Saturday, July 13, 2019

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثالث فص حكمة سبوحية فى كلمة نوحية الفقرة السابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

03 - The Wisdom Of Exaltation In The Word Of NOAH

الفقرة السابعة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : ( (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
(فالكل)، أي جميع الصور (ألسنة) جمع لسان الحق سبحانه وتعالى على معنى أنه المتصرف بها فيما يريد إظهاره من علمه بمنزلة اللسان للإنسان (ناطقة بالثناء)، أي المدح (على الحق) تعالى، فهو الشكور يشكر نفسه بنفسه (ولذلك قال) سبحانه حامدا نفسه بنفسه (" الحمد لله رب") [الفاتحة: 2]، أي مالك ومدبر أمور جميع ( "العالمين") من كل نوع من أنواع الحوادث (أي إليه) سبحانه وتعالى (ترجع) من جميع العالمين (عواقب)، أي غايات (الثناء)، أي المدح فكل محمود في العالمين عاقبة الحمد الذي حمد به راجعة إليه سبحانه لكونه هو المنعم الحقيقي والكامل الحقيقي على الإطلاق (فهو تعالى (المثنی) بألسنة الأكوان أي المادح (و) هو أيضا (المثنى عليه)، أي على الممدوح بجميع المدائح.
ثم قال رضي الله عنه من نظمه في هذا المقام (فإن قلت: يا أيها الإنسان بالتنزيه) للحق تعالی فقط، أي التقديس والتسبيح عما أدركت بالفعل والحس من غیر تشبيه له تعالی بما أدركت بالعقل والحس (کنت مقيدا) له تعالى، لأن التنزيه قيد والمقصود رفع القيود.
(وإن قلت بالتشبيه) في حقه تعالی يعني أن يشبه شيئا مما أدركت بالعقل أو الحس (کنت محددا) للحق تعالى، أي حاصرة له في حد أي تعريف عقلي، واللله سبحانه وتعالى يستحيل في حقه ذلك (وإن قلت بالأمرين)، أي بالتنزيه مع التشبيه وبالتشبيه مع التنزيه، بحيث يكون الحق تعالی عندك موصوفة بهما معا، ويلزم من ذلك ارتفاعهما فيثبت الإطلاق الحقيقي وهو المراد في حقه تعالى ولهذا قال :
(کنت مسددا)، أي محفوظة من الخطأ والزلل (وكنت إماما)، أي مقتدی بك (في المعارف) الإلهية والحقائق الربانية (سيدا) تسود قومك بالعلوم والفضائل في الدنيا والآخرة.
(فمن قال بالإشفاع) بكسر الهمزة مصدر لشفع الواحد إذا جعله شفعة أي اثنين، يعني من قال بالتنزيه فقط أو قال بالتشبيه فقط فقد أشفع الواحد .
فجعله اثنين ففاته توحيده الذي يدعيه، وذلك فإن من قال بالتنزيه فقط فقد اعتقد بأنه تعالى منزه بتنزيهه ذلك والله تعالى منزه لا بتنزيه أحد، فمتى كان منزهة بتنزيه أحد عند أحد فقد أشفع ذلك المنزه، أي جعله اثنين بتنزيهه ذلك.
على معنى أنه اخترع منزها آخر معه وكذلك من قال بالتشبيه فقط فقد اخترع إلها آخر مشبها فأشفع الإله الواحد الحق ومن أشفع الإله الواحد الحق (كان مشركا) بكسر الراء مشددة ، أي ناسبا الشركة إلى الحق تعالى في الألوهية .
(ومن قال بالإفراد)، أي إفراد الحق تعالی بما هو عليه من الأزل لا يحكم عليه بالتنزيه فقط، ولا يحكم عليه بالتشبيه فقط بل أبقاه على ما هو عليه من الانفراد بما لا يعلمه إلا هو، وعبده بوصفه له بما وصف به نفسه في كتابه وعلى ألسنة رسله عليهم السلام، من تنزيهه مع تشبيهه وتشبيهه مع تنزيهه.
فكان حاكيا لا متحكما و متبعا لا مخترعا (كان موحدا) له سبحانه وتعالى بالتوحيد الصحيح من غير شائبة شرك.
(فإياك) يا أيها الإنسان (والتشبيه) الله تعالی فقط من غير تنزيه يشوبه فيزيل تقييده (إن کنت ثانيا) في زعمك للواحد الحق الذي أنت وعملك الباطل والظاهر صادر عنه فإنه لا ينفعك حينئذ إلا تنزيهك من داء التشبيه (وإياك) أيضا (والتنزيه) الله تعالی فقط من غير تشبيه يشوبه .
فيزيل منه التقيد الذي فيه (إن كنت) في اعتقادك (مفردا) بكسر الراء لله تعالى وأنت وعملك في بصيرتك داخل تحت قدرته محسوب من جملة أفعاله، فإنه لا يكشف لك عن حقائق تجلياته إلا تشبيهك وينفعك من داء تنزيهك.
فما أنت يا أيها الإنسان من حيث ذاتك المعروفة [وفيه لك] وصفاتك المفهومة منك وأسماؤك الظاهرة بك وأفعالك الصادرة عنك وأحكامك المشهودة فيك (هو)، أي الحق سبحانه وتعالى، لأنه غيب عنك وأنت شهادة لنفسك، فالذي نشهده منك ليس هو الحق الغائب عنك (بل أنت) من حيث ذاتك المجهولة لك وصفاتك المستورة عنك وأسماؤك المحجوبة فيك وأفعالك التي جميع ما تعرفه منك صادر عنها.
وأحكامك التي كل أمر ونهي واقع عليك وارد لك منها (هو)، أي الحق تعالی، لأنه غيبك وأنت شهادته فما ظهر منك لك فهو أنت وما غاب منك عنك فهو هو وأنت صورته عندك لا عنده وهو صورتك عنده لا عندك .
(وتراه)، أي تشهده بعين بصيرتك (في عيون)، أي حقائق (أمور)، أي أحوال وشؤون تظهر لك منك (مسرحا) بفتح الراء أي مطلقا من غير تقييد (ومقيدا) بصيغة اسم المفعول، فإذا نطقت وجدته عین نطقك بعد رفع ما أدركته من نطقك وهذا الإسراح أي الإطلاق، وقبل رفع ما أدركته من نطقك هو التقييد.
وهكذا إذا مشيت وإذا أكلت وإذا شربت وما أشبه ذلك، وأنت ضابط ببصيرتك إطلاقه الحقيقي المبرأ من التنزيه والتشبيه (قال) الله تعالى ("ليس كمثله")، أي كذاته أو صفاته ("شيء") مما هو صورته عندنا.
(فنزه) نفسه بنفسه (وهو) سبحانه وتعالى (السميع) الموصوف بالسمع فلا سمیع غيره، لأن تعريف الطرفين يفيد الحصر وهو (البصير) أيضا ، أي الموصوف بالبصر فلا بصير غيره (فشبه) نفسه بنفسه حيث أخبر أنه كل سميع وكل بصیر.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : (فالكل) أي جميع الموجودات (السنة الحق) محددة معرفة الحق (ناطقة بالثناء على الحق ولذلك) أي ولأجل أن الكل ألسنة الحق (قال الحمد رب العالمين أي إليه يرجع عواقب الثناء نهر المثني) من كل ألسنة (والمثنى عليه) بكل ألسنة فهو المثني على نفسه بلساننا لا نحن لأن لساننا لسانه وليس لنا لسان في الحقيقة حتى أثني عليه إذ استناد كل شيء ينتهي إليه.
(شعر : فإن قلت بالتنزيه) أي إن وقفت عند تنزيهك (كنت مقيدا) لله تعالى بالأمر العدمي (وإن قلت بالتشبيه کنت محددا) للحق بالصفات الثبوتية (وإن قلت بالأمرين) أي التنزيه والتشبيه (كنت مسددا).
أي ظفرت طريق الهداية (وكنت إماما في المعارف سیدا) لأجل تصديقك الرسل في كل ما جاؤوا به .
(فمن قال بالإشفاع) أي فمن ثبت عند التشبيه (كان مشركا) أي جعل غير الحق شريكا معه في وصفه وقد ذهل عن وحدة الحق الواجب علمها (ومن قال بالإفراد) أي ومن وقف عند التنزيه (كان موحدا) أي فقد جهل بكثرة أسمائه وصفاته فما عرف الحق حق معرفته.
ولما بين حال صاحب الجمع وحال المنزه والمشبه وكان المنزه فقط والمشبه فقط خارجا عن طريق الرسل حذر السالكين فقال : (وإياك والتشبيه إن کنت ثانيا) أي إن وصفت بصفات ثبوتية (وإياك والتنزيه إن كنت مفردا)
بكسر الراء أي لم تثبت معه غيره ثم رجع إلى بيان جمع التنزيه والتشبيه في أنفسنا فقال
(فما أنت هو) بتنزيه الحق عنك بسلب نفسك عنه من حيث بإمكانك وإحتياجك إليه (بل أنت هو) من حيث حقيقتك لأنك مخلوق على صفة الله تعالى: (وتراه) أي وأنت ترى الحق (في عين الأمور) أي في ذوات الأشياء (مسرحا) أي مطلقة (ومقيدا) أي منزها ومشبها بعين ما ترى في نفسك.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
ولذلك قال: "الحمد لله رب العالمين" (الفاتحة: 2) أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه.
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وإن قلت بالتشبيه كنت محددا وإن قلت بالأمرين کنت مسددا وكنت إماما في المعارف سیدا .
فمن قال بالإشفاع كان مشركا . ومن قال بالإفراد كان موحدا فإياك والتشبيه إن کنت ثانيا . وإياك والتنزيه إن کنت مفردا. فما أنت هو بل أنت هو وتراه في عين الأمور مسرحا ومقيدا.
قلت: بالغ الشيخ في التصريح بهذا المعنى وأكد فيه وبين أن الإنسان إذا أثنى على عقله ونفسه، فهو نظير تسبيح العالم الكبير ربه، تبارك وتعالى.
ولكن لا تفقهون تسبيحهم لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور. وهذا واضح وأبيات الشعر مفهومة المعنى مما ذكر.
ولذلك قال: و افرد و بالإفراد يقع التنزيه فلذلك قال فنزه وافرد.
قوله: ولو أن نوحا، عليه السلام، جمع لقومه بين الدعوتين لأجابوه، يعني أن محمدا رسول الله جاء بالدعوتين: التنزيه والتشبيه، وهذا مبني على ما قرر من مفهوم قوله تعالى: "ليس كمثله شيء " فإنه عين حمل الآية على الأمرين معا، فجمع نبينا، عليه الصلاة والسلام، في دعوته.
وأما نوح، عليه السلام، فذكر رضي الله عنه : أنه ما جمع لهم وسنبين كيف ذلك .
وهو قوله:  فدعاهم جهارا، أي إلى التشبيه الذي تقدم ذكره لأنه الظاهر فناسب أن يقال في الدعاء إليه جهارا.
قال:  ثم دعاهم أسرارا، أي إلى حضرة التنزيه الذي تقدم ذكره أيضا لأنه الباطن فناسب أن يقال في الدعاء إليه أسرارا.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه :(فالكلّ ألسنة للحقّ ناطقة بالثناء على الحق . ولذلك قال : الحمد لله ربّ العالمين . أي إليه يرجع عواقب الثناء ، فهو المثني والمثنى عليه ») .
فقوله رضي الله عنه : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ " ثناء من الحق على نفسه بألسنة العالمين ، أو ثناء العالمين على الله بألسنة الحق ، أو ثناء الحق على الحق بألسنة الحق من كونه عين العالمين ومن كون العالمين عين الوجود الحق المتعيّن في أعيان العالمين ، فثناء من العالمين على الحق أو على العالمين من بعضه لبعض ، فتدبّره إن شاء الله تعالى ، فإليه يرجع عواقب الثناء ومصير المحامد على كل وجه .
قال الشيخ رضي الله عنه شعر :
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيّدا ......     وإن قلت بالتشبيه كنت محدّدا
وإن قلت بالأمرين كنت مسدّدا   ...... وكنت إماما في المعارف سيّدا
قال العبد أيّده الله به : قد أسلفنا أنّ تنزيه الحق عن أشياء وأمور تقييد ، وتمييز عمّا هو له وتجريد ، وأنّ تشبيه ما لا حدّ يحيط به تحديد ، وتعميم الحكم بوصفه بالجمع بينهما على وجه الإطلاق تعريف كامل وتوقيف شامل عند أرباب الوحدة والتوحيد ، وأصحاب الجمع والوجود والتفريد ، لأنّه عدم الحصر في الأمرين ولا في الجمع بين الطرفين .
والعارف المعرّف للحقّ بأحدية جمع الجمع هو الإمام الذي يصف كلّ واحد من الطرفين بما يخصّه ، ويسدّد النظر إلى الحقيقة بكل ما للطرفين من غير تمييز وتعيين وتنقيص ، فهو الفائز بالحسنيين والحائز للمعنيين ، فله السيادة في المعارف على الفريقين ، لكونه جامعا بين المعرفتين .
ولا يقال : إنّ الجامع بين التشبيه والتنزيه يكون محدّدا أو مقيّدا بالجمع بينهما ، لأنّ الجامع غير حاصر في أحدهما معيّنا ، ولا مطلقا غير معيّن كذلك ولا فيهما ، بل جمعه إطلاق الأمر عن الحصر في التنزيه والتشبيه والجمع بينهما ، فهو تنزيه بالإطلاق عن حصر تقييد التنزيه وتحديد التشبيه ، فافهم .
قال رضي الله عنه [ شعر ] :
فمن قال بالإشفاع كان مشرّكا   ..... ومن قال بالإفراد كان مفرّدا
يعني - رضي الله عنه - : صاحب شهود الشفع ، وهو الذي يرى حقا وخلقا ، وينزّه الحق عن الخلق ، مثبتا وجودين اثنين ، فهو ثنويّ مشرك قد أشرك الخلق بالحق في الوجود ، وعلى هذا المشرّك - بتشديد الراء - مثبت الشريك.
وقد يؤخذ اشتقاقه من الشرك ، وهو الحبالة ، ويكون حينئذ بمعنى المقيّد للوجود بالإشراك في الشفعية والحقيّة بالخلقية ، وهي الزوجية من العدد ، فهو جاعل للحق ثاني اثنين ، وذلك كفره أي ستره للوحدة الحقيقية بالشفعية العددية الاعتبارية . ومن أفرد بالتنزيه . 
وقال : الشفعية والزوجية للعدد ، والحق يتعالى عن المعدود والعدد ، فقد ميّزه أيضا عن التعديد والعدد ، وأخرجه عنه مع إثباته في الوجود ، ووقع من حيث لا يشعر في عين ما وقع صاحبه المشبّه ، لأنّ كلَّا منهما أثبت ثانيا للحق في الوجود كذلك ، وحيث أخرج الحقّ عن الوجود في عدد الشفع .
فهو كمن قال : إنّه ثالث ثلاثة من حيث لا يدري ، أو رابع أربعة ، لأنّ العدد إمّا زوج أو فرد ، فباعتبار أوّل عدد زوج كان ثالث الثلاثة ، وباعتبار أوّل عدد فرد كان رابع الأربعة.
وإن قال : إنّه ثالث اثنين أو رابع ثلاثة - على أنّه هو الموجود وحده مع اعتبار اثنين عدميّين ما لهما وجود ، أو ثلاثة كذلك - فلم يشرك ولم يكفر ، بل وحّد على الحقيقة .
قال رضي الله عنه شعر :
فإيّاك والتشبيه إن كنت ثانيا    ..... وإيّاك والتنزيه إن كنت مفردا
يعني رضي الله عنه  : إذا قلت بوجود الاثنينية في الوجود بأن تقول : وجود مطلق ، ووجود مقيّد  فلا تشبّه المطلق بالمقيّد ، وإلَّا كنت محدّدا للمقيّد بحدّ المطلق وبالعكس .
وإن قلت بإفراد الوجود للحق فلا تنزّهه ، لأنّ الحق الذي ليس معه شيء لا يتنزّه عن نفسه ومقتضى ذاته ، وما ثمّ غيره ، ثمّ التقييد والإطلاق نسبتان - كما علمت - ذاتيتان لوجود الحق ، فهو لا يتنزّه عن مقتضى ذاته .
قال رضي الله عنه شعر :
فما أنت هو ، بل أنت هو وتراه في    ..... عين الأمور مسرّحا ومقيّدا
يعني رضي الله عنه : اعلم : أنّ وجود الحق وهويّته كناية عن غيبه ولا تعيّنه الذي لا يتعيّن في كلّ تعيّن ، ولا يشهد .
و« أنت » كناية هو عينه المتعيّن في عيان الشاهد ، فنفيه رضي الله عنه « أنت » عن « هو » نفي تقييد التعيّن عن إطلاق الوجود الحقّ من حيث هما كذلك ، وإثباته رضي الله عنه « أنت » عين « هو » من حيث حقيقة الوجود الذي هو في المطلق مطلق وفي المقيّد مقيّد .
فالوجود هو من حيث إطلاق هويّته تعالى ينتفي تقييد التعيين عنه ، وهو من حيث الحقيقة والعين عين للكلّ ، فتارة يوضع المطلق ويحمل عليه المقيّد ، وبالعكس يوضع المقيّد ويحمل عليه المطلق ، وتارة ينفى كلّ منهما عن كلّ منهما باعتبارين مختلفين ، وهو من حيث الهويّة التي هي عين المطلق والمقيّد في الشهود - مطلق في الإطلاق والتقييد ، فالمقيّد هو الاسم « الظاهر » وهو العالم والخلق ، والمطلق هو الباطن الحقّ ، وحقيقة الوجود الحقّ وهويّته فيهما عينهما ، تعاليت وتباركت .
فـ « تراه في » ، يعني رضي الله عنه : في الحقيقة المحمدية البرزخية الجامعة بين الاسم الظاهر والاسم الباطن « عين الأمور » كلَّها « مسرّحا » مطلقا حقّا و « مقيّدا » خلقا ، لأنّ « أنت » و « أنت » و « هو » و « هي » و « نحن » وكاف المخاطب ، وتاءه ، وياء المخاطب المتكلَّم ، كلَّها كنايات عن عين واحدة ما ثمّ غيرها ، ظهرت في مراتب هي مقامات بطونه وظهوره ، ومرائي تجلَّيات نوره ، ومجالي تعيّناته في صور شؤونه وأموره وهويّة العين واحدة في الكلّ ، هو الأوّل الباطن ، والآخر الظاهر .
في الفرع والأصل ، فالحقيقة المتعيّنة في إنّيّة « أنت » عين المتعيّن في هويّة « هو » بحقيقتها وعينها ، ولكنّ الخلق من كونه خلقا غير الحق من كونه حقّا ، وكذلك الظاهر من كونه ظاهرا ما هو الباطن من كونه كذلك . فافهم .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : ( فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق ولذلك قال – " الْحَمْدُ " ) أي الثناء المطلق من كل واحد على التفصيل ( " لِلَّه رَبِّ الْعالَمِينَ " ) أي الموصوف بجميع الأوصاف الكمالية رب الكل بأسمائه باعتبار أحدية الجمع ( أي إليه ) باعتبار الجمع ( يرجع عواقب الثناء ) التفصيلي (فهو المثنى ) تفصيلا ( والمثنى عليه ) جمعا قوله نظما :
( فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا   ...... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا  ...... وكنت إماما في المعارف سيدا)
نتيجة لما ذكره ، فمن علم مقدماته علم معناه
( فمن قال بالإشفاع كان مشركا، ومن قال بالإفراد كان موحدا )
أي من قال بالاثنين وأثبت خلقا مباينا للحق في وجوده ، كان مثبتا لشريك له في الوجود قائلا بمتماثلين في الوجود مشبها .
ومن قال بأنه فرد لا يلحقه التعدد وأفرده من جميع الوجوه وجرده عن كل ما سواه وأخرج عنه التكثر للتنزيه ، فقد جعله واحدا منزها عن الكثرة مقيدا بالوحدة ، وقع بالشرك كالأول من حيث لا يشعر ، إذ التعدد والتكثر موجود فقد أخرج بعض الموجودات عن وجوده وثبت التماثل ، ولذلك قال : " فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا "
أي إن كنت مثنيا للخلق مع الحق فاحذر التشبيه ، بأن تثبت خلقا غيره بل اجعل الخلق عينه بارزا في صورة التقييد والتعين " وإياك والتنزيه إن كنت مفردا "
أي وإن لم تثبت الخلق معه ، فلا تجرده عن التعدد حتى يلزم وجود متعددات غيره ، لغلوك في التنزيه فتقع فيما تهرب منه أو تعطله فتلحقه بالعدم ، بل اجعله الواحد بالحقيقة الكثير بالصفات ، فلا شيء بعده ولا شيء غيره ، واجعله عين الخلق محتجبا بصورهم ، وهذا معنى قوله قدس الله سره .
"فما أنت هو بل أنت هو وتراه في  ..... عين الأمور مسرحا ومقيدا "
لأن أنت حقيقة بقيد الخطاب أي بكونها مخاطبا وهو تلك الحقيقة مقيدة بقيد الغيبة ، ولا شك أن المقيد بقيد الخطاب غير المقيد بقيد الغيبة ، بل أنت من حيث الحقيقة عين هو باعتبار التسريح والإطلاق ، وتراه في عين الأمور ، أي في صور أعيان الأشياء مقيدا بكل واحد منها مسرحا ، أي مطلقا بكونها في الكل إذ الحقيقة في صور الكل واحدة ، وكل مقيد عين المقيد الآخر وعين المسرح .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
كما قال الشيخ رضي الله عنه : (ولا يحيطون بشئ من علمه إلا بما شاء). أي، لأنا لا نحيط بما في العالم من الصور النوعية التي هي الملكوت في الأجسام وهي الناطقة والمسبحة لا غير.
(فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق، ولذلك قال: (الحمد لله رب العالمين).
أي، إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثنى والمثنى عليه.
لما أسند الثناء والحمد إلى صور العالم وبين أن الحق روحها وليس المتصرف في الصورة إلاالروح، أنتج منها أن صور الكل ألسنة الحق، إذ باللسان يظهر النطق.
والناطق والحامد هو الحق يثنى ويحمد بنفسه على نفسه في مقام تفصيله، كما حمد وأثنى على نفسه في مقام جمعه بقوله: (الحمد لله رب العالمين) وفيه إشارة إلى أن الحمدفي هذا المقام أيضا إنما هو باعتبار أعيان العالمين، لأن ربوبيته يقتضى المربوبين.
فإليه يرجع عواقب الثناء، أي، إذا حققنا الأمر، وجدنا أن الثناء منته إليه، بمعنىأنه هو الذي يثنى في هذه الألسنة على نفسه وهو المثنى عليه بالحقيقة، فهو المثنى والمثنى عليه، لا غير شعر:
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا وإن قلت بالتشبيه كنت محددا) ظاهر مما مر.
(وإن قلت بالأمرين كنت مسددا وكنت إماما في المعارف سيدا )
أي، إذا قلت بالتنزيه والتشبيه في مقاميهما كنت مسددا، أي، جاعلا نفسك على طريق السداد والصلاح. (وكنت إماما في المعارف) أي، في أهل المعارف سيدا باتباعك طريق الرسل، صلوات الله عليهم.
(فمن قال بالإشفاع كان مشركا ومن قال بالأوتار كان موحدا)
من قال بالإشفاع، بصيغة المصدر من (أشفع). أي، صار قائلا بالشفع، كان مشركا، أي، شرك مع الحق غيره بإثباته.
ومن قال بالإفراد، مصدر (أفرد)،كان موحدا، إذ لا يثبت معه غير.
(فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا وإياك والتنزيه إن كنت مفردا) مفردا على صيغة اسم الفاعل، أي موحدا. و (ثانيا) اسم فاعل من (الثنى.) أي، وإن كنت تجعل الواحد الحقيقي ثانيا بإثبات غيره معه.
ولما كان القولب الثاني مقصورا على طريقين: أحدهما أن يكونا قديمين، وهو قول المشركين، وثانيهما أن يكون الأول واجبا قديما والثاني فائضا منه محدثا بحيث لا يمكن أن يكون عين الآخر بوجه من الوجوه، وهو قول المؤمنين الظاهرين والحكماء المحجوبين.
وصرح بقوله: (وإياك والتشبيه إن كنت ثانيا). أي، قلت بالثاني بالمعنى الثاني، إذ بالمعنى الأول لا يقول إلا المشركون.
فإياك أن تشبه الغير الحادث الفائض من الحق بالحق في الوجود والصفات اللازمة له، لأن وجوده منه فهو قديم ووجودالغير ليس منه وهو حادث.
وجميع صفات الأول من ذاته، لا احتياج له فيها إلى غيره، بخلاف صفات الثاني.
وما للأول، من الصفات، على وجه الكمال، وما للثاني على سبيل العكس والظلال المستعارة، بل ليس إلا كالسراب يتوهم أنه موجود، وهو في الحقيقة معدوم، فلا تشبيه بينهما.
وإن كنت قائلا بالحقيقة الواحدة التي يظهر في مقام جمعه بالإلهية وفي مقام تفصيله بالمألوهية، فإياك أن تنزه فقط، بل لك أن تنزه في مقام التنزيه، وتشبه في مقام التشبيه.
(فما أنت هو، بل أنت هو وتراه في * عين الأمور مسرحا ومقيدا)
أي، فلست أنت هو، لتقيدك الظاهرة وإمكانك واحتياجك إليه، باعتبار أنك غيره، وأنت هو، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة بصفة من صفاته في مرتبةمن مراتب وجوده. فترجع ذاتك وصفاتك كلها إليه. قوله: (وتراه في عيون الأمور) أي، وترى الحق في عين الأشياء مسرحا ومقيدا، على اسم المفعول،أي، تراه مطلقا بحسب ذاته، ومقيدا بحسب ظهوره في صفة من صفاته. وعلى اسم الفاعل، أي، تراه مبقيا للوجود على إطلاقه في عين المقيدات ومقيدا له في مراتب ظهوراته. والثاني أنسب لتناسب الأبيات الأول. وعلى التقديرين هما منصوبان على الحال.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال رضي الله عنه : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
وإذا كان من الأرواح صور الحق، والحق روحها المدبر لها، (فالكل ألسنة الحق) ينطق بها نطق أرواحنا بألسنتنا (ناطقة بالثناء على الحق) الذي هو روحها؛ (ولذلك) أي: ولكون الكل ألسنة الحق.
""ولسان الحمد ثلاثة: "اللسان الإنساني" و"لسان الروحاني" و"لسان الرباني".
أما «اللسان الإنساني»:
فهو للعوام، وشكره بالتحدث بإنعام الله وإكرامه، مع تصديق القلب بأداء الشكر.
وأما «اللسان الروحاني»:
فهو للخواص، وهو ذكر القلب لطائف اصطناع الحق في تربية الأحوال، وتزكية الأفعال. .
وأما «اللسان الرباني»:
فهو للعارفين، وهو حركة السير، يصدق شکر الحق جل جلاله بعد إدراك الطائف المعارف، وغرائب الكواشف بنعت المشاهدة والغيبة في قربه، و اجتناء ثمرة الأنس، وخوض الروح في بحر القدس، وذوق الأسرار مع مباينة الأنوار.""
(قال الله تعالى: "الحمد لله " (الفاتحة: 2]) فأضاف مطلق الحمد من جميع الموجودات إلى الله تعالى، وبين جهة إضافته على الإطلاق إليه.
بقوله: ("رب العالمين" [الفاتحة: 2])، ولما كان بعض تلك المحامد من الخلق للخلق بحسب الظاهر، قال: (أي: إليه يرجع عواقب الثناء)؛ لأنه الحامد نفسه بألسنة بعض صوره على بعضها، إذ الحمد للصورة حمد لذي الصورة، (فهو المثني) من حيث هو روح الكل، والروح من كل شيء هو الناطق بلسانه، (والمثنى عليه) من حيث إن الكل إنما يثني على ذاته أو صوره.
وإذا عرفت أن المعرفة الصحيحة هي الجمع بين التنزيه والتشبيه دون التقييد بأحدهما؛ فانظر في لوازمها، (فإن قلت بالتنزيه) المحض (کنت مقيدا) للحق بمباينته للكل من كل وجه مع أنه لا بد من مناسبة الدليل، والمدلول، والفاعل، والمنفعل، والصورة، وذي الصورة، (وإن قلت بالتشبيه) المحض (کنت محددا) للحق في ذاته، وجعلته من الأجسام التي يجب تناهي أبعادها.
(وإن قلت بالأمرين) التنزيه باعتبار الذات، والصفات السلبية، والتشبيه باعتبار الصفات الوجودية والظهور في المظاهر الكونية (كنت مسددا) قائلا بأقوى الأقاويل لجمعه بين الدلائل العقلية الدالة على التنزيه، والسمعية الدالة على التشبيه، (وكنت إماما في المعارف سیڈا)، إذ تصير قائلا بالتوحيد، إذ لا يتصور بدون القول بالظهور، وإلا لوجب أن يقول الموحد: إن الموجود الواحد قد يكثر بالإفراد، وهو القول بتعدد الألهة، ولذا قال:
(فمن قال بالإشفاع) أي: بتعدد الوجود الواحد بناء على أنه كلي يكثر بالإفراد (كان مشركا) قائلا بتعدد الآلهة.
وهذا ما ذكره الإمام حجة الإسلام الغزالي في كتاب «الصبر والشكر» في "الإحياء" في بيان کشف الغطاء عن الشكر حيث قال الفريق الثاني: الذين ليس هم عمی؛ ولكن بهم عور يبصرون بإحدى العينين.
وجود الموجود الحق فلا ينكرونه، والعين الأخرى إن تم عماها أثبت موجودا آخر مع الله، وهذا مشرك تحقيقا، كما كان الذي قبله جاحدا تحقيقا.
(ومن قال بالإفراد) أي: بأن الوجود فرد واحد از وأبدا ظهر في جميع الموجودات (كان موحدا) بتوحيد الخواص (فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا) قائلا بتعدد الوجود فإن القول: بالتشبيه معه يستلزم تشبیه وجود الحق بوجود غيره فيلزم تعدد الألهة، (وإياك والتنزيه إن كنت مفردا) فإن القول: بتنزيه الحق عن الظهور في المظاهر مع القول بوحدة الوجود، وحدة شخصية يستلزم القول بعدم تحقق الحوادث في الخارج، وهو سفسطة.
ثم قال لمن أفرد الوجود، وقال: بظهوره في المظاهر (فما أنت هو)؛ لأنه كل الوجود، ولست كله بل أنت صورة من صوره (بل أنت هو) إذ لا تحقق بشيء دونه كما تحقق لصورة المرآة بدون ذي الصورة، وهي كأنها ذو الصورة، (وتراه) أيها المفرد القائل: بظهوره في المظاهر (في عين الأمور مسځا) أي: مطلقا غير مقيد بها باعتبار ذاته (ومقيدا) بكل واحد باعتبار ظهوره في ذلك الواحد.


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالكلّ ألسنة الحقّ ناطقة بالثناء عليه ، ولذلك قال : " الْحَمْدُ لِلَّه ِ رَبِّ الْعالَمِينَ ") فالكلّ معبّر عن كمالاته ومفصح بأنّها ليست مقصورة على ما عبّر عنه . باللسان الجمعي القرآني الختمي ، مترجما عمّا نطق به ألسنة صور العالمين أجمعين .
من أنّ الحمد أي التعريف والإظهار الذي تؤديه ألسنة تلك الصور كلَّها لله ، الذي هو ربّهم ( أي إليه يرجع عواقب الثناء ) والتعريف بمحامد الأوصاف والأحكام الوجوديّة ، وإن نسبت تلك الأوصاف ابتداء إلى الصور الكونيّة والتعيّنات الإمكانيّة ، لكنّها من حيث أنّها أحكام وجوديّة لا يمكن أن تتعلَّق بها ، فيكون مرجعها هو الوجود الحقّ ضرورة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو المثني ) باعتبار إظهاره لتلك الكمالات في الصور التشبيهيّة ( والمثنى عليه ) باعتبار ظهوره في نفسه وتقويمه لتلك الصور في أرواحها التنزيهيّة  .
ثمّ لما انساق الكلام هذا المساق حان أن يفصح بالمقصود ويصرّح بما أشير إليه على ما هو مقتضى الصورة المنظومة من الكلام .
فقال الشيخ رضي الله عنه: ( فإن قلت بالتنزيه كنت مقيّدا ) ضرورة أنّ التنزيه يقتضي تقييد الحقيقة الحقّة وتعيّنه بالتعيّن الإطلاقي كما عرفت ( وإن قلت بالتشبيه قلت محدّدا ) لأنّ الصورة لا بدّ لها من الإحاطة والتحديد ، وفيما سبق من الكلام ما يدلَّك على تخصيص الثاني بـ « قلت » فلا نعيده هاهنا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإن قلت بالأمرين كنت مسدّدا ) أي موفّقا للصواب ، من القول والاستقامة من القصد ، وذلك لأنّك بجمعك بين الأمرين وصلت إلى مقتضى الذوق الإحاطيّ الختميّ ، ودخلت في الامّة الوسط الذي هو خير الأمم ، وإليه أشار بقوله :
ثمّ لمّا كان الجمع بين الأمرين يتصوّر على وجهين : أحدهما أن يعتبر التشبيه بإزاء التنزيه خارجا عنه وهو القول بالإشفاع والآخر أن يعتبر كلّ منهما في ضمن الآخر متّحدا به - وهو القول بالإفراد - قال  رضي الله عنه :
فمن قال بالإشفاع كان مشرّكا    .... ومن قال بالإفراد كان موحّدا  
فعلم من هذا أنّ من اعتقد أنّ العبد ثاني الحقّ لا يمكن له القول بالتشبيه ، وإلَّا يلزم أن يكون مشركا ، كما أنّ من اعتقد بإفراده معه لا يمكن له القول بالتنزيه - أي التنزيه الرسمي على ما ذهب إليه القائلون به - وإلَّا يلزم أن لا يكون مفردا ، وإليه أشار بقوله :
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا   .... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا   
فظهر من هذا أنّ التنزيه الذي لا ينافي التوحيد والإفراد ، غير هذا التنزيه ، بل ذلك هو التنزيه الذي في عين التشبيه ، وذلك التشبيه هو الذي يليق بالموحّد ، ولا يليق بالثنوي .
وتحقيق ذلك أنّ العبد غير الحق بمجرّد اعتبار التعيّنات النسبيّة والإضافات التي إنّما تتحقّق بمجرّد الاعتبار - كالغيبة والخطاب - وأمّا بالنظر إلى الأمر نفسه فهو عينه ، وهو معنى التنزيه في عين التشبيه ، والمشير إلى ذلك كلَّه قوله :
فما أنت هو بل أنت هو ، وتراه في   .... عين الأمور مسرّحا ومقيّدا 

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
يقول الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق.
ولذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني والمثنى عليه:
فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... وإن قلت بالتشبيه كنت محددا
وإن قلت بالأمرين كنت مسددا ... وكنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... ومن قال بالإفراد كان موحدا
فإياك والتشبيه إن كنت ثانيا ... وإياك والتنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو وتراه في ... عين الأمور مسرحا ومقيدا )
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالكل ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق. و لذلك قال: «الحمد لله رب العالمين» أي إليه يرجع عواقب الثناء، فهو المثني و المثنى عليه).    
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالكل)، أي كل صور العالم (ألسنة الحق ناطقة بالثناء على الحق سبحانه ولذلك قال : "الحمد لله رب العالمين") [الفاتحة:1].
يعني الثناء الشامل كل حامدية ومحمودية خالص لله لا يشاركه فيه أحد فكل ثناء من كل مثني يكون فيه ، لأنه لسان من ألسنته.
وكذا كل ثناء على كل مثنى عليه بكون عليه، لأنه بعض من صور تجلياته، وإلى هذا أشار بقوله : (أي إليه ترجع عواقب الثناء) مبنيا للفاعل كان أو للمفعول، وإنما قال عواقب الثناء لأن بعض الأثنية والمحامد حالة في بادئ نظر المحجوب وهو فيها راجع إلى الخلق وحالة ثانية تعقب الآلة الأولى بعد إمعان النظر أو ظهور نور الكشف راجع إليه سبحانه وتعالى.
والمراد بعواقب الثناء الأثنية والمحامد الغير الملحوظة باعتبار الحالة الأولى ولا شك أن الكل بهذا الاعتبار راجع إلى الحق تعالى (فهو المثنى والمثنى عليه) جمعة وتفصيلا.
قال الشيخ رضي الله عنه :
(فإن قلت بالتنزيه كنت مقيدا ... و إن قلت بالتشبيه كنت محددا
و إن قلت بالأمرين كنت مسددا ... و كنت إماما في المعارف سيدا
فمن قال بالإشفاع كان مشركا ... و من قال بالإفراد كان موحدا
فإياك و التشبيه إن كنت ثانيا ... و إياك و التنزيه إن كنت مفردا
فما أنت هو: بل أنت هو و تراه في ... عين الأمور مسرحا و مقيدا  
قال الله تعالى «ليس كمثله شي ء» فنزه، «و هو السميع البصير» فشبه.)
(فإن قلت بالتنزيه) من غير تشبيه (كنت مقيدا) للحق سبحانه بصور التنزیه
(وإن قلت بالتشبيه) من غير تنزیه (کنت محددا) له سبحانه بحضرة في صور التشبيه (وإن قلت بالأمرين) التنزيه والتشبيه وجمعت بينهما من غير تقييد بواحد بل ولا بالجمع أيضا (کنت مسددا) سددك الله على سواء الطريق إن كان اسم مفعول أو سددت نفسك عليه إن كان اسم فاعل.
(وكنت إماما) يقتدي به (في المعارف سيدا) مطاعا فيما أمر به فيها.
(فمن قال بالإشفاع)، أي جعل الحق الفرد شفعا بإثبات الخلق معه (كان مشركا) الخلق مع الحق في الوجود .
(ومن قال بالإفراد) بأن أفرد الحق و حکم بتفرده في الوجود ولم يثبت معه غيره (كان موحدا فإياك والتشبيه) بإثبات الخلق مع الحق وتشبيه الحق به (إن کنت ثابتا)، أي قائلا بإثنينية الحق والخلق بل ينبغي أن تجعل الخلق من صور تجلياته لا موجودة في حد ذاته.
(وإياك والتنزيه) عن الخلق (إن کنت مفردا) حاكمة بفرادنیته بل ينبغي أن يكون حكمك بفرادنیته باعتبار أنه منفرد بالوجود في مرتبتي جمعه وتفصيله لا موجود غیره (فما أنت هو) لتقييدك وإطلاقه لاحتياجك وغناه ""استغناؤه عن كل شيء"" .
(بل أنت هو)، لأنك في الحقيقة عينه وهويته الظاهرة ""صورته"" .
(وتراه في عين أمور مسرحا)، أي مطلقا بحسب ذاته ومقيدا بحسب تجلياته وهما حالان عن ضمير المفعول إن كانا اسمي مفعول.
وقد سبق معناه وعن ضمير الفاعل إن كانا اسمي فاعل ، أي حاكمة بإطلاقه في حد دانه (ومقيدا) بحسب ظهوراته ووقع في بعض النسخ عيون الأمر مسرحا و مقيدا وعلى هذا يكون مسرحا من الإسراح لا من التسريح ليصح الوزن.
وهكذا ينبغي أن يكون فإن المصراع الأخير على النسخة الأولى ليس على وزن سائر المصاريح كما لا يخفى على من له معرفة بالعروض (قال: "ليس كمثله شيء" [الشورى: ۱۱] فنزه) . على أن تكون الكاف زائدة فيفيد نفي المثل فيكون تنزيها أو بناء على أن نفي مثل المثل فإنه لو كان له مثل يلزم أن يكون لمثله وهو نفسه .

واتساب

No comments:

Post a Comment