Saturday, July 13, 2019

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

03 - The Wisdom Of Exaltation In The Word Of NOAH

الفقرة الثامنة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثنى، «وهو السميع البصير» فنزه وأفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (وقال تعالى): كذلك بمعنى آخر مفهوم من هذه الآية، ومعلوم أن الآيات القرآنية لا يحصرها معنى واحد ولا اثنان بل كل المعاني لها، ولكن يدرك منها العبد ما تيسر له بحسب استعداده كما يشير إليه قوله تعالى : "قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفذ البحر قبل أن تنفذ كلمات ربي ولو جئنا بمثله، مددا " [الكهف: 109] ("ليس كمثله ") [الشورى:11]، أي ليس مثل مثله.
فأثبت له مثلا، ومثله جميع العالم المخلوق على صورته من حيث ظهور العالم بتأثير الصفات الإلهية تفصيلا لها، لأن صورة الشيء تفصيل ذاته، ومثل مثله الإنسان الكامل، فإنه مخلوق على صورة جميع العالم ("شيء") إذ ليس وراء الله شيء غير مثله وهو جميع العالم، وأما مثل مثله الذي هو الإنسان الكامل فليس شيئا.
أي موجودة إذ لو كان شيئا لكان من جملة العالم وكان ناقصا لكمال العالم به، وليس هو كاملا في نفسه، وإذا لم يكن موجودة كان مفقودة والموجود عنده هو الحق، فالإنسان الكامل مفقود في عين وجوده والوجود عنده هو الله تعالى وحده (فشبه سبحانه وتعالى نفسه حيث أثبت له المثل (وثنى)، أي حكم على نفسه الواحدة أنها اثنان بإثبات المثل له (وهو)، أي مثل مثله
(السميع) لا غيره بسمعه القديم (البصير) لا غيره ببصره القديم (فنزه) سبحانه وتعالى ذاته العلية عن المثل ومثل المثل حيث نفى عنها القيود التي بها تكون مثلا ومثل مثل (وأفرد)، أي حكم على ذاته بأنها مفردة لا مثل لها ولا مثل مثل كما هي كذلك في نفسها.
والحاصل أن قوله تعالى: "ليس كمثله ، شيء"  [الشوری : 11].
إما أن تكون الكاف صلة فيكون التقدير ليس مثله شيء وهو المعنى الأول فيكون تنزيها.
"وهو السميع البصير"، أي لا غيره والخطاب لنا في لغتنا المفهومة بيننا، ونحن نعرف ما أطلعنا عليه سبحانه بفضله من كل مخلوق سميع بصير من إنسان وغيره ,
فيكون ذلك تشبيها، وإما أن تكون الكاف أصلية ليست زائدة فيكون التقدير ليس مثل مثله شيء وهو المعنى الثاني، وفيه إثبات المثال لا نفيه، بل نفي مثل المثل، فهو تشبيه لا تنزیه وقوله بعده "وهو السميع البصير" [الشورى:11].
أي ذلك المثل الذي لمثله، فهو تنزيه لزوال المثل ومثل المثل عنه، فحيث كان صدر الآية تنزيها كان عجزها تشبيها، وحيث كان صدرها تشبيها كان عجزها تنزيها للإشارة إلى أنه لا بد في حكم الشرع من التنزيه والتشبيه معا كما سبق، والانفراد بأحدهما إيمان ببعض الكتاب وكفر ببعض.
وقال تعالى في نظير ذلك : "هو الأول" [الحديد: 3]، يعني قبل كل شيء فنزه "والأخر" [الحديد: 3]، يعني بعد ذلك في الأول وهو كل شيء إذ لا آخر للأشياء، لأنها لا تتناهى فشبه، "والظاهر" فشبه، "والباطن" فنزه.
وقال : "هو الأول" ، يعني الموجود الأول بالتشبيه إلى الثاني فهو كل شيء إذ لا نهاية للأشياء، ولها بداية فشبه، "والآخر" يعني الموجود بعد ذهاب ذلك الأول فنزه "والظاهر" [الحديد: 3].
يعني بالإيجاد والإمداد فنزه "والباطن" [الحديد: 3] يعني المعلومات العدمية التي قال تعالى عنها " " كل شيء هالك إلا وجهه" [القصص: 88] .
فكل شيء باطن فشبه وكذلك قال: "الله الصمد" ، أي المقصود بالحوائج كلها، والعالم يقصد بعضه بعضا كما هو المعروف فشبه.
ثم قال:"ولم يكن له كفوا أحد"  [الإخلاص: 2 و 4]، فنزه، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم التنزيه والتشبيه معا في كلمة قالها في مقام الإحسان : " أن تعبد الله كأنك تراه"، فشبه بذكر الرؤية.
فإن المرئي الأشياء، أو نزه بكاف التشبيه لنفي ذلك المرئي، أو شبه بكاف التشبيه والرؤية، ونزه بذكر اسم الله وضميره، ونحو هذا كثير في الآيات والأحاديث.
لو أن نوح عليه السلام (جمع لقومه) حين دعاهم إلى توحيد الله تعالى (بين الدعوتين ): دعوة التنزيه ودعوة التشبيه (لأجابوه) لما دعاهم إليه لأنهم مشبهون بعبادة الأصنام فيحتاجون إلى التنزيه ليكمل لهم التوحيد المطلوب منهم .
ولا ينهون عن التشبيه في أول الأمر لأنهم ما عرفوا من الإله غيره، ولهذا دعا نبينا عليه السلام قريشا إلى إله السماء ووصفه لهم بأوصاف التشبيه ليقرهم على ما هم عليه من التشبيه، لأنه بعض المعرفة.
ثم زادهم التنزيه فأجاب من أجاب وكفر من كفر، ولم ينههم في أول الأمر عن التشبيه لئلا يوحشهم مما عرفوه من الإله، وأما نوح عليه السلام (فدعاهم جهارا) من حيث التنزيه (ثم دعاهم إسرار) من حيث التشبيه ، فقدم لهم التنزيه فظنوا أنه ينهاهم عن التشبيه الذي هو بعض المعرفة فتركوا إجابته .
(ثم قال لهم : استغفروا ربكم)، أي اطلبوا المغفرة من تشبهكم للحق تعالی كما كان يقول النبي صلى الله عليه وسلم «إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله تعالى في اليوم مائة مرة» يعني كلما ترقیت مقاما في تنزيه الله تعالی وجدت الأول تشبيها بالنسبة إلى الثاني فأستغفر من الأول وهكذا.
فهو غين أنوار لا غين أغيار وفيهم غين أغيار وقد طلب نوح عليه السلام من قومه أن يفعلوا كذلك من أول الأمر وهو ممتنع عليهم القصورهم ("إنه ")، أي ربکم (" كان غفارا" ) [نوح: 10] لكل من استغفره (وقال) نوح عليه السلام أيضا ("رب")، أي يا رب ("إني دعوت قومي") إلى توحيدك ومعرفتك ("ليلا" )، أي من حيث ما غابوا عنه من تنزيه الله تعالى ("ونهارا " )، أي من حيث ما شهدوه من التشبيه لكن بعد التنزيه لا قبله ("فلم يزدهم دعائي") لهم إلى التنزيه قبل التشبيه ("إلا فرارا" ) عما دعوتهم إليه [نوح: 5- 6].
(وذكر عن قومه أنهم تصامموا)، أي لم يسمعوا (عن دعوته)، بتكلف منهم لذلك فذلك قوله تعالى: ("وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا (7)") سورة نوح الآية.
(لعلمهم)، أي قومه علما روحانيا لم ينزل إلى نفوسهم ليشعروا به، فجهلت نفوسهم وعلمت أرواحهم بما يجب عليهم من إجابة دعوتهم إلى توحيد الله تعالى من حيث الغيب ومن حيث الشهادة تنزيها في الأول وتشبيها في الثاني .
كما قال ليلا ونهارا، فأمرهم بترك التشبيه ليطلعوا على التنزيه فتكمل لهم المعرفة بالتنزيه والتشبيه.
وأمره لهم بترك التشبيه ليس الترك التشبيه وإنما هو لتحصيل التنزيه، وإلا فالتشبيه بعض المعرفة، وهو لا يأمرهم ببعض المعرفة وينهاهم عن البعض الآخر.
وقد علمت أرواحهم منه ذلك وإن جهلت نفوسهم، فتاصمموا عن ظاهر ما أمرهم به من ترك التشبيه لعلمهم بأن ترکه غیر مراد.
فامتثلوا قلوبا وأرواحا وخالفوا نفوسا وأشباحا، لأن عند نفوسهم بعض المعرفة وهو التشبيه فلم يتركوا ذلك البعض.
لأنه لا يريد منهم ترك ذلك وإنما يريد الهم تمام المعرفة، فلو علموا أن ترك ذلك يوجب كمال المعرفة لتركوه وترکه ستره عنهم.
وهو قوله: "لتغفر لهم"  [نوح: 7]. فإن الغفر هو الستر من معرفتهم الناقصة کفر وجحود، فهذا هو الكشف عن حقيقة كفرهم.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى :" ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱]) من حيث أنه غني عن العالمين (فنزه "وهو السميع البصير") من حيث أسمائه ومظاهر صفاته وهو يقتضي إثبات المماثلة في السمع والبصر (فشبه) هذا ناظر إلى زيادة الكاف (قال الله تعالی "ليس كمثله شيء")
من حيث ألوهيته وتعلق قدرته إلى مقدوراته (فشبه وثني "وهو السميع البصير" ) إذ لا غير حتى يشترك معه من حيث أنه كان الله ولم يكن معه شيء (فنزه وأفرد).
أي فنزه الحق عن عدم السمع وعدم البصر وأفرد فيهما بحيث لا اشتراك لغيره فيهما هذا ناظر إلى عدم الزيادة .
وإنما كان قوله تعالى : "وهو السميع البصير" [الشورى : 11] تشبيها في الأول وبالعكس في الثاني .
وكذا قوله تعالى : "ليس كمثله شيء" تنزيها في الأون وبالعكس في الثاني .
لأن المراد بالتنزيه والتشبيه كلامان متغايران بالإيجاب والسلب مع اتحاد الموضوع والمحمول من جهة تغايرهما من جهة أخرى.
فأيهما سبق في حق الحق يقتضي تعقيبه بالآخر بلا نصل شيء خارج عنهما لوجوب اجتماعهما لكون أحدهما في المعنى جزءا من الآخر فلا يمكن حمل قوله في الموضعين على التنزيه مع وجود أداة الحصر فيهما .
وهما الضمير واللام في الخبر لئلا بفوت الجمع فما أنزل الله تعالى في حق نفسه كلاما إلا وهو على طريق الجمع ولا يخفى على من اطلع معاني كلام رب العزة وأسراره .
ولما أتم البيان في التنزيه والتشبيه أورد ما جاء من آيات القرآن العظيم في حق نوح عليه السلام وقومه ليظهر فضل القرآن على سائر الكتب المنزلة .
وبين ما قال إن ألسنة الشرائع الإلهية إنما جاءت في حق العامة على المفهوم الأول وعلى الخصوص على كل مفهوم يفهم من وجوه ذلك اللفظ .
فقال رضي الله عنه : (ولو أن نوحا جمع لقومه) أي لقومه الذين لم يجيبوا دعوته إذ القوم الذين أجابوه لا يحتاج في حقهم إلى الجمع (بين الدعوتين) أي دعوني التنزيه والتشبيه (لأجابوه) من كان شانه قبول الدعوة ولم تف الدعوة بدون الجمع ولو جمع لهذا الطائفة أجابوا دعوته لا بمعنى أنهم أجابوا كلهم .
كما أن رسول الله تعالی جمع بين الدعوتين ولم يجب من لا استحقاق لقبول الدعوة كأبي جهل وأضرابه .
فظهر أن الجمع لا يوجب إجابة الدعوة مطلقا ولم يفعل نوح عليه السلام كذلك لأنه لم يؤت بجوامع الكلم (فدعاهم جهارا) أي ظاهرا وهو دعوته قومه إلى الحق بالتشبيه.
(ثم دعاهم أسرارا) أي باطنا وهو دعوته بالتنزيه فقد دعاهم بالتنزيه والتشبيه لكنه لا على طريق الجمع لذلك أورد بثم المقتضي للتأخير والتراخي.
(ثم قال لهم) بعد الدعوة ("استغفروا ربكم" سورة هود : 3) .
يعني لما علم نوح منهم أنهم لا يجيبون دعوته أبدا ولا يصلون إلى المعارف الحاصلة من الإجابة وعلم أن طريق وصولهم إلى ما يدعو إليه قومه لا يكون إلا بالاستهلاك يدعوهم به ليحصل لهم هذا المقام فقال :
"استغفروا ربكم" أي اطلبوا ستر وجوداتكم بظهور الحق بالصفة النهارية حتى يحصل لكم الوصلة إلى الحق باستهلاككم فيه لعدم قابليتكم واستعدادكم إلى حصول كمالكم بغير هذا الطريق وهو الهلاك فإذا هلكوا فقد وصلوا كمالهم.
لكن لا يجديهم نفعا لعدم وقوعه في أوانه (أنه) أي الله تعالى (كان غفارا) أي ستارا لمن طلب الستر.
فدعاهم بثلث دعوات إلى الباطن وهو التنزيه وإلى الظاهر وهو التشبيه وإلى الفناء في الله تعالى وهو " استغفروا ربكم" ولم يف استعدادهم بقبول الإجابة بلبيك فقبلوا دعوته بالفعل وإن لم يعرفوا نبولهم وهو إفناء وجوداتهم في الله تعالى لذلك أغرقوا بالطوفان وقال: رب إني (دعوت قومي) أي أخبر عن دعوته قومه (ليلا ونهارا) أي تنزيها وتشبيها (فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) صلة الفرار محذوفة للعموم وهي من وإلى إذ الفرار حركة لا بد له من البدء والغاية فكان المعنى في حق الخواص إلا فرارا من وجوداتهم إلى الله تعالى.
أي تركوها ووصلوا إلى الله تعالی نکان ابتداء الفرار وهو الستر من وجوداتهم وذواتهم وغايته الحق .
فكان هذا الكلام منه في حقهم مدحا وثناء لازمة يفهمه العلماء بالله .
وكذلك في حق العامة مدح لكون ابتداء فرارهم من ذنوب أنفسهم وانتهاؤه إلى جناب الحق بحسب مراتبهم وأما في حق قومه من المشركين فذم لـ فرارهم من الحق إلى اللذات الحسية.
(وذكر عن قومه أنهم تصاموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته فعلم العلماء بالله تعالی) أي كل واحد من العلماء من أي أمم كانوا ممن سمع كلام نوح عليه السلام من أي لسان كان علموا من وجوه نظم كلامه.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شيء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.  وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قوله رضي الله عنه : قال الله تعالى: "ليس كمثله شيء" فنزه، وهو السميع البصير (الشورى: 11) فشبه.
وقال تعالى": ليس كمثله شيء"  فشبه وثني وهو السميع البصير فنزه وأفرد.
وقوله: "وهو السميع البصير" (الشورى: 11) شبه، لأنه وصف الحق تعالی بالسمع والبصر وهي قد يطلق على العين والأذن.
قوله: قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وهنا جعل الكاف زائدة، فكأنه قال: ليس مثل مثله شيء فأثبت له مثلا لا يشبه ذلك المثل شيء .
ولذلك قال: وثني قوله: "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد هنا حمل السمع والبصر على معاني أسمائه تعالى، فالسمع والبصر هنا لا يطلق على الأذن والعين بل على معاني الأسماء الإلهية .
لو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (نوح: 10) وقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 5-6) .
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.
واعلم أن قوله عنهم في معنى قوله تعالى: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" (نوح: 10) أي ستارا.
أنه إنما خص المعارف بأنها عقلية في قوله: "يرسل السماء علیکم مدرارا" (نوح: 11) وفسر ذلك بالمعارف العقلية والاعتبارية ولم يقل: إنها معارف إلهية كشفية لأن الغفر مشتق منه ما يدل على الستر.
والمعارف الإلهية لا تكون مع الستر الذي هو الحجاب، وإنما الذي يكون من المعارف مع الستر هي المعارف العقلية والاعتبارات الفكرية.
ثم قال لهم نوح: "استغفروا ربكم إنه كان غفارا" فخاطبهم بما لا يناسب حالهم وإلى هذا أشار، رضي الله عنه: والذي لا يناسب حالهم هو كونه فرق الدعوة فدعا مرة إلى اسمه الظاهر، تعالى، ومرة إلى اسمه الباطن، تعالى.
فلما لم يجيبوه وصف حالهم معه وحاله معهم، فقال: "دعوت قومي ليلا ونهارا" (نوح: 5) . أي ظاهرا مرة وهو قوله: نهارا وباطنا مرة وهو قوله: لیلا أي إلى الاسم الظاهر مرة وإلى الاسم الباطن مرة "فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" (نوح: 6).
وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته بكونهم جعلوا أصابعهم في آذانهم.
قال وإنما تصامموا عن دعوته، لأنهم علموا ما يجب عليهم إن هم سمعوها أي يتعين عليهم الطاعة، فسدوا آذانهم عن سماع دعوته حتى لا يقع عليهم لسان الذم.
فلذلك فسر قوله تعالى: "يرسل السماء عليكم مدرارا" (نوح: 11) بالمعارف العقلية لأنها جواب قوله تعالى: "فاستغفروا" والاستغفار هو طلب الاستتار كما تقدم.
ثم فسر الأموال في قوله تعالى: "ويمددكم بأموال وبنين" (نوح: 12) بأنها ما يميل بهم إليه وجرت عادة أهل الطريق أن يستمعوا في كلام الله تعالی بل وفي كلام كل متکلم أمورا تقتضيها مراتبهم من الكشف والشهود الجزئي والكلي.
ولا يلتفتون إلى كونها مخالفة لمفهوم العموم بعد أن يصح لهم نسبتها إلى الحق بطریق کشفي .
وليس لمن سلم إليهم أحوالهم أن ينكر عليهم بعد ذلك فإن الانکار بعد التسليم لا يقبل فإنه إنما سلم لهم في الكل لا في الكلي العام .
حتى يقال: إن وجود العام لا يستلزم الخاص.
وأما أن صورتهم هي التي يرونها فيه تعالى فلأن صور العالم كله هي صور معلومات الله تعالى وما في العلم شيء هو خارج عنه وإلا كان العلم ظرفا للمعلومات والذات المقدسة لا تغاير العلم.
فيلزم أن تكون الذات المقدسية ظرفا لغيرها وذلك ممنوع. فإذن إنما رأوا صورتهم فيه بمعنى لا يوجب الظرفية بل إذا رأوا صورتهم في علمه وليس علمه غيره فقد رأوا صورتهم فيه.
قوله: وولده، أي نتيجة فكرهم، لأنا قد قررنا أن معارفهم فكرية لأجل الاستغفار المستلزم للستر والستر من لوازم الفكر والفكر من لوازم الستر .


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : « قال الله تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه ، " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  فشبّه » يعني : على مفهوم العموم على أنّ الكاف زائدة ، وأنّ السميعيّة والبصيرية مشتركتان بين الحق والخلق .
ثم قال : « قال الله تعالى " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فشبّه وثنّى » .
يعني : أنّ الكاف غير زائدة ، يكون إثبات المثل المنفيّ عنه مشابهة شيء ما من الأشياء ، وذلك عين التشبيه والتثنية .
قال: " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزّه وأفرد " يعني على السميع البصير هو الحق في كل سميع بصير له الأذن والحدقة ، وليس السمع والبصر الآلة إلَّا ، للحق ، وفيه التنزيه الحقيقيّ وإفراد الوجود الحق بالانفراد .
وقد ذكرنا في أوّل هذا الفصّ ما فيه غنية عن التكرار ، وقد جمع الله تعالى في كل شقّ من الآية تنزيها في تشبيه وتشبيها في تنزيه ، فكان كلّ منهما ذاتيا للحقيقة والعين وهو الحق ، فافهم والله الملهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : « لو أنّ نوحا دعا قومه بين الدعوتين لأجابوه فدعاهم جهارا ، ثمّ دعاهم إسرارا ، ثمّ قال لهم "اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه ُ كانَ غَفَّاراً ".
وقال : "إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً ".
قال العبد : نوح عليه السّلام أوّل المرسلين أرسله الله تعالى إلى قومه ، وهم بالله مشركون ، يعبدون ودّا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا ، وعن حجّة محجّة المعبود الحق الواحد خارجون .
فلمّا رأى الله الواحد الأحد ضلالهم عن الهدى ، واتّباعهم للهوى ، وأنّ في دعوتهم إليه وإجابتهم لدعوته كمالهم وبها يصلح في الدنيا والآخرة أحوالهم .
أقام نوحا عليه السّلام ليدلَّهم على أحدية العين ، ويصرفهم عن الإطراق إلى الفرق والبين ، بعبادة التعيّنات الجزوية التقييديّة ، الظاهرة من صور النسب الأسمائية وحجابيّاتها التعديدية ، لكنّ الواجب في العبادة هو الواحد الذي هو أصل الكثير ، فإنّ عبدة الكثير ما لهم من نصير ، إذ الواحد الحق هو موجد الكثرة في عينه الواحدة ، فالحق الواجب على الكثرة عبادة الواحد الحق .
لا عبادة الصنميّات و التعيّنات الاسمية ، فلا جرم كانت دعوته ودعوة جميع الأنبياء والرسل والأولياء إلى الله الواحد الأحد ، وكانت دعوة نوح عليه السّلام إلى الأحدية والتنزيه ، عن حجابيّات الكثرة وآلهة التشبيه ، لتصرف وجوههم عن صنميّات العدد ، إلى عبادة الواحد الأحد.
فوعدهم وأوعدهم بما وعد وأوعد والقوم عنه معرضون ، وبتكذيبه مصرّحون ومعرّضون ، وبسخط قهر الأحدية متعرّضون ، لكونهم في خصوص قابليّاتهم مظاهر حجابيّة صور الأسماء ، وعبدة صنميّات الأهواء .
فلمّا دعاهم إلى ما يباين شهودهم كلّ المباينة وهم لا يشعرون ، وندبهم إلى ما ينافي معهودهم ومعبودهم فيما يشهدون .
فاستكبروا استكبارا واستكثروا من أذيّته استكثارا ، فلو كانت دعوته عليه السّلام دعوة جامعة بين وحدة الذات وكثرة الأسماء والصفات بالانتزاح من فرق الكثرة في عين الواحدة إلى جمع الوحدة في عين الكثرة المعدّة كما هو الأمر في نفسه لأجابوه ، وما نفروا عنه ، ولا هابوه ، ولا عيّروه ، ولا عابوه ، لأنّ الكثرة ظاهرة في الشهود ، والوحدة باطنة في عين الكثرة والوجود ، فالكثرة على ظاهر الوحدة ، والوحدة في باطن الكثرة .
كبطون الواحد الأحد آخرا فيما يتناهى من العدد ، واشتمال الواحد على النصف والثلث والربع من النسب أوّلا قبل ظهور العدد فيما يتعدّد ، فلو دعاهم على مقتضى الشهود المحمدي الجامع ، لوقعت الإجابة بمقتضى الواقع ، وانقادت ظاهريّاتهم ظاهرا بمناسبة الكثرة الظاهرة التي هم في إظهارها إلى كثرة الأسماء المذكورة في الدعوة الواحدة المشهودة .
وانقادت بواطنهم الأحدية أيضا إلى الوحدة ، لوجود المناسبة المشكورة ، ولكنّه عليه السّلام دعاهم إلى باطن السرّ ، وهم في شهود الظاهر وحجابيّة الأمر ، فأثّرت فيهم دعوته الإجابة بالنقيض ، وأثار بضدّ مراده  من الآثار .
فوقعت الإجابة منهم في صورة النفار ، وحصل الإقرار في صورة الإنكار والاستكبار ، لأنّ مضمون دعائه ينفّرهم عمّا هم عليه ملبّون ، ولدواعيه مجيبون وملبّون ، وعلى عبادته مكبّون ، فوجد النفار عمّا إليه دعاهم وهم في إجابة ما استولى عليهم ، فأصمّهم عن غيره وأعماهم ، فلم تكن الدعوة إذن أيضا باطلة ، ومن الإجابة بالكلَّية عاطلة ، وقد دعاهم جهارا ، إلى ما يزيدهم نفارا .
وهم في عين سماع ما جهر به الاسم الإلهي الظاهر ، وأظهره من صنميّات المظاهر ، فإنّ العالم صورة الكلام الإلهي الرباني الذي تكلَّم به في عين النفس الرحماني ، جهر به فسمعه القائمون بظاهريات حجابيات كلامه فأجابوه بالفعل والذات مثل قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من مظاهر حجابيّات الكلمات والآيات ، الذين كانوا في عمارته وعبادته وتكميل أوضاعه وصورته وإسادته ، فأجابوا ظاهر دعوة الاسم الظاهر .
وكتابه المفصّل الفرقاني بظواهرهم ، وهم أهل الحجاب والكفر ، حجبوا عن الحق الواحد فيهم بالستر ، فستروا بكفر كثرتهم وجه أحدية الوجود ، وغلب عليهم الحال حال هذا الشهود ، فهم في عين الكشف محجوبون ، وفي الجهر مسرّون ، وفي عين الإقرار على صورة الإنكار مسرّون ، فما وفّوا المراتب حقّها على ما أراد الله من أمره ، و " ما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِه ِ "  فتوجّهت عليهم المؤاخذة والمطالبة الإلهية .
بإظهار الوحدة السارية في الكثرة الحجابية التي هم صورة تفصيلها الجمعية الظلالية ، فلو لا أنّ فيهم الجمعية ، لما طولبوا بما ليس فيهم ، و " لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلَّا ما آتاها "  ، وتوانيهم ، فلو كانت الدعوة جمعية أحدية بين الكشف والستر ، والإسرار والجهر من الأمر ، لأجابوه إلى ذلك بمناسبة الجمعية التي فيهم ، ولما وقع الدعاء بالواسطة وهم في عين إجابة داعي الأمر المقترن بالإرادة الذاتية من غير واسطة .
لا جرم شغلوا بظاهر الداعي عن باطن الواقعة ، واستغرقهم الأمر الذاتي الإلهي الذي أجابوا له بالذات ، وسمعوه ، وبادروا إليه بالفعل والحال ، وأطاعوه وتبعوه ، لأنّ الأمر كان بلا واسطة كونيّة ولا حجابيّة مثليّة ، بل بتجلّ عينيّ وأمر إرادي ، فأطاعوه بالفعل والحال والذات ، لأنّ الله تعالى لا رادّ لأمره ولا معقّب لحكمه في الكائنات .
فلمّا لم تؤثّر دعوة نوح جهرا إلى سرّ ، وكشفا إلى ستر ، وهو أيضا عنهم بحجابية المثلية مستور ، وبكشف ذلك الستر عنهم مأمور ، فأخذ يدعوهم إلى التوحيد إسرارا خاليا عن الجهر ، فكانت الدعوة إلى السرّ بالسرّ ، فلم تؤثّر فيهم ، لاستغراقهم عن البطن بالظهر ، فكفروا بما جاء به الأمر فجهروا بإيذائه ، وظهروا بردّ دعائه ، وكان من دعوته في المقام الثاني من الإسرار صيانة للأسرار عن الأشرار أن قال : " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " الذي كشف لكم حجابيّات الآيات المتلوّة عليكم من هذا الكتاب المسطور الفرقاني في حجابية تعيّنات سور النفس الرحماني في صور الكفر والستر على عين الكشف والجهر "إِنَّه ُ كانَ غَفَّارا".
فاكفروا بهذا الكفر وآمنوا بما فيه من الستر ، يغفر لكم ذنوبكم ، ويكشف عليكم عيونكم ، ويظهر غيوبكم ، فإنّه كإستار الحقائق ذواتكم في غيب عينه « كان الله ولا شيء معه » من كونه ، فلمّا أحبّ أن يعرف ويعرّف إليكم منكم وفيكم بما عرف ، غلب عليكم نور التجلَّي ، وبهركم ما وقر وقرّ فيكم من أسرار التدلَّي والتولَّي ، فانقلبت حقيقة التلقّي ، بصورة الإعراض والتوقّي ، فحجبتم بالنور عن النور .
وكذلك دأب غلبة الوضوح ، وشدّة الظهور تورث في نور الأبصار الضعيفة ظلمة الحجاب ، وتؤثّر صورة الحيرة والارتباك والارتياب ، فاستولت عليكم هذه الحالة في أوّل شرّتكم ، فحجبتم عن الوحدة الأصليّة  الأصلية المستورة في كثرتكم فكفرتموه بحجابيّاتكم وسترتموه بإنانيّاتكم ، فوجبت المجازاة بالستر والغفران ، في مقابلة ما وقع من الكفر والطغيان ، والانحراف عن حقيقة الاعتدال الوسطي إلى حجابيّة الظاهرية والإطراف بالعصيان ، حتى يستركم عن نادية كثرة الفرقان ، ويجمعكم بجنان الوحدة والجمع من القرآن ، فإنّ في ذلك من الكمال ، ما ليس في ظاهرية الجلال والجمال ، وذلك هو مجتمع الأنوار والضلال ، والأمان من الحيرة والضلال ، فلم يعرفوا ما بيّن وقال ، وبهتوا في النور عن الضلال والاستظلال .
فقال كما قال عنه سلام الله عليه : " إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً "  .
قال رضي الله عنه : « وذكر عن قومه أنّهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته  .
قال العبد : فلمّا لم يفهموا عنه لسانه ، ولكنّهم علموا من حيث لا يشعرون شأنه ، عدل نوح عنهم إلى ربّه ،.

فقال بلسان سرّه وقلبه : " إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي " ليالي الغيب وهم في غيبة عن عينهم العينيّ ، وحضور من شهود نورك العيني الغيبيّ ، فلم يجيبوا إلى عبادة وحدانيتك ، وهاموا في كثرة تنوّعات تجلَّيات نورانيتك ، في ملابس حجب ظلمانيّتك ، واشتغلوا بنادية ما استعلوا بعباداتهم من الصور الأسمائية التعيينيّة ، وحجابيّات الكثرة الصنميّة من عزّاهم ولاتهم .
"ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً" في عالم الشهادة إلى شهود الوحدانية نهارا ، والأحدية الجمعية عنهم مستورة سترا لا يقبل الشهود والظهور بالنسبة إلى أن استغرقوا في شهود الكثرة والعدد ، واستهلاك أحدية نور التجلَّي في ظلمة ما يتعدّد ، فلم يصدّقوا حجّتي ، وصرفوا عن قصد محجّتي ، ولم يجيبوا إلى دعوتي " فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " وأخذ بأسماعهم صمم الصلابة والغشاوة عن استماع ندائي ودعوتي ، وعقل ألسنة عقولهم عن الإقرار والإجابة لدعوتي ، ما سمعوا من الكلام الجهر الذاتي الإلهي بلا واسطة ثبوتي .
" وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ " ذنوبهم في عصيانهم وطغيانهم ، " جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ في آذانِهِمْ " وهي صور نعمك الجزوية الوجودية ، وأيادي أسمائك الفرعية الشهودية ، ومواهبك التفصيلية الجودية ، في محالّ استمتاع ما أدعوهم إليه من نعم المعاني الأحدية الجمعية وتظاهروا بملابس نعم الجود ، الظاهر الموجود " وَاسْتَغْشَوْا " خلع الكشف الحجابي والشهود ، واحتجّوا فيما احتجبوا من الحجاب ، واستغشوا ظاهرا بصور الثياب بأنّهم مغمورون بنور التجلَّي ، ومعمورون بما يتمكَّن لهم من التمتّع والتملَّي ، " وَأَصَرُّوا " على إلهتهم ، وصبروا على آلهتهم " وَاسْتَكْبَرُوا " في أنفسهم بما عندهم منك "اسْتِكْباراً " واستكثروا من الإفك استكثارا " وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا " ولا تدعنّ على ما تدعون ، وتدعون لود ودّا ، ولا يسوغ لكم أن تسعوا في ترك سواع ، وإلَّا فأنتم في خسار وضياع ، ولا يغوثكم يغوث .
و لا يعوقكم عن مطالبكم يعوق ، ولا يسرّكم من نسر يمن ويسر ، وإنّكم إن أجبتموه إلى ما يدعوكم  إليه من التنزيه والتوحيد ، لوجب عليكم القيام بموجب التقليد ، والقعود على قواعد التقييد ، وقبول الإقبال على التوحيد ، والإعراض عن القول بالكثرة والتعديد .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قوله رضي الله عنه : ( قال الله تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ "  فنزه ) علم أن الكاف زائدة للتأكيد أي مثله شيء أصلا بوجه من الوجوه ، ومعنى التأكيد أن المراد بالمثل من يتصف بصفاته ، كقولك :
مثلك لا يفعل كذا ، أي من يتصف بمثل صفاتك من غير قصد إلى مثل بل من يناسبك في الصفات ، وإذا انتفى عمن يناسبه كان أبلغ في الانتفاء ، فيرجع معناه إلى قولك أنت لا تفعل كذا لاتصافك بصفات تأبى ذلك ( " وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ "  فشبه ) لأن الخلق سميع بصير .
( قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ "  فشبه وثنى ) على أن الكاف ليست بزائدة والمثل النظير فنفى مثل المثل وأثبت المثل فشبهه به وقال بالتشبيه إن المثل آخر يماثله ( " وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزه وأفرد ) إذ تقديم الضمير وتعريف الخبر يفيد الحصر أي وحده السميع البصير دون غيره ، يعنى لا سميع ولا بصير إلا هو ، فنزه عن المثل وأفرد فشبه في عين التنزيه ونزه في عين التشبيه ليعلم أن الحق هو الجمع بينهما .
قوله رضي الله عنه : ( ولو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه ) معناه أن نوحا عليه السلام بالغ في التنزيه لإفراطهم في التشبيه ، وهم أثبتوا التعدد الأسمائى واحتجبوا بالكثرة عن الوحدة فلو لم يؤاخذهم بالتوحيد الصرف والتنزيه المحض وأثبت التعدد الأسمائى ودعاهم إلى الكثير الواحد والكثرة الواحدة .
وألبس الوحدة صورة الكثرة وجمع بين الدعوة التشبيهية والتنزيهية كما فعل محمد عليه الصلاة والسلام لأجابوه بما ناسب التشبيه من ظواهرهم لألفتهم مع الشرك وبما ناسب التنزيه من بواطنهم ، ولكن اقتضى حالهم من التعمق في الشرك القهر بالغيرة الإلهية ، فلم يرسل إليهم إلا ليباريهم ولا يداريهم ( فدعاهم جهارا ) إلى الاسم الظاهر وأحديته القامعة لكثرات الأسماء الداخلة تحته .
فلم يجيبوه بظواهرهم لغلبة أحكام الكثرة عليهم وإصرارهم بها (ثم دعاهم إسرارا ) إلى اسمه الباطن وأحديته الغامرة لكثرات الأسماء المنسوبة إليه ، لعل أرواحهم تقبل دعوتهم بالنور الاستعدادي الأصلي .
فلم يرفعوا بذلك رأسا لتوغلهم في الميل إلى الكثرة الظاهرة وبعدهم عن الوحدة الباطنة ، واستيلاء أحكام التعينات المظلمة الجرمانية عليها (ثم قال لهم : " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ " ) الواحد ليستركم بنوره عن هذه الحجب الظلمانية والهيئات الفاسقة ( "إِنَّه كانَ غَفَّاراً " ) كثير الستر لهذه الذنوب المربوطة .
وشكا إلى ربه لبعدهم عن التوحيد ومنافاتهم عن حاله ( وقال " دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا " ) إلى الباطن ( "ونَهاراً " ) إلى الظاهر ( " فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " ) لبعدهم عن التوحيد ونفارهم عما فيه ( وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته ) لأنهم فهموا بحكم ما غلب عليهم من الاحتجاب بالكثرة من الاستغفار الستر عما لا يوافقهم وينافي مقامهم وحالهم ودينهم من التوحيد الذي يدعوهم إليه ( لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته ) أي لما علموا بحسب اقتضاء حالهم ومقامهم أن إجابة دعوته في مقام التقييد الأسمائى . إنما يجب على هذه الصورة

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فنزه، "وهو السميع البصير" فشبه.
قال تعالى: "ليس كمثله شيء" فشبه وثنى، "وهو السميع البصير" فنزه وأفرد).
اعلم، أن (الكاف) تارة تؤخذ زائدة، وأخرى غير زائدة. فعلى الأول معناه التنزيه، لأنه نفى أن يماثله شيء بوجه من الوجوه، وقوله: (وهو السميع البصير) تشبيه، لأنهمايطلقان عليه تعالى وعلى غيره من العباد. وعلى الثاني معناه: ليس مثل مثله شيء. فشبه بالمثل في نفى المثل عن المثل، وثنى أيضا بإثبات المثل.
ونزه بقوله: (وهو السميع البصير). فإن السمع والبصر في الحقيقة لله لا لغيره. وفي علم الفصاحة والبلاغة مبين أن الضمير إذا قدم وخبره معرف باللام، يفيد الحصر.
كقولك: فلان هو الرجل. أي، الرجولية منحصرة فيه وليست لغيره. كذلك هاهنا.
أي، هو السميع البصير لا غيره. فيفيد حصرهما فيه، وهو الإفراد والتنزيه عن النقصان، وهو عدم السمع والبصر. وإنما جعل السمع والبصر في الأولتشبيها وفي الثاني تنزيها، ليجمع بين التنزيه والتشبيه، وهو مقام الكمال.
ولما كان السمع والبصر راجعين إلى الحق في مقام الجمع، قال: (وأفرد) ولم يقل: ووحد. تنبيها على أن فردانيته لا يكون إلا في عين الكثرة، لأن الفردية يشتملعليها ضرورة لكونه عددا، والوحدانية تقابلها .
(فلو أن نوحا جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، فدعاهم جهارا، ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: (استغفروا ربكم إنه كان غفارا).
وقال: (دعوت قومي ليلا ونهارا، فلم يزدهم دعائي إلا فرارا). ولما كانت هذه الحكمة في كلمة نوح ومرتبته، قال: إنه، عليه السلام، لو كان يجمع بين الدعوتين، أي لو كان يجمع في دعوته بين التشبيه والتنزيه كما جمع في القرآن بينهما، لأجابوه، لأنه لو أتى بالتشبيه، لحصلت المناسبة بينه وبينهم من حيث التشبيه، إذ كانوا مثبتين لأصنامهم الصفات الكمالية، لذلك قالوا: (وما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى). فجعلوهم من المقربين عند الله والمقربين لغيرهم، وأثبتوا لهم الشفاعة كما قالوا: (هؤلاء شفعاؤنا عند الله).
والتقرب من الله والشفاعة عنده لا يكون إلالمن له الصفات الكمالية. فلو أتى بالتشبيه لصدقوه وقبلوا كلامه أيضا في التنزيه.
ولكن دعاهم جهارا، أي، ظاهرا إلى الظاهر المطلق من حيث صورهم و ظواهرهم ليعبدوا الله بظواهرهم بالعبادات البدنية والإتيان بالأعمال الحسية.
ثم دعاهم إسرارا، أي، باطنا إلى الباطن المطلق من حيث عقولهم وروحانيتها ليعبدوا الباطن المطلق عبادة الملأ الأعلى والملائكة المقربين. فلما لم يقبلوا دعوته،لرسوخ المحبة للمظاهر الجزئية التي هي معبوداتهم في قلوبهم وبواطنهم، قال:
(استغفروا ربكم إنه كان غفارا). أي، اطلبوا منه سر وجوداتكم و ذواتكم وصفاتكم بوجوده وذاته وصفاته. فنفرت بواطنهم منه، لأن الأنفس مجبولة على محبة أعيانها، أو لعدم قدرتهم بأنفسهم على ذلك. فلما رأى النفور عنهم، قال:
(إني دعوت قومي ليلا ونهارا). أي، في العلانية. أو ليلا، في الباطن والغيب بالدعوة الروحانية، ونهارا، أي في الشهادة والظاهر بالدعوة الحاصلة بالقوى الجسمانية.
(فلم يزدهم دعائي إلا فرارا) من قبول الوحدة وشهود الحق المطلق الظاهر بصور الكثرة.
(وذكر نوح عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابةدعوته) أي، لما علموا أن إجابة دعوته واجبة عليهم، تصامموا وسدوا أسماع قلوبهم بعدم القبول لقوله.
كما قال: و (جعلوا أصابعهم في آذانهم.)


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «وهو السميع البصير» فنزه وأفرد.)
ثم استدل على أن كمال المعرفة في الجمع بين التنزيه والتشبيه مع أخذ كل منهما في الأخر؛ فقال: (قال تعالى: " ليس كمثله شيء" [الشورى:11]، فنزه)؛ لأنه نفي مثل المثل وإلا كان مثلا لمثله فلا يصح نفي مثل المثل مع تحقق المثل "وهو السميع البصير" [ الشورى:11]، (فشبه) بإثبات السمع والبصر له المناسبين لسمعنا وبصرنا من وجه فدل أول الآية على التنزيه وآخرها على التشبيه.
ثم أشار إلى أن عکس هذا أيضا مدلول الآية ليدل على أن كلا منهما في الآخر لا يفارقه؛ فقال: (قال تعالى: "ليس کمثله شيء [الشورى:11]، فشبه) بنفي مثل المثل بطريق دلالة المطابقة فدل على إثبات المثل، وهو صورته الظاهرة في المظاهر مع نفي المثل عنها بمعنى: أنه لا يماثلها صورة أخرى من كل وجه؛ لعدم تكرر التجليات مع عدم تناهيها، (وثنى) بجعل صورته الظاهرة مثلا له أي: مناسبا له لا متحدا معه بالنوع، فإنه محال (وهو السميع البصير [الإسراء: 1]، فنزه) بصيغة الحصر الدال على نفي السمع والبصر عن غيره.
(وأفرد) بأن كل سمع وبصر في الحقيقة راجع إلى سمعه وبصره؛ فسمع الحوادث وبصرها كصور المرآة لا حقيقة لها سوى ذي الصورة ففهم كل من التنزيه والتشبيه ، مما فهم منه الأخر بعد فهم كل منهما على حدة.
قال رضي الله عنه : (لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». و قال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
ثم أشار إلى أن أحدية الجمع والفرق بين التنزيه والتشبيه مخصوصة بالكمال المحمدي لم تكن في دعوة نوح عليه السلام, بل كان في دعوته التفرقة لفظا بإيراد كل منهما في ألفاظ مختلفة .
فقال: (لو أن نواحا جمع لقومه بين الدعوتين) التنزيه والتشبيه في لفظ واحد (لأجابوه)؛ لأنها بقوة نوريتها كانت تجذب أرواحهم عن متابعة النفوس برفع الحجب الظلمانية عنها إلى ما فاضت هي منه فتتبعها النفوس.
لكن غلب عليهم ظلمة نفوسهم عند كون دعوته تفريقيا في اللفظ فجذبتهم ظلمتها إلى السفل الذي هو مقرها. (فدعاهم جهارا) من حيث التشبيه لما فيه من مناسبتهم على ما هو عادة المناظرين في إرخاء العنان مع الخصوم في بعض المقدمات هي ليستدرجوهم بذلك إلى مطالبهم، (ثم دعاهم إسرارا) من حيث التنزيه لما رآهم يصرون على الكفر عند الدعوة التشبيهية.
(ثم قال: "فقلت استغفروا ربكم" [نوح:10])، أي: اطلبوا منه ستر ظلمات نفوسكم ("إنه كان غفارا" [نوح:10])، إن طلبتم منه ذلك ليتيسر لأرواحكم الصعود إلى ما فاضت هي منه.
ثم أشار إلى تفرقة أخرى في دعوته بين الظاهر والباطن؛ فقال: (وقال: "قال رب إني دعوت قومي ليلا" [نوح: 5])، أي: إلى الباطن من حيث ظهوره في العقول والأرواح
("ونهار" [نوح: 5])، أي: إلى الظاهر من حيث ظهوره في صورهم وجثثهم ("فلم يزدهم دعائي إلا فرارا" [نوح: 6])، عن الله إلى نفوسهم المظلمة لعجزهم عن رؤية الجمعية الإلهية في صورة التفرقة التي كانت في هذه الدعوة بحسب اللفظ، ولكنها لما كانت جمعية بحسب الحقيقة، أثرت في أرواحهم فأفادتهم من المعرفة ما علموا به، وجوب إجابة دعوته كما أشار إليه بقوله: (وذكر) نوح (عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته)؛ لاشتمالها على الجمع بين التنزيه والتشبيه في الحقيقة، وإن كانا على سبيل التفرقة في اللفظ، وإذا كانت دعوة جمعيته في الحقيقة تفريقية في اللفظ كانت مؤثرة في التفريق من وجه، والتغير من آخر.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه. وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه وثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».
وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
ثمّ لما أشار إلى أن الجامع هو الإمام السيّد ، بيّن ذلك بقوله : ( وقال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِ شَيْءٌ " فنزّه ) بناء على ما تقرّر في فنون البلاغة أنّ انتفاء أمر عمّا يماثل الشيء يدلّ على انتفائه عنه بأبلغ وجه وأتمّ قصد ، كما يقال للجواد : « مثلك لا يبخل » لا على أنّ الكاف زائدة ، فإنّ أصول التحقيق يأبى ذلك   .
قال الشيخ رضي الله عنه : (" وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فشبّه) لأنّه من أوصاف العبد ، وهذا هو الجمع بين التنزيه والتشبيه على ما أشار إليه .
ولمّا كان مقتضى الكلمة المحمّديّة والقرآن الختمي أعلى من ذلك وهو التشبيه في عين التنزيه  ، والتنزيه في عين التشبيه قال : ( قال تعالى : " لَيْسَ كَمِثْلِه ِشَيْءٌ " فشبّه وثنّى ) إشارة إلى ذلك ، وذلك لأنّ النفي إذا كان متوجّها إلى مثل مثله ، يدلّ على ثبوت المثل بالضرورة وعلى ثنويّة الموجود ، ويلزمه التشبيه في عين التنزيه ، والكثرة في نفس الوحدة .
وأمّا عكسه فيستفاد من قوله : ( " وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " فنزّه وأفرد ) وذلك من الحصر الدالّ عليه بخصوصيّة تركيبه ، وبديع نظمه وترتيبه .
فلئن قيل : أما صرح في نظمه أنّ الجمع بين التثنية والتشبيه ، والإفراد والتنزيه ممّا يحترز عنه في الاعتقاد ؟
قلنا : إنّه من خصائص القرآن الختميّ والاعتدال الحقيقيّ الجمعيّ أنّه قد التئمت الأضداد لديه وتعانقت فيه ، حيث لا يبقى للغير والسوي هناك عين ولا أثر ، كما قيل   :
تعانقت الأطراف عندي وانطوى   .... بساط السوي عدلا بحكم السويّةفتأمّل .
ثمّ إنّ الإنسان من حيث هو هو إنّما يقتضي بحسب قبوله الذاتي هذا النوع من الكمال ، ولما كان زمان بعثة نوح عليه السّلام ما كان أوان ظهور ذلك الكمال ، بل حكم قهرمان الأمر فيه اختفاؤه ، ما أجاب قوم نوح له ( ولو أنّ نوحا جمع لقومه بين الدعوتين ) على ما هو مقتضى قابليّتهم الأصليّة ( لأجابوه ) .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فدعاهم " جِهاراً " ) [ 71 / 8 ] في مظاهر الصور ومواطن التشبيه تنزّلا إلى درك إدراكهم (ثمّ دعاهم ) بكلمته المبعوثة في زمانهم على لسانهم ( " إِسْراراً " ) [ 71 / 9 ] في مكامن المعاني ومسالك التنزيه ، تسليكا لهم إلى مراقي كمال حقيقتهم .
ثمّ إنّه لما شاهد منهم التصامم والتقاعد عن دعوته إيّاهم ، وعرف ممّا نوّر عليه من مشكاة نبوّته أنّهم إنّما عملوا ذلك لما في قوّة قابليّتهم من طلب القرآن الكماليّ الذي هو غاية حقيقتهم النوعيّة ، وعرف أيضا أنّ كلمته النوحيّة المبعوثة في زمانه ذلك على ألسنة قومه إنّما يفصح عن التنزيه الفرقاني ، وذلك هو الذي عليه كلمتهم ولسانهم في زمانهم .
فاقتضى ذلك أن يعتذر عن نفسه فيما صدر عنه من الإخفاء والفرقان ، فأشار إلى ذلك الاعتذار المترتّب على عرفانه بما رأى منهم بقوله : ( ثمّ قال لهم " اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّه ُ كانَ غَفَّاراً " ) [ 71 / 10 ] أي أمرهم بالستر لربّهم في صور الشعائر الشرعيّة ، إنّه قد بالغ في ستره نفسه ، على ما هو مقتضى بعثته ومؤدّى رسالته ونبوته .
ثمّ لمّا بلَّغ ما كان له أن يعبّر عنه لسان رسالته وما أنزل إليه أن يعلَّمهم به ويوقفهم عليه ، وشاهد منهم ما شاهد من النفار والفرار ، جاء يعرض ذلك أداء لحق التبليغ .
فلئن قيل : إذا كان نوح عارفا بالأمر على ما هو عليه من مشكاة نبوّته .
وعلم أنّ عدم إجابتهم دعوته إنّما هو لما في جبلَّتهم من طلب القرآن الكماليّ الجمعيّ ، وكان الأنبياء مبعوثين لتكميل أممهم ، فما سبب توقّفه في إبلاغهم القرآن الكمالي مع طلبهم إيّاه ؟
قلنا : إنّ الأمم وإن كان متوجّه طلبهم الأصليّ ذلك الكمال القرآنيّ .
ولكن لهم بحسب نشأتهم الطارية على أصلهم ألسنة بها يتدرّجون إلى مراقي فهمه ،والأنبياء مبعوثون بحسب تلك الألسنة ، فإنّ كل نبيّ إنّما أرسل بلسان قومه.
ولذلك وقف نوح موقف الاعتذار عن قومه ( و" قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهاراً . فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً " ) [ 71 / 6 ] ، أي ما رضوا بذلك ولا قنعوا بما بلَّغتهم من الدعوة الفرقانيّة ، لما في جبلَّتهم من الأهليّة للجمعيّة القرآنيّة الكماليّة ، بحسب قابليّتهم الأصليّة .
وإذ قد علم أنّ مقتضى تبليغه ومؤدّى أحكام رسالته إنّما هو الستر ، وما صدر عن قومه من الفرار عن دعوته وعدم السماع لها كلَّه يستلزم ذلك .
فهم أجابوه فعلا في صورة الإباء والإعراض ، أظهر ذلك أيضا ( وذكر عن قومه أنّهم تصامموا عن دعوته ، لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته ) أي هم علموا بحسب استعدادهم الأصلي أنّ الذي يجب عليهم في هذه الدعوة ، هو هذا النوع من الإجابة ، وهو الذي في صورة الإباء ، حتّى يعلم أنّهم ما قنعوا بهذا القدر من العرفان ، ولهم استيهال ما وراء ذلك من الكمالات المدّخرة لنوعهم .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «وهو السميع البصير» فشبه.
وقال تعالى «ليس كمثله شي ء» فشبه و ثنى، «و هو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه: فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا». وقال: «دعوت قومي ليلا و نهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». وذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته.)
قال رضي الله عنه : "و قال تعالى «ليس كمثله شيء» فشبه وثني، «وهو السميع البصير» فنزه و أفرد. لو أن نوحا عليه السلام جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه : فدعاهم جهارا ثم دعاهم إسرارا، ثم قال لهم: «استغفروا ربكم إنه كان غفارا».  وقال: «دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا». و ذكر عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته. فعلم العلماء بالله ما أشار إليه نوح عليه السلام في حق قومه من إجابة دعوته. " 
قال رضي الله عنه : (قال: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] فنزه) . على أن تكون
وقال رضي الله عنه: ("وهو السميع البصير" فشبه) بإثبات السمع والبصر له كما أنهما ثابتان للخلق فيكون تشبيها. (قال تعالى: "ليس كمثله  شيء" فشبه وثنى)، أي حكم بالاثنينية على أن تكون الكاف غير زائدة فيفيد إثبات المثل وتثنية الحق به .
وقال : ("وهو السميع البصير" فنزه)، حيث حصر السمع والبصر فيه فلا تشابهه الخلق فيهما (وأفرد)، أي حكم بتفرده بهما (فلو أن نوحا) عليه السلام (جمع لقومه بین الدعوتين) دعوتي التنزيه والتشبيه كما في هذه الآية ولم يقتصر على الدعوة إلى التنزيه الصرف أو التشبيه الصرف (لأجابوه) لمناسبة بواطنهم التنزيه وظواهرهم التشبيه .
لكنه لم يجمع بينهما بل فرق (فدعاهم جهارا) إلى الاسم الظاهر والتشبيه (ثم دعاهم أسرار) إلى الاسم الباطن والتنزيه فلم يجيبوه لما سيشير إليه الشيخ رضي الله عنه .
(ثم قال : "استغفروا ربكم") ، أي اطلبوا منه ستر وجوداتكم وذواتكم وصفاتكم
بوجوده وذاته وصفاته ("إنه كان غفارا") [نوح : 10]. كثير الستر لهذه الذنوب وشكى الى ربه ("قال رب إني دعوت قومي ليلا") من حيث حقائقهم الباطنة إلى التنزيه ( "ونهارا" ) [نوح :5] من حيث حقائقهم الظاهرة إلى التشبيه ("فلم  يزدهم دعائي إلا فرارا" ) [نوح: 6] ويفروا مما دعوتهم إليه.
(وذكر) نوح عليه السلام عن قومه أنهم تصامموا عن دعوته إلى التنزيه حيث جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم (لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته) فتصامموا عنها لئلا يجب عليهم إجابتها.
وكان هذا العلم حاصلا لهم بحسب فطرتهم الأصلية وإن لم يعملوا بما اقتضاه لغلبة الظلمة الحجابية عليهم .

.
واتساب

No comments:

Post a Comment