Thursday, July 11, 2019

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر العاشر فص حكمة أحدية في كلمة هودية الفقرة التاسعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

10 - The Wisdom Of Unity In The Word Of HUD

الفقرة التاسعة عشر :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : ( فقد مرض وتألم أهل العناية- مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم .)
قال رضي الله عنه : (فقد مرض وتألم) في الدنيا بأنواع الأمراض والأوجاع والآلام (أهل العناية) من الخاصة والعامة (مع علمنا) قطعة (بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا) وكثير من الناس جرى عليهم لسان الشرع بالتلقيب بالكافرين والضالين المضلين والفاسقين والمبتدعين.
ثم انتسخ ذلك عنهم وزال حكمه بخلق الله فيهم الإيمان والهداية ، فلقبوا بالمؤمنين والصالحين والأولياء المقربين، وبعد أن توجه عليهم غضب الله تعالی وکانوا من أهل السخط والعقوبة زال ذلك عنهم.
وتبدل الغضب بالرضوان والمثوبة، وبالعكس من ذلك أيضا ولم يلزم منه فساد في ملك الله تعالى ولا تعطيل اسم من أسمائه ولا صفة من صفاته، لأن صفاته تعالى وأسماءه ثابتة له تعالى من الأزل إلى الأبد ولا توقف لها على ظهور أثر أصلا، بل الآثار موقوفة عليها لا هي موقوفة على الآثار، والله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
والمخلوقات كلها متغيرة متبدلة في كل حين كما هو المشاهد في الدنيا ، وكذلك في الآخرة وإن كانت الآخرة متسر مدة عليهم وأهل الجنة والنار باقون على الأبد.
ولكن تغيير أحوالهم في ظواهرهم وبواطنهم كائنة لا محالة ، فإذا أدركت الرحمة جميع أهل الآخرة وعمتهم مع بقاء أحوالهم فيها على ما هي عليه وتبدلها من حيث الأذواق باطنا فلا بعد في ذلك والنصوص بسبق الرحمة والغضب واردة.
والإشارة القرآنية على ذلك متعاضدة .
قال رضي الله عنه : (فمن) بعض (عباد الله) تعالى (من تدركهم تلك الآلام) والبلايا التي أدركت أهل السعادة في الحياة الدنيا تدركهم (في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم ومع هذا)، أي إدراك الأمر لهم في الحياة الأخرى (لا يقطع أحد من أهل العلم) بالله تعالى (الذين كشفوا الأمر) الإلهي في جميع العالمين (على ما هو عليه) في نفسه.
(أنه)، أي الشأن (لا يكون لهم)، أي لأهل الشقاء في الآخرة (في تلك الدار) التي تسمى جهنم (نعیم) روحاني ذوقي (خاص بهم) ليس مما يعهد في الحس والعقل إما بفقد ألم العذاب الذي (كانوا يجدونه) في نار جهنم مع بقاء صورة العذاب عليهم إلى الأبد (فارتفع عنهم) وجعه وبقيت عينه على ما هو عليه .
قال رضي الله عنه : (فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم) الذي كانوا يجدونه أولا مدة يوم القيامة حتى ينقضي كما انقضى يوم الدنيا، ويبدأ يوم الخلود كما قال سبحانه :
"ذلك يوم الخلود " [ق: 34] .
فيوم الخلود بعد أن ييأس أهل النار من الخروج منها وينادوا : "ونادوا يامالك ليقض علينا ربك" ، وهم فيها يصطرخون وأن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه : "قال إنكم ماكثون " [الزخرف: 77].
فإذا ابتدأ يوم الخلود أدركوا هذا النعيم الروحاني الذي كانوا بعضهم من طوائف أهل النار مؤمنین به في الدنيا ولاحظ لهم من النعيم الجسماني الذي كذب به من كذبه منهم.
قال رضي الله عنه : (أو يكون) لهم في النار (نعیم مستقل) غير الراحة وزوال الألم (زائد) على الراحة وزوال الألم المذكور (کنعيم أهل الجنان في الجنان).
وقد اختلف أهل الله تعالى في هذه المسألة وكلهم مجمعون بطريق الكشف والإشارة اللائحة من النصوص العقلية على أن المآل والمرجع إلى الرحمة وسبقها للغضب وتأخر الغضب عنها (والله أعلم ) بما هو الأمر عليه في نفسه وهو الحكيم الخبير .
تم فص الحكمة الهودية
شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
(فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا) سعداء ممتزجين من (أنهم سعداء أهل حق) .
قوله رضي الله عنه :: (في الحياة الدنيا) متعلق بتألم (فمن عباد الله من ندركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمي جهنم) فكما لا ينافي الألم السعادة في الحياة الدنيا كذلك لا ينافي في الحياة الأخرى .
فكما أن أهل الحق إذا تألموا في الحياة الدنيا فهم على لذة في ذلك الألم بمشاهدة ربهم فلا يشغلهم الألم عن ربهم.
فإن الألم أين من الأبنبات والأين لا يشغل العارفين عن استحضار الحق كذلك أهل النار في الحياة الأخروية وإن كانوا يتألمون فهم على لذة روحانية بمشاهدة ربهم لانهم عارفون فيها فلا يحتجبون بالألم عن الحق فلا ينافي الآلام راحتهم .
وقد أورد دليلا على ذلك كلام أهل الله بقوله رضي الله عنه : (ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما مو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعیم خاص بهم أما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم من وجدان ذلك الألم أو يكون نمیم مستقل زائد) على فقد المهم مناسب لحالهم.
قال رضي الله عنه : (کنعيم أهل الجنان في الجنان) قوله : (والله أعلم).
يدل على توقف المصير في هذه المسألة.
أقول: إن لهذا الكلام مبني وتحقيقا أما مبناه فهو أن رحمة الله متنوعة بلا شك رحمة خالصة من شرب الألم كما في الجنة ورحمة ممتزجة بالألم كما في الأنبياء .
فإن منهم من يدركهم الألم في الدنيا وهم في لذة وراحة في ذلك الألم بل الألم عين الرحمة في حقهم فهم يحسون الراحة مع حسهم الألم.
إذ لا ينفك نعم الله منهم في أي حال كانوا ولا ينبغي لأحد أن ينكر اجتماع الألم واللذة في طبعهم الشريفة فلما سبقت رحمته غضبه لا يكون العذاب أبدا إلا ممتزجا إذ رحمه الله بالنسبة إليه عامة في حق كل شيء.
والعذاب قد عرض باستحقاق عين الممكن بالمخالفة أو بحكمة أخرى فلزم الامتزاج من ذلك فلا ينافي الألم ظهور أثر الرحمة وهو وجدان الراحة في بعض المزاج هذا هو مبنى الكلام .
وأما تحقيقه فهو أن قوله "وسعت رحمتي كل شيء" (الأعراف: 156) عام في حق كل شيء وكذلك «سبقت رحمتي غضبي» عام.
والنصوص الواردة في حق الكفار كلها بحسب اجتماعها وانفرادها لا تدل قطعيا إلا على حرمانهم أبدا عن رحمة خالصة وهي نعيم الجنان يعني لا يخرجون عن النار أبدا ولا يدخلون الجنة .
وأما دلالة النصوص على أنهم لا يخلون عن العذاب أبدا على معنى لا يرتفع العذاب أصلا لا ينافي كلامهم .
فإن قولهم: يجوز أن يكون لهم في نار جهنم بعد التعذيب إلى ما شاء الله نعيم مباين نعيم الجنان هو بعينه ممتزج بالعذاب .
لأن النعيم الخاص في الدار الآخرة عندهم مختص بنعيم الجنان لا يوجد في غيره فلا يخلون عن العذاب أم على ذلك التقدير غايته يحسون الراحة ويجدون اللذة بعد المدة المديدة ويجمعون اللذة والألم لظهور الرحمة التي سبقت في حقهم بقدر نصيبهم فيحسونها في الألم لكسب الاستعداد إلى وجدان الحس فإن العذاب متنوع فحاز أن
يجتمع نوع من العذاب بنوع من الرحمة ويؤيد ما قلناه تفسير البيضاوي في قوله تعالى فلو جعل قوله : "لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا " [النبأ: 24 - 25] .
حالا من المستكن في لابثين أو نصب أحقابا لا يذوقون احتمل أن يلبثوا فيها أحقابا غير ذائقين إلا حميما وغساقا .
ثم يبذلون جنسا آخر من العذاب فلا تقطع النصوص الواردة في حقهم الرحمة بكليتها بالنظر إلى نفسها من غير اقتران بالإجماع فظهر أن كلامهم أدل على بقاء العذاب للكفار من النصوص الواردة في حقهم الرحمة بكلبتها بالنظر إلى نفسها من غير اقتران بالإجماع فظهر أن كلامهم أدل على بقاء العذاب للكفار من النصوص والإجماع .
لأنهم لما قسموا الرحمة إلى الخالصة من الألم والممتزجة مع الألم وحصروا الخالصة في الدار الآخرة إلى نعيم الجنان .
تعين ما أثبتوا لهم من الراحة على الاحتمال ومجرد الجواز لا على تحقيق الوقوع لا يكون أبدا إلا رحمة ممتزجة بالألم فلا يخلو عن العذاب قطعا ولا يخفف عنهم العذاب بتقليل أسبابه إذ مال التخفيف إلى ارتفاع العذاب.
وذا ينافي الرحمة الممتزجة لهم ولا هم ينظرون بنظر الرحمة التي في دار الجنان فإن هذه الرحمة ليست بنظر الرحمة في حقهم بل هي سبقت في حقهم مرکوزة في جبلتهم ومكنونة في بطونهم .
فظهرت في وقتها لوجود شرائط ظهورها وهي من مقتضيات طبعهم تحصل لهم لا تحصل بنظر الله لهم .
لذلك لا يرتفع بظهورها العذاب، ولو كانت تلك الرحمة بنظر الله لارتفع عذابهم فلا تخصص بالنصوص الواردة في تأييد العذاب في حق الكفار قوله : "وسعت رحمتي كل شيء" وبقي على عمومه بحسب نصيب كل شيء منها.
ولا تسقط بها عموم الرحمة في حق الكفار إلا في نوع من أنواعه وهو نعيم الجنان فرحمة الله تعالی تعم الأشياء كلها بالنص الإلهي حتى العذاب إذ العذاب وجود والوجود من رحمة الله تعالی بل الحق أيضا بمعنی إيصال الرحمة فيه كان رحيما فشيئه لا كشيء والله على كل شيء قدير بل کشيء.
 والله بكل شيء عليم ورحمة الله تعالى واسعة ونور من الله تصل إلى عباده على حسب استحقاقهم ولا يطفى نور الله شيء في حق شيء والله متم نوره .
بأن نقول إن الله قد يتجلي في الجنة القلوب عباده من أهل الله بعظمة جلاله وكبريائه فيشاهدون قدرة الله على إهلاكهم وإهلاك الجنة لإمكان الهلاك في نفسه وإنما كان وعد الله حقا وهو النصوص الواردة في عدم هلاكهم وهلاك الجنة.
لكن لا ينافي ما قلناه كالمبشرة من الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين بزید خوفهم من الله بعد البشارة بالجنة بالنص الإلهي فحالهم هذه ناشئة من كمال يقينهم بالنص في حقهم فيقعون في خشية الله تعالى بسبب هذا العلم الحاصل من التجلي. "إنما يخشى الله من عباده العلماء".
والخشية توجب الخوف، والخوف نوع من الألم من كونهم في الراحة الكلية فيجتمعون الألم المعنوي الجزئي و الراحة الصورية الكلية في دار النعيم والنصوص لا تقطع في حقهم إلا الألم الصوري لا الألم المعنوي.
 قال الشيخ في كلمة عزيرية العلم بسر القدر يعطي الراحة الكلية للعالم به ويعطي العذاب الأليم أيضا للعالم به فهو يعطي النقيضين تم كلامه .
وقد ظهر سر القدر في اليوم الآخر لكل أحد فيعطي النقيضين في ذلك اليوم أيضا والإنسان لكونه مظهرة للأسماء الإلهية المتقابلة لا يزال جامعا للنقيضين الألم والراحة بحسب المقامات وبحسب الظهور والبطون .
فألم أهل الجنة في غاية الخفاء والبطون بظهور الراحة الكلية كما أن راحة أهل النار في غاية الخفاء والبطون بظهور العذاب الأليم .
فلا يصح في التحقيق سلب الألم والنعم عن الإنسان من كل الوجوه لعموم الجمعية في نشأته الدنيوية والأخروية والمقصود إثبات عدم انقطاع أثر الأسماء المتقابلة وأحكامها عن وجود الإنسان وقد نازعني بعض العلماء في ذلك بقوله تعالى: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها" [النساء: 56) .
وما علموا أن كلما لعموم الفعل لا لدوام ثبوته فما ثبت قطع الرحمة بالكلية في حقهم إلا بالإجماع وما لهم نص في ذلك إلا أنه لما دل النصوص على حرمانهم أبدأ عن الرحمة العظمى والجليل القدر عند الله والنعمة العظمى والنافعة الكبرى وهي نعيم الجنان فلا رحمنه عندهم في الدار الآخرة أصلا غير ذلك .
وكل ما عدا ذلك عذاب محض غير الأعراف وما جاز عند أهل الفناء من الرحمة الممتزجة بالعذاب ليس بشيء من الرحمة عندهم على أنه من أي شيء عرفتم أن الإجماع وقع على نفي ما جاز عند أهل الله لا بد من البيان .
فجاز وقوع الإجماع على ما دل عليه النصوص بدون سلب کلي غايته أنهم لم يتعرضوا جوازه ولا عدم جوازه.
فجاز أن يدخل تحت الإجماع وأن لا يدخل بل التفويض والتوقف في ذلك أولى وأنسب من أهل الفناء إلى الإجماع لأن حكمهم على حسب علمهم ولا يتعلق علمهم بما في العذاب بدون نص حتی تعلق حكمهم بالنفي أو الإثبات .
إلى ما في لب العذاب إذ كل نص عندهم لا يدل إلا على بقاء ظاهر العذاب ولا يلزم منه الدلالة على ما في العذاب فلا حكم لهم في باطن العذاب أصلا بحسب النصوص.
 وإن قلتم اجتمعوا على ذلك برايهم أو بالنص هات البرهان على ذلك من النقل أو العقل، فلا يتوهم أن هذا المعني تكلم منهم من عند أنفسهم بل أخذوا الرحمة عن بعض النصوص .
وهو قوله: "سبقت رحمتي غضبي" ، "ورحمتي وسعت كل شئ"، وغير ذلك من النصوص الدالة على شمول الرحمة وأخذوا عن بعض النصوص بقاء العذاب عليهم فجوزوا الرحمة الممتزجة من العذاب إبقاء لحكم النصوص.
إذ لا يترك حكم الله من غير ضرورة ولا ضرورة ههنا وعاملا بقوله تعالى: "أعطى كل ذي حق حقه" فنهاية علم العلماء بالله في مثل ذلك التوقف وتفويض الأمر .
كما توقف الشيخ صاحب الكتاب رضي الله عنه في حق فرعون وفوض أمره إلى الله .
وقال : ثم إنا نقول بعد ذلك والأمر فيه إلى الله لما استقر في نفوس عامة الخلق إلى شقائه . فراعى الشيخ جانب الإجماع لأن الإجماع كما كان حجة عند أهل الظاهر كذلك حجة لأهل الله سواء كان بالنص أو بدونه فإذا عرفت هذا.
فاعلم أن أهل الله الذين انكشف لهم أسرار النصوص الإلهية في مثل هذه المسائل إذا نظروا إلى النصوص يبسطون ويرجون رحمة الله وإذا نظروا إلى الإجماع خافوا عقاب الله .
هكذا حالهم إلى آخر عمرهم، فعلمهم هذا يعطي الحيرة والتوقف وتفويض الأمر إلى الله وهو مقام الأعراف.
وعلى الأعراف رجال فهم ثابتون في هذا المقام الأعلى والأشرف فكان ثبوتهم بين هذه النصوص والإجماع وهو عين ما ذهب إليه جميع الملل الإسلامية من أنه المؤمن بين الخوف والرجاء فلا يكذبون النصوص ولا الإجماع.
بل يصدقون ويجمعون بينهما كيف فإن قوله لا يقطع أن يكون لهم نعيم مباین لا يدل إلا على احتمال الوقوع لا على تحقق الوقوع والرجاء.
بتحقيق بمجرد احتمال وقوع الوعد فليس في كلامهم في هذه المسألة دلالة على تحقق وقوع الرحمة ولو ممتزجة بل على جواز الوقوع.
فكما أن المؤمن في حالة الرجاء لا يكذب النصوص الواردة في الوعيد وفي حالة الخوف لا يكذب النصوص الواردة في الوعد.
وكذلك أهل الفناء فما مسألتنا هذه إلا وهي عين ذلك ولا تحمل عليه أي على الشيخ ما لا تحمل عبارته بل كل ما نقوله من مدلولات کلامه ومقصوده وليس مقصوده من إيراد هذه المسألة إلا تحقیق دلالة النصوص في هذا الباب.
فإن أكثر الناس لا يعلمون مثل ما علمه فما ثبت قطع الرحمة عنده بالكلية إلا بالإجماع.
وأما النصوص فلا تدل إلا على قطع نوع من الرحمة وهو نعيم الجنان، فقد رفع الحجاب بذلك التحقيق عن وجوه المعاني لأهل الإنصاف وهذا التطبيق والتوجيه على مراده مما لم يهتدي به أحد من قبلي.
والله الهادي إلى صراط مستقيم وما ذلك الكتاب إلا كرامة منه لذلك رد البعض وقبل البعض وذلك من خصائص المعجزة والكرامة شعبة منها.
إلا أن منهم من رده لغير أهله وأجازه لأهله فله وجه ظاهر مطابق للواقع، ومنهم من زده وبالغ في رده بالإبطال والإحراق فله وجه صحيح أيضا.
فإن للفتوى لا يكون عن جهل لأنه هو الحكم على ما ينتهي إليه علم المفتي من الحق والباطل.
فإن الحكم في حق الشيء بالحق أو الباطل تابع بعلم المفتي لا على ما كان عليه نفس ذلك الشيء في الواقع فلا يكلف إلا بالجهد على قدر طاقته البشرية بحيث لا يكون مقصرا في جهده في حكم شيء.
كالمصلي المتحري نحو القبلة ولا يكلف باطلاع على حقيقة الأمر فإن ذلك ليس في وسع كل أحد فكان مثابا مأجورا بعمل ما يجب عليه من حفظ الشريعة المطهرة ولا يتعلق به لسان الذم شرعا.
وحقيقة بل هذا عند أهل الله بل عند صاحب الكتاب أكمل الناس في مقام الشرع لظهور غاية الشرع بكماله منه فكان الإحراق في حق الكتاب وإن كان ظلمة أولى من أن لا يطلع ويعمل به فاستحق بذلك عند أهل التحقيق لان المدح فلا ينبغي للسالكين أن يظنوا السوء بالعلماء في مثل ذلك.
فإن ظهور هذه الأفعال منهم لا يكون إلا عن كمالاتهم في مرتبتهم اقتضت صدور ذلك لا عن نقصهم فمن ظن السوء منا فليس ذلك
إلا عن جهله وتصوره في طريق التصوف.
أيها المحب اسمع من لسان الفقير فائدة جديدة جليلة وهي أنه لما قال الله تعالی للملائكة : "إني جاعل في الأرض خليفة" [البقرة : 30] قالوا: "أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء" [البقرة : 30] .
انضمت هذه المنازعة إلى علة آدم فأثرت في وجوده فكل آدم حاملا لها فخرجت من ذريته ثلاثة طوائف :
خليفة عن الحق والملائكة معا وهم الأنبياء والمرسلون.
وخليفة عن الحق وهم أولياء الله ومن كان في طريقهم
وخليفة عن الملائكة وهم علماء الشريعة وأئمة الدين
فمقام الأولياء العفو والستر والنظر إلى جهة الكمال كما فعل الحق بآدم ولا ينظرون إلى جهة القصور بل كل شيء تام بنظرهم لعلمهم بأن الله تعالى قبل آدم وأوجد ولم يرد قول الملائكة في حقه مع علمه بعصيان آدم ولم ينظر إلى قصورهم بل نظر إلى جهة كماله وقيل من كل عيب ثم أوجدهم وقال في جوابهم "إني أعلم ما لا تعلمون" [البقرة : 30] .
يعني أن ما قلتم في حقه صدق لكنه إني أعلم منه غير ذلك من الكمال ولو علمتم ما أعلم لم ينازعني فلم علم الملائكة ما علم الله بتعليم الأسماء ارتفع نزاعهم فقالوا: " لا علم لنا إلا ما علمتنا" [البقرة: 32] .فهذا هو مقام أهل الله خلافة عن الحق .
وأما خليفة الملائكة فهم علماء الشريعة وأئمة الدين فإن مراد الملائكة بقوله :"أتجعل فيها" تقديس الحق وتنزيهه عما لا يليق بجناب عزه من الإفساد وسفك الدماء وغير ذلك من المناهي الشرعية.
لذلك قالوا: "ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " [البقرة : 30] يعني لا يليق بحضرتك إلا التسبيح والتقديس ، فأقامهم الله في مقام التقديس مقام الملائكة فسبحوا وقدسوا الحق بحسب علمهم على كل ما يليق به تسبيحهم وتقديسهم وإن لم يعلموا مرتبتهم فإذا علموا ما علم أهل الله ارتفع نزاعهم لعلمهم علما وراء علمهم الذي أنكروه قبل ذلك .
لحصرهم العلم على علمهم فما كان نزاعهم في التحقيق إلا لطلب العلم عن أهله وإن كانوا لا يشعرون بذلك فالنزاع ينشأ من عدم علمهم بحقيقة العلم .
فإذا علموا سلموا كالملائكة عند علمهم من آدم بما علم الله منه .
كما أن الملائكة ليس مرادهم المنازعة مع الحق بل طلب العلم بحكمة الخلافة مع التقديس جناب الحق .
فإذا كان العلماء خليفة الملائكة وجب تعظيمهم كالملائكة بل هم أحق بالتعظيم من الملائكة فهم البشر الملك والملك ملك وحده فإنهم حجة واضحة لله تعالى في الأرض عامة .
الحكم لجميع الناس وليس كذلك أهل الحق فإنهم حجة مخصوصة لطائفة مخصوصة وكم بينهما إلا فتعظموهم على أي حال كانوا من الإقرار والإنكار فإن إنكارهم بعض أفعال الفقراء وأقوالهم وأحوالهم عين تنزيههم الحق وتقديسهم عما لا يليق به اقتضت غيرة الحق بحسب مقامهم صدوره منهم.
فتعظيمهم تعظيم الحق والملائكة وتعظيم الأنبياء فإنهم كأنبياء بني إسرائيل وورثة الأنبياء فهم حملوا على ظهورهم ما لا تحمله السموات والأرض .
وما قدر أحد قدر هم إلا من علمه الله من لدنه علما فلا يصح المعارضة والمنازعة معهم في شيء فالواجب علينا فيما أشكل عليهم من كلام أهل الفناء التطبيق الشرعي.
فإن علم أهل الله المسمى بالعلم الباطن من مدلولات ما دل على العلم المسمى بالعلم الظاهر والأول عين الثاني بالذات .
فهو مستفاد من وجوه الشرع لكن لا يفهمه كل أحد بل يفهم من تنور عقله بالنور الإلهي فمن ذهب إلى أنه مغاير بالذات لا يمكن التطبيق الشرعي بحيث يسلم ويقبل عند الشرع بحسب القبول فقد أخطأ .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : " فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . "
معنى الحكمة ظاهر


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : "فقد مرض وتألَّم أهل العناية مع علمنا بأنّهم سعداء أهل الحق في الحياة الدنيا ، فمن عباد الله من يدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمّى جهنّم ، ومع هذا فلا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه ، أنّه لا يكون لهم في تلك الدار " أي في دار جهنّم « نعيم خاصّ بهم " .
يشير رضي الله عنه إلى أنّ أهل جهنّم على ما هم عليه من البعد المتوهّم ينعّمون بما يعذب لهم من العذاب الذي ألفوه مدّة في تلك الدار ثمّ فصّل ذلك النعيم الخاصّ بهم .
بقوله رضي الله عنه« إمّا بفقد ألم كانوا يجدونه ، فارتفع عنهم ، فيكون نعيمهم راحتهم من وجدان ذلك الألم ، أو يكون نعيم مستقلّ زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان والله أعلم " .
يعني : أنّ كلا القسمين بالنسبة إليهم إدراك ملائم لهم ، فافهم وتدبّر


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : ( فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم ، ومع هذا لا يقع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم) .
قوله في الحياة الدنيا متعلق بقوله مرض وتألم ، ثم إن أهل العلم الكشفي يطلعون من طريق الكشف على أن أهل جهنم قد يكون لهم نعيم مختص بهم ولذة تناسب حالهم ، مع كونهم في دار الهوان والبعد المتوهم وبعض الشر أهون من بعض ، ومع ذلك لا يخلد مؤمن في عذاب جهنم وإن كان فاسقا .
"" إضافة بالي زادة :  ( فالكل مصيب ) في اعتقاده الحق في نفس الأمر سواء طابق ذلك الاعتقاد بالشرع أو لم يطابق ، لكنه إذا لم يطابق الشرع لا ينفع ( وكل مصيب مأجور ) بحسب اعتقاده ، فكان أجر من اعتقد بما يخالف الشرع من الكفار ، والتلذذات الروحانية بمشاهدة ربه مخلدا في النار ( وكل مأجور سعيد ) وإن شقي ، أي وإن عذب ذلك السعيد بالعذاب الخالص زمانا طويلا في الدار الآخرة ، فكان المؤمن سعيدا خالصا من الشقاء لذلك أدخلوا الجنة ، والكافر سعيدا ممتزجا من الشقاء لذلك أبقوا في النار ، وكذلك في الرضا اهـ بالى .
( في دار تسمى جهنم ) فكما لا ينافي الألم السعادة في الحياة الدنيا كذلك لا ينافي في الحياة الأخرى ، فكما أن أهل الحق إذ تألموا في الدنيا فهم على لذة في ذلك الألم بمشاهدة ربهم فلا يشغلهم الألم عن ربهم ، فإن الألم أين من الأينيات والأين لا يشغل العارفين عن استحضار الحق ، كذلك أهل النار في الأخرى وإن كانوا يتألمون فهم على لذة روحانية بمشاهدة ربهم ، لأنهم عارفون فيها فلا يحتجبون بالألم عن الحق فلا ينافي المهم راحتهم ، وقد أورد دليلا على ذلك بقوله ( ومع هذا لا يقطع ) اهـ بالى . ""
ثم فصل النعيم المختص بأهل النار بقوله ( إما بفقد ألم كانوا يجحدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم من وجدان ذلك الألم أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان ، والله أعلم ).
ولكن بالنسبة إليهم فإن اللذة إدراك الملائم ، فقد يكون نعيم ملائم لهم يلتذون به مع أنه بالنسبة إلى أهل اللطف عذاب أليم للطف إدراكهم ، وقد يكون مماثلا لنعيم أهل الجنة في بعض الصور ، ولكن أهل الجنة يختصون بأنواع النعيم المقيم ، مما ليس لأولئك فيه نصيب .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : (فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل الحق في الحياة الدنيا) .
تقديره : فقد مرض وتألم أهل العناية في الحياة الدنيا مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق .
قال رضي الله عنه : (فمن عباد الله من يدركهم الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى "جهنم " ، ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم ، إما بفقد ألم كانوا يجدونه ، فارتفع عنهم ، فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم ، أو يكون نعيم مستقل زائد ، كنعيم أهل الجنان في الجنان . والله أعلم ) .
كل هذه الأقسام لمن هو خالد في النار ، إذا العاصون من المؤمنين خارجون منها . ونعيم أهل النار لا يكون إلا بحسب استعدادات نفوسهم ، فيتفاوتون .
وإنما قال : ( نعيم مستقل زائد ) لأنه لا يشبه لنعيم أهل النعيم ، بل يكون مشابها للجحيم ومناسبا لأهله . والله أعلم .


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : ( فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم .)
قال رضي الله عنه : (فقد مرض وتألم أهل العناية) وهم الأنبياء والأولياء (مع علمنا بأنهم سعداء)، وكيف لا هم (أهل الحق في الحياة الدنيا) حال ما باشرهم المرض والألم، فكيف تنافي الشقاوة السابقة السعادة اللاحقة.
فمن عباد الله المعتقدين فيه الاعتقادات المخصوصة التي دل عليها إحدى الأدلة المذكورة (من تدركهم تلك الآلام ) المسماة عذابا لما فاتهم من الاعتقاد الكامل (في دار تسمى جهنم) وراء شدائد القيامة والقبر.
وأشار بهذه العبارة إلى أنها بالنظر إلى ما يحصل لهم من السعادة الكاملة بسبب التصفية الحاصلة لهم منها، كأنها اسم لا مسمى في حقها.
قال رضي الله عنه : (فلا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه)، وإن اختلف المتكلمون فيه تكفيرهم بعضهم أيضا مع كون الكل من أهل القبلة (أنه لا يكون لهم في تلك الدار) فضلا عما يحصل لهم بغير الخروج عنها (نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه، فارتفع عنهم) بأن يصيروا کالأموات قبيل الإخراج من النار.
قال رضي الله عنه : (فیکون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم)، وإن كان هذا كالعدم (أو يكون نعيم مستقل زائد) على دفع الألم عندما أعلموا بقرب الخروج من النار، فإنه يكون (کنعيم أهل الجنان في الجنان والله أعلم).
وليس هذا في حق المشركين والجاحدين له، أو لشيء مما يجب الإيمان به إذ كلامنا في المعتقدين في الله اعتقادا دل على إحدى الأدلة المذكورة.
والمشرك لما اعتقد ألوهية الغير؛ فإن كان من الأمور الموهمة؛ فقد اعتقد في الله هو ما اعتقده مما ليس بشيء، فكأنه لم يعتقده أصلا، وإن كان من الأمور الموجودة، ولا شك أنه حادث.
فقد اعتقد جواز كون الإله حادثا، وليس بإله فكأنه لم يعتقد إلوهيته أصلا.
والجاحد له أمره ظاهر في عدم الاعتقاد، وأما الجاحد لما يجب الإيمان به فجاحد اليوم الأخر جاحد لدوام وإلهيته عليه السلام.
وجاحد الأنبياء جاحد اليوم الأخر إذ لا يعرفه بدونهم، وجاحد الملائكة والكتب الإلهية، جاحد للنبوة وجاحد القدر جاحد للعلم الإلهي الذي به وإلهيته.
فإن سلم صحة اعتقاد الجاحد لشيء يجب الإيمان به مع ما يعارضه مما ذكرنا؛ فنقول: المراد أنهم تنحدر جلودهم حالة النضج والتبديل؛ فلا يجدون الآلام في تلك الحالة، وربما يجد بعضهم في تلك الحالة نعيما خياليا كما يراه النائم، حتى إذا بدلت جلودهم عادت الألام عليهم.
وقد صرح بذلك في «الفتوحات المكية في الباب الثاني والستين في مراتب أهل النار، وإليه يشير قوله تعالى: "كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب" [النساء: 56] .
فلو حصل لهم العذاب حالة النضج لم يحتج إلى التبديل، وربما يشير إليه قوله تعالى: "إلا ما شاء ربك" [هود: 107] في سورة هود عليه السلام بعد قوله:
"فأما الذين شقوا في النار هم فيها زفير وشهيق خلين فيها ما دامت الشموت والأرض" [هود: 106، 107].
وربما يشير إليه أيضا قوله تعالى: "فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا" [النبأ:30].
فإنه لا بد للزائد من المزيد عليه، وهو النعيم الواقع في الأزمنة القليلة المتحللة بين أزمنة العذاب الكثيرة التي لا يعقل معها أزمنة النعيم لغاية قلبها؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
ولما فرغ عن بيان الحكمة الأحدية والواصل إليها، فتح ما اختزنته من الكثرة التي فيها بالقوة کالعدد في الواحد.
شرع في الحكمة الفاتحية المخرجة لما فيها بالقوة إلى الفعل؛ فقال:
شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : ( فقد مرض وتألَّم أهل العناية - مع علمنا بأنّهم سعداء أهل حقّ - في الحياة الدنيا ) .
نعيم أهل جهنّم
قال رضي الله عنه : ( فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار يسمّى" جهنّم " ) وأنت قد عرفت من قريب ما يختصّ به أهل جهنّم من الملائمات الخاصّة بأهل القرب ، فاستشعر ذلك قائلا رضي الله عنه : ( ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنّه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاصّ بهم ، إمّا بفقد ألم كانوا يجدونه )
مما يمنعهم عن إدراك ما هم عليه من القرب ، كالتوهّمات والخيالات العائقة عن إدراك الأمر على ما هو عليه ( فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم ، أو يكون نعيم مستقلّ زائد ) على فقد المؤلم ، ذلك مما يثمره أطوار أدوار الزمان على أفنان الوقت ، ( كنعيم أهل الجنان في الجنان والله أعلم ) .
تمهيد للفصّ الآتي
وإذ قد بيّن في الفصّ الهودي أمر الطريق وما هو عليه من الاستقامة والاستواء واتّفاق السالكين كلَّها فيه على منهج الصواب ومسلك السداد :
ناسب أن يستردف ذلك بما يكشف عمّا به يتحقّق السلوك على ذلك الصراط المستقيم .
ومنه تصدر الحركة في منهجه القويم ، وعمّا به تتخالف المذاهب وتتباين الطرق والشوارع فقال :
شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم . )
قال رضي الله عنه : ( فقد مرض وتألم أهل العناية- مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم .)
قال رضي الله عنه : (فقد مرض) ، أي فإنه قد مرض .  (وتألم أهل العناية) ولا شك أن كل واحد من المرض والتألم شقاوة (مع علمنا بأنهم سعداء أهل الحق في الحياة الدنيا) قوله : في الحياة الدنيا ، متعلق بقوله : مرض وتألم. أي فكذلك من عباد الله من تدركهم الآلام في الحياة الدنيا .
قوله : في الحياة الدنيا، متعلق بقوله : مرض وتألم (فمن عباد الله)، أي فكذلك من عباد الله ( من تدركهم الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى بجهنم ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر)، أي أمر دار جهنم .
قال رضي الله عنه :  (على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعیم خاص بهم)، لا يتجاوز إلى أهل الجنة وذلك النعيم الخاص (إما) يكون (بفقد ألم كانوا يجدونه) أو (فارتفع عنهم) آخرا (فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم) وخلاصهم عنه.
قال رضي الله عنه :  (أو يكون نعیم) وجودي (مستقل زائد) على الراحة والخلاص من الألم (کنعيم أهل الجنان في الجنان) فإن نعيمهم لیس مجرد خلاصهم عن ألم العذاب بل أمور زائدة عليه كما أخبرت به الشريعة الحقة.

(والله أعلم) بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل .
واتساب

No comments:

Post a Comment