Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

الفقرة الثالثة والعشرون .السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM 

الفقرة الثالثة والعشرون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فما وصفناه تعالی بوصف) من الأوصاف مطلقا (إلا كنا نحن ذلك الوصف) الذي وصفنا الله تعالى به.
لأننا على صورته، فوصفنا له وصفنا لنا. والصورة واحدة غير أنها إذا نسبت إليه تعالی کانت قديمة.
وإذا نسبت إلينا كانت حادثة. لأنها في نفسها هي تلك الأمور الكلية التي تقدم الكلام عليها.
وأنها واحدة لم تنفصل في ذاتها ولم تتعدد، ولكن لها حكم وارد عليها من جهة الأعيان الموجودة في الخارج فتتفصل وتتعدد باعتبار ذلك على حسب ما سبق بيانه (إلا الوجوب).
أي وجوب وجوده تعالى (الذاتي الخاص) به تعالى فلا حظ لنا فيه كما مر.
(فلما علمناه) تعالى (بنا)، أي بعلمنا بأنفسنا (ومنا)، أي علمنا به تعالی ناشئة منا (نسبنا إليه) تعالى (كل ما نسبناه إلينا) من الأوصاف والأفعال والقوى الباطنة والظاهرة والأعضاء والجوارح.
ولكن على حد ما يليق بحقيقته القديمة وذاته العظيمة، لا على حد ما هو ظاهر لنا من ذلك حسين وعقلا .
(وبذلك)، أي جميع ما هو منسوب إلينا من الوجود والحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام والحلم والغضب والرضى والرحمة والنقمة والرأفة واللطف والمکر والاستهزاء والسخرية والضحك والفرح واليد والعين والأصابع والقدم والوجه.
وقد استقصينا ما أمكننا استقصائه من ذلك من كتاب الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم في كتاب سميناه «قلائد المرجان في عقائد الإيمان».
(وردت الأخبار الإلهية على ألسنة) جمع لسان (التراجم)، وهم الأنبياء والمرسلون صلوات الله تعالی علی نبینا وعليهم أجمعين.
(إلينا) من الله تعالى وذلك في الكتاب والسنة كما شرحناه في كتابنا المذكور .
(فوصف) الحق سبحانه وتعالى (نفسه لنا بنا)، فكنا نحن أوصافه وأسماؤه عندنا على حسب علمنا بنا لا حسب علمه بنفسه.
والوصف كلام الواصف، والفهم على قدر ما يناسب حال الموصوف له ونحن إنما تكونا وځلقنا بكلام الله تعالى كما يشير إليه الحديث القدسي.
قال تعالى : "عطائي کلام و عذابی کلام إنما أمري شيء إذا أردت أن أقول له : كن فيكون".
(فإذا شهدناه تعالى) إنما (شهدنا نفوسنا)، لأننا وصفه تعالی عندنا (وإذا شهدنا) هو جل وعلا فإنما (شهد نفسه) لأنه شهد وصفه الذي وصف به نفسه لنا، فشهودنا له على قدرنا.وشهوده له تعالى على قدره .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. 
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
(فلما عملناه) بنا بسبب علمنا أنفسنا (نسبنا إليه) أي وصفناه لكل (ما نسبناه إلينا) من الأوصاف كالعلم والحياة والقدرة وغيرها لا النقائص إلا ما ينسبه الحق إلى نفسه .
(وبذلك) أي و بوصفنا الحق بكل ما نسبناه إلينا (وردت الإخبارات الإلهية) من الآيات والأحاديث النبوية (على ألسنة التراجم) وهي سنة الأنبياء عليهم السلام فوصف الحق نفسه أي ذاته بكل ما نسبناه إلينا في الإخبارات الإلهية (لنا) لأجل استدلالنا عليه .
فيكون قوله: (بنا) متعلقة بالاستدلال لقوله: (فاستدللنا) بنا عليه أو لأجل هدايتنا إلى طريق العلم والشهود.
فيكون قوله : بنا متعلقة بوصف فإنا خلقنا على صفة الله تعالى فكنا عبارة عنها في التحقيق .
فكان وصفه نفسه بصفة عين وصفه نفسه بنا أو معناه وصف بنفسه بنا أو بصفاتنا فإذا وصلنا بهذا الاستدلال إلى الحق شهدناه (فإذا شهدناه شهدنا فيه نفوسنا) لوجودنا فيه لكونه متصفا بنا وهو رؤية الحد في المحدود .
أو شهدنا نفوسنا في التحقيق لأشهدناه لأنه من حيث اتصافه بنا عین ذواتنا لا غيرنا.
وهو رؤية الحد متحدا بالمحدود .
يعني الشاهد والمشهود واحد في هذه المشاهدة وهو الاستدلال من الأثر إلى المؤثر ومشاهدة الأثر نفسه في المؤثر او لتستره عنا بنا فلا يقع نظرنا إلا علينا .
لا عليه (وإذا شهدنا الحق) بمشاهدتنا إياه (شهد فينا نفسه) .
لذلك قال : إني أشد شوقا إليه لأن هذه المشاهدة له لا نحصل بدون مشاهدتنا إياه لأنه فينا مظهره .
وهو رؤية المحدود في الحد أو شهد نفسه كما مر أو رؤية المحدود متحدة بالحد يعني لا اثنينية من هذا الوجه أيضا .
فانظر إلى المرآة كيف نجد فإنك إذا نظرت إليها وشهدت فيها صورتك فقد شهدت عينك فهو قوله.
وإذا شهدنا شهد نفسه وإذا شهدت صورتك ونظرت إليك فقد شهدت نفسك فهي عينك، وأنت عينها، فهو قوله : وإذا شهدناه شهدنا نفوسنا.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
وكأنه استشهد بقوله تعالی: "سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" (فصلت: 53).
ثم ستر ذلك بذكر الوجوب الخاص الذاتي وهذه مصانعة منه، رضي الله عنه، للمحجوبين حتى لا ينفروا من قوله: "نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا"
وزاد ذلك بيانا بقوله: "فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا هو شهد نفسه".
ولا سيما قوله: "ولا بد من فارق".
ثم قال: وليس إلا افتقارنا إليه. وبالجملة فهذا كله مبني على أن الوجود واحد والأعيان متمايزة وتسميها الأعيان الثابتة.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
قال رضي الله عنه : " ، فلمّا علمناه بنا ومنّا ، نسبنا إليه كلّ ما نسبناه إلينا " .
يعني رضي الله عنه : من حيث إنّ نسبة نسبة الشيء نسبة لذلك الشيء ولازم لازمه بالوسط .
قال رضي الله عنه : "وبذلك وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم إلينا ، فوصف نفسه لنا بنا  ، فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا ، وإذا شهدنا شهد نفسه".
قال العبد أيّده الله تعالى به : اعلم :
أنّ الله علم نفسه ذات نسب مستهلكة الأعيان في أحدية ذاته وهويّته المطلقة ، وأراد أو أحبّ أن يظهرها في الوجود العيني ، أو يظهر هويّتها فيها بحسبها ، وكانت متمايزة الأعيان في التعين بالعلم الذاتي كعلم الواحد العالم بأنّه ذو نسب ونسب نسب .
فلمّا تعلَّقت المشيّة بإظهار هذه النسب في الوجود ، تجلَّى الله الجواد الرحمن المحسن الوهّاب بإفاضة الوجود من ينبوع الجود ، فأوجدها في أعيانها لها في عرصة الشهود.
وبعد تحقّق هذه النسب الحقيقة ، إنّ الحقائق النسبية فما لها أن تدلّ على الحق المطلق ، أو نشهده إلَّا من خصوصها وبها ، قد ظهر الوجود فيها بحسبها .
فلولا أنّ في الوجود صلاحية الظهور في كل حقيقة أو نسبة منها بحسبها وعلى صورتها ، لما ظهر بذلك كذلك ، ويضاف إذ ذاك إلى الوجود الحق الظاهر في كل حقيقة منها على صورتها ما يضاف إلى تلك الصورة ، فافهم . إذا فهمت ، فهمت .
فاعلم أنّا نحن صور تلك النسب الذاتية والشؤون الغيبية ، اقتضانا بالذات من كونه إلها موصوفا بالموجدية ، منعوتا بالربوبية ، فلمّا وصف نفسه لنا بنا أعني بالنسب والأسماء والصفات التي نحن صورها وأحالنا في المعرفة والعلم به علينا بقوله الحق ، على لسان رسول الصدق :"من عرف نفسه فقد عرف ربّه ".
فعلمنا به أنفسنا ، وعلمنا من علمنا بنا علمنا به ، فما علمناه إلَّا بنا وما علمنا ما علمنا إلَّا به ، فما علمنا إلَّا إيّاه به منه فيه .
وما علمنا أنفسنا إلَّا فيه عينه ، فنحن فيه هو عينه ، وهو فينا نحن أعياننا ، لأنّا فيه شؤونه الذاتية ونسب نسب الإنّيّة الغيبية ، وهي الهوية العينية ، فإذا شهدنا فيه شهد نفسه .
وإذا شهدناه فيه أو فينا شهدنا أنفسنا ، فما نحن إلَّا وجودات تعيّنية وتجلَّيات وجوديّة ، نفسية ، ظاهرة بخصوصيات أعياننا وماهياتنا التي هي شؤونه الذاتية ونسبه أو نسب نسبه الغيبية الوحدانية ، فافهم .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
فقال :" سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّه الْحَقُّ ".
- فبسبب ما أحالنا استدللنا بنا عليه أي طلبنا الدليل بأنفسنا عليه ، فما وصفناه بوصف إلا وجدنا ذلك الوصف فينا إذ لو لم يكن فينا ولم نتصف به لم يمكنا أن نصفه به .
وهو معنى قوله إلا كنا نحن ذلك الوصف أي لو لم نكن نحن ذلك الوصف لم نصف به إلا الوجوب الذاتي .
فلما علمناه ومنا نسبناه إليه كل ما نسبناه إلينا كالحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والكلام وغير ذلك ، والتراجم هم الأنبياء عليهم السلام .
فإنهم أخبروا بهذا المعنى في قوله تعالى :"وما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله ".
" وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ".
" من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله ".
" إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ الله ".
- وفي الحديث « من عرف نفسه فقد عرف ربه » وأمثالها .
وهذا معنى قوله فوصف نفسه بنا فإذا شهدناه بوصف شهدنا نفوسنا بذلك الوصف ، إذ لو لم يكن ذلك الوصف فينا ما شهدناه به .
وإذا شهدنا بوصف شهد نفسه بذلك الوصف.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
وقوله: (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا) من الكمالات،لا النقائص، إلا ما نسبه الحق إلى نفسه منها.
وقوله: (وبذلك وردت الأخبار الإلهية) مثل: "إن الله خلق آدم على صورته." و "لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه"و "مرضت فلم تعدني".
وغير ذلك من "القرض" و "الاستهزاء" و "السخرية" و "الضحك"،
كقوله: "واقرضوا الله قرضا حسنا". و "الله يستهزء بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون". و"سخر الله منهم". و "ضحك الله مما فعلتها البارحة".
وقوله: (على ألسنة التراجم) من الأنبياء والأولياء.
وقوله: (إلينا فوصف) أي الحق.
وقوله: (نفسه لنا بنا) أي بصفاتنا، لماكانت عائدة إلى عيننا الثابتة من وجه، كما مر، قال: (بنا).
وقوله: (فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا) لأن ذواتنا عين ذاته لا مغايرة بينهما إلا بالتعين والإطلاق.
أو شهدنا نفوسنا فيه لأنه مرآة ذواتنا.
وقوله: (و إذا شهدنا) أي الحق.
وقوله: (شهد نفسه) أي، ذاته التي تعينت وظهرت في صورتنا. أو شهد نفسه فينا لكوننا مرآة لذاته وصفاته.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
(فلما علمناه بنا) أي: بما ظهر فينا من صفاته القابلة للظهور فينا (ومنا) أي: وعلمنا بعض أوصافه كوجوبه الذاتي من افتقارنا للزوم التسلسل على تقدير عدمه (نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا) إما بطريق الحقيقة.
وذلك فيما يليق به مما لا ينافي الوجوب الذاتي كالحياة، والعلم، والإرادة، والقدرة والسمع والبصر، والكلام أو بطريق المجاز، إما بإرادة الغاية كالرضا والغضب، أو بوجه آخر کالجوع والعطش والمرض، وغير ذلك مما وردت به الأخبار النبوية، كما قال: (وبذلك وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم إلينا)، وهم الأنبياء عليهم السلام، مثل: " مرضت فلم تعدني، و جعت فلم تطعمني، وعطشت فلم تسقني"، "الله يستهزئ بهم" [البقرة: 15] "سخر الله منهم" [التوبة: 79]، و"ضحك الله مما فعلنا البارحة"، "وأقروا الله قرضا حسنا" [الحديد: 18].
ولا حاجة إلى تأويلات من لا وقوف له على هذا المشرب مع بعدها.
وفي قوله: (إلينا) أي: الواصلة إلينا بإيصال الرسل إشارة إلى جواز إفشائها، وإن كانت شنيعة بحسب الظاهر، لكن يقال للعامة: إنها من المتشابهات التي يجب الإيمان بها، وتفويض تأويلها إلى الله تعالى، وإذا كانت الأخبار الإلهية واردة بذلك على السنة التراجم.
(فوصف) أي: بين الحق (نفسه لنا بنا) أي: بظهوره فينا بصور أسمائه، أو آثارها، أو ما يتعلق بها إذ لولا ذلك لم يكن للحادث أن يعرف القديم مع بعد ما بينهما من المناسبة، ولما ظهر فينا صرنا مرآته، ولما لم يكن لنا من الوجود سوى صورته الظاهرة في أعياننا، ولا ثبوت لها إلا في علمه.
فهو مرآتنا (فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا) بما فيها من جمعية أسراره؛ لأنه مرآتنا، (وإذا شهدنا) الحق (شهد نفسه) أي: صور أسمائه أو أثارها، أو ما يتعلق بها فينا؛ لأنا مرآته بعد ما كان يشهد نفسه في نفسه.
ثم أشار إلى أن الظاهر في الكل، وإن كان واحد فلا يلزم وحدة تلك الصور الظاهرة لذلك الواحد ولا اتفاقها.
بل يجوز تكثرها واختلافها بحسب تكثر المرايا واختلافها، وقدم لذلك التمثيل بالأمور المعقولة مع الموجودات العينية؛ ليتوسل بذلك إلى بيان افتراق صور ظهور الحق في أنفسها، وفيما بينها وبين الحق.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
بقوله رضي الله عنه : ( فلمّا علمناه بنا ) أي بوجودنا وحقائقنا ( ومنّا ) أي من أوصافنا ولواحق حقائقنا ( نسبنا إليه كلّ ما نسبناه إلينا ) ، ضرورة أنّ ذلك لو لم يكن مشتركا ما علم به .
ثمّ إنّ الواقفين في مواقف العقائد التقليديّة ، والعاكفين لدى الرسوم الوضعيّة والأصول الاصطلاحيّة إذ لم يتفطَّنوا لذلك الاستدلال ، قاصرين عن الوصول إلى طريقه الموصل إلى الحقّ ، جاهلين به وبحقيّته ، حائرين في ذلك ، أرشدهم إليه بأنّ هذا الاستدلال ليس ممّا اختلقه أهل الذوق ، إذ به نطق الزبر المنزلة السماويّة على قلوب القوابل لنا .
( وبذلك وردت الإخبارات الإلهيّة على ألسنة التراجم إلينا ) فإنّ تلك الألسنة هي صور وجوه العبيد المحدثين ( فوصف نفسه لنا بنا ) حيث تبيّن أنّا نحن عين أوصافه من العلم والحياة وما يتبعهما .
وقد ظهر من ذلك العين ما ورد في التنزيل : " سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وَفي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّه ُ الْحَقُّ ". " وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ الله ". و " من عرف نفسه فقد عرف ربه " .
( فإذا شهدناه ) في مواقف قرب النوافل ( شهدنا ) في مشاهد سمعنا وبصرنا بما ورد : « كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به » ( نفوسنا وإذا شهدنا ) في مواقف قرب الفرائض ( شهد نفسه ) في مشهد سمعه ، كما ورد : " سمع الله لمن حمده " .
وإذ قد انساق كلامه في الجهة الارتباطيّة بين الواجب والممكن إلى موطن الاتحاد المفصح عن صرف التشبيه ، لا بدّ أن يستردفه بما ينبئ عن التنزيه ، جمعا بينهما وأداء به عن التوحيد الذاتي حقّه ، على ما جرت عليه الكلمة الكماليّة الختميّة ، كما ستقف عليه.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا.
فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.)
قال الشيخ رضي الله عنه : "فلما علمناه بنا و منا نَسَبْنَا إليه كل ما نسبناه إلينا."
(فلما علمناه بنا) باعتبار معنى الإلية أو السببية (ومنا) باعتبار معنى المنشئية (نسبنا إليه تعالي كلما نسبناه إلينا) من الأوصاف الكمالية لا ما فيه توهم نقص إلا ما نسبه الحق تعالى إلى نفسه كالمرض والقرض والاستهزاء والسخرية و غيرها
"و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. "
(وبذلك)، أي بتوصيفه سبحانه كما نسبناه إلينا (وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم) من الأنبياء والأولياء وانتهت "إلينا".
"فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، و إذا شَهِدَنَا شهد نفسه. "
"فوصف" الحق سبحانه (نفسه لنا بنا)، أي بصفاتنا من أتا عين الأوصاف ،
(فإذا شهدناه تعالی) بصفاته (شهدنا نفوسنا)، لأن نفوسنا عين تلك الصفات ظهرت في مرتبة أخرى (وإذا شهدنا بالحق) سبحانه (شهد نفسه)، أي ذاته التي تعينت وظهرت بصورتنا.
وفي بعض النسخ: وإذا شهدنا نفوسنا شهدنا نفسه فكلاهما صحيح ثم اتساق كلامه رضي الله عنه في بيان جهة الارتباط بين الواجب والممكن إلى سائرهم الإيجاد.
.


كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلما علمناه بنا ومنا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ فلمّا علمناه بنا و منا نسبنا إليه كل ما نسبناه إلينا، و بذلك وردت الأخبار الإلهية على ألسنة التراجم إلينا، فوصف نفسه لنا بنا: فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا و إذا شهدنا شهد نفسه .]

قال الشارح رحمة الله :
( فلما علمناه بنا ): أي بأنفسنا لأنه عيننا اعلم أولا أنه بالتحقيق الأتم و الكشف الأوسع الأعم أنه تعالى كما ترى يعلم، و  كيف لا؟
إن الله تعالى خلق المعرفة المحدّثة به لكمال مرتبة العرفان و مرتبة الوجود .
و قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] .
قال الراسخ في العلم: أي إلا ليعرفون، و قال: أعلم الخلق بالله صلى الله عليه و سلم "من عرف نفسه فقد عرف ربه".
أثبت مكان هذه المعرفة، و لم تكمل تلك المرتبة، تلك المرتبة الكمالية العرفانية إلا بتعلق العلم الحادث بالله على صورة ما تعلق به العلم المحدث به، ما تعلق إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه، و الذي هو عين كل صورة فهو عالم بكل صورة من علمه بنفسه.
و لا يتصف بالعجز عن العلم به إلا من أخذ العلم عن دليل، و إمّا من أخذ العلم به عنه تعالى لا عن دليله، فهو لا يعجز عن حصول العلم بالله، فإنه ما حاول أمر العجز عنه، بل أنه علم موهوب من لدن حكيم عليم .

قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و من اسم الذات فقد علم بشهادة الله تعالى لأنه عين الذات مثل الواحد و الأحد و الله عند أهل الظاهر، و قد بسطنا هذا المعنى في شرح آية الكرسي بسطا يعني للمتعند الكنود، فإني جعلته بمنزلة الكشف و الشهود .
ثم اعلم ثانيا أنه لا يصح العلم لأحد إلا لمن عرف الأشياء بذاته لا بأمر زائد و كل من عرف شيئا بأمر زائد على ذاته هو مقلد لعلوم النظر يعني: هو يعلم بذلك الوجه المخصوص الذي يعطيه الأمر الزائد لذلك الزائد فيما أعطاه، و ما في الوجود من علم الأشياء بذاته إلا واحد و كل ما سوى ذلك الواحد فعلمه بالأشياء تقليد، فلنقلد الله و لا سيما في العلم بالله .
ينبغي للعاقل الناصح نفسه إذا أراد أن يعرف الله ، أن يقلد الله فيما أخبر به عن نفسه في كتبه على السنة، تراجمه صلوات الله عليهم بالوقوف على الآداب الشرعية المشروعة عسى أن يحبه، و إذا أحبه يكون سمعه و بصره و جميع قواه.

فيعرف الأمور كلها بالله، و يعرف الله بالله فلا يدخل في علمه شبهة و لا ريب، و أنت قد عرفت أنه لا مزيل لهذا الداء العضال إلا أن يكون الحق عين قواه و هو سبحانه عالم بذاته و أنه لعالم بذاته لا بأمر زائد .فافهم .
فقد نبهتك على أمر ما أطرق سمعك، فإن العلماء من أهل النظر يتخيلون أنهم علماء بما أعطاهم النظر و الحس و العقل، و ليس كذلك لما فهمته إن كنت فاهما من مقدمة كتابنا أن هذا النوع من العلم خارج عن طور العقل، فلا يدركه مستقلا فافهم .
فقوله رضي الله عنه:
(علمناه به) لأنه ظاهر بنا فعلمناه بعلمنا بأنفسنا، كما ورد في الخبر: "من عرف نفسه فقد عرف ربه". 
( ومنا ): أي من صفات أنفسنا لا من خارج عنا، فعلمنا المورد و المصدر و الأصل و الفرع .
( منا نسبنا إليه) ذاتا و اسما من الأسماء التنزيهية و التشبيهية إلينا مما قبله العقل و مما لا يقبله العقل إلا بضرب من التأويل .
اعلم أن الأسماء الكونية قد وسم الحق بها نفسه كالاستهزاء و النسيان و التعجب و الضحك و الخدعة و الغضب، والأسماء الإلهية قد سمّاها تعالى الكون بها كالرؤف الرحيم، فأسماء الكون إذا نسبتها إلى الحق هل هي خلق أو استحقاق؟
فاعلم أن العبد من حيث أنه عبد لا يستحق شيئا لأنه من حيث عينه باطل ليس بحق أصلا، و الحق هو الذي يستحق بالحق، فجميع الأسماء في العالم و متخيل أنه حق للعبد هي حق الله تعالى، و أنه ليس للعبد سوى عينه، و عينه عدم فلا حق له و لا استحقاق، فافهم .
فإنه ما ثم مسمّى وجودي إلا الله و الأعيان معدومة في عين ما ظهر فيها، فقد اندرج في هذا الوصل إن فهمت جميع المعارف على تقاسيمها، فافهم فإنه عظيم الجدوى عزيز المثال جدا .

و بذلك وردت الإخبارات الإلهية على السنة التراجم إلينا، فإنه تعالى وصف نفسه في كتابه و على السنة رسله بما وصف به المخلوقات المحدثات من المجيء والنزول والإتيان والوجه والعين و السمع و البصر و اليد و القدم و الأصابع و الذراع و البشيش و التعجب و الضحك و الرضى و الكراهة و التردد مما لا يقبلها العقل إلا بضرب من التأويل .
إمّا أن تكون هذه النسب في جنابه تعالى حقا ثم نعتنا به، و إمّا أن يكون لنا حقا، و نعت نفسه بها توصيلا لنا بها و خبره بها صدق و لا كذب، فإن كنا نحن فيه الأصل فهو مكتسب، و إن كان هو الأصل فقد كسبنا أباها، و هذا من أغمض نتائج العلم بالله فإنه أضاف نعوت المحدثات كلها بإخباره إخبارا قديما أزليا .
و منها قوله تعالى: "ولنبْـلوّنكُمْ حتّى نعْلم المُجاهِدِين مِنْكُمْ والصّابرين ونبْـلوا أخْبارُكمْ" [ محمد: 31] .

قال رضي الله عنه في منصات الأعراس من "الفتوحات" في المنصة الثالثة :
تجلي العبد في أسماء الكون، و تجلى له في أسمائه الحسنى، فيتخيل في تجليه بأسماء الكون أنه نزول من الحق في حقّه و لم يكن ذلك في أفقه، بل أن الكل أسماؤه الحسنى و أن العبد لا اسم له، حتى أن اسم العبد ليس له، و أنه متخلق به كسائر الأسماء الحسنى.
قال رضي الله عنه: إن هذا نهاية الكشف لربه و غايتها و كانت غاية أبي يزيد قدّس سره دونها .
فإن غايته ما قاله عن نفسه أنه قال لربه: يا رب بماذا أتقرب إليك؟
قال: بما ليس لي، قال: يا رب ما ليس لك و كل  شيء لك؟
فقال: الذلة و الافتقار .
فهذا خطه قدّس سره من ربه، ورآه غاية فإنه غايته لا الغاية و هذه طريقة أخرى ما رأيتها لأحد من الأولياء ذوقا إلا الأنبياء و الرسل خاصة صلوات الله عليهم أجمعين، و قليل من صفوة .
قال تعالى: قليلٌ مِنْ عِبادِي الشّكُورُ[ سبأ: 13] .

قال رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع و أربعمائة: 
إن الله تعالى أطلعني على أن جميع ما يتسمّى به العبد و يحق له النعت به و إطلاق الاسم عليه لا فرق بينه و بين ما ينعت به من الأسماء الحسنى فالكل أسماء إلهية، و هذا علم أمنّ الله به علينا مع مشاركتنا لهم قدّس سرهم فيما ذهبوا إليه، انتهى كلامه رضي الله عنه .
أي بإلحاق سفاسفها بها فتكون كلها مكارم لأنه ما ثم مسمّى وجود إلا الله فهو المسمّى بكل اسم، والموصوف بكل وصف، و المنعوت بكل نعت .
قال تعالى: " سُبْحان ربِّك رب العِزِّة عمّا يصِفُون" [ الصافات: 180] من أن يكون له شريك في الأسماء و الصفات كلها، فالكل أسماء الله الحسنى و لا غير حتى يكون له اسم أو وصف أو صفة، و الأعيان ما شمّت رائحة الوجود، فافهم .
فإن ما فوق هذه المعرفة معرفة ولا يعلم ذلك إلا العلماء الأمناء، وأن الأسماء والصفات كلها  والتنبيه على ذلك قوله تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] فوصف نفسه لنا بنا و نحن له صفاته النفسية .
قال تعالى على لسان عباده:" إّنك كُنْت بنا بصِيرًاً" [ طه: 35] و هو البصير بنا .
قد ورد في الخبر بهم أراد بعض الأولياء : "تنصرون و هو الناصر، و بهم ترزقون و هو الرازق" .
فتعرف إلينا بنا، و أحالنا في المعرفة به علينا فإذا علمناه بنا عرفنا نفوسنا ونحن له صفات، فلتعلم أنك ما حكمت على معروفك إلا بك، فما عرفت سواك فافهم .
وفيه سرا آخر أخفي منه وهو أن الصفات النفسية إذا رفعتها ارتفع الموصوف بها، و لم يبق له عين لا في الوجود العيني ولا في الوجود العقلي حيث ما رفعتها فافهم، فإنك ما تسمع مثال هذا أبدا إلا من شخص سبل نفسه وعرضه .

كان صلى الله عليه و سلم يقول : "أيعجز أحدكم أن يكون كأبي ضمضم كان إذا أصبح يقول:
اللهم إني قد وهبت نفسي و عرضي لك فلا يشتم من شتمه، ولا يظلم من ظلمه ولا يضرب من ضربه" رواه أنس رضي الله عنه . رواه أبو داود والبيهقي في الشعب.
( فإذا شهدناه ): أي الحق تعالى من حيث أنه مرآة العالم، (شهدنا نفوسنا فيها) لأننا ظاهرون في الوجود .
( وإذ شهدنا) من أن تكون له كالمرايا، (شهد نفسه فينا) لأنه الطاهر فينا فالكل مراء والكل مشهود .
قال تعالى: "و شاهِدٍ و مشْهُودٍ" [ البروج: 3] .
هذا هو شهود الخلق في الحق و شهود الحق في الخلق .
أو نقول: فإذا شهدناه بوصفه شهدنا نفوسنا، فإنها عين وصفه.
(و إذا شهدنا شهد)  الحق تعالى (نفسه): أي ذاته التي تعينت و ظهرت بصورنا أن الله خلق آدم على صورته. فافهم .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment