Wednesday, July 10, 2019

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثانية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله


02 - The Wisdom Of Expiration In The Word Of SETH

الفقرة الثانية والثلاثون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي :  " إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه. ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن ما هو الممكن و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. "
(إلا أن بعض أهل النظر)، أي الاستدلال وهم بعض الفرق الضالة (من أصحاب العقول الضعيفة) المحجوبة عن شهود الحق تعالى.
(یرون)، أي يعتقدون (أن الله) تعالى (لما ثبت عندهم) بالأدلة العقلية والبراهين القطعية (أنه فعال لما يشاء) من غير عجز عن شيء مطلقا (جوزوا على الله) تعالى أن يفعل (ما يناقض الحكمة) كما يفعل ما هو على مقتضى الحكمة.
(و) أن يفعل (ما هو الأمر عليه في نفسه) من حيث ثبوته في العدم من غير وجود ولهذا يسمون المعدوم شيئا للثبوت المذكور، فعلى زعمهم هذا كل من يعرف قبوله يعرف استعداده قبل قبوله، مفصلا كان الاستعداد غير مقيد بمقتضى الحكمة.
(ولهذا)، أي لتجويزهم على الله تعالى ما يناقض الحكمة (عدل بعض النظار) منهم (إلى نفي الإمكان) وعدم جعله قسما من أقسام الحكم العقلي وذهبوا إلى حصر الحكم العقلي في الممتنع والواجب (وإثبات الوجوب بالذات) والوجوب (بالغير) فقط.
(والمحقق) من أهل السنة والجماعة (يثبت) قسم (الإمكان) مع الامتناع والوجوب (ويعرف حضرته)، أي الإمكان، وهي البرزخية الفاصلة بين الامتناع والوجوب، أي أن انعدام التحقق بالممتنع وإن وجد التحقق بالواجب.
فبسببه ينقسم الممتنع إلى ممتنع بالذات وممتنع بالغير، وينقسم الواجب إلى واجب بالذات وواجب بالغير، لأن الممكن ليس أصله العدم ولا الوجود فعدمه بالغير ووجوده بالغير.
(و) يعرف (الممكن ما هو الممكن)، فإن حقيقته مركبة من عدم ووجود، فما فيه من المقدار المخصوص من العدم، وما فيه من التحقق والثبوت من الوجود، فهو مظهر للممتنع ومظهر للواجب.
(و) يعرف (من أين هو ممكن) فإن إمكانه من مقابلة الوجوب للامتناع وموازاة الوجود للعدم، بحيث لو تميز كل واحد منهما عن الآخر في بصيرة الممكن، كما هو متميز في نفس الأمر، ارتفعت حقيقة الإمكان من بينهما.
ومثاله في المحسوس: أنك لو وضعت في إناء واحد صبغين صبغة أحمر وصبغة أخضر مثلا، وخلطتهما معا، فإنه يظهر منهما، صبغ ثالث ليس هو واحد منهما وليس هو أمرا زائدا عليهما، وهو حقيقة الممكن.
فإذا ميزت بينهما وفرقت أحدهما عن الآخر، زال ذلك الصبغ الثالث وبقي كل واحد من الصبغين على حاله (وهو)، أي الممكن.
(بعينه واجب الوجود بالغير) إذ لا يتصور عدمه في حال وجوده، وكل ما لا يتصور عدمه فهو واجب.
فالممكن من هذا الوجه واجب، ولكن وجوبه بواجب الوجود بالذات لا بذاته.
فلهذا كان واجب الوجود بالغير، وهذا الوصف له ما دام موجودة، فإذا انعدم صار ممتنع الوجود بالغير لا بالذات.
(و) يعرف (من أين صح عليه)، أي على الممكن (اسم) ذلك (الغير الذي اقتضى له الوجوب).
فإن لفظ الواجب الوجود اسم في الأصل للواجب الوجود بالذات، وانطلاقه على واجب الوجود بالغير بسبب استيلاء ذلك الغير عليه.
بحيث کساه وصفه وهو الوجود وأعطاه اسمه وهو الوجوب.
وذلك في أشرف أحواله، وهو حالة وجوده إذ في حالة عدمه هو ممتنع الوجود بالغير أيضا.
و إمكانه في نفسه لا يفارق أبدا، لأنه وصفه لا باعتبار وجوده ولا باعتبار عدمه (ولا يعلم هذا التفصيل) في الممكن ويفرق بين جهاته ويعرف أنواع استعداداته (إلا العلماء بالله) سبحانه (خاصة) دون غيرهم من العلماء.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)قال الشيخ رضي الله عنه: (إلا) استثناء منقطع (إن بعض أهل النظر من اصحاب العقول الضعيفة برون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء) أي فعال لمقتضي مشيئته لا لحكمة (جوزوا على الله ما يناقض الحكمة) (و) جوزوا ما يناقض (ما هو الأمر عليه في نفسه) لما لزمهم ذلك فجوزوا تعذيب من يستحق التنعيم تعالى الله عن ذلك.
(ولهذا) أي ولاجل أن عندهم أن الله فعال مطلقا كيف يشاء (عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان) لئلا يلزمهم جواز ما لا يليق إلى الله على تقدير ثبوت الإمكان فلم يجوز هذا البعض على الله ما جوز ذلك البعض لعدم لزوم ذلك على تقدير نفي الإمكان في زعمهم.
(وإثبات الوجوب بالذات وبالنير) وما عرفوا الإمكان والوجوب بالغير فإنه بعينه الإمكان (والمحقق بثبت الإمكان ويعرف حضرته و) يثبت (الممكن) ويعرف (ما هو الممكن) في حقيقته (ومن أين هو ممكن) أي ويعرف من أي سبب يكون متصفا بصفة الإمكان.
(و) يعرف (هو) أي الممکن (بعينه واجب بالغير) إلا أن الإمكان وصف له قبل الوجود وبعده والوجوب بالغير وصف بعد الوجود لا قبله.
(و) يعرف (من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى ذلك) الغير (له) أي للممكن (الوجوب) فما وقع اسم الغير إلا لاحتياجه إلى الواجب بالذات (ولا بعلم هذا التفضيل إلا العلماء بالله خاصة) تأكيد لقوله و المحقق يثبت الإمكان.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : إ(ِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.و قوله رضي الله عنه : "إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله تعالی، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء ، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة."
قوله: إلا أن بعض أهل النظر.
قلت: 
يعنى الأشعرية من المتكلمين، فإنهم يقولون: الحسن ما حسنه الشرع والقبيح ما قبحه الشرع، فعندهم أن الله تعالی لو فعل ما يناقض الحكمة لم يمتنع بل كان حسنا لأن الشرع حسنه.
قوله رضي الله عنه : "وما هو الأمر عليه في نفسه ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير".
قلت: يعني أنهم جوزوا ما يناقض الحكمة وجوزوا ما يناقض ما هو الأمر عليه في نفسه .
كأنه أشار إلى أن الذي عليه الأمر في نفسه هو أنه لا يجوز عليه ما يناقض الحكمة ولا ما يناقض ما هو الأمر عليه في نفسه، أي الواقع في نفس الأمر.
وذلك أن الأمر في نفسه هو أنه لا يجوز على الله تعالى أن يفعل المستحيل في العقل كاجتماع الضدين لشيء واحد في زمان واحد.
مثل أن يجمع لشخص واحد أنه قاعد وأنه قائم في زمان واحد .
أو يكون القول موجبا سالبا في حال واحد بشروط النقيض أو يرفع النقيضين معا بشروط النقيض وأمثال هذه.
ولما استقبح بعض النظار هذا المذهب عدل إلى سد الباب فيه بالكلية وقال ما هناك إلا واجب إما بنفسه وإما بالغير.
فلا يكون هناك إمكان اجتماع الضدين ولا اجتماع النقيضين وارتفاعهما ويجوز غير هذا وهو أن يحمل قول الشيخ، ولهذا عدل بعض النظار إلى آخره، على أن كل شيء واجب إما بنفسه فظاهر وهو الحق تعالى، وإما بالغير وهو كل شيء حتى اجتماع الضدين واجتماع النقيضين وارتفاعهما.
وقد قال قوم من الصوفية: أنه يجوز أن الله تعالى يقدر على إدخال الحبل في خرت الإبرة من غير أن يصفقة الحبل ولا يتسع الأبرة.
قوله رضي الله عنه: "والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته.
قلت: المحقق هو من تفصلت له حضرة الحق وهي الوحدانية المطلقة وتفصيلها هو أن يظهر له مراتب الأسماء الإلهية والكونية قبل تعينها بالفعل وهو القطب الذي حاز رتبة الكمال.
وعن يمينه الإمام الذي هو محل ظهور الجمال وعن شماله الإمام الذي هو محل ظهور الجلال .
وبين يديه الإمام الذي حاز طرفا من رتبة الجمال وطرفا من رتبة الجلال إلا أن الجمال أظهر فيه، ومن ورائه الإمام الذي حاز طرفا من الجلال وطرفا من الجمال إلا أن الجلال أظهر فيه.
وقولناإن القطب له اليمين والشمال والأمام والخلف، هو باعتبار الأئمة  الأربعة وهم الأوتاد المذكورين في نسبة كل واحد منهم إليه وإلا فهو وجه کله.
شعرا: 
درة من حيث ما أديرت أضاءت      …..    ومشم من حيث ما شم فاجاء
ومعنى يثبت الإمكان أي يشهد ثبوته لا أنه كان غير ثابت وهو الذي أثبته.
ومعنى قوله رضي الله عنه: "ويعرف حضرته". فهي عندي أن الإمكان صفة للحق تعالی من حيث اسمه القادر وليس هو صفة للمخلوق وهذا هو الحق الواضح في مقام شهود الأسماء.
وأما في الحضرة الذاتية فهو صفة للأعيان الثابتة من جهة أنها صور العلم من حيث لا تغاير الصفة الموصوف، لأنه ليس شيء خارجا عن الذات.
فأما كونه صفة للحق، 
وهو القسم الأول:
فإن الإمكان منه يشتق الفعل الذي هو أمكنه يمكنه إمكانا كما تقول يمكنك أن تفعل كذا أي أنك قادر عليه أو لا يمكنك أن تفعل كذا أي لا تقدر عليه.
وأما القسم الثاني :وهو أن تجعله صفة للأعيان الثابتة، فمعناه أن حال المقدور مثلا هو الذي أمكنك من نفسه حتى فعلت ایجاده له أو ایجاد صفته إلا أن هذا المعنى يرجع إلى الأول .
فإن القابل في التحقيق هو الفاعل لفاعلية الفاعل ولجميع ما يصدر عن الفاعل من الأفعال وحينئذ يقال إن حصول التسوية هو من الله تعالى لكن بالعين الثابتة، والتسوية الحاصلة هي الفاعلية في الفاعل للنفخ الملزمة له أن ينفخ النفخ الذي به يحصل القبول للقابل، فهذه حضرة الإمكان ظاهرة فيما ذكرناه.
قوله: "والممكن ما هو. "
قلت: أي يعرفه وهو المقدور قبل تصرف القدرة فيه.
قوله: "ومن أين هو ممكن. "
قلت: يعرفه من جهة سلب العدمية عن الوجود الإلهي وهذا نشرح مشافهة فإن إدراكه يدق عن أكثر الأفهام.
قوله: "وهو بعينه واجب بالغير"
قلتمعناه أن كل ما في الإمكان لا بد أن يظهره الحق تعالى في الوجود فهو في نفس الأمر واجب إلا أنه واجب بالغير لا بنفسه وفيه وجه پذکر شفاها أنه واجب بنفسه باعتبار أحدية الجمع.
قوله: "ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب."
قلت:
 الضمير في "عليه"، لا يصح أن يعود على الممكن وإن كان ظاهر عبارة الشيخ، رضي الله عنه، يقتضي عود الضمير إلى الممكن.
وقوله: ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. 
قلت: لأن المحال ليس هو لغير أهل الله تعالی.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : إ(ِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)قال رضي الله عنه : " إلَّا أنّ بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أنّ الله لمّا ثبت عندهم أنّه فعّال لما يشاء ، جوّزوا على الله ما يناقض الحكمة » يعني الحكمة الإلهية لا الحكمة العرفية .
قال رضي الله عنه : " وما هو الامر عليه في نفسه ، ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير " .
قال العبد أيّده الله به : يشير رضي الله عنه إلى جمع كثير من النظَّار وعلماء الرسوم والمتكلَّمين القائلين بأنّ الله قد يفعل ما يناقض الحكمة ، كإيجاد الشريك والمثل وإعدام الوجود وإيجاد العدم والممتنع والمحال ، واستدلَّوا على ذلك بكونه قادرا على كلّ شيء ، وأنّه يفعل ما يشاء ، وأنّه فعّال لما يريد ، وهذا تنزيه وهميّ بالعقل ، ولكنّهم غفلوا عن الحقيقة ، وما عقلوا أنّ هذه فروض وتقادير ساقطة غير واقعة ، وليس لها لافظة ، وأنّها غير واردة في العقول المنوّرة الصافية الوافية ، والاشتغال بمثل هذه الشبه تضييع الأنفاس .
ونحن نسلَّم أنّ الله قادر على كلّ شيء ، لكنّهم « حفظوا شيئا وغابت عنهم أشياء » وذلك أنّ الله قادر على كل شيء ، ولكن كلّ شيء بشيئية الله ومشيئته ، فإنّه قادر على ما يشاء ، وأنّه ما يشاء خلاف ما يعلم ، ولا يريد خلاف الحكمة ، فإنّه العليم الحكيم ، والحكيم العليم لا يشاء ولا يريد أن يفعل ما يناقض الحكمة .
فقدرة الله تعالى إنّما تتعلَّق بالمقدورات بموجب إرادته ومشيّته تعالى ، والإرادة إنّما تتعلَّق بالمراد على التعيين والتخصيص بموجب ما اقتضته الحكمة والعلم ، والعلم الأزليّ ما تعلَّق بهذه الأمور المذكورة بما يخالف الحكمة على وجه لا يقبل الوجود ، وأنّها لا تستعدّ لقبول الوجود ، بل بموجب العلم والحكمة واستعداد القابل .
والحكيم الأزليّ قد أحكم الأشياء بحكمته قبل إيجادها ، ثم أوجدها بحسب ما رتّبتها الحكمة ووضعتها مواضعها ، فلا جائز في حكمة الله تجويز ما يناقض الحكمة الإلهية .
ولما كثر شغب هؤلاء في تجويز هذه الأمور ، عدل بعض المتحذلقين من النظَّار إلى نفي الجواز والإمكان وإثبات الوجود إمّا بالذات أو بالغير
وقال : ما ثمّ إلَّا واجب الوجود ، والممتنع ممتنع وجوده ، ولكنّ الواجب واجبان : واجب بالذات ، وواجب بالغير ، فما في الوجود إلَّا واجب الوجود ، فانتفى الجواز والإمكان عنده ، فما كان واجبا بالذات فواجب له عدم الامتناع كذلك .
ثمّ الواجب بالغير على زعم من يقول به هو الوجود المتعيّن بحسب القابل فما بقي للإمكان متعلَّق في الحقيقة إلَّا التعيّن .
قال الشيخ رضي الله عنه : " والمحقّق " بعد منا " يثبت الإمكان ، ويعرف حضرته والممكن ما هو الممكن ؟ ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير ؟ من أين صحّ عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب ؟ ولا يعلم هذا التفصيل إلَّا العلماء بالله خاصّة " .
قال العبد : يشير رضي الله عنه إلى أنّ الممكن هو الوجود المتعيّن ، فإمكانه من حيث تعيّنه ، ووجوبه من حيث حقيقته ، وذلك أنّ التعيّن نسبة تعقّلية ، فهي بالنسبة إلى المرجّح وجودية واجبة للمتعيّن .
والتعيّن هو حدوث ظهور الوجود على وجه متعيّن يعيّنه القابل المعيّن للوجود بحسب خصوصه الذاتي ، فيمكن بالنظر إلى كل متعيّن حادث للوجود أن ينسلخ الوجود عنه ، ويتعيّن تعيّنا آخر ، وينعدم التعيّن الأوّل.
إذ نفس التعيّن هو الواجب للوجود الحقّ الساري في الحقائق لا التعيّن المعيّن ، ولكن ليس كل تعيّن معيّن واجبا له على التعيين إلَّا بموجباته ، فيمكن أن ينعدم ويتعيّن الوجود تعيّنا آخر ، إذ الوجود المتعيّن لا ينقلب عدما ، بل يتبدّل بتعيّنات أخر عن تعيّنات قبلها فتتحقّق من هذا حقيقة الإمكان للتعيّن المعيّن وهو نسبة عدميّة في الوجود .
فهو بين عدم ووجود ، مهما رجّح الحق إفاضة نور الوجود على ذلك الوجه المعيّن ، بقي موجودا في رأي العين للجمهور ، والكشف يقضي بالتبدّل مع الآنات ، وإن أعرض عنه التجلَّي الوجوديّ ، انعدم وعاد إلى أصله . هذا أصل الإمكان .
وأمّا اسم « الغير » و « السوي » للممكنات فذلك من حيث امتيازاتها النسبية والذاتية بالخصوصيات الأصلية فهي من هذا الوجه أغيار بعضها مع البعض وأمّا غيريّتها للوجود المطلق الحقّ فمن حيث إنّ كلَّا منها تعيّن مخصوص للوجود الواحد بالحقيقة يغاير الآخر بخصوصيّته .
والوجود الحق المطلق لا يغاير الكلّ ولا يغاير البعض ، لكون كلَّية الكلّ وجزويّة الجزء نسبا ذاتيّة ، فهو لا ينحصر في الجزء ولا في الكلّ ، مع كونه فيهما عينهما ، فلا يغاير كلَّا منهما في خصوصهما ، ولكن غيريّته في أحديّة جمعه الإطلاقي في التي تخصّه ، ولا يوجد في الجزء ولا في الكلّ ، فإنّ تلك الأحديّة الجمعيّة الإطلاقيّة مطلقة عن الكليّة والجزئيّة والإطلاق ، فافهم .
وهذا التفصيل لا يعلمه إلَّا العلماء بالله خاصّة ، لكونهم عرفوه في الأصل المطلق في شهودهم أوّلا ، فلم يحجبوا في الفرع الذي هو الوجود المقيّد آخرا ، فما في الحقيقة إلَّا وجود مطلق ووجود مقيّد ، وحقيقة الوجود فيهما واحدة ، والإطلاق والتعيّن والتقيّد نسب ذاتيّة ، فافهم .
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسهو لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)قوله رضي الله عنه : " إلا أن بعض اهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء جوزوا على الله ما يناقض الحكمة ، وما هو الأمر عليه في نفسه " استثناء منقطع من الذين يعرفون استعدادهم مجملا وإلا بمعنى لكن يعنى أن الذين يعرفون استعدادهم مفصلا يعرفون قبولهم لكل ما اطلعوا عليه من استعدادهم بإعلام الله تعالى إياهم .
أو بكشف أعيانهم عليه حتى يطلعوا على أحوالهم المتجددة عليهم إلى ما يتناهى ، فهم لا يغلطون في علومهم أصلا .
وكذلك الذين لا يعرفون استعدادهم إلا من قبولهم ، فإنهم ما لم يقبلوا شيئا لم يعرفوا أن ذلك كان في استعدادهم أن يغلطوا بعد القبول .
فإنهم يستدلون بالواقع لكن الذين يعرفون استعدادهم مجملا قد يغلطون في التفاصيل كبعض أهل النظر من المتكلمين ، فإنهم قد عرفوا من استعدادهم أنهم يقبلون العلوم المعقولة على الإجمالى.
لكنهم لضعف عقولهم وعدم كشفهم لعدم ارتياضهم وتصفيتهم ، لما علموا أن الله تعالى فعال لما يشاء ، وأنه على كل شيء قدير .
جوزوا عليه القدرة على الممتنعات كإيجاد المثل وإعدام الوجود وإيجاد العدم ، وأمثال ذلك ، وتوهموا أنه تنزيه عن العجز وذلك لعدم معرفة الحقائق وتمييز الممكن من الممتنع ، وقصور أنفسهم عن معنى المشيئة ، وابتنائها على الحكمة الإلهية الحقية.
" ولهذا " أي ولضعف عقولهم وتجويزهم على الله ما يناقض الحكمة الإلهية وما هو الأمر عليه في نفسه " عدل بعض النظار إلى نفى الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير " وذلك لقصور نظرهم عن الحقائق العقلية وقصرهم الموجودات على ما هو في الخارج .
فإن ما هو موجود في الخارج محصور في الواجب بالذات والواجب بالغير لأن ما لم يجب لم يوجد.
( والمحقق ) وهو الملاحظ للحقائق في نفس الأمر ، أي العالم العقلي مع قطع النظر عن وجودها الخارجي
( يثبت الإمكان ويعرف حضرته ، والممكن ما هو الممكن ومن أين هو ممكن ، وهو بعينه واجب الوجود بالغير ) فإنه إما أن تقتضي الحقيقة الوجود بذاتها أو لا تقتضي .
والأول الواجب لذاته .
والثاني إما أن يقتضي العدم لذاته وهو الممتنع لذاته. وإما أن لا يقتضي شيئا منهما وهو الممكن لذاته ، فالممكن حضرة العقل قبل الوجود الخارجي من حيث هو هو كالسواد مثلا ، فإن عينه في العقل لا يقتضي الوجود والعدم .
وأما في الخارج فإنه لا ينفك عن وجود السبب وعدمه فإنه لا واسطة بينهما .
فإن كان السبب التام موجودا وجب وجوده به ، وإلا فوجب عدمه لعدم سببه التام ، فهو ممتنع بالغير ، فالممكن الموجود واجب بالغير وهو بعينه من حيث حقيقته مع قطع النظر عن وجوده ممكن بالذات .
قوله: ( ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب ) إشارة إلى أن الوجود الإضافي الذي هو به موجود هو بعينه الوجود الحقانى المطلق الذي عرض له من هذه الإضافة والعينية والغيرية باعتبار الهاذية والهوية .
فمن حيث الهاذية غيره ومن حيث الهوية عينه ، كما أن عين الممكن باعتبار عينه ممكن وباعتبار وجوده واجب ، وكل وجود متعين ممكن من حيث تعينه واجب من حيث حقيقته وهويته ( ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء باللَّه خاصة ) .
مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﺇﻻ ﺃﻥ ﺑﻌﺾ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﺍﻟﻀﻌﻴﻔﺔ ﻳﺮﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻤﺎ ﺛﺒﺖ ﻋﻨﺪﻫﻢ ﺃﻧﻪ ﻓﻌﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ، ﺟﻮﺯﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ".
ﻟﻤﺎ ﻗﺮﺭ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﻷﺣﺪ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﺣﻘﻴﻘﺘﻪ ﻭﺗﻄﻠﺒﻪ ﻣﻦ ﺣﻀﺮﺗﻪ، ﻓﻜﺎﻥ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻳﻌﺘﻘﺪﻭﻥ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻌﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺯﻝ ﻣﻊ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﻓﻌﺎﻝ ﻟﻤﺎ ﻳﺮﻳﺪ ﻓﻲ ﺍﻷﺑﺪ ﻣﻊ ﻗﻄﻊ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻋﻨﻬﺎ ﻭﻋﻦ ﺍﻗﺘﻀﺎﺀ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺗﻠﻚ ﺍﻷﻓﻌﺎﻝ، ﺍﺳﺘﺜﻨﻰ ﻗﻮﻟﻬﻢ.
ﻓﻬﻮ ﺍﺳﺘﺜﻨﺎﺀ ﻣﻨﻘﻄﻊ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﻧﺴﺐ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻀﻌﻒ، ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﺷﺎﻫﺪﻭﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻫﻮ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻪ، ﻭﻻ ﺍﻃﻠﻌﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺳﺮ ﺍﻟﻘﺪﺭ، ﻭﺯﻋﻤﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻷﻓﺎﻋﻴﻞ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺣﻜﻤﺔ، ﺣﺘﻰ ﺟﻮﺯﻭﺍ ﻋﻠﻴﻪ ﺗﻌﺬﻳﺐ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﺤﻖ ﻟﻠﺮﺣﻤﺔ ﻭﺗﻨﻌﻴﻢ ﻣﻦ ﻫﻮ ﻣﺴﺘﻌﺪ ﻟﻠﻨﻘﻤﺔ. ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻋﻦ ﺫﻟﻚ ﻋﻠﻮﺍ ﻛﺒﻴﺮﺍ. ﻭﻣﻨﺸﺄ ﺯﻋﻤﻬﻢ ﻫﺬﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺣﻜﻤﻮﺍ ﺑﻤﻔﻬﻮﻡ "ﺍﻟﻤﺸﻴﺔ" ﻭﺇﺛﺒﺎﺗﻬﺎ ﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ، ﻭﻣﺎ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﺸﻴﺔ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﻴﺾ ﺍﻷﻗﺪﺱ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺃ ﻟﻢ ﺗﺮ ﺇﻟﻰ ﺭﺑﻚ ﻛﻴﻒ ﻣﺪ ﺍﻟﻈﻞ". ﺃﻱ، ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ،(ﻭﻟﻮ ﺷﺎﺀ ﻟﺠﻌﻠﻪ ﺳﺎﻛﻨﺎ). ﺃﻱ، ﻣﻨﻘﻄﻌﺎ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺎ.
ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺎﻟﻔﻴﺾ ﺍﻟﻤﻘﺪﺱ،ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺇﻧﻤﺎ ﺃﻣﺮﻩ ﺇﺫﺍ ﺃﺭﺍﺩ ﺷﻴﺌﺎ ﺃﻥ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻪ ﻛﻦ ﻓﻴﻜﻮﻥ". ﻓﺎﻹﺭﺍﺩﺓ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺈﻳﺠﺎﺩ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺑﺨﻼﻑ ﺍﻟﻤﺸﻴﺔ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﻣﺘﻌﻠﻘﺔ ﺑﺈﻓﺎﺿﺔ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ، ﻟﻜﻦ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﻘﺘﻀﻰ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺅﻩ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ ﻻ ﻣﻄﻠﻘﺎ.
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻓﻠﻮ ﺷﺎﺀ ﻟﻬﺪﺍﻛﻢ ﺃﺟﻤﻌﻴﻦ". ﻟﻜﻨﻪ ﻟﻢ ﻳﺸﺄ، ﻟﺤﻜﻤﺔ ﺍﻗﺘﻀﺖ ﻋﺪﻡ ﻣﺸﻴﺘﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﻋﺒﺮﻭﺍ ﻋﻨﻬﺎ ﺏ (ﺍﻟﻌﻨﺎﻳﺔ ﺍﻷﺯﻟﻴﺔ).
ﻭﺍﻹﺭﺍﺩﺓ ﻳﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻷﻋﻴﺎﻥ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﺍﺗﻬﺎ ﻭﻗﺒﻮﻟﻬﺎ ﻟﻠﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ. ﻓﺎﻟﺤﻖ ﻭﺇﻥ ﻛﺎﻥ ﻓﻌﺎﻻ ﻟﻤﺎ ﻳﺸﺎﺀ، ﻟﻜﻦ ﻣﺸﻴﺘﻪ ﺑﺤﺴﺐ ﺣﻜﻤﺘﻪ، ﻭﻣﻦ ﺣﻜﻤﺘﻪ ﺃﻥ ﻻ ﻳﻔﻌﻞ ﺇﻻ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻷﺷﻴﺎﺀ: ﻓﻼ ﻳﺮﺣﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻡ ﻭﻻ ﻳﻨﺘﻘﻢ ﻣﻮﺿﻊ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ.
ﻭﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺃﻧﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﺮﺣﻢ ﺑﺎﻟﻔﻀﻞ ﻭﻳﻨﺘﻘﻢ ﺑﺎﻟﻌﺪﻝ ﻭﻳﺸﻔﻊ ﺃﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻤﻨﺘﻘﻢ، ﻓﺬﻟﻚ ﺃﻳﻀﺎ ﺭﺍﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻌﺒﺪ ﻭﺍﺳﺘﺤﻘﺎﻗﻪ ﺍﻟﻤﺨﻔﻰ ﻓﻲ ﻋﻴﻨﻪ ﻻ ﻳﻄﻠﻊ ﻋﻠﻴﻪ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ. ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﻟﻬﺬﺍ ﻋﺪﻝ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﻈﺎﺭ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻰ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ).
ﺃﻱ، ﻟﻤﺎ ﺟﻮﺯﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﺎ ﻳﻨﺎﻗﺾ ﺍﻟﺤﻜﻤﺔ ﻭﻣﺎ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺃﻥ ﻟﻠﺤﻖ ﺃﻓﻌﺎﻻ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺮﺍﺗﺒﻪ ﻭﻻ ﻋﺮﻓﻮﺍ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ، ﻋﺪﻝ ﺑﻌﻀﻬﻢ ﺇﻟﻰ ﻧﻔﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭ ﺇﺛﺒﺎﺕ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﻓﻘﻂ. ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : (ﻭﺍﻟﻤﺤﻘﻖ ﻳﺜﺒﺖ ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﻭﻳﻌﺮﻑ ﺣﻀﺮﺗﻪ، ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻭﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ). ﻭﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻨﺴﺦ: (ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ).
ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﻮﺍﻭ. ﺃﻱ، ﻳﻌﺮﻑ ﺃﻥ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ ﻣﺎ ﻫﻮ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ. ﻓﻘﻮﻟﻪ: (ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻤﻤﻜﻦ)
ﺑﺪﻝ، ﺃﻭ ﻋﻄﻒ ﺑﻴﺎﻥ ﻟﻘﻮﻟﻪ: "ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻦ".
(ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﻫﻮ ﻣﻤﻜﻦ ﻭﻫﻮ ﺑﻌﻴﻨﻪ ﻭﺍﺟﺐ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ. ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺻﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻐﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﻀﻰ ﻟﻪ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ. ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﺇﻻ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺧﺎﺻﺔ).
ﻗﺪ ﻣﺮ ﺃﻥ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ" ﻭ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ" ﻭ "ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ" ﺣﻀﺮﺍﺕ ﻭﻣﺮﺍﺗﺐ ﻣﻌﻘﻮﻟﺔ، ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﻣﻮﺟﻮﺩﺓ ﻭﻻ ﻣﻌﺪﻭﻣﺔ، ﻛﺒﺎﻗﻲ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ، ﻧﻈﺮﺍ ﺇﻟﻰ ﺫﻭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﻌﻘﻮﻟﺔ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﻻ ﺗﺨﻠﻮ ﻋﻦ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺇﻣﺎ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺃﻭ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ، ﺑﺨﻼﻑ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻀﺮﺍﺕ ﺍﻟﺜﻼﺙ، ﻓﺈﻧﻬﺎ ﺑﺎﻗﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻻ ﺗﺘﺼﻒ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﻭﻻ ﺑﺎﻟﻌﺪﻡ ﺃﺑﺪﺍ ﺃﻟﺒﺘﺔ، ﻭﻗﺪ ﺟﻌﻠﻬﺎ ﺍﻟﺤﻖ ﺻﻔﺔ ﻋﺎﻣﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺒﺎﻗﻲ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ.
ﻓﺈﻥ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ" ﺻﻔﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺬﺍﺕ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻟﻠﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺍﻟﻤﻮﺟﻮﺩﺓ، ﻟﻜﻨﻪ ﻋﻠﻰ ﺳﺒﻴﻞ ﺍﻟﺘﻔﺎﻭﺕ:
ﻓﺈﻧﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ، ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ.
 ﻭ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ" ﺻﻔﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ.
ﻭ "ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ" ﺻﻔﺔ ﺷﺎﻣﻠﺔ ﻟﻠﻤﺘﻨﻌﺎﺕ.
ﻭﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻀﺮﺍﺕ ﻫﻲ ﺧﺰﺍﺋﻦ ﻣﻔﺎﺗﻴﺢ ﻏﻴﺒﻴﺔ
ﻓﺤﻀﺮﺓ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ" ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﺍﻟﺜﺎﺑﺘﺔ ﺍﻟﺨﺮﻭﺝ ﻣﻦ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﻟﺘﻜﻮﻥ ﻣﺤﻞ ﻭﻻﻳﺔ ﺍﻷﺳﻤﺎﺀ ﺍﻟﺤﺴﻨﻰ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ.
ﻭﺣﻀﺮﺓ "ﺍﻻﻣﺘﻨﺎﻉ" ﺧﺰﻳﻨﺔ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻷﻋﻴﺎﻥ ﻟﻠﺒﻘﺎﺀ ﻓﻲ ﻏﻴﺐ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻋﻠﻤﻪ ﻭﻋﺪﻡ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻲ، ﻭﻟﻴﺲ ﻟﻺﺳﻢ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺳﺒﻴﻞ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻤﻤﺘﻨﻌﺎﺕ.
ﻭﺣﻀﺮﺓ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ" ﺧﺰﻳﻨﺔ ﻳﻄﻠﺐ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻠﻤﻲ ﻭﺍﻟﻌﻴﻨﻲ، ﺃﺯﻻ ﻭﺃﺑﺪﺍ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻮﺍﺟﺐ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﻭﺑﺎﻟﻐﻴﺮ.
ﻭﺍﻟﻤﻤﻜﻨﺎﺕ ﻛﻠﻬﺎ ﺷﺆﻭﻥ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻏﻴﺐ ﺫﺍﺗﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ، ﻭﻭﻗﻊ ﺍﺳﻢ ﺍﻟﻐﻴﺮﻳﺔ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺑﻮﺍﺳﻄﺔ ﺍﻟﺘﻌﻴﻦ ﻭﺍﻻﺣﺘﻴﺎﺝ ﺇﻟﻰ ﻣﻦ ﻳﻮﺟﺪﻫﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻴﻦ.
ﻭﺑﻌﺪ ﺍﺗﺼﺎﻓﻪ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ ﺻﺎﺭ ﻭﺍﺟﺒﺎ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﻻ ﻳﻨﻌﺪﻡ ﺃﺑﺪﺍ، ﺑﻞ ﻳﺘﻐﻴﺮ ﻭﻳﺘﺒﺪﻝ ﺑﺤﺴﺐ ﻋﻮﺍﻟﻤﻪ ﻭ ﻃﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﺼﻮﺭ ﻋﻠﻴﻪ. ﻓﻈﻬﺮ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﺑﻴﻦ "ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ" ﻭﺑﻴﻦ "ﺍﻹﻣﻜﺎﻥ": ﺇﺫﺍ ﺍﻟﻮﺟﻮﺏ ﺑﺎﻟﻐﻴﺮ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﺗﺼﺎﻑ ﺑﺎﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻌﻴﻨﻲ، ﻭﺍﻹﻣﻜﺎﻥ ﺛﺎﺑﺖ ﻗﺒﻠﻪ ﻭﺑﻌﺪﻩ.
ﻭﻻ ﻳﻌﻠﻢ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻔﺼﻴﻞ ﻳﻘﻴﻨﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺍﻧﻜﺸﻒ ﻟﻪ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻋﺮﻑ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ، ﻭﻫﻢ ﺍﻟﻌﻠﻤﺎﺀ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺧﺎﺻﺔ.
ﻭﻣﻦ ﻋﺮﻑ ﻣﺎ ﺣﻘﻘﺘﻪ ﻭﺃﺷﺮﺕ ﺑﻪ ﺇﻟﻴﻪ، ﻳﺠﺪ ﻓﻲ ﻗﻠﺒﻪ ﺃﺳﺮﺍﺭﺍ ﻳﻤﻸ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻇﻬﻮﺭﻫﺎ ﺃﻧﻮﺍﺭﺍ. ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳفي ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﺑﺈﺩﺭﺍﻙ ﺍﻟﺤﻖ، ﻓﻬﻮ ﻣﻌﺬﻭﺭ "ﻭﻣﻦ ﻟﻢ ﻳﺠﻌﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻪ ﻧﻮﺭﺍ ﻓﻤﺎﻟﻪ ﻣﻦ ﻧﻮﺭ".
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسهو لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
 
قال رضي الله عنه : "إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات وبالغير.
والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكن ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة."
قال رضي الله عنه : (لما ثبت عندهم أنه فقال لما يشاء)، ولو كان فعله منوطا بالاستعداد لکان موجبا لا مختارا.
ولذلك (جوزوا على الله ما يناقض الحكمة)، وهي الاقتصار على قدر الاستعداد، وما يناقض (ما هو الأمر عليه في نفسه) مما علمه الحق تعالی وقدره.
(وهذا) أي: والتقصي عن شبهة هؤلاء القائلين بأن الفاعل على وفق الاستعداد لا يكون فعالا لما يشاء، وإن كان موافقا للحكمة مع ثبوتها بالنص.
(عدل) في الجواب عنها (بعض التظار) عن جادة الصواب (إلى نفي الإمكان، وإثبات الوجوب) لكل موجود إما (بالذات، أو بالغير).
قائلا: بأنه فعال لما يشاء على سبيل فرض ثبوت الإمكان لكنه ليس بثابت إذ المشيئة في الفعل وتركه، إنما تتأتي في الممكن.
لكن نفي الإمكان يستلزم نفي الممكن وفاعل بالحكمة على تقدير الوجوب، وهو ثابت للمحدثات بالغير، وهو استعدادها الموجب لفعل الفاعل بحسبه.
وإنما لم يكن هذا جادة الصواب؛ لأنه راجع إلى القول بالموجب بالذات؛ وهو مذهب الفلاسفة (والمحقق) القابل بأن فعله بالمشيئة والحكمة جميعا (يثبت الإمكان) ليثبت له القول بالمشيئة على سبيل التحقيق دون مجرد الفرض، وهو استواء نسبة الوجود والعدم إلى الشيء .
(ويعرف حضرته)، وهو العلم الإلهي الذي تميزت فيه الأعيان الممكنة، ويعرف (الممكن وما هو الممكن) أي: ما هو ماهيته وهو العين الثابتة مع قطع النظر عن استعداده، (ومن أين هو ممكن).
وهو أن استعداده لا يوجب الفيض من المبدأ الفياض بطريق الإلجاء؛ بل بالاختيار؛ لكن السنة الإلهية جارية بأن فعله تابع لاستعداده.
ولذلك (هو بعينه واجب) الوجود (بالغير) الذي هو الاستعداد الموجب للفعل بحسب جريان السنة الإلهية، رعاية للحكمة والجود، ويعرف المحقق أيضا أن الوجود، وإن كان واحدا وهو واجب بالذات.
فهذا ليس بواجب بالذات؛ بل هو غيره ووجوبه بالغير فيعرف (من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب) بالغير، وذلك أن الوجود إنما وجب بالذات في ذاته لا في المظاهر؛ بل إنما وجب فيها باستعداداتها، وإن الظاهر في المظاهر صورة الوجود، ولم يحل فيها الوجود فهو غيره.
(ولا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة) إذ غيرهم إما قابل بالمشيئة مع جواز مناقضة الحكمة، أو بالإيجاب على وفق الحكمة بلا مشيئة، ولا يعرف الممكن ما هو في نفسه، ولا جهة إمكانه، ولا يعرف جهة الاتحاد له مع الحق مع جهة المباينة، بل إما أن يكون بالحلول أو بالاتحاد المطلق، أو بالمباينة المطلقة بين الحق والخلق؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.  


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)
خصص إدرا که بالعاقلين عن الله، أضرب عن ذلك متعرضا لما ذهب إليه بعض العاقلين عن الأسباب، من الأنظار والأقيسة بإيراد «إلآ» موضع «لكن» في قوله رضي الله عنه : (إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة).
المستمسكين عند استفاضة الحقائق بعروة الوسائل والدلائل ( يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فقال لما يشاء ) ومعنى المشية على ما عرفت بلسان التحقيق هو الذي به يتحقق الشيء نفسه بصفته الأصلية ، فلا يمكن أن يكون إلا على ما عليه الأمر من الحكمة البالغة .
وإذ لم يفهموا معنى المشية (جوزوا على الله ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه) ، إذ الحكمة هوما عليه الأمر في نفسه من الصور والأحكام المطابقة للواقع أعني الموجود في نفس الأمر فلا يكون الممتنع في تقسيم المواد معدودا من الأقسام ، ولا الممكن المعدوم أيضا إذ لا فرق بينه وبين الممتنع على ما ذهبوا إليه فيكون قسمة المواد حينئذ مثناة بين الموجود الممكن والواجب .
(ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان وإثبات الوجوب بالذات و بالغير ؛ والمحقق) بالنظر الحق ، لما شاهد الواقع اطلع على نفس الأمر بما عليه 
من الصور والأحكام وما قصر النظر على الخارج منها عاكفا لديها بأحكامها المحسوسة عرف الإمكان الذي هو مقتضى حقائق الأعيان في حضرة تمايز المعلومات عن العلم ، حيث انفصل العلم عن الوجود وثبت لها أعيان متمايزة .
فإذا نظر إليها في أنفسها بشرط أن لا يلاحظ ما عليه من الخارج عنها تكون نسبة الوجود والعدم إليها على السوية، وهي البرزخ الواقع بينهما، وهي بهذا الاعتبار هو الممكن بما هو ممكن، وهذا موطن إثباته.
وإذا نظر إليها مطلقا عن ذلك الشرط - فقد يعتبر معها خارج هي بعينها - تصير واجبة بالغير بذلك الاعتبار.
وهذا الموطن الإطلاقي هو الذي يصح إطلاق اسم الغير، الذي اقتضى لها الوجوب، وبه يصير الممكن واجبا.
ولذلك (يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكن ما هو الممكن، ومن أين هو ممكن، وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب) .
(ولا بعلم هذا التفصيل) أي تفصيل معنى الإمكان والوجوب، والممكن بما هو ممكن وتحقيق موطنه و صيرورته واجبا بالغير، وموطن صحة هذا الاسم عليه.
( إلا العلماء بالله خاصة ) و العاقلون عنه لا العلماء بالنظر والاستدلال و العاقلون عنه ، فإنهم عاجزون عن ذلك التفصيل ، قاصرين عن تحقيق مبادئه لما مر.
وهو أن «الله » قد انطوى على ثلاثة أرقم : أحدها الخط البسيط المتنزل الذي لا نسبة فيه بالفعل.
والثاني منها ذلك الخط بعينه منفصلا عنه ، منحدا به خط آخر منبسط على الأرض ، انبساط العلم ، وحصل هناك بذلك نسبة غير تامة الارتباط .والثالث منها ذانك الخطان بارزا عنهما خط آخر ، يرتبط به المنبسط إلى الخط الأول ، و يصير به تام الارتباط ، ويتم الدائرة التي عليها مدار کمال الوجود .
وأيضا قد اشتمل من العقود على الثلاثة منها :
أحدها : الواحد الذي هو مبدء سائر الأعداد والنسب ، ولم يكن له بالفعل نسبة أصلا.
الثاني : الثلاثة التي عليها مدار الظهور والبروز و إيجاد الممكن وإثبات الحدوث.
الثالث : الخمسة التي هي العدد الدائر الكامل ، الذي احتوى على التام من الأزواج والأفراد ، وهي أنهی طرف الكثرة ، فهي أم الأعداد بمراتبها ، وهي العدد الأم - كما سبق بيانه .
ولا يخفى على الفطن تحقیق معنى الواجب بالوجوبين والممكن من هذا التلويح وتطبيق تفصيل المواطن عليه ،فلا حاجة إلى زيادة من التوضيح.
ولما تقرر وجوب مماثلة المبدء والختم ولزوم مطابقتهما ، وجب أن یکون الآخر من كل نوع مشتملا على جميع ما عليه الأول بالفعل والقوة.
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير. والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة.)قال رضي الله عنه : "إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه. ولهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير."قال رضي الله عنه : (إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة) الذين لا تقوى عقولهم بالنظر عن إدراك الحقائق على ما هي عليه يرون أن الله سبحانه (لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء) وزعموا أن مشيئته يمكن أن يتعلق بكل ما هو ممكن في نفسه (جوزوا على الله سبحانه ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه) من إعطائه بعض الأشياء أعطيات لاستعدادها کتنعیم من يتعذب العذاب وتعذيب من يستحق النعيم.
وليس الأمر كذلك فإن الله سبحانه ما تعلقت مشيئته از بتعيين الأعيان الثابتة واستعداداتها إلا بحسب ما اقتضته الشؤون الذاتية والنسب الأصلية.
وبعدما تعينت الأعيان ما تعلقت مشبثته بوجودها وأحوالها التابعة لوجودها إلا بحسب استعداداتها الكلية وقابليتها الجزئية الوجودية.
فالحق سبحانه وإن كان فعالا كما يشاء لكن مشيئته بحسب حكمته، ومن حكمته أن لايفعل إلا بحسب أستعدادات الأشياء، فلا يرحم في موضع الانتقام ولا ينتقم في موضع الرحمة.
(ولهذا)، أي لضعف ما يراه هذا البعض وتجويزهم على الله سبحانه ما يناقض الحكمة .
(عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان)، فإن منشأ ما ذهبوا إليه إنما هو إمكان ما يناقض الحكمة فلما ظهر على بعض النظار فساد مذهبهم نفوا ما هو منشؤه فذهبوا إلى نفي الإمكان (وإثبات الوجوب بالذات وبالغير) .من هذه الطائفة
قال رضي الله عنه : "و المحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن ما هو الممكن و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة."
قال رضي الله عنه : "و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني.
و هو حامل أسراره"قال رضي الله عنه : (والمحقق يثبت الإمكان) الذي هو يساوي نسبة صور معلوميات الأشياء الي الظهور وعدمه في العين ولا ينفيه مطلقا كالفرقة الثانية من أهل النظر
(ويعرف حضرته) ، أي حضرة الإمكان ومرتبته وأنه في أي حضرة تعرض الأشياء وهي الحضرة العلمية.
فإن العقل إذا لاحظ الأشياء من حيث أنفسها مع قطع النظر عن أسبابها وشرائها يتساوى عنده وجودها وعدمها ، وإذا لاحظها مع أسبابها وشرائطها حكم بوجوب وجودها.
فلا يثبت الإمكان مطلقا كالفرقة الأولى من أهل النظر.
(و) يعرف (الممكن ما هو الممكن) وهو الوجود المتعين فإنه من حيث تعينه ممكن وإن كان بحسب الحقيقة واجبة.
(و) يعرف أيضا (من أين هو ممكن)، أي من النسبة للنسبة انتسبت صفة إمكانه وهي نسبة تقدسه سبحانه عن التعبد بالصفات المتقابلة كأظهور والبطون والأولية والأخرية وغيرهم أو من أي اعتبار وحيثية هو ممكن وهو اعتباره من حيث نفسه من غير ملاحظة أسبابه وشرائطه .
(وهو)، أي: الممكن (واجب بالغير) لكن من حيث النظر إلى أسباب وجوده وشرائطه.
(و) يعرف أيضا أنه (من أين صح عليه) أي على الغير وحدة الوجود (اسم الغير الذي اقتضى له).
أي للممكن (الوجوب ولا يعلم هذا التفصيل) شهود محقق (إلا العلماء بالله) و مراتبه (خاصة).
فإنهم يعلمون أن الوجود الحق من حيث ذاته واجب ومن حيث تعيناته في الحضرة العلمية ممكن تتساوى نسبة هذه التعيينات العلمية إلى الظهور في العين وعدم الظهور فيه .
إذا لوحظت من حيث أنفسها کتساوي نسبته سبحانه من حيث ذاته المطلقة الى الصفات المقابلة.
وإذا لوحات من حيث أسباب ظهورها وشرائطه ، فهي واجبة بها.
وهذه التعيينات بغایر بعضها بعضا من حيث خصوصیاتها وإن اتحد الكل بالكل حيث حقيقة الوجود.
وأما مغایرتها للوجود الحق المطلق فمن حيث أن كلا منها تعین مخصوص لوجود الواحد تغاير الآخر بخصوصه.
والوجود الحق لا يغاير الكل ولا يغاير البعض لكون كلية الكل وجزنية الجزء نسبا ذاتية.
 فهو لا ينحصر في الجزء ولا في الكل مع كونه فيهما عينه .

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه :  ( إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه.
و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.  والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب.  ولا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة. )
قال المصنف رضي الله عنه : [  إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه . و لهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير . والمحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن و ما هو الممكن . و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. ]

قال الشارح رضي الله عنه :
( إلا أن بعض أهل النظر المتوغل) في الدين (من أصحاب العقول الضعيفة) الذين ما وفوا النظر (حقه يرون الله لما ثبت عندهم أنه فعال) لما يشاء إنه يشاء إيجاد المحيل و المستحيل، مع أنه قال الله تعالى: "فعّالٌ لما يريدُ " [ البروج: 16] .
و غفلوا عن حكم الإرادة أنها ما تتعلق إلا بممكن الوجود، فالمراد لا يكون إلا أمرا وجوديا لا محالا لأنه حكيم ما يريد، إلا ما تقتضي الحكمة، و هذا القدر من العلم يدرك بالعقل السليم من نفس الآية، فعدم إدراكهم ذلك القدر من ضعف فكرهم و نظرهم، جوّزوا على الله ما لا يجوز.

( وهو ما يناقض الحكمة البالغة، وما هو عليه الأمر في نفسه) لأن المشيئة لها أحدية التأثير و التعلق لأن الحق ليس بمحل الجواز، والمشيئة تابعة للإرادة، وهي تابعة للعلم، والعلم تابع للمعلوم، و المعلوم على ما هو عليه .
قال تعالى: "لا تبْدِيل لكلماتِ اللّهِ " [ يونس: 64]، و ليست كلماته سوى صور الممكنات كلمات إثر كلمات فإنها على ما هي عليه، وما وقع منهم ذلك إلا لقصورهم في النظر والفكر، وغلوّهم في التنزيه، فإنهم وقعوا في تجويز ما لا يجوز ولا يصح بل ولا هو من الممكنات، وهم لا يشعرون .
هذا من الغلو الذي نهى عنه صلى الله عليه وسلم حيث قال :
" إياكم و الغلو في الدين فإنما هلك من كان من قبلكم إلا بالغلو في الدين" رواه ابن عساكر، ذكره في جمع الجوامع .
فلهذا (عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان ): أي لما رأى بعض أهل النظر أن بعضهم أخطئوا في قياسهم، و جوّزا على الله ما لا يجوز، و هو ترك العمل بالحكم و الإيجاد كيفما اتفق، فعدل عن هذا القول إلى نفي الإمكان.
(وإثبات الوجوب بالذات وبالغير، وسدّ) باب الجواز أصلا، و هو في نفسه ذوق لأن الإمكان حكم وهمي لا معقول، لا في الله و لا في الخلق المسمّي ممكنا، فإنه لا يعقل هذا المسمّى أبدا إلا مرجّحا، و حالة الاختيار لا يعقل إلا بترجيح، ولا ترجيح .
وهذا غير واقع عقلا لكن يقع وهما، والوهم حكم عدمي، فما ثمة إلا  واجب بذاته، أو فمشيئته الأشياء واحدة، و إذا زال الإمكان زال الاختيار، وما بقي سوى عين واحدة، وما عندها إلا أمر واحد في الأشياء .
قال الله تعالى: "و ما أمْرنا إلّا  واحِدةٌ كلمْحٍ بالبصرِ" [ القمر: 50]، فافهم .
فلما كان هذا الوجه من النظر أولى من الوجه الأول، فسمّاهم النظار بصيغة المبالغة بخلاف الأول، فإنه قال فيهم: أهل النظر لهذا السر الذي عرفته .

( والمحقق وهو) الذي تحقق بالوجود، و رأى الأشياء بالحق فيه ذوقا لا كشفا، فإنهما يكفيان و يشفيان فيه، فإنه (يثبت الإمكان) حضرة مستقلة بين  الحضرتين :
حضرة الوجوب.
و حضرة الامتناع و المجال .
( و يعرف) بالذوق (حضرته، و هي العدم) المضاف حضرة متوسطة برزخية، و هي حضرة المثال المتحقق، المسمّى بحضرة الخيال المطلق، و هي على الحقيقة حضرة الوجوب من حضرات الحس .
فلهذا يلحق المعاني بالمحسوسات في الصورة حتى يتخيل بالمحال محسوسا، و الخيال في الدرجة الأخيرة من الحس، فإنه يأخذ ما يكسوه من الصور للمحال و غيره، بل للواجب .
كما ورد في الخبر الصحيح : "أن تعبد الله كأنك تراه" فأعطي الواجب حكم الممكن في وهم التصوير، فافهم .
و يعرف (الممكن )، بل يشهده (ما هو الممكن )، و هو مظاهر الأسماء و حقائق الأعيان الخارجية، ظاهرة في الوجود لا بالوجود، كما قيل.
الأعيان الثابتة ما شمت رائحة الوجود، كالصورة الظاهرة في المرايا، لا هي عين الرائي و لا غيره، و لا هو من حيث عدمه عين المحال و لا غيره، فكأنه أمر إضافي برزخي، عين غير لا عين و لا غير.
(و يعرف من أين هو ممكن )، مع أنه صورة علمية للحق تعالى، و هو عين الذات الواجب، و لكن ليس إمكانه من هذا الوجه، بل إمكانه من حيث أنه مظهر من مظاهر الأسماء الإلهية التي تسمّى حقائق الأعيانالخارجية.
فهي بالاعتبار الأول: أي باعتبار أنها صور علمية عين الذات.
و بالاعتبار الثاني أعيان الموجودات الخارجية و حقائقها .

( و هو بعينه واجب بالغير ): أي ذلك الممكن الذي تسمّيه ممكنا إذا اعتبرناه صورة العلم الإلهي، قلنا بوجوبه و لكن بالغير لأن العلم عين الذات، و الذات لها الوجوب، فله الوجوب بالواسطة، فالممكن في نفسه لا يتصف بالعدم و لا بالوجود سيما الوجوب، فإذا نسبته إلى الوجود الواجب نسبة مجهولة الكيفية، وجدت فيه رائحة وجوب الوجود، و إذا نسبته إلى العدم وجدته معدوما لأنه بذات لا وجود له و يعرف .
( من أين صحّ عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب )، و ذلك كما ذكرته فيه آنفا: إن الصورة العلمية لها اعتباران: اعتبار أنها عين الذات و لها الوجوب، و اعتبار آخر أنها عين من الأعيان، و حقيقة من الحقائق الخارجية، ومظهر من مظهر الأسماء الإلهية.
فبهذا الاعتبار صار غيرا، و لكن اقتضى ذلك الغير الوجوب لأنه بالحق ظهر في الوجود، و كان به موجودا، بل كان بنا بصيرا، فهو بك في الأزل، فلم يزل بصيرا و لا يزال بصيرا، هذا معقولية الوجوب، فافهم .
فإنه واجب بك كما أنت واجب به، بل العارف المحقق ما يرى للغير عينا حتى يرى له حكما، فافهم . فإن تحرير هذه المسألة عسير، و على إفهام النظّار غير يسير، فإن اللفظ يقصر عن بيانها، و التصور لا يضبطها لسرعة تقلبها، و تناقض أحكامها.
فإنها مثل قوله تعالى : "وما رميت إذْ رميت ولكِنّ اللّه رمى"  [ الأنفال: 17].
فنفى و أثبت: (ولكِنّ اللّه  رمى )، فنفي كون محمد صلى الله عليه و سلم، و أثبت نفسه و عينه، وجعل له اسم الله، فهذا حكم هذه المسألة بعينه فافهم.

( و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله) لأن الحق سمعهم و بصرهم و قواهم، فيعرفونه به، (خاصة ): أي اختصّ بهذا العلم و الذوق العلماء بالله، فإنهم يعرفون الأمور كما هي عليه، فعرفوا بل شهدوا، بل ذاقوا أن الوجود من حيث ذاته واجب، و من حيث تعيناته و صوره ممكن، و إنما قلنا خاصة لأن علم إلحاق الممكن بالوجوب كإلحاق المحال بالممكن.
و هو مختصّ بأهل العناية و الكشف، فإنهم علموا به تعالى، و لكن علم إلحاق الممكن بالمحال أصعب عندهم من إلحاق الواجب بالممكن لأن إلحاق الممكن بالمحال، و هو عدم وقوع خلاف المعلوم مع إمكانه في نفسه، فهذا إلحاق الممكن بالمحال .
فنقول في الذي قلنا: ممكنا عقلا، محالا عقلا، فداخلت الرتب فلحق المحال بالممكن: أي برتبته، ولحق الممكن برتبة المحال، و بسبب تداخل الخلق في الحق، و الحق في الخلق بالتجلي.
والأسماء الإلهية والكونية، فأنبهم الأمر عند صاحب النظر والفكر، فلا يميز الأمرين إلا صاحب العينين، من رأى و علم التوالج و التداخل كيف يولج الليل في النهار، و يولج النهار في الليل؟ و كيف يسلخ منه النهار علما و ذوقا، فهو العالم بالله حقّا .
قال الخراز من هذا المقام: عرفت الله بجمع الأضداد ، فافهم .

واتساب

No comments:

Post a Comment