Saturday, July 13, 2019

السفر الرابع فص حكمة قدوسية فى كلمة إدريسية الفقرة الحادي والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع فص حكمة قدوسية فى كلمة إدريسية الفقرة الحادي والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الرابع فص حكمة قدوسية فى كلمة إدريسية الفقرة الحادي والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله

04 - The Wisdom Of Holiness In The Word Of ENOCH

الفقرة الحادية والعشرون:
كتاب المفاتیح الوجودیة والقرآنیة لفصوص الحكم عبد الباقي مفتاح 1417هـ :
المرتبة 04 هو: لفص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية من الاسم الآخر ومرتبة الهباء وحرف الحاء ومنزلة الدبران من برج الثور
الجسم هو آخر مراتب الظهور العينى. فالاسم الظاهر المتوجه على إيجاد الجسم يستلزم ظهور الاسم الآخر .
وفي هذا المعنى يقول الشيخ في حضرة الآخر من الباب 558: (... فالإنسان الكامل هو الآخر لأنه في الرتبة الثانية وهو الخليفة وهو أيضا الآخر بخلقه الطبيعي فإنه آخر المولدات) .. فظهر جسمه فكان المسمى آدم فهو الآخر.
بالنسبة للصورة الإلهية والآخر أيضا بالنسبة للصورة الكونية الطبيعية فهو الآخر نفسا و جسما وهو الآخر برجوع أمر العالم إليه...).
فظهر الآخر في المرتبة الرابعة متوجها على إيجاد مرتبة الهباء التي هي مظهر من حقيقة الحقائق أي أعلى وآخر المراتب الجامعة للإطلاق والتقييد والعدم والوجود... و لعلوها يرمز لها بالعنقاء التي تحوم فوق قمة جبل قاف.
فمرتبتها أنسب المراتب لإدريس عليه السلام الذي قال الله عنه :"ورفعناه مكانا عليا" (مريم، 57).
وقرن تعالى العلو الربوبي بالتسبيح والتقديس فقال: "سبح اسم ربك الأعلى" (الأعلى، 1) .
ولهذا كان وصف حكمة هذا الفص بالقدوسية لأن التسبيح الأعلى هو التقديس ولهذا ورد في الحديث الشريف أن من أذكار الملإ الأعلى: " سبوح قدوس رب الملائكة والروح".
وقد تمكن إدريس عليه السلام  من التقديس والتروحن إلى أن اتصل بروحانيات السماوات والبروج .
وترقى إلى عالم القدس فاطلع على أسرار التدبير والتفصيل في الملك والملكوت وعلم الناس علوم الحكمة .
ثم رفع إلى قطب السماوات في الفلك الشمسي فهو قطب الأرواح السماوية المقدسة.
يقول الشيخ عن مرتبة الهباء الإدريسية ما خلاصته:
(اعلم أن هذا الجوهر مثل الطبيعة لا عين له في الوجود وإنما تظهره الصورة فهو معقول غير موجود الوجود العيني.
ونسميه العنقاء فإنه يسمع بذكره ويعقل ولا وجود له في العين.
وقد كان الله ولا شيء معه. فلما أراد وجود العالم وبدأه على حد ما علمه بعلمه بنفسه انفعل عن تلك الإرادة المقدسة بضرب بحل من تحليات التترية إلى الحقيقة الكلية انفعل عنها حقيقة تسمى الهباء هي ممتلة طرح البناء الجص ليفتح فيها ما شاء من الأشكال والصور وهذا هو أول موجود في العالم، وقد ذكره علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم وجهه .
ثم إنه تعالى تجلى بنوره إلى ذلك الهباء - ويسميه أهل الأفكار :
الهيولي الكل - والعالم كله فيه بالقوة والصلاحية فقبل منه تعالى كل شيء في ذلك الهباء على حسب قوته واستعداده كما تقبل زوايا البيت نور السراج.
فلم يكن أقرب إليه قبولا في ذلك الهباء إلا حقيقة محمد صلى الله عليه وسلم المسماة بالعقل .
فكان سيد العالم بأسره وأول ظاهر في الوجود فكان وجوده من ذلك النور الإلهي ومن الهباء ومن الحقيقة الكلية.
وفي الهباء وجد عينه وعين العالم من تجليه وأقرب الناس إليه علي بن أبي طالب وأسرار الأنبياء أجمعين.
فهذا العقول الهبائي هو كل أمر يقبل بذاته الصور المختلفة التي تليق به وهو في كل صورة بحقيقته وفيه تظهر العين التي تقبل حكم الطبيعة وهو الجسم الكل وهذا المعقول إنما قيدنا مرتبته بأنها الرابعة من حيث قبوله صورة الجسم خاصة.
وأما بالنظر إلى حقيقته فليست هذه مرتبته ولا ذلك الاسم اسمه وإنما اسمه الذي يليق به الحقيقة الكلية التي هي روح كل حق ومنى خلى عنها حق فليس حقا، وهو قديم في القديم حقيقة و حادث في المحدث حقيقة.
لأنه بذاته يقابل كل متصف به وهو في كل ذات بحقيقته وعينه وما له عين وجودية سوى عين الموصوف فهو على أصله معقول لا موجود وجودا عينيا .
ومثاله في الحس البياض في كل أبيض أو التربيع في كل مربع.
فالمعنى القابل لصورة الجسم هو المذكور المطلوب في هذه المرتبة الرابعة.
والجسم القابل للشكل هو هباء لأنه يقبل الأشكال لذاته فيظهر فيه كل شكل وليس في الشكل منه شيء وما هو عين الشكل.
والأركان هباء للمولدات وهذا هو الهباء الطبيعي، والحديد وأمثاله هباء لكل ما تصور منه من سيف ومفتاح وغيرها وكلها صور أشكال ومثل هذا يسمى الهباء الصناعي. فهذه أربعة عند العقلاء، والأصل هو الكل.
وزدنا نحن حقيقة الحقائق التي تعم الخلق والحق وما ذكرها أحد من أهل النظر إلا أهل الله.
وهذا كله من حكم الاسم الأخير الظاهر التي هي كلمة النفس الرحماني وهو الذي توجه على الدبران من المنازل و اسمها مناسب للآخر لأن الإدیار هو التأخر - و?واكبه ستة وهو أول عدد ?امل فهو أصل كل عدد ?امل فكل مسدس في العالم له نصيب من هذه الكمالية.
وإنما وصف بالكماليه لأنه يظهر عن نصفه وثلثه و سدسه فيقوم من عين أجزائه وعليه أقامت النحل بينها حتى لا يدخله خلاء). انتهى.
و لعلو هذه المرتبة المعقولة كان مدار هذا الفص الإدريسي حول على المكانة والمكان.
لأن الاسم العلي في الأسماء الحسنى ?الهباء بالنسبة لصور العالم لقول الشيخ عنه: (والعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية والنسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها وليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة.).
ومن أقرب المعقولات المرتبة الهباء معقولية العدد. فالعدد لا وجود عيبني له وإنما يظهر بظهور المعدود.
ولذلك خصص الشيخ في هذا الفص فقرة حول العدد وفيها يقول:
(وما ظهر حكم العدد إلا بالمعدود... وقد يعدم الشيء من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل) .
وحيث أن مرتبة الهباء هي محلى كل الصور. فقد كرر الشيخ في هذا الفصل لفظة "صورة" نحو ست مرات.
وفي النصف الأخير من الفص مهد للفص الإبراهيمي الموالي بذكره الآيات قصة رؤيا إبراهيم مع ولده والكبش وأشار إلى الاسم الظاهر الحاكم عليه بقوله: (فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان. فمن الطبيعة ومن الظاهر منها؟...).
وإنما ذكر الطبيعة لعلاقتها بالهباء فهما توأمان حسب قوله في الباب 11 من الفتوحات: (فالطبيعة والهباء أخ وأخت لأب واحد وأم واحدة فأنكح الطبيعة الهباء فولد بينهما الجسم الكلي وهو أول جسم ظهر فكان الطبيعة الأب فإن لها الأثر وكأن الهباء الأم فان فيها ظهر الأثر وكان النتيجة الجسم ثم نزل التوالد في العالم إلى التراب).

السورة القرآنية الخاصة بالفص الإدريسي

04: مفتاح سورة فص إدريس عليه السلام

هذا الفص و سابقه أخوان لأن الاسمين الحاكمين على حكمتيهما أخوان وهما: "السبوح القدوس".
وكذلك الاسمان المتوجهان على إيجاد المرتبتين الثالثة والرابعة من مراتب العالم، أي الطبيعة و الهباء هما أيضا أخوان وهما "الباطن" و"الآخر".
فالباطن لنوح والطبيعة والآخر لإدريس و الهباء .
والطبيعة والهباء توأمان حسب ما ذكره الشيخ في الباب -11- في حيث يقول: " ... بعد أن عرفت الأب الثاني من الممكنات وأنه أم ثانية للقلم الأعلى كان مما ألقى إليها من الإلقاء الأقدس الروحاني: الطبيعة والهباء. فكان أولى أم ولدت توأمين ..."
وإنما ذكرنا هذا لعلاقته مع سورة هذا الفص وهي سورة الليل أخت سورة ليلة القدر أي سورة مرتبة الطبيعة وفص نوح، و المفتتحة بنكاح الليل والنهار والذكر والأنثى والليل إذا يغشى . والنهار إذا تجلى . وما خلق الذكر والأنثى " (الليل، 1-3)
ومناسبة سورة الليل -- لهذا الفص له عدة وجوه منها:
أولا: مناسبتها للقدوس لأن الليل يرمز إلى غيب الهوية أي التنزيه والتقديس .
والنهار يرمز إلى الظهور والتشبيه.
قال تعالى :"والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى " (الليل، 1-2) وتكلم الشيخ في هذا الفص عن الحق المنزه والخلق المشبه.
ثانيا: مناسبتها للهباء أي الهيولى التي يصفها الشيخ بالسواد فيقول في جوابه عن السؤال "153" من أسئلة الترمذي: "والحرف صورة في السبخة السوداء.
فإن قلت وما السبخة قلنا الهباء الذي فتح فيه صور أجسام العالم... " وفي الباب "289" الفتوحات يقول: "ف?ل ظلام في العالم من جوهر الهباء الذي هو الهيولى"
ثالثا: مناسبتها مع "إدريس" عليه السلام يظهر من آيته التي افتتح الشيخ ما الفص أي: "ورفعناه مكانا عليا" وجل الفص يدور حول مفهوم العلو من "الآية 20 في سورة الليل "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى " قيل إن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق عنه وهو من المحمديين الذين قال الشيخ عنهم:
"... وأما علو المكانة فهو لنا أعيني المحمدين قال الله تعالى: ه"وأنتم الأعلون والله
معكم " (محمد، 35 ) في هذا العلو.
" فكأنه يشير إلى آية 40 من سورة التوبة وفيها وصف حال النبي والصديق ومعية الله تعالى لهما ثان أثنين إذ هما في الغار إذ يقول يصيبه لا تحزن إن الله معنا )
وكان الشيخ يلوح لتلك الآية و" إلا ابتغاء وجه به الأعلى ".
في قوله: "قد ظهر في هذا القول عشرون مرتبة" لأنها هي الآية العشرون.
والمعنى الظاهر للعشرين مرتبة هو مراتب الآحاد التسعة و مراتب العشرات التسعة ثم المائة ثم الألف فمجموعها عشرون...
وبدأ الشيخ هذا المنزل بقوله... "إن هذا المنزل من أعظم المنازل قدرا هو منزل النكاح الغيبي".
وهو نكاح المعاني والأرواح ويختص هذا المنزل علم التجلي الإلهي المشبه بالشمس ليس دونها سحاب دون التجلي القمري البدري..." إلى آخره.
يشير إلى الآية 2 ( والنهار إذا تجلى ) ومن هنا تظهر مناسبة أخرى بين هذه السورة و إدريس لأنه هو قطب فلك الشمس في السماء الرابعة التي بشروقها يتجلى النهار.
ورأينا في فص شيث أن شروقها هو "الضحى".
ومدار ذلك الفص على أيتها "ولسوف يعطيك ربك فترضى " (الضحى، 5) .
ومدار هذا الفص على آية الليل الأخيرة "إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى . ولسوف يرضى )[ 20-21].
فتلك الآية من "الضحى" للنبي صلى الله عليه وسلم  وهذه الآية من "الليل" لصاحبه أبي بكر الصديق رضي الله عنه فبشر الصاحيين بالرضا.. .
وكلامه عن الأول والأخر والعين واحدة من الآية (13) " وإن لنا للآخرة والأولى" وكلام الشيخ حول تشتت الأعداد من الواحد مرجعه للآية (4) "إن سعيكم لشتى" وكلامه عن الولد ووالده والزوج والنكاح مرجعه للآية(3) "وما خلق الذكر والأنثى".
وذكر أبا سعيد الخراز الذي قال: عرفت الله بجمعه بين الضدين، وهو عين ما نجده في الباب "292 فتوحات " الذي هو باب مزل سورة "الليل" - حيث يقول: "وأما علم تألف الضرتين فاعلم أن أبا سعيد الخراز قيل له: بم عرفت الله ؟ فقال بجمعه بين الضدين وتلا هو الأول والآخر أي هو أول من عين ما هو آخر وظاهر من حيث ما هو باطن".
وقول الشيخ: "إن كل أسم إلهي يسمى بجميع الأسماء الإلهية وينعت ما" مناسب لقوله عن الجوهر المباني في "الباب 198 فتوحات فصل 14" : الهباء هو كل أمر يقبل بذاته الصور المختلفة التي تليق به وهو في كل صورة بحقيقته".

علاقة هذا الفص بسابقه ولا حقه
- ذكرنا في البداية الأخوة بين هذا القص القدوسي الإدريسي الهبائي الآخر من سورة "الليل" والفص السابق النوحي السبوحي الطبيعي الباطن من سورة "ليلة القدر".
ولتأكيد هذه العلاقة ذكر الشيخ في هذا الفص الإدريسي الطبيعة وأركانها فقال : "... فمن الطبيعة ومن الظاهر منها... فهذا بارد یابس وهذا حار يابس: فجمع بالبس وأبان بغير ذلك. والجامع الطبيعة لا بل العين الطبيعية. فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، بل صورة واحدة في مرايا مختلفة.".
وقوله عن الطبيعة: "من الظاهر فيها ؟" .
تمهيد للدخول لفص إبراهيم التالي الحاكم على مرتبته الاسم "الظاهر".
وزاد توضيحا لهذا التمهيد بقوله عن إبراهيم وابنه عليهما السلام: " ... فانظر ماذا ترى" "قال يا أبت افعل ما تؤمر"، والولد عين أبيه.
فما رأي يذبح سوى نفسه "وفداه بذبح عظيم" فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان.
وظهر بصورة ولد. لا بل بحكم ولد من هو عين الوالد".




مقال من هو ذبيح الله نبي الله إسماعيل أم نبي الله إسحاق عليهما السلام ؟

قال الله تعالى عن إبراهيم عليه السلام :" فبشرناه بغلام حليم * فلما بلغ معه السعى قال يا بنى إنى أرى فى المنام أنى أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدنى إن شاء الله من الصابرين * فلما أسلما وتله للجبين . وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا إنا كذلك نجزى المحسنين * إن هذا لهو البلاء المبين وفديناه بذبح عظيم وتركنا عليه فى الآخرين * سلام على إبراهيم . كذلك نجزى المحسنين * إنه من عبادنا المؤمنين * وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين . وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين".
الصافات : 101 -113 .
وقال عند الكلام عن الملائكة لما جاءت إبراهيم بالبشرى { وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب } هود : 71 .
وقال فى موضع آخر { وبشروه بغلام عليم } الذاريات : 28 .

وروى الحاكم فى المستدرك: 3512  - عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله عز وجل {وإن من شيعته لإبراهيم} [الصافات: 83] قال: " من شيعة نوح إبراهيم على منهاجه وسنته بلغ معه السعي شب حتى بلغ سعيه سعي إبراهيم في العمل، فلما أسلما ما أمرا به وتله للجبين وضع وجهه إلى الأرض فقال: لا تذبحني وأنت تنظر عسى أن ترحمني فلا تجهز علي اربط يدي إلى رقبتي، ثم ضع وجهي على الأرض فلما أدخل يده ليذبحه فلم يحك المدية حتى نودي {أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} [الصافات: 105] فأمسك يده ورفع قوله {وفديناه بذبح عظيم} [الصافات: 107] بكبش عظيم متقبل «وزعم ابن عباس أن الذبيح إسماعيل» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " [التعليق - من تلخيص الذهبي] 3612 على البخاري ومسلم
وروى الحاكم فى المستدرك: 4038 - عن ابن عباس رضي الله عنهما، أنه قال في الذي فداه الله بذبح عظيم، قال: «هو إسماعيل» هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه " [التعليق - من تلخيص الذهبي] 4038 - على شرط البخاري ومسلم.
وروى الحاكم فى المستدرك : 4036 - عن معاوية بن أبى سفيان قال : كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابى فقال : يا رسول الله ، خلفت البلاد يابسة والماء يابسا، هلك المال وضاع العيال ، فعد على مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين . قال : فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه . [التعليق - من تلخيص الذهبي] 4036 - إسناده واه
وقد ذكره الزمخشري في الكشاف ، وقال الزيلعي فى تخريج أحاديثه : غريب .

وفي المواهب وشرحها للزرقاني وابن جرير وابن مردويه والثعلبي في تفاسيرهم عن معاوية ابن أبي سفيان قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه أعرابي، فقال يا رسول الله خَلَّفتُ البلاد يابسا، والماء يابسا، وفي نسخة الكلأ يابسا، وخلفت المال عابسا، هلك المال وضاع العيال، فعد عليَّ مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينكر عليه، والحديث حسن بل صححه الحاكم والذهبي لتقوّيه بتعدد طرقه .

وجاء فى كتب السيرة أن عبد المطلب نذر إن رزقه الله عشرة بنين ليذبحن أحدهم قربانا لله ، وذلك عندما منعته قريش من حفر زمزم ولم يكن معه إذ ذاك إلا ولده الحارث ، وعندما رزق بالبنين وأراد أن يوفى بنذره جاءت القرعة على عبد الله " والد النبىصلى الله عليه وسلم بعد " حتى افتدى أخيرا بمائة من الإبل ، ولهذا روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال " أنا ابن الذبيحين " أى إسماعيل الذى أمر الله أباه إبراهيم بذبحه ، وعبد الله والده ، الذى كان سيذبح .

إزاء هذه المرويات اختلف العلماء فى الذبيح الأول هل هو إسحاق أم إسماعيل ؟

يقول إبن كثير في قصص الأنبياء ص109- 110:  فمن حكى القول عنه بأنه إسحاق : كعب الأحبار , وري عن عمر والعباس وعلى وابن مسعود , وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومقاتل وعبيد بن عمير , وأبي ميسرة وزيد بن أسلم بن شقيق , والزهري والقاسم وابن أبي بردة , ومكحول , وعثمان بن حاضر والسدي والحسن وقتادة , وابن أبي الهذيل وابن سابط , وهو اختيار ابن جرير ,  وهذا عجب منه وهو أحدث الروايتين عن إبن عباس - ولكن الصحيح عنه وعن أكثر هؤلاء - أنه إسماعيل عليه السلام
وقال مجاهد وسعيد والشعبي ويوسف بن مهران وعطاء وغير واحد عن ابن عباس : هو إسماعيل عليه السلام
وقال ابن جرير : حدثني يونس , أنبأنا ابن وهب , أخبرني عمرو بن قيس , عن عطاء بن أبي رباح , عن ابن عباس أنه قال : المفدي إسماعيل , وزعمت اليهود أنه إسحاق وكذبت اليهود
وقال عبد ابن الإمام أحمد , عن أبيه : هو إسماعيل .
وقال ابن أبي حاتم : سألت أبي عن الذبيح فقال : الصحيح أنه إسماعيل عليه السلام .
قال ابن أبي حاتم : وروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة , وأبي الطفيل , وسعيد بن المسيب , وسعيد بن جبير , والحسن ومجاهد , والشعبي , ومحمد بن كعب , وأبي جعفر محمد بن علي , وأبي صالح أنهم قالوا : الذبيح هو إسماعيل عليه السلام
وحكاه البغوي أيضا عن الربيع بن أنس الكلبي وأبي عمرو بن العلاء .

و ما ذهب اليه الجمهور هو أن الذبيح إسماعيل ، ومما يؤيد رأيهم ما يأتى :

1 - أن إبراهيم عليه السلام لما أنجاه الله من النار وهاجر من أرض العراق إلى الشام { وقال إنى ذاهب إلى ربى سيهدين } الصافات : 99 ، وبما تقدمت به السن ولم ينجب طلب من ربه أن يهب له ولدا فاستجاب الله له { رب هب لى من الصالحين . فبشرناه بغلام حليم } الصافات : 100 ، 101 ، وكان هذا الغلام من هاجر المصرية وهو بالشام ، وهو إسماعيل ، ولما لم تنجب زوجته الأولى دخلت الغيرة قلبها فأمره الله أن يبعد عنها هاجر وولدها ، فأسكنهما فى موضع مكة، وامتحنه بذبحه لما بلغ معه السعى وكان ذلك الامتحان فى مكة .
أما ابنه إسحاق فجاءت البشارة به بعد أن بشره الله بإسماعيل ، كما تدل عليه الآيات التى ذكرت الرؤيا والبدء فى الذبح ثم افتداء الله إسماعيل بذبح عظيم ، وانتهت بمدح إبراهيم ثم ذكرت البشارة بإسحاق .
والامتحان يكون بذبح الابن البكر الذى جاء بعد شوق طويل ، لا بالولد الثانى الذى لا يصل حبه إلى ما وصل إليه حب الأول .
2 - وأن إبراهيم عاش سلسلة من الامتحانات أكثرها يتصل بهاجر وولدها إسماعيل ، حيث أسكنهما بواد غير ذى زرع ، مسلما أمرهما إلى الله ، يعيش بعيدا عنهما فى الشام ، ويزورهما على فترات ، ثم يتصاعد الامتحان بأن يرى فى المنام أنه يذبح فلذة كبده ، وما ذلك إلا إسماعيل ، ولنتصور حال إبراهيم لو تم الذبح كيف يترك هاجر وحيدة فى مكان ليس فيه من الأنس ما فى الشام حيث يستقر به المقام ،إن سلسلة هذه الامتحانات المترابطة تؤكد أن الذبيح هو إسماعيل.
3- وأن هناك اختلافا فى الظروف التى بشر بها إبراهيم بكلا ولديه إسماعيل وإسحاق فالبشارة بإسماعيل كانت عند هجرته من أرض العراق وبطلب من الله أما البشارة بإسحاق فكانت عندما جاءته الملائكة فى طريق مرورها إلى قوم لوط ، وهى فترة كان فيها إسماعيل مع أمه هاجر بعيدين عن البيت ، الذى لم يكن فيه إلا سارة التى عجبت أن يولد لها وهى عجوز عقيم وبعلها شيخ كبير، ولم يكن هناك طلب منهما لهذا الولد والامتحان بذبح من طلبه وتشوق إليه امتحان أشد .
4 - أن الشروع فى ذبح إسماعيل صاحبته أحداث تدل على أنه هو المقصود بالذبح وليس إسحاق ، ذلك أن الروايات تقول : إن إبراهيم أخذ ولده وخرج به من البيت ليذبحه بعيدا عن أمه فلقيهما الشيطان فى الطريق وسول لهما عدم الاستجابة، فرجمه إبراهيم فى أكثر من مكان ، ومنه كانت شعيرة رمى الجمار من شعائر الحج ، وذلك فى مكة وليس فى الشام .
5 - عندما بشر الله إبراهيم وسارة بإسحاق عن طريق الملائكة ، جاء فى البشارة { ومن وراء إسحاق يعقوب } هود : 71 ، يعنى أن إسحاق سيولد ويكبر ويتزوج ويولد له يعقوب ، فهل يعقل بعد الاطمئنان على حياة إسحاق أن يذبحه أبوه ؟ إنه لو ذبحه فمن أين يكون يعقوب ؟ هذا دليل قوى على أن الذبيح هو إسماعيل .
6 - أن البشارة بإسماعيل وصفته بأنه غلام حليم ، أما البشارة بإسحاق فوصفته بأنه علام عليم ، وصفة الحلم تتناسب مع من أطاع أمر ربه وصدق رؤيا أبيه فلم يغضب ولم يعص ، وهو إسماعيل . وصفة العلم غالبة فى نسل إسحاق ويعقوب وبنى إسرائيل .
7 -أن النبى صلى الله عليه وسلم سئل عن الأضاحى فقال " سنة أبيكم إبراهيم " رواه أحمد وابن ماجه وأبو العرب هو إسماعيل بن إبراهيم ، وليس إسحاق ابن إبراهيم ، كما هو معروف والقرابين كانت تذبح فى مكة وليس فى الشام استجابة لدعوة إبراهيم ربه { فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون } إبراهيم : 37 ، { وأذن فى الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق . ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله فى أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير . ثم ليقضوا تفثهم وليوفوا نذورهم وليطوفوا بالبيت العتيق } الحج : 27 - 29 .

8 -أن كبار العلماء من السلف قالوا :
إن الذبيح هو إسماعيل كما روى ذلك عطاء بن أبى رباح عن ابن عباس ، ومجاهد عن ابن عمر، والشعبى يقول : رأيت قرنى الكبش فى الكعبة ( كذا ) وعمر بن عبد العزيز استدعى يهوديا بالشام أسلم وحسن إسلامه فشهد بأن الذبيح إسماعيل .
وأبو عمرو بن العلاء سأله الأصمعى عن الذبيح فقال له : أين ذهب عقلك ، متى كان إسحاق بمكة؟ إنما كان إسماعيل بمكة وهو الذى بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة .
يقول الآلوسى بعد أن ساق أقوال العلماء فى ذلك : والذى أميل إليه أن الذبيح إسماعيل لأنه المروى عن كثير من أئمة أهل البيت ولم أتيقن صحة حديث مرفوع يقتضى خلاف ذلك ، وحال أهل الكتاب لا يخفى على ذوى الألباب .
هذا هو ما أثير حول هذا الموضوع لخصته من كتب السيرة، ومن زاد المعاد لابن القيم وغيره من المصادر، ينتهى إلى أن الذبيح هو إسماعيل ، وما سبق فى ذلك هو اجتهادات واستنباطات يؤيدها حديث الحاكم عن معاوية بعدم إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم على من ناداه بابن الذبيحين ، كما يؤيدها ما روى عنه صلى الله عليه وسلم من قوله " أنا ابن الذبيحين " .
9- حرَّفت التوراة اسم الذبيح وجعلته إسحق بدلاً من إسماعيل ، إلا أن من قام بذلك لم يستطع تغيير القانون الأساسى للميراث ونقاط أخرى ألخصها فى الآتى :
أقسم الله بذاته قائلاً:" (16) وَقَالَ: «بِذَاتِي أَقْسَمْتُ يَقُولُ الرَّبُّ أَنِّي مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ فَعَلْتَ هَذَا الأَمْرَ وَلَمْ تُمْسِكِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ (17) أُبَارِكُكَ مُبَارَكَةً وَأُكَثِّرُ نَسْلَكَ تَكْثِيراً كَنُجُومِ السَّمَاءِ وَكَالرَّمْلِ الَّذِي عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ وَيَرِثُ نَسْلُكَ بَابَ أَعْدَائِهِ (18) وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكَ سَمِعْتَ لِقَوْلِي ." سفر تكوين 22: 16-18
جاء قسم الله ولم يكن إسحاق بعد قد ولِدَ ، حيث إن الفارق فى العمر بينهما هو ( 14 ) عاماَ: (16) كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ لأَبْرَامَ.) تكوين 16: 16 و (5) وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ ابْنَ مِئَةِ سَنَةٍ حِينَ وُلِدَ لَهُ إِسْحَاقُ ابْنُهُ.) سفر التكوين 21: 5.
وأبرام المذكور فى الفقرة الأولى عنا هو إبراهيم الذى ذكِرَ فى الفقرة التى تليها ، فقد غيَّرَ الله سبحانه وتعالى اسمه قائلاً: (5)  فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَباً لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ.) تكوين 17: 5
يقول اليهود إن الابن الوحيد والبكر (تغيرت فى التراجم إلى الابن المفضَّل) لم يكن إسماعيل قط ، لأن إسماعيل ابن الجارية ، وعلى ذلك يكون إسحاق هو الابن الحقيقى لإبراهيم.
والعجيب أن التوراة لم تقل أبداً إن إسماعيل ابن غير شرعى لإبراهيم ، فهذه سارة امرأة إبراهيم أيقنت أنها لن تنجب لإبراهيم نسلاً فآثرت أن تزوجه بهاجر: (وَأَمَّا سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ. وَكَانَتْ لَهَا جَارِيَةٌ مِصْرِيَّةٌ اسْمُهَا هَاجَرُ 2فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: «هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ الْوِلاَدَةِ. ادْخُلْ عَلَى جَارِيَتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ». فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ. 3فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ الْمِصْرِيَّةَ جَارِيَتَهَا مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ. 4فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ. وَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلاَتُهَا فِي عَيْنَيْهَا.) تكوين 16: 1-4

(15فَوَلَدَتْ هَاجَرُ لأَبْرَامَ ابْناً. وَدَعَا أَبْرَامُ اسْمَ ابْنِهِ الَّذِي وَلَدَتْهُ هَاجَرُ «إِسْمَاعِيلَ». 16كَانَ أَبْرَامُ ابْنَ سِتٍّ وَثَمَانِينَ سَنَةً لَمَّا وَلَدَتْ هَاجَرُ إِسْمَاعِيلَ لأَبْرَامَ.) تكوين 16: 15-16

إذن فـ (ساراى) أعطت (هاجر) لـ (أبرام) رجلها زوجة له ، أى إن نسلها يجب أن يكون نسلاً شرعياً، ويؤكد ذلك: (13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ») تكوين 21: 13، أى إن الله اعتبر إسماعيل من نسل إبراهيم. وعلى ذلك يكون إسماعيل هو البكر.

وعندما غارت سارة من هاجر: (10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ». 11فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. 12فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».) تكوين 21: 10-13

وفى برية بئر سبع (17فَسَمِعَ اللهُ صَوْتَ الْغُلاَمِ. وَنَادَى مَلاَكُ اللهِ هَاجَرَ مِنَ السَّمَاءِ وَقَالَ لَهَا: «مَا لَكِ يَا هَاجَرُ؟ لاَ تَخَافِي لأَنَّ اللهَ قَدْ سَمِعَ لِصَوْتِ الْغُلاَمِ حَيْثُ هُوَ. 18قُومِي احْمِلِي الْغُلاَمَ وَشُدِّي يَدَكِ بِهِ لأَنِّي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً».) تكوين 21: 17-18

سأجعله أمة عظيمة. فالأمة تختلف عن الشعب. فالأمة هى عدة دول يجمعهم شىء مشترك : مثل اللغة أو الدين فنقول الأمة العربية أى البلاد الناطقة باللغة العربية ، ونقول الأمة الإسلامية أى الدول التى تُدين بالإسلام.

وإذا قرأت نص الذبيح فى (تكوين 22: 2) تجد أنه يقول له: خذ ابنك وحيدك الذى تحبه. فلو كان وُلِدَ إسحاق ، فلا يمكن أن يكون له ابن وحيد ، أو لكان سأله أيهما ! ولو أراد الله بالذبيح إسحاق أو لو كان إسحاق قد ولِدَ عند هذا الإختبار الصعب ، أو لو كان الذبيح غير محبوب ومقبول عند أبيه ومرضى عليه منه ، فلا تتبقى قيمة للأضحية! ولو كان يحب إسحاق فقط لكان نبى الله ظالماً ، ولكان إلهه أيضاً ظالماً أن يُشجعه على التمادى فى الظلم بهذه التسمية! ولما قبح الكلام فى عينى إبراهيم عندما طردت سارة هاجر وابنها.

هل كان إسماعيل مغضوباً عليه أو محروماً من الميراث؟
على العكس. ندرك قمة الحب لإسماعيل عند إبراهيم فى هذه النصوص: (18وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لِلَّهِ: «لَيْتَ إِسْمَاعِيلَ يَعِيشُ أَمَامَكَ!» 19فَقَالَ اللهُ بَلْ سَارَةُ امْرَأَتُكَ تَلِدُ لَكَ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ إِسْحَاقَ. وَأُقِيمُ عَهْدِي مَعَهُ عَهْداً أَبَدِيّاً لِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ. 20وَأَمَّا إِسْمَاعِيلُ فَقَدْ سَمِعْتُ لَكَ فِيهِ. هَا أَنَا أُبَارِكُهُ وَأُثْمِرُهُ وَأُكَثِّرُهُ كَثِيراً جِدّاً. اثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً يَلِدُ وَأَجْعَلُهُ أُمَّةً كَبِيرَةً.) تكوين 17: 18 ، و (10فَقَالَتْ لإِبْرَاهِيمَ: «اطْرُدْ هَذِهِ الْجَارِيَةَ وَابْنَهَا لأَنَّ ابْنَ هَذِهِ الْجَارِيَةِ لاَ يَرِثُ مَعَ ابْنِي إِسْحَاقَ». 11فَقَبُحَ الْكَلاَمُ جِدّاً فِي عَيْنَيْ إِبْرَاهِيمَ لِسَبَبِ ابْنِهِ. 12فَقَالَ اللهُ لإِبْرَاهِيمَ: «لاَ يَقْبُحُ فِي عَيْنَيْكَ مِنْ أَجْلِ الْغُلاَمِ وَمِنْ أَجْلِ جَارِيَتِكَ. فِي كُلِّ مَا تَقُولُ لَكَ سَارَةُ اسْمَعْ لِقَوْلِهَا لأَنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ. 13وَابْنُ الْجَارِيَةِ أَيْضاً سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً لأَنَّهُ نَسْلُكَ».) تكوين 21: 10-13

أى سيكون عهدى الأول مع إسحاق وفى نسله ، ثم سيكون من بعد ذلك فى نسل إسماعيل، لهذا عمل اليهود ألا ينتهى هذا العهد ، وأرادوا خلع صفة المسيح الرئيس (المسيا) على عيسى عليه السلام ، لكى لا ينتظروا المسيا ، خاتم الأنبياء ، الذى سينهى شريعتهم ، ويأتى بالدين الخاتم لكل أهل الأرض.
(وهذه مواليد إسماعيل بن ابراهيم الذى ولدته هاجر المصرية جارية سارة لإبراهيم) تكوين 25: 12
وعند وفاة إبراهيم (ودفنه إسحق وإسماعيل ابناه فى مغارة المكفيلة) تكوين 25: 7 ، والاشتراك فى الدفن يعنى الاشتراك فى الميراث.

هل ابن الجارية كان من المغضوب عليهم ؟
وإلا فماذا نقول عن (دان) و (نفتالى) ابنى يعقوب من بلهة جارية راحيل؟ وماذا نقول عن (جاد) و (أشير) ابنى يعقوب أيضاً من زلفة جارية ليئة؟ إن هؤلاء من الأسباط الاثنى عشر ، ذرية يعقوب عليه السلام ، واقتران يعقوب لبلهة جارية راحيل ، وزلفة جارية ليئة مماثل لاقتران إبراهيم لهاجر جارية سارة.

فتقول التوراة بشأن (دان) و (نفتالى) أن راحيل (3فَقَالَتْ: «هُوَذَا جَارِيَتِي بَلْهَةُ. ادْخُلْ عَلَيْهَا فَتَلِدَ عَلَى رُكْبَتَيَّ وَأُرْزَقُ أَنَا أَيْضاً مِنْهَا بَنِينَ». 4فَأَعْطَتْهُ بَلْهَةَ جَارِيَتَهَا زَوْجَةً فَدَخَلَ عَلَيْهَا يَعْقُوبُ 5فَحَبِلَتْ بَلْهَةُ وَوَلَدَتْ لِيَعْقُوبَ ابْناً 6فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «قَدْ قَضَى لِيَ اللهُ وَسَمِعَ أَيْضاً لِصَوْتِي وَأَعْطَانِيَ ابْناً». لِذَلِكَ دَعَتِ اسْمَهُ «دَاناً». 7وَحَبِلَتْ أَيْضاً بَلْهَةُ جَارِيَةُ رَاحِيلَ وَوَلَدَتِ ابْناً ثَانِياً لِيَعْقُوبَ 8فَقَالَتْ رَاحِيلُ: «قَدْ صَارَعْتُ أُخْتِي مُصَارَعَاتِ اللهِ وَغَلَبْتُ». فَدَعَتِ اسْمَهُ «نَفْتَالِي».) تكوين 30: 3-8

وتقول التوراة بشأن (جاد) و (أشير): (9وَلَمَّا رَأَتْ لَيْئَةُ أَنَّهَا تَوَقَّفَتْ عَنِ الْوِلاَدَةِ أَخَذَتْ زِلْفَةَ جَارِيَتَهَا وَأَعْطَتْهَا لِيَعْقُوبَ زَوْجَةً 10فَوَلَدَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لَيْئَةَ لِيَعْقُوبَ ابْناً. 11فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «بِسَعْدٍ». فَدَعَتِ اسْمَهُ «جَاداً». 12وَوَلَدَتْ زِلْفَةُ جَارِيَةُ لَيْئَةَ ابْناً ثَانِياً لِيَعْقُوبَ 13فَقَالَتْ لَيْئَةُ: «بِغِبْطَتِي لأَنَّهُ تُغَبِّطُنِي بَنَاتٌ». فَدَعَتِ اسْمَهُ «أَشِيرَ».) تكوين 30: 9-13

وقد حُسِبوا ضمن أولاده الشرعيين ، فكيف يعترفون بهؤلاء أبناء شرعيين ليعقوب وينكرون ذلك على إسماعيل؟! وإلا لقلنا أن نبى الله ، أبو الأنبياء ، إبراهيم عليه السلام كان عنده ابن غير شرعى من الحرام؟ حاشاه أن يزنى أبو الأنبياء عليه السلام.

وهؤلاء هم أبناء يعقوب الاثنى عشر: (وَكَانَ بَنُو يَعْقُوبَ اثْنَيْ عَشَرَ: 23بَنُو لَيْئَةَ: رَأُوبَيْنُ بِكْرُ يَعْقُوبَ وَشَمْعُونُ وَلاَوِي وَيَهُوذَا وَيَسَّاكَرُ وَزَبُولُونُ. 24وَابْنَا رَاحِيلَ؛ يُوسُفُ وَبِنْيَامِينُ. 25وَابْنَا بِلْهَةَ جَارِيَةِ رَاحِيلَ: دَانُ وَنَفْتَالِي. 26وَابْنَا زِلْفَةَ جَارِيَةِ لَيْئَةَ: جَادُ وَأَشِيرُ. هَؤُلاَءِ بَنُو يَعْقُوبَ الَّذِينَ وُلِدُوا لَهُ فِي فَدَّانَِ أَرَامَ.) تكوين 35: 22-26

ومن الدلائل الجلية أن (دان) ابن بلهة جارية راحيل جاء من ذريته شمشون ، ذلك الإنسان الممسوح بالروح القدس منذ ولادته ، وقد كان قاضياً لبنى إسرائيل لمدة 20 سنة ، فها هو ملاك الرب يبشر امرأة منوح العاقر بولادتها لشمشون قائلاً: (5فَهَا إِنَّكِ تَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً, وَلاَ يَعْلُ مُوسَى رَأْسَهُ, لأَنَّ الصَّبِيَّ يَكُونُ نَذِيراً لِلَّهِ مِنَ الْبَطْنِ, وَهُوَ يَبْدَأُ يُخَلِّصُ إِسْرَائِيلَ مِنْ يَدِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ».) القضاة 13: 5

(24 فَوَلَدَتِ الْمَرْأَةُ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ شَمْشُونَ. فَكَبِرَ الصَّبِيُّ وَبَارَكَهُ الرَّبُّ. 25وَابْتَدَأَ رُوحُ الرَّبِّ يُحَرِّكُهُ فِي مَحَلَّةِ دَانٍَ بَيْنَ صُرْعَةَ وَأَشْتَأُولَ.) القضاة 13: 24-25 ، (وهو قضى لاسرائيل عشرين سنة) القضاة 16: 31

ويدافع (جيمس هيستنج) عن حق البكورية لإسماعيل فيقول: لقد جانب التوفيق كُتَّاب سِفر التكوين ، أولئك الذين حاولوا أن يجعلوا نسل إسماعيل واستحقاقه لحقوق البكورية أقل مرتبة زعماً أن انتماءه لأمه هاجر جارية إبراهيم يفقده حق البكورية ، وبهذا الصنيع فهم يغفلون قانون الأسرة الواضح الصريح المنصوص عليه فى التوراة فى سفر التثنية ؛ ووفقاً لهذا القانون فإن حقوق الابن البكر لا يمكن إسقاطها بسبب الوضع الاجتماعى للأم. هذا الحق الشرعى قد بيَّنَه الناموس بالنسبة للرجل الذى يجمع أكثر من زوجة. فتقول التوراة: (15«إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ امْرَأَتَانِ إِحْدَاهُمَا مَحْبُوبَةٌ وَالأُخْرَى مَكْرُوهَةٌ فَوَلدَتَا لهُ بَنِينَ المَحْبُوبَةُ وَالمَكْرُوهَةُ. فَإِنْ كَانَ الاِبْنُ البِكْرُ لِلمَكْرُوهَةِ 16فَيَوْمَ يَقْسِمُ لِبَنِيهِ مَا كَانَ لهُ لا يَحِلُّ لهُ أَنْ يُقَدِّمَ ابْنَ المَحْبُوبَةِ بِكْراً عَلى ابْنِ المَكْرُوهَةِ البِكْرِ 17بَل يَعْرِفُ ابْنَ المَكْرُوهَةِ بِكْراً لِيُعْطِيَهُ نَصِيبَ اثْنَيْنِ مِنْ كُلِّ مَا يُوجَدُ عِنْدَهُ لأَنَّهُ هُوَ أَوَّلُ قُدْرَتِهِ. لهُ حَقُّ البَكُورِيَّةِ.) تثنية 21: 15-17

الخلاصة : يُستنتَج من كل ما سبق أنه :
1 - لم يكن هناك ابناً بكراً لإبراهيم عليه السلام إلا إسماعيل.
2 - وأن إسماعيل من أبناء إبراهيم المقربين إلى إسماعيل والمرضى عنهم لدى الله سبحانه وتعالى ، فقد استجاب الله لدعاء أبيه فى إكثار نسله ، وباركه (أى جعل النبوة فى نسله).
3 - وأنه لو كان إسحاق قد ولِدَ قبل رؤيا الذبح ، لما كان لها معنى فى إثبات حب إبراهيم لله ، لأنه سيكون فى هذه الحالة عنده البديل.
4 - وأن بشارة الله بميلاد إسحاق هى مكافأة لإبراهيم عليه السلام على طاعته لله.
5 - وأن بنو إسرائيل قد وضعوا إسحاق بدلاً من إسماعيل ، ليكون هو شعب الله المختار الذى افتداه الله ليرث الأرض الموعودة ، وإبعاد أى نسل آخر ينازعها هذا الميراث. لذلك صحّحَ عيسى عليه السلام هذه المفاهيم بقوله: (42قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ فِي الْكُتُبِ: الْحَجَرُ الَّذِي رَفَضَهُ الْبَنَّاؤُونَ هُوَ قَدْ صَارَ رَأْسَ الزَّاوِيَةِ. مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ كَانَ هَذَا وَهُوَ عَجِيبٌ فِي أَعْيُنِنَا؟ 43لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَلَكُوتَ اللَّهِ يُنْزَعُ مِنْكُمْ وَيُعْطَى لِأُمَّةٍ تَعْمَلُ أَثْمَارَهُ. 44وَمَنْ سَقَطَ عَلَى هَذَا الْحَجَرِ يَتَرَضَّضُ وَمَنْ سَقَطَ هُوَ عَلَيْهِ يَسْحَقُهُ».) متى 21: 42-44

* لذلك أراد اليهود أن يتخلصوا أيضاً من عيسى عليه السلام واتهموه أنه هو المسيا المنتظر، وكان رد عيسى عليه السلام أنه رفض هذه الفرية ، ولذلك برأه بيلاطس ، إلا أن اليهود أصرَّوا على صلبه ، فتدخلت العناية الإلاهية التى كان يحظى بها دائماً ونجته.

* ولو كان إسحاق هو الذبيح ، لاتخذ بنو إسرائيل من الفداء سنة لهم ولذكروها فى مناسبات مختلفة ، ولكننا نجد أن الفداء عند بنى إسرائيل يرتبط بالخروج من مصر ، ولا نجد إشارة من قريب أو بعيد لذكرى فداء إسحق.
(«وَيَكُونُ مَتَى أَدْخَلَكَ الرَّبُّ أَرْضَ الْكَنْعَانِيِّينَ .. .. 12أَنَّكَ تُقَدِّمُ لِلرَّبِّ كُلَّ فَاتِحِ رَحِمٍ وَكُلَّ بِكْرٍ مِنْ نِتَاجِ الْبَهَائِمِ الَّتِي تَكُونُ لَكَ. الذُّكُورُ لِلرَّبِّ. .. .. 14«وَيَكُونُ مَتَى سَأَلَكَ ابْنُكَ غَداً: مَا هَذَا؟ تَقُولُ لَهُ: بِيَدٍ قَوِيَّةٍ أَخْرَجَنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. 15وَكَانَ لَمَّا تَقَسَّى فِرْعَوْنُ عَنْ إِطْلاَقِنَا أَنَّ الرَّبَّ قَتَلَ كُلَّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بِكْرِ النَّاسِ إِلَى بِكْرِ الْبَهَائِمِ. لِذَلِكَ أَنَا أَذْبَحُ لِلرَّبِّ الذُّكُورَ مِنْ كُلِّ فَاتِحِ رَحِمٍ وَأَفْدِي كُلَّ بِكْرٍ مِنْ أَوْلاَدِي.) سفر الخروج 13: 11-16


.

واتساب

No comments:

Post a Comment