Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالثة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM

الفقرة الثالثة عشر :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
(فهذا التعريف الإلهي) لنا بما وقع بين الملائكة وآدم وإبليس (مما)، أي من جملة الأدب الذي (أدب الحق) تعالى (به عباده الأدباء)، أي الكاملين في أدب المعاملة معه تعالی سرا وجهرا.
(الأمناء) على أسراره ومعارفه (الخلفاء) في أرضه على كافة خلقه، ولهذا ينتفعون به دون غيرهم ممن لم يكن بهذه الصفة .
وحيث فرغ من الكلام في سر إيجاد آدم عليه السلام في هذا العالم شرع في بيان حكمة إنشاء روحه وجسده فقال:
(ثم نرجع إلى الحكمة) الإلهية في الكلمة الآدمية (فنقول) في بيان ذلك .
(اعلم) أولا أيها الطالب للتحقيق والسالك في مسالك أهل العناية والتوفيق.
(أن الأمور الكلية) لهذه الأشخاص الجزئية المحسوسة لنا والمعقولة كالألوان والصور الجسمانية في البصر إذا تشخص الإنسان شيئا من ذلك في الخارج، والأصوات على اختلافها في السمع إذا تشخص شيئا منها بعينه وهكذا سائر المحسوسات ومثلها المعقولات.
فإن كل شخص من ذلك جزئی مشهود بحاسة من الحواس أو بالعقل له أمر كلي كان ينطبق عليه وعلى كل جزئي مثله.
فجميع الجزئيات الموجودات من ذلك متشخصات في الخارج بالوجود العيني لا شبهة في ذلك .
وأما كلياتها المنطبقة عليها كاللون الأبيض مثلا العام الكلي والصورة الفلانية العامة الكلية ونحو ذلك فإنها (وإن لم يكن لها الوجود) في الخارج.
(في عينها)، أي ذاتها الوجود العيني (فهي معقولة)، أي موجودة بالوجود الذهني (معلومة) متحققة (بلا شك في الذهن) لكن علمها في الذهن وتعلقها إنما هو في ضمن تعقل جزئي من جزئياتها على وجه عام وهذا معنى وجودها في الذهن لا في الخارج.
فيبقى تعقل ذلك الجزئي له طرفان :
طرف يسمى فيه تعقل الجزئي.
وطرف آخر يسمى فيه تعقل الكلي.
وليس تعقل تلك الكليات في الذهن تعق عاريا عن تعقل جزئي ما من تلك الجزئيات.
وإلا لكان للكليات وجود خاص في الخارج بغير الوجود الجزئي، لأن الخارج أصل للإدراك وليس كذلك.
بل الكلي موجود في ضمن الجزئي ذهنا وخارجا وجودا محکوما به لا وجود له عين زائدة عن الجزئي.
فيتلخص من هذا أن الكليات في الذهن عبارة عن جزئیات متشخصة على وجه عام محکوم من طرف الذهن بعمومها وليس لها في الخارج وجود إلا بالوجود الجزئي فقط من غير حكم بالعموم بل بالخصوص.
(فهي)، أي الأمور الكلية التي لا وجود لها في غير الذهن (باطنة لا تزال) أبدا (عن الوجود العيني) كمن تعقل الإنسان الكلي العام في ذهنه ، فإنه يتعقل شخصا جزئية محكوم عليه من طرف الذهن بالعموم وعدم الخصوص.
على معنى عدم إرادة شخص معين في الخارج، وإلا لكان هذا هو التعقل الإنسان الجزئي .
ثم إن هذا الإنسان الكلي المتعقل في الذهن على الوجه المذكور لا وجود له في الخارج أبدا.
وإنما هو موجود في الذهن فقط لا يزال باطنا عن الوجود الخارجي غير ظاهر له (ولها)، أي لتلك الأمور الكلية الباطنة عن الوجود العيني (الحكم)، أي التحكم والإلزام بالمطابقة (والأثر)، أي التأثير الخاص (في كل ما)، أي شيء من الجزئيات التي في الخارج.
(له)، أي لذلك الشيء الجزئي (وجود عيني) خارجي كالإنسان المتشخص في الخارج.
فإنه فرع من فروع الإنسان الكلي الذهني.
محكوم عليه من طرف ذلك الكلي بالإنسانية عند ظهوره للذهن.
وقد أثر فيه ذلك الكلي المتشخص الجزئي في الذهن (بل هو)، أي ذلك الجزئي الذي له وجود عيني في الخارج (عينها)، أي عين تلك الأمور الكلية (لا غيرها)، إذ تلك الأمور الكلية هي جزئيات متشخصة في الذهن محكوم عليها بالعموم كما ذكرنا.
فهي عين تلك الجزئيات المتشخصة في الخارج ما عدا الحكم فيها بالعموم المذكور، ثم فسر الضمير المفرد لقوله (أعني)، أي اقصد
بقوله : هو بصيغة الإفراد (أعيان الموجودات) بالوجود الخارجي (العينية) الموجودة في عينها التي هي جزيئات لتلك الكليات.
فإنها عينها في حقيقة الأمر لولا الحكم بالعموم في الكليات وبالخصوص في الجزئيات (و) مع ذلك فالكليات الذهنية (لم تزل عن كونها) أمورا (معقولة في نفسها).
وإن كانت عين الجزئيات الخارجية باعتبار وجود التشخص الذهني المحكوم بعمومه ذهنا كما مر.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
شرع في المقصود فقال : (ثم نرجع) من القصة (إلى) بيان الحكمة الإلهية (فنقول اعلم) قال مولانا قرمي في شرح مفتاح الغيب للشيخ صدر الدين القونوي أعلم تنبيه وإيقاظ لأمل الطلب والترقي على التوجه الكامل والإقبال التام على إصغاء ما يرد بعده بقلب حاضر وإيماء إلى جلالة قدره.
(أن الأمور الكلية) أي الصفات المشتركة بين الحق والعبد التي يتحقق الارتباط بينهما (وإن لم يكن لها وجود في عينها) أي وجود خارجي في نفسها (فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن) فكانت موجودة بالوجود الذهني (فهي باطنة) ممتنعة الوجود في الخارج من حيث كونها معقولة لكنها (لا تزول) لا تنفك (عن الوجود العيني لها) أي للأمور الكلية (الحكم والأثر)، لأنها صورة الأسماء الإلهية فكانت علة (في كل ما له وجود عيني بل هو) بل الأمر الكلي باعتبار الوجود الخارجي.
(عينها لا غيرهما) ترق في الارتباط فإن كمال الارتباط ونهايته الاتحاد وفيه بشارة عظيمة اللهم ارزقنا بها فكان قوله: (أعني أعيان الموجودات العينية) تفسير لضمير عينها(ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها) مع كونها عين الأعيان الموجودة في الخارج كما لم تزل عن كونها عينها مع كونها معقولة في حد ذاتها.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.  ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
قوله رضي الله عنه :  "فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء"
قلت: قد ترکت ما قبل هذا الكلام لأنه لا يحتاج إلى شرح وأما هذا ففيه ذكر الكليات فنحن الآن نتكلم في معنى ما قاله سيدنا، رضي الله عنه.
فيها فنقول: إن الأمور الكلية التي ذكرها، رضي الله عنه، قد تكلم فيها المنطقيون وقد تنزل شيخنا، رضي الله عنه، إلى مبالغ عقولهم في حقيقتها.
فالذي قاله فيها مقول لكني رأيت أن أتكلم بما عندي فيها مما يوافق ما سكت شيخنا، رضي الله عنه، فلم يذكره ههنا وإن كان يعرفه لأنه، رضي الله عنه، أراد أن يؤنس الحكماء والمتكلمين بتنزله إلى مبلغهم.
فأقول: إن كلام الشيخ هاهنا وإن فهم منه تارة أن وجود هذه الكليات ذهني وتارة أن وجودها هو الذي في الأعيان الخارجية فهو في الأمرين قد تنزل إلى مخاطبة المحجوبين عنها في مراتبهم ولا شك أن هذه الكليات معان في قوة النور الأزلي فنذكرها في ثلاثة أقسام:
أحدها: ما هي؟
والثاني: ما خاصتها؟
والثالث: ما الذي يعرض لها؟
فأما القسم الأول: فإن حقيقتها معانی معلومات الحق، تبارك وتعالى، وهي لا تتناهي كما أن العلم بها لا يتناهى وفي وجود العلم الذاتي الإلهي هي أعيان متمايزة وليس كل معنى منها كليا , بل كل معنى منها صور جزئیاته متمايزة وليس هو إلا صور جزئياته .
ولما كان كل معنى منها ينفصل جزئیاته إلى غير نهاية بقيت تلك المعاني كأنها في التمثيل سلاسل وكل كعب من السلسلة مثلا هو صورة مسئلة من صور العلم الإلهي فوجودها في العلم الإلهي متميز ولا شيء منها يسبق شيئا.
فإن العلم الإلهي لا يدخل تحت الزمان بل الزمان ودقائق أجزاء الجميع هو من صور العلم الإلهي.
فالماضي والمستقبل كلاهما للعلم الإلهي حاضرة، والتجدد من جملة صور علمه تعالی مفصلا باز منته أزلا وأبدا وهذا أمر مشهود عند من كمل له السفر الثاني من أهل الشهود الذاتي، فما يتجدد لعلم الله تعالی
وقد ورد علي في الخلوة خطاب في هذه الحقيقة وهو قوله تعالى:
لم يتجدد له التجدد فأين التجدد؟
ما ثم إثنان يضاف أحدهما إلى الآخر فأين التعدد؟
ينظر الضد إلى ضده في الأحدية بعين الملائمة والتودد
فنعود ونقول: إذا كانت هذه الكليات لا وجود لها إلا صور جزئیات في العلم الإلهي فإذن كل كلي ليس هو معنی مفردا يطابق كل فرد فرد كما يقوله الحكماء.
بل هو الأعيان المتمايزة أنفسها، لكن جزئیات کل کلي تكون متشابهة في صورة ما يسميها الحكماء الفصل المميز.
لكن الأوائل من الحكماء تخيلوا في ضبط جزئیات کل کلي تخيلة هي حسية في كونها تضبط ما لا يتناهى، فأخذوا يقولون: إن الكلی مفرد تسهيلا على عقول الضعفاء فصيروا الكلي ضابطا واحدا يشمل ما لا يتناهى.
فلما جاء المتأخرون ظنوا أن الأوائل نصوا على أن كل كلي هو معنی مفرد يحمل على ما تحته وليس في وجود الحق، تبارك وتعالى، شيء واحد يكون هو حقيقة أشياء كثيرة حتى المركز بالنسبة إلى نقط المحيط.
فإن المركز وإن كانت نقطة واحدة متوهمة وكل نقطة في المحيط لها إليه مواجهة وهو واحد وفيه قوي مواجهة النقط الكثيرة .
فإن ذلك أيضا ليس كما يتوهمه القائلون بذلك بل كل نقطة في المحيط تواجهه مواجهة تلقى نقطة المركز كلها لكن من جهة غير الجهة التي تواجهها النقطة الأخرى وإن وقعت كل مواجهة من نقطة المركز على عينه ما وقعت عليه النقطة الأخرى.
فإن قالوا: إن الكلي الطبيعي هو في الخارج.
قلنا: هو حصص متمايزة فليس بمفرد.
فإن قالوا: إن الكلي المنطقي هو في الذهن واحد.
قلنا: ما فهمتم، لان كل ذهن يتشكل فيه صورة لذلك الكلي مثلا هي غير الشكل الذي يتشكل في ذهن.
فإن قالوا: فاعتبر ذلك في ذهن واحد تجد الكلي واحدا.
قلنا: وليس كذلك أيضا بل كل ما تصوره الذهن الواحد كليا ما ثم ذهل عنه أو نسيه، ثم يتشکل بعد ذلك في ذلك الذهن بعينه، فذلك المتشکل هو صورة أخرى مغاير للأولى بالعدد وأنتم تقولون: إن الكلي واحد، فإذن هو واحد لا واحد وهو جمع بين النقيضين والصحيح أن الكلي إنما جعلناه واحدا تقريبا للأفهام وضابطا ينضبط لنا به الكثرة في الواحد.
فنرجع فنقول: إن المعاني التي سميت كلية، وجودها الذي لا يتغير إنما هو في العلم الأزلي الذي لا يتغير، وجزئيات ذلك الكلي هي مفصلة في العلم الأزلي أيضا كما قدمنا فهذا هو الكلي.
وقد قال ثامسطيوس : إن الكلي مأخوذ من تشبيه خفي في الأشخاص وهو إما أن لا يكون شيئا ألبتة أو يتأخر تأخرا كثيرا عن الأشخاص.
والصحيح أنه كما ذكره ثامیسطيوس في قوله: إنه مأخوذ من تشبيه خفي في الأشخاص.
وأما قوله: إنه ليس بشيء فهو أيضا حق لأنه ما له ذات غير اعتبار ذهني والاعتبارات نسب لا وجود لذواتها بل الوجود للذهن لا لها وإذا لم يكن له ذات.
فقولنا: إنه متأخر تأخرا كثيرا عن الأشخاص ما له معنى لكنا إذا قررنا في الذهن ضابطا فهو ضابط حسن.
وأما خاصة هذا الكلي، فإنه لا يتحقق حقيقة إلا إذا اعتبرته في علم الله تعالى الذي لا يتغير وأما في الأذهان فكل من نسيه ثم ذكره فالمنسي غير المذكور، فهو المختص بعلم الله تعالى وأما غيره من المعلومات فقد يحس ويعقل ويعلم.
وأما ما يعرض له ولغيره، فمدده في وجوده من النور الذي اقتطعه الحق تعالى وأودع فيه ما أودع من مخلوقاته.
وأما ما بعد قوله: "ثم نرجع إلى الحكمة،" فما أرى أن فيه ما يحتاج إلى الشرح لأن عبارة الشيخ فيه وافية بالمقصود وليس هو مما يحتاج إلى الذكر الجلي بل هو من مدركات أفهام الناس.
إلى قوله: "ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
قال رضي الله عنه : ( فهذا التعريف الإلهي ممّا أدّب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء . ثم نرجع إلى الحكمة فنقول ) .
مقام الأدب
قال العبد : اعلم : أنّ مقام الأدب أعلى المقامات ، ويقتضي المعاملة مع الحق والخلق بحسب ما تقتضي مراتبهما ، ولا يتحقّق به إلَّا أهل الأمانة  الإلهية .
وهي صورة الله تعالى التي حذي آدم عليها حين عرضها على سماوات الروحانية وأرض الجسمانيات " فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها " أي لم يطقن ذلك .
ولم يستطعن لعدم أحدية جمع الجمع عند منها " وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ ".
الكامل الحامل لواء الحمد ، وأحدية جمع جميع حقائق السيد والعبد ، " إِنَّه ُ كانَ ظَلُوماً " ، لعدوله عن العدل في استهلاك استعداده الكمال الكلَّيّ في أمور جزئية وأحوال ناقصة .
" جَهُولًا " برتبته أنّه هو المظهر الأتمّ الأشمل ، والخليفة الأكبر الأكمل فتعيّن اتّصافه بهذا الظلم والجهل بسبح الحقّ عنهما ولحمده بنقائضهما ، من الكمال على الوجه الأكمل .
فالأمناء هم الأدباء أهل الأمانة الإلهية وهم الخلفاء الذين استخلفهم الله في حفظ خزائنة وخزائن خزائنه ، فتذكَّر .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أنّ الأمور الكلَّية وإن لم يكن لها وجود في عينها ، فهي معقولة معلومة بلا شكّ في الذهن فهي باطنة لا تزال عن الوجود العيني ، ولها الحكم والأثر في كلّ ماله وجود عيني ، بل هو عينها لا غيرها ، أعني أعيان الموجودات العينية ) .
قال العبد : اختلفت النسخ وفي البعض  منها : " لا تزول " .
فإن قلنا : « لا تزال » فـ « باطنة » منصوب ، وفيه تقديم وتأخير ، والتقدير : " فهي لا تزال باطنة عن الوجود العيني " ، أي لا تظهر أعيانها . وإن كانت موجودة في العلم الإلهي وبالنسبة إلى الحق . وإن قلنا « لا تزول » فظاهر .
يعني : أنّ الأمور الكليّة وإن لم تكن موجودة في أعيانها لكونها إذ ذاك مشخّصة ، وإذا تشخّصت لم تكن كلَّية ، فهي لا تزول عن الوجود العيني لظهور أحكامها وآثارها في كل ماله وجود عيني .
فإنّ الأمور العامّة كالوجود والعلم والحياة التي تعمّ الحق والخلق وإن لم توجد في الأعيان لكونها كلَّيات لا يمنع نفس تصوّر معناها عن وقوع الشركة فيها .
فإنّها من حيث هي هي مع قطع النظر عن إضافتها إلى الحق أو الخلق حقائق كلَّية تطلق على كل من اتّصف بها ، وقامت به من حق أو خلق ، فهي من كونها كلَّية مطلقة عن الإضافة لا تزال باطنة إذ لا توجد في الأعيان .
ومع كونها كذلك باطنة ، فإنّها لا تزول عن الوجود العيني لوجود آثارها وأحكامها في أعيان الموجودات ، بل هي تحقيقها في كل ماله وجود عيني .
فإنّها لا تبطن ولا تزال باطنة من كونها كلَّية ، وكونها كلَّية اعتبار ثان مسبوق باعتبار حقائقها مجرّدة عن كونها موصوفة بالكلَّية أو غيرها ، فهي بحقائقها في كل من قامت به لا بكلَّيتها فإنّ الوجود في القديم والمحدث هو هو ، والعلم في كل عالم عالم علم.
وكذلك الحياة فهي في كل موجود عيني عينها غير زائدة عليها وجودا وشهودا ، لا عقلا فإنّ العقل ينتزع عن الموجود وجوده ويتعقّله زائدا على الموجود ، وليس ذلك إلَّا في التعقّل لا في العين ، فأمعن النظر وأنعم .
قال رضي الله عنه : ( ولم تزل ) تلك الحقائق الكليّة ( عن كونها معقولة في نفسها).

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء " أي تعريف حال الملائكة في ادعاء مطلق التسبيح والتقديس فإنه تأديب لعباده من الأناسى
" ثم نرجع إلى الحكمة " أي الحكمة الإلهية المذكورة ، فإن قصة الملائكة اعتراض وقع في أثنائها على سبيل الاستطراد .
ليعلم أن ما قالوا إنما قالوه لنقصان نشأتهم بالنسبة إلى نشأة آدم ولم يعلموا أن تجرحهم أيضا كمال له ، فإن العبادة الذاتية إنما تتحقق بتجلى جميع الأسماء فيه .
وتجلى اسم التواب والعفو والغفور والعدل والمنتقم لا يمكن إلا إذا اقتضت المشيئة الإلهية جريان الذنب على العبد.
ولذلك قال عليه الصلاة والسلام حكاية عن ربه « أنين المذنبين أحب إلىّ من زجل المسبحين » واعتبر بخطيئة آدم وداود عليهما السلام فإن بعض كمالات العبد وقبول تجلى بعض الأسماء الإلهية موقوف على انكساره بالذنب والاعتذار والتوبة .
ولهذا قال عليه الصلاة والسلام « لو لم تذنبوا لخشيت عليكم أشد من الذنب العجب العجب العجب ».
ألا ترى أن عصمتهم حملتهم على قولهم :" ونَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ونُقَدِّسُ لَكَ ".
- ومن ثم قال عليه الصلاة والسلام « لو لا أنكم تذنبون لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم » .
فضم بنى آدم المعصية إلى الطاعة عبادة توجب تجلى الحق بأسماء كثيرة ، وذلك مما لم تقف الملائكة عليه أيضا لقصور نشأتهم .
وإذا رجع إلى الحكمة ومهد قاعدة يبتنى عليها ارتباط الحق بالخلق وتتبين منها الحكمة في إيجاد العالم وهو ظهور معنى الإلهية
فقال " فنقول : اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن فهي باطنة لا تزال عن الوجود الغيبى " يعنى أن الأمور الكلية أي المطلقة كالحياة والعلم مثلا لها وجود عينى في العقل ووجود غيبى في الخارج .
فإن الوجود الخارجي عين المطلق العقلي مقيدا بقيد الجزئية لكن الكلية المطلقة لا تزال معقولة مندرجة تحت اسم الباطن ، ولا توجد من حيث كليته  في الخارج بل من حيث هي مقيدة وهي من تلك الحيثية تندرج تحت اسم الظاهر .
وفي بعض النسخ لا تزول فمعناه ومعنى لا تزال بضم التاء مبنيا للمفعول من أزال واحد ، والغيبى بالغين المعجمة والباء بمعنى المعقول .
وعند بعض الشارحين عن الوجود العيني بالعين المهملة والنون ، أي لا تزال من حيث هي طبائع مطلقة لا مقيدة بقيد الكلية عن الوجود العيني .
فإن الكل الطبيعي موجود في الخارج .
وقرئ لا تزال بفتح التاء على أنه من الأفعال الناقصة ، فهي باطنة عن الوجود العيني الشخصي لا تزال كذلك بحذف الخبر لدلالة باطنه عليه أو باطنة بالنصب على تقديم الخبر .
أي فهي لا تزال باطنة عن الوجود العيني ، والأول أظهر وأوفق لما بعده من قوله ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها
" ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عينى " أي للأمور الكلية الحكم والأثر في كل ما له وجود عينى ، كتأثير العلم والحياة في الموصوف بهما فيحكم عليه بأنه حى عالم ولا يحكم عليه إلا إذا كان فيه عين الحياة والعلم
وهذا معنى قوله " بل هو عينها لا غيرها " يعنى أن الأمر الكلى كالعلم والحياة عين الوصفين الموجودين في ذلك الموصوف لا غيرهما .
والمراد بقوله " أعنى أعيان الموجودات العينية " أعيان الأوصاف لا أعيان الموصوفات ، فإن الموصوفات أيضا معنى كلى وهو الإنسان المطلق فإنه عين هذا الإنسان مع قيد الجزئية ، فهذه نسبة الحياة والعلم المطلقين إلى الوصفين المقيدين " ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها".

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء" ظاهر  
"ثم نرجع إلى الحكمة فنقول، اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود فيعينها، فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة لا تزول عن الوجود العيني".
أي، نعرض عن حكاية الملائكة ونرجع إلى تقرير الحكمة الإلهية.
ومراده، رضى الله عنه، بيان الارتباط بين الحق والعالم، وأن الإنسان مخلوق على صورته، فبنى أصلا يتفرع عليه المقصود بقوله: (اعلم، أن الأمور الكلية) أي الحقائق اللازمة للطبائع الموجودة في الخارج، كالحياة والعلم والقدرة والإرادة وغيرها، مما هي أمور عقلية ولا أعيان لها في الخارج.
و (إن لم يكن لها وجود في عينها) أي، وإن لم يكن لها ذات موجودة في الخارج، فهي موجودة في العقل بلا شك، فهي باطنة من حيث إنها معقولة ومع ذلك لا تزول عن الوجود العيني ولا ينفك منه، إذ هي من جملة لوازم الأعيان الموجودة في الخارج.
وفي بعض النسخ: (لا تزال عن الوجود الغيبي) على أن (لا تزال) مبنى للمفعول من "أزال، يزيل".
و (الغيبي) بالغين المعجمة والباء. ومعناه: هي باطنة لا يمكن أن يزال عن كونها أمورا عقلية.
(ولها الحكم والأثر في كل ماله وجود عيني) أي، ولهذه الأمور الكلية، التي لا أعيان لها في الخارج منفكة عن التقيد المشخص إياها والمعروضات التي تعرض لها حكم وأثر في الأعيان الكونية والحقائق الخارجية بحسب وجودها وكمالاتها  
أما الأول، فلأن الأعيان معلولة للأسماء، والاسم ذات مع صفة معينة، فالأعيان من حيث تكثرها لا يتحصل إلا بالصفات، وهي هذه الأمور الكلية التي لا أعيان لها في الخارج. ولهذا ذهب الحكماء أيضا إلى أن علم الواجب فعلى وسبب لوجود الموجودات، وهكذا القدرة والإرادة المعبرة عنها بالعناية الإلهية.
وأما الثاني، فلأن العين الموجودة إن لم يكن لها الحياة، لا توصف بأنها حية ولا يتصف بأنواع الكمالات، إذ العلم والقدرة والإرادة كلها مشروطة بالحياة، وكذلك العلم إن لم يكن حاصلا، لم يكن لها إرادة وقدرة، لأنهما لا يتعلقان إلابالمعلوم. وهكذا جميع الصفات.
فهذه الأمور الكلية حاكمة على الطبائع التي تعرض لها بأن يقال عليها أنها حية ذات علم وإرادة وقدرة، ويترتب عليها ما يلزمها من الأفعال والآثار، إذ لا شك أن الطبيعة الموجودة بالعلم تميز بين الأشياء وبالإرادة تخصص وبالقدرة يتمكن من الأفعال.
قوله: (بل هو عينها لا غيرها، أعني أعيان الموجودات العينية)  
إضراب عن قوله: (ولها الحكم والأثر) بأن الذي له وجود عيني هو عين هذه الأمور المعقولة المنعوتة بالعوارض واللوازم، لأن الحقيقة الواحدة التي هي حقيقة الحقائق كلها هي الذات الإلهية، وباعتبار تعيناتها وتجلياتها في مراتبها المتكثرة تتكثر وتصير حقائق مختلفة: جوهرية متبوعة وعرضية تابعة.
فالأعيان من حيث تعددها وكونها أعيانا ليست إلا عين أعراض شتى اجتمعت فصارت حقيقة جوهرية خاصة، كما ذكره في آخر (الفص الشعيبي).
ألا ترى أن الحيوان هو الجسم الحساس المتحرك بالإرادة، والجسم ماله طول وعرض وعمق،
فالحيوان ذات لها هذه الأعراض مع الحس والحركة الإرادية، وكما اجتمعت هذه الأعراض في هذه الذات المعينة وصارت حيوانا.
كذلك إذا انضمت إليها أعراض أخر، كالنطق والصهيل، يسمى بالإنسان والفرس.
فالذات الواحدة باعتبار الصفات المتكثرة صارت جواهر متكثرة، وأصل الكل هو الذات الإلهية التي صفاتها عينها .
فقوله: (أعني أعيان الموجودات) تفسير (هو) العائد إلى ماله وجود عيني.
وضمير (عينها) راجع إلى (الأمور الكلية) ولا يجوز أن يكون تفسيرالضمير (عينها) لفساد المعنى.
إذ معناه حينئذ: بل ماله وجود عيني هو عين الموجودات العينية. إلا أن يقال، هو عائد إلى (الأمور الكلية) وتذكيره باعتبار(الأمر).
وحينئذ يكون معناه: بل هذه الأمور الكلية عين أعيان الموجودات العينية لا غيرها.
وهذا عين المعنى الأول.
وقيل: معناه: بل الأمر الكلى، كالعلم والحياة، عين الوصفين الموجود ينفي ذلك الموصوف لا غيرهما، والمراد بقوله: (أعني أعيان الموجودات) أعيانالأوصاف، لا أعيان الموصوفات، لأن للموصوفات أيضا أمورا كلية وهو الكلى الطبيعي وفيه نظر.
لأن المراد أن هذه الأمور الكلية التي ليست لها ذات موجودة في الخارج لها حكم وأثر في الموجودات الخارجية، بل هي عين هذه الموجودات الخارجية.
فإن الظاهر والمظهر متحد في الوجود الخارجي وإن كان متعددا في العقل، لأن الكلام في الأمور الكلية التي لا أعيان لها في الخارج غير هذه الموجودات العينية.
وفائدة الإضراب لا يظهر إلا بحسب هذا المعنى والتفسير بقوله: (أعني أعيان الموجودات). وقوله: "فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات، كما هي الباطنة من حيث معقوليتها" يؤيد ما ذهبنا إليه.
قوله: "لم تزل عن كونها معقولة في نفسها "أي، مع أنها في الخارج عين الأعيان الموجودة،
هي في نفسها أمور معقولة (لم تزل) عن معقوليتها، بضم الزاء، من "زال، يزول"، أو بفتحها وضم التاء، من "تزال" المبنى للمفعول.
خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)

(فهذا) أي: بيان ما جرى بينه وبين الملائكة: هو (التعريف الإلهي) لما تقتضيه حضرة الحق من الأدب (مما أدب الحق به عباده العلماء) لئلا يدعوا ما وراء علمهم.
(الأمناء) لئلا يخونوا في أوامره ونواهيه وسائر أحكامه (الخلفاء) لئلا ينقضوا عهوده ومواثيقه في إقامة حدوده وأحكامه.
فإن قيل: هذا يشعر بعدم عصمة الملائكة، وقد دلت النصوص مثل: "لا يسبقونه بالقول وهم بأمره  يعملون" [الأنبياء: 27]، "لا يعون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون "[التحريم: 6]، ولولا عصمتهم فلا ثقة بهم فيما يأتون به من الوحي.
قلنا: النصوص العامة قابلة للتخصيص، فيجوز أن يخصص بما ورد منهم في حق آدم عليه السلام ، ولا يدل على عصمتهم عن ذنب لا يعلمون أنه ذنب، والوثوق إنما يزول إذا صدر عنهم ذنب بعد علمهم بكونه ذنبا، ولكنهم يعاتبون على ذلك لئلا يتجاسروا في الأمور، وقد جوز المحققون السهو على الأنبياء مع أنهم يعاتبون عليها؛ فلنجوز مثل ذلك على الملائكة؛ فافهم.
(ثم) أي: بعد بيان ما جرى بين الله تعالى، وبين الملائكة من شأن آدم عليه السلام (نرجع إلى الحكمة) أي: بيان العلم اليقيني المتعلق بكيفية ظهور الحق بأسمائه وصفاته في العالم الكبير والصغير بعد تقديم مقدمة البيان ارتباط كل منهما بالآخر بعد بيان ارتباط الأمور الموجودة بالمعقولة، وكون كل منهما ظاهرا في الآخر.
(فنقول: اعلم أن الأمور الكلية) كالإنسان والحياة والعلم، (وإن لم يكن لها) باعتبار تقيدها بالكلية (وجود في عينها) أي: في الواقع (فهي معقولة) أي: موجودة في العقل؛ لأنها (معلومة بلا شك في الذهن)، وإن تشكك نفاة الوجود الذهني في ذلك بناء على أن العلم إضافة للعالم إلى المعلوم عندهم لا حصول صورة الشيء في العقل؛ فهي من حيث(هي) كلية معقولة (باطنه لا تزل عن الوجود الغيبي) بالغين المعجمة، والباء الموحدة.
ثم أشار إلى أنها وإن كانت معقولات صرفة وباطنة؛ فلها جهة ظهور وارتباط بالموجودات العينية، فقال: (ولها الحكم) على كل ما له وجود عيني كزيد وعلمه وحياته.
فيقال: إنه إنسان وعلم وحياة، ولها (الأثر) أيضا (في كل ما له وجود عيني) كأن يقال: زيد عالم؛ لأن علمه جعله عالما، فقد ظهر الأمر الكلي لا بقيد الكلية في الوجود العيني، وأثر فيه أيضا، ثم بالغ في بيان ذلك الظهور.
فقال: (بل هو) الأمر الكلي لا بقيد الكلية بل باعتبار أنه طبيعة من الطبائع أي: حقيقة من الحقائق (عينها لا غيرها)، فإن الإنسانية عين زيد، وإن العلم عين علم زيد، وإن لم يكن زيد وعلمه عين الإنسانية الكلية، والعلم الکلی.
فلذا قال: (أعني أعيان الموجودات الغيبية) لئلا يتوهم أن المرادات الموجود الغيبي عين الأمور الكلية هذا وجه ظهورها مع أن لها بطونا أيضا.
وذلك أنها مع ظهورها (لم تزل عن كونها مصقولة في نفسها) من حيث هي كلية فاجتمع فيها الظهور والبطون باعتبارین :
اعتبار قيد الكليةواعتبار أنها طبيعة من الطبائع. 


شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء. ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
قال الله رضي الله عنه : (فهذا التعريف الإلهي) لآدم في هذه القصّة (ممّا أدّب الحقّ به عباده الأدباء ، الأمناء ،الخلفاء) حتّى يقفوا عندما قال الله تعالى ولا يجاوزوا عن مقتضاه . ولا يشيّعوا ما اطَّلعوا عليه من قبائح أعمال العباد وفواحشها. ولا ينزّهوا أنفسهم عنها كلّ التنزيه ، وإن علوا على البريّة علوّ شرف ورفعة .
على الترتيب المشار إليه يعني الأدب والأمانة والخلافة.
فهذه ثلاث مراتب للعبد هي امّهات مواطن كماله ، قد أفصح التعريف الإلهي هذا عن آدابها كلَّها ، وأنت عرفت ما للثلاثة من النسبة الخصيصة بالكلمة الآدميّة ، فلا نعيد وجه تطبيقه هاهنا فلا تغفل .
ثمّ إنّ بعض المقصّرين من أفراد الإنسان لمّا اعتكفوا عند مرتبة القاصرين من الملائكة في التحقيق أعني الحكماء حيث قصّروا طريق العرفان على محض التنزيه .
وبنوا الأمر في ذلك على مجرّد التجرّد وصرف التقدّس ، أراد أن يكون الكلام في هذه الحكمة منساقا إلى ما ينبّههم على ذلك التقصير ويحرّضهم إلى العروج على مراقي الكمال الإنساني.
متنزّلا في ذلك إلى مسلمات قواعدهم وموضوعات أصولهم ، تأنيسا بهم في ذلك وتسليكا لهم إلى مدارج كمالهم تدريجا ، مؤميا فيها مع ذلك كلَّه إلى ما يتبيّن به حقيقة آدم وماهيّته العقليّة ، بعد تحقيق هويّته الخارجيّة .
فقال : ( ثمّ نرجع ) من بيان القصّة ولطائف إشاراتها ( إلى الحكمة ) الإلهيّة المبحوث عنها هاهنا ، وهي الكاشفة عن بيان ارتباط الأسماء الإلهيّة التي هي محلّ الاختبار والامتحان ، بين المتنازعين في الخلافة بالأعيان الكيانيّة ، وسريان حكم كلّ منهما في الآخر ، بتحقيق رقيقة الجمع بين الباطن والظاهر ، والأوّل والآخر .
قال رضي الله عنه : ( فنقول : اعلم أنّ الأمور الكلَّيّة ) الواقعة من حيث هي كذلك في الدرجة الثانية من التعقّل ، كالأوصاف المجرّدة عن الحقائق مثل الحياة والعلم وما يتبعهما أو المستندة إليها مثل الحيّ والعالم ( وإن لم يكن لها وجود في عينها ) .
فإنّه ليس للأمور الواقعة في تلك الدرجة وجود مستقلّ في عينها ، وهو المسمّى بالوجود الخارجي والعيني ( فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن ) وبيّن أنّ الكليّات لها طرف التنزّه المحض وهو الذي لها لذاتها به تعقل ، وطرف التعلَّق وهو باعتبار مدلوليّتها للفظ به تتخيّل ، وطرف الجامعيّة بينهما به تعلم وهو الواسطة .
فأشار إلى تلك الأطراف بترتيبها ، وحيث أنّ الذهن هو « الفهم » - لغة - يناسب إطلاقه على طرف مدلوليّتها وعلى سائر تقاديرها وأطرافها .
( فهي باطنة لا تزال عن الوجود العيني ) أي الأمور الكليّة التي هي المعقولات الثانية باطنة عن الوجود العيني أبدا لا تزال كذلك ، حيث لا يكون لها محاذى في العين البتة .
ثمّ إنّ هاهنا نسخا كثيرة متخالفة، والظاهر أنّها منتحلة من المستكشفين له، فطوينا الفحص عنها لظهور المقصود بهذه النسخة وتشوّش الأذهان بها .
ثمّ إنّ هاهنا نكتة حكميّة لا بدّ من التنبيه إليها، وهي أنّك عرفت أنّ الأسماء الإلهيّة عند توجهّها إلى كمال الظهور والإظهار لها حركة من فضاء اللطف منبع الإطلاق والعموم إلى مضيق الكثافة معدن القيد والخصوص إلى أن يتمّ الكمال بنوعيها
ومن ذلك ، التنزّل من الجنس العالي يعني الجوهر متدرّجا فيه إلى النوع السافل ، يعني الإنسان الذي بنقطة نطقة تتمّ الدائرة بقوسيها الكماليّين .
ثمّ إذا تذكَّرت هذا فاعلم أنّ كلا من تلك المراتب عالية كانت أو متوسّطة أو سافلة لها أوصاف كلَّية محصّلة بالذات ، هي مبادئ آثارها الخاصّة بها ، الفاصلة لها عمّا سواها ، وهو سبب تحصّل تلك المرتبة في الخارج بالوجود العيني بلحوقه لها ، مقوّمة إيّاها على ما بيّن في صناعة الحكمة ثمّ إذا ظهرت بالوجود العيني ، حصل من تلك المرتبة التي بمنزلة المادّة - حكم فيه ، ومن ذلك الوصف الذي بمنزلة الصورة أثر .
وإليه أشار بقوله : ( ولها الحكم والأثر في كلّ ما له وجود عيني ) .ويمكن أن يحمل « الحكم » على مقتضى الذاتيّات منها و « الأثر » على مقتضى الأعراض ، لكن الأوّل أتقن .
ثمّ إنّ المتبادر إلى الأفهام من هذه العبارة أنّه ليس من تلك الكليّات في الخارج إلَّا آثارها وأحكامها فقط ، فأضرب عن ذلك بقوله : ( بل هو عينها ) أي ما له وجود عيني ، عين تلك الأمور الكلَّية ، فإنّها هي الظاهرة بصورة الأثر حسبما اقتضاه الوجود العيني ( لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينيّة ) .
ثمّ إنّ تلك الأمور الكليّة عندما تتحصّل ماهيّتها النوعيّة لها ثلاثة مدارج
 :
الأول منها تفصيل الأحكام والآثار التي هي بمنزلة المادّة والصورة، وهو حقيقة النوع وحده. والثاني الهيئة الجمعيّة بينهما، الرافعة للمغايرة، وهي النوع عينه .
والثالث تفصيل الأشخاص الخارجيّة، فأشار في طيّ عبارته إلى هذه المراتب، مضربا عن الأوّل بالثاني، مفسّرا إيّاه بالثالث.
تنبيها إلى أنّ التفصيل الأوّل اعتباريّ محض لا عبرة به ، وأنّ التفصيل الثاني هو عين الجمع ، وإلى أنّ الموجود العيني له وحدة جمعيّة كذلك ، وإلى غير ذلك من الدقائق فلا تغفل عنها .
فيكون التفسير للضمير المنفصل، لا للمتصل على ما هو الموجب للتوهّمات الباعثة على ارتكاب التمحّلات - كما التزمه البعض وهذا يناسب ما تسمعه من أئمّة النظر.
« إنّ سائر أقسام الكلَّيات موجود بوجود النوع عينه في الخارج كما أنّ النوع مع الشخص كذلك ، وإنّ ذلك التفصيل بين الكليّات وتميّزها إنّما هو في العقل » فهي معقولة (ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها ) أي نظرا إلى نفس حقائقها الكليّة ، بدون اعتبار تعيّنها وكونها ذا وجود عينيّ ، فإنّها بذلك الاعتبار عين الموجود العيني .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني. ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها.)
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء."
(فهذا التعريف الإلهي مما أدب به الحق عباده الأدباء) المتعاملين مع الحق والحق بما يقتضيه المراتب (الأمناء) الحاملين الأمانة.
التي هي صورة الله سبحانه التي حذى عليها آدم حين عرضها علي سماوات الأرواح وأرض الجسمانيات فأبين أن يحملنها .
إن لم يطعن ذلك ولم يستطعن وأشفقن منها .
لعدم أحدية جمع الجميع عند واحد منها .
وحملها الإنسان لتحقيقه بأحدية الجميع المذكورة "الخلفاء"  الذين استخلفهم الله تعالى في حفظ خزانتي الدنيا والآخرة.
فإن قلت : أي حاجة للمتحققین بهذه الصفات إلى التأديب.
قلنا : المراد تأديب ذواتهم قبل التحقق لتتحقق .
أو قلنا : لكل جواد كبوة فيمكن منهم وقوع الزلات بعد التحقق بها أيضا.
ثم نرجع إلى الحكمة فنقول :
اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن ؛ فهي باطنة لا تزول عن الوجود العيني ."
(ثم نرجع) مما وقع في البين من قصة الملائكة وبيان لطائفها (إلى الحكمة) الإلهية التي كان رضي الله عنه بصدد بيانها.
فابتدأ رضي الله عنه بيان الارتباط بين الأمور الكلية والأعيان الخارجية.
وفرع عليه بيان الارتباط بين الحق والعالم ثم خلق الإنسان على صورته .
ثم بيان ما يتفرع عليه من الحكم والأسرار.
(فنقول اعلم أن الأمور الكلية)، أي الحقائق المشتركة بين الأعيان الخارجة كالحياة والعلم والإرادة والقدرة و غيرها (وإن لم يكن لها) من حيث أنها كلية (الوجود في عينها)وحد ذاتها .
فإنه لا يكون وجوده للكليات إلا في ضمير أفرادها (فهي معقولة معلومة) من مراده (بلا شك في الذهن فهي باطنة) من حيث هي كلية (لاتزول عن الوجود العيني) بالعين المهملة كما هو في بعض النسخ المقروءة على الشيخ رضي الله عنه.
أي هي باطنة باعتبار وجودها العقلي لكن لا يزول عن الموجودات العينية ولا يسلب عنها بل هي ثابتة لها في ضمن ثبوت أفرادها لها.
أو بالغين المعجمة ، أي : لا تزول عن الوجود العيني العقلي ولا تنصف بالموجود العيني الخارجي.
وحاصله أنها لا تخرج من العلم إلى العين .
وفي بعض النسخ لا تزال إما بضم التاء من الإزالة ، فمعناه قريب مما سبق سواء كانت العين مهملة أو معجمة وبما يفتحها والعين مهملة .
فقال الشارح الجندي رحمه الله :
إن قوله باطنة منصوب على هذا الوجه والتقدير فهي لا تزال باطنة عن الوجود العيني.
أي لا تظهر أعيانها في الخارج وإن كانت موجودة في العلم وبالنسبة إلى العالم، وأما فتحها والغين معجمة فلا وجه له ظاهر.
"ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني ."
(و) هذه الأمور الكلية التي لا تتحقق في الخارج من حيث كليتها (لها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني) من الموصوفين بها .
فإن الحياة مثلا حكمها على الموصوف بها بأنه حي وأثر فيه، وهو العلم وتوابعه
"بل هو عها لا غيرها، أعني أعيان الموجودات العينية ."
"بل هو"، أي ما له وجود عيني (عينها)، أي عين الأمور الكلية فعلى هذا يكون قوله : (أعني أعيان الموجودات العينية) تفسير للضمير المرفوع. ويحتمل أن يجعل تفسيرا للضمير المجرور.
وإذا كان المرفوع كناية عن الأمور الكلية مؤولة الأمر الكلي وعلى كل تقدير فالعينية بناء على الحقيقة الواحدة التي هي حقيقة الحقائق كلها هي الذات الإلهية وباعتبار تعيناتها وتجلياتها في
مراتبها المتكثرة تتكثر وتصير حقائق مختلفة جوهرية متبوعة وعرضية تابعة.
فكل عين عين من حيث امتيازها عما سواها ليست إلا عين أعراض شيء اجتمعت في عين واحدة فصارت عينة موجودة خارجية.
كذا ذكره في آخر الفص الشعيبي.
"و لم تزل عن كونها معقولة في نفسها."
(و) هذه الأمور الكلية مع كونها عين أعيان الموجودات  (لم تزل عن كونها معقولة في نفسها) باعتبار كليتها.
فقوله : لم تزل إما مبني للفاعل من الزوال، أو مبني للمفعول من الإزالة.



كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء.   ثم نرجع إلى الحكمة فنقول: اعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة- لا تزال- عن الوجود العيني.
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عيني، بل هو عينها لا غيرها أعني أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها. )
قال المصنف رحمة الله: [فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء] . 

قال الشارح رحمه الله :
فهذا التعريف الإلهي ):
 أي الذي عرفنا اللّه مما وقع من الملائكة . و قد حكاه الله تعالى لنا حكاية و تعريفا و تأديبا مما أدّب الحق به عباده الأدباء .
( الأدب) مشتق من المأدبة و هو الاجتماع على الطعام كذلك الأدب عبارة عن جماع الخير كله . 
قال صلى الله عليه و سلم :  "إن الله أدّبني" : أي جمع فيّ جميع الخيرات لأنه قال : "فأحسن تأديبي" .
أحسن ما جمع الإنسان العلم بالله مأدبة، و الأدب بابها فمن حرم عن الباب أيس من الدخول عليها، فلا تدخلوا البيوت:
أي العلوم مثل قوله: أنا مدينة العلم إلا من أبوابها، و هي التخلق بأسماء الحق، والوقوف على ما تقتضيه عبوديته و إن يوفى ما يستحقّه مرتبة سيده من امتثال أوامره. 
ورد في الخبر :  "إن هذا القرآن مأدبة الله، فتعلموا من مأدبته ما استطعتم ".الحديث رواه ابن مسعود رضي الله عنه . 
فهذه المحاسن كلها كانت مجموعة فيه رضي الله عنه أحسن جماع، و بهذا ورد عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: "خلقه القرآن" 
( الأمناء الخلفاء ): أي أمناء الأمانة و خلفاء الرتبة . 
قال صلى الله عليه و سلم : "إن لله أمناء" . و قال في أبي عبيدة بن الجرّاح : "إنه أمين هذه الأمة"  .
قال رضي الله عنه: طائفة من الملامتية لا يكون الأمناء من غيرهم وهم أكابرهم فلا يعرف  
ما عندهم من الأحوال بجريهم مع الخلق بحكم العوائد، و الوقوف عند ما أمر الله به و نهى على جهة الفريضة .
و الخضر عليه السلام من الأمناء و لما عرض الله الأمانة على الإنسان و قبلها كان بحكم الأصل ظلوما جهولا، فإنه خوطب بحملها عرضا لا أمرا . 
فإن حملها جبرا كان أعين عليها مثل الأمناء، فإنهم حملوها جبرا لا عرضا، فإنهم حماهم الكشف فلا يقدرون أن يجهلوا ما علموا، و لم يريدوا أن يتميزوا عن الخلق لأنه ما قيل لهم في ذلك أظهروا شيئا منه و إلا لا تظهروه، فوقفوا على هذا الحد، فسمّوا أمناء . 
و يزيدون على سائر الطبقات بأنهم لا يعرف بعضهم بعضا بما عنده، فكل واحد منهم يتخيل في صاحبه أنه من عامة المؤمنين، و هذا ليس إلا لهذه الطائفة من الأمة خاصة هكذا ذكره رضي الله عنه في "الفتوحات" . 

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه: [ثم نرجع إلى الحكمة فتقول: اعلم أن الأمور الكلية و إن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن فهي باطنة لا تزول عن الوجود العيني، و لها الحكم و الأثر في كل ما له وجود عيني بل هو عينها لا غيرها أعني :  أعيان الموجودات العينية، و لم تزل عن كونها معقولة في نفسها].
قال الشارح رحمه الله : 
( ثم نرجع إلى الحكمة و نقول) لما وقعت حكاية الملائكة جملة معترضة في بيان الحكمة التي كان رضي الله عنه بصدد بيانها، و انقطعت فرجع لتكميل بيانها، و يريد التمثيل المضروب للحقائق الكلية التي اتصف بها الحق و الخلق بها . 
فهي للحق أسماء و للخلق صفات، و هي على أصلها في المعقوليّة ما برحت و لا تقوم الصورة إلا في هذا المعقول، فافهم .

( اعلم أن الأمور الكلية و إن لم يكن لها وجود في عينها ): أي من حيث أنها كلية طبيعية ليس لها وجود مستقل في الخارج، فهي معقولة بلا شك في الذهن كالعلم و الحياة فإنهما معلومان فهي باطنة من حيث هي كلية . 
( لا تزول عن الوجود العيني) بالعين المهملة، و قرئ لا تزال معلوما أو مجهولا يعني: أن الأمور الكلية المطلقة، و لو لم يكن لها وجود من حيث إطلاقها و كليتها في الخارج و لكن لا تنفك عنه إذ وجودها في ضمن أفرادها، فإن الوجود الكلي الطبيعي في ضمن الأفراد كالعلم و الحياة مثالهما وجود عيني باطني في العقل، و لهما وجود عيني ظاهري في الخارج . 
( و لها الحكم و الأثر في كل ما له وجود عيني ): أي الأمور الكلية المعقولة التي لا عين لها في الوجود العيني الخارجي لها الحكم و الأثر، فصار الحاكم و المؤثر أمورا عدمية معقولة ما لها عين في الخارج فعلى الحقيقة لا أثر لموجود في موجود، إنما الأثر للمعدوم في الموجود، ويظهر ذلك في أحكام المراتب كمرتبة السلطنة و مرتبة   السوقة بما يريد لمرتبة السلطنة، و ليس للسلطنة وجود بل هي مرتبة المراتب . 
و العاقل يرى و يعلم أن المتحكّم في المملكة إنما هي المرتبة لا عينه إذ لو كان لكونه إنسانا فلا فرق بينه و بين سائر الأناسي، و المرتبة كانت ما كانت أمر اعتباري لا عين لها في الوجود، فافهم . 
و الجمع حال لا وجود لعينه    ..... و له التحكم ليس للآحاد
و هذه المسألة مضى لها ذكرا سابقا: إن كنت مفيقا، فهذه الأمور الكلية حاكمة على الطبائع التي تعرض لها بأن يقال لها أنها حية ذات علم و إرادة و قدرة و ترتب عليها ما يلزمها من الأفعال و الآثار التابعة لها.
بل هو عينها ضمير هو يرجع إلى كل، و ضمير عينها إلى الأمور الكلية فهو إضراب و له الحكم في كل موجود . 
( بل هو عينها ): أي كل ما له  وجود عيني في الخارج هو عين الأمور الكلية و ليس بأمرين، بل أمر واحد و له اعتبار عند العقل و اعتبار في الخارج . 
مثلا تحلل الجامد، و تغيرت الصورة فتغير الاسم فتغير الحكم، فلمّا رجع جامدا رجعت الصورة في الحال، و الحال كالحال فنزلت الأحكام تخاطب الأعيان بما هي عليه من الصور و الأحوال و الأسماء، فالعين واحدة و الصور مختلفة الأحوال باختلاف الصور، فافهم .
هكذا الأمر في جميع الصور كانت ما كانت لا غيرها: أي الأمور الكلية المعقولة . 
( أعني ): أي أريد بكل ما له وجود عيني أعيان الموجودات العينية الخارجية و ذلك لأن الكلي الطبيعي عين جزئياته في الخارج، فإن الحقيقة الواحدة ظهرت بالصورة و الشخص، و هما أمران نسبيان عدميان ليس لهما وجود في الخارج، فما ظهرت الحقيقة الكلية الواحدة إلا بإطلاقها فهم من فهم، و أنكر من أنكر . 
( و لم تزل عن كونها معقولا في نفسها ): أي لم تزل تلك الأمور الكلية في كلمتها في البطون من حيث معقوليتها، و ما ظهرت لأنها مراتب و المراتب لم تتنزل عن مقامها أبدا . 
.

واتساب

No comments:

Post a Comment