلك القول عين الإفساد ، وأنّ تجريح آدم به تجريح لأنفسهم ، ( ولو علموا ) ذلك ( لعصموا منه ) .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟
وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق. فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون. فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قوله رضي الله عنه : "فغلب عليها ما ذكرناه، وحكم عليها هذا الحال."
(فغلب عليها)، أي على الملائكة (ما ذكرناه) من عدم وقوفهم مع الأمور الثلاثة (وحكم عليها)، أي على الملائكة (هذا الحال) أي غلبة ما ذكرناه عليهم أو ما ذكرناه وهو عدم وقوفهم معها .
"فقالت من حيث النشأة : "أتجعل فيها من يفسد فيها" آية 30 سورة البقرة."
(فقالت) أي الملائكة (من حيث النشأة) التي تخصهم بلسان التنافي والتنافر الذي بين الوحدة والبساطة الملكيتين، وبين الكثرة و التركيب الإنسانيين.
"أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " آية 30 سورة البقرة .
"وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق."
(وليس) ما ينسبونه إلى آدم من الإفساد وسفك الدماء (إلا النزاع) و المخالفة لا من الحق (وهو)، أي ذلك النزاع (غير ما وقع منهم) مع الحق من اعتراضهم عليه في جعله آدم خليفة.
(فما قالوه في حق آدم) مع الحق من النزاع والمخالفة (هو عين ما هم فيه مع الحق) منهما حال اعتراضهم على الحق والطعن في آدم
"فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعون. "
(فلولا أن نشأتهم تعطي ذلك) النزاع مع الحق سبحانه ويقتضي ذلك الاعتراض (ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون) مع الحق سبحانه.
"فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا."
(فلو عرفوا نفوسهم)ونشأتهم التي تخصهم لعلموا أن ما قالوه هو النزاع مع الحق سبحانه الذي هو من لوازم نشأتهم وأحكام نفوسهم (ولو علموا) ذلك(  لعصموا) من الإقدام على النزاع فإنهم من الملائكة الذين لا يعصون الله ما أمرهم، فلو علموا أن ما قالوه نزاع مع الله سبحانه و عصيان لأمره ما وقع منهم ذلك القول.
وإنما وقع منهم الذهول عن هذا المعنى.
وأيضا ليس من مقتضى الإنصاف إذا أطلع أحد على أمر مذموم في نفسه أن يطعن به في غيره ويجرحه .

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟  وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.   فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون.
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال المصنف رضي الله عنه :  ( فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: أتجْعلُ فيها منْ يـفْسِدُ فيها [ البقرة: الآية 30] .  و ليس إلا النزاع و هو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق . فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه و هم لا يشعرون .  فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، و لو علموا لعصموا) . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
فغلب عليها ما ذكرناه)، و هي الأسماء التشبيهية المؤثرة في الكون، فغلب عليها ما ذكرناه و هو عدم العلم و الوقوف بالأسماء و المراتب و المواطن .
( و حكم عليها هذا الحال) و هو الغلبة المذكورة، فقالت من حيث النشأة: أي باقتضائها لأنها طبيعية تعطي التشاجر، و التخاصم، و التحالف . 
فقوله: النشأة يحتمل أن يريد بها نشأة آدم: أي حين عرفت أن نشأته عليه السلام مركبة من الأضداد من الحقائق المختلفة، و الطبائع المتنافرة، فحكمت بوقوع الفساد من ذلك لعلمها بالحقائق، و كذا وقع الأمر . 
و لكن فاتهم أن الفساد قد يكون عين الصلاح، و الإفساد عين الإصلاح، و كيف لا؟! و الفاعل ربّ حكيم عليم . 
و قد قال تعالى"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)" سورة البقرة . 
و الرب هو المصلح لغة، فما وقفوا على مقصود الحق من خلق الخليقة، و لو لم يكن الأمر كما وقع لتعطلت من الحضرة الإلهية أسماء كثيرة لا يظهر لها حكم . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر لهم"  
فنبه فيه أن كل أمر في العالم إنما هو لإظهار حكم اسم إلهي، و إذا كان هكذا الأمر: أي كما وقع فلم يبقى في الإمكان أبدع من هذا العالم و لا أكمل، و فساده عين الصلاح، و إفساده عين الإصلاح مع أن السفك يدل على الغلبة، و العزة التي لصاحب المرتبة ذي المنعة، و القوة، و الشوكة . 
قال تعالى: "فانظرْ كيْف كان عاقبةُ المُفْسِدِين" [ الأعراف: 103] . 
قالوا: الخلافة العامة والعزة التامة، حتى قيل فيهم: "وللّهِ العزُّة ولرسُولهِ وللْمُؤْمِنين"[ المنافقين: 8].
مع أن العزة لله، فإن عزتهم عزة الحق من مقام وحدة الوجود لله جميعا، فافهم الإشارة: أي إلى أنهم عين الحق . 
يستفاد من مجموع الآيتين، فإن كنت من أهلها أقل من هذا يكفيك، و إن لم تكن من أهلها، فكل الموجود و لو كان لسانا ما يكفيك، فافهم . 
وإنما وقع الغلط من استعجالهم بهذا القول من قبل أن يعلموا حكمة الله تعالى فيه، و ما حملهم على ذلك إلا الغيرة التي فطرت عليها في جناب الله سبحانه و يحتمل أن يراد من النشأة لنشأتها: أي أنها قالت: من حيث نشأتها و مقتضائها لأنها طبيعية :  أي مخلوقة من الطينة . 

ولولا أن الملأ الأعلى له جزء من طبيعة، و يدخل من حيث هيكلها النورية المادية التشاجر، و الخصام لما اختصمت، فإن الخصام من التنافر، و التنافر من التركيب، فإذا تجرّد لا خصام، و لا نزاع . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ":
لا بد في نشأتها من المنازعة، و لا سيما المولد من الإمكان فإنها مولدة من مولد، فلو وقفوا مع روحانيتهم و تجردهم، فلم يقولوا ما قالوا بل يقولون: ذلك إليك تفعل ما تريد. انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و ذلك لأن أول جسم خلقه الله تعالى الأرواح المهيمة و منهم: العقل الأول، و أمّا النفس الكل التي هي اللوح المحفوظ، فهي بواسطة العقل، فكل ملك خلق بعد هؤلاء، فداخلون تحت حكم الطبيعة، فهم من جنس أفلاكها التي خلقوا منها، و هم عمارها إلى أن ينتهي إلى ملائكة خلقت من العناصر إلى أن ينتهي إلى ما خلقت من أعمال العباد و أنفاسهم . 

قال تعالى:" أتجْعلُ فيها منْ يُـفْسِدُ فيها" [ البقرة: 31]، و هذه الأداة لا تكون إلا من الأعلى إلى الأدنى . 
كما قال تعالى:" وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) " سورة المائدة .
استفهام التقرير بما هو به عالم ليقيم الشهادة على نفسه بما ينطق به مع أنها ذات عيوب الغير، و هي بعينها فيها، و لم ترها في نفسها التي اتصفت بها في الوقت شيئا، و بعدها  شيء من حيث لم يشعر، فافهم .

( و ليس إلا النزاع) قال رضي الله عنه: المنازعة هي المخالفة، و المخالفة هي الخصام و الخصام من الطبيعة، و لا يكون إلا بين الضدين، و من هذه قالت ما قالت و رجّحت تدابيرا كونيا على تدبير إلهي و هو من أكبر الفسادات مع أنه تعالى وصف نفسه الكريمة بأنه:" يدِّبـرُ الْأمْر" [ السجدة: 5] . 
وما وصف نفسه إلا أن يعرف أنه ما يعمل شيئا إلا ما يقتضيه حكمة الوجود و أنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها، و هو الذي أعطي كل  شيء خلقه، ثم هدى. 

قال رضي الله عنه: أي يبين أن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه، حتى لا يقول أحد ينبغي كذا، يقتضي كذا .  
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
قال رضي الله عنه من هذا المقام: إن الله عصمني من القهر، فلم أنازع قط، و كل مخالفة تبدوا مني كمنازع، فهي تعليم لا نزاع، فافهم . 
( و هو عين ما وقع منهم) وقعت فيما غابت به غيرها، و نازعت في الإطاعة و الانقياد، و قالت ما قالت، و وقعت في الفساد و هم لا يشعرون، و كذلك وقع منها سفك الدماء . 
ذكر رضي الله عنه في الباب الرابع و الخمسين و مائة من "الفتوحات ":  
إن الملائكة التي أنزلها الله في بدر كانوا من الملائكة، أو هم الملائكة التي قالوا في خلق آدم عليه السلام قالوا: "أتجْعلُ فِيها منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30]، فأنزلها الله سبحانه في بدر، فسفكوا، ووقعوا فيما عابوا به، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و لو لم تعترض الملائكة ما ابتليت بالسجود، فلما علم الحق منها السعوف و العلو على آدم عليه السلام، فأنزل بهذا العضال دواء شافيا، فأمرهم بالسجود، فلمّا تحسّوا هذا الدواء حسوا برئوا من الزهو، و علموا أنه يفعل ما يريد، و ما ابتلوا به إلا عن إغضاب دقيق خفي لا يشعر به إلا  الراسخون . 
و هكذا كل انتقام إلهي يقع بالظلم لا يكون إلا بعد إغضاب، و تحصيل معرفة الإغضاب على غاية الاستقصاء حتى يجتنبوا عنه في غاية الصعوبة، فإنه من علم الأسرار ما يعرفه كل أحد . 

و كان حذيفة اليماني صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم عالما به، فلهذا سمّي بهذا الاسم: أي صاحب السرّ، و ليس علم أنفع منه في حق الأولياء، ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي و الأربعين و ثلاثمائة من "الفتوحات" . 
و كل ذلك من عدم العلم و الكشف بحقائق الأمور وعدم الاطلاع بأحكام القضاء و القدر . 
أما ترى اعترافها عليها السلام حين أعلمهم الله تعالى حقيقة الأمر أنها قالت : "سبحانك لاعِلْم لنا إلّا ما علّمتنا" [ البقرة: 32] . 
أمّا قولهم: "و ما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] فاعتراف منهم أن لهم حدود يقفون عندها، و لا يتعدونها، ولكن لا ندري أنه وقع هذا قبله أو بعده، و ترى أكمل الخلق وجودا، و أعلمهم بالله علما، و كشفا، و شهودا مع العلم العام التام، فإنه صلى الله عليه و سلم علم علم الأولين و الآخرين أنه يقول :  "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". 
هذا هو الأدب المطلوب، و الاعتناء الإلهي حفظه أن يطلق الكمال لنفسه، و يدّعيه لذاته على الإطلاق مع أن له الحق، فافهم .

( فلو عرفوا نفوسهم) ورد في الخبر :  "فإن من عرف نفسه فقد عرف ربه، و من عرف ربه عرف حظه منه"  .
( لعلموا) أنهم من بعض قواه عليه السلام، (و لو علموا) أنهم من بعض قواه (لعصموا) من بركة العلم على التجريح، فإنه لا يجرح أحد نفسه . 
أو نقول: لو عرفوا نفوسهم، عرفوا ربهم، فإن  "من عرف نفسه، فقد عرف ربه، و من عرف ربه علم مواقع خطاياه، و من عرف مواقع خطاياه لعصم من الزلل".
و لكن لم يعرفوا لأن هذا النوع من العرفان مخصوص للإنسان، فلم يعلموا فما عصموا، و وقع ما وقع، فافهم . 
.


كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: «أتجعل فيها من يفسد فيها»؟  وليس إلا النزاع وهو عين ما وقع منهم. فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق.   فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه وهم لا يشعرون.
فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، ولو علموا لعصموا. )
قال المصنف رضي الله عنه :  ( فغلب عليها ما ذكرناه، و حكم عليها هذا الحال فقالت من حيث النشأة: أتجْعلُ فيها منْ يـفْسِدُ فيها [ البقرة: الآية 30] .  و ليس إلا النزاع و هو عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم هو عين ما هم فيه مع الحق . فلو لا أن نشأتهم تعطي ذلك ما قالوا في حق آدم ما قالوه و هم لا يشعرون .  فلو عرفوا نفوسهم لعلموا، و لو علموا لعصموا) . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
فغلب عليها ما ذكرناه)، و هي الأسماء التشبيهية المؤثرة في الكون، فغلب عليها ما ذكرناه و هو عدم العلم و الوقوف بالأسماء و المراتب و المواطن .
( و حكم عليها هذا الحال) و هو الغلبة المذكورة، فقالت من حيث النشأة: أي باقتضائها لأنها طبيعية تعطي التشاجر، و التخاصم، و التحالف . 
فقوله: النشأة يحتمل أن يريد بها نشأة آدم: أي حين عرفت أن نشأته عليه السلام مركبة من الأضداد من الحقائق المختلفة، و الطبائع المتنافرة، فحكمت بوقوع الفساد من ذلك لعلمها بالحقائق، و كذا وقع الأمر . 
و لكن فاتهم أن الفساد قد يكون عين الصلاح، و الإفساد عين الإصلاح، و كيف لا؟! و الفاعل ربّ حكيم عليم . 
و قد قال تعالى"وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30)" سورة البقرة . 
و الرب هو المصلح لغة، فما وقفوا على مقصود الحق من خلق الخليقة، و لو لم يكن الأمر كما وقع لتعطلت من الحضرة الإلهية أسماء كثيرة لا يظهر لها حكم . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون، فيغفر لهم"  
فنبه فيه أن كل أمر في العالم إنما هو لإظهار حكم اسم إلهي، و إذا كان هكذا الأمر: أي كما وقع فلم يبقى في الإمكان أبدع من هذا العالم و لا أكمل، و فساده عين الصلاح، و إفساده عين الإصلاح مع أن السفك يدل على الغلبة، و العزة التي لصاحب المرتبة ذي المنعة، و القوة، و الشوكة . 
قال تعالى: "فانظرْ كيْف كان عاقبةُ المُفْسِدِين" [ الأعراف: 103] . 
قالوا: الخلافة العامة والعزة التامة، حتى قيل فيهم: "وللّهِ العزُّة ولرسُولهِ وللْمُؤْمِنين"[ المنافقين: 8].
مع أن العزة لله، فإن عزتهم عزة الحق من مقام وحدة الوجود لله جميعا، فافهم الإشارة: أي إلى أنهم عين الحق . 
يستفاد من مجموع الآيتين، فإن كنت من أهلها أقل من هذا يكفيك، و إن لم تكن من أهلها، فكل الموجود و لو كان لسانا ما يكفيك، فافهم . 
وإنما وقع الغلط من استعجالهم بهذا القول من قبل أن يعلموا حكمة الله تعالى فيه، و ما حملهم على ذلك إلا الغيرة التي فطرت عليها في جناب الله سبحانه و يحتمل أن يراد من النشأة لنشأتها: أي أنها قالت: من حيث نشأتها و مقتضائها لأنها طبيعية :  أي مخلوقة من الطينة . 

ولولا أن الملأ الأعلى له جزء من طبيعة، و يدخل من حيث هيكلها النورية المادية التشاجر، و الخصام لما اختصمت، فإن الخصام من التنافر، و التنافر من التركيب، فإذا تجرّد لا خصام، و لا نزاع . 
قال رضي الله عنه في "الفتوحات ":
لا بد في نشأتها من المنازعة، و لا سيما المولد من الإمكان فإنها مولدة من مولد، فلو وقفوا مع روحانيتهم و تجردهم، فلم يقولوا ما قالوا بل يقولون: ذلك إليك تفعل ما تريد. انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و ذلك لأن أول جسم خلقه الله تعالى الأرواح المهيمة و منهم: العقل الأول، و أمّا النفس الكل التي هي اللوح المحفوظ، فهي بواسطة العقل، فكل ملك خلق بعد هؤلاء، فداخلون تحت حكم الطبيعة، فهم من جنس أفلاكها التي خلقوا منها، و هم عمارها إلى أن ينتهي إلى ملائكة خلقت من العناصر إلى أن ينتهي إلى ما خلقت من أعمال العباد و أنفاسهم . 

قال تعالى:" أتجْعلُ فيها منْ يُـفْسِدُ فيها" [ البقرة: 31]، و هذه الأداة لا تكون إلا من الأعلى إلى الأدنى . 
كما قال تعالى:" وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (116) " سورة المائدة .
استفهام التقرير بما هو به عالم ليقيم الشهادة على نفسه بما ينطق به مع أنها ذات عيوب الغير، و هي بعينها فيها، و لم ترها في نفسها التي اتصفت بها في الوقت شيئا، و بعدها  شيء من حيث لم يشعر، فافهم .

( و ليس إلا النزاع) قال رضي الله عنه: المنازعة هي المخالفة، و المخالفة هي الخصام و الخصام من الطبيعة، و لا يكون إلا بين الضدين، و من هذه قالت ما قالت و رجّحت تدابيرا كونيا على تدبير إلهي و هو من أكبر الفسادات مع أنه تعالى وصف نفسه الكريمة بأنه:" يدِّبـرُ الْأمْر" [ السجدة: 5] . 
وما وصف نفسه إلا أن يعرف أنه ما يعمل شيئا إلا ما يقتضيه حكمة الوجود و أنه أنزله موضعه الذي لو لم ينزله فيه لم يوف الحكمة حقها، و هو الذي أعطي كل  شيء خلقه، ثم هدى. 

قال رضي الله عنه: أي يبين أن الله تعالى أعطى كل شيء خلقه، حتى لا يقول أحد ينبغي كذا، يقتضي كذا .  
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
قال رضي الله عنه من هذا المقام: إن الله عصمني من القهر، فلم أنازع قط، و كل مخالفة تبدوا مني كمنازع، فهي تعليم لا نزاع، فافهم . 
( و هو عين ما وقع منهم) وقعت فيما غابت به غيرها، و نازعت في الإطاعة و الانقياد، و قالت ما قالت، و وقعت في الفساد و هم لا يشعرون، و كذلك وقع منها سفك الدماء . 
ذكر رضي الله عنه في الباب الرابع و الخمسين و مائة من "الفتوحات ":  
إن الملائكة التي أنزلها الله في بدر كانوا من الملائكة، أو هم الملائكة التي قالوا في خلق آدم عليه السلام قالوا: "أتجْعلُ فِيها منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30]، فأنزلها الله سبحانه في بدر، فسفكوا، ووقعوا فيما عابوا به، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و لو لم تعترض الملائكة ما ابتليت بالسجود، فلما علم الحق منها السعوف و العلو على آدم عليه السلام، فأنزل بهذا العضال دواء شافيا، فأمرهم بالسجود، فلمّا تحسّوا هذا الدواء حسوا برئوا من الزهو، و علموا أنه يفعل ما يريد، و ما ابتلوا به إلا عن إغضاب دقيق خفي لا يشعر به إلا  الراسخون . 
و هكذا كل انتقام إلهي يقع بالظلم لا يكون إلا بعد إغضاب، و تحصيل معرفة الإغضاب على غاية الاستقصاء حتى يجتنبوا عنه في غاية الصعوبة، فإنه من علم الأسرار ما يعرفه كل أحد . 

و كان حذيفة اليماني صاحب رسول الله صلى الله عليه و سلم عالما به، فلهذا سمّي بهذا الاسم: أي صاحب السرّ، و ليس علم أنفع منه في حق الأولياء، ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي و الأربعين و ثلاثمائة من "الفتوحات" . 
و كل ذلك من عدم العلم و الكشف بحقائق الأمور وعدم الاطلاع بأحكام القضاء و القدر . 
أما ترى اعترافها عليها السلام حين أعلمهم الله تعالى حقيقة الأمر أنها قالت : "سبحانك لاعِلْم لنا إلّا ما علّمتنا" [ البقرة: 32] . 
أمّا قولهم: "و ما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ " [ الصافات: 164] فاعتراف منهم أن لهم حدود يقفون عندها، و لا يتعدونها، ولكن لا ندري أنه وقع هذا قبله أو بعده، و ترى أكمل الخلق وجودا، و أعلمهم بالله علما، و كشفا، و شهودا مع العلم العام التام، فإنه صلى الله عليه و سلم علم علم الأولين و الآخرين أنه يقول :  "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". 
هذا هو الأدب المطلوب، و الاعتناء الإلهي حفظه أن يطلق الكمال لنفسه، و يدّعيه لذاته على الإطلاق مع أن له الحق، فافهم .

( فلو عرفوا نفوسهم) ورد في الخبر :  "فإن من عرف نفسه فقد عرف ربه، و من عرف ربه عرف حظه منه"  .
( لعلموا) أنهم من بعض قواه عليه السلام، (و لو علموا) أنهم من بعض قواه (لعصموا) من بركة العلم على التجريح، فإنه لا يجرح أحد نفسه . 
أو نقول: لو عرفوا نفوسهم، عرفوا ربهم، فإن  "من عرف نفسه، فقد عرف ربه، و من عرف ربه علم مواقع خطاياه، و من عرف مواقع خطاياه لعصم من الزلل".
و لكن لم يعرفوا لأن هذا النوع من العرفان مخصوص للإنسان، فلم يعلموا فما عصموا، و وقع ما وقع، فافهم . 
.
واتساب

No comments:

Post a Comment