Tuesday, July 9, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابع والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابع والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة السابع والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM

الفقرة السابع والعشرين :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم) الذي هو الإنسان الكبير كله (شهادة) بالنسبة إلى جميع ما فيه. (والخليفة) وحده الذي هو هذا الإنسان الصغير (غيب ) عن أهل الشهادة الذين هم جميع العالم.
فلا يعرفه أحد من جملة العالم إلا بما هو عليه ذلك الأحد من الكمال أو النقصان، وأما هو فيعرف نفسه ويعرف ربه ويعرف غيره من أهل الكمال ومن أهل النقصان وليس معه في رتبته غيره. لأن الخليفة واحد غير متعدد في هذا العالم.
والمراد الخليفة الكامل على جميع العالم الذي على قدم آدم عليه السلام، وإلا فكل واحد من بني آدم مستخلف في الأرض على طرف من الأشياء ولو ثوبه الذي يلبسه وداره التي يسكنها كما قال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " 7 سورة الحديد.
وغير الكامل من الخلفاء قاصرون عنه ولو بشيء واحد من العالم يمسك عنه مفتاح ذلك الشيء، فلا يملكونه لتحفظ على ذلك الكامل رتبته.
وهو واحد في كل زمان إلى يوم القيامة، وجميع الخلفاء في مشارق الأرض ومغاربها عاملون على ما تحت يديهم مما هم مستخلفون فيه من جهة هذا الخليفة الواحد الكامل.
فإذا مات تولی بعد مرتبته من قاربه في المقام، وله العزل لجميع عماله، وله التولية على كل حال.
وذكره الله قالا وحالا، ولا يخرج عن التبعية له إلا الأفراد من أهل الله، لأن ذكرهم هو، فهم المستغرقون في الهوية الإلهية.
فإذا رجعوا إلى حسهم وصحوا من جمعهم دخلوا تحت حكمه وتصرف فيهم بحسب ما استعدوا له من كمال أو نقصان كباقي الخلق.
ولا يعرفه من جميع الخلق أحد، وإنما يستمدون منه من غير معرفة له على حسب مراتبهم الكمالية والنقصية.
وفي ظنهم أنهم يستمدون من الحق تعالی بلا واسطة، وهو جهل منهم بما الأمر عليه، وربما عرف استمداده منه بعض أهل الله تعالى أصحاب المقامات، وربما جهل ذلك بعضهم وإن كان في مقام القرب.
ولو شئنا لشرحنا کيفية إمداده لجميع العالم، وبنيا ما به الإمداد منه، وفرقنا بينه وبين سائر أهل الله تعالی أصحاب المناصب:
کالأقطاب والأئمة والأوتاد والأبدال والنجباء والنقباء، وذكرنا رقائقهم المتصلة به اتصال الشعاعات في أقطار الأرض بقرص الشمس.
إلى غير ذلك من أحواله ومقاماته ومكانه وزمانه، واسمه ورسمه، ولكن نخرج بذلك عن صدد ما نحن بصدده من هذا الشرح المختصر.
وإن فسح الله في الأجل ويسر في العمل جعلت ذلك في كتاب حافل و ببيان أكثر مما ذكرت كافل.
(ولهذا)، أي لكون الخليفة الكامل في رتبة الخلافة غيب عمن سواه (يحجب السلطان) من سلاطين الدنيا بالوزراء والعمال والأعوان والجنود والعساكر (ووصف الحق) تعالى(نفسه بالحجب الظلمانية) على أهل الغفلة .
(وهي)، أي الحجب الظلمانية (الأجسام الطبيعية الكثيفة) المركبة من الطبائع الأربع المتكاثفة إلى
العناصر الأربعة (و) بالحجب (النورية) أيضا ف عن أهل اليقظة .
(وهي)، أي الحجب النورية (الأرواح اللطيفة والعقول والنفوس وعالم الأمر والإبداع) المنبعثة عن النور الأول بلا واسطة.
وهذه الحجب وردت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات نور وجهه ما أدركه بصره من خلقه».
وورد في حديث آخر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سألت جبرائیل: هل ترى ربك قال : إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور لو رأيت أدناها لاحترقت».
وفي حديث آخر: «إن دون يوم القيامة سبعين ألف حجاب».
وحقيقة الحجاب في حق الله تعالى كمال النور الحقيقي فإن الخفافيش إذا نظرت إلى نور الشمس لم تدرك منها غير الظلمة في بصرها فتحجب عنها الشمس بما أدركته من الظلمة.
والشمس غير محجبة عنها في الحقيقة بل هي منحجبة عن الشمس بضعف بصرها كما قال تعالى : "إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" 15 سورة المطففين .
وانقسمت الحجب إلى ظلمانية ونورانية باعتبار قرب الحجب إلى الله تعالی وبعدها عنه .
فعالم الأنوار الذي هو عالم الأرواح حجبه قريبة إلى الله تعالى لظهوره عنه تعالی بلا واسطة بينه وبينها سوى الأمر الأقدس.
كما قال تعالى : "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " 85 سورة الإسراء.
و عالم الظلمات الذي هو عالم الأجسام بعيد عن الله تعالى لظهوره عنه تعالی بواسطة عالم الأنوار .
(و) قد خلق الله تعالى (العالم)، أي الإنسان الكبير (بین کثیف) جسمانی (و لطيف) روحانی واللطيف حجاب الكثيف.
(وهو)، أي العالم الجامع الكثيف واللطيف (عين الحجاب على نفسه) التي هي من ورائه كثيفة ولطيفة وهي حقيقة الحضرة من حضرات ربه المتجلي بها عليها (فلا يدرك الحق) تعالی أبدا مثل (إدراكه نفسه) إن أدرك نفسه.
لأن ربه محجوب عنه بنفسه، فلو زال الحجاب زالت نفسه، ولو زالت نفسه زال المذرك ، فلا مدرك فمن يدرك الحق غير الحق.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم) بجميع حقائقه ومفرداته (شهادة) أي ظاهر الخليفة وصورته (والخليفة) أي الإنسان الكامل (غيب) أي باطن العالم وروحه المدبر له وهي أي الخليفة وإن كان موجودة في الخارج لكنه بحسب الحقيقة يكون غيبة وروحا مدبرة للعالم الكبير الروحاني والجسماني فالعقل الأول أول ما يربه الخليفة من عالم الأرواح فالخليفة سلطان العالم كله .
(ولهذا) أي ولأجل كون الخليفة غيبة (بحجب السلطان) عن الخلائق لوجود نوع من معنى الخلافة فيه، لما فرغ عن بيان الارتباط
الذي يحصل العالم لنا به شرع في بيان الارتباط الذي احتجب الحق عنا به.
فقال : (ووصف) أي وستر (الحق نفسه) وإنما فسرنا الوصف بالستر لأنه لا يقال في كل لسان من الأنبياء والأولياء الله جسم طبيعي أو جسم نوري.
بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "إن الله سبعين ألف حجاب" ولم يقل ألف صفات فلا حظ للوجوب الذاتي في هذه الأشياء على الوصفية كما لا حظ لنا في الوجوب الذاتي .
فظهر أن مراد الشيخ بالوصف الستر أو غير ذلك من المعنى المناسب الحضرة الحق واللائق به لا ما اصطلح عليه القوم .
وإنما اختار لفظ الوصف ليجانس ما قبله وينظم كلامه في مسألة الارتباط في سلك واحد وهو نوع من البلاغة أو المعنى وصف نفسه (بالحجب الظلمانية) أي وصف نفسه بالأسماء التي هي مظاهر لها أو المعنى وصف نفسه بصفات الحجب الظلمانية.
كما قال : "جعت ومرضت" وغير ذلك مما ورد به الإخبارات الإلهية (وهي الأجسام الطبيعية و ) وصف نفسه بالحجب (النورية وهي الأرواح اللطيفة فالعالم) دائر (بين کثیف) طبيعي (ولطيف) روحاني ولما وصف نفسه بالحجب الظلمانية والنورية وكنا بين كثيف ولطيف احتجب ذاته تعالى عنا بنا .
فحجابنا علينا في الحلق عين وجودنا وهو معنى قوله : (وهو) أي العالم (عین الحجاب على نفسه) أي على العلم فإذا كان وجود العالم عين الحجاب على نفسه.
(فلا يدرك) العالم (الحق إدراكه) أي العالم نفسه، فإنه لما اتصف بالعالمية فلا يقع نظره على ذوق وشهود إلا إلى العالم لا إليه تعالى.
(فلا يزال) العالم (في حجاب لا يرفع) وإلا لانعدم العالم .
كما قال : "إن الله تعالی سبعین ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
(مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره) يعني أن هذا الحجاب لا يمنع علمه بأن الله واجب بالذات وغني عن العالم والعالم بذاته مفتقر إليه تعالى.
قوله : (ولكن لا حظ له) أي لا علم للعالم علم ذوق (في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق) استدراك عن قوله مع علمه فإذا لم يكن له حظ في الوجوب الذاتي (فلا يدركه أبدا) .
أي فلا يدرك العالم الحق تعالی أبدأ . علم ذوق من هذا الوجه. فإن ذوق الشيء شيئا في غيره فرع ذوقه ذلك الشيء في نفسه . فإذا لا يدرکه من هذه الحيثية.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قوله رضي الله عنه : "ووصف الحق نفسه الكريمة بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة، فالعالم بين لطيف وكثيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق أحد إدراكه نفسه.
فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في وجوب الوجود الذاتي الذي لوجود الحق تعالی، فلا يدركه أبدا."
قلت: يعني ما ورد من قوله صلى الله عليه وسلم وعليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " فعالم شهادة والخليفة غيب ، ولهذا احتجب السلطان ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام العنصرية الكثيفة والنورانية وهي الأرواح والعقول والنفوس وعالم الأمر والإبداع ، والعالم بين لطيف وكثيف ، فهو عين الحجاب على نفسه فلا يدرك الحق إدراكه نفسه ولا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنّه متميّز عن موجده بافتقاره و لكن لا حظَّ له في وجوب الوجود الذاتي الذي للحق ، فلا يدركه أبدا ".
قال العبد أيّده الله به :
خلق الله آدم على صورة الرحمن ، كما نطق به الصادق الذي ما ينطق عن الهوى لأنّ الخليفة على صورة مستخلفه فيما استخلف فيه واستنيب ، وإن لم يظهر بصورة مستخلفه فما هو بخليفة .
ثم خلق الله العالم على صورة آدم لما ذكرنا أنّ العالم صورة تفصيل النشأة الإنسانية ، والإنسان صورة جمعها الأحدية فهو غيب العالم .
والعالم شهادته وظاهره لكون الكثرة والتفرقة حجابا ظاهرا ، والجمعية الأحدية غيبا باطنا ، فالإنسان روح العالم وقلبه وسرّه الباطن ولبّه .
ولهذا السرّ وجد احتجاب السلاطين والخلائف ضرب مثال للأمر ، حتى يكون غيبا ، كما أنّ اللبّ غيب في القشر ، وذلك أليق بعزّة الخليفة وعظمته ، كما أنّ الله تعالى وصف نفسه على لسان رسولنا بالحجب .
فقال صلَّى الله عليه وسلَّم : " إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة " ، فالاحتجاب بالحجب من مقتضيات السلطنة والخلافة .
ولمّا كان العالم بين لطيف وكثيف ، جسم وروح ، قد تعيّن الوجود الحق عامرا لعوالمهما وكثراتهما غير المتناهية ، وكلّ من العالمين حجاب على الآخر ، فتحجّب اللطيف بالكثيف ، والكثيف باللطيف ، واللطيف باللطيف والكثيف .
فالعالم عين حجابه على نفسه ، فلا يدرك الحق أبدا إلَّا من وراء هذه الحجب الكثيفة واللطيفة وذلك لأنّه لا حظَّ له في الوجوب الذاتي ولأنّه مفتقر في الوجود إلى من يتوهّم أنّه غيره ، فلا يزال في حجاب الغيرية ما بين كثيف نسمّيه جسما ، ولطيف نسمّيه روحا أو عقلا أو نفسا أو معنى ، وهي فيما بينها أغيار لوجود المغايرة بين التعيّنات الحقيقية والخصوصيات الذاتية ، فلو شهد العالم العين المحتجبة بحجب الغيرية عن أعين أعيان الأغيار أنّها بالحقيقة عين هذه الأغيار ، لزال عن عينها الغين والحجاب ، ولكنّ العزّة والغيرة أوجبتا الغيرية ، ولا بدّ ،" وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ من ضُرٍّ لَلَجُّوا في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ "..

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
ولهذا قال ( فالعالم شهادة والخليفة غيب ) لأنه من حيث الصورة داخل في العالم ، ومن حيث معناه خليفة الله ورب وسلطان للعالم
( ولهذا المعنى يحجب السلطان كما ذكر ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية والنورية وهي الأرواح اللطيفة ، فالعالم بين كثيف ولطيف وهو عين الحجاب على نفسه ) فالظلمانية أجساد العالم والنورانية أرواحه .
وليس العالم إلا هذه الأجسام الكثيفة والأرواح اللطيفة فهو حجاب على نفسه
( فلا يدرك الحق إدراكه نفسه ) لأن الشيء لا يدرك إلا ما فيه وليس في العالم إلا الحجب ، فلا يدرك إلا الحجاب دون المحجوب.
( فلا يزال في حجاب لا يرفع ) من هذا الوجه ( مع علمه ) أي مع أنه محجوب بحجاب آخر وهو علمه .
( بأنه متميز عن موجده بافتقاره ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق فلا يدركه أبدا ) أي ولكن لا يعلم من علمه بافتقاره الوجوب الذاتي الذي للحق إذ لا حظ له منه بوجه ، وما ليس فيه شيء منه لم يدركه إدراك ذوق وشهود.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
(فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولهذا تحجب السلطان) أي، العالم ظاهر والخليفة باطن.
وإنما أطلق (الشهادة) عليه، مع أن بعضه غيب كعالم الأرواح المجردة، مجازا بإطلاق اسم البعض على الكل.
فالمراد بـ (العالم) هنا العالم الكبير الروحاني والجسماني، لأنه صورة الحقيقة الإنسانية وهي غيبه. ولما كان الإنسان الكامل مظهرا لكمالات هذه الحقيقة وخليفة ومدبرا للعالم، جعله غيبا باعتبار حقيقته التي لا تزال في الغيب وإن كان الخليفة موجودا في الخارج.
وكون الخليفة غيبا أيضا اتصاف بصفة إلهية، فإن هويته لا تزال في الغيب. وإنما جعلنا الخليفة غيب الأرواح أيضا، لأن ما يفيض على العقل الأول وغيره من الأرواح أيضا إنما هو بواسطة الحقيقة الإنسانية لأنه أول مظاهرها.
كما قال صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله نوري". أي، نور تعيني وحقيقتي الذي هو العقل الأول الذي ظهر في عالم الأرواح أولا.
ولا شك أن المظهر مربوب لما ظهر فيه، وإن كان باعتبار آخر هو يرب ما دونه من الأرواح وغيرها، لذلك يبايع القطب هو ومندونه ويستفيد منه.
الظلمانية والنورية، كما قال: "إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، لوكشفها، لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
ولما كانت الأجسام الطبيعية مظاهر لصفات تستر الذات سترا لا تكاد تظهر بها، جعلها حجبا ظلمانية للذات بقوله: (وهي الأجسام الطبيعية).
وكذلك جعل الأرواح حجبا نورانية مع أنها حجب هي مظاهر للصفات المظهرة للذات
بوجه، كما أنها ساتره لها بوجه. ألا ترى أن الشعاع وإن كان يستر الشمس لكن يدل عليها ويظهرها أيضا.
(فالعالم بين لطيف وكثيف) أي، كما أن الحق موصوف بالحجب الظلمانية والنورانية، كذلك العالم موصوف بالكثافة واللطافة، فهو دائر بين الكثيف واللطيف.
(وهو عين الحجاب على نفسه) أي، العالم هو عين الحجاب على نفسه، أي، تعينه وإنيته التي بها تميز عن الحق وتسمى بالعالم هو عين حجابه، فلو رفعت الإنية ينعدم العالم.
وإليه أشار الحلاج (رض) بقوله:
بيني وبينك إني ينازعني  ... فارفع بلطفك إنيي من البين.
ويجوز أن يعود الضمير إلى الحق. أي، الحق من حيث أنواره عين الحجاب على نفسه كما قيل: "وليس حجابه إلا النور ولا خفاؤه إلا الظهور."
(فلا يدرك الحق إدراكه لنفسه) أي، فلا يدرك العالم الحق كما يدرك نفسه ذوقا ووجدانا، لأن الشئ لا يدرك غيره بالذوق إلا بحسب ما فيه منه، وليس في العالم، من حيث إنه عالم وسوى، إلا الحجب النورانية والظلمانية، فلا يدرك بالذوق إلا إياها.
فضمير (إدراكه) و (نفسه) عائد إلى (العالم). ويجوز أن يعود الضمير إلى (الحق). أي لا يدرك العالم الحق كما يدرك الحق نفسه. فإن العالم من حيث إنه مظهر للحق مشتمل عليه، فيدركه في الجملة، لكن لا يمكن أن يدركه على الحقيقة كما هي.
(فلا يزال في حجاب لا يرفع) أي، فلا يزال العالم في حجاب لا يرفع، بمعنى أنه محجوب عن الحق بإنيته، ولا يقدر على حق معرفته ولا على معرفة نفسه، فإنه لو عرف نفسه لعرف ربه، لأن ذاته عين الذات الإلهية وما فاز بهذه المعرفة إلا الإنسان الكامل، لذلك صار سيد العالم و
خليفة عليه.
(مع علمه بأنه متميز عن موجده بسبب افتقاره إليه) أي، لا يزال العالم في الحجاب، مع علم العالم بأنه متميز عن موجده بسبب افتقاره إليه.
والعلم بامتيازالشئ عن غيره يوجب العلم بهما، فالعالم عالم بالحق من حيث إنه غنى وواجب بالذات. ولما كان العالم مفتقرا إليه ومتصفا بالإمكان، وإن كان متصفا بالصفات الإلهية.
استدرك بقوله: (ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق) أو استدراك من قوله: (فأوجد العالم غيب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهربشهادتنا).
أي، العالم متصف بصفاته، إلا بالوجوب الذاتي الذي لوجود الحق.
(فلايدركه أبدا) أي، فلا يدرك العالم الحق أبدا من حيث وجوبه الذاتي، لأن المدرك ما يدرك شيئا بالذوق والوجدان إلا بما فيه منه، وليس له حظ في الوجوب الذاتي، فلا نسبة بينهما.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
فلذلك قال: (فالعالم) أي: الكبير من حيث اشتماله على صور الأسماء المتقابلة متفرقة منفصلة (شهادة)؛ لأن العلم التفصيلي يشاهد فيه أجزاء المعلوم، وصفاته واحدة بعد واحدة .
والخليفة من حيث اشتماله على صور الأسماء المتقابلة مجتمعة محملة غيب إذ لا يشاهد في العالم الإجمالي أجزاء المعلوم، ولا صفاته واحدة بعد واحدة؛ ولهذا أي: هو لأجل أن(و الخليفة) الحقيقي (غيب يحجب) عن نظر العامة (السلطان) الذي هو: الخليفة الظاهر لتكون الصورة على نهج الأصل، ولهذا لا يعرف الخليفة الحقيقي من لم يبلغ مرتبته إلا باعتبار ظاهر صورته.
وإنما كان الخليفة غيبا ليناسب به الحق، إذ (وصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية، وهي الأجسام العنصرية)، قيد الأجسام بها لكمال معنى الحجابية فيها؛ لأن تبدل الصور فيها يدل دلالة واضحة على أن لها مادة استترت بصورتها، فلما صار بعضها حجابا على بعضها فهي أولى بكونها حجابا على غيرها والسماوات السبع عنده من الأجسام العنصرية بخلاف تلك المنازل وتلك البروج والعرش والكرسي.
ثم وصفها بقوله: (الكثيفة)؛ لأن الكثافة تدل على الظلمة ووصف نفسه أيضا بالحجب النورانية: (وهي الأرواح اللطيفة) فإنها لما كانت أنوارا قريبة منا حجبت ما وراءها من الأنوار عن العقل واللطافة تدل على نورانیتها.
وهذا إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" .
فجعل رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم بمنزلة قول الله تعالى؛ لأنه لا "ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى" [النجم: 3، 4].
ومعنی احتجاب حق بها أنه تعالى أظهر صورها وآثارها، وأخفى من ورائها أفعاله وصفاته وأسماءه، وهذه الحجب لا بد من تحققها في حق الخليفة أيضا؛ فإنه يتصرف أيضا بهذه الأجسام والأرواح كأنها جسمه وقواه؛ فهو محتجب وراءها احتجاب روح الإنسان وراء أعضائه وقواه؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
(فالعالم بين كثيف ولطيف) وإذا كانت الكثافة ظلمة واللطافة نورا، وهما حجابان فالعالم كله حجاب لا متردد بطريق الحصر بين كثيف هي أجسام العالم كله عنصرا أو غيره، وإن كان بعضه اللطف من بعض ولطيف هي أرواحه.
وهذا الحجاب ليس بالنسبة إلى الحق يمنعه من إدراك ما في العالم أو ما وراءه، لو فرض بل )وهو عين الحجاب على نفسه( يمنعه من إدراك الحق الإدراك الكامل، ولا ينبغي أن يعرض بينه وبين الحق حجاب آخر، كما هو المتعارف في الحجب الظاهرة من الأجسام، )فلا يدرك العالم الحق مثل إدراك نفسه(؛ لأنه إنما يتم إدراکه برفع الحجاب، وهو نفسه فإذا رفع نفسه فمن يدرك الحق منه.
(فلا يزال) العالم في (حجاب) عن الحق (لا يرفع) عنه؛ لأنه ما بقي فهو في حجاب نفسه، وإذا رفع فهو في حجاب العدم هذا (مع) حجاب آخر لمن يعلم منه هو حجاب(علمه بأنه متميز عن موجده)، والتمييز مباينة توجب البعد الموجب للجهل، مع أن ذلك التميز (بافتقاره إليه)، فلا يدركه ما لم يرتفع عنه حجاب افتقاره إليه بالوجوب الذاتي.
(ولكن لاحظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق)، وإن فني وجوده في وجود الحق، وبقي به (فلا يدركه أبدا) لا حال الفناء والبقاء، ولا بدونهما.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قال رضي الله عنه : ( فالعالم شهادة ) بالنسبة إليه (والخليفة غيب ولهذا يحجب السلطان) ليظهر قهرمان حكمه بنفوذ الأمر .
( ولهذا وصف الحقّ نفسه بالحجب الظلمانيّة ، وهي الأجسام الطبيعيّة والنوريّة ، وهي الأرواح اللطيفة ) .
فيما روي عن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم : "إنّ لله سبعين ألف حجاب من نور وظلمة ، لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه" .
( فالعالم بين كثيف ولطيف ) لا يخلو أمره عنهما ( وهو عين الحجاب على نفسه ) ضرورة أنّه هو الحاجب ، ولا محجوب به غيره (فلا يدرك) العالم حينئذ (الحقّ إدراكه نفسه) ضرورة أنّه إنّما يدركه من وراء الحجاب ، وذلك هو الأوصاف المشتركة بين الحقّ والعالم ، التي هي عين العالم كما سبق بيانه .
(فلا يزال في حجاب لا يرفع) لامتناع رفع الشيء عن نفسه، فالعالم أبدا في حجاب نفسه (مع علمه بأنّه متميّز عن موجده بافتقاره) إليه واستغنائه عنه .
وهذا معنى تسبيح الأشياء للحقّ، فهو إنّما يعلم الموجد بصفة الاستغناء من وراء حجاب الكبرياء، فعلمه به من حيث الأوصاف العدميّة، لا غير .
( لكن لا حظَّ له في وجوب الوجود الذاتي الذي ) هو من الأوصاف الثبوتيّة ( لوجود الحقّ ) لما نبّهت عليه أن علمه إنّما يتعلَّق بالأوصاف التنزيهيّة ، ولا دخل له في الأوصاف الثبوتيّة أصلا (فلا يدركه أبدا ) .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان. ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة. فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه. فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره. ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.)
قوله : "فالعالم شهادة و الخليفة غيب، و لذا تحجَّبَ السلطان."
وإذا عرفت هذا (فالعالم) بوجوه كثيرة تظهر بالتأمل شهادة بالنسبة إلى الإنسان الكامل (و) الإنسان الكامل الذي هو (الخليفة غيب) بالنسبة إليه .
(ولا) يخفى أن عالم الملك شهادة مشهودة والخليفة بحسب نشأته العنصرية أيضا غیب .
لكن من حيث خلافته لا مطلقا فإنه لا يعرفه من هذه الحيثية الا بعض الخواص من أولياء الله سبحانه .
(ولهذا)، أي لكونه الخليفة غيبا (تحجب) السلطان، لأنه مظهر الخلافة الغيبية في الملك لذلك وجب الانقياد والمطاوعة له.
ولما انساق الكلام إلى ذكر الحجاب أراد أن ينبه على المراد بالحجب الإلهية الواقعة في الكلمات النبوية.
قوله : "و وصف الحق نفسه بالحُجُب الظلمانية و هي الأجسام الطبيعية، و النورية و هي الأرواح اللطيفة. "
فقال : (ووصف الحق نفسه) شأن نبيه صلى الله عليه وسلم : (بالحجب الظلمانية)، أي بأن له حجبة ظلمانية.
(وعن الأجسام الطبيعية) عنصرية كانت أو غير عنصرية (و) بالحجب (النورية)، أي بأن له حجبة نورية (وهي الأرواح اللطيفة) مثالية كانت أو روحية.
حيث قال صلى الله عليه وسلم:" إن لله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة".
"رواه ابن أبي حاتم في تفسيره، حديث رقم 1957 [2/273] وابن حبان الأصبهاني في العظمة ، حديث رقم 246  [2/668]."
قوله : "فالعالم بين كثيف و لطيف، و هو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحقَّ إدراكَه نَفْسَه."
(فالعالم) الذي هو عين تلك الحجب دائر (بين کثیف) هو الحجب الظلمانية (و) بين (لطيف) هو الحجب النورية .
(وهو)، أي العالم (عبن الحجاب على نفسه)، أي الحاجب إياها عن شهود الحق وإن كان عينه.
لأن الحجاب ليس إلا الأجسام الطبيعية والأرواح النورية التي هي عين العالم أو هو عين الحجاب على نفسه.
أي على نفس الحق وذاته بحجبه عن إدراك الحق ذوقا وشهودا .
وإذا كان العالم عين الحجاب فهو يدرك نفسه بلا حجاب .
ويدرك الحق من وراء حجاب (فلا ندرك) أي العالم (الحق) إدراكا يماثل (إدراك)  أي إدراك العالم (نفسه) .
فإن إدراکه نفسه إدراك ذوقي شهودي من غیر حجاب.
وإدراكه الحق من وراء الحجاب الذي هو عينه أو إدراكا يماثل إدراك الحق نفسه.
فإن إدراك الحق نفسه إنما هو بذاته من غير حجاب.
"فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره."
وإدراك العالم إياه من وراء الحجاب (فلا يزال) العالم (في حجاب).
أي في حجاب تعينه وأنيته عن إدراك الحق (لا يرفع) ذلك الحجاب عنه بحيث لم يصر مانعة عن الشهود ولم يبق له حكم فيه.
فإنه وإن أمكن أن يرتفع تعينه عن نظر شهودي لكن يكون حكمه باقية فيه ويكون شهوده بحسبه لا بحسب ما هو المشهود عليه .
فلا يرفع الحجاب بالكلية (مع علمه)، أي العالم (بأنه متميز عن موجده بافتقاره) إليه وعدم افتقار موجده إليه لغناه ووجوبه الذاتي .
فيعلم موجده بعدم افتقاره ووجوبه الذاتي
قوله : "و لكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا."
(ولكن لا حظ له)، أي للعالم في الوجوب الذاتي الذي الوجود الحق سبحانه (فلا يدرکه).
أي العالم الحق من حيث وجوبه ، أو لوجوب إدراك شيء.
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولذا تحجب السلطان.
ووصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية، والنورية وهي الأرواح اللطيفة.
فالعالم بين كثيف ولطيف، وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه.
فلا فلا يزال في حجاب لا يرفع مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره.
ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا. )

قال المصنف رضي الله عنه : [فالعالم  شهادة، والخليفة غيب، ولهذا يحجب السلطان]
قال الشارح رحمه الله :
فالعالم و هو ما سوى الله تعالى على اختلاف أنواعه و أشخاصه روحا و مثالا و جسما شهادة لأنها من أحكام الظاهر، و الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان غيب حقيقيّ من أحكام الباطن لأنه سرّ العالم.
والسر من ثنائه أن يكون غيبا. فلو ظهر لم يكن سرا حقيقيا، و قد قلنا أنه سرّ العالم و هو أحدية جمعه و هو روح العالم و مدبره و هويته لا تزال غيبا "فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً" [ الجن: 26] أبدا .
هذا وهنا إشارات لا يمكن إظهارها، وأسرار لا يقبل إبرازها، ومن هذا المقام ما ورد عن بعض المجاذيب العقلاء: إنه سكر و باح و قال: أما عرفته؟ وأمّا هو ما أعرفه هل عرفني أم لا؟
يشير إلى هذا الغيب المطلق، فافهم .
فهو يعلم غيب ربه، يعلم غيبه بنفسه، فمن عرف نفسه فقد عرف ربه .
قال تعالى: "عالمُ الغيْبِ فلا يظهِرُ على غيْبهِ أحداً . إلّا منِ ارتضى مِنْ رسُولٍ فِإنّهُ يسْلكُ مِنْ بيْنِ يديهِ ومِنْ خلْفِهِ رصداً" [ الجن: 26، 27] .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء  كُلّها" [ البقرة: 31] و منها (الاسم الباطن) 
و هو الغيب، و لهذا: أي لأجل عزة المرتبة بحجب السلطان لأن المرتبة أمر اعتباريّ لا عين لها في الخارج، فهو مستور عن أعين الشهادة لعزة المنصب بالمشاكلة .

"" إضافة الجامع يقول أ. نهاد خياط  عن االخليفة :
" إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً " والمراد بالخليفة آدم ـ عليه السلام ـ وهو يرمز إلى الإنسان الكامل الذي تجمعت فيه الأسماء الإلهية التي لا يبلغها الإحصاء.
وهو بهذه الصفة قد جمع بين صورة العالم وصورة الحق.
وهما ـ الصورتان ـ يدا الحق تعالى المشار إليهما في مخاطبة الله تعالى لإبليس بقوله " مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ " [ص: 75].
يقول الشيخ الأكبر:
ولهذا كان آدم خليفة، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها ـ لأن استنادها إليه فلابد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه ـ وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى، ولذلك قال فيه " كنت سمعه ... ، وبصره .. الخ)
(إشارة إلى حديث قرب النوافل الذي سوف نذكره فيما بعد) .
ما قال كنت عينه وأذنه: ففرَّقَ بين الصورتين وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود ولكن ليس لأحدٍ مجموع ما للخليفة، فما فاز إلا بالمجموع.
لكن ما الغاية من خلق الإنسان الخليفة؟
يجيب الشيخ الأكبر :
هي أن يرى الله تعالى عينه في كونٍ جامع يحصر الأمر كله لكونه متصفاً بالوجود.
ويظهر به سره إليه: فإن رؤية الشيء لنفسه بنفسه ما هي مثل رؤيته نفسه في أمرٍ آخر يكون له كالمرآة.
فإنه يظهر له نفسه في صورة يعطيها المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له من غير وجود هذا المحل ولا تجليه له .أهـ ""
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ و وصف الحق نفسه الحجب الظلمانية و هي الأجسام الطبيعية الكثيفة و النورية و هي الأرواح اللطيفة و العقول و النفوس و عالم الأمر و الإبداع . فالعالم بين كثيف و لطيف، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه . فلا يزال في حجاب لا يرفع، مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره إليه، و لكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا].

قال الشارح رحمه الله :
(و وصف الحق نفسه بالحجب) . كما ورد في الخبر الصحيح : "إن لله تعالى سبعين ألف حجاب أو سبعين حجابا من شك الراوي من نور و ظلمة لو كشفها لأحرقت، سبحان وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"  .
اعلم أن الحجب منها: (حجب عناية) مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " إن لله سبعين ألف حجاب  الحديث" .
ومنها (حجب نقمة و عذاب) مثل قوله تعالى : "كلّا إنّـهُمْ عنْ ربِّهِمْ يوْمئذٍ لمحْجُوبون" [ المطففين: 15] .
و إن اللّه تعالى لما خلق الحجب، و لا بد فلو لم يحجب لما كانت حجبا، و خلق الله تعالى هذه الحجب على نوعين معنوية و مادية .
و خلق (الحجب المادية) على نوعين كثيفة و لطيفة .
و (الحجب اللطيفة) على نوعين شفافة و غير شفافة .
فـ (الحجب الكثيفة) لا يدرك البصر سواها ما فيها و ما ورائها، و يحصل له الالتباس إذا أدرك ما فيها و يقول كما قيل :
رقّ القلوب و رقت الخمر   .... فتشاكلا فتشابه الأمر
فكأنما خمر و لا قدح     ..... و كأنما قدح و لا خمر
و أمّا المرئي في الأجسام الصقيلة فلا يدرك موضع الصور منها، و لا يدرك ما ورائها، و يدرك الصور الغائبة عن أعين المدرك بها لا فيها .
فـ (الصور المرتبة) حجاب بين البصر و الصقيل و هو صور لا يقال فيها لطيفة و لا كثيفة، و تشهدها الأبصار كثيفة، و تتغير أشكالها بتغير شكل الصقيل، و يتموج بتموّجه، و يتحرك بتحركه بل بحركته، و يسكن بسكونه فما في الجود إلا حجب مسدلة، و الإدراكات متعلقها الحجب، و لها الأثر في صاحب العين المدرك لها، و أما الحجب المعنوية فأعظم الحجب حجابان حجاب الجهل و حجاب حسيّ، وهو رؤيتك أنانيتك، فما جعل حجابا عليك سواك و هو أكثف الحجب.

فأنت حجاب القلب عن سرّ ....   و لولاك لم يطبع عليه ختامه  
فافهم فإن الأمور كلها أمثال و عبر .
قال تعالى:" فاعْتبرُوا يا أولي الْأ بصارِ" [ الحشر: 2] فافهم .
فـ (الحجب الظلمانية) و هي الأجسام الطبيعية يشير رضي الله عنه إلى بيان الحديث المذكور حيث جعل صلى الله عليه و سلم الحجب من نور و ظلمة،
و (النورية ): أي الحجب النورية و هي الأرواح اللطيفة و الأجساد اللطيفة النورية
أي (الحجب النورية) و هي الأرواح اللطيفة و الأجساد اللطيفة النورية .
فهذه هي الحجب التي وردت في الحديث أنهما من نور و ظلمة.
فمن الظلمة وقع التنزيه، فنفينا عنه صفات المحدثات فلم نره.
فنحن جعلنا الحجب على أعيننا بهذا النظر، ومن النور هو ظهوره لنا حتى نشهده وننكر أنه هو كما وقع التجلي في القيامة. فيشهده العارف في صور الممكنات وينكره المحجوب.
فهو الظاهر للعارف والباطن للمحجوب دنیا وآخره، وكون الحجاب نورا من أعز المعارف؛ إذ لا يتمكّن النور أن يكون حجابا مستورا، فإنه لذاته يخرق الحجب و يهتك الأستار .

فـ (العالم) الذي هو عين السرّ على نفسه بين (حجاب كثيف) و (حجاب لطيف ).
و ليس العالم سوى هذه الأجسام و الأجساد كثيفها و لطيفها و هو عين الحجاب على نفسه، و انحجب بعينه و تقيده عن الأصل المطلق الذي لا يتقيد بالتقييد، كما لا يتقيد بالإطلاق، فافهم . 

فلا يدرك الحق سبحانه: أي العالم لا يدركه تعالى من حيث إطلاقه إدراكه تقسه: أي مثل إدراكه تعالى نفسه، وذاته تعالى و هو مطلق لأن المقيد لا يدرك المطلق لعدم المناسبة، فلا يدرك المطلق إلّا المطلق، و العالم مقيد فلا يدرك الحق المطلق، فلا يزال أي العالم في حجاب لا يرفع: 
منحتها الصفات و الأسماء  ..... أن ترى دون برقع اسما
قد تسمّت بهم و ليسوا    ...... فالمسمى أولئك الأسماء
و ذلك لتقييد العالم و عدم إطلاقه، و إطلاق الحقّ تعالى و عدم تقيده، و المقيد لا يدرك المطلق أبدا . 
قال تعالى: " وما مِنّا إلّا لهُ مقامٌ معْلومٌ" [ الصافات: 164] لأن الإطلاق مشرف على التقييد لا بالعكس، فيعلمنا و لا نعلمه، و يدركنا و لا تدركه.
و أيضا أن ( المطلق) له أن يقيد نفسه إن شاء . ومن هذا المقام أوجب على نفسه الرحمة، فيدرك المقيد بإدراكه لنفسه بخلاف المقيد لا يصح أن يرجع مطلقا بوجه من الوجوه ما دامت عينه، فإن القيد صفة نفسه له فلا يفارقها أبدا . 
هذا حكم العالم من حيث أنه عالم لا حكم الإنسان الكامل فإنه مخلوق على الصورة يا أهل يثرب لا مقام لكم، فافهم . 

( مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره) فـ (الحجاب) مسدل مع العلم بالتميز لأن علمه ما تعدى نفسه من حيث لوازمه الذاتية، فلا أفاد في إدراك الحق تعالى شيئا، و لكن أي و إن كان له العلم بالتميز عن موجده بافتقاره.
و لكن لا حظّ له في (الوجوب الذاتي لوجود الحق سبحانه ): أي و لو ميزه لم يميزه إلّا بما هو عليه في نفسه لا بما في نفس الحق و هو الوجوب الذاتي .  الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا.
.
واتساب

No comments:

Post a Comment