Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM   

الفقرة الثامنة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
(فهو الإنسان) من حيث جمعيته المذكورة (الحادث) من حيث ظهوره في هذا العالم بجميع ما تشتمل عليه حقائق هذا العالم (الأزلی) من حيث انمحاقه في الحقيقة الإلهية الممدة له باطنا وظاهرا بالروح الأمري المنفوخ فيه زيادة على أرواح جميع العالم.
(والنشء الدائم) من الدنيا إلى الآخرة ومن الآخرة إلى ما لا نهاية له (الأبدي) بتأييد الله تعالى وجميع من هو دونه من العوالم، معدوم زائل لا يبقى غير من قاربه من الحيوان.
ولم يظهر فيه الروح الأمري بكماله، فإنه محبوس في جنسهم إلى أمد مخصوص إن تقارب كماله.
أو محبوس دائما إن ضعف تقارب كماله .
(والكلمة) الإلهية (الفاصلة) بين الحق والباطل (الجامعة)، لمعاني جميع الكلم كما قال عليه السلام : «أوتيت جوامع الكلم» وغيره من بقية العالم كلمات الله غير التامات.
كما قال تعالى : "مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة " 24 سورة إبراهيم.
وقال: "ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيئة " 26 سورة إبراهيم: 26.
ثم قال : "يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " 27 سورة إبراهيم.
وهو راجع إلى الكلمة الطبية وقال: " ويضل الله الظالمين" 27 سورة إبراهيم.
وهو راجع إلى الكلمة الخبيثة (فتم)، أي كمل (العالم كله) أعلاه وأسفله (بوجوده)، أي هذا الإنسان الكامل .
(فهو من العالم) كله (کفص الخاتم من الخاتم)وهو وجه آخر في تسميته فصوص الحكم غير ما ذكرنا فيما سبق.
(وهو)، أي الإنسان الكامل الذي هو من العالم كفص الخاتم من الخاتم (محل)، أي موضع (النقش)، أي الكتابة المقصودة من وضع الخاتم وصياغته، ومعلوم أن المنقوش في فص الخاتم اسم صاحب الخاتم.
وهنا الله هو صاحب الخاتم، فاسمه الأعظم هو المنقوش على هذا الفص .
كما قال تعالى : " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم" 49 سورة العنكبوت.  وهو خاتم سليمان عليه السلام الذي ملك به ما ملك.
(و) هو محل (العلامة التي بها يختم الملك)، أي السلطان وهو الحق تعالی (علی خزائنه)، التي هي كل شيء.
كما قال تعالى: "وإن ممن شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم" 21 سورة الحجر.
والختم هو منع الإمداد لشيء من العالم إلا من حقيقة هذا الإنسان الكامل وتنزيله بقدر معلوم هو الإمداد الحاصل للأشياء من هذا الكامل كما ذكرنا .
(وسماه)، أي سمي الحق تعالى هذا الإنسان الكامل (خليفة)
في قوله تعالى : "وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة" 30 سورة البقرة.
وقوله : "يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض " 26 سورة ص .
وقوله :" جعلكم خلائف الأرض" 165 سورة الأنعام.
"وأنفقوا مما جعل مستخلفين فيه" 7 سورة الحديد. والخطاب كله للإنسان الكامل.
(من أجعل هذا)، المعنى المذكور وهو كونه ختم به على خزائنه (لأنه)، أي الإنسان الكامل هو (الحافظ خلقه)، أي خلق الله تعالى بظهور اسم الله تعالى الحفيظ فيه.
(كما يحفظ الختم الخزائن)، إذا طبع به على الشمع الموضوع فوق القفل ونحوه فلا يجسر أحد أن يحتال لفتح ذلك القفل خوفا من تغير صورة ذلك الطبع في الشمع فيشعر الملك بذلك .
(فما دام ختم الملك عليها)، أي على تلك الخزائن (لا يجسر أحد على فتحها)، بفك ختمها (إلا بإذنه) وكذا هذا .
(فاستخلفه في حفظ العالم) جسمانیه بجسمانیه روحانيه بروحانيه .
(فلا يزال العالم محفوظا) لا يقدر أحد على فتح خزائنه شيء من الأشياء واستخراج ما فيها من الأسرار إلا باستئذان الملك .
وفك هذا الختم وهو مفتاح كل خزانة مقفلة والمفتاح لا يفتح بغیر ید محركة.
واليد المحركة إنما تتحرك بالله تعالى، فالفاتح هو الله لا غيره.
(ما دام فيه)، أي في هذه العالم (هذا الإنسان الكامل) المذكور.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
(فهو الإنسان)، لكونه سببا النظر الحق به إلى خلفه (الحادث) بالحدوث الذاتي لعدم اقتضاء ذاته الوجود (الأزلی) لكونه غير مسبوق بالعدم الزماني.
(والنشأ الدائم الأبدي فلا انتهاء له) بحسب المستقبل كما لا ابتداء له بحسب الماضي هذا باعتبار النشأة الروحانية وإما باعتبار النشأة الجسمانية لا أزلي ولا أبدي.
(والكلمة) لكونه مركبا من الحروف العاليات بالنشأت الروحانيات (الفاصلة) الحافظة من التلاشي بین حضرتي الوجود والإمكان (الجامعة) بجميع الحقائق الإلهية والكونية(فتم العالم بوجوده) أي بالإنسان لكونه آخر العمل منه يدل عليه قوله الذي هو محل النقش.
(فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم الذي هو محل النقش والعلامة التي بها)
لا بغيرها (يختم الملك على خزائنه وسماه) الله تعالى (خليفة) بقوله تعالى : " إني جاعل في الأرض خليفة " 30 سورة البقرة.
(من أجل هذا) أي من أجل كونه من العالم كفص الخاتم من الخاتم أو من أجل كونه منصفا بالصفات المذكورة (لأنه) تعليل لقوله فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم.(الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ العالم)
وكان هو الحافظ قبله (فلا يزال العالم) أي عالم الدنيا محمولة ما دام فيه (هذا الإنسان الكامل) لأنه من أكمل کمالاته تدبير العالم بالمعالم.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن. فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
و قوله رضي الله عنه: "فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشاء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، فتم العالم بوجوده، فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه وسماه خليفة لأجل هذا، لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن. فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو الإنسان الحادث الأزلي ، والنشء الدائم الأبدي ) .
قال العبد أيّده الله به : أمّا حدوثه فهو من جهة صورته العنصرية خاصّة فإنّ له صورا علويّة فيما فوق العنصريات فقديمة ، علمية ونورية ، نفسية وروحية ، عقلية ونفسية ، ومثالية وطبيعية ، عرشية وملكية .
فالعلمية أزلية قائمة بقيام العلم ودائمة بدوام العالم الحق المشاهد الناظر بهذا الإنسان .
معنى قولهم : " الإنسان أزلي " وأمّا أزليّته فلأنّه العلَّة الغائيّة من التجلَّي الإيجادي.
وبه كمال الجلاء والاستجلاء ، والظهور الكلي المطلق بالإظهار والإنباء .
فهو أزليّ بأزليّة علم العالم ، كما أنّ العلم عين العالم ، فيصدق عليه أنّه أزليّ نسبة إلى الأزل ، وهو الضيق والضنك الذي كان لحقائق المعلومات حين استهلاكها في عين الذات العالم بها .
وأمّا كونه نشئا دائما أبدا فلأنّ الحقيقة الإنسانية هي المرآة الكلَّية الإلهية الأحدية ، والنشأة الدائمة الأبدية . وكما أنّه أحدية الجمع الأوّل الأزليّ .
فكذلك هو تفصيل ذلك الجمع وأحدية جمع جمع التفصيل والجمع ، وما ثمّ إلَّا هو ، فهو النشء الدائم الذي لا أوّل له إذ هو الأوّل والأبدي الذي لا آخر له إذ هو الآخر بعين ما هو الأوّل ، فهو الدائم . والنشء الذي هو الارتفاع في النموّ ، والازدياد والربوّ باعتبار أنّ العين الواحدة بتعيّنها في جميع مراتبها فرع زاد على اعتبار الأصل .
الذي هو عين الذات الواحدة التي اندمجت وتوحّدت فيها التعيّنات غير المتناهية لعدم تناهي التجلَّيات ، فبظهور ما كان كامنا في العين من أعيان النسب غير المتناهية تتحقّق حقيقة البشر لتلك العين الواحدة المنفصلة ، في مراتب الأعداد ، وكمال نشئها بكمال النشأة الإنسانية .
بل جميع مراتب النشء له فهو النشء الدائم ، وأوّل مراتب النشء الذاتيّ الدائم مرتبة النفس الرحماني بالنور الوجودي والفيض الجودي المنبعث من باطن قلب التعيّن الأوّل ، حاويا محيطا بجميع ما ينطوي عليه التعيّن الأوّل .
وينفعل انبعاث النفس الأحدي الجمعي وامتداده وتعاليه إلى الغاية المطلوبة التي تعلَّق بها التعيّن الأوّل الذي هو تاء الكناية في قوله :
" أردت " أو " أحببت " ، وهو كمال الجمع بين كمال الظهور وكمال البطون ، والكمال الذاتي والأسمائي ينشئ مراتب الوجود وذلك لأنّ النفس بخار هوائي أو هواء بخاري خارج من بطن المتنفّس إلى ظاهر الهواء .
هذا في الأنفاس المعهودة الجسمانية ، فاعلم في النفس الرحماني مثل ذلك فإنّ القلب الذي هو التعيّن الأوّل منطو على حقائق المظهرية والظاهرية والانفعالية التي هي الأجزاء الأرضية نظائرها .
وعلى خصائص النسب الوجودية وحقائق أسماء الربوبية التي بها ومنها حياة الحقائق المظهرية ولبنها ، وهي ضرب مثل للأجزاء الماديّة في نشء النفس والبخار لكون كل بخار أحدية جمع الأجزاء :
الهوائية ، والمائية ، وما تشبّث بهما من الأجزاء الأرضية المحلولة ، والنارية المذيبة الحلَّالة لتلك الأجزاء .
فامتدّ النفس الرحماني جامعا لحقائق الفعل والانفعال في حق حضرة الإمكان مقيّدة ، عقده برودة القوابل الأرضية المظهرية التي في عين الجوهر النفسي فإنّ فيها الفاعل والقابل .
فانعقدت الصور العمائية في هذا البخار المعنوي النوري ، فظهر النشء العمائي الأكبر ، فامتدّ النشء بسبب حقائقة الثلاث الذاتية على أنحاء ثلاثة في جهات ثلاث معنوية ، علوا وسفلا ووسطا ، جميعا أحديا برزخيا .
وتعيّن في عين النفس جميع الحقائق الفعلية والانفعالية ، فتعيّنت في النفس المتعالي الحقائق الإلهية المؤثّرة الفعّالة المنوّرة الشريفة صورا إلهية ربانية وتعيّنات وجوبية حقّانية ، وامتدّ النشء النفسي الممتدّ المنطوي على الحقائق المظهرية الأرضية الانفعالية إلى التحت والسفل بالطبيعة لما تقتضيه مرتبة الانفعال والتأثّر المظهري الكياني .
فملأ العماء بصورة المذكورة محيط فلك الإشارة ، وعقدها برودة جوّ الإمكان ، وانعقدت صور كيانية ، وتعيّنات وجودية إمكانية ، وتنوّعات تجلَّيات تقييدية روحانية ، وجسمانية ملكية وملكوتية ، غيبية وعينية وجبروتية .
فانتشأ النشء الكوني والعالم الخلقي ، وأوّل هذا النشء الكوني العقل والقلم واللوح والعرش والكرسي ، ثم طبقات السماوات ، ثم الأرضيّات على الترتيب المذكور.
حتى حصلت النشأة البشرية الإنسانية ، وجميع هذه النشآت نشأة هذا المسمّى إنسانا ومع قطع النظر عن الإنسان ، فإنّ الذات المطلقة مع تجلّ عن النشء والانتشاء 
فالإنسان الحقيقي هو النشء الدائم الأزلي الأبدي ، فما ثمّ إلَّا نشأة الإنسان في عالم الفرقان ، وفي مقام الجمع والقرآن .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والكلمة الفاصلة الجامعة ) .
يشير رضي الله عنه إلى ما بيّنّا فيما تقدّم أنّ الكلام  ثلاث :
كلمة جامعة لحروف الفعل والتأثير وأخرى جامعة لحروف الانفعال والتأثّر
وكلمة جامعة لحروف الجمع البرزخي الرابط بين الأعلى والأسفل ، والظاهر والباطن .
وهذه الحقائق والحروف والكلمات البرزخية جامعة بين حقائق الوجوب وحقائق الإمكان من وجه ، وفاصلة بينها أيضا باعتبار .
ومع كونها جامعة وفاصلة ليست لها عين زائدة ممتازة عن الطرفين امتيازا خارجا مخرجا عن كونها أحدية جمعها ، فهو الجامع الفاصل بهذا الاعتبار .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتمّ العالم بوجوده ، فهو من العالم كفصّ الخاتم من الخاتم وهو محلّ النقش والعلامة ) .
يشير رضي الله عنه إلى ما سلف آنفا أنّه لولا الإنسان في العالم ، لم يحصل كمال الجلاء والاستجلاء ، الذي هو العلَّة الغائية من الإيجاد .
وأمّا قوله : « تمّ العالم بوجوده » ولم يقل «به» فلأنّ الإنسان له تعيّن أزلي علمي وبانسحاب الفيض الجودي العيني عليه تكمل مراتب ظهوره ونشره.
وأمّا كونه فصّ الخاتم فلأنّه محلّ نقش الحكمة الكلية المنقوشة بأحدية جمع نقوش الفصوص الحكمية كلَّها ، كما سبق ، فتذكَّر .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( هو محلّ النقش ، والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته وسمّاه خليفة من أجل هذا لأنّه تعالى الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن ، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلَّا بإذنه ، فاستخلفه في حفظ العالم ، فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ) .
قال العبد أيّده الله به : « نقش الفصّ » هو الكلام المحتوي على الحكمة التي اقتضت وجود العالم على الترتيب المشهود والنظام الموجود .
و « العلامة » هي خصوص المقام المحمدي من تلك الحضرة التي منها بحسبها تنزل الحكمة الخاصّة بذلك الفصّ فإنّ قلب كل نبيّ كامل هو محلّ نقش الحكمة والعلامة هي خصوص الحكمة المحمدية الإلهية من ذلك الاسم الذي تستند إليه حكمته المنزلة عليه ، وعلامة هذه الحكمة الإلهية أحدية جمع جميع التجلَّيات الأسمائية .
وبها يختم الملك بقوّته وشدّته ، فما يسدّ الخلل الذي تقتضيه التفرقة المباينة التي في حقائق العالم من الخصوصيات التي بها يتميّز بعضها عن بعض إلَّا بأحدية الجمع الجامع لصدعها ، والموجود لتفرقة جمعها .
وبها يقوى على حفظ خزائن العالم فيها ، وبها سرى سرّ أحدية الجمع النفسي الرحماني بالتجلَّي الوجودي الإحساني ، وجمع بين الحقائق المتبوعة وتوابعها .
والنسب الملزومة ولوازمها وعوارضها ولواحقها بعد التمييزات الذاتية التي لها في عالم المعاني من حضرة العلم الذاتي ، فإذا جمعها الوجود الواحد في هذه المثاني والمعاني ، وراب صدعها ، وشعب شعثها وجمعها .
انحفظت العوالم كلَّها ما دامت الخزائن مختومة بختم علامة أحدية الجمع الخصيص بالحكمة التي هي معنوية النقش المحيط بجميع النقوش الحكمية التفصيلية فتلك العلامة عبارة عن الإنسان الكامل الذي هي أحدية جمع جميع الجمعيات لأنّه الاسم الأعظم .
والاسم الأعظم هو العلامة على مسمّاه ، فهو ظاهرية الإنّيّة الإلهية ، والله هويّته وباطنه ، ولهذا سمّاه خليفة إذ الخليفة ظاهر بصورة مستخلفه في حفظ خزائنه.
والله تعالى هو الحافظ لخلقه بختمه على خزائنه ، فما دام هذا الختم الأحدي الجمعي عليها لا تتسلَّط على فتحها الحقائق المباينة والمتمايزة التي في حقائق خزائن العالم إلَّا بإذن الله .
فإذا أذن لهذا الخاتم الإنساني الكمالي الأحدي الجمعي بالخروج عن الدنيا ، وأمره بالانفكاك عن جزئيتها إلى الأخرى ، انتهت الجزئية وخرجت عنها السكينة .
وأمّا تسمية العالم بالجزئية فلما ذكرنا في شرح الخطبة أنّ حقائق العالم القابلة لتعيّنات التجلَّيات الوجودية بخصوصياتها هي التي تحقّقت بها حقائق الأسماء والصفات التي هي خزائن الآلاء والهبات ، ومنها ومن حضراتها تتنزّل البركات .
فحقائق العالم خزائن هذه الخزائن الأسمائية ، فلا تزال خزائن العالم محفوظة ما دام فيها الإنسان الكامل ، فافهم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
( فهو الإنسان الحادث ) بجسده ( الأزلى ) بروحه ( والنشء الدائم الأبدى ) بحقيقته الجامعة بجسمانيته وروحانيته لأنه إذا انتقل من هذا العالم إلى الآخرة يعمر الآخرة في النشأة الثانية
( والكلمة الفاصلة ) أي المميزة للحقائق ( الجامعة ) لعموم نشأته كما ذكر ( فتم العالم بوجوده ) لمظهريته أسماءه كلها .
قوله ( فهو من العالم كفصّ الخاتم من الخاتم وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه ) معلوم من المقدمة الثالثة
( وسماه خليفة لأجل هذا ) أي لأن نقش اسمه الأعظم وهو الذات مع الأسماء كلها منقوش في قلبه ، الذي هو فص الخاتم فيحفظ به خزانة العالم بجميع ما فيه على النظام المعلوم والفسق المضبوط
( لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ بالختم الخزائن ) أي لأن الإنسان الكامل هو الحافظ خلق الله بالحكمة الأحدية والواحدية الأسمائية البالغة التي هي نقش قلبه وهي العدالة أعنى صورة الواحدة في عالم الكثرة الذي هو خزانة القوابل والآلاء كلها كما يحفظ الختم الخزائن
( فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه ) لأن الختم صورة الجمعية الإلهية والعلامة التي هي نقش الفص هو الاسم الأعظم فلا يجسر أحد من خصوصيات طبائع العالم التي هي الأسماء الفاصلة على فتحها إلا بإذن خاص من الله على مقتضى حكمته
( فاستخلفه في حفظ العالم ) لأنه مظهر الأحق الأعظم والله باطنه فيحفظ بإذنه وما جعل في يده من المفاتيح الأسمائية صورة العالم
( فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ) لأن الخليفة ظاهر بصورة مستخلفه في حفظ خزائنه والله يحفظ صور خلقه في العالم بصورته فإنها طلسم الحفظ من حيث مظهريته لأسمائه وواسطة تدبيره بظهور تأثيرات أسمائه فيها.
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قوله: (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي والكلمة الفاصلة الجامعة) نتيجة لما ذكر.
أي، إذا كان به نظر الحق إلى خلقه فرحمهم بإعطاء الوجود، فهو الحادث الأزلي: أما حدوثه الذاتي فلعدم اقتضاء ذاته من حيث هي هي الوجود.
وإلا لكان واجب الوجود، وأما حدوثه الزماني فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزماني، وأما أزليته فبالوجود العلمي، لأن العلم نسبة بين العالم والمعلوم وهو أزلي، فعينه الثابتة أزلية، وبالوجود العيني الروحاني، فلأنه غير زماني متعال عنه وعن أحكامه مطلقا.
وإليه أشار النبي، صلى الله عليه وسلم، بقوله: (نحن الآخرون السابقون).
والفرق بين أزلية المبدع إياها أن أزلية الحق تعالى نعت سلبي ينفى الأولية بمعنى افتتاح الوجود
عن العدم لأنه عين الوجود، وأزليتها دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجودعن العدم لكونه من غيرها.
وأما دوامه وأبديته، فلبقائه ببقاء موجده دنيا وآخرة وأيضا، كل ما هو أزلي فهو أبدى وبالعكس.
وإلا يلزم تخلف المعلول عن العلة، أو التسلسل في العلل، لأن علته إن كانت أزلية لزم التخلف، وإن لم يكن كذلك، لزم استنادها أيضا إلى علة حادثة بالزمان.
وحينئذ إن كان للزمانفيها مدخل، يجب أن يكون معلولها غير أبدى لكون أجزاء الزمان متجددة متصرمة بالضرورة والفرض بخلافه، وإن لم يكن له فيها مدخل، فالكلام فيها كالكلام في الأول، فيتسلسل.
والتسلسل في العلل التي لا مدخل للزمان فيها باطل، وإلا يلزم نفى الواجب.
فالأبديات مستندة إلى علل أزلية أبدية، كما أن الحوادث الزمانية مستندة إلى علل متجددة متصرمة.
والنفوس الناطقة الإنسانية حدوثها بحسب التعلق إلى الأبدان لا بحسب ذواتها.
والصور الأخراوية كما أنها أبدية، كذلك أزلية حاصلة في الحضرة العلمية والكتب العقلية والصحف النورية وإن كانت ظهورها بالنسبة إلينا حادثا بالحدوث الزماني فلا تردد وأماكونه كلمة فاصلة، فلتميزه بين المراتب الموجبة للتكثر والتعدد في الحقائق، بل هو المفصل لما تحويه ذاته بظهوره بحسب غلبة كل صفة عليه في صورة تناسبهاعلما وعينا، وإليه الإشارة بكونه، عليه السلام: (قاسما بين الجنة والنار).
إذ هذه القسمة واقعة أزلا، والآخر مطابق للأول. وأما كونه كلمة جامعة، فلإحاطة حقيقته بالحقائق الإلهية والكونية كلها علما وعينا.
وأيضا، هو الذي يفصل بين الأرواح وصورها في الحقيقة، وإن كان الفاصل ملكا معينا لأنه بحكمه يفصل، وكذلك هو الجامع بينهما، لأنه الخليفة الجامعة للأسماء ومظاهرها.
قوله: (فتم العالم بوجوده) أي، لما وجد هذا الكون الجامع، تم العالمبوجوده الخارجي لأنه روح العالم المدبر له والمتصرف فيه.
ولا شك أن الجسد لا يتم كماله إلا بروحه التي تدبره وتحفظه من الآفات.
وإنما تأخر نشأته العنصرية في الوجود العيني لأنه لما جعلت حقيقته متصفة بجميع الكمالات جامعة لحقائقها، وجب أن يوجد الحقائق كلها في الخارج قبل وجوده حتى تمر عند تنزلاته عليها فيتصف بمعانيها طورا بعد طور من أطوار الروحانيات والسماويات والعنصريات، إلى أن يظهر في صورته النوعية الحسية.
والمعاني النازلة عليه من الحضرات الأسمائية لا بد أن تمر على هذه الوسائط أيضا، إلى أن يصل إليه وتكمله.
وذلك المرور إنما هو لتهيئة استعداده للكمالات اللائقة به، ولاجتماعما فصل من مقام جمعه من الحقائق والخصائص فيه، وللإشهاد والاطلاع على ماأريد أن يكون خليفة عليه، ولهذا لا تجعل خليفة وقطبا إلا عند انتهاء السفر الثالث، ولولا هذا المرور لما أمكن العروج للكمل، إذ الخاتمة مضاهية للسابقة وبه تتم الحركة الدورية المعنوية.
وما يقال: (إن علم الأولياء تذكري لا تفكري).
وقوله، عليه السلام: "الحكمة ضالة المؤمن" . إشارة إلى هذا المعنى، لا إلى أنه وجد في النشأة العنصرية مرة أخرى، ثم عرض له النسيان بواسطة التعلق بنطفة أخرى ومرور الزمان عليه إلى أوان تذكره، كما على رأى أهل التناسخ.
وأيضا، لما كان عينه في الخارج مركبا من العناصر المتأخر عن الأفلاك وأرواحها وعقولها، وجب أن توجد قبله لتقدم الجزء على الكل بالطبع.
قوله: (فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم الذي هو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزائنه وسماه (خليفة) من أجل هذا) شروع في بيان تسميته بـ(الخليفة).
شبه حال الإنسان باعتبارية:
إعتبار كونه من العالم، واعتبار كونه عالما آخر برأسه، له شأن آخر بالفص، لأن الفص أيضا قد يكون جزء من الخاتم وهو محل النقش، وقد يكون مركبا عليه.
وإنما يركب في الخاتم ليكون جزء منه عند الفراغ من عمله فهو آخر العمل، كذلك الإنسان نوع من الحيوان وآخر ما ينتهى به دائرة وجود العيني.
وكما أن الفص له شأن آخر وهو كونه محل النقوش التي بها يختم ويحفظ الخزائن، كذلك الإنسان هو محل جميع نقوش الأسماء الإلهية والحقائق الكونية التي يتمكن بها من (الخلافة). وبهذاالاعتبار سماه الحق (خليفة) بقوله: "إني جاعل في الأرض خليفة"
قوله: (لأنه الحافظ خلقه كما يحفظ بالختم الخزائن، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه.
فاستخلفه في حفظ العالم ، فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل) تعليل لتسميته بالخليفة .
وذلك لأن الملك إذاأراد أن يحفظ خزائنه عند غيبته عنها، يختم عليها لئلا يتصرف فيها أحد فيبقى محفوظة، فالختم حافظ لها بالخلافة لا بالأصالة.
فكذلك الحق يحفظ خلقه بالإنسان الكامل عند استتاره بمظاهر أسمائه وصفات عزه، وكان هو الحافظ لها قبل الاستتار والاختفاء وإظهار الخلق، فحفظ الإنسان لها بالخلافة، فسمى بـ (الخليفة) لذلك.
وحفظه للعالم عبارة عن إبقاء صور أنواع الموجودات على ما خلقت عليها الموجب لإبقاء كمالاتها وآثارها باستمداده من الحق التجليات الذاتية والرحمة الرحمانية والرحيمية بالأسماء والصفات التي هذه الموجودات صارت مظاهرها ومحل استوائها.
إذ الحق إنما يتجلى لمرآة قلب هذا الكامل، فينعكس الأنوار منقلبه إلى العالم، فيكون باقيا بوصول ذلك الفيض إليها، فما دام هذا الإنسان موجودا في العالم يكون محفوظا بوجوده وتصرفه في عوالمه العلوية والسفلية.
فلا يجسر أحد من حقائق العالم وأرواحها على فتح الخزائن الإلهية والتصرف فيها إلا بإذن هذا الكامل، لأنه هو صاحب الاسم الأعظم الذي به يرب العالم كله.
فلا يخرج من الباطن إلى الظاهر معنى من المعاني إلا بحكمه، ولا يدخل من الظاهر في الباطن شئ إلا بأمره، وإن كان يجهله عند غلبة البشرية عليه، فهو البرزخ بين البحرين والحاجز بين العالمين.
وإليه الإشارة بقوله: "مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان ".
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
فالإنسان: هو العلة الغائية من إيجادهم، وإذا كان هو العلة الغائية (فهو الإنسان الحادث الأزلي) إذ العلة الغائية متأخرة في الواقع عن سائر العلل متقدمة عليها في ذهن الفاعل کالجلوس على السرير متقدم في ذهن النجار على سائر علل السرير، ومتأخر عن تمامه في الواقع.
فالإنسان من حيث تأخره في الواقع عن سائر الموجودات حادث قريب الحدوث، ومن حيث تقدمه في العلم الإلهي رتبة عليها أقدم منها. "اعلم أنه لا إشكال في هذا ولا كفر، ولا زلل ولا خلل.
أما أزلية هذا الإنسان : فباعتبار صورة حقيقته العلمية فى أراده الله خلقه وإيجاده ليكون خليفته ويدير ما يوكله اليه  .
وأما حدوثه : فباعتبار وقت خلقه وإظهاره إلى العالم المحسوس عالم الشهود .
فلا زلل ولا خلل في قوله: الحادث الأزل فهو الحادث بخلقه وإظهاره الأزل فى علم الله سبحانه."
(والنشؤ الدائم الأبدي)؛ لأن الحكيم إذا ظفر بمطلوبه بعد ترتیب مقدمات كثيرة لا يعدمه بالكلية.
بل غاية ما يفعل به أن ينقله من مقام إلى آخر، (والكلمة الفاصلة الجامعة)، فإنه من حيث جمعيته الأسرار الإلهية والكونية أشبه الكلمة في جمعها للحروف.
ومن حيث إنه مقصود بالذات انفصل عما عداه مع أنه جمع مقاصد كل ما عداه فصارت فاصلة جامعة.
وإذا كان هو المقصود من خلق العالم وروحه، (فتم العالم لوجوده)، إذ ما ليس بمقصود بالذات لا يتم بدونه، وكذا الجسم لا يتم بدون الروح.
وإذا كان تمام العالم به (فهو من العالم کفص الخاتم من الخاتم) به يتم الخاتم، وإذا كان كفص الخاتم، وفص الخاتم محل النقش (الذي) به يعلم الملك ما يختم من خزائنه.
(فهو) أي: الإنسان (محل النقش والعلامة) أي: محل النقش صورة الجمعية الإلهية التي يعلم بها ما يختم من خزائن العالم المملوء بصور أسمائه الحسنى كما أن فص الخاتم الملك محل العلامة (التي بها يختم الملك على خزائنه) ليحفظها.
وكذلك الحق حفظ بعلامة نقش جمعيته خزائن العالم.
(وسماه) أي: المذكور وهو آدم (خليفة من أجل هذا) أي: من أجل حفظه الخزائن العالم مع احتجاب الحق عنها كحفظ الحق إياها بدون الحجاب، وهذا هو فعل الخليفة في حفظ المدينة عند غيبة الملك عنها.
وإليه الإشارة بقوله: (لأنه) أي: المذكور، وهو آدم (الحافظ به خلقه) الذي هو صدر تجليات أسمائه بكونه مقصودا منها، وهو يحتاج إليها من حيث إنها مقدماته أو متمماته .
(كما يحفظ الختم) أي: ختم الملك بنقش فص خاتمه (الخزائن) لا من حيث إنه ختم بل من حيث إنه قائم مقام حضور الملك .
(فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها)، لإخراج ما فيها من المخزونات (إلا بإذنه).
فكذلك ما دام ختم الحق على خزائن العالم لا يجسر أحد من الأسماء القهرية، ومظاهرها على فتح خزائن العالم لإخراج ما فيه إلا بإذن الاسم الأعظم الذي هو رب الإنسان الكامل.
فلما كان له استعداد الختم على خزائن العالم (فاستخلفه في حفظ العالم) بتدبيره إياه بما تحقق به من حقائق الأسماء الإلهية اللطيفة.
(فلا يزال العالم) الدنيوي (محفوظا) عن الهلاك الكلى، (ما دام فيه هذا الإنسان) الذي هو ختم على خزائن عالم الدنيا.
""فكما أن الفص محل النقش، كذلك الإنسان الكامل محل ظهور صور الأسماء الإلهية، وكما أن في الفص علامة تدل على صاحب الخاتم، كذلك العالم بمنزلة الخاتم، وفصه الإنسان الكامل، وفيه علامة تدل على الحق تعالی؛ لظهور جميع أسمائه فيه الدالة عليه.""
وقد ورد"لا تقوم الساعة ما دام يقال في الأرض: الله الله" وهو اسم الذات المستجمع جميع الصفات فلا ينطق به على ما هو عليه إلا الإنسان (الكامل) بقدر الطاقة البشرية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.  وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)

ثمّ إنّ المثلية والتماميّة في المظهريّة إنّما تستدعي استيعاب الأوصاف المتقابلة والأحكام المتناقضة من أوّل الأزل إلى آخر الأبد ، مع الكليّة الجمعيّة التي هي الفاصلة بين الكلّ في جمعه ، فأشار إلى ذلك
قائلا رضي الله عنه : ( فهو الإنسان الحادث الأزلي ) بحسب أوّليّته بالحقيقة ، وسابقيّته بها ، ومسبوقيّته بالظهور ، وتحقّقه بتمامه ( والنشء الدائم الأبديّ ) بحسب آخريّته في قبول تمام الكمال وانتهائه في أمد الإظهار ، وترتيبه الامتزاجيّ الجمعيّ ، فإنّ « الإنشاء » لغة هو الإيجاد مع الترتيب
 .
واعلم أنّ الآخريّة ذلك ليست آخريّة انقطاع وانتهاء انصرام ، كما أنّ الأوّليّة المذكورة ليست أوليّة إحداث وإبداء . 
( والكلمة الفاصلة ) بين الأوّل والآخر ( الجامعة ) بين الظاهر والباطن بحسب كليّة أمره وأحديّة جمع نشأتيه الفاصلة في عين الجمع ، الجامعة في عين الفصل .
واعلم أنّ هذه ثلاثة أسامي له بحسب ما اشتمل عليه من الأجزاء المذكورة آنفا على الترتيب ، إلَّا أنّ الاسم لكونه كاشفا عن كنه المسمّى قد انطوى كلّ منه على ثلاث مراتب من الأوصاف إعرابا عن السعة التماميّة الإطلاقيّة ، فلذلك حمل الكلّ على "هو".
وهو أنّ السعة الإطلاقيّة التسعيّة المنطوي عليها آدم ، قد فصّلت في الإنسان بمثليّته المظهرة ثلاث جمل تامّات ، كلّ منها إشارة إلى نشأة من تلك النشآت التي له .
وأنّ البرزخ الواقع بمنزلة كلمته الكاملة ورتبته الجامعة ، تفرقته عين الجمع ، وكثرته عين الوحدة ، حيث أنّ اسمه عين مسمّاه ، فلهذا قد اختصّ بين الحروف بأنّه قلب القرآن  .
وإذ قد ظهر من احتواء الإنسان للأطراف بحسب أطواره ونشآته ما يتبيّن به
أنّه الواصل من الجمعيّة إلى أقصى مراتبها وهو المراد بالتمام ( فتمّ العالم بوجوده ) .
هذا كلَّه بحسب كماله الأوّل ، الذي به يسمّى « إنسانا » وأمّا بحسب كماله الآخر الذي به يسمّى « خليفة » : ( فهو ) أنّه وقع ( من ) دائرة ( العالم كفصّ الخاتم من الخاتم) ، حيث أنّه المتمّم لأمره ، المخصّص له بين الدوائر والحلق بالخاتميّة ، وحيث أنّه به يتّصل قوس الظاهر بالباطن ويجمع به الفرق ويتّحد الكلّ ، فأصبح به مراتب تنزّلات الوجود دائرة واحدة كاملة على ما سبق تحقيقه في المقدّمة .
ثمّ إنّ من أجلّ وجوه المناسبات وأجلاها ، أنّ الفصّ محلّ نقش الملك وعلامته الخاصّة التي بها يختم الخزائن ، ويكتم نفائسها عن نظر العامّة واحتظائهم منها ، فإنّه ممّا يوجب الفساد في الملك والاختلال في نظام أمره .
إذ الحكمة البالغة حاكمة بأنّ الاطلاع على خصائص خزائن الملك وذخائر جواهره العزيزة محرّمة ، الَّا للندر من خلَّص أخصّائه المأذونين في ذلك من المؤتمنين  . 
وكذلك الإنسان محلّ نقوش الحروف المنزلة والعلامة العلميّة الخاصّة بالحقّ وهي التي بها يحفظ نظام خلقه عن تطرّق الاخترام وطريان الفساد والانصرام .
فإنّ لتلك النقوش ظاهرا وهي المفهومات الوضعيّة والحقائق العرفيّة التي عليها مباني أصول الشرايع وبها تستفاد من تلك النقوش والعلامات الأحكام الظاهرة من العقائد الأصليّة والأحكام الفرعيّة التي بها تنضبط صور العالم وتنحفظ عن تطرّق الاختلال ، فهي الختم على خزانة صورة الدنيا ، التي في صدد الزوال ، وهذا للإنسان بحسب كماله الأوّل .
وباطنا وهي اللطائف الذوقيّة والحقائق الكشفيّة التي تستفاد من تلك النقوش والعلائم بدون توسّط تلك النسب الوضعيّة والامتزاجات التركيبيّة الجعليّة ، وبها تنضبط حقائق المعاني والحكم في سلك التبيان ، وتنطبق أصول الإجمال والجمع منها على فروع التفرقة والتفصيل .
ومنها ينحفظ نظام استقامته عن طروّ الفساد وانحراف الميزان ، وهي الختم على خزانة معاني الآخرة التي لا تقبل الفناء ، وهذا له بحسب كماله الآخر .
فكما أنّ الإنسان جزء من العالم ، وهو محل النقش والعلامة اللتين هما الختمان لملك الملوك على الخزانتين .
كذلك الفصّ جزء من الخاتم ( وهو محلّ النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته وسمّاه خليفة من أجل هذا ، لأنّه الحافظ خلقه به ، كما يحفظ الختم الخزائن ، فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها ) أي فتح خزائن تلك الصور الوضعيّة ورفع أقفالها الرسميّة الجعليّة ، والاستكشاف عن وجوه اللطائف الذوقيّة المخزونة تحت أراضي تلك
الصور في خباياها - ( إلَّا بإذنه المختصّ بخلَّص أخصّائه فعلم أنّ من تلك اللطائف والنفائس ما يمكن أن يحتظي به المأذونون من المؤتمنين والمحارم .
( فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل ) بكماليه ، الذي بيديه أمر الختم على الخزانتين .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته. وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
"هو الإنسان الحادث الأزلي و النشؤ الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعه . تم العالم بوجوده ."
(فهو)، أي (الإنسان) هو (الحادث) بوجوده العيني العنصري بالذات والزمان.
أما حدوثه الذاتي فلعدم اقتضاء ذاته الوجود.
وأما حدوثه الزماني فلكون نشأته العنصرية مسبوقة بالعدم الزماني (الأزلي) المتقدم على سائر الأعيان باعتبار وجوده العلمي في عينه الذاتية .
وأما بحسب وجوده الغيبي الروحي فإن كان من الكمل فهو أيضا أزلي فإن نفوس الكمل كلية أزلية مساوية في الوجود للعقل الأولى.
وأما من كان نفسه جزئية يستحيل عليه ذلك، لأن النفوس الجزئية لا تتعين إلا بعد حصول المزاج وبحسبه، ولا وجود لها قبل ذلك.  كذا قال الشيخ الكبير في بعض رسائله .
والفرق بين أزلية الأعيان الثابتة وبين بعض الأرواح المجردة وبين أزلية المبدع إياها أن أزلية المبدع تعالی نعت سلبي ينفي الأولية بمعنى افتتاح الوجود من العدم، لأنه عين الوجود وأزلية الأعيان والأرواح دوام وجودها مع دوام مبدعها مع افتتاح الوجود من العدم لكونه من غير ما (والنشاء الدائم الأبدي) النشاء النمو والارتفاع والازدياد والمراد به ذو النشاء.
أي الذي ينمو ويزداد دائما ابدا في المراتب هو الإنسان الكامل فإن أول مراتبه :
التعيين الأول الذي هو الحقيقة المحمدية
ثم التعيين الثاني الذي هو صورته التفصيلية
ثم العقل الأول
ثم النفس الكلي
وهكذا إلى آخر المراد الذي هو نشأته العنصري لا يزال يزداد وينمو بحسب التجليات الإلهية والشؤونات الربانية دائما أبدأ دنيا وآخرة.
(والكلمة الفاصلة الجامعة)، الكلم ثلاث:
كلمة جامعة لحروف الفعل والتأثير التي هي حقائق الوجوب .
و كلمة جامعة لحروف الانفعال التي هي حقائق الإمكان .
وكلمة برزخية جامعة بين حروف حقائق الوجوب وبين حروف حقائق الإمكان فاصلة متوسطة بينهما .
وهي حقيقة الإنسان (بوجوده) العنصري ووصوله إلى الكمالي الجدعي فإنه لو لم يوجد هذا الإنسان في العالم لم يحصل كمال الجلاء والاستجلاء الذي هو العلة الغائية من اتحاد العالم .
وإنما قال بوجوده ولم يقل به لأن وجوده منفي نفيا أزليا علما وظهورات في المراتب و بانسحاب القبض الوجودي العين عليه بحسب نشأته العنصرية يتم العالم ويكمل كما عرفت.
"هو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، الذي هو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته، وسماه خليفة من أجل هذا."
(فهو)، أي الإنسان (من العالم كفص الخاتم من الخاتم) وكما يكون تمامية الخاتم وكماله بالفص ونقصانه بعده .
كذلك تمامية العالم وكماله بالإنسان ونقصانه بعدمه (وهو)، أي الفص (محل النقش) أي نقش اسم صاحب الخاتم وغيره مما ينقش على الفصوص (والعلامة التي بها) يتميز بعض عن بعض وبها (يختم الملك على خزائنه) لئلا يتصرف فيها أحد فيبقى محفوظة .
وكذلك الإنسان الكامل هو محل نفوس الأسماء الإلهية وعلامة أحدية جمعها التي بها تستحق أن يختم به على خزائنه الدنيا والآخرة
(وسماه) الحق سبحانه (خليفة) حيث قال تعالى : "إني جاعل في الأرض خليفه" آية 30 سورة البقرة.
(من أجل هذا)، المعنى الذي هو الختم (لأنه) أي الإنسان الكامل لكونه ختمة أو الحق سبحانه بالإنسان الكامل الختم
"لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ثم المليك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه ، فاستخلفه في حفظ العالم لا يزال العالم محفوظة ما دام فيه هذا الإنسان الكامل."
(هو الحافظ خلقه) وإلى الأول ينظر قوله : (كما يحفظ الختم الخزائن) من التصرف فيها (فما دام ختم الملك عليها لا يجسر)، أي لا يجترئ (أحد على فتحها)، أي فتح تلك الخزائن والتصرف فيها (إلا بإذنه) أي الملك.
وكذلك ما دام الإنسان الكامل في العالم لا يتسلط حقائق المباينة التي في حقائق خزائن العالم على فتحها والتصرف فيها إلا بإذن الحق سبحانه (فاستخلفه) أي الحق سبحانه الإنسان الكامل (في حفظ العالم) من الخلل الذي تقتضيه التفرقة والمباينة التي في حقائق العالم من الخصوصيات التي بها يتميز بعضها عن البعض (فلا يزال العالم محفوظة)من هذا الخلل (ما دام فيه هذا الإنسان الكامل) وكان قائما بخلافة الحق سبحانه في حفظ العالم .
فإذا أذن لهذا الإنسان الكامل بالخروج عن الدنيا وأمره الانفكاك عن خزينتها إلى الأخرى خربت الخزينة وانتهب ما فيها.
وحفظ العالم عبارة عن بقاء صون أنواع الموجودات على ما خلفت عليها الموجب لبقاء كمالاتها وآثارها باستمداده من الحق التجليات الذاتية و الرحمة الرحمانية والرحيمية بالأسماء والصفات التي هي الموجودات صارت مظاهرها و محل استوائها.
اعلم أن النشأة الدنيوية الحسية بمنزلة خزانة إختزن الحق سبحانه فيها الحقائق الإمكانية المظهرية والحقائق الأسمائية الإلهية الظاهرة بها .
ولا شك أن كل واحدة من تلك الحقائق الإمكانية عبارة عن أحدية جمع حقائق بسيطة متباينة متمايزة.
مقتضية بذاتها الافتراق في الامتياز كما كانت في الرتب العلمية متحدة بالوجود الواحد الذي يقتضي بذاته الوحدة وزوال الكثرة .
وباعتبار هذا الوجود الواحد ظهر بعضها متبوعة وبعضها تابعة، وبعد اتحادها بالوجود الواحد صارت حقيقة مظهرية تظهر فيها الأسماء الإلهية بحسب قابليتها واستعدادها وجمعيتها، ولما كان الكون الجامع والإنسان الكامل أحدية جمع جميع الحقائق الإمكانية المظهرية.
وكان المقصود الأصلي والغاية القصوى من إيجادها وجوده العنصري.
الذي هو مظهر أحدية جميع الحقائق الإلهية كان وصول الإمداد الإلهي والتجلي الوجودي إلى الحقائق المظهرية كلها قبل وجوده العنصري بواسطته ومن مرتبته.
وبعد وجوده العنصري فوض ذلك الإمداد إليه بأن وقع التجلي الأحدي الوجودي الجمعي أولا على حقيقته الأحدية الجمعية وبرقيقة المناسبة التي بينه وبين حقيقة سري إليها ثانية.
فما دام كان ذلك الكامل مقصودة إيجاده أو بقاؤه في النشآت الدنيوية ووصل قبض التجلي من مرتبنه أو وجوده إليها.
بقيت تلك الحقائق محفوظة من الخلل الذي تقتضيه التفرقة والمباينة التي كانت عنها قبل إيجادها بالوجود الواحد .
والوحدة الذاتية لذلك التجلي وكان كالختم عليها لئلا يفتحها تسلط تلك التفرقة والمباينة عليها واقتضى التجلي التقلص والانسلاخ عنها .



كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو الإنسان الحادث الأزلي والنشيء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم بها الملك على خزانته.
وسماه خليفة من أجل هذا، لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن.
فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ الملك فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فهو الإنسان الحادث الأزلي و النشؤ الدائم الأبديّ، و الكلمة الفاصلة الجامعة .  فتم العالم بوجوده]

قال الشارح رحمة الله :
(فهو الحادث ): أي من حيث صورته، و تعينه (الأزلي ): أي من حيث عينه و ذاته . 
أمّا الأزل نفي الأولية، و نسبة الأزل للحق كنسبة الزمان الماضي للخلق، فلهذا يقال: كان ذلك في الأزل، فحدوثه باعتبار نشأته الظاهرة الجسمانية، و أزليته باعتبار الحقيقة و الروحانية
قال رضي الله عنه : 
حقق بعقلك إن فكرت    ...... نفيا لنفي و إثباتا لإثبات
من أعجب الأمر أني لم أزل  ..... و إنني مع هذا محدث الذات
و سرّ ذلك أن الإنسان الكامل منخلعا عن نفسه، مختلعا بخلعة الصور الإلهيّة .
وهو كالظل للشخص الذي لا يفارقه على كل حال غير أنه يظهر الحس تارة و يخفى تارة أخرى، فإذا خفي فهو معقول فيه، و إذا ظهر فهو مشهود بالبصر لمن يراه، فالإنسان الكامل في الحق معقول فيه كالظل إذا خفي في الشخص، فلا يظهر فلم يزل الإنسان أزلا، فلهذا كان مشهودا للحق من كونه موصوفا بأن له بصرا و هو الإنسان، فإنه معبر عنه كما ذكر في المتن . 
و على الجملة أن في العلم الأول لما تميزت عنده الحقائق المعنوية فهي: أي تلك الحقائق المجردة للحق معلومات و للخلق معقولات و لا وجود لها في الوجوب الوجودي و لا في الوجوب الإمكاني، فيظهر حكمها في الحق، فتنسب إليه، و سمّيت أسماء إلهية، فينسب إليها من نعوت الأزل ما ينسب إلى الحق تعالى، و ينسب أيضا إلى الخلق ما يظهر من حكمها فيه، فينسب إليها من نعوت الحدوث ما ينسب إلى الخلق فهي: أي الحقائق المذكورة هي الحادثة القديمة، و الأبدية الأزلية فافهم .

قال رضي الله عنه في الباب السادس و الأربعين و ثلاثمائة: 
إن الإنسان الكل الكامل الكلي لم يزل مع الله، فلا يزال مع الله، فهو باق ببقاء الله، و ما عدا الإنسان الكامل، فهو باق بإبقاء الله تعالى . 
و هنا مسألة أخرى أذكرها لتعريف الفرق بين الأزلين و هي:
إن الموصوفين بالأزل نفيا، أو إثباتا لا بتقدم أحدهما على الآخر لأن الأزل لا يصح فيه التقدّم و التأخّر، و لكن الفرق بينهما أن أزلية الأعيان هي دوام وجودها بدوام الحق مع افتتاح الوجود عن العدم بكونها من غيرها، و أزلية المبدع نعت سيي ينفي الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العين لأنه عين الوجود، فافهم . 
( و النشؤ الدائم الأبدي) و الأبد نفي الآخرية و عدم انتهائها، و كل أزلي أبدي و لا بالعكس، و أمّا النشؤء هو إنما أعم من أن يكون من النشأة الدنيوية، أو الأخروية . 
أمّا في النشأة الدنيوية فنشؤه ظاهر بدنا و روحا، إمّا بدنا في النشأة الدنيوية فلأنه دائم التحليل، فدائم الغذاء لبدل ما تحلل منه، فدائم الزيادة و النشأ و النمو . 
أمّا باعتبار الروح في النشأة الدنيوّيّة، فلأن غذاؤها العلوم و المعارف، و هما على الدوام و إن لم يظهر لكل أحد . 
قال رضي الله عنه: إن الإنسان في زيادة علم أبدا دائما من جهة ما تعطيه حواسه و تقلبات أحواله في نفسه و خواطره، فهو مزيد علوم . 
و أمّا النمو البدني من جهة الآخرة، فإن الغذاء قد ثبت بالأخبار الصحيحة و الغذاء هو ما يصير جزء للمتغذي . 
و أمّا ما سمّي غذاء أما ترى أن الخبر الصادق كيف عين مخارج الفضلات في النشأة الأخروية إنما تخرج عرقا، و لو لا الغذاء المعتاد في دار الآخرة ما عين هذا فافهم . 

و إنما نموّه  و زيادته في الآخرة من حيث الروحانية والعلم، فقد ورد في الأخبار ما يدل عليه كحديث الرؤية: " وإن لنا في الآخرة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت "الحديث ، و يحصل هذا من غير تقدم علم به، هذا زيادة في العلم . 
و قوله صلى الله عليه و سلم : "إنه يحمد الله في يوم القيامة عند سؤاله في الشفاعة بمحامد لم يعلمها الآن".
لأنها يقتضيها الموطن، و هذا كله نشأ و نما، و زيادة في الباطن و الظاهر في الدنيا و الآخرة، فافهم . 
( و الكلمة) و هي مجموع من الحروف العاليات، و هي روح الكامل تسمّى كلمة لأثرها في العالم، سمّي بذلك عيسى عليه السلام كلمة الله الفاصلة بين الحق و الباطل، يتميز الفرق بينهما تارة بنظر الجمع، و تارة برؤية الفرق، و تارة بالجمع بينهما .
فلهذا قال رضي الله عنه: (الجامعة) بين الحق و الباطل برؤية الجمع في الكل، و هو جمع الجمع .
ومن هذا الذوق ما حكي عن بعض المشايخ، أو الشيخ أبي مدين قدّس سره  قال رضي الله عنه :
لا تنكر الباطل في طوره   ...... فإنه بعض ظهوراته
فسدّ جفاء الفرق، و الفصل بلطف الجمع و الوصل، فافهم . 
( فتمّ العالم بوجوده) بأتم ما يكون إذ لا أكمل من صورته . 

قال الإمام الغزالي رحمه الله من هذا المشهد: ما في الإمكان أبدع ما كان، فدار العالم، و ظهر الوجود الإمكاني بين نور، و ظلمة، و طبيعة، و روح، و غيب، و شهادة، و سنن، و نفي، و إثبات . 
فما ولي من الوجود المحض كان نورا، و روحا، و ما ولي من العدم المحض، كان ظلمة، و جسما، و بالمجموع تكون الصورة، و به تحقق الكون الجامع، و المجلى المجلو الساطع، و لا ينظر الله إلا إليه و هو الحجاب الأعلى، و الستر الأزهى، و القوام الأبهى فلما حذاه حذوا معنويا على حضرة الأسماء الإلهية بعد ما حصلت فيه قواها، فظهر بها في روحه، و باطنه، فظاهر الإنسان خلق، و باطنه حق . 
قال المصنف رضي الله عنه :  ( فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، الذي هو محل النقش و العلامة التي بها يختم الملك على خزانته، و سماه خليفة من أجل هذا . 
لأنه تعالى الحافظ به خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه، فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا ما دام فيه هذا الإنسان الكامل.)
قال الشارح رضي الله عنه : 
( فهو من العالم) لما وجّه وجه كونه إنسانا، أراد رضي الله عنه أن يوجّه كونه خليفة .
و قال : إن الإنسان الكامل من العالم (كفص الخاتم للخاتم و هو محل النقش و العلامة) . 
كما أن الفص محل النقش، كذلك الإنسان الكامل محل ظهور صور الأسماء الإلهية، وكما أن في الفص علامة تدل على صاحب الخاتم، كذلك العالم بمنزلة الخاتم، و فصّه الإنسان الكامل، وفيه علامة تدل على الحق تعالى لظهور جميع أسمائه فيه الدّالة عليه . 
فمن هذا ورد في الخبر: "من عرف نفسه فقد عرف ربه".

قال رضي الله عنه في الفصل الثامن و مائة من "الفتوحات ": 
إن الإنسان الكامل يدل بذاته من أول البديهة على ربه لأنه على الصورة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
و قال أبو يزيد قدّس سره: من هذا الذوق إما دلّ على هويته من كلمة الله عليها، و كذلك سمّاني كلمة، انتهى كلامه رضي الله عنه . 
وقال صلى الله عليه و سلم : "إن أولياء الله الذين إذا رأوا ذكر الله". فالكامل من أعلى العلامات التي تدل عليه.
"سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: من أولياء الله -تعالى-؟ 
قال: الذين إذا رأوا ذكر الله حنت قلوبهم إليه". المطالب العلية للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
حديث عبد الرحمن ابن غنم: " خيار عباد الله الذين إذا رأوا ذكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ". أخرجه أحمد ابن حنبل و في إتحاف المهرة للحافظ أحمد بن حجر العسقلاني
( التي بها يختم الملك على خزائنه): أي العلامة التي تحفظ الملك بالختم بها ما في الخزائن من نفائس الجواهر، والعروض . 
يريد رضي الله عنه أن يمثل تمثيلا يناسب الإنسان الكامل، بل الأكمل الفرد الختم مع العالم، و يتبين فيه نسبته معه :
و عني بالتلويح مفهم ذائق      ...... غنى عن التصريح للمتعنت
فإن نسبته الأكمل الكل مع العالم نسبة الختم على الخزانة، فكما تختم الخزانة المشحونة بنفائس الجواهر التي فيها عن تناول أيدي النفود و الفناء، و لا يجسر كل أحد أن يتصرف فيها . 

كذلك الإنسان الكامل الكل، فإنه ختم به على خزائن العالم على النفاد، و لا تجسر أيدي الحوادث، و أيدي الزمان على فكّ هذا الختم بالتغير و الإنسان . 
( و سمّاه خليفة من أجل هذا ): أي من أجل أنه استخلفه، يحفظ ما في خزائن العالم و الوجود أنه حفيظ عليم، سمّاه خليفة، و الخليفة صورة مستخلفة، فما حفظ إلا بنفسه، فاحتفظت نفسه بنفسه، فبنفسه عين العلامة على نفسه، فافهم . 
( لأنه سبحانه الحافظ) خلقه من حفظ  الشيء نفسه لأن الوجود عينه، و ما في العالم سواه . 
( كما يحفظ الختم الخزائن) بالعلامة التي في الختم، و هي صورة اسمه، و الاسم عين المسمّى، و بالعين يحرس العالم . 
و الختم ثلاثة :
ختم الولاية العامة الظاهرة في هذه الأمة، و هو المهدي . 
و ختم الولاية المطلقة و هو عيسى عليه السلام . 
و ختم الولاية المحمّدية، فأمّا ختم الولاية المحمّدية، و هو الختم الخاص، فيدخل في ضمنه الختمان السابقان، و إن كان مطلقين و عامين.
فهما مختومان، و تحت الختم المحمّدي، و له التحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات و الألوهية لأن ختمية النبوّة تختص بحضرة الألوهية، و له جمع الجمع لا جامع بعده مثله و لا حائز لكل الموارث غيره، و له كمال الآخرية المستوعبة، فله حكم الكل دون سواه، فلهذا لا يعرفه غير مولاه، و هو أعلم الخلق بالله، لا يكون في زمانه، و لا بعد زمانه، أعلم بالله، و بمواقع الحكم منه، فهو و القرآن إخوان، كما أن المهدي و السيف إخوان . 

قال رضي الله عنه: علمت حديث هذا الختم المحمّدي بـ "فاس" من بلاد المغرب، و هو شعرة واحدة من جسده صلى الله عليه و سلم.
و لهذا يشعر به إجمالا، و لا يعلم تفصيلا إلا من أعلمه الله، أو من صدّقه أن عرّفه بنفسه دعواه، ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات" .
( فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه) فالختم دائما أبدا دنيا و آخرة، فإن الختمية ثابتة غيرمزالة، فافهم الإشارة تكن من أولي الألباب فإن هذا التمثيل خلاصة الخلاصة، و لباب هذا الباب فإن توهّمت فرض الإزالة في النشأة الدنيوية فهي ثابتة من وجه آخر لا محالة و هو النشأة الأخروية، فالختم دائما أبدا، فافهم . 
( فاستخلفه في حفظ العالم فلا يزال العالم محفوظا فيه ما دام فيه هذا الإنسان) الذي هو الختم الدائم الجامع السرمدي، و ذلك العبد هو المقصود من العالم النائب عن العالم كله الذي لو غفل العالم كله أعلاه، و أسفله زمنا عن ذكر الله، و ذكره هذا العبد، قام في ذلك الذكر عن العالم كله، و حفظ به على العالم وجوده، و لو غفل العبد الإنساني المذكور عن الذكر زمنا فردا لم يقم العالم مقامه في ذلك و خرب منه . 
و قال صلى الله عليه و سلم : "لا تقوم الساعة و في الأرض من يقول الله الله"  .
إشارة إلى ذلك الذكر، قال رضي الله عنه في الباب الثالث و السبعين من "الفتوحات ": 

إن في العالم قطبا ينظر الحق تعالى إليه، فيبقى به هذا النوع الإنساني في هذا الدار، و لو كفر الجميع و هو ذا جسم طبيعي، و روح موجود يجسّده، و حقيقته يتغذى بجسمه و روحه، و هو مجلى الحق من آدم إلى يوم القيامة .
كما أبقى الله بعد الرسول صلى الله عليه و سلم أربعة من الرسل أحياء في هذه الدار الدنيا:
و هو عيسى، و إدريس، و إلياس، و خضر عليهم السلام، و هذه المعرفة التي أبرزنا عينها للناظرين لا يعرفها من أهل طريقتنا إلا منا، فيبقى الأمر محفوظا بهؤلاء الأحياء و ثبت الدين قائما بحمد الله ما انهدم منه ركن إذا كان له حافظ يحفظه، و إن ظهر الفساد في العالم إلى أن يرث الأرض و من عليها، و هذه نكتة فاعرف قدرها، فإنك لست تراها في كلام أحد أبدا، و لو لا ما ألقى عندي في إظهارها ما أظهرتها لسرّ يعلمه الله ما أعلمنا به، و لا يعرف ما ذكرناه إلا نوّابهم خاصة لا غيرهم من الأولياء . 
فاحمدوا الله يا إخواننا حيث جعلكم الله ممن قرع سمعه أسرار الله المخبؤة في خلقه التي اختصّ الله بها من يشاء من عباده، انتهى كلامه . 
واتساب

No comments:

Post a Comment