Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثانية عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي


موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM

الفقرة الثانية عشر :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
(ثم لم يقفوا مع التجريح)، أي الطعن والقدح المذكور (حتى زادوا) على ذلك (في الدعوى بما)، أي بالذي (هم عليه من التقديس) لله تعالى.
(والتسبيح) له حيث قالوا: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" 30 سورة البقرة.
وإنما تسبيحهم وتقديسهم بما توجه على نشأة كل واحد منهم من الأسماء كما ذكرنا (وعند آدم) عليه السلام (من الأسماء الإلهية) بطريق ظهور نشأته ، مجموعة من كل شيء وكل شيء صورة ملك سماوي.
وكل شيء أثر من تجلي اسم خاص يسبح ربه بذلك الاسم ويقدس له (ما)، أي أسماء إلهية (لم تكن الملائكة)، من حيث كل واحد منهم منفردة كما ذكرنا (مطلعين عليها) في أنفسهم ولا في غيرهم.
فإن آدم عليه السلام جمع لأثر كل اسم إلهي في نشأته المخصوصة فهو يسبح الله ويقدس له بجميع تلك الأسماء.
(فما سبحت) الملائكة (ربها بها)، أي بتلك الأسماء كلها التي في آدم من حيث كل ملك منها (ولا قدسته)، أي طهرته تقديسا صادرا (عنها) عن تلك الأسماء كلها.
مثل (تقديس آدم) عليه السلام (وتسبيحه) فإن عبادة الكامل كاملة وعبادة القاصر قاصرة.
ولهذا قال عليه السلام: «ركعة من عالم بالله خير من ألف ركعة من جاهل بالله»، والعلم بالله يتفاوت ففضيلة الركعات تتفاوت، وكذلك كل عبادة .
(فوصف)، أي حکي (الحق) تعالى (لنا) في القرآن العظيم (ما جرى) بين آدم عليه السلام والملائكة عليهم السلام وإبليس عليه اللعنة (لنقف عنده).
أي عند ما جرى فلا تتعداه بتبرئة الملائكة عما صدر منهم مما تقتضيه حقائقهم ونعترف لآدم عليه السلام بما وصفه الله تعالى من الكمال .
ونصف إبليس بما صدر منه من الكفر والعناد والجحود للفضيلة الظاهرة.
(و نتعلم الأدب مع الله تعالى) في كل مقام أقامنا فيه لا نتعداه (فلا ندعی) أبدا بألسنتنا ولا بقلوبنا (ما)، أي الكمال الذي (أنا متحققون به).
فضلا عن عدم تحققنا بذلك بأصحاب العلوم القاصرة عن مرتبة التحقيق.
(وحاوون عليه) بالاطلاع المحقق من الكتاب والسنة (بالتقييد) متعلق بالدعاوى، أي بتقييد دعوانا بذلك الذي فينا فقط.
(فكيف أن نطلق في الدعوى)، أي إطلاقا (فنعم بها ما ليس لنا) من الكمال (بحال) من الأحوال.
(وما أنا)، أي نحن (منه على علم) فنفتري بذلك على الله تعالى أنه وضع ذلك فينا ، ولم يكن وضعه على نفوسنا أن ذلك فيها وليس فيها .
والمراد بدعوى ما فينا المذمومة فضلا عما ليس فينا الدعوى الصادرة من قبل النفس الزكية لها كما.
قال تعالى : " فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى" 32 سورة النجم.
وأما التكلم بالله تعالى لا بالنفس في إظهار ما انطوى عليه العبد من الكمال بنية شكر نعمة الله تعالى فليس ذلك بمذموم .
كما قال تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث" 11 سورة الضحى.
وليس ذلك مراد الشيخ قدس الله سره، لأنه سمي ذلك دعوى والدعوى لا تكون إلا بالنفس للتزكية، وغير ذلك شكر لا دعوى.
ولهذا قال : (فنفتضح)، أي بظهور عجزنا وقصورنا في الدنيا ومؤاخذتنا بذلك في الآخرة ولا افتضاح في الشكر بل فيه المزيد من النعمة .
كما قال تعالى: "لئن شكرتم لأزيدنكم" 7 سورة إبراهيم.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
(ثم لم يقفوا مع التجريع حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح) وثم لبعد مرتبة دعوى التزكية عن التجريح لأن فيه ارتکاب النهي ظاهرا كقوله تعالى: "فلا  تزكوا أنفسكم " 32 سورة النجم. بخلاف قولهم : أتجعل فيها وحتى للتجاوز عن الحد وفيه نوع من التشنيع والتوبيخ (و) الحال أن (عند آدم) كان (من الأسماء الإلهية) بيان لقوله ما وهو أي ما فاعل للظرف (ما لم تكن الملائكة) مشتملة (عليها)، ولم يكن تلك الأسماء عند الملائكة يعني ما علمت الملائكة هذه الأسماء التي علمها آدم.
(وما علمت أن الله تعالى أسماء ما وصل علمها إليها فما سبحته ولا قدسته) لحصرهم الأسماء والتسبيح والتقديس فيما هم عليه .
(فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقدیس آدم وتسبيحه) مع أنهم ظهروا عليه بدعوى التسبيح والتقديس بقولهم : "ونحن نسبح" 30 سورة البقرة.
فادعوا ما لم يتحققوا به ولم يكونوا بحال ولا على علم منه وتركوا الأدب مع الله فوقعوا في الخجالة بعد انکشاف أحوالهم إليهم لذلك :"قالوا سبحانك لا علم لنا" 32 سورة البقرة
(فوصف الحق) فحكي (لنا) الحق في القرآن الكريم (ما جرى) من أحوال الملائكة وآدم (لنقف عنده ونتعلم الأدب) مع الله تعالى کیف، نقف عند الحق تعالى نتأدب معه ونهتدي ولا نتجاوز الحد.
(فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون) أي و مشتملون (عليه) مع صدقنا في دعوانا قوله (بالتقييد) متعلق بلا ندعي (فكيف أن نطلق في الدعوى ننعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح) الظهور عيوبنا عند انکشاف أحوالنا (فهذا التعريف الإلهي) وهو قصة آدم عليه السلام مع الملائكة ومن في قوله : (مما) للتبعيض أو للتبيين أي بعض ما (ادب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء) فإن غيرهم لا يتأدب بمثل هذه التعريفات الإلهية وفي إيراده قدس سره هذه القصة في كتابه دلالة على كمال علمه وأدبه مع الله عز وجل وحسن خلقه مع الناس .
وهي أن المؤمنين الذين نازعوا وطعنوا في إظهار المعاني التي لا يعرفها عقل بطریق نظر فکري بمنزلة الملائكة الذين نازعوا وطعنوا في آدم فنفسه قدس سره بمنزلة آدم .
فكما كان آدم لا يغضب على الملائكة بسبب قولهم في حقه "أتجعل فيها" 30 سور البقرة .
فكذلك الشيخ لا يغضب على الذين يظنون السوء في حقه لتحققه بقوله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس " 139 سورة آل عمران.
فكما أن ما قالوه في حق آدم عین مخالفتهم لأمر الحق فكذلك المؤمنون الذين قالوا في حقه من الذم والطعن عين مخالفتهم الأمر الحق لأن إبراز الكتاب لا يكون إلا عن أمر الله .
فمن ظن السوء في حقه و نسب إليه ما لا يليق للمؤمنين أن يتصفوا به يخشى عليه الافتضاح في وقت المعاينة يخبر عنه قوله : "فنقتضح" .
ولما فرغ عما وجبة تقديمه من حكاية الملائكة وغيرها .

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قوله:  "ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقدس آدم وتسبيحه."
فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا يدعى ما أنا محقق به و حاوى عليه بالتقييد.
فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لی بحال ولا أنا منه على علم فنفتضح؟ "
فلم تعلم الملائكة أن جمعية آدم على الأسماء لم يعرفوها فما سبحوه بها ولا قدسته الملائكة بمعاني مراتبها.
وقالت من حيث نشأة آدم"أتجعل فيها من يفسد فيها " (البقرة: 30) لما رأت جسمه مرکبا من أركان متضادة. فعلمت أن بنيانه منهم:
منهممن يغلب عليه الركن الناري وهو الصفراء، فيكون طیاشا خفيفا يتسرع إلى الأقوال والأفعال التي لا يتثبت فيها فيقع منه الفساد، يفعل ما لا ينبغي في الوقت الذي لا ينبغي.
منهم: من يغلب عليه الركن الهوائي وهو الدم، فيجد في جسده قوة تأمره بالانتقام ممن لا يستحق أن ينتقم منه.
ومنهم: من يغلب عليه الجزء المائي وهو البلغم، فيكون قاصرا عن الحركة فيما يجب أن يتحرك فيه، فيفوته ما يجب في الوقت الذي يجب، ويستبرده من غلب عليه الركن الهوائي الدموي فينشط إلى إفساد حاله، لأنه يطمع فيه لرخاوته هذا في طبع البشر.
ومنهم: من يغلب عليه الركن الترابي، فيكون السوداء غالبة عليه فيكون صاحب توهم ووسواس وأفكار ردية، فيفعل بمقتضاها ما لا يجب ويفوته ليبس مزاجه ما يجب.
وهذه أحوال كلها تقتضي الفساد فأشارت الملائكة إلى ذلك بقولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " (البقرة: 30).
وما علمت أن آدم والخواص من بنيه ممن ذكر في هذه الفصوص، لهم الاعتدال الذي يقتضي لهم قول ما يجب، وفعل ما يجب في الوقت الذي يجب، وأن ذلك الاعتدال يقتضي لهم أن يكون نشأتهم جامعة الأسماء إلهية ليست عند الملائكة.
و قوله: ثم نرجع إلى الحكمة فتقول: أعلم أن الأمور الكلية وإن لم يكن لها وجود في عينها فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن، فهي باطنة لا تزال عن الوجود العینی.
ولها الحكم والأثر في كل ما له وجود عینی، بل هو عينها لا غيرها أعنی أعيان الموجودات العينية، ولم تزل عن كونها معقولة فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقوليتها.
فاستناد کل موجود عینی لهذه الأمور الكلية التي لا يمكن رفعها عن العقل، ولا يمكن وجودها في العين وجودا تزول به عن أن تكون معقولة.
وسواء كان ذلك الوجود العینی مؤقتا أو غير موقت، نسبة المؤقت وغير المؤقت إلى هذا الأمر الكلى المعقول نسبة واحدة.
غير أن هذا الأمر الكلی يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما تطلبه حقائق تلك الموجودات العينية، کنسبة العلم إلى العالم، والحياة إلى الحي.
فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة، كما أن الحياة متميزة عنه.
ثم نقول في الحق تعالى: إن له علما وحياة فهو الحى العالم.
ونقول في حق الملك: إن له علما وحياة فهو الحي والعالم.
ونقول في الإنسان: إن له علما وحياة فهو الحي والعالم.
وحقيقة العلم واحدة، وحقيقة الحياة واحدة، ونسبتها إلى العالم والحي نسبة واحدة.
ونقول في علم الحق: إنه قدیم، وفي علم الإنسان إنه محدث.
فانظر ما أحدثته الإضافة من الحكم في هذه الحقيقة المعقولة، وانظر إلى هذا الارتباط بين المعقولات والموجودات العينية.
فكما حكم العلم على من قام به أن يقال فيه: عالم، حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث، قديم في حق القديم.
فصار كل واحد محكوما به محكوما عليه.
ومعلوم أن هذه الأمور الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين موجودة الحكم، كما هي محكوم عليها إذا نسبت إلى الوجود العيني. فتقبل الحكم في الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل والتجزيء.
فإن ذلك محال عليها، فإنها بذاتها في كل موصوف بها كالإنسانية في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص لم تتفصل ولم تتعدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة.
وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عینی قد ثبت، وهي نسب عدمية، فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينها جامع وهو الوجود العينى وهناك فما ثم جامع وقد وجد الارتباط بعدم الجامعة فبالجامع أحق.
ولا شك أن المحدث قد ثبت حدوثه وافتقاره إلى محدث أحدثه ولإمكانه بنفسه. فوجوده من غيره، فهو مرتبط به ارتباط افتقار.
ولا بد أن يكون المستند إليه واجب الوجود بذاته غنيا في وجوده بنفسه غیر مفتقر، وهو الذي أعطى الوجود بذاته لهذا الحادث فانتسب إليه.
ولما اقتضاه لذاته كان واجبا به. ولما كان استناده إلى من ظهر لذاته، اقتضى أن يكون على صورته فيما ينسب إليه من كل شيء من اسم وصفة ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح في الحادث وإن كان واجب الوجود لكن وجوبه بغيره لا بنفسه.
ثم لتعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره بصورته، أحالنا تعالی في العلم به على النظر في الحادث وذكر أنه أرانا آياته فيه "وفينا" فاستدللنا بنا عليه.
" سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (53)" سورة فصلت
فما وصفناه بوصف إلا كنا نحن ذلك الوصف إلا الوجوب الخاص الذاتي.
فلما علمناه بنا ومنا نسينا إليه كل ما نسبناه إلينا. وبذلك وردت الإخبارات الإلهية على ألسنة التراجم إلينا. فوصف نفسه لنا بنا، فإذا شهدناه شهدنا نفوسنا، وإذا شهدنا شهد نفسه.
ولا شك أنا كثيرون بالشخص والنوع، وأنا وإن كنا على حقيقة واحدة تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم فارقا به تمیزت الأشخاص بعضها عن بعض، ولولا ذلك ما كانت الكثرة في الواحد.
فكذلك أيضا، وإن وصفنا بما وصف نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق، وليس إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه الإمكاننا وغناه عن مثل ما افتقرنا إليه.
فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم. فلا تنسب إليه مع كونه الأول. ولهذا قيل فيه الآخر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قال رضي الله عنه : " ثمّ لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح .
وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبّحته بها ، ولا قدّسته عنها تقديس آدم وتسبيحه" .
قال العبد : اعلم : أنّ التسبيح تعريف الحق والثناء عليه بأسماء السلب والتنزيه ، ولمّا كان في نشأة آدم من حقائق الكمال ونقائضها من النقائص التي ليست في نشآت الملكية .
فما أثبت الملائكة على الحق أي وما عرفته من حيث تلك الكمالات الخصيصة بالجمعية الإنسانية ، ولا نزّهت الحقّ ولا قدّسته ولا سبّحته عن نقائض تلك الكمالات من النقائص تسبيح ذوق وتقديس حال .
تقديس آدم وتسبيحة لكونه جامعا لحقائق الكمالات ونقائضها وعدم جمعية الملائكة ، فافهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فوصف الحقّ لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلَّم الأدب مع الله تعالى ، فلا ندّعي ما أنا متحقّق به وحاو عليه بالتقيّد فكيف أن نطلق في الدعوى ، فنعمّ بها ما ليس لي بحال ، ولا أنا  منه على علم . فنفتضح ؟ !) .
يعني رضي الله عنه : كما ادّعت الملائكة مطلقا في التسبيح . " فنفتضح ؟ ! " عند المطالبة ، ونتعرّض المعاتبة .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
"ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه"
شرعت في تجريح آدم وقدحت فيه ، إذ ما عرفت ما في آدم من الأسماء التي لم تعرفها ، فحكم عليها حالها التي هي النقص حتى نسبوا النقص الذي هو مقتضى نشأتها إلى آدم
، فقالت :" أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها ويَسْفِكُ الدِّماءَ ".
- لأنها أدركت بنقصها نقص آدم وما تحت حيطتها ومرتبتها من خواص القوة الشهوانية والغضبية واحتجبت عما فوق نشأتها من الأسماء التي ليست لها فأظهرت النزاع الذي هو حالها ومقتضى نشأتها لأن إدراك النقص والاحتجاب عن الكمال عين الإنكار والنزاع.
فكان ما قالوا في حق آدم عين ما هم فيه مع الله
( فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى ، فلا ندعى ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد ) أي ما أن كل واحد منا محقق به وحاو عليه والمحقق لا يلتفت لفت العبارة فلا حرج في أن تختلف الضمائر بالجمع والتوحيد ، والمراد أن الحق تعالى قص لنا القصة لنتعلم الأدب معه ، فلا نعترض ولا ندعى فيما تحقق عندنا ولا نشك فيه أنه علمنا أو حالنا على التعيين والتقييد لأنه علم الله
( فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لي بحال ولا أنا منه على علم, فنفتضح) أي فكيف ندعى ما ليس بعلمنا وحالنا ، أو لا ندعى أنه هو الحق على التعيين والتقييد وليس وراءه علم. والافتضاح يشير الى حال الملائكة امام الله وآدم عليه السلام.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قوله : (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح) أي، ما اكتفوا بالطعن والجرح في آدم، بل زكوا أنفسهم وظهروا بدعوى التقديس والتسبيح، ولو علموا حقيقتهم، لعلموا أن الحق هو المسبح والمقدس لنفسه في مظاهرهم، وأن هذه الدعوى توجب الشرك الخفي.
قوله: (وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها، فما سبحتربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه) .
"الملائكة" هنا هم الطاعنون في آدم، أو الملائكة مطلقا، ليكون (اللام) للعهد في الأول والجنس في الثاني، وكلاهما حق.
فإن كلا منها له مقام معين، لا يمكن له التجاوز عنه ولا تسبيح له إلابحسب ذلك المقام، بخلاف الإنسان فان مقامه يشتمل على جميع المقامات،علوا وسفلا، وهو مسبح فيها كلها، يعلم ذلك من أحاط علمه بمطلع قوله تعالى: و "إن من شئ إلا يسبح بحمده".
وشاهد كيفية تسبيحهم الحسى والمثالي والمعنوي بلسان حالهم واستعدادهم في كل حين، وعرف أنه مسبح في مراتب نقصانه، كما أنه مسبح في مراتب كماله، فنقصانه أيضا من وجه كماله ألا ترى أن (التواب) و (الغفار) و (العفو) و (الرؤف) و (الرحيم) و (المنتقم) و (القهار) .
وأمثالها يقتضى المخالفة والذنب، كاقتضاء (الرب) المربوب و (الرزاق) المرزوق.
فالحكمة الإلهية اقتضت ظهور المخالفة من الإنسان ليظهر منه الرحمة والغفران، كما جاء في الحديث القدسي: "لو لم تذنبوا، لذهبت بكم وخلقت خلقا يذنبون ويستغفرون فأغفر لهم."
وأيضا، المخالفة للأمر في الظاهر إنما هي للإنقياد بمقتضى الإرادة في الباطن، إذ كل يعمل بمقتضى الاسم الذي هو ربه، فهو في عين الطاعة لربه عند الإتيان بالمعصية وإن كان مخالفا للأمر في الصورة.
وأيضا، الذنب يقتضى الانكسار والافتقار إلى الرحمة والرجاء في المغفرة، و عدمه غالبا يقتضى العجب والأنانية، وهو أشد من الذنب كقوله، عليه السلام:
(... لو لم تذنبوا، لخشيت عليكم ما هو أشد من الذنب: ألا، وهو العجب العجب العجب).
ولهذه الحكمة خلق آدم بيديه، أي بصفاته الجلالية و الجمالية.
ولذلك ظهر في ابني آدم، قابيل وهابيل، ما كان مستورا فيه من الطاعة والمخالفة، فظهر أن الطاعة في أحدهما والمخالفة في آخر.
(فوصف الحق لنا ما جرى) أي، في العلم بين أعيانهم، أو في العالم الروحاني بين أرواحهم. قوله : "لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى، فلا ندعي مانحن متحققون به، وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى، فنعم بها ماليس لنا بحال، ولا نحن عنه على علم فنفتضح"
"فهذا التعريف الإلهي مما أدب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء" ظاهر  .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قالرضي الله عنه : (ثم) أي: بعدما ذكرنا ما فيهم من الجهل المركب والحجاب والنزاع مع الحق؛ ففيهم جهل آخر مركب أشد منه، وفساد آخر: وهو أنهم (لم يقفوا) أي: لم يقتصروا (مع التجريح) أي: تجريح آدم بنسبة الفساد إليه مع أنه عين ما هم فيه (حتى زادوا في الدعوى) أي: دعوى الكمال المطلق لأنفسهم (بما هم) أي: بسبب ما هم (عليه من التسبيح والتقديس)، فقالوا: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك" [البقرة:30].
فأطلقوا كأنهم يحيطون بوجوه التسبيح والتقديس.
ولم تتم لهم هذه الدعوى إذ (عند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبحت ربها) أي: بذكرها والعمل بمقتضاها، (ولا قدسته) تقديسا صادرا عنها أي: عن معرفتها (تقدیس آدم وتسبيحه)؛ فهو المسبح المقدس على الكمال والإطلاق دونهم، وإذا كان حال المعترض على الحق والمنازع له هكذا.
(فوصف) أي: بين (الحق لنا) أي: لوعظنا واعتبرنا (ما جرى) بينه وبين ملائكته مع إلزامه إياهم حجته البالغة (لنقف عنده) بالتأمل فيه، ونعتبر بذلك نزاعنا مع الحق في مخالفة أوامره ونواهيه "والجدل مع الحق بما نعلمه"، (ونتعلم الأدب مع الله تعالی)؛ فلا نعترض عليه في شيء من أفعاله وأحكامه، ولا نجرح أحدا من عباده بذكر نقصه مع دعوى الكمال لأنفسنا.
(فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه) دعوى مقرونة (بالتقييد) بمقدار ما تحققنا به وحوينا عليه مخافة تعدي الدعوى إلى ما وراءه .
(فكيف) يسوغ لنا (أن نطلق في الدعوى فنعم بها) أي: بتلك الدعوى إثبات (ما ليس لنا بحال) من الكمال، (ولا نحن منه على علم) فضلا عن الحال (فنفتضح؟) كما افتضحت الملائكة بتلك الدعوى بذكرها في الكتاب الذي لا يزال الجمهور يتلوه في الأمصار والأغوار إلى يوم القيامة.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قال رضي الله عنه : ( ثمّ لم يقفوا بالتجريح) لآدم وعدّ مثالبه ، ( حتّى زادوا في الدعوى بما هم  عليه من التقديس والتسبيح - وعند آدم من الأسماء الإلهيّة ما لم تكن الملائكة عليها ) كالأسماء الوجوديّة والأوصاف الثبوتيّة التي هي مقتضى طرف التشبيه ( فما سبّحت ربّها بها ، ولا قدّسته عنها تقديس آدم وتسبيحه ) ضرورة أنّ تقديسه في عين التشبيه ، الذي هو حقيقة التقديس كما أنّ تسبيحه في نفس الحمد ، الذي هو حقيقة التسبيح .
والفرق بين « التقديس » و « التسبيح » أنّ التسبيح تنزيه الحقّ عن طروّ الأوصاف ، والتقديس تطهيره عن شوائب النسب مطلقا ، فالأوّل له طرف الظهور ، كما أنّ للثاني طرف البطون ويؤيّد ذلك قوله تعالى : " إِنَّ لَكَ في النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا " ، وما يقال : «" سبحات الوجه وقدس الذات ".
ويلوّح عليه ظهور سين «السر» في «سبّح» ببيان حاء «الحمد » ، وفي « قدّس » قاف قابليّته دائر منه ظاهر به ، فله الحكم عليه ، ولذلك تراه مستقلَّا متفرّدا فيه وفي عدده ، وأمّا سبح : فله عقد العين الظاهرة  .
ويمكن أن يجعل قوله : «حتّى زادوا في الدعوى» إشارة إلى ما ادّعوا في تسبيحهم أنّه بالحمد ، فإنّه زيادة في الدعوى على ما هم عليه من التسبيح البحت الذي يقابله الحمد .
ثمّ إنّه قد ظهر ممّا بيّن أنّ منشأ مقابلة الملائكة لآدم ومعارضتها له ، إنّما هو نشأتها المجرّدة المقدّسة المائلة إلى طرف الإطلاق العدمي المقابل للتقييد من الجمعيّة الاعتداليّة القابلة لظهور الإطلاق الحقيقي التي لآدم ، فسقط ما قيل هناك : "إنّ الملائكة التي نازعوا آدم هي ملائكة الأرض والجنّ والشياطين لا غير" .
كيف ، وهم مسخّرون تحت قهرمان أمره وضبطه الجامع ، لقوله تعالى :" وَسَخَّرَ لَكُمْ ما في السَّماواتِ وَما في الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه ".
فلو خصّص نوع منها بتلك المقابلة لكان أهل الجبروت أولى بذلك من غيره على ما لا يخفى .
ثمّ ها هنا نكتة حكميّة تنطوي على أصل : وهي أنّ للعدم نسبة إلى الذات اختصاصيّة ، وللوجود إلى الوجه كذلك كما لا يخفى على الواقفين بالرموز الحرفيّة ألا ترى أنّ الأسماء التنزيهيّة أظهر دلالة على الذات ، كما أنّ الأوصاف الثبوتيّة أبين لزوما للوجه ، وهي مقتضية للخفاء والكمون ، كما أنّه يقتضي الظهور والبروز .
وهذا الحكم له سريان في جميع المراتب ، ففي مرتبة الأفعال يظهر بصورة الأمر والنهي ، وفي مرتبة صورتها وأحكامها الشرعيّة المشعرة يسمّى بالطاعة والذنب ومما علم من هذه النكتة : سرّ العبادة الذاتيّة ووجه اختصاصها بالإنسان.
الغرض من ذكر القصص في القرآن
ثمّ اعلم أنّ القصص الواردة في التنزيل مؤدّاها ليست مقصورة على حكاية أمم وأشخاص في الأزمنة السالفة قد انقرضت بانقراضها كما هو مبلغ أفهام محابيس مطمورة الزمان من أرباب العقائد التقليديّة والرسوم الراسخة العادية .
حيث يقولون بألسنة اعتقاداتهم : « إنّها أساطير الأوّلين » جلّ عن ذلك بل إنّما هي حكاية أحوال الحقائق على ما هي عليه ، وبيان مراتب كمالها ، على ما نطقت به ألسنة استعداداتها المتشخّصة في الأفراد من الأزل إلى الأبد منطوية على جلائل الحكم ولطائف النكت ، كما يطلعك على شيء منها ما في قصّة مقابلة الملائكة المقدّسة مع الحقيقة الجمعيّة الآدميّة .
فإنّ من أفرادها من اكتنف بالخصائص الروحانيّة ، وتشخّص بالملكات الملكيّة ، حيث اعتزل عن الامتزاج مع بني نوعها والاختلاط بهم ، وترهّب عن تناول المستلذات وقضاء الشهوات فانفتح به عليه أبواب اللطائف القدسيّة ، وانكشف له من الحكم الإلهيّة والمعارف التنزيهيّة .
فهو الذي يقابل المحمّديين أرباب العدالة الحقيقيّة والملكات الإنسانيّة - من الواصلين إلى الأمر الوسط الجامع بين التجرّد والتعلَّق ، الحائز للتنزيه والتشبيه ، الذي عليه حقيقة التوحيد ، على ما هو موطن بلوغ الكمال الإنساني والخلافة الآدميّة .
فالمجرّد المترهّب لم يزل ينازعهم في استيهال تلك الخلافة ، ولذلك ترى ألسنة أحواله يفصح دائما عن مؤدى قوله تعالى : " أَتَجْعَلُ فِيها من يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ ".
فأشار إلى ذلك بقوله رضي الله عنه : ( فوصف الحقّ لنا ما جرى لنقف عنده ) أي عند ادعاء الكمال ( ونتعلَّم الأدب مع الله تعالى ) في مواقف مخاطبته ( فلا ندّعي ما نحن محقّقون به ) بحسب القابليّة الأصليّة ( وحاوون عليه ) بالعلم الشهودي ( بالتقييد ) كما نقول في مشهدهم هذا مثلا : « نحن نسبّحك بتوفيقك ومشيّتك » أو «نسبّحك تسبيح تنزيه» (فكيف أن نطلق في الدعوى).
ونقول : « نحن نسبّحك » مطلقا عن أن نقيّد بالتوفيق من الله ومشيّته أو « نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ » ( فنعمّ بها ) أي بالدعوى ( ما ليس لنا بحال ) من إضافة الفعل مطلقا إلى أنفسنا ، وحالنا - نحن معاشر العبيد - على ما كان في العدم الأصلي ، فمصدريّتنا للأفعال إنّما يكون بتوفيق الله ومشيّته ( ولا نحن منه على علم ) من الجمع بين التسبيح والحمد وأدائه به (فنفتضح) لدى الاختبار
 .

شرح الجامي للملا عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس. وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه. فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قوله : "ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح ."
(ثم لم يقفوا مع التجريح) في آدم (حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس) حيث أطلقوا في دعوى التسبيح والتقديس ولم يتقيدوا بما هم عليه منهما .
فتبادر منه أنهم يسبحونه ويقدسونه كل التسبيحات والتقديسات وليس الأمر كذلك کیف .
قوله : "وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها ؛ فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه."
(وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة مطلعين عليها فما سبحت) الملائكة (ربها بها)، أي بتلك الأسماء (ولا قدسته)، أي الملائكة الحق (عنها)، أي عن نقائصها على حذف المضاف.
فإن التقديس بالأسماء ليس عن أنفسها بل في كل تقديس باسم تقدیس عن نقيصة (تقدیس آدم و تسبیحه) تقدیس ذوق و تسبیح وجدان
قوله :  "فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونعم الأدب مع الله تعالى."
(فوصف الحق سبحانه لنا ما جرى) بينه سبحانه وبين الملائكة في حق آدم (لنقف عنده)  أي عند ما جرى .    
ولا يتجاوز عما اقتضاه من التأدب بين يدي الحق أو عند الحق.
أي أمره وحكمه ونتعلم الأدب مع الله سبحانه وتعامل معه بحسب ما تقتضيه مرتبته.
قوله : "فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد ."
(فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه) من الكمالات (بالتقييد) فإن الكمالات كلها.
إنما هي لله سبحانه ظهرت فينا وتقيدت بحسب استعداداتنا وفابلياتنا والظهور بادعائها.
إنما هو من العجب والأنانية.
قوله : "فكيف أن نطلق في الدعوى , فنعم بها ما ليس لنا بحال, ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ "
(فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها)، أي بالدعوى.
(ما ليس لنا بحال) من الكمالات (ولا نحن معه على علم فنفتضح ) عند الله سبحانه وعند عباده العارفين بالأمور على ما هي عليه.



كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:

قال المصنف رضي الله عنه :  ( ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التسبيح والتقديس.  وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة عليها، فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقديس آدم وتسبيحه.  فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده ونتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون عليه بالتقييد، فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح؟ )
قال المصنف رضي الله عنه : [ ثم لم يقفوا مع التجريح حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس و التسبيح .  وعند آدم من الأسماء الإلهية ما لم تكن الملائكة تقف عليها فما سبحت ربها بها و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه ] . 

قال الشارح رضي الله عنه : 
( ثم لم يقفوا مع التجريح) و هو قولهم: "منْ يُـفْسِدُ فيها و يسْفِكُ ِّ الدماء" [ البقرة: 30] . 
لم يكن ينبغي لهم ذلك لأن الله تعالى قال: "و لا يغتبْ بعْضُكُمْ بعْضاً أ يحِب أحدكُمْ أنْ يأكُل لحْم أخِيهِ ميْتاً فكرهْتمُوهُ واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه توّابٌ رحِيمٌ " [ الحجرات: 12] . 
( حتى زادوا في الدعوى) يعني: وقفوا مع التجريح إلى أن زادوا في الدعوى و كل مدع مطالب بالبرهان على صحة دعواه فإن البينة على المدّعي، فاحتاجت إلى البينة و الشهود و الشهود و لا بد له من التزكية، فزّكّت أنفسها بلا شهود وغفلت عن قوله: " فلا تزُّكوا أنْـفُسكُمْ " [ النجم: 32] فمن التزكية و نعت في الدعاوي و التجريح من حيث لا تشعر .
( بما هم عليه من التسبيح و التقديس ) و هو قوله سبحانه: "ونحْنُ نسبِّحُ بحمْدِك ونقدسُ لك" [ البقرة: 31] . 
مع أنه تعالى أخبر: إن كل شيء يسبح بحمده، و لكن هنا فرق آخر، و هو: إن تسبيح العالم يثبت بشهادة الله تعالى . 
حيث قال: "و إنْ مِنْ شيْءٍ إلّا يسبِّحُ بحمْدِهِ" [ الإسراء: 44]: أي بحسب علمهم و قدر معرفتهم، فيكون ضمير بحمده راجعا إلى كل  شيء لأنهم قدّروا الله حق قدره، و تسبيحهم بأدعيائهم . 
وإن كان في نفس الأمر يحتمل أن يكون موافق الحق.
و لكن ما نعلم أن اختيارهم بهذا من الاتفاقات الحسنة و من التعريف الإلهي لأن المسبح أثبت على نفسه الحجاب، و لا يكون المسبح في حالة الشهود لأن الشهود فناء، و العالم لا يفتر عن التسبيح طرفة عين لأن تسبيحه ذاتي كالنفس للمتنفس، فدلّ أن العالم لا يزال محجوبا، و طلبهم بذلك التسبيح هو المشاهدة.
فخلق الإنسان على صورته و أعطاه دوام المشاهدة، و عرف الملائكة بمرتبته السنية، و أخبرهم: إن لهم بهذه الكرامة .

أما ترى قول الشيخ الأكبر رضي الله عنه في "الفتوحات" أنه قال: 
كل العالم يسبح غير الإنسان الكامل لأن التجلي له دائم، و حكم الشهود له لازم يا ليت شعري!
لو قالت: نسبحك بحمدنا: أي بما نحن عليه كان يخلصهم لأن كل أحد ما يسبح إلا بحمده: أي بقدر علمه و كشفه . 
قال تعالى تنبيها لذلك"و ما قدروا اللّه حقّ قدْرهِ " [ الأنعام: 91] فافهم . 
( و عند آدم الأسماء الإلهية) من حيث التحقق و التخلق، لا من حيث التخلق، و بأنوار هذه الأسماء يظهر مسمياتها خلقا و خلقا مما يتعلق بالذات و الصفات و الأفعال في الإلهيات و مما يتعلق بأجناس الممكنات و أشخاصها جملة تفصيلا، و هذه الأنوار التي كانت لآدم خلقا حين علم جميع الأسماء، و تحقق بها حيث علم كيفية التأثير في الوجود بالأسماء كانت له بالتعليم أو بالوضع الإلهي لا بالتعليم بالاصطلاح المعتاد، و في ذلك تكون الفضيلة و الاختصاص، فقد أحضر الله تعالى أعيان المسميات، فقال تعالى: "فقال أنبئوني بأسْماءِ هؤُلاءِ إنْ كُنْتمْ صادِقين" [ البقرة: 31] .  
من جملة المسمّين أعيان الملائكة عليهم السلام فما عرفوها ذوقا، فإن علوم الأكابر ذوق، و الذوق إنما يكون عن تجلّ إلهيّ لا عن تعريف، و لا لهم هذا التجلي فلا لهم ذوقه .
فقالوا: "لا عِلْم لنا" فعلم آدم الأسماء الإيجادية كلها، و أسند إلى نفسه إيجادهم بالأسماء التي هم مظاهرها، و التي أوجد بها الملائكة المتعرضين، و استندوا إليها، فافهم . 
إن هذا تعليم الأسماء المؤثرة في الكون، و هذا هو التعليم الإلهي الذي وقع في نفس الأمر لا ما يحتمل عقلا، و يمكن و هما كما هو المتبادر لإفهام القاصرين، و الفائدة إنما هي فيما وقع لا فيما يمكن، و هذا هو الفرق بين أهل الكشف مما يقولون، و بين أهل النظر و الفكر مما يتوهمون، فافهم . 
حتى نعلم رتبة الملك عن آدم، فإنه متأثر عن مؤثر، و لآدم رتبة الإيجاد عليها فافهم . 
و هذا حيث ألاح له لوائح القدم يعني: عطاء مرتبة الوجود ، و أخرجه غير حيطة الإمكان، فجعله خلافا للملائكة فافهم . 
في صفائح العدم، و رجع قهقري بالسبك، و الفك إلى البساطة بتحليل التركيب و فناء البناء و الرسم، و ذلك رجوع بالعرفان لا بذهاب العين و الاسم . 
و ما كلّ عين بالجمال  قريرة .....   و ما كلّ من نودي يجيب

إذا ( ما لم تكن الملائكة عليها ): أي على الأسماء الإلهية التي استند إليها المشار إليهم بهؤلاء في إيجادهم و أحكامهم، كأنه تعالى يقول توبيخا لهم و تقريرا: هل سبحتموني بهذه الأسماء، و قدّستموني بها؟
حيث ادعوا نحن نسبح بحمدك، و نقدّس لك . 
( فما سبحت ربها بها ): أي بالأسماء الإيجادية التي بها الإله إله، و بها يؤثر في الكون ( و لا قدسته عنها تقديس آدم و تسبيحه) لأنه سبحه كل إنسان و هو الدليل عليه بكل برهان، و المعلم بكل الأسماء .
قال تعالى: "وعلّم آدم الْأسْماء كُلّها" [ البقرة: 31] و من جملة الأسماء التي توجّهت لإيجاد الملائكة، و بيان ذلك التجلي في الأنوار الطبيعية المختصّة بآدم عليه السلام فهو التجلي الصوري المركب، فيعطي من المعارف بحسب ما ظهر فيه من الصور وهو يعمّ الملك والفلك وغيرها . 
قال رضي الله عنه: ومن هذا التجلي نعرف صلاة كل صورة وتسبيحها، وكل قد علم صلاته وتسبيحه، وهو كشف جليل . 
و من هنا يدرك أن كل  شيء يسبح بحمده تسبيحا ذاتيا و لكن على قدر علمه بنفسه، فينزه من كل ما هو عليه من الحوادث به أعني: الحوادث المختصّة به لا مطلقا . 
و لهذا السرّ يختلف تنزيه الحق و تسبيحه، و أن تسبيح آدم تسبيح عن التسبيح و تقديس عن التقديس كما حمد الله، و سبح نفسه . 
و قال: "ليس  كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] نزه و شبه في تلك الآية . 
أشار إلى هذا المعنى ما ورد في الخبر في تفسير الآية: "و سبِّحْ بحمْدِ ربِّك" [ الطور: 48]:
أي قل: سبحان الله و الحمد لله إنه صلى الله عليه و سلم جعل التسبيح بالحمد بين تنزيه و تشبيه، فافهم هذه الإشارة، فإن هذا هو تسبيحه بحمده نفسه، فتسبيحه إياه تسبيحه . 
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه :  [ فوصف الحق لنا ما جرى لنقف عنده و نتعلم الأدب مع الله تعالى فلا ندعي ما نحن متحققون به و حاوون عليه بالتقييد فكيف أن نطلق في الدعوى فنعم بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح؟]

قال الشارح رضي الله عنه: 
(فوصف الحق لنا ما جرى) للملائكة من المعارضة (لتقف عنده و تتعلم الأدب مع الله تعالى) . 
ورد في الأثر المأثور :  "السعيد من وعظ بغيره" 
قيل في المثل: إياك أعني و اسمعي يا جارة . 
بل كان هذا الخبر من الله من قبيل حفظ الصحة على آدم و بنيه قبل قيام العلة، فإنه من ألطف حفظ الصحة، و هو أن يحفظ المحل قبل أن يقوم به مرض وعلة لأنه كان في الاستعداد قبول المرض . 
قال تعالى: "إنِّي أعِظك أنْ تكُون مِن الجاهِلين" [ هود: 46] . 
و ذكر هذه الحكاية منه تعالى لنا من أتمّ المواعظ، وأعلى المنن والاغتناء لتكون من السعد الذين وعظوا بغيرهم . 
( فلا تدّعي ما نحن متحققون به) مع أن الدعوى له حق، و التحدي به صدق كخاتم النبوّة صلى الله عليه و سلم أنه علم علم الأولين و الآخرين . 
و مع هذا قال : "لا أدري ما يفعل بي و لا بكم". لا يدّعي العلم والكشف مع العلم والكشف . 
و هكذا الولاية المحمّدية فإنه خاتم الولاية، و لا يصرّح القول بدعواه و النص عليه أصلا . 
( و حاوون عليه بالتقييد ): أي فلا ندّعيه و هو مختص بنا، و نحن مشتملون عليه أما ترى أن للإنسان الكامل ظهورا في المرتبة، و مع هذا نصب عينيه حكم ليس لك من الأمر  شيء، بل إذا ظهرت عليه أحوال.
وصدرت منه آثار وأفعال يقول: هي لله تعالى الظاهر بأسمائه، فما لنا و الدعوى فنحن لا شيء في حال كوننا مظاهر له و في غير هذا المحال، فللعبد ترك الدعوى و التبري عنه أولى، و إن كان ترك الدعوى من الدعوى، ولكن التبري من الدعوى بالدعوى أليق و أحرى، وهذا كله لتعلم شؤم الدعوى وراحة تركها.

قال رضي الله عنه في "الفتوحات ": 

هذا المقام يسمّى راحة الأبد و القائم فيه مستريح و هذا الذي وفى الربوبية حقها لأن الحكم للمرتبة لا للعين . 
فالزهو و الدعوى من أين؟
كالسلطان المتحكّم في المملكة إنما هي المرتبة لا عين ذلك الإنسان، أما ترى حين عزل ما يؤّوّل إليه حاله، فالناصح نفسه لا ينخدع من نفسه، و يرى أن الحكيم وضع خلافته في الأرض . 
و قال:" إنِّي جاعِلٌ في الْأرضِ خلِيفةً" [ البقرة: 30] و لم يقل: في الأرض و السماء مع أنه هكذا، كما أنه في السماء إله، و في الأرض إله حتى لم يزل في مقام الذلة و العبودية في نفسه و لا تحجبه مرتبة الخلافة بالصفات التي أمدّه بها عن رتبة عبوديته، بل منهم من الأدباء الذين يجعلون بينهم و بين نعوت الحق تعالى عند التخلق بأسمائه ما وصف به الملأ الأعلى من تلك الصفة.
فيأخذونها من حيث هي صفة لعبيد من عباد الله مطهّرين، لا من حيث هي صفة للحق أدبا مع الله تعالى حتى لا يكونوا تخلقوا بأخلاق الله تعالى، فهم لا يرجعون من مقام العبودية ولا يجدون طعما للربوبية التي تستحقها هذه الأسماء . 
و هذا الذوق في العارفين عزيز و هو من شيم الأولياء الكرماء الأخفياء الأبرياء، و هذا هو التأسّي بسيد الخلق مع سيادته يقول :  "أنا عبد و أنا بشر مثلكم".
و أيّ أسوة أعظم من هذا التأسّي لمن عقل عن الله تعالى، رحم الله امرؤ عرف قدره و لم يتعدّ طوره، فطوبى لمن كان على صورة تقتضي له المنزلة من العلو و السيادة، و لم يؤثر فيه و لا أخرجته عن عبوديته .
كما قال سيد أرباب الآداب صلى الله عليه و سلم بالأمر الإلهي و التأديب الرباني: " إنما أنا بشرٌ مِثْـلكُمْ" [ الكهف: 110] .
فتلك عصمة و حظ أ وفر، حققنا الله و إياكم بهذا المقام المطلق و الحال المحقق بمنه و فضله الحق . 
( فكيف أن تطلق في الدعوى فتعمّ بها ما ليس لنا بحال و لا نحن منه على علم فنفتضح ): أي عند الله و بين أيدي عباده العالمين بحقائق الأمور، أما ترى الإنسان الكامل و إن وصفه الحق بما وصف به نفسه من جميع الوجوه يعلم أنه لا بد من فارق و ليس إلا افتقاره إليه في الوجود، و  توقف وجوده عليه لإمكانه و غناه . 
فبهذا الاتصاف صحّ له الاتصاف بالأدب و الاقتداء، و لم يفتضح عند كشف الغطاء، و لذلك إن الأكابر منهم لا يتحدثون إلا عن مواجيدهم كل ذلك خوفا من الفضيحة بعد الكشف . 
قال الله تعالى تأديبا لعباده:" فلم تحاجون فِيما ليْس لكُمْ بهِ عِلْمٌ و اللّهُ يعْلمُ و أنْـتمْ لا تعْلمُون[ آل عمران: 66] رفع عنهم رأسا . 
و قال تعالى: "فلا تمارِ فيهِمْ إلّا مِراءً ظاهِرًاً ولا تسْتفْتِ فِيهِمْ مِنْـهُمْ أحداً " [ الكهف: 22] . 
فالناصح نفسه اللبيب الأديب ينبغي أن يقف مع الله، و يترصّد أعلامه تعالى، فإن كان من أرباب التجلي فيترقب التجليات الإلهية بواسطة أو بغير واسطة لأن طرق العلم انحصرت بهذه المراتب حتى لا يفتضح حيث افتضح غيره و يلتحق بالسعداء الذين وعظوا بغيرهم . 

.
واتساب

No comments:

Post a Comment