Monday, July 8, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الخامسة والعشرون.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الخامسة والعشرون.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الخامسة والعشرون.موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM 

الفقرة الخامسة والعشرون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا) يصح أن (تنسب إليه) تعالى (الأولية)لأنه تعالى لا افتتاح لوجوده (مع كونه) تعالى هو (الأول) فهذا الاسم له تعالى لا يدل على افتتاح الوجود، (ولهذا قيل فيه) تعالی أيضا أنه هو (الآخر)، فإن الأول بمعنى المفتتح وجوده قبل كل موجود لا يكون أيضا هو الآخر إلا بعد اختتام جميع الموجودات والله تعالى هو الأول والآخر من الأزل قبل افتتاح الوجود واختتامه .
(ولو كانت أوليته) سبحانه وتعالى المشتقة له من اسم الأول (أولية وجود) عالم (التقييد) على معنى أنه أول كل موجود حادث (لم يصح) له تعالى (أن يكون) مع ذلك هو(الآخر) أيضا .
(للمقيد) الذي هو هذا العالم الحادث (لأنه لا آخر للممكن) الحادث (لأن الممكنات) الحادثة (غير متناهية).
فإن أمر الدنيا إذا انتقل إلى الآخرة كان أهل الجنة مخلدين في الجنة إلى ما لا نهاية له وأهل النار كذلك مخلدون في النار بلا نهاية (فلا آخر لها)، أي الممکنات الحادثة.
فلا تتحقق حينئذ آخرية الحق تعالی و آخريته متحققة ثابتة له تعالى في الأزل كما ذكرنا من اسمه وإنما كان سبحانه وتعالى (آخرا لرجوع الأمر) في هذا الوجود الحادث والوجود القديم.
(كله) روحانية وجسمانية (إليه) تعالى لا يشاركه فيه غيره.
كما قال تعالى لأفضل خلقه محمد عليه السلام : "ليس لك من الأمر شيء" 128 سورة آل عمران. وقال: "لله الأمر جميعا " 31 سورة الرعد.
وقال :"وإلى الله ترجع الأمور" 210 سورة البقرة.
(بعد نسبة ذلك) الأمر (إلينا)، في قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم" 105 سورة التوبة.
وقوله :" بما كنتم تعملون" 105 سورة المائدة.
و تسميتنا أولي الأمر في قوله " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم" 83 سورة النساء.
وقوله: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" 59 سورة النساء.
وقوله عليه السلام: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" الحديث.
فهو تعالى (الأول) قبل نسبة ذلك إلينا. وهو الآخر أيضا بعد سلب تلك النسبة عنا.
وتلك النسبة مسلوبة عنا في حال نسبتها إلينا (فهو) تعالى (الآخر في عين أوليته و) هو أيضا (الأول في عين آخريته) لأن أسماءه تعالى كلها قديمة أزلية.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا ينسب إليه هذه الأولية مع کونه الأول) . بمعني مبدأ كل شيء كما ينسب إليه الآخرية بمعني منتهي كل شيء ومرجعه .
(ولهذا) أي ولأجل انتفاء الأولية عنه بمعني افتتاح الوجود عن العدم (قیل فيه الآخر) فلما قيل فيه الآخر لم يكن له الأولية بهذا المعنى .
(فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) أي افتتاح الوجود من العدم.
(لم يصح أن يكون آخرا للمقيد) أي للممكن بمعني رجوع الكل إليه لأنه حينئذ يكون من الممكنات والممكن لا يرجع إليه شيء فكانت آخريته حينئذ بمعني الانتهاء والانقطاع وهذا لا يصح أيضا (لأنه لا آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية) أي غیر منعدم بانتفاء لعينه بحيث تفوته تعالى .
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر نص يونسية وإليه برجع الأمر كله ، فإذا أخذه إليه سوى له مركبة غير هذا المركب من جنس الدار التي ينتقل إليها .فالكل في قبضته فلا فقدان في حقه.
تم كلامه فكانت الممكنات غير متناهية بهذا المعنى وهو المراد منا فلا ينافيه الانتهاء بحسب الدار الدنيا فإذا كانت غير متناهية (فلا آخر لها) فلا يتصف بالآخرية للمنافاة بينها وبين الآخرية فكان الحق آخرا ومنتهى لها.
(وإنما كان) الحق (آخرا لرجوع كل الأمر إليه بعد نسبة ذلك) الأمر إلينا، فإذا كان الرجوع بعد النسبة إلينا فكنا نحن نتصف بالرجوع إليه تعالی في کل آن بحسب كل يوم هو في شأن وإذا كان الأمر كذلك.
(فهو الآخر في عين أوليته والأول في عين آخريته) بحيث لا يسبق ولا العالم لنا به شرع في بيان الارتباط الذي احتجب الحق عنا به.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قوله: "فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر المقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، "فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته."
قلت: يعني لو كانت له أولية اتصفت بها بالوجود بعد اتصافه بالعدم إذ كانت هذه الأولية هي أولية خاصة مقيدة.
فكأنه يقول: إن هناك أولية أخرى يصح معها أن تكون أولا مع کونه آخرا وأما تلك الأولية المذكورة فلا يصح أن يسمى من كان بها أولا أن يكون آخرا أيضا وإلا اجتمع الضدان لشيء واحد .
لكن الشيخ ما علل باجتماع الضدين بل علل بإن من كان له الأولية بافتتاح الوجود كان کالممکنات في وجودها، فإن لها الأولية بافتتاح الوجود لكن مع هذا القيد لا يصح أن يكون لها الآخرية إذ الممكنات لا نهاية لها وفي قوة كلامه في قوله: لأن الممكنات لا نهاية لها، أنها ستوجد إلى غير نهاية وصرح بأن هذه الأولية ليست للحق تعالی.
فلا جرم صح مع أوليته تعالى أن يكون له آخرية في عين أوليته و أوليته في عين آخريته .
بخلاف الممكن وأما كيف ذلك؟ ولم ذلك؟
فما ذكره ولعمري أن الحاجة داعية إلى بيانه فإنه مهم
وأما قوله: وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه، فذلك غير واضح في تسميته بالآخرية، فإنه إن كانت أوليته بابتداء إيجاد العالم فكان الحال يقتضي أن يكون آخرا باعتبار انتهاء ایجاد العالم .
وقد قال: إن العالم لا آخر لإيجاده، فكيف يكون هو آخرا بهذا التقدير، فإذن له معنى آخر نحتاج نحن أن يعرفنا إياه.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قال رضي الله عنه : "فلا تنسب إليه الأوّلية مع كونه الأوّل . ولهذا قيل فيه :
الآخر ، فلو كانت أوّليته أوّلية وجود التقييد ، لم يصحّ أن يكون الآخر للمقيّد لأنّه لا آخر للممكن لأنّ الممكنات غير متناهية ، فلا آخر لها .
وإنّما كان آخرا لرجوع الأمر كلَّه إليه بعد نسبة ذلك إلينا " .
ولهذا السرّ صحّ له الأزل والقدم ، يعني نفي الأوّلية والمسبوقية عن وجوده الذاتي ، فلا أوّل له سابقا عليه ، بل هو الأوّل السابق بوجوده المطلق الذاتي على التعينات الوجودية التقييدية .
وليس متعلَّق الحدوث والقدم حقيقة الوجود ، بل تعيّنه بحسب الأزمان والأوقات والمواطن والمراتب لا غير ، والتعيّن نسبة عدمية أيضا مع قطع النظر عن المتعيّن .
فسبحان الذي وسع بجوده ورحمته وعلمه وحكمته كلّ شيء حتى النسب العدمية ، أحدثها وأعطاها ضربا من الوجود ، وأظهرها موجودة للشهود المعهود .
فلو كانت أوّلية الحق من حيث الوجود العيني المقيّد ، لم يصحّ أن يكون هو الآخر لأنّه لا آخر للممكنات لأنّها غير متناهية ، فلو كانت متناهية ، صحّ أن يكون لها آخر .
فليست أوّليّته تعالى بمعنى أوّلية وجود التقييد ، ولا آخريّته بمعنى أنّه إذا انتهت الممكنات غير المتناهية ، كان هو آخرها .
فكان آخر وجود التقييد ، بل أوّليّته وآخريته بمعنى أنّه لا موجود إلَّا هو ، فالكلّ منه إليه " لا إِله َ إِلَّا هُوَ إِلَيْه ِ الْمَصِيرُ " .
بمعنى أنّه المطلق غير المتعيّن في عين كونه عين الكلّ أوّلا بداية ، والمتعيّن في عين لا تعيّنه وإطلاقه بتجلَّيات غير متناهية آخرا لا إلى غاية ونهاية .
قال رضي الله عنه : " فهو الآخر في عين أوّليّته ، والأوّل في عين آخريّته " .
يعني رضي الله عنه :
أنّ الوجود المطلق هو الأوّل على الإطلاق ، ثم إن تعيّن وتقيّد الوجود بتنوّع التجلَّي في مراتب تعيّناته فهو في حقيقته على أوّل الإطلاق الأصلي .
لأنّ التعين والتقيد نسبتان لا تقدحان في إطلاقه الحقيقي الذي ليس في مقابلة التقييد ، بل هو معنى ذاتيّ للذات .
نعم ، الإطلاق والتعيّن يستلزم تعقّلهما انتفاء البداية والنهاية ، والافتتاح والاختتام ، شمل بنور هويّته وإنّيّته المطلق والمقيّد .
فإنّ العين المطلق عين المطلق اللامتعيّن وعين المتعيّن غير المتناهي في تعيّنه ، لا إلى أبد أبدا الأبد ، فهي هي في اللاتعيّن الأوّل الباطن وفي التعيّن الآخر الظاهر .
فما ثمّ إلَّا هو هو ، فهو الأوّل في عين آخريته والآخر في عين أوّليته .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
فقال (ولا شك أنا أي المحدثات كثيرون بالشخص كأشخاص الإنسان مع اتحادهم في حقيقة الإنسان من حيث هو إنسان ، فإنه حقيقة واحدة ، وبالنوع كالإنسان والفرس المتحدين في حقيقة الحيوان ، التي هي حقيقة واحدة وبالجملة أشخاص الموجودات المحدثة والموجودات المتعينة فإنها متميزة متعينة متشخصة ومتنوعة "الآخر في عين أوليته"، مع اتحادها في حقيقة الوجود ، ولو لا ذلك لما كان الكثرة في الواحد ، فكذلك ، وإن وصفنا الحق بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق وليس إلا افتقارنا إليه وغناه عنا ، فإن الوجود المشخص مطلق الوجود مع قيد ، فذلك القيد الذي هو به غير المقيد الآخر ، وهو افتقار المقيد إلى المطلق وغنى المطلق عن المقيد " فبهذا صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم فلا تنسب إليه مع كونه الأول " أي فبالغنى الذاتي الصمدى القيومى لكل ممكن وكونه سند مقوم لكل مقيد صح له الأزل والقدم ، وانتفت عنه الأولية بمعنى افتتاح الوجود عن العدم ، فإنه محال في حقه مع كونه الأول
( ولهذا قيل فيه الآخر ) أي ولأن أوليته بالغنى الذاتي وعدم الاحتياج في وجوده إلى الغير قيل فيه الآخر ، لا بمعنى أنه آخر كل ممكن إذ الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد لأنه لا آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها ، وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا فهو الآخر في عين أوليته والأول في عين آخريته "
أي فلو كانت أوليته بأن يكون وجودا مقيدا واحدا من الموجودات المقيدة فابتدأ منه المقيدات لزم أن يكون آخريته بأن يكون آخرا للمقيدات لكنه لا آخر لها ولو كان لها آخرية ينتهى به الوجود لم يصح أن يكون الآخر عين الأول فآخريته برجوع الأمر كله إليه بعد نسبته إلينا كما ذكر في دائرة الوجود .
فكذلك أوليته بابتداء الكل منه بنسبته إلينا فالنسب والإضافات ممكنة والحقيقة من حيث هي هي واجبة وذلك معنى قولهم التوحيد إسقاط الإضافات ولا إله إلا هو كل شيء هالك إلا وجهه.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قوله : "فلاتنسب إليه الأولية مع كونه الأول" أي، بسبب هذا الغناء صح له أن يكون أزليا وأبديا وقديما في ذاته وصفاته.
(فبهذا صح له الأزل و القدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم.
فلا تنسب إليه الأولية  مع كونه الأول. و لهذا قيل فيه الآخر.)
وإنما وصف (الأزل) و (القدم) بقوله: "انتفت عنه الأولية" بمعنى "افتتاح الوجود عن العدم" لأن الأعيان والأرواح أيضا أزلية، لكن أزليتها وقدمها زمانية لا ذاتية، وأزلية الحق ذاتية، لغنائه في وجوده عن غيره.
فانتفت (الأولية) منه بمعنى افتتاح الوجود عن عدم، فلا تنسب إليه الأولية بهذا المعنى، كما تنسب به إلى الأرواح والأعيان.
كما قال، صلى الله عليه وسلم: "أول ما خلق الله العقل"أي، أول ما افتتح من العدم إلى الوجود العقل، لكونه مسبوقا بالعدم الذاتي، وإن كان غير مسبوق بالعدم الزماني.
بل ينسب "الأولية" إليه بمعنى آخر وهو كونه "مبدأ" كل شئ، كما أن آخريته عبارة عن كونه منتهى كل شئ ومرجعه، أو كونه في مقام أحديته بحيث لا شئ معه.
كما قال عليه السلام: "كان الله ولم يكن معه شئ".
وهذا المعنى يجتمع مع الآخرية. لذلك قال الجنيد، قدس الله روحه،عند سماعه لهذا الحديث: "والآن كما كان". أي، لم يتغير هذا المقام عن حاله، وإن كان في المرتبة الواحدية معه أسماء وصفات وأعيان ثابتة للأكوان.
ويظهر هذا المقام للعارف عند التجلي الذاتي له، لتقوم قيامته الكبرى فيفنى ويفنى الخلق عند نظره، ثم يبقى ويشاهد ربه بربه. رزقنا الله وإياكم.
قوله : (ولهذا قيل فيه الآخر).
قوله : (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد، لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.)
قوله : (وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا. فهو الآخر في عين أوليته والأول في عين آخريته).
أي، ولأجل أن أوليته ليست عبارة عن افتتاح الوجود عن عدم، قيل فيه الآخر، كما قال الله تعالى: (هو الأول والآخر.)...
فلو كانت أولية الحق تعالى مثل أولية الموجود المقيد، بمعنى افتتاح الوجود عن العدم، لم يصح أن يكون آخرا، لأن الآخرية عبارة حينئذ عن انتهاء الموجودات المقيدة والممكنات غير متناهية، فلا آخر لها.
وهذا الكلام إنما هو بحسب الدار الآخرة. وأما بحسب الدنيا فهي متناهية فلا ينبغي أن يتوهم أنه رضي الله عنه قائل بقدم الدنيا،
لذلك قال: "إذا زال وفك" أي الخاتم.
قوله : "وينتقل الأمر إلى الآخرة، فيكون ختما أبديا على خزانة الآخرة".
وقال في نقش الفصوص"تخرب الدنيا بزواله وتنتقل العمارة إلى الآخرة من أجله".
وفي جميع كتبه إشارة إلى هذا المعنى. ولولا مخافة التطويل، لأوردت ذلك بألفاظه. بل آخريته عبارة عن فناء الموجودات ذاتا وصفة وفعلا في ذاته وصفاته وأفعاله بظهور القيامة الكبرى ورجوع الأمر إليه كله.
وإنما قال: (بعد نسبته إلينا) لأن هذه الأشياء كانت لله تعالى أولا، ثم نسبت إلينا، فعند الرجوع إلى أصلها تفنى فيه.
كفناء القطرة في البحر وذوبان الجليد في الماء، فلا ينعدم أصلا، بل ينعدم تعينها وتستهلك في التعين الذاتي الذي منه تفرعت التعينات، لأن أصله كان عدما، فيرجع إلى أصله. لذلك قيل: "التوحيد إسقاط الإضافات."
وقد يحصل رجوع الأمر إليه قبل القيامة الكبرى بالقيامة الدائمة المشاهدة للعارفين. وهو نوع من أنواع القيامات.
وذلك لأن الحق تعالى في كل آن يخلق خلقا جديدا، كما قال: (بل هم في لبس من خلق جديد). ويمد الأكوان بأنواع التجليات الذاتية والصفاتية، ويصل ذلك الفيض إلى الإنسان الذي هو آخرالموجودات، ثم يرجع منه بالانسلاخ المعنوي إلى ربه.
وقد جاء في الحديث أيضا: "إن ملائكة النهار ترجع إلى الحضرة عند الليل، وملائكة الليل ترجعإليها عند النهار، ويخبرون الحق بأفعال العباد وهو أعلم بها منهم".
وإذا كان الأمر كذلك، فهو أول في عين آخريته وآخر في عين أوليته.
وهما دائمتان أزلا وأبدا.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
فقال: (فلا تنسب إليه الأولية) بمعنی: افتتاح الوجود عن عدم (مع كونه الأول) بمعنی: استناد الكل إليه في البداية، أو يعني سبق وجوده على الكل .
إلا أن الشيخ لم یعنی ما ذكرت، لكنه لم يصرح بمنعه لصحته، وقد صرح بمنع كونه أول بمعنی افتتاح الوجود لبطلانه من كل وجه؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
(وهذا) أي: ويكون أوليته ليست افتتاح الوجود عن عدم (قيل: فيه الآخر) وآخريته حينئذ ليست بمعنى انتهاء وجوده بعد انتهاء وجود الممکنات بل آخريته بمعنی: بقاء وجوده بعدما فني ما فني إلى الأبد.
ولكن هذا المعنى ليس على الإطلاق، فلذا لم يعتبره الشيخ رضي الله عنه و بمعنى: أنه يستند إليه الكل في النهاية أي: في البقاء ثم استدل على أن أوليته و آخريته ليست بمعنی افتتاح الوجود عن عدم واختنامه به .
بقوله: (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) أي: بمعنى أن وجوده في الماضي مقيد بزمان مخصوص سابق على زمان افتتاح وجود سائر الموجودات كانت آخريته أيضا أخرية وجود التقييد، وهو أن وجوده في المستقبل مقيد بزمان مخصوص ينتهي عنده، ويأتي ذلك الزمان بعد زمان انقطاع وجود سائر الموجودات لكن كونه آخر بهذا المعنى باطل.
لأنه (لم يصح أن يكون الحق هو الآخر المقيد) أي: للممكن الذي تقيد وجوده بزمان مخصوص ينقطع بانقطاعه؛ لأنه إنما يتحقق عند انقطاع زمان جميع الممكنات لكنه محال؛(لأنه لا آخر للمكن؛ لأن الممكنات غير متناهية) لاتفاق أهل التحقيق على أن الأمور الأخروية لا تتناهى.
وقد دلت الأدلة العقلية والنقلية على بقاء الأرواح الإنسانية على الأبد، وإذا كانت الممكنات غير متناهية كان زمانا غير منقطع حتى يأتي بعد انقطاعه زمان ينقطع فيه زمان الحق.
وإنما استدل بهذا الدليل؛ ليشير إلى إن الحق على تقدير كونه ممكنا لا يصح في شأنه هذا المعنى؛ فكيف عند كونه واجب الوجود؛ فافهم فإنه مزلة للقدم.
(وإنما كان آخرا لرجوع الأمر) أي: أمر الوجود (كله إليه) أما وجوده، فلأنه لذاته، وأما وجودنا؛ فلأنه ظله وصورته، ولا قيام له بذاته فهو بالحقيقة منسوب إليه (بعد نسبته إلينا)، والظاهر، واعتبر رضي الله عنه في الآخر معنى البقاء بعد فناء ما فني؛ لأنه ليس على الإطلاق، ولا هو مخصوص بالفناء الذاتي على نسب.
وإذا كان أوليته وأخريته بمعنی کونه مستند إليه لكل في الماضي والمستقبل مع أنه لا يجرى عليه الزمان، ولا ماض في حقه، ولا مستقبل؛ (فهو الأول في عين آخريته، والآخر في عين أوليته) فاتحد فيه الأبد بالأزل، وصدق في حقه السرمد، وهو اتصال الأزل بالأبد.
والحاصل أن الوجوب الذاتي أوجب له الفناء الذاتي، والأزل والقدم، والأزلية بمعنی: کونه مستند إليه للكل في البداية والأخروية بمعنی: كونه مستند إليه في النهاية.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
لا يقال : "الأوّليّة إنّما تقتضي السابقيّة على الكل ، لا المسبوقيّة" .
لأنّ الأوّليّة مفهومها مركب من نسبة وجوديّة هي السابقيّة المذكورة ، ومن أخرى عدميّة ، هي اللامسبوقيّة بآخر ، وبيّن أنّ الأوّل على ما اعتقدوه في تلك الصور إذا لم يكن بحسب الزمان على ما اتّفقوا عليه - لا بدّ وأن يكون بحسب الذات والوجود ، وهو معنى الافتتاح المذكور . هذا ما يلزم أرباب العقائد العقليّة المحصورة.
بخلاف ما انكشف لأولي الألباب من الانشراح الصدريّ العلميّ ، فإنّه يتصوّر فيه الأوّليّة بالمعنى الذي يستلزمه الغناء والوحدة الذاتيّة ، من استناد افتقار الممكنات في الوجود إليه وتقدّم الواجب في انتساب الوجود له .
فقال رضي الله عنه : ( فلا ينسب إليه ) الافتتاح المذكور ، ( مع كونه الأوّل ) ضرورة أنّ الغناء المطلق يأبى اعتبار النسبة فيه مطلقا
 .
( ولهذا قيل فيه : الآخر ) جمع بين المتقابلين بوحدته الإطلاقيّة ( فلو كانت أوّليّته أوّليّة وجود التقييد ) بأن يكون افتتاح سلسلة الأعيان الممكنة في الوجود منه على ما عليه مسلك أرباب العقائد العقليّة مطلقا تقليديّة أو برهانيّة نظريّة .
( لم يصح أن يكون الآخر للمقيّد ، لأنّه لا آخر للممكن ، لأنّ الممكنات غير متناهية فلا آخر لها ) أصلا ، لا دنيا ولا آخرة ، إذ الحوادث اليوميّة غير متناهية اتفاقا ، وظاهر أنّه لا يستلزم ذلك قدم الدنيا - كما توهّمه البعض - فإنّ نسبة الزمان بمعزل عن هذه الأوليّة والآخريّة كما لا يخفى .
( وإنّما كان آخرا لرجوع الأمر كلَّه إليه بعد نسبة ذلك إلينا ) ، كما أنّه إنّما كان أوّلا لبدء ذلك الأمر منه قبل نسبته إلينا ، ( فهو الآخر في عين أوّليّته ، والأوّل في عين آخريّته ) ضرورة أنّ بدء الأمر في الافتقار المذكور منه إنّما هو عين رجوع الأمر كلَّه إليه كما أنّ رجوع أمر الانتساب إليه هو عين البدء منه ، ومن هاهنا تبيّن ظهور الكثرة في الواحد ببدئها منه ورجوعها إليه .
وصورة ذلك هي الدائرة الكاملة ، المبتدأ فيها بالنقطة المنتهية إليها ، ولذلك إذا استقصيت الحروف وجدت ما اشتمل منها على تلك الصورة رقما هو الهاء ، ولفظا هو الواو ، والمركب منهما « هو » المحمول عليه الاسمان تنبّه .
ثمّ إذ قد بيّن من الأسماء الأربعة المذكورة الأولين منها الدالين على التنزيه حان أن يبيّن الآخرين، الدالَّين منها على التشبيه، إتماما لما هو بصدد بيانه .
ولمّا كان مبنى أمر التشبيه على الجهة الارتباطيّة كما عرفت، وهي على ضروب :
منها ما هو بنفسه مشترك اشتراك اتحاد وذلك إنّما يكون في الأسماء الأول الذاتيّة - كما سبق في العلم والحياة وهما اللذان مؤدّاهما في هذا السياق الباطن والظاهر، وذلك إنّما يكون على ما تقرّر بصدقه على أفراده وجزئيّاته العينيّة ب « هو هو » ، كالغيب والشهادة من العالم بالنسبة إلى الباطن والظاهر منه .
ومنها ما هو بآثاره المترتّبة وأحكامه التابعة هي الرابطة ، كالخوف والرجاء من العالم بالنسبة إلى الغضب والرضا منه ، وذلك إنّما يكون في الأوصاف والأسماء الأخيرة .
ومنها ما هو بصورة وأمثلته التي هي أنهى غايات تلك الآثار رابطة ، كالهيبة والانس من العالم بالنسبة إلى الجلال والجمال منه . وذلك إنّما يكون في الأسماء الجامعة الإلهيّة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر. فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته.)
قوله : "فلا تُنسَبُ إليه الأوليّة مع كونه الأول." (فلا تنسب إليه تعالى الأولية) بهذا المعنى. فإنها من سمات الحديث "مع كونه الأول" بالأولية التي هي عبارة عن كونه مبدأ لما سواه كما أن آخريته عبارة عن كونه مرجع كل شيء ومنتهاه قوله : "و لهذا قيل فيه الآخِر."
(ولهذا). أي لأن أوليته لیست، بمعنى افتتاح الوجود عن العدم (قيل فيه الآخر) المقابل للأول
قوله : "فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخِرَ للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها. "
(فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) وافتتاح وجود المقيد عن عدم (لم يصح أن يكون آخرا للمقيد) بأن ينتهي إليه وجود المقبلات الممكنة ولا يوجد بعده ممكن لا آخر (لأنه آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية) .
وإن كان بحسب النشأة الأخروية (فلا آخر لها) وإذا لم يكن لها آخر فكيف يكون سبحانه آخرا لها
قوله : "وإنما كان آخراً لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوّليته، و الأول في عين آخريّته."
(وإنما كان سبحانه آخرا لرجوع الأمر كله). أي أمر الموجود وتوابعه (إليه سبحانه) بفناء الموجودات ذات وصفة وفعالا في ذاته وصفاته وأفعاله بظهور القيامة الكبرى أو القيامة الدائمة المشاهدة للعارفين.
(بعد نسبة ذلك) الأمر (إلينا). لأن الوجود وتوابعه كان لله اولا ثم نسب إلينا ئم بعد هذه النسبة مرجع الكل إليه (فهو الآخر في عين أوليته الأول في عين آخريته) بهويته بين الأضداد وهو ظاهر بها أزل الآزال و أبد الآباد.
وكما أشار رضي الله عنه فيما تقدم إلى الأوصاف المشتركة بيننا وبين الحق سبحانه خص بالذكر منها الأوصاف المتقابلة ههنا ليفرع عليها بيان المراد من اليدين اللتين توجهتا من الحق على خلق آدم و بنيه على أن في جميع الیدین تشريفا له و ليس لإبليس هذه الجمعية.
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر.
فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.
وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته. )
قال المصنف رضي الله عنه : [فلا تنسب إليه الأولية مع كونه الأول ولهذا قيل فيه الآخر.]

قال الشارح رضي الله عنه :
(فلا ينسب إليه ): أي الأولية بهذا المعنى فهو افتتاح الوجود عن العدم مع كونه الأول و لكن بمعنى آخر، و هو كونه مبدأ لما سواه، كما أنّ آخريته عبارة عن  كونه يرجع إليه عواقب الأمور .
قال تعالى: "إنّ إلى ربِّك ُّالرجْعى"  [ العلق: 8] . و قال: "وأنّ إلى ربِّك المُنْتهى"  [ النجم: 42] .
اعلم أنّ معقولية الأولية للواجب المطلق نسبة وصفية لا يعقل لها العقل سوى استناد الممكن إليه، فيكون أولا بهذا الاعتبار، و لو قدّر عدم وجود الممكن قوة و فعلا لانتفت هذه النسبة الأولية إذ لا تجد متعلقا .
و أمّا معقولية الأولية للواجب الوجود بالغير نسبة سلبية عن وجود كون الوجوب المطلق، فهو أوّل بكل مقيد إذ يستحيل أن يكون هناك قدم لأحد فافهم .
( و لهذا ): أي لأن أوليته ليست أولية افتتاح الوجود من العدم .
قال المصنف رضي الله عنه : [فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد، لأنه لا آخر للممكن، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها.  وإنما كان آخرا لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا، فهو الآخر في عين أوليته، والأول في عين آخريته. ]

قال الشارح رحمه الله :
( قيل فيه: الآخر فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد لم يصح أن يكون الآخر للمقيد لا أنه لا آخر للممكن لأنّ الممكنات غير متناهية) لعدم تناهي الحقائق، و عدم تناهيها لعدم تناهي أعيانها الثابتة، وهي المعلومات الإلهية، والتناهي في المعلومات محال .
قال رضي الله عنه في الباب الثالث و الثمانين و ثلاثمائة من "الفتوحات ":
إني علمت أنّ في العالم من  يقول بانتهاء علم الله تعالى في خلقه، و إنّ الممكنات متناهية وأنّ الأمر لا بد أن يلحق بالعدم و الدّثور، و يبقى الحق حقّا لنفسه ولا عالم.
و رأيت بهذا قائلا بمكة المشرفة معتقدا له من أهل السوس من بلاد المغرب، حجّ معنا و خدمنا، و كان يصر على هذا المذهب حتى صرّح عندنا و لا قدرت على ردّه و لا أدري بعد فراقه هل رجع أو مات عليه؟
و كان لديه علوم جمة و فضل إلا أنه لم يكن له دين، و إنما كان يقيمه صورة عصمة لدمه و ليس في الجهل أعظم من هذا الجهل، عصمنا الله و إياكم منه .


"" إضافة الجامع : قال الشيخ رضي الله عنه  في الفتوحات باب في فهرست أبواب الكتاب وليس معدودا في الأبواب:
أعلم الممكنات لا يعلم موجده إلا من حيث هو. فنفسه علم ومن هو موجود عنه غير ذلك لا يصح .
لأن العلم بالشيء يؤذن بالإحاطة به والفراغ منه.  وهذا في ذلك الجناب محال.
فالعلم به محال ولا يصح أن يعلم منه لأنه لا يتبعض فلم يبق العلم إلا بما يكون منه وما يكون منه هو أنت . فأنت المعلوم
فإن قيل علمنا بليس هو ، كذا علم به ، قلنا نعوتك جردته عنها لما يقتضيه الدليل من نفي المشاركة .
فتميزت أنت عندك عن ذات مجهولة لك من حيث ما هي معلومة لنفسها.
ما هي تميزت لك لعدم الصفات الثبوتية التي لها في نفسها .فافهم.
ما علمت وقل رب زدني علما ، لو علمته لم يكن هو .
ولو جهلك لم تكن أنت .
فبعلمه أوجدك وبعجزك عبدته .
فهو هو لهو لا لك وأنت أنت لأنت وله .
فأنت مرتبط به ما هو مرتبط بك .
الدائرة مطلقة مرتبطة بالنقطة .
النقطة مطلقة ليست مرتبطة بالدائرة .
نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة .
كذلك الذات مطلقة ليست مرتبطة بك .
الوهية الذات مرتبطة بالمألوه كنقطة الدائرة. ""

( فلا آخر لها ): أي دنيا و أخرى، إنما قلنا ذلك حتى لا يلزم الفساد المتوهم علينا فافهم .
و إنما كان آخر الرجوع الأمر كله إليه) قال تعالى: "ألا إلى اللّهِ تصِيرُ الْأمُورُ" [ الشورى: 53] "و إليْهِ تُـرجعون" [ البقرة: 245] عمّ هذا النص الشريف ما حمد، و ما ذمّ و ما ثمّة إلا محمود، قال تعالى: "للّهِ الْأمْرُ مِنْ قبْلُ و مِنْ بعْدُ" [ الروم: 4] و هكذا الأمر، فافهم .
( بعد نسبة ذلك ): أي الأمر كالصفات على ما قررناه أنها تؤخذ بعد نسبة تلك الصفات (إلينا )، و بهذا يتحقق معنى الرجوع لأن الوجود و توابعه له تعالى بالأصالة .
( فهو الآخر في عين أوليته و الأول في عين آخريته ): أي إذا كان الأول و الآخر لهذين الاعتبارين المذكورين صحّ عند العقل أن يقول: إنه الأول في عين آخريته، و الآخر في عين أوليته، و لا جمع للأضداد التي لم تجتمع فإنّ له شروطا حتى يحكم العقل عليه بعدم الاجتماع منها: وحدة العين و  وحدة النسبة و الاعتبار من جميع الوجوه، و في مسألتنا هذه أنه أوّل بمعنى: إنه مبدأ كل  شيء و آخر كلّ شيء بمعنى رجوع كلّ شيء إليه، فجمع الأولية في عين الآخرية بالاعتبارين و لا ضد فافهم، فإذا عرفت هذا اعلم أنه .

قال الشارح الجامي قدّس سره في بيان هذا المتن:
جمع بإطلاق هويته بين الأضداد، و هو ظاهر بها أزل الآزال و أبد الآباد، انتهى كلامه .
كأنه أعطي هذا القول حكم النص حيث قال: هو الأول و الآخر و الظاهر الباطن أنه الأول في عين الأول، في عين الآخرية، في عين الأولية، من جميع الأضداد التي يرميها العقل، و يراها صاحب الكشف بالشهود .

و من هذا المذاق ما نقل عن الخراز قدّس سره:
عرفت الله بجمع الأضداد لأنه لو كانت معقولية الأولية و الآخرية إلى الحق تعالى كمعقولية نسبتهما إلينا، لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي و لا استعظمه العارف بالله و بحقائق الأسماء حتى قال: عرفت الله به ثم تلا: "هُو الْأوّلُ والْآخِرُ والظّاهِرُ والباطِنُ وهُو بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ الحديد: 3] .
فإنّ العبد يصل إذا تحقق بالحق إلى أن ينسب الأضداد من عين واحدة و نسبة واحدة كالحق تعالى و لا يختلف النسب، و هذا المدرك عزيز المنال، صعب الارتقاء، يتعذّر تصوّره على من لا أنس له بالعلوم الإلهية التي يعطيها الكشف و التجلي، ولا يخفي أنّ هذا ذوق غير الذوق الذي نحن في معرض بيانه .
فإنّ الأولية في عين الآخرية اللتين نحن بصدد بيانهما ليس من عين واحدة و نسبة واحدة، حتى يكون من محالات العقل بل إنما ذكرها رضي الله عنه لتأنيس العاقل وصاحب النظر والفكر، فإنه ما يخالف ذوقهم وأصلهم .


"" أضافة الجامع :  يقول أ. نهاد خياط :
" هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ " فالأولية التي يتصف بها الحق تعالى ليست بمعنى أنه أول الممكنات .
إذ لو كان كذلك لم يكن هو الآخر ، لكنه الآخر لا بمعنى آخر الممكنات بل بمعنى رجوع الأمر إليه كله .ي
يقول الشيخ الأكبر في هذا المعنى :
فبهذا صح له الأزل والقدم ، وانتفت عنه الأولية التي لها اتتاح الوجود عن العدم ، فلا تنسب إليه مع كونه الأول . ولهذا قيل في الآخر .
فلو كانت أوليته أولية وجود التقيد ( باعتبار الموجودات مقيدة بشروط وجودها ) ، لم يصح أن يكون الآخر للمقيد ، لأنه لا آخر للممكن ، لأن الممكنات غير متناهية فلا آخر لها .
وإنما كان آخراً لرجوع الأمر كله إليه بعد نسبة ذلك إلينا ، فهو الآخر في عين أوليته ، والأول في عين آخريته .
" وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ " . كل خلق فله ظاهر وباطن ، وبما هو انعكاس لتجلياته الأسمائية تعالى : فللقرآن الكريم ظاهر وباطن ، كما مرّ معنا قبل قليل .
وكذلك للإنسان ظاهرٌ وباطن . وكذلك كل شيء .
فالإنسان ظاهره خلق وباطنهُ حق .
لكن ظاهره هو صورة اسمه تعالى " الظاهر " ، والحق هو باطن هذه الصورة .
وفي هذا المعنى يقول الشيخ الأكبر :
فالحق هو الظاهر في كل مفهومٍ ( مدرك ) وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال أن العالم صورته وهويته ، وهو الاسم الظاهر . كما أنه بالمعنى روح ما ظهر ، فهو الباطن . فنسبته لما ظهر من صور العالم نسبة الروح المدبر للصورة ويقول أيضاً : فأنت له ( للحق ) كالصورة الجسمية لك ، وهو ( الحق ) لك كالروح المدبر لصورتك بعبارة أخرى ، إن الحق تعالى من العالم بمنزلة الروح من الجسد .
والشيخ عندما قال :" أن العالم صورة الحق وهويته "إنما عُرف العالم بالحق .
وعندما قال أن الحق روح ما ظهر قد عرف الحق بالعالم . ولكن باطن العالم لا يتناهى ،
ولذلك لا يتناهى الحق . " أهـ ""
.
واتساب

No comments:

Post a Comment