Wednesday, July 10, 2019

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثالثة والثلاثون.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثالثة والثلاثون.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة الثالثة والثلاثون.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله


02 - The Wisdom Of Expiration In The Word Of SETH

الفقرة الثالثة والثلاثون:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
 قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : "و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها. و يكون مولده بالصين و لغته لغة أهل بلده.
و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة."
(وعلى قدم شيث) النبي عليه السلام (يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني) في الأرض.
(وهو)، أي ذلك المولود (حامل أسراره)، أي أسرار شيث عليه السلام يعني وارثا له في مقامه (وليس بعده ولد) يولد (في هذا النوع) أبدا (فهو خاتم الأولاد) الآدمية (وتولد معه أخت له) يكونان توأمين من بطن واحد .
(فتخرج) أخته (قبله ويخرج) هو (بعدها يكون رأسه في وقت خروجه عند رجليها) ليختم هذا النوع بذكره كما افتتح به.
وقبله أنثى أخرى كما بعده أنثى أولا، وكانت البداية بالإنسان الكامل فتكون النهاية أيضا بالإنسان الكامل .
وفي الحديث«لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض الله الله» والمراد حتى يفقد الإنسان الكامل من الأرض (ویکون مولده)، أي ذلك المولود الذي هو خاتم الأولاد (بالصين)، وهي البلاد التي في أقصى الهند (ولغته التي يتكلم بها لغة أهل بلده)، أي الصين (ويسري العقم)، أي انقطاع التوالد بعد ذلك (في النساء والرجال)، في جميع الأرض (فيكثر النكاح)، ولكن (من غير ولادة ويدعوهم)، أي يدعو الخلق ذلك المولود الكامل (إلى) دین (الله) تعالى (فلا يجاب) لغلبة الجهل وإليه الإشارة بقول النبي عليه السلام: «اطلبوا العلم ولو بالصين». يعني لا يسقط عنكم طلب العلم المفروض عليكم، ولو لم تجده إلا بالصين كما هو كذلك في آخر الزمان .
والمراد به العلم بالله تعالى (فإذا قبضه)، أي أماته (الله وقبض مؤمني زمانه)، جميعهم حتى يعم الموت كل مؤمن في الأرض (بقي من بقي مثل البهائم) صورهم صور بني آدم ونفوسهم نفوس الحيوان (لا يحلون) شيئا (حلالا ولا يحرمون) شيئا حراما) لعدم معرفتهم بالله تعالى ولا بأحكامه (يتصرفون) في جميع أمورهم (بحكم)، أي مقتضى (الطبيعة) المحضة (شهوة مجردة)، أي خالصة (عن) تدبیر (العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة) وهم شرار الناس كما ورد في الحديث: «لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس».
تم الفص الشيثية.
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)
 قال الشيخ رضي الله عنه: "وعلى قدم شيث" أي أوردت هذه المسألة على آخر قصة (يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني وهو حامل أسراره) من العطايا الأسمائية (وليس بولد بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد) الذكور .
كما أن شيث أول أولاد الذكور (وتولد معه أخت له) وهي خاتمة الأولاد الأنثي كما أن أخت شیث أول الأنثي (فتخرج قبله ويخرج بعدها) لابتداء الدورة على عكسها (يكون رأسه عند رجليها) لكون الأحكام في ذلك الزمان (لا استراحة) للطبيعة (ويكون مولده بالصين) لكونه أصعب الأمكنة .
فمولده فيه إشارة إلى أن في ذلك الزمان لا استراحة في وجه الأرض للمؤمنين (ولغته لغة بلده ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم) أي أهل بلده (إلى الله) أي إلى معرفة الله تعالى وهي العلم بالتجليات الأسمائية بالطريق الخاص من مرئية ختم الرسل .
كطریق مشايخنا رحمهم الله (فلا يجاب) دعوته لانقطاع الفيض الروحاني فيختم به الأسرار الشيثية فلا يطلب تحميل هذا العلم مؤمنو زمانه ولا يجيبون دعوته مع أنه لا يضر إيمانهم لأنهم وإن كانوا لا يجيبون لكنهم لا يردونه ولا ينكرونه لكون دعوته مطابقة لدينهم .
كما أن المؤمنين في زماننا الذين لم يجيبوا دعوة مشايخنا لا يضرهم يدل عليه قوله (فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحزمون حراما ينصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع وعليهم تقوم الساعة) .
هذا الولد هو الولي الذي لا يستجاب دعوته يكون بعد ختم الولاية العامة وهو عيسى عليه السلام فمعنى قوله : لا ولي بعده أي الولي الذي يستجاب دعوته ويؤثر ولايته وينتفع الناس بکمالاته ومعارفه فلا ينافي ختميته ختم الرسل وجود عیسی بعده مع أنه نبي مرسل بعدم إحكام نبوته.
ومن قال: إن هذا الولد هو عيسى عليه السلام فقد أخطأ في الظاهر والباطن.
شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.
)قوله رضي الله عنه: وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني وهو حامل أسراره. 
قلت: لما ثبت لشيث أولوية المولودية، 
لأنه أول مولود ولد من هذا النوع الانساني، فكانت له مرتبة الأولية ولما كانت الآخرية هي مضايفة للأولية، فهي في مقابلتها تماما.
فإرتسم شكل المرتبة الأولى في المقابل لها، فظهرت فيها أسرارها كما ظهرت أسرار العقل الأول الذي حصلت له الأولية في الايجاد في مرتبة آدم الذي هو آخر أنواع الموجودات ظهورا.
 فلا جرم حصل للإنسان العقل الذي به ظهور أسرار العقل الأول وهو القلم الأعلى.
قوله رضي الله عنه: (وليس بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد و تولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها.)
قلت: كما لم يكن بعد آدم و بنیه مولود يكون فيه أسرار العقل الأول وهذا من ضرورة ارتباط الأولية بالآخرية، فإن الحقائق لا تتبدل وهي كلمات الله وقد قال تعالى: "لا تبديل كلمات الله" (یونس: 64).
أما كونه يولد معه أخت له، فلأن نسبة أخته إليه نسبة حواء إلى آدم في الأنوثة والذكورة إلا أن آدم وحواء تولدا في الطين وهذان في الرحم.
فإن آدم لما تكون من الطين كان في الطين فضله وكان في المدد الإيجادي الذي كان مصدره من العقل الأول فضلة أيضا، فقيل ما فضل من الطين عن آدم المدد الإيجادي.
 وقد تقدم أن الأمر الإلهي إن كان ما قبل بالتسوية شيئا، فلا بد أن تعلق به مقبولة بالنفخ الإلهي، فقبلت تلك الفضلة من الطين ایجادا إلا أن ما قبلته كان أنقص مما قبلته طيئة آدم وقبل آدم أكثر.
فكان من حكم الأكثرية الذكورة وذلك المزيد الحرارة الحاصلة له من مزيد المدد الخاص به، فكان ذكرا وكانت هي، أعني حواء أنثي وأميل إلى البرد.
فلم تمد الحرارة الطينية حتى يصير لها ذكرا كما حصل لآدم بل نقصت الحرارة، فبقي موضع تكوين الذكر والأنثيين مخسوفا بإذن الله تعالى.
فكان هو الفرج وتركبت فيه الشهوة للعضو الذي هو الذكر لأن ذلك الموضع كان محتاجا حالة التكوين إلى الحرارة التي تصير الفرج ذكرا فلما فقدها حالة التكوين بقي فيه طلبها بالذات. 
ولما كانت جملة الأنثى أيضا ناقصة من مدد الحرارة تصير بها في درجة الذكور، بقي فيها ميل طبيعي إلى الرجال فذلك هو حقيقة شهوة المرأة التي تطلب بها الرجل.
وأما الشهوة التي يطلب بها الرجال النساء فهي أن القدر الذي في الرجال من مزید ذلك المدد المذكور الذي حصل للرجال دون النساء عند ما فاته أن يكمل نقص النساء فيصير هم رجالا انبعث نحو النساء كالمحاول لاتمام ما حصل لهم من النقص فحرك الرجال إلى محل النقص وهو الفرج كما ذكرنا.
ولما كان الأعور هو العضو المسمى ذكرا تحرك المدد في العضو الذي هو الذكر، فطلب الفرج الذي هو محل النقص، فطلب الولوج فيه فحصل الطلب من الطرفين، الذكر والأنثى.
ومن أجل حركة المدد في حيز النقص تحرك الذكر، فهي تلك الحركة التي تكون في الجماع أما من الرجل، فهي حركة فعل وأما من المرأة، فهي حركة انفعال.
فاقتضى المدد الايجادي أن ينبعث من الرجل رطوبة هي بمنزلة الرقعة التي يرقع بها الثوب ليجبر نقصه، وأن ينبعث من المرأة نظيره ليتلقى تلك الرقعة كما يرتبط الرقعة بالثوب بنوع من الخياطة.
فإن علا ماء الرجل ذكر بإذن الله. وإن علا ماء المرأة أنثى بإذن الله تعالی.
كما ورد في الحديث النبوي، لكن ذلك الماء ما انفصل ما يخص موضع النقصان بل جاء وفيه قوة جميع البدن، فحصل منه تکوین انسان إما ذكر أو أنثى كما فصلناه. 
وكان تكوين حواء في الطينة التي لآدم متصلة به غير منفصلة عنه، فكانت من جنبه.
 فقيل: "إن المرأة من ضلع الرجل" كما ورد في الحديث، لأنها تكونت إلى جانبه من طينته، فعبر عن ذلك أنها من ضلعه أي من محل فيه ضلعه، ففي الكلام مجاز إذ المجاز قد ثبت أنه يكون في القرآن أيضا على المذهب الصحيح.
فنعود إلى ما كنا فيه من ذكر أخت حامل أسرار شيث أنها تكونت مع أخيها على عكس ما تكونت حواء مع آدم لأنها سبقت أخاها في التكوين لأن المدد كان على آخره.
 فتكونت بقسط من المدد لا يبلغ ما حصل لأخيها، فاقتضى سبقها لها في التكوين وكونه هو المقصود بالآخرية إن تسبقه في الخروج من الرحم ليكون آخرا إلا أنه لم يتأخر عنها.
فاقتضى الحال أن يكون رأسه عند رجليها ولما تقاصر المدد كان له حکم سنذكر هنا وهو أنه لم يقتض أن المدد يتوجه لإتمام ما حصل لأخته من النقص بالأنوثة حتى تحرك الرجال النکاح النساء فلا جرم يسرى العقم في الرجال والنساء.
وأما كثرة النكاح حينئذ، فيكون بالعادة وحرصا على النسل ولا يفيدهم الحرص لأن الأمد قد انقضي والأمر على آخره.
قوله رضي الله عنه: "ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل بلده. ويسرى العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب. فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمنی زمانه بقى من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة."
قلت: أما مولده بالصين فلأن قدمنا أن الآخرية إنما جاءت على حكم الأولية لأنها كالشكل المرتسم من الأولية في مرآة الآخرية، فتمت دائرة الإيجاد.
فكان المولد لآخر مولود هو بالصين كما كان تكون آدم، عليه السلام، إنما هو بالصين، فاتصلت نقطة الآخر نقطة الأول لتمام الدائرة وأما أن لغته لغة بلده فلأنها من الصين تعلمها.
وأما قوله رضي الله عنه: " ويدعوهم إلى الله تعالى".
قلت: يعني أن هذا المولود يدعوهم إلى الله، فلا يجاب لأن الاجابة هداية والهداية هي من ذلك المدد والتقدير أنه تقاصر، فتذهب عقولهم القابلة النور الهداية التوقف المدد عنهم.
فيبقون كالبهائم إلى أن يقوم عليهم القيامة وهذا الكلام كله من قوة الأحاديث النبوية، فتأمله تجده كذلك والله الهادي.
شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
قال الشيخ رضي الله عنه : " وعلى قدم شيث عليه السّلام يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني ، وهو حامل أسراره ، وليس بعده ولد في هذا النوع الإنساني فهو خاتم الأولاد يولد معه أخت  له فتخرج قبله ويخرج بعدها ، يكون رأسه عند رجليها ، ويكون مولده بالصين ولغته لغة بلده ، ويسري العقم في الرجال والنساء ، فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله ، فلا يجاب ، فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه ، بقي من بقي مثل البهائم لا يحلَّون حلالا ولا يحرّمون حراما ، يتصرّفون بحكم الطبيعة شهوة مجرّدة عن العقل والشرع ، فعليهم تقوم الساعة " .
قال العبد أعلم : أنّ آدم عليه السّلام لمّا كان صورة ظاهريّة أحدية جمع جميع الكمالات الأسمائيّة الإلهيّة الربّانيّة والكيانية ، كان ظهور الوهب الجودي الامتنائي به وفيه وحدانيّا جمعيّا ، ثم ظهور التعيّنات من قبله بحسب الحقائق الأول وحروف الأزل وعلى ترتيبها في وجود الأبناء ، فأوّل التعيّنات بعده كما أومئ إليها من مرتبة الفيض .
ولكن تعيّن الفيض وتحقّقه لا يكون إلَّا بين مفيض للفيض وبين مفاض عليه ، فالمفيض هو الله الفعّال ، وفيضه الذي هو عطاؤه ووهبه
على وجهين : ذاتيّ وأسمائيّ ، والمفاض عليه هو العالم .
والعالم عالمان : عالم جمع وعالم تفصيل .
فظهور الأسماء في عالم التفصيل وظهور الجمع الذاتي في عالم الجمع ولا بدّ لحقيقة الوهب من هذين الوجهين وظهور الوهب من قبل القابل انفعاليّ ، ومن قبل الواهب فعليّ .
ولحقيقة الوهب نسبتان ذاتيّتان إلى الفاعل والمنفعل ، وتعيّن الفيض في مراتب التفصيل إنّما يكون بحسب هذين الوجهين ، فهو من قبل الفاعل تعيّن الأسماء الإلهيّة الكمالية في قابليات كمّل الأنبياء ، ومن قبل الانفعال تعيّن الكمّل الآدميّين في مظهريّة تلك الكمالات الأسمائيّة .
فآدم عليه السّلام مظهر أحدية جمع الأسماء ومظهر النفس الواحدة ومن حيث اعتبار ذاتيّة الذات وإطلاقها لا يكون تجلّ ولا اسم ولا صفة ولا حكم ولا نعت .
والاعتبار الثاني موجديّة الذات ومفيضيّتها ومبدئيّتها ، ويظهر بحسب الإطلاق والتقييد ، والفعل والانفعال ، والأسماء والذات ، فيكون في الأب الثاني وهو شيث عليه السّلام تعيّن  سرّ مرتبة الفيّاضيّة والوهب والجود .
ثمّ تعيّن المواهب والحكم الإلهيّة والرحمانية الذاتية في كمل الأنبياء على ما سيأتي بعد شيث عليه السّلام الذي هو مظهر أحدية جمع الفيض الرحماني والعلوم الوهبيّة الروحانيّة النورانية .
فأوّل تعيّن الأسماء في مرتبة الجمعية الإنسانيّة بعد مرتبة الفيض بشيث عليه السّلام .
وإنّما كان بالتجلَّيات التنزيهيّة في نوح عليه السّلام بعد كمال ظهور أسرار التشبيه بقوم نوح ، فنوح صورة أحدية جمع التنزيهات التوحيدية ، ومظهر تجلَّيات الأسماء السلبية المفيضة للنزاهة والطهارة الإلهية ، وأمّته الذين لم يقبلوا دعوته مظاهر التشبيه الذين شبّهوا الصور الجسمانيّة بالصور الأسمائيّة الإلهيّة النبوية .
ثمّ مرتبة التقديس والنزاهة والطهارة بالفعل في إدريس عليه السّلام .
ثمّ تفصّلت الحقائق النبويّة بعد تعيّنها وظهور أحدية جمع كمالاتها في إبراهيم عليه السّلام.
وتحقّق إمامته في أولاده سليمان عليه السّلام في مرتبة ظاهرية أحدية جمع الكمالات الأسمائية. وكملت في داود وسليمان عليه السّلام .
ثمّ ابتدأت بظهور مرتبة الجمع في الباطن ، فيمن بعد سليمان إلى عيسى عليه السّلام حتّى ظهر كمال دعوة البطون فيه .
ثمّ كمل الأمر في مرتبة أحدية جمع جمع الأسماء والذات في مقام الفردية الكمالية البرزخيّة بمحمّد عليه الصلاة والسلام .
ثمّ ابتدأت بالصور الكمالية الأحدية الجمعية في مرتبة الباطن والولاية بآدم الأولياء ، وهو أوّل وليّ مفرد في الولاية المورّثة عن النبوّة الختمية المحمدية وهو عليّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام فظهرت الحقائق الجمعية الكمالية أحدية جمعيّة في مظاهر الكمالات الإنسانية الأحدية الجمعية من الأولياء والورثة المحمديّين الإلهيّين إلى أن ختمت الولاية العامّة بعيسى بن مريم عليه السّلام .
قال محقق الكتاب :
" فعبّر عنه عليه السّلام بآدم الأولياء ، لأنّ ولاية كلّ وليّ تنتهي إليه عليه السّلام .
لأنّه « كان ونبيا وآدم بين الماء والطين » بحسب الرتبة الجسمانية الزمانية .
وهو سرّ الأنبياء عبارة عن مرتبة ولا يأتهم فهو أب كل الأنبياء معنى وروحا ، وآدم أبونا بحسب الرتبة الجسمانية الزمانية"
وإذا انتهت مراتب التفصيل الوهبي جمعا وتفصيلا في الصور الجمعية الكمالية الإنسانية ، وفي الصور التفصيلية الفرقانية نورانيّها في كمل الأنبياء والأولياء وظلمانيّها في الفراعنة والجبابرة والمردة والعفاريت تماما ، ظهرت ختميّة مرتبة الوهب الذي كان مفتتحه ومختتمه من شيث عليه السّلام في آخر مولود يولد من النوع الإنساني الذي هو صورة ختميّة مرتبة الوهب الأحدي الجمعي الكمالي الإنساني.
فكونه توأما إشارة إلى أنّ الوهب ذاتي وأسمائي ، فالذاتي فعلي على ما ذكر والأسمائي انفعالى سفلي أنثيّ ، وذلك لما فيه من التقابل .
وخروج الأنثى قبل الذكر إشارة إلى أنّ المظاهر الأسمائية ظاهرية الوهب ، وأنّها تظهر وتبدو قبل الوهب الذاتي الأحدي الجمعي ، ولهذا كان أمّ رأسه وهو محلّ أحديّة جمع قواه النفسانيّة ، ومنبت الأعصاب التي بها يكون الحسّ والحركة بين رجليها ، لأن أحدية الجمع يكون بين الجمع الأوّل وهو اثنان في العدد الزوج .
وكما كان افتتاح صور جمع الأوّل الناتجة أوّلا من الأبوين الأوّلين أعني آدم وحوّاء زوجا زوجا ، فكانت تلد لآدم في كل بطن توأما .
إشارة إلى أنّ ظهور مرتبتي الفعل والانفعال الناتجتين من صورة أحدية جمع المظهرية الكماليّة بين مرتبتي الحق والخلق يكون أحديّا جمعيّا ، فكذلك انختمت الصورة البشرية ، الناتجة من هذا النوع أيضا زوجا في صورة أحدية جمعية .
فتولَّد خاتم الأولاد مع أخته توأما ، ضرب مثل إلهي لهذا السرّ وإشارة إلى انختام هذه المرتبة الوهبية والحكمة النفثيّة المفتتحة بها في الكلمة الشيثيّة لا مطلق الوهب .
فإنّ الله وهّاب دائما ، ولكن مرتبة الوهب الحكمي الأحدي الجمعي الكمالي الخصيص بخاتم الصور الوجودية الظاهر أوّلا في شيث ، فخاتم الأولاد آخر صور مثليّة إلهية ضرب مثلا لختميّة هذه المرتبة لمن عقل عن الله ، و " كانَ لَه ُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ".
ولمّا كانت هذه المرتبة الأحدية الجمعية الكماليّة النفسية الخصيصة بأوّل صورة في النوع الأخير ظاهرة في خاتم الصور الوجودية في أقصى مرتبة الوجود وآخر الأنواع كذلك ، انختمت المرتبة بخاتم الأولاد الذي ولد في أقصى البلاد ، وهو الصين .
ثمّ منعت عن الظهور فلا يولَّد بعده إنسان ، إشارة إلى أنّ إنزال الحكم المنتجة للكمال الأخير بلغ النهاية ، فانختمت المرتبة فانقطع النوع في هذه النشأة وهذه الدورة .
ثمّ يبقى بعده شرار الخلق لا نزّل الله إليهم الحكم ، فيهم حيوانات في صور إنسان لإظهار كمال الحقائق الحيوانيّة الطبيعية البهيمية والسبعية في الصورة الإنسانية تماما على ما تقتضيه الطبيعة من حيث هي من غير وازع عقلي ولا مانع حكمي أو شرعيّ ، فعليهم تقوم الساعة .
وخاتم الأولاد أكمل زمانه ، وله من العلوم الوهبيّة والحكم النفثية الظاهرة في الكلمة الشيثية أتمّ حظَّ وأوفر نصيب ، ويدعو إلى الله بأحكام حكمته فلا يجاب إلى دعوته ، فيقبضه الله إليه ويقبض معه وبعده مؤمني زمانه .
وولادة أخته قبله إشارة أيضا إلى أن تحقّق المرتبة الفاعليّة بعد تعيّن مرتبة الانفعال ، وولادته بعد أخته تصحيح ختميّته ، لأنّه لو ولد قبلها كانت هي الخاتمة ،ولهذا لا يطَّرد هذا الحكم في كل توأم.
وكون رأسه عند رجليها إشارة أخرى أيضا إلى أنّ الأحدية الجمعيّة الكمالية الختمية إنّما تظهر بعد ظهور رتبة التفصيل لتحقّق الآخرية ، فافهم .
واعلم : أنّ هذه الحكمة النفثية تشتمل على مكاشفات عليّة ، وقواعد علميّة ، وقوانين كشفية حكمية ، فتدبّرها بفهمك الثاقب ونور إيمانك الصائب تعثر على كنوز الحكم النازلة على الطريق الأمم ، من المقام الأقدم ، على المظهر الأكمل الأجمع الأتمّ ، والمنظر الأحسن الأعدل الأقوم ، محمّد صلَّى الله عليه وسلَّم .
  
شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)
قوله رضي الله عنه :  " وعلى قدم شيث يكون آخر مولود تولد من هذا النوع الإنسانى وهو حامل أسراره " إشارة إلى أن أدنى مرتبة الإنسان باعتبار حقيقته التي هو بها إنسان .
أن يكون مقامه القلب الذي هو محل تجليات الصفات الإلهية ومظهر التعدد الأسمائى .
فإن العطايا من الأسماء وعلمه معرفة العطايا ولا بد للعطاء من معط وقابل .
فالمعطى هو الله باعتبار الأسماء والقابل هو نفس شيث باعتبار قبول الأعطية من النفث الروحي.
ومن انحط عن مقامه حتى وقع في حد القبول المحض ، فقد انحط عن درجة الإنسان وانخرط في سلك سائر الحيوان وإن كان في صورة الإنس . فلهذا يكون آخر مولود من هذا النوع على قدمه.
ولما كان مقامه أنزل من مقام الوالد وكان قاصرا عن مرتبة أحدية الجمع الذي لأبيه لم يثبت المعاد الروحاني ، لأن القلب من حيث ما فيه سنح النفس لا يتجرد بالكلية عن التعلق البدني ، وإن تجرد عن الحلول فيه لا يتجرد عن العلاقة بالكلية إلا من حيث أنه روح وفي مرتبته ولهذا كان أول من أثبت التناسخ وقال بالمعاد الجسماني وانتسب إليه الإشراقيون.
وهو الذي يسمونه بلسانهم آغاثاذيمون صاحب الشريعة والناموس .
وأنذر وحذر عن الانحطاط عن مرتبة الإنسان إلى درجات الحيوانات العجم وذلك لانحطاطه عن رتبة الأرواح ، المقدسة .
ولهذا المعنى قال رضي الله عنه :  "وليس بعده ولد في هذا النوع فهو خاتم الأولاد " لأن من انحط عن مرتبة الإنسان وقع في مرتبة السباع والبهائم ، وإن كان في صورة الإنسان لخلوه ، عن أحكام الوجوب والصفات الإلهية واستيلاء صفات النفس وغلبة أحكام الإمكان عليه .
وهو معنى قولهم : إن العالم قبل آدم كان مسكن الجن ، أي القوى النفسانية والنفوس الأرضية.
 وبعضهم يقولون : كان قبل ذلك النوع الفرس ، إشارة إلى أن الفرس في الأفق الأعلى من الحيوان قبل طور الإنسان .
ولهذا قال : إنه خاتم الأولاد ، فإن القلب ولد الروح وخاتم الآباء في هذا النوع هو المهدى عليه السلام .
قوله رضي الله عنه: "وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها ، يكون رأسه عند رجليها"
إشارة إلى مرتبة النفس الحيوانية الواقعة في جهة الانفعال المطلق .
فإن القلب من حيث أنه قلب لا يكون إلا مع التعلق البدني .
والتعلق لا يكون إلا بتوسط النفس الحيوانية المطبقة في البدن الغالب عليه التضاد من الطبيعة العنصرية المتنكسة بتوجهها إلى عالم الطبيعة .
ولما كان أصل التضاد من العالم العنصري والنفس الحيوانية مقبلة إليه متنكسة ، كانت اثنينية التضاد والتقابل تقوى عند رأسها وتضعف عند رجليها .
وإذا ضعفت جهة التضاد قويت جهة الوحدة بالاعتدال وتوجهت النفس الناطقة إليه ، فيكون رأس هذا الذكر هو حقيقة شيث عليه السلام عند رجليها ، ولا يمكنه إلا أن يكون توأما .
وتخرج الأخت قبله بظهور النفس قبل القلب ضرورة " ويكون مولده بالصين " لأنه أقصى البلاد لا عمارة بعده . كما هو آخر الإنسان لا إنسان بعده ولا غاية بعده .
قال عليه الصلاة والسلام :« اطلبوا العلم ولو بالصين » .
ومعنى قوله: " ولغته لغة بلده " أن كلامه ودينه في مرتبة آخر الأصناف الإنسانية فإن الحكماء مذهبهم التناسخ لا يعدون عنه .
قوله رضي الله عنه : "ويسرى العقم في الرجال والنساء ، فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب ، فإذا قبضه الله وقبض مؤمنى زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما يتصرفون بحكم الطبيعة ، شهوة مجردة عن العقل والشرع ، فعليهم تقوم الساعة" ظاهر ، لأنهم بعد هذا الطور لا يلدون الإنسان بالحقيقة وإن كانوا في صورة الإنسان فهم أشرار الناس فتجب أن تقوم عليهم القيامة .
كما قال عليه الصلاة والسلام: « لا تقوم الساعة إلا على أشرار الناس » .
وقال « شر الناس من قامت القيامة عليه وهو حى » .
وذلك بتجلى الحق في صورة العدل واستئناف الدور بالبعث والنشور ، وإحياء الموتى وإخراج من في القبور ، والله أعلم .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)
ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻮﻟﺪ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻻﺩ. ﻭﺗﻮﻟﺪ ﻣﻌﻪ ﺃﺧﺖ ﻟﻪ، ﻓﺘﺨﺮﺝ ﻗﺒﻠﻪ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﺑﻌﺪﻫﺎ ﻭﻳﻜﻮﻥ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻠﻴﻬﺎ. ﻭﻳﻜﻮﻥ ﻣﻮﻟﺪﻩ ﺑﺎﻟﺼﻴﻦ، ﻭ ﻟﻐﺘﻪ ﻟﻐﺔ ﺑﻠﺪﻩ.
ﻭﻳﺴﺮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻓﻴﻜﺜﺮ ﺍﻟﻨﻜﺎﺡ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﻭﻻﺩﺓ. ﻭﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻼ ﻳﺠﺎﺏ. ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺒﻀﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻗﺒﺾ ﻣﺆﻣﻨﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ، ﻻ ﻳﺤﻠﻮﻥ ﺣﻼﻻ ﻭﻻ ﻳﺤﺮﻣﻮﻥ ﺣﺮﺍﻣﺎ، ﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺷﻬﻮﺓ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ".
ﻭﺍﻋﻠﻢ، ﺃﻧﻪ رضى الله عنه ﻟﻤﺎ ﺑﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻤﺒﺪﺋﻴﺔ ﻭﻛﺎﻥ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻭﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺘﻨﺎﻫﻴﺔ ﻋﻨﺪ ﺃﻫﻞ ﺍﻟﺘﺤﻘﻴﻖ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻇﺎﻫﺮ ﺍﻟﺸﺮﻉ، ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﻔﺺ ﻣﻦ ﺑﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻭﺃﻟﻤﻊ ﺑﺒﻌﺾ ﺷﺆﻭﻧﻪ ﻣﻦ ﻛﻴﻔﻴﺔ ﻭﻻﺩﺗﻪ ﻭﻣﻮﻟﺪﻩ ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺣﺎﻣﻼ ﻟﻸﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﻣﺨﺘﺼﺔ ﺑﺸﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ.
ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﻓﺘﻮﺣﺎﺗﻪ، ﻓﻲ ﺍﻟﻔﺼﻞ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﻋﺸﺮ، ﻣﻦ ﺍﻷﺟﻮﺑﺔ ﻟﻠﺤﻜﻴﻢ ﺍﻟﺘﺮﻣﺬﻱ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ: ﻗﺎﻝ رضى الله عنه : "ﻭﺫﻟﻚ  ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻟﻤﺎ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻭﻧﻬﺎﻳﺔ ﻭﻫﻮ ﺧﺘﻤﻬﺎ، ﻗﻀﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﺤﺴﺐ ﻧﻌﺘﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻭﺧﺘﺎﻡ. ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻨﺰﻳﻞ ﺍﻟﺸﺮﺍﺋﻊ، ﻓﺨﺘﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻨﺰﻳﻞ ﺑﺸﺮﻉ ﻣﺤﻤﺪ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ، ﻓﻜﺎﻥ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻨﺒﻴﻴﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻜﻞ ﺷﺊ ﻋﻠﻴﻤﺎ. ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﻣﺎ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻭﻟﻬﺎ ﺑﺪﺀ ﻣﻦ ﺁﺩﻡ،
ﻓﺨﺘﻤﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻌﻴﺴﻰ، ﻓﻜﺎﻥ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻳﻀﺎﻫﻲ ﺍﻟﺒﺪﺀ: 
"ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ﺁﺩﻡ".
ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﻪ ﺑﺪﺃ: ﻛﺎﻥ ﺍﻟﺒﺪﺀ ﻟﻬﺬﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻨﺒﻲ ﻣﻄﻠﻖ، ﻭﺧﺘﻢ ﺑﻪ ﺃﻳﻀﺎ
". ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻣﻪ.
ﻭﻣﺎ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﻣﻦ ﻛﻼﻣﻪ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺃﻥ ﻳﺤﺼﻰ.
ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﺤﻘﻘﻴﻦ ﺣﻤﻞ ﻗﻮﻟﻪ: "ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ" ﻋﻠﻰ ﺁﺧﺮ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻄﻮﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ.
ﻭﻗﺎﻝ: "ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ ﺇﻻ ﻃﻮﺭ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ: ﻓﻴﻜﻮﻧﻮﺍ ﺣﻴﻮﺍﻧﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺍﻷﻧﺎﺳﻲ. ﺛﻢ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺑﺎﺑﺘﺪﺍﺀ ﺍﻟﺪﻭﺭﺓ ﻭﻣﻀﻰ ﺯﻣﺎﻥ ﺍﻟﺨﻔﺎﺀ ﻭﺍﻟﻈﻠﻤﺔ".
ﻭﺻﺮﺡ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻘﺎﺋﻠﻴﻦ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺑﺄﻧﻪ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﻈﻬﻮﺭ ﺁﺩﻡ ﺁﺧﺮ ﻃﻠﻮﻉ ﺍﻟﺼﺒﺢ ﻣﻦ ﺃﻳﺎﻡ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﺛﻢ ﻇﻬﻮﺭ ﻟﻮﺍﻣﻊ ﺍﻷﻧﻮﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺍﺯﺩﻳﺎﺩ ﺍﻟﻨﻮﺭﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﻳﻨﻜﺸﻒ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺤﻖ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻳﺔ، ﻭﺗﺤﺼﻞ ﺍﻟﻤﺠﺎﺯﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ
(ﺇﻥ ﺧﻴﺮﺍ ﻓﺨﻴﺮ ﻭﺇﻥ ﺷﺮﺍ ﻓﺸﺮ). ﺛﻢ ﻳﻨﺘﻬﻰ ﺇﻟﻰ ﻇﻠﻤﺔ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻫﻜﺬﺍ ﺇﻟﻰ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ.
ﻓﻴﻠﺰﻡ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻛﻤﻞ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻘﺎﻣﺎ ﻭﺃﺭﻓﻌﻬﻢ ﻛﺸﻔﺎ ﻭﺣﺎﻻ، ﺑﻞ ﻭﺍﻟﺪ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺗﻤﺎﻣﺎ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺪﻭﺭ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻷﻥ ﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺂﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻟﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻤﻄﻠﻘﺔ ﻛﻤﺎ ﻣﺮ.
ﻭﻟﺬﻟﻚ ﻗﺎﻝ: (ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ). ﺛﻢ ﻧﺴﺐ ﺇﻟﻰ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﺑﺄﻧﻪ ﺃﻭﻝ ﻣﻦ ﻗﺎﻝ ﺑﺎﻟﺘﻨﺎﺳﺦ. ﻭﺳﺒﺐ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﻣﺎ ﺭﺃﻯ ﻓﻲ ﺷﺮﺡ ﺍﻹﺷﺮﺍﻕ ﺇﻥ ﺁﻏﺎﺛﺎﺫﻳﻤﻮﻥ ﻫﻮ "ﺷﻴﺚ".
ﻭﺫﻛﺮ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻲ ﺑﻴﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺎﺩ، ﺃﻥ ﺁﻏﺎﺛﺎﺫﻳﻤﻮﻥ ﻭﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﺍﻟﻤﺘﻘﺪﻣﻴﻦ ﺫﻫﺒﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ. ﻭﻓﻴﻪ ﻧﻈﺮ.
ﻷﻧﻪ ﻛﺎﻥ ﻣﻦ ﺟﻤﻠﺔ ﺷﻴﻮﺥ ﺃﻓﻼﻃﻮﻥ، ﻭﻛﺎﻥ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻥ ﺇﺳﻜﻨﺪﺭ، ﻭﻛﻤﺎ ﺫﻛﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺍﺭﻳﺦ، ﻭ ﻛﺎﻥ ﺃﺭﺳﻄﻮ ﺃﺳﺘﺎﺫﺍ ﻟﻪ ﺗﻠﻤﻴﺬﺍ ﻷﻓﻼﻃﻮﻥ.
ﻭﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺷﻴﺚ عليه السلام ﻗﺮﻳﺐ ﺑﺄﺭﺑﻌﺔ ﺁﻻﻑ ﺳﻨﺔ ﺃﻭ ﺃﻛﺜﺮ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ ﺑﻤﺪﺓ ﻣﺘﻄﺎﻭﻟﺔ.
ﻭﻳﻠﺰﻡ ﻣﻤﺎ ﻗﻴﻞ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻗﺒﻞ ﻧﻮﺡ عليه السلام ﻷﻧﻪ ﺍﺑﻦ ﻣﻠﻚ ﺑﻦ ﻣﺘﻮﺷﻠﺦ ﺑﻦ ﺃﺧﻨﻮﺥ، ﻭﻫﻮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺑﻦ ﺷﻴﺚ عليه السلام.
ﻓﻬﻮ ﻇﻦ ﻣﻦ ﺷﺎﺭﺡ ﺍﻹﺷﺮﺍﻕ، ﻛﻤﺎ ﻇﻦ ﺃﻥ ﻫﺮﻣﺲ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻫﻮ ﺇﺩﺭﻳﺲ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ ﺃﻳﻀﺎ، ﻟﻼﺷﺘﺮﺍﻙ ﻓﻲ ﺍﻻﺳﻢ، ﺑﻞ ﻛﺎﻥ ﻣﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ ﺍﻟﻬﺮﺍﻣﺴﺔ، ﺇﺫ ﻛﺎﻥ ﺟﻤﺎﻋﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻜﻤﺎﺀ ﻣﺴﻤﻰ ﺑﻬﺮﻣﺲ.
ﻭﻣﺎ ﺟﺎﺀ ﻓﻲ ﻛﻼﻡ ﺃﻭﻟﻴﺎﺀ ﻣﻤﺎ ﻳﺸﺒﻪ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﺇﻧﻤﺎ ﻫﻮ ﺑﺤﻜﻢ ﺃﺣﺪﻳﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﻭﺳﺮﻳﺎﻧﻬﺎ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ، ﻛﺴﺮﻳﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﻓﻲ ﺻﻮﺭ ﺟﺰﺋﻴﺎﺗﻪ، ﻭﻇﻬﻮﺭ ﻫﻮﻳﺔ ﺍﻟﺤﻖ ﻓﻲ ﻣﻈﺎﻫﺮ ﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻭﺻﻔﺎﺗﻪ، ﻟﺬﻟﻚ ﻧﻔﻮﺍ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ ﺣﻴﻦ ﺻﺪﺭ ﻣﻨﻬﻢ ﻣﺜﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﻼﻡ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﻤﺤﻘﻖ، ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻔﺎﺭﺽ، ﻗﺪﺱ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﻭﺣﻪ:
ﻓﻤﻦ ﻗﺎﺋﻞ ﺑﺎﻟﻨﺴﺦ ﻓﺎﻟﻤﺴﺦ ﻭﺍﻗﻊ    ...  ﺑﻪ ﺃﺑﺮﺃ ﻭﻛﻦ ﻋﻤﺎ ﻳﺮﺍﻩ ﺑﻌﺰﻟﺘﻲ
ﻭﻟﻠﺮﻭﺡ ﻣﻦ ﺃﻭﻝ ﺗﻨﺰﻻﺗﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻮﻃﻦ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎﻭﻱ، ﺻﻮﺭ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﺑﺤﺴﺐ ﺍﻟﻤﻮﺍﻃﻦ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺒﺮ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺰﻭﻝ، ﻭﺻﻮﺭ ﺑﺮﺯﺧﻴﺔ ﻋﻠﻰ ﺣﺴﺐ ﻫﻴﺂﺗﻬﺎ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺻﻮﺭ ﺟﻨﺎﻧﻴﺔ، ﻭﺻﻮﺭ ﺟﻬﻨﻤﻴﺔ ﺗﻄﻠﺒﻬﺎ ﺍﻷﻋﻤﺎﻝ ﺍﻟﺤﺴﻨﺔ ﻭﺍﻷﻓﻌﺎﻝ ﺍﻟﻘﺒﻴﺤﺔ، ﺗﻈﻬﺮ ﻓﻴﻬﺎ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺮﺟﻮﻉ.
ﻭﺇﺷﺎﺭﺍﺗﻬﻢ ﻛﻠﻬﺎ ﺭﺍﺟﻌﺔ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﻻ ﺇﻟﻰ ﺍﻷﺑﺪﺍﻥ ﺍﻟﻌﻨﺼﺮﻳﺔ، ﻟﻌﺪﻡ ﺍﻧﺤﺼﺎﺭ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ. ﻭﻟﻮ ﻻ ﻣﺨﺎﻓﺔ ﺍﻟﺘﻄﻮﻳﻞ، ﻟﺬﻛﺮﺕ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺍﺗﺐ ﻣﻔﺼﻠﺔ، ﻟﻜﻦ ﺍﻟﺸﺮﻁ ﺃﻣﻠﻚ.
ﻭﺃﻳﻀﺎ، ﻟﻴﺲ ﻗﻮﺓ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﺑﻌﺪ ﺍﻻﻧﺘﻘﺎﻝ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﺇﻻ ﻟﻠﻜﻤﻞ ﺍﻟﻤﺴﺮﺣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻮﺍﻟﻢ ﻻ ﻟﻠﻤﻘﻴﺪﻳﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺮﺍﺯﺥ ﻭﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻴﻦ ﻓﻴﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺣﺎﻛﻴﺎ ﻋﻨﻬﻢ: "ﻭﻟﻮ ﺗﺮﻯ ﺇﺫ ﻭﻗﻔﻮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻘﺎﻟﻮﺍ ﻳﺎ ﻟﻴﺘﻨﺎ ﻧﺮﺩ ﻭﻻ ﻧﻜﺬﺏ ﺑﺂﻳﺎﺕ ﺭﺑﻨﺎ ﻭﻧﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ".
ﻭﻗﺎﻝ: "ﻭﻟﻮ ﺭﺩﻭﺍ ﻟﻌﺎﺩﻭﺍ ﻟﻤﺎ ﻧﻬﻮﺍ ﻋﻨﻪ".
ﻭﻗﺎﻟﻮﺍ: "ﺭﺑﻨﺎ ﺃﺑﺼﺮﻧﺎ ﻭﺳﻤﻌﻨﺎ ﻓﺎﺭﺟﻌﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﻏﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻛﻨﺎ ﻧﻌﻤﻞ ﺇﻧﺎ ﻣﻮﻗﻨﻮﻥ".
ﻭﻗﺎﻝ: "ﺃﻧﻈﺮﻭﻧﺎ ﻧﻘﺘﺒﺲ ﻣﻦ ﻧﻮﺭﻛﻢ، ﻗﻴﻞ ﺃﺭﺟﻌﻮﺍ ﻭﺭﺍﺋﻜﻢ ﻓﺎﻟﺘﻤﺴﻮﺍ ﻧﻮﺭﺍ ﻓﻀﺮﺏ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﺑﺴﻮﺭ ﻟﻪ ﺑﺎﺏ".
ﻭﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﻢ ﻋﻨﺪ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻓﻲ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻟﻐﻴﺐ، ﻛﺬﻟﻚ ﻋﻨﺪ ﻛﻮﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﻐﻴﺐ ﻻ ﻳﻤﻨﻌﻮﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻬﻮﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺸﻬﺎﺩﺓ، ﺇﺫﺍ ﻃﻠﺒﻮﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﺑﻠﺴﺎﻥ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﺫﻟﻚ ﻟﺘﻜﻤﻴﻞ ﺍﻟﻨﺎﻗﺼﻴﻦ.
ﻭﺑﻘﺪﺭ ﺧﻼﺻﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻘﻴﻴﺪ ﻭﺍﻟﺘﻌﺸﻖ ﺑﺎﻟﺒﺮﺍﺯﺥ ﺍﻟﻈﻠﻤﺎﻧﻴﺔ ﻳﺮﺗﻔﻊ ﺍﻟﺘﻐﺎﻳﺮ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻷﻭﻝ، ﻭﻳﺤﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺴﺮﺍﻳﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻈﺎﻫﺮ.
ﻭﻳﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﺃﺷﺮﻧﺎ ﺇﻟﻴﻪ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﺳﺮ ﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﻓﻲ ﺟﻬﻨﻢ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺃﻣﺘﻪ ﻣﺮﺍﺭﺍ.
ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺑﺎﻗﻲ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ ﻭﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻛﺬﻟﻚ، ﻛﻤﺎ ﺩﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺪﻳﺚ "ﺍﻟﺸﻔﺎﻋﺔ" ﻭﻏﻴﺮﻩ ﻣﻦ ﺍﻷﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﺼﺤﻴﺤﺔ.
ﻭﻣﻦ ﺃﻣﻌﻦ ﺍﻟﻨﻈﺮ ﻓﻴﻤﺎ ﻗﺮﺭ، ﻳﻈﻬﺮ ﻟﻪ ﺍﻟﻔﺮﻕ ﺑﻴﻨﻪ ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺘﻨﺎﺳﺦ، ﺇﺫ ﺑﻴﻨﻬﻤﺎ ﻓﻮﺍﺭﻕ ﻛﺜﻴﺮﺓ ﻳﺆﺩﻯ ﺫﻛﺮﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﺍﻹﺳﻬﺎﺏ. ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻬﺎﺩﻱ ﻭﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻤﺂﺏ.
ﻓﻠﻨﺮﺟﻊ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩ ﻓﻨﻘﻮﻝ، ﻗﺪ ﺳﺒﻖ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺟﺎﻣﻊ ﻟﺠﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﺎﺋﻖ ﺍﻟﻜﻮﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﻟﻬﻴﺔ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻧﺴﺨﺔ ﻣﻨﻬﻤﺎ، ﻓﻤﺎ ﻳﻮﺟﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﻻ ﺑﺪ ﻭﺇﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻣﻨﻪ ﺃﻧﻤﻮﺫﺝ.
ﻭﻗﺪ ﺫﻛﺮ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﻌﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ: "ﻭﻛﻨﺖ ﻧﻮﻳﺖ ﺃﻥ ﺃﺟﻌﻞ ﻓﻴﻪ ﺃﻋﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﺘﺎﺑﻪ ﺍﻟﻤﺴﻤﻰ ﺑﺎﻟﺘﺪﺑﻴﺮﺍﺕ ﺍﻹﻟﻬﻴﺔ ﻟﻤﺎ ﺳﺒﻖ ﺫﻛﺮﻩ ﻣﺎ ﺃﻭﺿﺤﻪ ﺗﺎﺭﺓ ﻭﺃﺧﻔﻴﻪ، ﺃﻳﻦ ﺗﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻨﺴﺨﺔ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﺸﺄﺓ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﺍﻟﻤﻬﺪﻯ ﺍﻟﻤﻨﺴﻮﺏ ﺇﻟﻰ ﺑﻴﺖ ﺍﻟﻨﺒﻲ، ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭ ﺳﻠﻢ، ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻲ ﻭﺍﻟﻄﻴﻨﻲ، ﻭﺃﻳﻦ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻳﻀﺎ ﻣﻨﻬﺎ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﻭﻃﺎﻟﻊ ﺍﻷﺻﻔﻴﺎﺀ، ﺇﺫ ﺍﻟﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻣﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺁﻛﺪ ﻣﻦ ﻣﻀﺎﻫﺎﺓ ﺍﻷﻛﻮﺍﻥ ﺍﻟﺤﺪﺛﺎﻥ. ﻓﺠﻌﻠﺖ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ ﻟﻤﻌﺮﻓﺔ ﻫﺬﻳﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻣﻴﻦ. ﻭﻣﺘﻰ ﺗﻜﻠﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻫﺬﺍ، ﻓﺈﻧﻤﺎ ﺃﺫﻛﺮ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﻟﻴﺘﺒﻴﻦ ﺍﻷﻣﺮ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺴﺎﻣﻊ ﻓﻲ ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻭﻳﻌﻘﻠﻪ، ﺛﻢ ﺃﺿﺎﻫﻴﻪ ﺑﺴﺮﻩ ﺍﻟﻤﻮﺩﻉ ﻓﻲ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻨﻜﺮﻩ ﻭﻳﺠﻬﻠﻪ".
ﻫﺬﺍ ﻛﻼﻣﻪ رضى الله عنه. ﻭﺃﻧﺎ ﺃﺫﻛﺮ ﻣﺎ ﻳﺴﺮ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ.
ﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ "ﺍﻟﻜﺒﻴﺮ" ﻓﻘﻮﻟﻪ: (ﻭﻋﻠﻰ ﻗﺪﻡ ﺷﻴﺚ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻳﻜﻮﻥ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ).
 ﺃﻱ، ﻣﺎ ﻳﻮﻟﺪ ﺁﺧﺮﺍ ﻣﻦ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ ﻳﻜﻮﻥ ﻭﻟﻴﺎ ﺣﺎﻣﻼ ﺃﺳﺮﺍﺭﻩ ﻣﺘﺼﻔﺎ ﺑﻌﻠﻮﻣﻪ ﺁﺧﺬﺍ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﺳﻤﺎﺋﻪ ﻣﺎ ﻛﺎﻥ ﺷﻴﺚ ﺁﺧﺬﺍ ﺫﻟﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﻦ ﺍﻟﻌﻄﺎﻳﺎ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻫﺐ.
ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻟﻠﻮﻻﻳﺔ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ، ﻭﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﻭﻟﻴﺎﺀ ﺃﻭﻻﺩﻩ.
ﻭﻟﻴﺲ ﺑﻌﺪﻩ ﻭﻟﺪ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﻮﻉ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ. ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ بـ "ﺍﻟﺼﻴﻦ" ﺍﻟﻌﺠﻢ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﻘﺎﺀ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ: "ﻭﻫﻮ ﺃﻱ ﺍﻟﺨﺎﺗﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﻻ ﻣﻦ ﺍﻟﻌﺮﺏ. ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺗﻮﻟﺪ ﻣﻌﻪ ﺃﺧﺘﻪ ﻟﻴﻜﻮﻥ ﺍﻻﺧﺘﺘﺎﻡ ﻣﺸﺎﺑﻬﺎ ﻟﻼﺑﺘﺪﺍﺀ، ﻓﺈﻥ ﺧﻠﻖ ﺁﺩﻡ ﻛﺎﻥ ﻣﻘﺎﺭﻧﺎ ﺑﺨﻠﻖ ﺣﻮﺍء".
ﻭﺟﻌﻞ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضى الله عنه ﺣﻮﺍء ﺃﺧﺘﺎ ﻟﻌﻴﺴﻰ، ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻓﻲ ﻛﻮﻥ ﻛﻞ ﻣﻨﻬﻤﺎ ﻣﺨﻠﻮﻗﺎ ﺑﻐﻴﺮ ﺃﺏ.
ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺎﺏ ﺍﻟﻌﺎﺷﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻔﺘﻮﺣﺎﺕ: (ﻓﺄﻭﺟﺪ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻦ ﻣﺮﻳﻢ ﻓﻨﺰﻟﺖ ﻣﺮﻳﻢ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺁﺩﻡ، ﻭﻳﻨﺰﻝ ﻋﻴﺴﻰ ﻣﻨﺰﻟﺔ ﺣﻮﺍ. ﻓﻜﻤﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﺃﻧﺜﻰ ﻣﻦ ﺫﻛﺮ، ﻭﺟﺪ ﺫﻛﺮ ﻣﻦ ﺃﻧﺜﻰ، ﻓﺨﺘﻢ ﺑﻤﺜﻞ ﻣﺎ ﺑﺪﺃ ﻓﻲ ﺇﻳﺠﺎﺩ ﺍﺑﻦ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﺏ، ﻛﻤﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺣﻮﺍ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﺃﻡ. ﻭﻛﺎﻥ ﻋﻴﺴﻰ ﻭﺣﻮﺍ ﺃﺧﻮﻳﻦ، ﻭﻛﺎﻥ ﺁﺩﻡ ﻭﻣﺮﻳﻢ ﺃﺑﻮﻳﻦ ﻟﻬﻤﺎ: )ﺇﻥ ﻣﺜﻞ ﻋﻴﺴﻰ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻤﺜﻞ ﺁﺩﻡ).
ﻭﺍﻟﻤﺮﺍﺩ ﺑﺎﻟﺴﺎﻋﺔ، ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﻜﺒﺮﻯ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻨﺪﻫﺎ ﻳﺤﺼﻞ ﺍﻟﻔﻨﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﻟﻠﻌﺎﻟﻢ ﻛﻠﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﺃﻓﻌﺎﻟﻬﻢ ﺳﺒﺒﺎ ﻟﻬﻼﻛﻬﻢ ﻭﻓﻨﺎﺋﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ، ﻭﻗﺮﺑﻬﻢ ﻣﻨﻪ ﻣﻮﺟﺒﺎ ﻟﻠﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﻋﻴﻦ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ).
ﻛﻤﺎ ﻳﺪﻝ ﻛﻼﻣﻪ رضى الله عنه ﻓﻲ ﺁﺧﺮ "ﺍﻟﻔﺺ ﺍﻟﻨﻮﺣﻲ" ﻭﻣﻮﺍﺿﻊ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺎﺏ.
ﻭﺍﻟﺒﺎﻗﻲ ﻇﺎﻫﺮ. ﻭﺃﻣﺎ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻲ، ﻓﺂﺩﻡ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺍﻟﻤﺤﻤﺪﻱ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻷﺭﻭﺍﺡ، ﺑﺄﺳﺮﻫﺎ، ﺃﻭﻻﺩﻩ، ﻭﺷﻴﺚ ﻫﻮ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺍﻟﻤﺘﻌﻠﻖ ﺑﺎﻟﺒﺪﻥ.
ﻭﺍﻟﻤﻮﻟﻮﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻠﺪ ﺑﺎﻟﺼﻴﻦ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪ ﻓﻲ ﺻﻴﻦ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ، ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺃﻗﺼﻰ ﻣﺮﺍﺗﺐ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻨﺰﻝ ﻭﻫﻮ ﺣﺎﻣﻞ ﺍﻷﺳﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﻮﺩﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺃﻭﻻ، ﺛﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺠﺰﺋﻲ ﺛﺎﻧﻴﺎ، ﻭﻫﻤﺎ ﻟﻴﺴﺎ ﺑﻤﺘﻐﺎﺋﺮﻳﻦ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﺮﺗﺒﺔ.
ﻭﻛﻮﻧﻪ ﺁﺧﺮ ﻣﻮﻟﻮﺩ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺃﻥ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﺍﻟﺬﻱ ﻫﻮ ﻣﻈﻬﺮ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻴﺲ ﻓﻮﻗﻪ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﻛﻤﺎﻟﻴﺔ ﻻ ﻳﻮﺟﺪ ﺇﻻ ﺁﺧﺮﺍ. ﻭﺃﺧﺘﻪ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﻴﺔ ﺍﻟﻤﺘﻮﻟﺪﺓ ﻗﺒﻞ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
ﻭﻛﻮﻥ ﺭﺃﺳﻪ ﻋﻨﺪ ﺭﺟﻠﻴﻬﺎ، ﺇﺷﺎﺭﺓ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻋﻨﺪ ﺍﺑﺘﺪﺍﺀ ﻇﻬﻮﺭﻩ ﻭﻭﻻﺩﺗﻪ، ﻓﻴﻜﻮﻥ ﻣﻄﻴﻌﺎ ﻣﺬﻋﻨﺎ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﺑﺤﺴﺐ ﻗﻮﺗﻴﻬﺎ ﺍﻟﺸﻬﻮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻐﻀﺒﻴﺔ ﺍﻟﻠﺘﻴﻦ ﻛﺎﻟﺮﺟﻠﻴﻦ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﺇﺫ ﺑﻬﻤﺎ ﺗﺴﻌﻰ ﻓﻲ ﻣﻴﺪﺍﻥ ﻟﺬﺍﺗﻬﺎ ﻭﺷﻬﻮﺍﺗﻬﺎ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻇﻬﺮﺕ ﻭﺗﻤﺖ ﻭﻻﺩﺗﻪ، ﺭﺑﺎﻩ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﻜﻠﻰ ﺑﻠﺒﺎﻥ ﺍﻟﻌﻠﻮﻡ ﺍﻟﻠﺪﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻑ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻴﺔ ﺣﺘﻰ ﺇﺫﺍ ﺑﻠﻎ ﺃﺷﺪﻩ ﻭﺍﺳﺘﺨﺮﺝ ﻛﻨﺰﻩ ﺻﺎﺭ ﺩﺍﻋﻴﺎ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺠﻤﻊ ﺍﻹﺣﺎﻃﻲ ﻭﻣﻘﺎﻡ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻹﻟﻬﻲ. ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻟﻠﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻤﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﺍﻟﻜﻠﻴﺔ ﻟﺘﻘﻴﺪﻫﺎ ﺑﻤﺎ ﻳﻌﻄﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﺎ، ﻓﻼ ﻳﺠﺎﺏ ﻭﻳﺴﺮﻯ ﺍﻟﻌﻘﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ، ﺃﻱ، ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﻔﺎﻋﻠﺔ ﻭﺍﻟﻤﻨﻔﻌﻠﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻟﻠﻨﻔﺲ، ﻓﻼ ﻳﺘﻮﻟﺪ ﻣﻮﻟﻮﺩ ﻳﻜﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﻘﻠﺐ ﻭﻛﻤﺎﻟﻪ، ﻓﻬﻮ ﺧﺎﺗﻢ ﺍﻷﻭﻻﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻟﻬﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﺍﻟﻜﻤﺎﻝ ﻭﻗﻮﺓ ﻇﻬﻮﺭ ﺳﺮ ﺃﺑﻴﻬﻢ ﻓﻴﻬﻢ.
ﻓﺈﺫﺍ ﻗﺒﻀﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺈﻓﻨﺎﺋﻪ ﻓﻴﻪ ﺑﺎﻟﺘﺠﻠﻲ ﺍﻟﺬﺍﺗﻲ ﻭﺍﻻﻧﺠﺬﺍﺏ ﺇﻟﻴﻪ ﺑﺸﻬﻮﺩ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﺍﻹﻟﻬﻲ ﻣﻊ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺮﺩ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﺍﻟﺒﻘﺎﺀ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ، ﻭﻗﺒﺾ ﻣﺆﻣﻨﻲ ﺯﻣﺎﻧﻪ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﻘﻮﻯ ﺍﻟﺮﻭﺣﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﻠﺒﻴﺔ ﺑﺬﻟﻚ ﺍﻟﺘﺠﻠﻲ، ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺑﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﻭﻗﻮﺍﻫﺎ ﻣﺜﻞ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ ﺍﻟﻌﺠﻢ ﻟﻌﺪﻡ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﺍﻟﺘﺮﻗﻲ ﺇﻟﻰ ﻣﻘﺎﻡ ﻳﺘﺮﻗﻰ ﺇﻟﻴﻪ ﺍﻟﻘﻠﺐ.
ﻻ ﻳﻌﺮﻓﻮﻥ ﺍﻟﻈﻠﻤﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻭﻻ ﻳﻤﻴﺰﻭﻥ ﺑﻴﻦ ﻣﺎ ﻳﻮﺟﺐ ﺍﻟﺘﺮﺡ ﻭﺍﻟﺴﺮﻭﺭ، ﻓﻴﺸﺘﻐﻠﻮﻥ ﺑﻤﻘﺘﻀﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ، ﺧﻴﺮﺍ ﻛﺎﻥ ﺃﻭ ﺷﺮﺍ، ﻭﻳﺘﺼﺮﻓﻮﻥ ﺑﺤﻜﻢ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺑﺎﻟﺸﻬﻮﺓ ﺍﻟﻤﺤﻀﺔ ﻣﺠﺮﺩﺓ ﻋﻦ ﺍﻟﻌﻘﻞ ﻭﺍﻟﺸﺮﻉ ﺍﻟﻠﺬﻳﻦ ﻫﻤﺎ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﺍﻹﻟﻬﻲ، ﺇﺫ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻫﻢ ﻻ ﻳﻌﻄﻰ ﺇﻻ ﺫﻟﻚ.
ﻛﻤﺎ ﻳﺸﺎﻫﺪ ﻣﻦ ﺃﺣﻮﺍﻝ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﻴﻦ ﻣﻦ ﻋﺪﻡ ﺍﻟﺘﻤﻴﺰ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺮﻛﺎﺕ ﻭﺍﻟﺴﻜﻨﺎﺕ ﻭﺍﻟﺤﻞ ﻭﺍﻟﺤﺮﻣﺔ ﻭﺍﻟﻌﺮﻯ ﻭﺍﻟﺴﺘﺮ. ﻓﻌﻠﻴﻬﻢ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺠﺬﻭﺑﻴﻦ.
ﻭﺃﻣﺎ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺍﻟﺼﺤﻮ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﺤﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﻤﻞ، ﻓﻼ ﻳﺪﺧﻠﻮﻥ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻜﻢ، ﻷﻧﻬﻢ ﻣﺴﺘﺜﻨﻮﻥ ﻣﻨﻪ.
 ﻛﻤﺎ ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﻓﺼﻌﻖ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﻭﺍﺕ ﻭﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ".
ﻷﻥ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ﻭﺍﻟﺨﺘﻢ. ﻭﻛﺬﺍ ﺍﻟﻤﺤﺠﻮﺑﻮﻥ، ﻓﺈﻧﻬﻢ ﻣﺎ ﻇﻬﺮ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﺨﺘﻢ ﻭﻻ ﺣﺼﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻌﻠﻢ، ﻓﻼ ﻳﺰﺍﻟﻮﻥ ﻓﻲ ﻣﺮﺗﺒﺔ ﺍﻟﺒﻬﺎﺋﻢ ﻭﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻧﺎﺕ، ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: "ﺃﻭﻟﺌﻚ ﻛﺎﻷﻧﻌﺎﻡ ﺑﻞ ﻫﻢ ﺃﺿﻞ".
ﻭﺇﻧﻤﺎ ﺑﺴﻄﺖ ﺍﻟﻜﻼﻡ ﻭﻧﻘﻠﺖ ﺃﻟﻔﺎﻅ ﺍﻟﺸﻴﺦ رضي الله عنه ﺑﻌﻴﻨﻬﺎ ﻛﺜﻴﺮﺍ، ﻟﺌﻼ ﻳﻌﺪﻝ ﺍﻟﻨﺎﻇﺮ ﻓﻴﻪ ﻋﻦ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺄﻭﻝ ﺑﺤﺴﺐ ﻣﺎ ﻳﺸﺘﻬﻴﻪ ﻭﻳﻘﺘﻀﻴﻪ ﻋﻘﻠﻪ، ﻓﺈﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﻓﻮﻕ ﻣﺪﺍﺭﻙ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ. ﻭﺍﻟﺤﻤﺪ ﻟﻮﻟﻴﻪ.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة
.)
 قال رضي الله عنه : "وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني".
وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل بلده.
ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة."
قال رضي الله عنه : (وعلى قدم شيث عليه السلام ) أي: طريقة سيره إلى الله، وفي الله، وبالله، وعن الله (يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني)، ليكون آخر ما وهب لآدم عليه السلام الك كأول ما وهب له من الكل تنبيها على أن النهاية كالبداية، وأن الخاتمة كالسابقة، والتقييد بالنوع الإنساني يشير إلى عدم انقطاع ولادة الدواب بذلك.
(وهو حامل أسراره) أي: علومه المتعلقة بالعطاء بل وغيرها وسائر أحواله، وليس المراد خاتم الكمالات الإنسانية فقط به، بل (ليس بعده ولد في هذا النوع) لانتهاء الكمال المطلوب من خلق الإنسان به من كل وجه.
قال رضي الله عنه : (فهو خاتم الأولاد) لا كما يقوله الفلاسفة: من أنه لا انتهاء الأفراد الإنسان، (فتولد معه أخت له)؛ ليكون ختم الولادة بالصنفين، وقد كانت ولادة آدم عليه السلام التي بنفسه كذلك (فتخرج) أخته (قبله، ويخرج) هو (بعدها) ليكون الختم الحقيقي بالأكمل.
(يكون رأسه عند رجليها)؛ لتكون ولادته على النهج الطبيعي لكمال حالهما، (ویکون مولده بـ "الصين")؛ لأنه أقصى البلاد كما أنه أقصى الأولاد.
(ولغته لغة بلده) ليمكنه دعوتهم إلى الله تعالی (ويسري العقم في الرجال والنساء)، أي: من الجانبين تحقيقا لختميته فلا يولد صغير يموت قبل الاستعداد للكمال الإنساني، لئلا يكون فيهم من لا يبلغه دعوته فلا يكون من الشرار الموجبين لقيام الساعة.
وذلك أنه (يدعوهم إلى الله) بجملة أسرار شیث (فلا يجاب) إذ لو أجيب لكان فيهم إنسان كامل يجب حفظ العالم من أجله، فلا يقرب فناؤه مع وجوده، وهذا ينافي ختمیته.
قال رضي الله عنه : (فإذا قبضه الله، وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم) ليس فيهم من الكمالات الإنسانية، ولذلك (لا يحلون حلالا، ولا يحرمون حراما)؛ لأن ذلك مخصوص بأهل الكمال من الإنسان غير معطى للبهائم.
فهم (يتصرفون) في أنفسهم وفي العالم (بحكم الطبيعة شهوة) أي: لأجلها (مجردة عن الشرع والعقل) اللذين هما الكمال الإنساني أحدهما كنور القمر.
والثاني كنور الشمس (فعليهم تقوم الساعة) لعدم من يحفظ لأجله عالم الدنيا، وهو الإنسان الكامل القائم بقوانين الشرع والعقل جميعا فافهم. والله الموفق والملهم.
ولما فرغ عن بيان ظهور الأسماء الإلهية في المظاهر، وهو جهة التشبيه شرع في بيان تنزهها في أنفسها عن النقائص الإمكانية ليشير إلى أنها لا تلحقها ولا الذات، وإن ظهرت في المظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
ولما تقرر وجوب مماثلة المبدء والختم ولزوم مطابقتهما ، وجب أن یکون الآخر من كل نوع مشتملا على جميع ما عليه الأول بالفعل والقوة .
(وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني ) ضرورة أنه أول من ولد من الوالد الأكبر ، فآخر من انتهى إليه سلسلة المواليد لابد وأن يكون في موطن كماله وعلى قدم قراره .
وأنت عرفت مرادهم من هذا الاصطلاح فلا نعيده وإن ارتاب به بعض مستكشفي هذا الكتاب، حتى وقع في القول بأن شيث عليه السلام من القائلين بالتناسخ.
وعليه حمل قوله : (وهو حامل أسراره) ؛ وأنت عرفت تفصيل أولاد آدم ، وأن الذكر منهم هو الذي له الأسرار والعلوم الشهودية ، هذا بحسب مواقف شهوده من حيث أنه آخر الأولاد (وليس بعده ولد في هذا النوع ، فهو خاتم الأولاد).
وأما من حيث الوجود فلابد وأن يقارن وجوده مايماثل أصل القابلية التي تتولد مع شيث من الوالد الأكبر ، كما علم من حكمته ، لأن قابلیته مقدمة عليه ، وذلك بأن يولد (ويولد معه أخت له ، فتخرج قبله ، ويخرج بعدها ، يكون رأسه عند رجليها) لأن ظهوره إنما يمكن بعد تمام بروز القابلية عن الوالد الأكبر بقدميها الصورة والمعنى ، أي بأخرهما ، أو لأنه كما هو خاتم الأولاد فهو خانم هذا النوع من الظهور الكمالي والوجود الجمی فلابد وأن يماثل آدم بهذا الاعتبار.
كما صرح به الشيخ في عنقاء المغرب حيث قال : وإنما يولد معه أخته ، ليكون الاختتام مشابها للابتداء ، فإن خلق آدم کان أيضا مقارنا لخلق حواء " إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم" .
أو لأنه لما كان منتهی ظهور هذه الصورة النوعية الاعتدالية الكمالية الواقعة في أقصى نهاية العدالة الحيوانية، لابد وأن يضاهي مبدأ ظهورها.
وأختها هي النفس الحيوانية، فإن النفس الناطقة الإنسانية إنما تتولد من أم موادها العنصرية معها بعد تمام ظهورها، ويكون رأس تسليمها عند رجلي قوتها الشهوة والغضبية، اللتين بهما يسلك مسالك متمناها في عرض أرض استعدادها.
ومما عرفت في التفرقة بين أولاد آدم   من أن الذين لهم الظهور بالصور الوجودية والقوة التامة المقدرة للنوع من التمكن عن اقتناص المعارف من الصور الوجودية كشفا، هم أبناء آدم.
كما أن الذين لهم الخفاء في الملابس الكونية، والضعف عن الاستكشاف من الصور المذكورة، بل انما يستنبطون علومهم من مكامن الحجب النظرية والحجج العقلية فهم بنات آدم أهل الحجاب.
ظهر لك أن الكامل الذي هو خاتم الأولاد إنما يخرج مع أخته صاحب العقل ، ورأس ظهوره تحت رجلي قوتيه النظرية والعملية ، اللتين بهما يسلك مسالکه .
وقوله : (ويكون مولده بالصين) إما لأنه لما كان في آخر ما أمكن من أجزاء الزمان مما يصلح لأن يكون ظرفا لتكون أفراد نوعه ، فالصين كذلك في المكان ، فإنه آخر ما أمكن أن يتكون فيه هذا النوع ؛ ولأنه واقع بین مبدأ شروق شمس الظهور المبينة للصورالكائنة ، المخفية للحقائق وما يختص بها من الستر والصور ، وشمال الشمول والجمعية المستدعية للعلوم ، وحصولها في طي الحجب بمساعي الجوارح ، متلبسة بالصور الكونية ، مستجلية بروابط المقدمات النظرية ، بدون توسل إلى تلك الصور الموضوعة من عند الأنبياء ، ولذلك ترى هنالك تلك الصور فيها مختفية ، ومن هاهنا تسمع فيه : "أطلبوا العلم ولو بالصين".
وفيه تلويح لفظي وعددي :
أما الأول فيما للحجب والقشور من الصيانة . وأما الثاني فلما فيه من الدلالة على النسب الكونية الحاجبة.
ومن خصائص الولي الخاتم اختفاؤها عند ظهوره، كما حققه صاحب المحبوب سلام الله عليه: "إنه تحلية النفس بقرية العكس". 
الأول لقوله تعالى: "ثم كلي من كل الثمرات " ، أي مرها وحلوها ، نافعها ومضارها .
والثاني لجعامتها، ومن ثمة ترى أحكام الطبيعة في حينه عالية وسلطان قوني الشهوة والغضب بالغا في الظهور لما أشير إليه.
 و أومي إلى ذلك بقوله: (ولغته لغة بلده) البعيد عن الظهور الوجودي وكمالاته الشهودية، على ما أرسل به بنو آدم من الأنبياء ، فلذلك لا ينتج كلامهم لقومهم الكوني ، الذين هم بنات آدم .
(ويسري العقم في الرجال والنساء ، فيكثر النکاح) الأظهاري بين الناكح الداعي والقابل الواعي ( من غير ولادة ) للكمال الإنساني ( ويدعوهم إلى الله فلا يجاب ).
( فإذا قبضه الله وقبض مؤمنی زمانه بقى من بقى مثل البهائم ، لا يحلون حلالا ) به يحلون محال ظهوره ومجالي شعوره ، ( ولا يحرمون حراما ) به يحرمون عنها.
(يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل) بإهمالهم شرائط بقاء النسل والحرث (والشرع) بإهمالهم شرائط محافظة النسب عن الاختلال والوهن .
فعند انطواء هذين المحليين في طوى جلال الزمان وحمى كماله طلعت على أهله شمس الظهور من مغرب إخفائها ، واختفت في مشرقها ومنصات جلائها .
(فعليهم تقوم الساعة) فإن من شأن الحكم الإلهي أنه إذا حان ظهور الثمرة وخروجها من الحبة المزروعة لابد من تفرق أجزائها وانقلاب أوضاعها ، وانعدام نضدها ونظمها ، فعند ذلك أمكن خروج الثمرة من مكامن قوتها و إمكانها إلى مجالي الخارج .
وتلك الحبة هي الشرع ، والثمرة هي الحقيقة المندمجة فيها ، فإذا تجردت الحبة عن صورتها الظاهرة التي هي الشرع ، وعن جمعيتها المزاجية التي هو العقل برز ما فيه من السنابل السبع، في كل سنبلة منها مائة حبة ، وهو المعبر عنه بالساعة .
ولتحقيق ذلك وبيان لميته كلام كاف وبرهان شاف في الكتاب ، من اهتدى إلى استكشاف ذلك فقد فاز من جلائل حقائق الوقت ولطائف خصائص المحبوب المراد بحظ والسلام .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي : (و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها. ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.)
قال رضي الله عنه :  " و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. "
قال رضي الله عنه :  (وعلى قدم شيث عليه السلام) بلي على قلبه في التهييء للتجليات الذاتية العطايا الرهبية (يكون آخر مولود يولد في هذا النوع الإنساني).
لأن مراتب الموجود دورية و كما أن شيث عليه السلام الذي كان أول مولود من سلسلة أولاد آدم المنتهية إلينا كان محلا للتجليات الذائية والعطايا الوهبية ينبغي أن يكون آخر مولود أيضا كذلك لتتم الدائرة بانطباق أولها على آخرها.
 قال رضي الله عنه: " أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد.
و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها. و يكون مولده بالصين و لغته لغة أهل بلده. و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله فلا يجاب.
فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة."قال رضي الله عنه : (وهو حامل أسراره) من علومه وتجلياته لما ذكرنا.
(وليس) يولد (بعده ولد) آخر (في هذا النوع) الإنساني (فهو خاتم الأولاد ويولد معه) في بطن واحد (أخت له) .
كما أن شيث عليه السلام أيضا كان كذلك فإن حواء کانت تلد لآدم في كل بطن ذکرا وأنثى (فتخرج) أخته (قبله ويخرج) هو (بعدها) لأنه لو لم يتأخر عنها في الولادة لم يكن خاتم الأولاد.
 ويشبه أن تكون ولادة شيث عليه السلام مع اخته بعكس ذلك ليكون أول مولود (يكون رأسه عند رجليها ويكون مولده بالصين) أقصى البلاد.
قال رضي الله عنه : (ولغته لغة بلده ويسري) بعد ولادته (العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب) في هذه الدعوة (فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم).
فهم حيوانات في صور الإنسان لإظهار كمال الحقائق الحيوانية الطبيعية البهيمية والسبعية في الصورة الإنسانية لا على ما تقتضيه القابلية من حيث هي هي من غير وازع عقلي أو مانع شرعي.
(لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما ينصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة) ، أي تشرف شهوة مجردة (عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة) وتخرب الدنيا . وانتقل الأمر إلى الآخرة.
اعلم أن مراد الشيخ رضي الله عنه بخاتم الأولاد غير خاتم الولاية.
 فإن خانم الولاية المقيدة عند الشيخ هو الشيخ نفسه .
وخاتم الولاية المطلقة هو عيسى عليه السلام كما أومي إلى الأول وصرح بالثاني في مواضع متعددة من كلامه .
ولا يخفى أن هذه القصة لا تنطبق على حال واحد منهما .
ومن حمله على خاتم الولاية المطلقة فكان منشأ حمله أنه لما كان خاتم الأولاد حاملا لأسرار شيث عليه السلام لا بد أن يكون من الأولياء .
وإذا كان من الأولياء لم يتولد بعده ولي آخر يلزم أن يكون خاتم الأولياء ولیس الأمر كذلك.
 فإنه يمكن أن يكون تحقیقه بالولاية قبل نزول عیسى علیه السلام وظهوره بالولاية ويكون نزول عيسى عليه السلام في زمانه أو  زمان من بقي من مؤمني زمانه بعده ولا يتحقق أحد بعده بالولاية فيكون خاتما للولاية.
ثم اعلم أن مقصود الشيخ رضي الله عند بيان لدوام إفراد النوع الإنساني وختمهم وغير ذلك مما يتعلق به .
فحمل كلامه على ما يكون في النشأة الإنسانية على سبيل المضاهاة لما ذكره خروج عن المقصود فلهذا لا تشتغل به .


كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940هـ:
قال رضي الله عنه : ( وعلى قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني.   وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.  ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب. فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة. )
قال المصنف رضي الله عنه : [وعلى قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد، و تولد معه أخت له فتخرج قبله، و يخرج بعدها و يكون رأسه عند رجليها و يكون مولده بالصين و لغته لغة بلده و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله، فلا يجاب فإذا قبضه الله و قبض مؤمني زمانه بقي من بقى مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة].

قال الشارح رحمه الله :( و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني )، لما كانت الدنيا لها بداية و نهاية و هي ختمها، قضى الله سبحانه أن يكون جميع ما فيها له بدء و ختم، و منه كان صلى الله عليه و سلم في النبوة و الرسالة بدءا و ختما .
ورد في الخبر: " إنما بعثت خاتما فاتحا " الحديث. رواه البيهقي في شعب الإيمان، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و منه كان ختم الولاية خاتما فاتحا، فاقتضى الشأن و الأمر أن يكون للمنح و الأعطيات بدء و ختم، و كان فتحه شيث عليه السلام كما ذكرنا، فختم على مولود يولد على قدم شيث.
و ينطوي بساط انبساط تلك المنح بانطواء أهلها، فيكون الختم على قدم الفتح لأن الأمر دوري، ينعطف الآخر لطلب أوله، فافهم .
و إنما قال رضي الله عنه: (على قدم) و لم يقل: (على قلب) رعاية للأدب لأنه أقرب إلى الأدب و هو مقامهم الذي يرضون لأنفسهم .
و من هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : " أدّبني ربي فأحسن تأديبي"..
قال الشيخ رضي الله عنه: و الأدب مقامنا، و هو الذي أرتضيه لنفسي و لعباد الله.
ذكره في الباب الثالث و الستين و أربعمائة من الفتوحات:
( و هو حامل أعباء  أسراره )، و هي حقائق الأعطيات، و معارف و رقائق المعارف و الوهبيات على كواهل القابليات و الاستعدادات .
( و ليس بعده ولد يرث أباه في هذا النوع) الإنساني الكمالي، من هذا الجنس من الميراث، فيختم به الأمر فهو خاتم الأولاد، و كما أن الختم ينبغي أن يكون على قدم فتحه، فشيث كان مولودا مع أخته .
فقال: و كذلك الختم (تولدمعه أخت له )، فلا يكون إلا توأما ليكون الاختتام كالافتتاح، و لكن سبق أخته و خرج قبلها، لأنه في الاعتبار، و هو بمنزلة العقل الأول في الظهور.
و الأخت لها الدرجة الثانية في مرتبة النفس الكل، بخلاف هذا الخاتم الذي هو آخر مولود له مقام العود و الانقلاب، و الرجوع إلى الأصل.
ففي العود تسبق العرجاء (فتخرج قبله )، لأنّ صورة النفس في الترقي تسبق صورة العقل، و هو يتبعها (و يخرج بعدها) .
كان الفتح متنزلا في الترقي، و الختم تترقى في تنزله فتظهر أحكامه بعكس أحكامها .
( يكون رأسه عند رجليها )، كما كان في الفتح رأسها عند رجليه، فالرجلان إشارة إلى قوتيهما شهوانية و عصبية إذ بهما تمشي و تسعى لجلب المنافع و وقع المضار، كأنه رضي الله عنه أشار إلى أنّ مقام العقل عند انتهاء مراتب النفس، فإنها إذا اطمأنت فيكون ابتداؤه عند انتهائها و انتهاء قواها، فإنه يرجع قهقري .
و النفس لها ثلاث مراتب:
تسمّى فيها النفس أمّارة، فهي باعتبار غلبة قوى الحيوانية و البهيمية .
و لوامة حيث تنتبه و تلوم نفسها عند المخالفات، كأنها تخلط عملا صالحا و آخر سيئا، عسى الله أن يتوب عليها.
و المطمئنة و هي كالمقدمة لظهور العقل الأول و أحكامه، فلما يكمل استعدادتها و يتطهر مهبط وحيها لخطاب: يا أيتها النفس المطمئنة  (ارجعي إلى أصلك فإني جعلت تحتك سريا )، فيظهر العقل تحتها، و هو في السلوك قهقري .
( و مولده بالصين) أقصى البلاد المعمورة و أبعدها إلينا . فلهذا ورد في الحديث : " اطلبوا العلم و لو بالصين"
مبالغة في البعد، فالاعتبار أنه مولده أقصى مراتب الإمكان، و لنزل مراتب التنزلات الإلهية .
( و لغته لغة بلده) بلسان النهوانية على الفطرة الأصلية الأولية من العلوم الإلهية، و المعارف اللدنية، و من يكون مولده الطبيعة الكل يتكلم بكل لسان، و لسانه لا يكل .
من عرف الله طال لسانه: أي بكل لغة، (و يسري العقم في الرجال و النساء) من مولود من هذا الجنس بهذا الوجه .
فلهذا يسمّى المجذوب الأبتر: أبتر: أي ناقص من العقم، و هو العقيم عن النتيجة و التوليد، و لا يقال: إن ذكر أحد الزوجين كان كافيا في المدّعى، و هو عدم الولادة و العقم الساري في الوجود في هذا الجنس .

لأن الشيخ رضي الله عنه ذكر في الباب الثالث و السبعين من الفتوحات :إن من رجال الله واحدا في كل زمان لا يوجد غيره في مقامه، و هو يشبه عيسى عليه السلام متولد بين الروح و البشر، لا يعلم له أب بشري.
فهو مركب من جنسين مختلفين، و هو رجل البرزخ يكون مولده على هذه الصفة، فهو مخلوق من ماء أمه، خلافا لما ذكر عن أهل الطبائع، أنه لا يتكون من ماء المرأة ولد، بل الله على كل شي ء قدير. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و كيف لا؟
و قد كذّب الله الطائفة الناقصة بعيسى عليه السلام، و أمّا وجود موجود بلا أب و لا أم قد يسبق في الأوهام ألوهية تكذيبه، مع إيمانه بأن ذلك من الممكنات، بل و قد وقع كوجود آدم، و ما ذاك إلا الوقوف و التخشّب مع المألوفات، و التحمل بالعادات.
قال تعالى: "كأنّـهُمْ خُشُبٌ مُسنّدةٌ" [ المنافقون: 5] .
( فيكثر النكاح ): أي بلا سفاح، فيدل على أن الإيمان الذي سبب بقاء الملك ما انقطع الآن، و لن ينقطع أنهم تقيدوا بالنكاح، فإن النكاح و هو عقد شرعيّ، و هم مؤمنون به، فافهم .
( من غير ولادة) تخفيفا من الله لا استخفافا . ورد في الخبر :
"خيركم في المائتين الخفيف الحاذ، قيل: يا رسول الله، و ما الخفيف الحاذ؟ قال: الذي لا أهل له و لا ولد" . رواه الخطيب و ابن عساكر عن حذيفة رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه و سلم حين نظر إلى الحسن و الحسين رضي الله عنهما يمشيان و يعثران قال صلى الله عليه و سلم :
"صدق الله و رسوله إنما أموالكم و أولادكم فتنة، فنظرت إلى هذين الصبيين يمشيان و يعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي و رفعتهما"  ، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
( و يدعوهم إلى الله تعالى فلا يجاب )، تصامموا عن دعوته لعلمهم بما يجب عليهم من إجابة دعوته، و إنما لم يجيبوا دعوته لما فيها من القرآن.
فإنه دعاهم بالاسم الجامع (الله )، و طلب منهم الجمع بين الكشف و الحجاب، فأبوا و لم يجيبوا داعي الله لأن الأمر عندهم فرقان و كشف بلا حجاب، و من أقيم في الفرقان صرفا لا يصغي إلى القرآن، و إن كان القرآن يتضمن الفرقان، و لكن الفرقان لا يتضمن القرآن.
و هم في شهود الجمع و الفرقان، صرفا لا يعرفون للقرآن طعما، أو نقول: إنه أغناهم أصباح العيان عن مصباح الإيمان على الحالين، مدحوا بلسان الذم، و لا يعلم ذلك إلا ذو حظّ عظيم، (فإذا قبضه الله، و قبض مؤمني زمانه) الذين آمنوا من قبل (بقي ما بقي) .
ورد في الحديث: " فيبقى شرار الناس في خفة الطير و أحلام السباع"  الحديث  .
في خفة الطير في المعاش و الميعاد، يخرجون خماصا و يرجعون بطانا، بعقول فطرية أصلية حيوانية، يتوصلون إلى مشتهاهمبلا كلفة التكليف، و حجر التشريع .
( مثل البهائم) في دوام الكشف و الشهود، فإنها على الكشف الفطري بلا حجاب كالملائكة .

قال الله تعالى: "لهُمْ قُـلوبٌ لا يفْقهُون بها ولهُمْ أعْينٌ لا يـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لا يسْمعون بها أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179]: أي في الحيرة و الهيمان .
اعلم أن البهائم أمم أمثالكم، لهم الكشف الفطري التام و الشهود العام، و كلها عند أهل الله حيوان ناطق، عالم قادر، متكلم سميع بصير، غير أن هذا المزاج الخاص المسمّى بالإنسان تميز بمزاج خاصّ، و وقع التفاضل بين الخلائق في المزاج .
قال رضي الله عنه: إن ما عدا النقلين من كل ما سوى الله على معرفة بالله، و وحي من الله، و علم بما تجلى له، مفطور على ذلك، بل هم أهل إلهام من الله و وحي .


قال الله تعالى: "وأوحى ربك إلى النّحْلِ" [ النحل: 68]، و لكلّ منهما كلام يخصّه، و صنائع لا يظهر أمثالها إلا لذي عقل و قلب، و ما يرى في ذلك من الأوزان يدل على أن لهم علما و إرادة و قدرة في نفوسهم، بل يرى منهم أمورا و تدابير.
ليس للإنسان الحيواني مثله مع قوة تدبيره العام، فتعارضت عند الناظرين في أمرهم، فأنبهم الأمر عليهم، و ربما سمعوا لذلك بهائم من إبهام الأمر، فلا يعرفوه منهم إلا قدر ما شاهدوه منهم .
وأمّا العارف فألحقهم بدرجة المعارف و العلم بالله لأن الله تعالى كشف للعارف عن أمرهم و أحوالهم حتى عرفهم، وعرف مقامهم الأسنى، وعلم أنهم مفطرون على المعرفة والعلم بالله و بالآفاق و بأنفسهم .
ورد في الخبر أنه قال صلى الله عليه وسلم :
" إن بقرة في زمن بني إسرائيل حمل عليها صاحبها فقالت: ما خلقت لهذا؟ و إنما خلقت للحرث، فقال الصحابة رضي الله عنهم أبقرة تتكلم؟ فقال صلى الله عليه و سلم: آمنت بهذا أنا و أبو بكر و عمر، هذه بقرة علمت لما خلقت و الإنس و الجن خلقوا ليعبدوا الله".
وما علموا ذلك إلا بتعريف إلهيّ على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، ومع هذا فمنهم من آمن و منهم من كفر، فأين من يراه و شهد ذلك عمّن استبعد وأنكر .
قال رضي الله عنه في الفتوحات:
إن ابن عطاء قدّس سره كان راكبا فغاصت رجل الجمل، فقال ابن عطاء: جلّ الله يزيد عن إجلالك، فاستحى ابن عطاء .
فقال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إنه مرّ رجل صالح على رجل راكب على حمار وهو يضرب على رأسه حتى يسرع في المشي، فقال الصالح: كم تضرب على رأس الحمار؟
فقال له الحمار: دعه فإنه على رأسه يضرب .
فهذه بقرة علمت لما خلفت، وهذا جمل عرف ربه، وهذا حمار قد عرف المال بالفطرة التي فطر عليها، فانظر أين مرتبتك عن مرتبة البهائم؟
إنها تعرفك و تعرف ما يؤول إليه أمرك و أمره، و أنت جاهل هذا كله، و لا تغرك الآية المتلوّة سابقا لأن الله تعالى ما شبه في الآية، "أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل" [ الأعراف: 179] نقصا بالأنعام، بل إنما وقع التشبيه في الحيرة و هي صفة كمال، فلا أشد حيرة في الله من العلماء بالله و من هذا المقام ورد في الخبر:" ربّ زدني فيك تحيرا".
ولولا التحير علم و كمال لما سأل ما سأل لأنه أمر بقل: "رب زدني علما"، و لم يقل: حالا، و ذلك من علو درجة الحيرة، و علو مقام أهلها، لا يغرنك أن البهائم مسخّرة لك، تحمل أثقالك إلى بلد لم تكونوا بالغيه لأنك مسخّر لها في أكلها و شربها.
و تنظيف مبيتها من روثها و بولها، بل جعل فيك حاجة إليها و بها تخدمها خدمة العبد لمولاه، فلا فضل لأحد على أحد بالتسخير.
ورد في الخبر :
" إن نبيا من أنبياء بني إسرائيل استسقى ولم يسق، فرأى نملة تستسقي وهي رافعة قوامها إلى السماء، فأسقى الله القوم بها".
ذكر هذا الشيخ الحافظ جلال الدين الأسيوطي في كتاب جمع الجوامع:
و ثبت أنّ كل دابة تسمع خوار الميت على نعشه، و ترى عذاب القبر .
" كان رسول الله صلى الله عليه و سلم راكبا على بغلة، فمرّ على قبر فنفرت فقال صلى الله عليه و سلم: إنها رأت صاحب هذا القبر يعذّب في قبره" .
و أمثال هذه الأخبار كثيرة، فاعرف قدرك ما هلك امرؤ عرف قدره، ولم يتعدّ طوره .
فلما أعطيت البهائم هذه   الكشوف أعطيت الحرس عن التوصل، فافهم .
فإذا عرفت فضل البهائم على الإنسان الحيواني، و علمت أن المراد بالتشبيه كالبهائم تشبيه كمال، و إن كان غيرهم أكمل،  كالبهاليل و المجاذيب الذين أذهلتهم فجأة الكشف، و جعلتهم كالبهائم في الهيمان، و ردّتهم إلى أصل الفطرة حيوانا محضا، و كشف لهم ما تكشفه كل دابة و بهيمة، ما عدا الثقلين فهم أهل كمال، و إن العقلاء منهم أكمل، و ذلك من عموم الكشف على خصوص الخلق في آخر الزمان لقربه بدار الحيوان دار عموم الكشف و العيان .
و أشار إلى هذا  قوله صلى الله عليه و سلم :
"لا تقوم الساعة حتى تكلم السباع الإنس، و يكلم الرجل عذبة سوطه، و شراك نعله، و يخبره فخده بما فعل أهله بعده"  .
و في رواية : "إن الرجل يخرج من عند أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أصابه أهله من بعده"
، و هذا بعينه كما في يوم القيامة . ثبت في الخبر الصحيح :
" ستجيئون يوم القيامة و على أفواهكم الفدام، فأول ما يتكلم من الإنسان فخذه و كفه" رواه الحاكم في المستدرك عن حكيم بن معاوية، عن أبيه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
و ما ذلك إلا من عموم الكشف لقرب المناسبة و قوة المشابهة بالآخرة، فإنها دار حيوان، كأنها أهل برزخ بين آخر يوم من الدنيا و أول يوم الآخرة .
قال تعالى:"اليوْم نخْتمُ على أفواهِهِمْ وتكلِّ مُنا أيدِيهِمْ وتشْهدُ أرجُلهُمْ بما كانوا يكْسِبون" [ يس: 65] .
فالمواطن من شدة الشبه تشابهت أحكامها، و زالت الشبه و ظهر حكم: "واعْبدْ رّبك حتّى يأتيك اليقِينُ" [ الحجر: 99] .
قال سهل بن عبد الله التستري قدّس سره في هذه الآية: "اليقين هو الله ".
فأخبر العارف الرباني عن المنزل، فالأول تأويل
وقال الآخر: اليقين هو الموت .
و المفسّر أخبر عن الطريق إليه، ، و الثاني تفسير، فافهم .

"إن يوم القيامة ما تقوم إلا على شرار الناس " وأنت نزلتهم منزلة الخيار.
قلنا: صدقت، و لكن فاتك نظر آخر وما أدراك أن شرار بنسبة خيار بنسبة أخرى، كما أشارإليه الحديث الشريف: " شرار قريش خيار شرار الناس " الشافعي والبيهقي في المعرفة و ذكره في جمع الجوامع .
فأثبت لهم الخير حيث أثبت لهم الشر، فهم شرار الناس بالنسبة إلى العلماء بالله العقلاء، كما قيل: حسنات الأبرار سيئات المقرّبين .
سئل أبو السعود بن الشبل قدّس سره عن العقلاء المجانين فقال: ملاح لكن العقلاء أملح، مع أنه ورد في الخبر" خير أمتي أولها و آخرها و في وسطها الكدر". رواه الحكيم عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
ولا شك أنهم من أمته أو يقول: إنهم شرار الناس الذين لا يتفكّرون في ذات الله، فإنه ورد في الخبر: " خير الناس المتفكّرون في ذات الله" .رواه أبو الشيخ عن نهشل ابن الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما ذكره في جمع الجوامع و ذلك لأن التفكّر فرع العقل، و لا عقل لهم كما عرفته .
( لا يحللون حلالا و لا يحرمون حراما )، قال تعالى: "و ترى النّاس سُكارى وما هُمْ بسُكارى"  [ الحج: 2]، و لكن سلطان الشهود أذهلهم، و أذهب بعقولهم، فذهبوا في الذاهبين.
وبالرجوع إلى العرفان لا بذهاب الأعيان، فهاموا و لم يتميزوا،  كالبهائم سقط عنهم التكليف إذ ليس لهم عقول يعقلون بها، و لا أبصار يبصرون بها.
تراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون، لا يتعارفون لليل صباحا، و لا لنهار مسائهم أدلة الشبهات والآيات المتشابهات، يسمونهم العقلاء المجانين، عقولهم محبوسة عند حضرة قدسه، كفّه في شهود أنسه .
وها هنا تفصيل آخر سأفصّله لك تفصيلا إن شاء الله تعالى لتكون على إجمال فيما نحن فيه على بصيرة:
وهو أن تعلم أن الناس في هذا المقام على ثلاثة أصناف، و ما ثمة مرتبة رابعة.

منهم من يكون ورده أعظم من القوة التي في نفسه عليها فتحكم:
أي مقام الهيمان الوارد عليه، فيغلب عليه الحال، فيكون بحكمه يتصرف الحال، و لا تدبير له في نفسه ما دام في ذلك الحال، فإن استمرّ عليه إلى آخر العمر، فذلك المسمّى في هذه الطريقة بالمجذوب الأبتر، مأخوذ عنه بالكلية، كأبي عقال المغربي.
قيل: إنه ما أكل وما شرب من حين أخذ إلى أن مات، و ذلك من مدة أربع سنين بمكة المشرفة، فهو مجنون مستور، كأنهم الذين أشار إليهم صلى الله عليه و سلم في حديث طويل في أشراط الساعة، و خروج الدجال .
"وأنه يجئ على الناس القحط و الجذب حتى يموت كل ذي ظلف، فقيل: يا رسول الله، فما يعيش بقية الناس؟
فقال:  عيشهم التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، يجري ذلك مجرى الطعام". رواه أبو إمامة، ذكره السخاوي في كتابه المسمّى بالقناعة .
و من هذا المقام حكى الشيخ رضي اللّه عنه في الفتوحات :
إنه قيل لسهل بن عبد الله: ما القوت؟
قال: الله ما نريد إلا ما تقع به الحياة
قال: الله فلم ير إلا الله، فلمّا ألحّوا عليه.
قالوا: إنما لنريد به عمارة هذا الجسم، فهم إنهم ما فهموا.
فقال: دع الدار إلى بانيها إن شاء عمّرها، و إن شاء أخربها، و إن لم يستمر إلى آخر فيمسك عقله هناك، و يبقي عليه عقل حيواني، فيأكل و يشرب و يتصرف من غير تدبير منه و لا روية، فهؤلاء يسمّون العقلاء المجانين لتناولهم العيش الطبيعي بحكم الطبع كسائر الحيوانات.

حكى الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات عن هذا المقام، و قال:
إنه مرّ عليّ وقت أؤدّي فيه الصلوات الخمس، إما بالجماعة على ما قيل لي بإتمام الركوع و السجود و جميع أركانها و آدابها، و أنا في هذا  كله لا علم لي بذلك لشهود غلب عليّ غيبت عني، و أخبرت إليّ، كنت أقيم الصلاة و أصلي بالناس.
وكانت حركاتي كحركات النائم الذي لا علم له بذلك، فعلمت أن الله تعالى حفظ عليّ وقتي. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالذي لم يستمر فإذا زال الوارد رجع بحسبه و عقله، و هذا أكمل المراتب في هذا الطريق، و هو للأنبياء و الرسل و الوارثين، صلوات الله و سلامه عليهم أجمعين .
و منهم من يكون وارده و تجليه مساويا لقوّته، فلا يرى عليه أثر من ذلك حاكم عليه، و حاله إمّا كحال جليس يكون معك في حديث، فيأتي شخص آخر يشغله عنك في ذلك.
و إمّا كرجل يحدّثك فأخذته فكرة في أمر، فصرف حسّه عنك إليه في خياله، فجمدت عينه و نظره و أنت تحدّثه، و هو غير قابل لحديثك، فتشعر أنه مشغول باطنه، متفكّر في أمر صارف، ومنهم من يكون قوته أقوى من الوارد، فإذا أتاه وهو معك بالحديث وأنت لا تدري به.

قال الشيخ رضي الله عنه في الباب الرابع و الأربعين من الفتوحات :
إنه ما ثمّ أمر رابع في واردات الحق على قلوب أهل هذه الطريقة، و هي مسألة غلط فيها بعض أهل الطريق في الفرق بين النبي و الولي.
فقال: إن الأنبياء يصرفون الأحوال والأولياء تصرفهم الأحوال، فالأنبياء مالكون لأحوالهم، و الأولياء مملوكون لأحوالهم، و ليس الأمر فيه غير ما فصّلناه، فافهم .
( يتصرفون بحكم الطبيعة) لأنهم بقوا في عالم الشهادة بروحهم الحيواني يتصرفون في ضروراتهم الحيوانية تصرف الحيوان المفطور على العلم بمنافعه و مضاره المحسوسة من غير تدبير منهم، و لا روية.
كما في نشأة أهل السعادة في الجنان وهو دار الحيوان، فإنه لا يبقى في تلك النشأة إلا النفس الحيوانية،بها تكون اللذة لأهل النعيم. انتهى كلامه.
فهم المخبتون، قال الله تعالى: "وبشرِ المُخْبتين" [ الحج: 34]، والمخبت : المطمئن من الأرض، و منه خبت إذا سكنت و اطمأن لهبها، فهم ساكنون تحت حجاري الأقدار، راضون مطمئنون، فرحونبما أتاهم الله، متنعمون بما هم فيه، فإن نار طبيعتهم خبتت و خملت، و اطمأنت بالوصول إلى مشتهاهم الطبيعي الحيواني، حيث لا حجر عليهم .
ورد في الخبر : " دعوا المذنبين الغارقين، لا تنزلوهم جنة و لا نارا ليكون الله الحكم فيهم" رواه الديلمي عن عائشة رضي الله عنها .
و في رواية  : "حتى يكون الله يقضي فيهم يوم القيامة" رواه الخطيب عن علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه .
و هم كأنهم أهل بدر: " افعلوا ما شئتم " ، بل أقيموا في مقام:"لا يسْئلُ عمّا يفْعلُ" [ الأنبياء: 23]
شعر :
بنوا حق غدوا بالحق صرفا     ...... فنعت الخلق فيهم مستعار
هم أهل إطلاق صرف أصلي و نظر أوليته لأنه الأصل .
قال تعالى: "خلق لكُمْ ما في الْأ رضِ جمِيعاً" [ البقرة: 29]، أطلق و لم يقيد، ثم جاء التقييد، و حدث التحجّر في الحكم فيه، فالإطلاق أصل، و التقييد عارض.
ومن هنا قيل: إن الأصل في الأشياء المباحة (شهوة) حيوانية، صرفة خالصة عن شوب التحجير و التقييد، كما كانت عند الفطرة أول مرة، هذا هو الرجوع إلى البداية حقّا .

قال رضي الله عنه في الباب السبعين و المائتين من الفتوحات :
إن القطب لا ينكح و لا يرغب فيه للنسل و لا للأمر، بل لمحض الشهوة الطبيعية، و اللذة الحيوانية، كأهل الجنة و على هذا يجري نكاح البهائم، فإنه لمجرد الشهوة. انتهى  كلامه رضي الله عنه .
أما ترى قوله صلى الله عليه وسلم أنه شبه تهاجرهم و تساندهم تهارج الحمر فإنها أشد حيوان في أخذهم ذلك الحظ، و أقوالهم فيه .
و ورد في الخبر في أشراط الساعة :
"إذا  قبض روح كل مؤمن و كل مسلم، و يبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة" .
قال السخاوي رحمه الله في معنى التهارج: أي التعاقد، و هو النكاح من البهائم .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إن الناس غابوا عن هذا الشرف، و عابوا فاعلها، و جعلوها شهوة حيوانية مذمومة، و نزهوا نفوسهم عنها مع كونهم سمّوها شرف أسمائها، و هو قولهم: حيوانية: أي هي من خصائص الحيوان، و أي شرف أشرف و أتم و أعظم و أعم من الحياة .
و من هذا سمّيت دار الآخرة دار الحيوان، و بها تميزت عن الدنيا، فالذي اعتقده نقصا و هجاء ردّ الله ثناءهم عليهم، و أجرى على لسانهم مدحا و ثناء، فاستدرجهم من حيث لا يشعرون .
قال الشيخ الأكبر: هذه هي التجلي الأعظم، و فيها الشهود الأشمل الأتم، الذي خفي عن الثقلين إلا من خصّه الله من عباده. انتهى كلامه .
( مجردة عن الشرع و العقل )، إنما قال: مجردة عن العقل ليخرج منه النواميس الوضيعة الحكمية العقلية، فإنها رهبانية ابتدعوها، و ما رعوها حق رعايتها، فهم بمعزل عنه كما فهمته سابقا .
قال رضي الله عنه في الفص الإلياسي: من أراد العثور على الحكمة الإلياسية و الإدريسية، فلينزل في حكم عقله إلى شهوته، و ليكن حيوانا مطلقا حتى ينكشف ما يكشفه كل دابة، مما عدا الثقلين. انتهى كلامه رضي الله عنه .
و إمّا مجرّدة عن الشرع فلأن الشرع تكليف بأعمال مخصوصة عن أفعال مخصوصة على أشخاص مخصوصة، و محلها هذا الدار الدنيا، فهي منقطعة بانقطاع أهلها أهل الإيمان كما عرفت، فما بقي منهم في الدار ديارا، و يقول: مجردة عن الشرع: أي المقيد لأن المقام مقام الإطلاق، و محل ظهور الشرع المحمّدي صلى الله عليه و سلم بصرافة إطلاقه في الآفاق من غير تحجير و تحديد.
قال تعالى : "ما مِنْ دابّةٍ إلّا هُو آخِذٌ بناصِيتها إنّ ربِّي على  صِراطٍ مُسْتقِيمٍ" [هود: 56. [
هذا دين الله الأعم، و إن الدين كله لله، ألا لله الدين الخالص، فصاحب هذا المشهد يرى وجه الحق في كل محل و ملة، قال تعالى:"فأينما تولُّوا فثمّ وجْهُ اللّهِ " [ البقرة: 115. [
أما ترى قوله تعالى :" يُريدُ اللهُ بكُمُ الْيسْر ولا يُريدُ بكُمُ الْعسْر" [البقرة: 58 ] . ورد في الخبر الصحيح : "دين  الله يسر"
وأي يسر، ثم من المشي على مقتضى الطبيعة الصرفة بلا تحجير، فإذا عاد الأمر إلى الإطلاق كما بدأ أولا عادت العادة عبادة، كما أن اليوم العبادة عادة، فإن الدين عادة،(فعليهم تقوم الساعة): أي على أهل الإطلاق المذكور تقوم الساعة.
قال الله تعالى :"إنّ السّاعة آتيةٌ أكادُ أخْفِيها" [ طه: 15]، لولا أن الإخفاء جاء لغة بمعنى: الإظهار، لما أظهرنا لهذه المسألة عينا، و لكن لما أظهرها تعالى بالكناية تارة، و بالإشارة مرة، وبالعبارة تارة أخرى اقتداء به، و اقتفاء بهدي نبيه، و الله المستعان.
واعلم أنه ذكر الشيخ رضي الله عنه في وصل تاسع عشر من خزائن الجود:
وقال تعالى: إنّ اللّه لا يغِّيـرُ ما بقوْم حتّى يغِّيـرُوا ما بأنْـفُسِهِمْ وإذا أراد اللّهُ بقوْم سُوْءاً فلا مردّ  لهُ وما لهُمْ مِنْ دُونهِ مِنْ والٍ [ الرعد: 11] .
إن عيسى عليه السلام ختم الولاية العامة آخر متعلم، وآخر أستاذ لمن أخذ عنه، ويموت هو وأصحابه من أمة محمد صلى الله عليه وسلم في نفس واحد بريح طيبة، تأخذهم من تحت آباطهم يجدون لها لذة كلذة الوسنان الذي أجهده السير.
وأتاه النوم في السحر، فيجدون للموت حلاوة ولذة لا يقدّر قدرها رعاع، كغثاء السيل أشباه البهائم، فعليهم تقوم الساعة. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالجمع بين ما في الفتوحات و بين ما نحن فيه من الفصوص هو أن يكون هلاك الطائفتين في زمان واحد مع اختلاف الأمكنة، هذا في الصين و ذاك في ديار العرب لأن هبوب ذلك آخر الآيات المؤذنة بقيام الساعة، فافهم .
ثم نرجع إلى بيان ما نحن بصدد بيانه و نقول :
اعلم أن الله تعالى خلق العالم على قسمينآفاقيا، و أنفسيا.
و جعل جميع ما خلق في الآفاق له نظير في الأنفس، بل جعل الأنفس نسخة منتخبة مختصرة جامعة لجميع ما في الآفاق، مع أمر لم يكن فيه، و دفن فيها.
وهو الأمانة المشار إليها في القرآن، فالأنفس خزائن لها، ثم أمرنا بالتفكّر لوجدان ذلك في أنفسنا، و بشّرنا بأنه يرينا آياته في الآفاق، و في أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق .
فمن جملة ما خلق من النظائر خلق في الآفاق قيامة و ساعة و أشراطها.
كذلك في الأنفس خلق ذلك كله، و ذكرها في القرآن بلسان الإشارة .
و ورد في الأحاديث كذلك، فأريد أن أذكر بعضها لتكون على بصيرة فيما نريد أن نبيه من إشارات الحاتمي الخاتمي في هذا المتن، و نختم به الأمر إن شاء الله .
فاعلم أيدك الله و إيانا بروح منه أن القيمة في الآفاق هي القيامة التي يجمع الله الأولين و الآخرين فيها، فما تقوم هذه القيامة إلا بين يدي أشر أطماع، يموت الخلق طرا أجمعون ومن في السماوات والأرض جميعا، والتنبيه عليه في الكتاب قوله تعالى :" كُل نفْسٍ ذائقةُ الموْتِ" [ آل عمران: 185] .
وذلك بفناء كل أهل كل دورة واحدة لا يتصف بالنهاية، فنحن فرضنا فيه البدء والنهاية والعود و الرجوع بالفرض. انتهى  كلامه .
فافهم الإشارة إن كنت فهيما، فالعالم دوري و أحكامه دورية، و إلى هذا أشار صلى الله عليه و سلم : " إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق السماوات و الأرض".
فيلتحق أهل كل دورة مفروضة بعضه بعضا في موطن من المواطن، سمّاه الشارع بيوم القيامة، وهو اليوم الموعود، وفيه جمع شاهد و مشهود، وإنما ذهبنا بالقول بالدورة واستشهدنا بالحديث الشريف لأنه قد أخبرنا سبحانه عن نفسه الكريمة على لسان أكمل التراجم علما، وأوسعهم وجودا صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: "كُلّ  يوْم هُو في شأنٍ" [ الرحمن : 29]، فنكر اليوم و الشأن ليشمل و يعم .
فهذه أيام الله لا تزال هذه الأيام دائما، فلا يزال الخلاف دائما، و قد أثبت دوام هذه الأيام، فقال تعالى: "خالدِين فيها ما دامتِ السّماواتُ والْأرضُ"[ هود: 107]، و خلودهم لا يزال فريق في الجنة، وفريق في السعير لا يزال لأنهم خالدون فيها، فأيام الله لا يزال .
وورد في الحديث الصحيح: "ليس شي ء من الإنسان إلا يبلي إلا عظما واحدا، وهو عجب الذنب ومنه يرّكّب الخلق يوم القيامة". رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فإذا جاز في ممكن من الممكنات بقاؤه، فيمكن أن يكون له إفراد كثيرة بهذا الحكم، فافهم و لا تجادل فإنّ مطل الغنى ظلم، قال تعالى:" كُل شيْءٍ هالكٌ إلّا وجْههُ "[ القصص: 88]، و كل  شيء موجود نشاهده حسيا، و نعلمه عقلا، و ليس بهالك، فكل شي ء بوجهه و وجه الشيء حقيقته، فما في الوجود إلا الله، و إن تنوعت الصور.
و ذلك أحكام التجلي لا المتجلي فإنه ورد في الحديث إنه يتنوع فيعرف و ينكر لأنه كل يوم هو في شأن، فنكر للعموم و الشمول.
فذلك قال له الحكم : ( و إليه ترجعون ): أي من يعتقد أنّ كل شي ء جعلناه هالكا، و ما عرف ما قصدناه من الآية إذا رآه ما يهلك منه، و يرى بقاء عينه بالهلاك، فهو وجهي، فعلم أن الأشياء ليست غير وجهي، فإنها لا تهلك، فردها إلىّ حكما .
قال الشيخ رضي الله عنه في الفصل الرابع من خزائن الجود من الفتوحات:
"إنّ هذا المعنى الذي ذكرناه آنفا معنى لطيف، يخفي على من لم يستظهر القرآن، و قد رميتك على الطريق لتعلم ما الأمر عليه ".انتهى كلامه.
ورد في الحديث الصحيح :" لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق إلى يوم القيامة حتى يأتي أمر الله" الحديث .
و في رواية :   " لن تزال طائفة من أمتي " الحديث .
و ورد في الحديث أيضا : "لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم الخليل عليه السلام، بهم تغاثون، و بهم ترزقون، و بهم تمطرون" ذكره ابن حبان في تاريخه عن أبي هريرة رضي الله عنه .
و ورد في الخبر : " لن يبرح هذا الدين قائما يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" رواه مسلم عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
و ذهب ابن بطال: إنه ليس المراد أنّ الدين ينقطع كله في جميع أقطار الأرض حتى لا يبقى منه شي ء لأنه ثبت أنّ الإسلام يبقى إلى يوم القيامة، ذكره السخاوي في كتاب القناعة .
و قال رضي الله عنه: إنّ الدين باق إلى يوم القيامة، و لم ينسخ و القطب قيومه، و لا يصحّ هذا الاسم: أي القطب إلا أن يكون ذا جسم طبيعي و روح، و يكون موجودا في
هذه الدار الدنيا بجسده و حقيقته، فهو الذي يحفظ به هذا النوع الإنساني، و هو موجود في هذا النوع في هذه الدار بجسده و روحه، يتغذّى و هو مجلي الحق من آدم إلى يوم القيامة .
ثم قال رضي الله عنه فيها: إن هذه المسألة كلية فاعرف قدرها، إنك لست تراها في كلام أحد، و لو لا ما ألقي عندي فيإظهارها ما أظهرتها لسرّ يعلمه الله، و لا يعرف ما ذكرناه إلا نوّابهم خاصة لا غيرهم من الأولياء، فكونوا لها قابلين مؤمنين، و لا تحرموا التصديق بها، فتحرموا خيرها، و تجمعوا بين الحرمانين. انتهى كلامه رضي الله عنه .
فالقائل ببقاء العالم كافر بقوله تعالى: "كُل شيْءٍ هالكٌ إلّا وجْههُ" [ القصص: 88]، و جاهل بالحديث الشريف : "كان الله و لا  شيء معه" و زاهل بملحقه، و هو الآن كما كان، و غافل عن تجدّد الأمثال .
و القائل بفناء العالم جاحد قوله سبحانه: "و يبقى وجْهُ ربِّك ذو الجلالِ والِإكْراِم" [ الرحمن: 27] لأنه وجه كل شيء كما أنّ كل شيء وجهه فهو وجه العالم في الوجود، و العالم وجهه في الظهور عند الرؤية و الشهود.
فالكل بحمد الله وجوه حسنة، و ما ثم في الوجود إلا الله، فله دوام الحمد و الثناء في الآخرة و الأولى، فافهم ذلك بالذوق الحال، فإنّ فهمه بالنظر و الخيال محال .
و قد علمت من الأحاديث أنّ القيامة الكبرى لها أشراط كخروج الدجّال، و يأجوج و مأجوج و أمثالها، و أمّا القيامة الصغرى فانتقال العبد من حياة الدنيا إلى حياة البرزخ في الجسد الممثل، فهو انتقال و مرور من حال إلى حال بالجذبة الإلهية و العناية الرحمانية، يحكم تربية الحكيم العليم سواء كان سالكا مجذوبا، أو مجذوبا سالكا و بلا سلوك .
فإنّ الجذبة: هي العناية، فلهذا جذبة من جذبات الرحمن توازن عمل الثقلين لأنّ العمل للجذبة، و الجذبة ليست له، و هي بهتة الكشف، و فجأته الشهود، فإذا جاءت الساعة بغتة أفنى وجود السالك عن نظر شهوده في المشهود فجأة، فيرى جبال وجوده تمرّ مرّ السحاب التي كان يحسبها جامدة، فإذا فني و مات موتة معروفة عند أهلها، فقامت قيامته التي أخبر عنه الرسول صلى الله عليه و سلم بقوله :  "من مات قامت قيامته"
فانكشف الغطاء و انحدّ البصر، و رأى المؤثر في الأثر، وأدرك بعيون البشر، و ربح من أمن، و خسر من كفر .
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: و من كان من أهل الرؤية التي تقع لكل واصل .
أما ترى إشارة قوله صلى الله عليه و سلم:  " إنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا " رواه أبو إمامة رضي الله عنه في جمع الجوامع .
و ذكر فيه أيضا حديثا آخر وهو هذا :"قال: يا موسى لن تراني إنه لن يراني حيّ إلا مات، و لا يابس إلا تذهب، و لا رطب إلا تفرق، إنما يراني أهل الجنة الذين لا تموت أعينهم و لا تبلى أجسادهم ". رواه الحكيم عن ابن عباس رضي الله عنهما في جمع الجوامع .
و قد وقعت له صلى الله عليه وسلم: "رأى ربه بعين رأسه". رواه ابن عباس رضي الله عنهما .
و شهد له الحق بذلك حيث قال تعالى: "ما كذب الفُؤادُ ما رأى"  [ النجم :11]، و قال: "ولقدْ رآهُ نزْلةً أخْرى" [ النجم: 13] .
فإن كان مراد الرسول صلى الله عليه وسلم مقولة: (حتى تموتوا) هو: الموت الطبيعيّ الاضطراري فلم يصح، (لن ترون) بالتأكيد و بتأييد التأكيد، و هو صلى الله عليه و سلم صادق في قوله: (رأى) قبل الموت الطبيعي الاضطراري في دار الدنيا عند الموت الاختياري الكمالي.
بل ثبت بالدليل إمكان الرؤية لكل أحد بل قطع بالرؤية أهل الكشف، و الرؤية في دار الدنيا بالموتة الأولى، فإن الرؤية في الدنيا رحمة عاجلة لأهل العناية بل ما أنكرها إلا شرذمة  قليلون كالحكماء، و من تبعهم من المعتزلة، و الذين لا بغيابهم و بكلامهم، فعرفنا أنّ الموت في الحديث هو الموت الكمالي الاختياري، و قد وقع، و ورد في الخبر :" موتوا قبل أن تموتوا "
و ورد أيضا :" من أراد أن ينظر إلى ميت يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى ابن أبي قحافة«
و قال تعالى بشارة لحبيبه و نبيه، و إدخال السرور في خلاصة خواص أمته:" إنّك ميِّتٌ وإنّـهُمْ ميِّتون" [ الزمر: 30] .
فهذه الميتة الأولية، و الصعقة الأولى يا من مسّ الصعقة الأولى، ويدخل في حكم استثناء الآية حيث قال سبحانه: "فصعِق منْ في السّماواتِ ومنْ فِي الْأ رضِ إلّا منْ شاء اللّهُ" [ الزمر: 68] .
وإلى هذا أشار بقوله صلى الله عليه وسلم: » أرى موسى واقفا ولا أدري هل صعق في الدنيا، ولم يصعق في الآخرة «
وهو قوله تعالى: و خرّ مُوسى صعِقاً [ الأعراف: 143]، فبهذا الاعتبار يكون موسى ممن دخل في حكم هذا الاستثناء، و هكذا شهداء هذه الأمة فإنهم كأنبياء بني إسرائيل .
ورد في الحديث أنه صلى الله عليه و سلم قال : " سألت جبريل عن هذه الآية: من الذي لم يشأ الله أن يصعقهم؟ قال: هم شهداء الله "
. رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . و بين صلى الله عليه و سلم معنى الشهد في حديث أخر حيث قال صلى الله عليه و سلم: "شهداء الله أمناء لله على خلقه قتلوا أو ماتوا ".رواه أحمد من رجال الصحابة رضي الله عنهم، ذكره في جمع الجوامع .
فهمت من هذا أن الشهداء ليس على معناه المعروف خاصة، بل يشمل الذين صعقوا و ماتوا موتتهم الاختيارية، فشهدوا الحق و رأوه بعين رأسهم، و حفظوا هذا السرّ عن نظر العوام .
كما ورد في الحديث : "سترون ربكم عيانا". عن جرير رضي الله عنه ذكره في جمع الجوامع .
فإذا عرفت هذا المذكور، فنرجع و نقول في بيان المتن: إنه قال رضي الله عنه: فعليهم تقوم الساعة: أي على الذين لا يقيدهم العقل، ولا يتقيدون بالشرع المقيد وهم أهل إطلاق صرف من أرباب الحيرة و الهيمان .
ورد في الحديث :" إن الله خلق الإنس ثلاثة أصناف:
صنف كالبهائم، قال الله تعالى: لهُمْ قُـلوبٌ لا يفْقهُون بها ولهُمْ أعْينٌ لايـبْصِرُون بها ولهُمْ آذانٌ لايسْمعون بها أولئك كالْأنعاِم بلْ هُمْ أضل [ الأعراف: 179] .
الحديث رواه أبو الشيخ في العظمة عن أبي الدرداء رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع . فعلى الذين كالبهائم تقوم الساعة فافهم.
فجاءتهم بغتة الكشف فجاءتهم حيرة و بهتة، وأذهلهم ذلك الوارد عن أنفسهم، ثم أبقى الله هذا الحال، والوارد مشهودا لهم في دار الدنيا، وجعل لها حكم دار الدنيا كحكم دار الآخرة، كما للعموم في دار الآخرة، فماتوا وانتقلوا من حال إلى حال حياة الدنيا إلى حياة الآخرة، و تبدّل عليهم الأحكام بتبدّل الدار، و السماوات مطويات بيد الملك القهّار، والحق يقول في آخر الأمر عند ظهور غلبة الأحدية على الكثرة في القيامتين الكبرى والصغرى، الحاصلة للسالكين عند التحقّق بالوصول عقيبة انتهاء السير و حال الانسلاخ .
قال تعالى: "لمنِ المُلْكُ اليوْم للّهِ الواحِدِ القهارِ" [ غافر: 16].
تلْك الدّارُ الْآخِرُة نجْعلها للّذِين لايريدُون علوًّا في الْأرضِ ولا فساداً والعاقبةُ للْمُتّقِين [القصص: 8]، فهم بقيامهم عن أنفسهم لا يعرفون للعلو طعما .
قال رضي الله عنه: لمّا بدّلت الصفة من دار الدنيا فصارت بهذا التبديل آخرة مع بقاء العين، و من لا علم له بهذا في ظلمة الحيرة. انتهى كلامه رضي الله عنه .
أما ترى إشارة الحديث الشريف: " قد مات كسرى فلا كسرى بعده "الحديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فما زال الملك ولا المليك ولكن ارتفع الاسم باسم آخر مع وجود الملك والمليك، فافهم .
قال تعالى: "يسْئلونك عنِ السّاعةِ أيّان مُرْساها فيم أنت مِنْ ذكْراها .إلى ربِّك مُنْتهاها" [ النازعات: 42: 44] .
فافهم إشارة الآية فإنه منتهى كل شيء، قال تعالى:" قدْ أحاط بكُل شيْءٍ عِلْماً" [ الطلاق: 12]، فقد أحاط بكل شيء وجودا لأن علمه عين وجوده وذاته، تقوم تلك الساعة يوم تبدّل الأرض غير الأرض، والسماوات، وبرزوا بأنفسهم ظاهرين على الله تعالى بأحكام الطبيعة الكلية التي حصرت قوابل العالم بأسره، و بشّر البشير بهذه البشارة على سبيل الإشارة .
و قال صلى الله عليه و سلم: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق" الحديث وهو الظهور على الحق تعالى بحكم الطبيعة.
و بروز الأصل على صورة الفرع بلا فصل، فرجعوا إلى البداية على حكم الطبيعة، و رجحت إليهم العادة عبادة فأضاعوا الصّلات، و اتبعوا الشهوات.
و لم يلقوا غيا لأنهم على بصيرة فيه، فليسوا ممن اتبع هواه بغير علم، و ذلك أمر ذوقي، و علوم الأذواق لا تقال و لا تحكى، فلا يعرفها إلا من عرفها و ذاقها،و ليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها، فلا يقبل التعريف و التوصيف بل حكم تظهر لأهلها لا يجليها لوقتها إلا هو، يتجلى لهم بصور الأشياء ومعانيها وهو عينها، فكيف البيان عنها؟ 
فلا يعلم ذلك إلا الله لا يوصّ لها شرع بأخبار وتعريف .
وذلك قوله تعالى: "إنّما عِلْمُها عِنْد اللّهِ" [ الأعراف: 187]، و قد أعلم الله بالتعريف لبعض الناس، وهو من ارتضى من رسول بأن هذا علم لا يقبل التعريف ولكن أكثر الناس لا يعلمون أن الأمر هكذا، فلهذا يسألون .
و ورد في الخبر :
"إن جماعة سألوه عن الساعة، فقال صلى الله عليه وسلم: علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو و لكن سأخبركم بمشاريطها، وما يكون بين يديها: إن بين يديها فتنة و هرجا، قالوا: يا رسول الله الفتنة قد عرفناها، فالهرج ما هو؟
قال: هو بلسان الحبشة: القتل، ويلقي بين الناس التناكر، فلا يكاد أحد يعرف أحدا " رواه أحمد بن حنبل، و ضياء المقدسي في المختارة عن حذيفة رضي الله عنه، ذكره في جمع الجوامع .
فأمر الساعة ذوق يشبه بالعلم بالذات، و العلم بها محال بغيره كذلك هنا، فإذا قامت القيامة الصغرى، و جاءتهم الآية الكبرى التي ثقلت في السماوات العلا، فأتاهم أمر الله بغتة، و أفناهم عن أنفسهم، و ظهر حكم الصعق فيهم، و أزال عنهم التدبير، و أقامهم بأحكام التقدير فإذن انكشف لهم حقيقة الأمر، و عاينوا الأمر على ما هو عليه الأمر في نفس الأمر .
قال رضي الله عنه :
إذا جاء أمر الله فالأمر الأمر  ...... و ذلك توحيد إلى من له الأمر
ورد في الخبر: "أما ترى أنها ما تقوم على مؤمن ". ذكره السخاوي .
و في لفظ:" لا تقوم الساعة و في وجه الأرض من يقول: الله الله "
قال رضي الله عنه في الفصل الرابع في فلك المنازل من الفتوحات:
في بيان الحديث الشريف: (لا تقوم الساعة على من يقول الله الله ): فإن الله تعالى أمسك صورة السماء و الأرض أن تزولا و تقعا لأجل هذا الإنسان المؤمن الموحّد الذي مجيره الله، و إن هذا هو الذكر الأكبر: أي الذي أكبر من لا إله إلا الله، فصاحب هذا الذكر هو الإمام الذي يقبض آخرا، و تقوم الساعة و تنشق السماء، و تتبدّل الأرض غير الأرض .انتهى كلامه .
فإذا عرفت أن أمر الساعة ذوقي لا يقبل التعريف فاذكّر بمشاريطها، و ما يكون بين يديها إن بين يديها فتنة لم يكن مثلها فتنة .
ورد في الحديث أنه قال صلى الله عليه و سلم في أثناء الخطبة:
أيها الناس: إنه لم تكن فتنة في الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم عليه السلام أعظم من فتنة الدجّال إنه يقول: أنا ربكم الحديث «، و هكذا الأمر في الأنفس، فإذا ادّعى السالك قبل الفناء مدع كذّاب.
كما قال الشيخ ابن الفارض يخاطب نفسه :
وها أنت حيا      ..... إن تكن صادقا
ورد في الحديث:" الشقيّ من أدركته الساعة حيا لم يمت" رواه الديلمي عن ابن عمر رضي الله عنهما، ذكره في جمع الجوامع
لأنه إلى الآن ما بلغ رشده، و لا نال مبلغ الرجال، و شرطه الموت و فناء الفناء .

و قال التلمساني قدّس سره أيضا من هذا الذوق :
نحن قوم متنا وذلك شرط  في بقائها فلييئس الأحياء فهو إن ادّعى قبله فكذّاب دجّال، أما ترى إشارة ذلك في تتمة الحديث و هي  : لن تروا ربكم حتى تموتوا "
و في آخر الحديث يشير صلى الله عليه و سلم إلى علة ذلك إنه أعور العين اليسرى، و بيان ذلك أن السالك قد يكون صاحب إيمان يسمّى في الاصطلاح ذا العقل وذلك محجوب أكمه.
وإذا فتح له قد يفتح له عين واحدة تسمّى ذا العين، و هو الذي يرى الحق في الخلق، فهو مفتون ولا تصحّ دعواه، بل دعواه تكون مكرا واستدراجا، وكذبا و زورا وخداجا،  كدجال و غيره من الفراعنة و الدجاجلة .
أما ترى أنه قال صلى الله عليه و سلم: "إنه أعور"
و العورة هي: الميل، و منها بيوتنا عورة: أي مائلة عن الاستقامة، و منها الأعور لأنه مال نظره إلى جهة واحدة، فهذان القسمان و لو كانا صاحبا جمع و بعين واحدة.
فإن الأول يرى الحق و لا يرى نفسه.
والثاني يرى نفسه ولا يرى الحق، فالفرق بينهما شتان، وهما مسيحان.
ولكن الأول مسيح الرحمن.
والثاني مسيح الشيطان.
و بالموت يحصل الكمال، و هو الجمع بين المشهدين فيسمّى ذا العينين .
قال تعالى: "فبصرك اليوْم حدِيدٌ" [ ق: 22]، يرى بالحق الجمع بعين الفرق، و يرى الفرق بعين الجمع، و لا يمنعه شهود أحدهما عن الآخر.
فهو فان عن النفس، و باق بالعين، فهو ذو العينين الذي هداه الله النجدين .
قال رضي الله عنه في الفتوحات:
إن أعظم الفتن التي أفتن الله بها الإنسان تعريفه إياه بأنه خلقه على الصورة ليرى هل تقف مع عبوديته و سواد وجهه، أو يزهو الأجل مكانه و مكانته؟
إنه تعالى ما أظهر الصورة على الكمال:
أي بخرق حجاب سر الجمعية العامة الكبريائية، حتى يشاهد ألوهية الحق سبحانه دون ألوهيته، فإن الصورة الكاملة الإلهية لا يلحقها ذم بكل وجه، وهذا لا يكون إلا عند فناء الفناء، ويبقى وجه ربك، فهو المتكلم و المؤثر على لسان عبده و بعبده.
و هو فان عن نفسه و ذاته، كما أخبر عنه صلى الله عليه و سلم عن هذا المقام بقرب الفرائض عندهم، و هذا أول قدم في الشريعة.
فإن الشارع أول ما أتى به: (لا إله إلا الله )، فلا يجيبه إلا من خرق ذلك الحجاب، و من نقص عن هذا المقام الكمالي فلحق بفرعون و دجال، و كان في حقه مكرا إلهيا من حيث لا يشعر، فافهم .
و أمّا اعتبار نزول عيسى عليه السلام في الأنفس هو ظهور الروح الأعظم، و ظهور أحكامه عند قرب الساعة للسالك.
فبينما يكون السالك في هرج و مرج في أمواج الفتن، كالحال كرؤية الألوهية لنفسه، و إظهار خوارق العادات والتأثير في الأرض والسماوات، إنها فتنة عمياء صماء لأن آخر ما يخرج من رؤوس الصديقين حب الجاه.
فإذا بعث الله الروح روح وراحة، فبشهوده حسم الخصومات و خصم الشهوات، و ترفع الشحناء و التباغض، و تنطفئ نيران غلبة النفس وشهواتها باستيلاء النفس الروح عليها، و اندراجها و اندماجها فيه، فإنه لها برد و سلام .
و أشار في الحديث مثل هذا، فإنه ورد في الحديث الطويل :" إذا نزل عيسى عليه السلام فأمّهم، فإذا رآه عدو الله ذاب  كما يذوب الملح في الماء" .
اعتبار ذلك في الأنفس أنه شهود و فناء، فتنقلب النفس و أحكامها، و تذوب في العلم فتعرف نفسها، فإذا عرفت نفسها فتنقلب سفساف أخلاقها كراما، فهو مقرّر لا ناسخ.
بل يلحق السفاف بالمحامد بتعين المصارف، و تبين مصادرها ومواردها، كما قيل: غاضت ثم فاضت، فلا هي هي ولا هي غيرها .
أما ترى إشارة الحديث: (إنه يذوب )، و لم يقل: يعدم أو يهلك لأن الذوبان من عالم الفساد ترك صورة وخلعها، ولبس صورة أخرى كان لصوره ملح تركها، و تلبس بصورة الماء و العين باقية ما انعدمت، و هكذا الأمر هنا.
و لم يقل: إن أحكام البشرية تزول بل ما زال البشر عن بشريته، و إن فنيت عن شهوده فعين وجوده باقية، بل الحد يصحبه .
أما ترى إشارة قوله تعالى: " قلْ إنّما أنا بشرٌ مِثْـلكُمْ" [ الكهف: 110]، فإن البشرية لم تزل ولا تزول أبدا .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إنما قلنا البشرية في الفناء لا تزول لأني سمعت بعض الشيوخ يقول: هذا حظ البشرية، فإذا زال عن بشريته كان حكمه حكما آخر، و الأمر ليس كذلك، فلما تحقق ما ذكرناه رجع عن هذا الاعتقاد.
وقال: ما  كنت أظن أن الأمر هكذا، فإنه تكلم في شرح آية: "و ما كان لبشرٍ أنْ يكلمهُ اللّهُ إلّا   وحْياً أوْمِنْ وراءِ حِجابٍ أوْ يُـرْسِل رسُوًلًا فيوحِي بإذْنهِ ما يشاءُ إنّهُ على حكِيمٌ" [ الشورى: 51]، وغلط فيه.
ذكر رضي الله عنه هذه المسألة في الباب الموفي خمسين وثلاثمائة من الفتوحات:
فبهذه الطائفة هم الأبدال حقّا لأنهم بدّلوا أسفاف الأخلاق بأخلاق الخلاق، يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات .
ورد في الخبر الصحيح :
" ليتمنين قوم لو أكثروا من السيئات الذين بدّل الله سيئاتهم حسنات " ذكره في المستدرك عن أبي هريرة رضي الله عنه،ذكره في جمع الجوامع.
وأمّا اعتبار يأجوج و مأجوج، وهما طائفتان من الخواطر، وهي الوساوس التي من الشيطان، والهواجس التي من النفس، فيظهر أن عند اقتراب ساعة فناء المريد السالك، فيفسدان في أرض قلبه، و هم من كل حدب ينسلون، و بهما هلاك المريد هلاك فساد، ولا كمال، فلا ينقطعان إلا بوارد قوي كزبر الحديد، يكون حاجزا بينه و بينهم .

"فما اسْطاعوا أنْ يظهروهُ و ما اسْتطاعوا لهُ نقْباً" [ الكهف: 97]، وذلك الوارد رحمة من الله الرحمن، رحم بها عبده و ساعده في وقته حتى يصل درجة الكمال، و يفتح له ما يفتح، فإذا فتح و جاء  وعد ربه حقّا فدكّ هذا السد دكّا، ومسخها بالتبديل بخواطر ملكية أو ربانية لمات، وإلهامات هذا وعد ربي لعباده السالكين، قد جعله صدقا، و بدّل الباطل حقّا بإبدال الأحكام بانقلاب الأعيان .
أما ترى استعيذ من شر الوسواس لامن الوسواس ورد في الحديث :" الوسوسة محض الإيمان". ذكره في جمع الجوامع .
و من أشراط الساعة: " نقص العلم "
و في لفظ :  " نقل العلم "
و في عبارة :  " قبض العلم "
و في لفظ :  " ينزل الجهل و يرفع العلم "
و في رواية : "لا تقوم الساعة حتى يرفع القرآن من حيث جاء الحديث". جميع هذه الروايات ذكرها السخاوي في كتابه القناعة .
و هكذا تجد جميعها في أشراط الساعة عند قيام القيامة الصغرى حذوّا بحذو الإيمان و بيان ذلك، أمّا نقص العلم في السلوك فلأن السالك كلما علا قدره نقص علمه لأن الغاية شهود و فناء، فكلما تقرب إليه نقص العلم بحسبه و بحسب قربه، فإن العلم على صورة القرآن رأسه الضيق إلى الذات، و رأسه الواسع إلى العالم.

قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات:
إن هذه مسألة ظهرت لابن بطليموس، فإنه صرّح بها في كتبه، و قال: كلما علا القدر نقص العلم.
فإن قيل: كيف أمر الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "وقلْ رب زدْني عِلْماً" [ طه: 114]، فالجواب: إنه صلى الله عليه و سلم متنزلا من الذات إلى السماء، كما هو أدب المحبوبين، و إن شئت قلت: من الجمع إلى الفرق لعمارة الدارين .
قال رضي الله عنه في فصل من فصول أحكام القاتل للصيد في الحرم و الإحرام من كتاب الحج من »الفتوحات «: إن الطائفة قد أجمعوا على أن العلم بالله عين الجهل بالله .
و قال تعالى في الجاهل: " لذك مبلغهُمْ مِن العِلْمِ" [ النجم: 30]، فسمّي الجهل علما لمن تفطن .
ورد في الحديث :  " إن من البيان سحرا، وإن من العلم جهلا " الحديث .رواه أبو داود، و ذكره في جمع الجوامع .
و من هذا المقام أشار الصديق الأكبر رضي الله عنه: "العجز عن درك الإدراك إدراك"، فإن إشارته إلى مرتبة الفناء الأول، و الأمر وراء ذلك لأن له إلى الآن شعورا حيث قال بالعجز .
و أما في الفناء الثاني، و هو فناء الفناء لا علم و لا عجز، و هو مقام نقل العلم وقبضه و رفعه، و أمّا رفع القرآن فمن الصدور إلى الظهور حيث يستظهر القرآن كما قيل: استظهر فلان القرآن إذا رآه من ظهر عينه في سماء نفسه سماء دنياه .

ورد في الخبر : " من قرأ القرآن ثم مات قبل أن يستظهره أتاه الله ملكا يعلمه في قبره ويلقى الله وقد استظهره ." أخرجه أبو عبيد في كتاب الفضائل، و السلفي في استحبابه، ذكره السيوطي في جمع الجوامع .
وذلك قرآن الفجر الذي كان مشهودا، فإنهم فجّروه تفجيرا من أنفسهم حين أشهدهم الله أنفسهم، حين قال في غيرهم:  "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـ رِّة أعْينٍ" [ السجدة: 17] .

قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه: إن سهل بن عبد الله قدّس سره استظهر القرآن و عمره ست سنين .
و قال رضي الله عنه: إن أبا يزيد ما مات حتى استظهر القرآن، وهكذا الأمر في جميع ما ورد في أشراط الساعة الكبرى .
فإنه له نظائر في الأنفس في القيامة الصغرى حذوّا بحذو بلا فرق، وفصّل أنه كلام فصل لا هزل ولا مزح، بل جعل الله خلق السماوات وما بينهما إلا أمثالها، وعبرا ليعتبره الفاهم اللبيب، و يعبر من الصور المحسوسة إلى المعاني المعقولة لقياس الغائب على الشاهد، فالعالم كله بما فيه ضرب الأمثال ليعلم فيها أنه هو .
قال تعالى: "ألمْ تر كيف ضرب اللّهُ مثلًا كلِمةً طيِّبةً كشجرٍة طيِّبةٍ أصْلها ثابتٌ وفرْعها في السّماءِ * تُـؤْتي أكُلها كُلّ  حِينٍ بإذْنِ ربِّها ويضْربُ اللّهُ الْأمْثال للنّاسِ لعلّهُمْ يتذكّرُون" [ إبراهيم: 24، 25]، إنما جعل ضرب المثل للناس لأنهم نسوا في هذه النشأة ما كانوا عليه في أنفسهم من المعارف في أصل الفطرة، فضرب الله لهم الأمثال ليثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت بضرب الأمثال، كاقتراب الساعة، و قيامة الكبرى و الصغرى في الحياة الدنيا و في الآخرة، و أمثالها لتذكرة الناس الناسين حقائق الأمور على ما هو عليه،فإن الذكرى تنفع المؤمنين لعلهم يتذكرون.

وأمّا العارفون فقد عامله الله بالكشف والشهود، يرى نفسه أنها كلها كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت في أرض الطبيعة، و فرعها و نتيجتها منتشرة في سماء الأسماء العلا، بالتخلق بالأسماء الحسنى، و هي دائمة الثمرات والنتائج بإذن ربها، عطاء غير مجذوذ، لا مقطوع ولا ممنوع.
ضرب الله الأمثال فلا تهتدون، و قد أحكم الآيات وأنتم لتأويل المتشابهات متعرضون، و عن المحكمات معرضون، فبأي حديث بعده تؤمنون، و لكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا :
و ما كل عين بالجمال قريرة  .... و ما كل من نودي يجيب إذا دعي
كلّ ميسر لما خلق له، سبحان مرتب الأمور، شارح الصدور، و باعث من في القبور .

قال رضي الله عنه في الباب السادس والسبعون وثلاثمائة من الفتوحات:
إنه لا يؤمن بالحق إلا من خاطبه الحق سبحانه في سره، و إن لم يشعر به المخاطب، و إنما يجد في نفسه التصديق به و في قلبه.
وكذلك لا يؤمن بما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم إلا من خاطبه الولي في سره، و هو لم يدر و لم يشعر به . قال تعالى: "وبشرِ الّذِين آمنوا أنّ لهُمْ قدم صِدْقٍ عِنْد ربِّهِمْ" [ يونس: 2] هنيئا للمؤمنين بهم، و طوبى لهم و حسن مآب .
هذا و قد بلغت رسالات المعاني و الحقائق بأسبغ، إذا أصيغ في حرفي القوالب الجمع و الترتيب، و أسبغت سرد الكلام في الرقائق و الدقائق بأبلغ النظام، أبلغ على صدقي تصريف التأليف و التركيب، بلا إفراط ممل و لا تفريط مخل، كاشفا لثام الإيهام عن وجوه محاسن الكلام مرة، ومسد لإقناع الإيهام على ضنائن مخدرات الخيام تارة أخرى، مع تنبيه أولي الأفهام على مكانة الخاتم و الختم، فلا تصغ إلى سواه، و لا تعرج إلى من خالف الأمر و إياه، فإنك إن أردت غير هذا ترفة طلبتها في غير أهلها، و نزهة رمتها في غير محلها .
و من رام المنى من غير أهل   ... أضاع العمر في طلب المحال
إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم، فلا تكن للمجادلين إماما، ولا للمراهنين زماما، أفمن شرح الله صدره، و جعل له في أمره فرجا و مخرجا، كمن ضيق صدره و جعله حرجا، و الله يسيئون هذا الذي أرى لك، فانظر ماذا ترى .
ورد في الحديث عن بيتان :"كلمة حكمة من سفيه فاقبلوها، وكلمة سفه من حكيم فاغفروها، فإنه لا سفيه إلا ذو عثرة،و لا حكيم إلا ذو تجربة"
. و الله المستعان وعلى الله قصد السبيل .
الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين، و إله الفائزين، و صحبة الحائزين، و على ختمه ختم الأولياء المحمّديين، و جعلنا و إياكم المؤمنين الصدّيقين أهل عنهم أجمعين برحمتك يا أرحم الراحمين .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment