Tuesday, July 9, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالث والثلاثين .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالث والثلاثين .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الثالث والثلاثين .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM 

الفقرة الثالث والثلاثين :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو)، أي ما ذكرناه (قوله تعالى) في القرآن العظيم (" يا أيها الناس") الخطاب للمؤمن والكافر والمنافق ("اتقوا ربكم") بالإحسان والإيمان والإخلاص ("الذي خلقكم") قدركم ثم أوجدكم طبق ما  قدرکم ("من في واحدة ") وهي آدم عليه السلام ("وخلق منها ")، أي من تلك النفس الواحدة (" زوجها") وهي حواء ("وبث ")، أي أخرج ("منهما")، أي من تلك النفس الواحدة وزوجها ("رجالا ونساء") بطریق تولد البعض من البعض .
فقوله :("اتقوا ربكم") 1 سورة النساء. معناه بحسب ما ذكر من حكمة نشأة جسد آدم عليه السلام ونشأة روحه المعبر عنهما باليدين و بالصورتين.
(اجعلوا ما ظهر منكم) لكم وهو الجسد والنفس وهو اليد الشمال وهو صورة العالم التي خلق ظاهركم عليها (وقاية لربكم)، فانسبوا إليكم جميع ما ظهر منكم من خواطر الضلال وأقوال الخطباء وأعمال الشر والسوء.
وإن كان ذلك كله مخلوقة لله تعالى ولا تأثير لكم (واجعلوا ما بطن منكم) عنكم وهو العقل والروح في عالم الخلق.
(وهو ربكم) في عالم الأمر وهو يد اليمين وهو صورة الحق تعالى التي خلق باطنكم عليها كما مر بیانه.
(وقاية لكم) فانسبوا إليه تعالى جميع ما ظهر فيكم من الحقائق والمعارف والعلوم اللدنية، فإنها لا تصدر إلا عن الحق تعالى لا عنكم.
وكذلك جميع أعمال الخير والهدى وإن كان ذلك بكسبكم وواسطة توجه قدرتكم وإرادتكم من غير تأثير منکم.
(فإن الأمر) الظاهر منكم عملا واعتقادا له (ذم) شرعة (وحمد) كذلك.
(فكونوا وقايته) تعالى (في) نسبته (الذم) من الأقوال والأعمال والاعتقادات إليكم لا إلى ربكم.
(واجعلوه) سبحانه وتعالى (وقايتكم في) نسبة (الحمد) من نسبة جميع ذلك إليه تعالى لا إليكم (تكونوا) حينئذ (أدباء) مع الله تعالى (عالمين) به تعالى وبما يليق بجلاله وعظمته كما علم الله تعالى نبيه عليه السلام ذلك.
بقوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" 79 سورة النساء.
وقال له قبل ذلك بقوله :" وقل كل من عند الله" 78 سورة النساء.
وقال إبراهيم عليه السلام: "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) " سورة الشعراء.
فنسب المرض إلى نفسه، ولم يقل : وإذا أمرضني، وكذلك الخطيئة نسبها إلى نفسه.
ومثله الخضر عليه السلام لما كان خرق السفينة شرا في الظاهر نسب إلى نفسه حيث قال: فأردت أن عيبها، وبناء الجدار لما كان خير نسبه إلى الله تعالى وبرأ نفسه حيث قال: فأراد ربك، وأما الغلام فلما كان في الحال غير كافر وفي المال کافرا لم يكن قتله خيرا محضا ولا شرا .
فقال : فخشينا ، وأبهم الأمر بينه وبين ربه .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
(وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو) أي قولنا معنى (قوله تعالى :" يا أيها الناس") أي النوع الإنساني"اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" وهي الخليفة المسمى بالإنسان الكامل والعقل الأول .
( وخلق منها زوجها ) النفس الكلية (" وبث منهما رجالا كثيرا ") عقولا ("ونساء") نفوسا .
(فقوله " واتقوا ربكم" ) معناه (اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي انسبوا ما فعلتم من النقائص والشرور إلي أنفسكم و نزهوا ربكم عنها.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم) أي انسبوا الكمالات إلى ربكم لا إلى أنفسكم .
(فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين) .فقد ظهر أن المراد بتفسير الآية الأدب السالكين.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء" (النساء: 1).
فقوله تعالى: "اتقوا ربكم" أي اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم وقاية لكم، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين."
قلت: يعني اتقوا سوء الأدب مع ربكم بأن تعتمدوا معه الأدب الذي يليق بكم معه .
والمراد: ان كل واحد من ولد آدم له أيضا جمعيته في ذاته للأسماء الإلهية باطنة وله جسم ظاهر ولا بد لكل أحد أن يمدح أو يذم في وقت ما فيجب عليه بأن يعطي المدح منه لما فيه من الأسماء الإلهية فإن المدح يصلح لها وأما ظاهره وهو جانب الكون منه.
فلو أعطى المدح بظاهره مع كون المدح لجانب الحق لزمه أن يكون شريكا للحق تعالى في صفاته، فلما صرف هو المدح لمستحقه وقاه الحق تعالی عن نقيضه أن يظهر بصفة مشاركة ربه، عز وجل.
الذي من ادعاها فهو ظالم، لوضعه الشيء في غير موضعه، فإن الظلم في لغة العرب هو وضع الشيء في غير موضعه، فيستحق اللعنة بقوله تعالى: "ألا لعنة الله على الظالمين" (هود: 18).
فنعود ونقول وأن يعطى الذم لظاهره وقد كان الذي ذمه أو شتمه إنما يذم أو يشتم جملته، فيجب عليه أن يخصص الذم بظاهره دون باطنه.
فيكون وقاية لربه تعالى ولأسماء ربه، تعالی عن أن يصل إليها ذلك الذم، وإذا فعل هذا كان أديبا عالما.
أما أنه أديب: فظاهر، وأما أنه عالم: فلأنه علم مواضع الصفتين، فوضع كل صفة في موضعها وكان عالما بالأدب أيضا.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
(وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
قال تعالى : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ".
فأظهر الله من هذين الأبوين صور كليات صور أحديات جمعيات جميع الحقائق الجمعية المظهرية الإنسانية .
فكانت حوّاء تنتج للأب ولدين في كل بطن بمقتضى الأصل الذي كان في بطنه صور الحقائق الفعلية والانفعالية معا وهو حقيقة الحقائق والتعيّن الأوّل ، فافهم إن شاء الله تعالى .
ثم قال رضي الله عنه : " فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ " اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربّكم ، واجعلوا ما بطن منكم وهو ربّكم وقاية لكم فإنّ الأمر ذمّ وحمد ، فكونوا وقايته في الذمّ ، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين " .
قال العبد :
لمّا كان ظاهرية آدم من مجموع العالم الكياني ، والعالم من حجابيته مجمع النقائص والمذامّ الخصيصة بالمقام الإمكاني ، فالأفعال والأخلاق والأحكام الصادرة عن الإنسان ، إن كانت قبيحة يستحقّ عليها المذمّة إمّا عرفا أو عقلا أو شرعا .
فالأحرى والأليق أن ينسبها إلى نفسه أدبار وتحقيقا ، ناظرا في ذلك نظرا دقيقا فإنّ الصادر من الحق خير محض ، وهو الواحد لا غير فإنّه بالنسبة إلى من وجد به خير محض ، والنقائص والقبائح راجعة إلى الكيان من حضرة الإمكان .
والعدم الذي يلي أحد جانبي الإمكان بالنسبة إليه أولى ، وما كان فيها من الكمال والفضائل والمحاسن والمحامد أضاف إلى الحق لأنّها في الحقيقة راجعة إلى الوجود الحق .
وحينئذ يكون العبد قد جعل نفسه وقاية للحق في إضافته المذامّ إلى نفسه كما قال : " ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وَما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ " .
والحقّ أنّ الحقّ وقاية لنفسه في إضافة المحامد إليه ونفي المذامّ عنه من وجهين وباعتبارين جمعا وفرادى ، وإليه يرجع عواقب الثناء ، وهذا مقتضى التحقيق الأتمّ ، والكشف الأعمّ ، والأدب الكامل الأهمّ ، ولمثل ذلك فليعمل العاملون .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
فإن الخطاب للأفراد المخلوقة من النفس الواحدة ( وخلق منها زوجها ) أي خلق من الروح الكلى التي هي النفس الواحدة زوجها .
وهي النفس الكلية والرجال والنساء المبثوثة منها قوله تعالى " وبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً ونِساءً ".
هي أشخاص النوع قوله في تفسير قوله تعالى (فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ ".
اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم ، فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم ، واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين )معناه اتخذوا وقاية لأنفسكم تتقون بها من يربكم .
ولما كان الرب هو الظاهر والباطن كانت ربوبيته لظواهركم من اسمه الظاهر بإمداد الحفظ والرزق وجميع ما يتعلق بالرحمة الرحمانية من الأسماء وربوبيته لبواطنكم من اسمه الباطن بإمداد العلم والحكمة وجميع ما يتعلق بالرحمة الرحيمية من الأسماء ، فعليكم بالاستمداد بالربوبية وتهيؤ الاستعداد القابلة من الوجهين .
وذلك بالتأدب بين يديه بآداب الحضرة فاتخذوا وقاية لأنفسكم مما ظهر منكم تتقون بها ربكم الظاهر أن يمنع ألطافه الظاهرة من الرزق والحفظ وأمثالهما .
وينتقم منكم في سوء أدبكم بنسبة الشرور والمعاصي إليه فتحرموا مدد الحفظ والرزق .
وفي الجملة ألطاف الربوبية الظاهرة لفساد المربوبية بظهور صفات النفس ونسبة الشرور إليه ، واتخذوا وقاية لأنفسكم مما بطن منكم تتقون بها ربكم الباطن أن يمنع ألطافه الباطنة من الرحمة الرحيمية بسوء أدبكم بنسبة الكمالات المعنوية والمعارف والحكم إلى أنفسكم فتحجبوا بصفاتكم وظهورها عن قبول أنوار صفاته .
وتحرموا إمداد الفيض العلوي والألطاف الباطنة لفساد استعداد المربوبية بحسب الباطن .
فظهر أن لفظ الاتقاء يساعده ما فسره الشيخ رضى الله عنه به من المعنى لاشتقاقه من الوقاية ، يقال اتقاه فاتقى أي اتخذ الوقاية يتقى بها بمعنى حذره .
فحذر إذ الحذر هو اتخاذ الوقاية ، قال تعالى " خُذُوا حِذْرَكُمْ " .
كأن الحذر آلة تتقى بها كالترس ونحوه مما يتقى به .
والوقاية مصدر سمى به ما يتقى به.

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
(وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء".)
الضمير عائد إلى المعنى الذي ذكره من قوله: "فآدم هو النفس الواحدة" إلى آخره. 
أي، هذا المعنى المذكور هو معنى قوله تعالى: (يا أيها الناس...) - الآية. ومعناها بالنسبة إلى عالم الجبروت:
(اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة). أي، من عين واحدة، هو العقل الأول.
(وخلق منها زوجها) التي هي النفس الكلية.
(وبث منهما رجالا كثيرا ونساء) أي عقولا ونفوسا مجردة.
وبالنسبة إلى عالم الملكوت: خلقكم من ذات واحدة، هي النفس الكلية، وخلق منها زوجها، أي الطبيعة الكلية، وبث منهما رجالا كثيرا، وهي النفوس الناطقة المجردة، ونساء، وهي النفوس المنطبعة، وباقي القوى. وبالنسبة إلى عالم الملك فظاهر.
(فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم و حمد: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين).
لما استشهد بالآية، ذكر مطلعها وعلم السالك التأدب بين يدي الله تعالى لتزداد نوريته ولا يقع في مهالك الإباحة.
فإن توحيد الأفعال يقتضى إسناد الخير والشر إلى الله تعالى. فالسالك إذا أسندهما إليه قبل زكاء النفس وطهارتها، يقع في الإباحة.
وبعد طهارتها، يكون مسيئا للأدب بإسناد القبائح إليه. ولكون (الاتقاء) مأخوذا من (وقى، يقي) كما يقال: وقيته وقاء فاتقى. أي، إتخذ الوقاية.
فسر (اتقوا) بقوله: (إجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي، آلة الوقاية.
كما قال تعالى: "خذوا حذركم". أي آلة الحذر،كالترس وغيره من السلاح.
فالمراد بـ (ما ظهر) هو الجسد مع النفس المنطبعة فيه. أي، انسبوا النقائص إلى أنفسكم لتكونوا وقايته في الذم.
واجعلوا ما بطن منكم، وهو الروح الذي يربكم وقاية لكم في الحمد.
أي، انسبوا الكمالات إلى ربكم، كما قال عن لسان الملائكة: "سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا".
 وعند نسبة الكمالات إلى الله تعالى يكون لكم الخلاص من ظهور إنياتكم وأنفسكم، ولا يكون للشيطان عليكم سلطان.
وإنما جعل الظاهر وقاية للباطن في الذم، والباطن وقاية للظاهر في الحمد، وأثبت الربوبية للباطن: فإن الظاهر من حيث النفس المنطبعة منبع النقائص ومحل التصرفات الشيطانية، وهو عبد مربوب أبدا.
والباطن منبع الأنوار ومرأة التجليات الرحمانية، فله ربوبية من حيث اتصافه بالكمالات وإن كان له عبودية من حيث إنه يستفيض من الرب المطلق دائما.
فلا يقال، إنه جعل الرب آلة الاتقاء، لأن المتقى اسم مفعول. لأن الباطن الذي جعله آلة الاتقاء هو عبد من وجه. وأيضا، جعل الباطن تارة آلة الاتقاء والظاهر متقى، وأخرى الظاهر آلة الاتقاء والباطن متقى. والظاهر والباطن كلاهما حق، فهو المتقى والمتقى به،كما قال، عليه السلام: "أعوذ بك منك."

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
وهذا (وهو معنى قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها و بث منهما رجالا كثيرا ونساء [النساء: 1])، من حيث إن نفسه كانت مشتملة على صورتين صورة الحق وهي الفاعلة، وصورة الخلق وهي القابلة، والزوج هي الصورة القابلة الكلية، "وبث منهما" من حيث اشتمال صورته على الأسماء الكثيرة الإلهية والحقائق الكثيرة الكونية، "رجالأ كثيرا ونساء"، فالرجال مظاهر الأسماء الإلهية من حيث الفاعلية، والنساء مظاهر الحقائق الكونية من حيث القابلية.
وإن كان كل منهما مظاهر الأسماء الإلهية والحقائق الكونية جميعا من جهات أخر والتقوى من الوقاية، وهي لإطلاقها وقاية من الظاهر الذي هو مجموع الصورتين من حيث أن الصورة في المرآة لا بد وأن تكون ظاهرة.
وإن كانت الأمر باطن ظهر في مرآة معنوية، وإن كان في تلك الصورة أيضا خفاء كالأرواح للباطن المطلق الذي هو الحق ووقاية من الباطن المذكور للظاهر الذي هو مجموع الصورتين، وهو الإنسان، وللظاهر الذي هو العالم.
(فقوله: "اتقوا ربكم" اجعلوا ما ظهر منکم) من مجموع الصورتين أو من سورة العالم (وقاية لربكم) بنسبة النقائض إلى ذلك الظاهر، (واجعلوا ما بطن منکم) أي: ما ترجع إليه صورتكم الباطنة، (وهو ربكم) الذي فاض منه الصورة الروحانية عليكم وعلى العالم (وقاية لكم) بنسبة الكمالات إلى ذلك الباطن المطلق الذي ترجع إليه صورتكم الباطنة.
ثم علل ذلك بقوله: (فإن الأمر) أي: الأمر ما ينسب إليكم من النقائض والكمالات، (ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم)، فانسبوه إلى أنفسكم لا إليه، (واجعلوا وقايتكم في الحمد)، فانسبوه إليه لا إلى أنفسكم.
(تكونوا أدباء) أي: مراعين للأدب بنسبة الكمال إلى الرب، والنقص إلى أنفسكم (عالمين) بحقائق الأشياء، فإن الحقيقة الإلهية تقتضي الكمالات، والحقيقة الكونية تقتضي النقائص.
ولذلك ورد: "من وجد خيرا؛ فليحمد الله، ومن وجد الآخر، فلا يلومن إلا نفسه".
ولا شك أن نسبة خلق الخنزير والقاذورات إلى الله تعالی سوء أدب؛ فكيف لا يسوء في نسبة قبائح أفعال الإنسان إليه؟
وإن كان الكل مخلوقا له تعالى، لكنه إنما خلقه بحسب اقتضاء أعيان الحوادث ذلك،

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء». فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
قال رضي الله عنه : ( و ) ذلك ( هو ) مؤدّى ( قوله : " يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ من نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَنِساءً ").
هذا هو المناسب لما مهّد في تحقيق معنى آدم ولا يخفى على من له أدنى وقوف عليه أنّه لا يمكن أن يحمل آدم هاهنا على الروح الكلي والعقل الأوّل ، كيف وقد بيّن إحاطته بسائر المراتب والنشآت ، واشتماله على تمام اليدين و ظهوره بالصورة الجسديّة نعم ، يمكن أن يكون ذلك وجها من وجوه تأويلات الآية.
ولو أفيض فيها أمكن استخراج وجوه أعلى من ذلك :
منها أن يجعل « النفس الواحدة » إشارة إلى الحقيقة المحمّديّة التي هي مبدأ الكلّ ، وزوجها الذي خلق منها خاتم الولاية ، المنبثّ منهما أعيان الصور والمعاني ، وممّا يؤيّد هذا الوجه ذكر خلق الزوج منها بعد خلق الأعيان والأشخاص .
ومنها أن يجعل النفس الواحدة إشارة إلى المبدء الفاعل ، وزوجها هو القابل المنبثّ منهما سائر الحقائق من مواليد العالم .
ومنها أن يجعلها إشارة إلى الطبيعة الكلَّية التي هي هيولى العالم عند المحقّقين والزوج هي الصورة المشخّصة المنبثّ منهما سائر الجواهر والأعراض .
إلى غير ذلك من الوجوه ، كالجنس والفصل بالنسبة إلى الأنواع ، والماهيّة والتشخّص بالقياس إلى الأشخاص ، والجوهر والعرض بالقياس إلى الأعيان .
وقد لوّح في المقدّمة على وجوه عالية من التلويحات التي لآدم ، ولهذا الموضع دقيقة منها لا بدّ من التلويح عليه ، وهو أنّ آدم باشتماله على العقد الكامل قد انطوى على المرتبة الجامعة لسائر مراتب الكثرة .
ولذلك ترى النفس والواحد الكاشفين عنه قد ظهر فيها ذلك العقد ولذلك فيما خلق منها يعني النوع الإنساني فإنّه مشتمل على تلك المرتبة بعينها من وجه وعلى ضعفها من حيث الزوجيّة ، فإنّ زوج الشيء صورة ضعفيّته . تأمّل .
ثمّ إذ قد أفاد هذا البيان من الإجمال ما لا يخفى على الفطن "في بيان الأدب مع الله"، حان أن يشرع في تفصيله ، فقال مستنبطا من نفس تلك الآية ( فقوله : " اتَّقُوا رَبَّكُمُ " أي اجعلوا ما ظهر منكم ) .
وهو النسب العدميّة الإمكانيّة كالافتقار والاحتياج وأمثاله ( وقاية لربكم ) عن أن يصيبه شيء من تلك النسب والإضافات ( واجعلوا ما بطن منكم وهو ربّكم ) .
يعني الوجود الحقيقي وما يستتبعه من الأوصاف الوجوديّة ( وقاية لكم ) عن أن ينسب إليكم (فإنّ الأمر ذمّ وحمد ) لأنّ ما نسب إلى الشيء فعلا كان أو صفة لا يخلو من أن يكون مبدأ تلك النسبة هو الإمكان أو الوجوب والأوّل يسمّى الذم ، والثاني الحمد .
( فكونوا وقايته في الذم ، واجعلوه وقايتكم في الحمد ، تكونوا أدباء ) في وقايتكم له في الذم ، (عالمين) في وقايته لكم في الحمد .
ثمّ بعد تبيين ما اشتمل عليه آدم من أجزائه الوجوديّة وتفصيل ما تضمّنته نشأة ظهوره "باليدين " لا بدّ من الإبانة عن مراتبه الشهوديّة وتحقيق مراقي كمالاته الشعوريّة تكميلا لما هو بصدده .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.)
"و هو قوله تعالى: «يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ خَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَ بَثَّ مِنْهُما رِجالًا كَثِيراً وَ نِساءً».
ما يدل عليه قوله تعالى : ("يأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" )، أي ذات واحدة يعني آدم ("وخلق منها")، أي من ضلعها الأيسر ("زوجها ")، يعني حواء ("وبث منهما")، من أدم وزوجه بالتوالد والتناسل ("رجالا كثيرا ونساء" ) .
ثم نبه رضي الله عنه على بعض معاني الآية بما لم يتنبه له أهل الظاهر
"فقوله اتَّقُوا رَبَّكُمُ اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، و هو ربكم،
وقاية لكم: فإن الأمر ذمٌ و حمدٌ: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين."
فقال : (فقوله : " اتقوا")، أمر من الاتقاء بمعنی جعل الشيء وقاية لشيء.
و الشيئان ههنا المخاطبون والرب تعالى .
فإن جعلت الشيء الأول المخاطبين
و الشيء الثانيالرب  لاحظت إضافة الوقاية إليه .
كان المعنى: اجعلوا أنفسكم وقاية ربکم.
وإن جعلت الشيء الأول الرب والشيء الثاني المخاطبين.
كان المعنى : اجعلوا ربکم وقاية أنفسكم.
فلما كانت الآية تحتمل المعنيين جمعهما الشيخ رضي الله عنه .
كما هو رأيهم في الآيات القرآنية في الجمع بين جميع المعاني المحتملة التي لا يمنع من إرادتها الشرع والعقل.
فعلى هذا يكون معنى قوله :" اتقوا (ربكم) الذي خلقكم" آية 1 سورة النساء.
أي أوجدكم باختفائه بصوركم فأنتم ظاهره وهو باطنكم .
(اجعلوا ما ظهر منكم)، وهو أحدية جمع روحكم وبدنكم (وقاية ربکم)، أي ألة ووقاية .
كما في قوله تعالى : "خذوا حذركم "آية 71 سورة النساء . أي آلة حذركم.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقابة لكم فإن الأمر) المنسوب إلى ربكم بوجه وإليكم بوجه من الصفات والأفعال.
إما (ذم) يذم به لم ينسب إليه (و) إما (حمد) يحمد به .
بتصف به وكل واحد منهما كما يقتضيه توحيد الصفات والأفعال مسند إلى الله تعالى.
لكن إسناد المذام إليه قبل زكاء النفس وطهارتها وقوع في الإباحة وبعدهما إساءة للأدب (فكونوا وقايته) عن نسبة النقص إليه (في الذم) بأن تنسبوه لكم لا إليه (واجعلوه وقايتكم) عن ظهور أنياتكم.
(في الحمد) بأن تنسبوه إليه لا إليكم (تكونوا أدباء) حين تنسبون المذام إلى أنفسكم لا إليه (عالمين) بحقيقة الأمر على ما هو عليه حين تنسبون المحامد إليه تعالی.
فإن الأمور كلها مستندة إليه تعالى بالحقيقة، وتحذرون مما يلحقكم بإسنادها إلى أنفسكم من ظهور أنياتکم.
.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء».
فقوله اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، واجعلوا ما بطن منكم، وهو ربكم، وقاية لكم: فإن الأمر ذم وحمد: فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ وهو قوله تعالى: يا أيها النّاسُ اتّـقُوا رّبكُمُ الّذِي خلقكُمْ مِنْ نفْسٍ واحِدةٍ وخلق مِنْها زوْجها و ب ثّ مِنْـهُما رجالًا كثيرًاً ونساءً [ النساء: 1] . فقوله: اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم و اجعلوا ما بطن منكم و هو ربكم وقاية لكم فإن الأمر ذم و حمد فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين . ]

قال الشارح رحمه الله :فقوله تعالى(" اتّـقُوا رّبكُمُ") [ النساء: 1] والاتقاء بمعنى جعل الشيء وقاية يندرج بها عن إصابة أسهم الحوادث و المكاره و الأسوأ، فلمّا ذكر رضي الله عنه التقوى يريد بيان التقوى، فإنها أقسام: تقوى الله، و تقوى النار، و تقوى الحدود .
و أمّا التقوى الذين نحن بصدد بيانها هي: تقوى الله، فاعلم أنار الله تعالى بصائرنا و أصلح لنا سرائرنا و خلص من الشبه أدلتنا أنه لما امتنّ الله علينا بالاسم الرحمن، فأخرجنا من الشر الذي هو العدم إلى الخير الذي هو الوجود، فينبغي أن لا ننسى أصلنا حتى لا ننسى فضله .

ورد في الخبر "إنما يعرف الفضل لأهل الفضل أهل الفضل"  رواه أنس .
فمن جهل بنفسه و نسى أصله فهو بالغير أجهل، و هذا داء ينبغي له دواء قبل الداء، كما هو عادة الحكماء الإلهيين، فكان الله حفظ صحة آدم قبل قيام العلة به من ألطف الطب و يسمّى هذا الفعل عند الأطباء: الاستظهار، و أمر الله تعالى بالتقوى .
كما ذكرناه أنزل الدواء قبل الداء، فمن تحسّى منه برئ بإذن الله، فأراد رضي الله عنه أن يذكر جنس الدواء، و يحرر أوزانها و يقرر أوقاتها، كما دأب الحكيم العليم .

فقال رضي الله عنه: اجعلوا: أي بالإسناد إليكم ما ظهر منكم من الفواحش و المذام وقاية لربكم الذي هو باطنكم، كما فعل الأديب الإلهي إبراهيم عليه و على نبينا السلام حيث أسند المرض إلى نفسه .
و قال تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80] .
فلما كان دواء هذا الداء العضال التقوى فأمره بالتقوى، و قال تعالى: "إنْ تتّـقُوا اللّه يجْعلْ لكُمْ فُـرْقاناً ويكفرْ عنْكُمْ سيِّئاتكُمْ ويغفِرْ لكُمْ واللّهُ ذو الفضْلِ العظِيمِ" [ الأنفال: 29]: أي لتفرقوا بين الحق و الباطل .
و قال الله تعالى: "واتّـقُوا اللّه ويعلِّمُكُمُ اللّهُ واللّهُ بكُل شيْءٍ عليمٌ" [ البقرة : 282]، جعل التقوى طريقتنا إلى حصول العلم النافع .
والتقوى أن يجعل الله وقاية له في الخير كله، فإن الحق تعالى عين الوجود، و الوجود فخير محض، و يجعل نفسه وقاية الله في الشر، فإنه عدم، والعدم شر كله .

( واجعلوا ما ظهر منكم و هو وقاية لربكم) فإن ظاهركم خلق و باطنهم حق فاسد، و الخير كله من المحامد إلى باطنكم، كما جعلتم ظاهركم وقاية باطنكم في إسناد الشر، فاجعلوا باطنكم وقاية ظاهركم في إسناد الخير .
لما ورد في الخبر الصحيح أنّ الله تعالى يحب أن يمدح و في  حديث طويل :
" وما من أحد أحب إليه المدح من الله من أجل ذلك وعد الجنة"  رواه الحاكم في المستدرك عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه .
فالحق المحامد إليه، كما تلحق المذام إلى نفسك، كما هو فعل الأدباء، و هو قوله تعالى: "و إذا مرضْتُ فهُو يشْفِينِ" [ الشعراء: 80] .
و إنما عرّفنا الله تعالى بأهل الأدب و حكى لنا حكايته عليه السلام حتى نتأدّب بآدابه تعليما لنا و تنبيها و تعظيما له و تنويها .
قال تعالى: "ثمّ أوحيْنا إليْك أنِ اتّبعْ مِلّة إبراهِيم حنيفاً " [ النحل: 123] فلهذا كان صلى الله عليه و سلم يقول في الأدعية المأثورة معلما لنا : "والخير كله بيديك و الشر ليس إليك"  فافهم .

فإن الأمر الصادر منكم إمّا ذم، فهو لكم وأنكم سواد الوجه في الدّارين كل يشاكله عمله.
وإمّا حمد، له الحمد في الآخرة والأولى.
وأخيرا علم الخلق به صلى الله عليه وسلم أن الحمد لله على كل حال ما قيده بشيء حتى الأمر في جميع الأحوال سواء كان بواسطة أو بغير واسطة.
وإن شئت قلت في الجمع أو الفرق، فإن له عواقب الثناء وذلك لأن الحمد هو الثناء.
والثناء على قسمين:
ثناء عليه بما هو له كالثناء بالتسبيح،
وثناء عليه بما يكون منه و هو الشكر على من أسبغ النعماء و إلا لا .
والعبد و ما في يده لمولاه فلا يملك شيئا حتى يكون الحمد بما هو له، و لا يخرج منه شيئا، فإن خروج الشيء عن الشيء فرع أن يكون له شيء، وقد قلنا أنه ليس له من الأمر شيء، فالحمد لله كله له، فافهم .
فكونوا وقايته في الذّم فتكونوا كالوقاية من أسنة المكاره وسنان اللسان، وأضيفوا كل مكروه إليكم فداءا له .

( و اجعلوا وقايتكم في الحمد ): أي ألحقوا الوجود و الخير كله إلى ربكم ليكون الخلاص لكم الخلاص من شرور الزهو و الظهور .
قال تعالى: "لنْ ينال اللّه لحُومُها ولا دِماؤُها ولكِنْ ينالهُ التّـقْوى مِنْكُمْ" [ الحج: 37] فالظاهر متقي و الباطن متقي فالكل متقي و هو الكل أنه .
قال تعالى: "أهْلُ التّـقْوى وأهْلُ المغْفِرِة" [ المدثر: 56] هذا حقيقة أعوذ بك منك، فافهم .
( يكونوا أدبا ): أي تكونوا جامعين الخير كله، و جماع الخير أن تقف مواقفك و لا تتعدّى طورك، و لا تجعل بنفسك لله اسما وصفة، ولا تسمّيه إلا بما سمّاه نفسه و لا تضيف إليه إلا بما أضاف الله إلى نفسه و يكون معه على توفيق التوفيق، فما أسند إلى نفسه تسند إليها، فتسند الخير إليه كما أسنده إلى نفسه .
قال تعالى: "ما أصابك مِنْ حسنةٍ فمِن اللّهِ" [ النساء: 79] . و قال تعالى في الشر: "وما أصابك مِنْ سيِّئةٍ فمِنْ نفْسِك" [ النساء: 79]
ثم قال: "قلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78]: أي أن التعريف من عند الله، بأن هذا من عند الله و هذا شر من عنده تعالى .
ثم قال في حق من جهل هذه الأحكام و التعريف: "هؤلاءِ القوْم لا يكادُون يفقهُون حدِيثاً" [ النساء: 78].

أي ما حدّثتهم به فإني قلت : هذا من عند الله و هذا من النفس، فرفعت الإيهام واحتمال الإيهام، فلمّا قلت كل من عند الله، فعلم العالم بالله أني أريد الحكم، والإعلام بذلك أنه من عند الله لا عين الشر و السوء فإذا علمت هذا .
فاعلم أن الأديب ينقسم إلى أربعة أقسام في اصطلاح أهل الله رضي الله عنهم :
1 - أدب الشريعة و هو الأدب الإلهي الذي يتولى الله تعليمه بالوحي و الإلهام و التعريف، و به أدب نبيه صلى الله عليه و سلم، و به أدّبنا نبيه صلى الله عليه و سلم، و من هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "إن الله أدبني فأحسن تأديبي"  فهو المؤدّب .
2 - و أدب الطريقة و الخدمة، فقد شرع ما كيفية المعاملة معه خاصة دون الخلق .
قال تعالى"وما آتاكُمُ الرّسُولُ فخُذُوهُ وما نهاكُمْ عنْهُ فانتهُوا واتّـقُوا اللّه إنّ اللّه شدِيدُ العِقابِ" [ الحشر: 7] .
وقال صلى الله عليه و سلم "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم".  رواه ابن مسعود رضي الله عنه .
وهذا من أحسن التأديب منه.
3 - و أدب الحق هو: الأدب مع الحق في اتباعه حيث وجد و ظهر، فلو ظهر عند الأصغر سنا و رتبة فيتبعه و لا يأنفه و يقبله و لا يرده و لا يكون ممن قال تعالى: "و إذا قيل لهُ اتّقِ اللّه أخذتهُ العِزُّة بالِإثمِ" [ البقرة:  . [206
وهذان القسمان لو كانا يدخلان في القسم الأول من وجه فإن أدب الشريعة كالأم و لو كان لهما بعض خصوصيات تختص بهما .
4 - أدب الحقيقة و هو: ترك الأدب بفنائك عن نفسك و ردّك الأمر كله إلى الله، و الذي نحن بصدد بيانه أدب النبوّات على ذوق حكم النصوص و حكمها .
وهو أن لا يتعدى علمك في الأشياء علمه تعالى فيها، و هو الموافقة و إن أعطاك علمك خلاف ذلك، لا سيما فيما أضافه الحق إلى نفسه و إلى خلقه فأضفها إلى من أضافها الله.
وأنزل علمك لعلمه، فإنه العليم و أنت العالم، فلا ترجّح على علمه من حيث قيام الدليل لك على أنه لا فاعل إلا الله تعالى و في أدب الحقيقة .
قال تعالى: " بلْ للّهِ الْأمْرُ جمِيعاً " [ الرعد: 31] .
و قال تعالى: "قلْ إنّ الْأمر كُلّهُ للّهِ" [ آل عمران: 154] .
و قال تعالى: "ليس لك مِن الْأمْرِ شيْءٌ" [ آل عمران: 128] .
و قال تعالى: "قلْ كُلٌّ  مِنْ عِنْدِ اللّهِ" [ النساء: 78] .
و قال له موسى عليه السلام: "إنْ هِي إلّا فتْنتك" [ الأعراف: 155] .
وكما ورد عن الصدّيق الأكبر رضي الله عنه أنه قال: "الطبيب أمرضني" أسند المرض إلى الحق بخلاف ما فعل الخليل عليه السلام : "فأردْتُ أنْ أعِيبها" [ الكهف: 7] .
قال تعالى:" فأراد ربُّك أنْ يبْـلغا أشُدّهُما" [ الكهف: 82] .
فالتارك للأدب أديب من حيث الكشف و الشهور يعاين جريان المقادير قبل وقوعها.
كما قال: ما رأيت شيئا إلا و رأيت الله قبله، فنزل من الحق إلى الخلق .
فاعلم أن لله تعالى تجليين:
تجلّ نفسك عنك و عن أحكامك، فما يرى صاحب هذا التجليّ سوى الحق.
و تجلّ بنفيك معك و مع أحكامك، و من أحكامك ملازمة الأدب في الأخذ و العطاء.
فمثل هذا التجليّ أسأل الله ما دمت في دار التكليف فإذا انتقلت إلى غير هذا الموطن، فكن بحسب الموطن تكن أديبا و بأحكام المواطن عليما.
فإذا قمت في كل موطن باستحقاقه تحمدك المواطن، و المواطن شهداء عدل عند الله فإنها لا تشهد إلا بالصدق، و قد نصحتك فاعمل تكن أديبا فإن لكل موطن أدبا مختصا به، فكل وقت له حال بنطقه، و كل حال له معنى يحققه، فلا تخلط و كن من فصل الخطاب، و الله هو الهادي الوهاب عالمين بحقائق الأمور كما هي هي و آدابها .

قوله رضي الله عنه: (عالمين ) حال أن (تكوّنوا أدبا)، حال كونكم عالمين بأن الأمر لله جميعا، فيدخلون في رحمته الواسعة التي قال فيها: "فسأكْتبها للّذِين يتّـقُون" [ الأعراف : 156].
ثم أنه تعالى: أي بعد ما خلق الله تعالى آدم الخليفة الذي جمع من حيث الطبيعة حقائق العالم بأسرها، و حصر قوابلها بأجمعها أعلاه.
و كان أسفله (أطلعه ): أي أعثر آدم الخليفة من حيث أنه خليفة لا من حيث أنه إنسان، و كان ذلك بعد الخلافة و الإمامة الكبرى، و الاطلاع إمّا بتعريف إلهيّ، أو بتجلي إلهيّ و هو اطلاعه على نفسه و على عينه الثابتة الجامعة لجميع الحقائق الكونية .
و من كرامات القلب معرفة الكون قبل أن يكون، و هذا هو العلم الخفي الذي فوق العلم السري و فوقه علم أخفى و فوق الأخفى أخفى إلى الأخفى الذي استأثره الله دون خلقه.

فالأخفى الأول: عمى عنه كل مخلوق ما عدا هذا الشخص الذي أطلعه الله عليه كرامة منه به، و لا يلتفت إلى من يقول: إنّ كل إنسان له سرّ يخصه لا يعلمه أحد معه إلا الله تعالى هيهات! و أين اللوح و القلم، نعم لكل إنسان سر مسلم ذوقا لا يعلمه أحد من جنسه و لا الأكثر من غير جنسه، و يعلمه هذا الذي أكرمه الله تعالى بقوله: "و فوق كُل ذِي عِلْمٍ عليمٌ" [ يوسف: 76]، فافهم .

ذكره الشيخ رضي الله عنه في "مواقع النجوم" على ما أودع فيه من حقائق العالم عموما، كما في قبضة شماله، و من حقيقة نفسه و نبيه من حيث أنه إنسان لا من حيث أنه خليفة خصوصا كما في قبضة يمينه، و جعل ذلك عطف على قوله أودع : أي جعل ذلك الوديعة .
( في قبضته ): أي قبضتي آدم و هما قبضتا اليمين و الشمال . قال تعالى:" و مِنْ كُل شيْءٍ خلقنا زوْجيْنِ لعلّكُمْ تذكّرون" [ الذاريات: 49] .
إن هذا من حكم القبضتين، فالقبضة على الحقيقة .
قوله تعالى: "اللّهُ بكُل شيْءٍ مُحِيطاً" [ النساء: 126] و من أحاط به فقد حكم عليه لأنه ليس له منقذ مع وجود الإحاطة، و هكذا الخليفة فهو قابض لجميع العوالم، و لا يخرج من قبضة إحاطته  شيء، حتى آدم الإنسانيّ أبا البشر و ذلك لأن آدم من حيث العنصرية جزاء من أجزاء العالم كسائر العوالم فالكل من أجزائه و صورة ذلك أنه ما من موجود سوى الله إلا و هو مرتبط بنسبة إلهية، و حقيقة ربانية تسمّى أسماءا حسنى، و كل ممكن في قبضة حقيقة إلهية و كلها في قبضة الكامل الخليفة، بإقباض الله إياه فالكل في القبضة، فافهم .
ثم فصّل ما في القبضتين باعتبار اليدين أصحاب اليمين وأصحاب الشمال فقيل فيهما: أهل الجنة و أهل النار، هو لا للجنة و لا أبالي، و هو لا للنار و لا أبالي.

قال رضي الله عنه: فلمّا رأيت آدم في الإسراء فقلت له يمين الحق يقضي بالسعادة قال: نعم فقد فرق الحقّ بين أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فقال لي: يا ولدي ذلك يمين أبيك و شماله، انتهى كلامه رضي الله عنه، وجعل القبضة الواحدة فيها العالم سعيده و شقيه فى شماله، و إنما قال العالم مطلقا لأنه سعيد و شقيّ.
لما ورد في الأخبار الصحيحة : "إنّ جبل أحد مثلا من جبال الجنة".
، و جبل عير على وزن زيد و هو جبل في المدينة المشرّفة من جبال جهنم، و هكذا حكم السعادة و الشقاوة سار في العالم حتى في الأمكنة و الأزمنة كالمتمكنين، و القبضة الأخرى فيه آدم و بنوه: أي من هذه القبضة من آدم الخليفة، فيها آدم أبو البشر و بنوه .
فلمّا كانت هذه القبضة من أثر مزج العجز الأوّل الإلهيّ، الذي دخلت أحكامه بعضها في بعض من كل قبضة في أختها، اختلطت أحكام السعادة و الشقاوة و الطيب و الخبيث بحكم الجمعية التي فيه .

و ذلك لأنّ الصّفات قبل المزج لا تتصف بالشقاوة و لا بالسعادة لذاتها، و الذوات كذلك قبل الامتزاج لم تكن قبله، فقيل هذا سعيد و هذا شقيّ و هذا طيب و هذا خبيث، فانظر ما أحدث الامتزاج كسواد الحبر و المداد بامتزاج العفص و الزاج، فكل الآفات من التركيب و المزاج، و جميع المصائب من الامتزاج و اختلاط الأمشاج، و نهاية الأمر و غاية السالك التخلص من التركيب و الرجوع إلى البساطة الأصلية، و السّبك و الفّك عن هذه القيود العارضة المتعارضة .

كما قال أبو يزيد قدّس سره: إنه لا صفة له، يشير إلى السّبك و التخلص على حكم الامتزاج لأنه أقيم في كل معقولية بساطته، و لم ير مركبا مخلا للبساطة الأصلية، و لكن هذا حال جائز و ظل زائل، فما ثمّ ة إلا مرّكّب يقبل الصّفات إمّا السعادة أو الشقاوة بحسب ما يقتضي مزجته و تركيبه، فما في العالم إلا سعيد أو شقي، و قد بين أسباب الخير و السعادة و طرقها و أسباب الشر و الشقاوة و طرقها .
لقوله تعالى: "فألهمها فجُورها وتقْواها" [ الشمس: 8] يميز الخبيث من الطيب، فافهم .

فلمّا تداخلت أحكام القبضتين، و جهلت الأحوال تفاضلت الرجال باستخراج الخبيث من الطيب، و تميز الطيب من الخبيث، فأراد تعالى الفرقان بين الطبقات و رؤية الغايات في البدايات بتخليص المزج و تميز أهل القبضتين حتى ينفرد كلّ بعالمه، و يتميز الطائع من العاصي لتميز المراتب بأربابها، فكل أحد يعرف حاله و ماله و عاجله و آجله، و كلّ أحد يعرف ماله عنده و ما عليه من عنده، بل تعلم من أنت و من هو، كما انفرد العالم و آدم من قبضتيّ الحق و من هذا المقام .

قال تعالى: "ليمِيز اللّهُ الخبيث مِن الطّيِّبِ ويجْعل الخبيث بعضهُ على  بعْضٍ فيركُمهُ جمِيعاً فيجْعلهُ في جه نّم أولئك هُمُ الخاسِرُون " [ الأنفال: 37] .
فمن بقى فيه شيء من هذه المزجة غير متخلص، و مات عليها لم يحشر يوم القيامة من الآمنين، و لكنّ منهم من يتخلص في الحساب، ومنهم بشفاعة الشافعين و أما من تخلص في دار الدنيا فيحشر من الآمنين لقوله تعالي: "لا خوْفٌ عليْهِمْ ولاهُمْ يحْزُنون" [ البقرة: 62] جعلنا الله من المخلصين المتخلصين آمين .
و إنما قلنا إنه رضي الله عنه أراد بالقبضة قبضة آدم لأنه القابض المقبوض و بيان ذلك أنه قابض من حيث أنه خليفة و مقبوض من حيث إنه إنسان، و حقيقة من الحقائق .

قال رضي الله عنه في الباب السابع و ثلاثمائة من "الفتوحات ":فلمّا أراد الله أسرى بي ليريني من آياتي في أسمائه من أسمائي أزالني عن مكاني، و عرج بي على براق إمكاني، فلم أر أراضي أركاني، فالتفت آدم فإذا أنا بين يديه و عن يمينه في نسيم نبيه عيني فقلت له: هذا أنا فضحك، فقلت: فأنا بين يديك و عن يمينك.
قال: نعم هكذا رأيت نفسي بين يديه
فقلت له: فما كان في اليد المقبوضة الأخرى،
قال: العالم . فإذا فهمت هذا فأرجع،

و أقول في بيان النص الشريف: إنّ للكامل أن يرى لطيفته ناظرة إلى مرّكّبها العنصري، و هو متبدّد في العناصر فيشاهد ذاته العنصرية قبل وجودها و خلقها و تركيبها، كما للحق أن يراها قبل الوجود و له السّراج: أي التحلية و عدم المانع و الإطلاق في كل موطن و مقام لأن له صورا في كل موجود من عقل و نفس و طبيعة و عرش و كرسيّ، و هكذا في جميع الموجودات لأنه مرّكّب من الكل و الجميع أجزاؤه .
و من هذا المقام : "كنت نبيا، و آدم بين الماء و الطين".
بل أنه يرى في صورته الكمالية صورة حقيقية التي هو بها هو لأنه جامع للعوالم كلها، و صورته العنصرية بالنسبة إليه من جملة العوالم، فيرى نفسه خارجا عما يرى غيره من هذا القبيل قوله ما ورد في الخبر عنه صلى الله عليه و سلم في الإسراء :
" إنه دخل فإذا آدم عليه السلام وعن يمينه أشخاص بنيه السعداء وعن شماله أشخاص بنيه الأشقياء فرأى صورته صلى الله عليه و سلم في الذين عن يمين آدم فشكر الله" 
وعلم عند ذلك كيف يكون الإنسان في مكانين و هو عينه لا غيره فكان له كالصورة المرئية و الصور المرئيات في المرآة و المرائي.

ذكره رضي الله عنه في الباب التاسع و الستين و ثلاثمائة من "الفتوحات".
و هذا العلم لا يدرك بالعقل و هذا من علوم التجليات التي تجمع الأضداد بل يرى الأضداد عينه .
قال رضي الله عنه في الباب الخامس و ثلاثمائة من "الفتوحات":
للإنسان في كل عالم من عالم الأرواح و الأعيان الثابتة و عالم الخيال، و غيرها صورة بل في كل مقام و علمه بصورته إن كان صاحب الكشف بل في كل مقام، و كما أنّ لنا صورة و وجودا في صورته، و وجوده كذلك له صورة و وجوده من صورنا وجودنا، كما في الميثاق كان معنا من صورة ظهوره، فشهد معنا كما شهدنا، فهذا آدم و ذريته صور قائمة في قبضة الحق، و هذا آدم خارج عن تلك القبضة و عن تلك اليد، فهو يصير صورته العنصرية، و صورة ذريته و بنيه في يده، و هو خارج عنها .
ثم قال رضي الله عنه: فاعرف ذلك و أكثر من هذا التأنيس ما أقدر لك عليه فلا تكن ممن قال فيهم عزّ و جل: "صُم بكْمٌ عُمْيٌ فهُمْ لا يعْقِلون" [ البقرة: 171] .
و قال تعالى: "إنّ شرّ الدّواب عِنْد اللّهِ الصم البكْمُ الّذِين لايعْقِلون" [ الأنفال: 22] .
و أخذ الله الصور من ظهر آدم، و آدم فيهم و أشهدهم على أنفسهم بحضرة الملأ الأعلى و الصور التي لهم في كل محل لقوله تعالي: "ألسْتُ بربِّكُمْ قالوا بلى"  [ الأعراف: 172] .
فالإنسان عالم بجميع الأمور الخفية فيه من حيث روحه المدبر، و هو لا يعلم أنه يعلم، قال تعالى: "فلا تعْلمُ نفْسٌ ما أخْفِي لهُمْ مِنْ قُـرِّة أعْينٍ جزاءً بما كانوا يعْملون" [ السجدة: 17] .
فهو الناسي و الساهي، و الأحوال و المقامات و المنازل تذكره، وهو رجل يدري ولا يدري أنه يدري .
ومن هذا المقام قال صلى الله عليه و سلم : "الحكمة ضالة المؤمن" .
وقال تعالى: "وذ كرْ فِإنّ  الذكْرى نتفعُ المُؤْمِنين" [الذاريات: 55] .
( و بين مراتبهم ): أي بين الله تعالى مراتب العالم سوى الإنسان أو مرتبة نفسه من حيث أنه إنسان، و مراتب بنيه أو المجموع فيه: أي في ذلك الاطلاع أو في آدم الخليفة أو في الوجود الحق و ذلك لأن العالم بالنسبة إلى الكامل سواء كان نفسه أو بنوه أو غيرهما بمنزلة الأجزاء كلها، و تبين له جزء جزء على مراتبها لأنها منها بمنزلة النفس، و منها بمنزلة القوي، و منها بمنزلة الحواس، و منها الحواس منها بمنزلة الظاهرة و من الظاهرة منها بمنزلة السمع، و منها بمنزلة البصر، و منها بمنزلة الشم و الذوق و اللمس، و منها بمنزلة الحواس الباطنة، و منها بمنزلة الأعضاء، و منها بمنزلة العضّلات، و منها بمنزلة الزينة كالشّعر، كما ذكرناه سابقا أن الملائكة بمنزلة القوي، و قس على هذا الأمر كله .

و من كان بنفسه في نفسه بهذه الشهود و الأتم، إلا و في اطلع على الكل بحسب مراتبهم، و بمعرفته بنفسه على هذا الأسلوب عرف الله .
و هذا تصديق قوله صلى الله عليه و سلم : " من عرف نفسه  فقد عرف ربه"
فإنه عين المجموع، و هذا من علم المضاهاة فإنه رأى نفسه واحدة العين كثيرة المظاهر، وحده في عين كثرة، و عرف ربه أنه واحد كثير، فعرف مراتب الكثرة في عين الوحدة، و سراية الوحدة في الكثرة، و علم نفسه أنه بمنزلة حبه، أوجد الحق منها أوراقا و أغصانا و أزهارا و أصولا و عروقا و بذورا كثيرة .
فظهرت الكثرة في الصورة عن عين واحدة، و هي عينها و غيرها بالشخص و هذا هو المراد من إيجاد العالم .
قال تعالى: "وما خلقْتُ الجِنّ والِإنس إلّا  ليعْبدُونِ" [ الذاريات: 56] :
أي ليعرفون أنّ الكثرة ناشئة عن الوحدة الحقيقية والنشأة الآخرة نشأة في بعض الأحكام، نشأت البرازخ غيبا أو شهادة، فترى نفسك فيها و هي واحدة في صور كثيرة و أماكن مختلفة في الآن الواحد، فيرى نفسه أنه هو ليس غيره في الكل، و هكذا يكون يوم القيامة فإنّ النبي صلى الله عليه و سلم يطلبه الناس في مواطن القيامة، فيجدونه من حيث طلبهم في كل موطن يقتضيه ذلك الطلب، في الوقت الذي يجده الطالب الآخر في المواطن الأخرى بعينه فسببه ما ذكرناه، فافهم .
و أما كيفية الاطلاع و البيان، فقد يكون بالتعريف الإلهيّ كالخلافة فإنها قد تكون بالتعريف، كما قال تعالى في آدم عليه السلام: "إنِّي جاعِلٌ فِي الْأرضِ خلِيفةً " [ البقرة: 30].
و قال لداود عليه السلام: "إنّا جعلناك خليفةً" [ صّ : 26]، و قال لإبراهيم عليه السلام: "إنِّي جاعِلك للنّاسِ إماماً"[ البقرة: 124] .
قد يكون: أي بالتجلي الإلهيّ وهو أتم من التعريف فإنّ متعلق التعريف السّمع وهو خبر إلهيّ بواسطة أو بلا واسطة .
و قد يكون الاطلاع و البيان بالتجلي و هو ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب بعد الستر، و لا يكون أبدا إلا بالتحقق و أنّ يكون حقّ اليقين و لا يلقى التخلق .
فبين مراتبهم و درجاتهم حتى علم ما علم، و ذلك أنه تعالى لما علمه الأسماء التي أودع فيه و جعل في قبضتيه عليه السلام، و هو الأسماء الكونية و كل اسم من العالم علامة على حقيقة معقولة مخصوصة به ليست للآخر.

و كذلك وجوده العنصري و وجود بنيه في خروجهم من آدم الخليفة إلى الوجود العيني فإنه كثير يطلب تلك الأسماء الكثيرة، و هم مسمياتها و إن كانت العين واحدة فهي كثيرة كما أن العالم من حيث أنه عالم واحد و هو كثير بالأحكام و الأشخاص، فاجتبى إليه من يشاء و يهدي إليه من ينيب .
و ما ذكرنا هنا نعتا و لا حالا بل ذكر الأمرين اجتباءا و بداية فافهم هذه الإشارة .
و لما خرج بنوه فنظر إلى شخص من أخويهم فسئل عنه؟
فقيل: هذا ولدك داود عليه السلام كما  في الخبر المشهور، فعلم بهذا الاطلاع و الأداة كل المسميات بطلسم اسمه، فإن الاسم طلسمه على المسمّى من علم الحروف و كيفية وضعها، كما أنعم الله على داود بإعطاء اسم ليس فيه حرف من حروف الاتصال .

وهي الحروف التي من شأنها أن تتصل بما بعدها فقطعه عن العالم بذلك، وسمّاه بذلك الاسم إخبارا لنا عنه عليه السلام بتجرّده وانقطاعه، وأعطي محمدا صلى الله عليه وسلم اسما بحروف الاتصال و الانفصال الاختصاصي لأنه حكيم عليم ما يضع الأشياء إلا في موضعها فيستخرجه العارف بوضع الحروف، فإن الأسماء تنزل من السماء فما وضع شيئا على شيء إلا بالحكمة، فالوجود كله ما انتظم منه شيء بشيء إلا للمناسبة ظاهرة أو باطنة صورية أو معنوية إذا طلبها الحكيم المراقب وجدها .

قال رضي الله عنه في مواقع النجوم: إن معرفة مثل هذه المناسبات من مقام خواص أهل الطريقة رضوان الله عليهم و هي غامضة جدا .
و لقد أشار أبو يزيد السهيلي إلى هذا المقام في كتاب: “المعارف و الإعلام” الذي له باسم النبي صلى الله عليه و سلم محمد و أحمد، و تكلم على المناسبة التي بين أفعال النبي صلى الله عليه و سلم و أخلاقه صلى الله عليه و سلم و بين معانيها .
و القائلون بهذه المناسبات عظماء أهل المراقبة والأدب و لا يكون هذا العلم إلا بعد كشف علمي و مشهد ملكوتي، و لا سيما الآمنين من طريقتنا  كشيبان الراعي، و أبي يزيد البسطامي، و من لقينا من المشايخ كالعربيني و أحمد المرسي و عبد الله البرجاني و جماعة منهم انتهى كلامه رضي الله عنه .
فعلم آدم مرتبة كل مسمّى من اسمه لا من خارج، و إنما قلنا أن الاطلاع تعريفي لأن الأخذ كان من ظهره يعني: ظهر الغيب عليه السلام و هو غيب له و أخذه في الميثاق أيضا من ظهره، فما نحن على يقين من ذلك أي من أنه كان بالكشف فأخذنا أقل المراتب مع احتمال ذلك، فإن قبضه لا مقطوع و لا ممنوع .

قال رضي الله عنه في هذا المبحث: عبدا وقف على علم ذلك باليقين و يخبر به انتهى كلامه .
و أما الخلافة بالتجلي فهو مخصوص سيد البشر صلى الله عليه و سلم وهو مظهر حقيقة الاسم الموفي مائة، و هم اسم الذات .
أما ترى طلب هذا الظهور من الأنبياء كداود عليه السلام فخوطب بخطاب تسعة و تسعين نعجة إشارة إلى تحققه بتسعة وتسعين اسما.
و طلبه الموفي مائة قيل: إنه لأخيك محمد صلى الله عليه و سلم و الطلب ليس في محل، و حين طلب موسى عليه السلام خوطب، فقال تعالى: “فخُذْ ما آتيْتك وكُنْ مِن الشّاكرين” [ الأعراف: 144] .
و كم تطاولت الأعناق لهذه المرتبة، و ضربت من دونها و خوطب بالصدّ و القلى .
قال الشيخ ابن الفارض قدّس سره من هذا المقام إشارة إلى هذا الصد بيت :
و لا تقربوا مال اليتيم إشارة    .... لكفّ يد صدّت له إذ تصدّت.

وكان أمية بن الصلت في الأيام الجاهلية يترشح للنبوة قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى كان من شأنه أنه قال لأخته: ها أنا أنام فاصنعي طعاما.
قالت: فبينما هو نائم إذ رأيت وقد نزل طائران من النافذة فشق أحدهما صدره، ثم أخرج نكتة سوداء فقال أحدهما: أوعي؟
قال الآخر: نعم، و على علوم الأولين
فقال: أدرك
فقال: لا
فقال: ردّوا قواده إليه فليست النبوة له إنما هي لسلالة عبد المطلب
قالت: فلمّا انتبه أخبرته بالقصة فبكي وقال متمثلا بأبيات، ثم انصدعت كبده فمات،
فانظر إلى لمن يبلغ به أهله و الأمر محتوم فافهم  .
و كان آدم أبو البشر حامل الأسماء و نبينا صلى الله عليه و سلم حامل معانيها .
فلهذا قال رضي الله عنه: إن الأمم السابقة ما وقفوا من الاسم الأعظم إلا على حروفه أو على معناه ، بخلاف المحمديين فإنهم جمعوا بين الحروف والمعان .
وأشار إلى هذا المعنى سيدنا قطب الوقت محيي الدين عبد القادر الكيلاني في سكره حاكيا عن المرتبة المحمدية و المحمديين:
معاشر الأنبياء أوتيتم اللقب و أوتينا ما لم تؤتوا ذكره رضي اللّه عنه في "الفتوحات" .
و ذكر فيها: إن اثنى عشر نبيا صلوات الله عليهم أجمعين صاموا نهارهم و قاموا لياليهم مع طول أعمارهم سؤالا و رغبة و رجاءا أن يكونوا من أمته، فافهم .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment