Tuesday, July 9, 2019

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة التاسعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة التاسعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة التاسعة والعشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله

01 - The Wisdom Of  Divinity In The Word Of ADAM

الفقرة التاسعة والعشرون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ  :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولهذا كان آدم) عليه السلام (خليفة الله)، تعالى في الأرض دون إبليس عليه اللعنة لجمعه بين اليدين وإبليس لم يجمع بينهما.
(فإن لم يكن) آدم عليه السلام (ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق تعالى (فيما استخلفه فيه) وهو العالم ويكون ظاهرة بصورة العالم أيضا.
(فما هو خليفة)، لأن الخليفة يجب أن تكون صورته صورة الذي استخلفه، ليمد هو كما يمد أصله بما يمد به أصله، وأن تكون صورته صورة من استخلف عليهم أيضا حتى يعلم كيفية إيصال الإمداد إليهم .
(وإن لم يكن فيه)، أي في الخليفة أيضا (جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف)، أي استخلفه غيره (علیها) من جميع الحوائج والمصالح الروحانية والجسمانية جلية، ودفعها ضرا ونفع.
(لأن استنادها)، أي الرعایا بمعنى نسبتها (إليه) في الخير والشر، فإذا كانت في خير نسب إليه أو في شر كذلك.
(فلا بد أن يقوم)، أي ذلك الخليفة (بجميع ما تحتاج إليه) الرعية من الحوائج والمصالح كما ذكرنا (وإلا فليس بخليفة عليهم)، لعدم وجود ما يحتاجون إليه عنده ، فإذا لم توجد عنده جميع حوائجهم ومصالحهم كان مثلهم محتاجة مفتقرة إلى من عنده جميع ذلك.
فما هو بخليفة حينئذ، كما أن السلطان إذا لم تكن عنده القدرة على فصل الخصومات بين رعيته وقطع المنازعات عنهم فليس بسلطان عليهم.
إذ لا سلطنة له، والسلطان مشتق من السلطة وقد وجد فيه العجز عن ذلك، فشاركهم فيه، فكان مثلهم من جملة الرعايا .
وكذلك خليفة الحق تعالى يخلف الحق في وجود جميع الحوائج والمصالح التي للمخلوقات كلهم عنده .
كما أن جميع ذلك له وجود للمخلوقات عند الحق تعالى على التمام من غير عجز عن شيء من ذلك.
فيلزم أن يكون كذلك عند الخليفة موجودة على التمام من غير عجز عن شيء منه وإلا لم يكن خليفة، لأنه لم يخلف الحق تعالى في جميع ذلك، فهو حينئذ مثلهم من جملة الرعايا .
(فما صحت الخلافة) التامة الكاملة من الحق تعالى على جميع المخلوقات إلا للإنسان الكامل الذي غلبت إنسانيته على حيوانيته.
وأما الإنسان القاصر الذي غلبت حيوانيته على إنسانيته، فهو خليفة على بعض المخلوقات.
ويسمى عاملا حينئذ لا خلیفة کاملا وذلك كجميع بني آدم المؤمن منهم والكافر والصغير منهم والكبير والعاقل والمجنون.
فإنه لا بد من استخلافه عن الحق تعالى الذي هو مالك للعالمين ولو على يده ورجله وسمعه وبصره.
فيقبل شيئا من ذلك بطريق النيابة عن الحق تعالى في الظاهر، وقد جعل الله تعالى الملك حكمة منه تعالى لكل أحد من بني آدم.
ولو على ثوبه الساتر لعورته نيابة على المالك الحقيقي وهو الحق تعالى.
حتى قال تعالى : "لمن الملك" 16 سورة غافر. وهم الأموال وأوجب عليهم فيها الزكاة ونحوها "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" 7 سورة الحديد.
یعنی عنه تعالى، لأنه تعالى أخبر أن الملك له يوم القيامة
فقال عز من قائل
" والأمر يومئذ لله" 19 سورة الانفطار.
وقال تعالى :
 "الملك يومئذ الحق للرحمن " 26 سورة الفرقان.
وقال
"مالك يوم الدين" 4 سورة الفاتحة.
وقال بعد زوال نسبة الأعمال والأملاك عن جميع بني آدم يوم القيامة بسبب موتهم الذي هو عزلهم من استخلافه لهم فيما استخلفهم فيه " إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون" 40 مريم. ولا مناقضة بين هذا وبين قوله تعالى :"أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" 105 سورة الأنبياء. لأن العباد الصالحين ما وضعوا بالعبودية وبالصلاح إلا لرجوعهم إلى الله تعالى من حيث وجود ذواتهم، وجميع أعمالهم في الباطن والظاهر.
فكان الله تعالى ظاهرة بهم عندهم، وهم ظاهرون به تعالى عند غيرهم.
وقد ورد أن: "الناس يحشرون على نياتهم" فهم عند غيرهم غير الله تعالى، وهم عند أنفسهم ظهور الله تعالى.
فإذا ورثوا الأرض يوم القيامة ، فإنما الله تعالى هو الذي ورثها، وزاد الله تعالى عليهم بأن ورث على الأرض أيضا، وهم لم يرثوا إلا الأرض فقط، لأنهم لله تعالى من حيث ظهوره لهم، لا من حيث ظهوره له تعالى.
فإن ظهوره له تعالى في جميع حضراته وظهوره لكل واحد منهم إنما هو في حضرة من حضراته دائما.
وإن تقلبوا في جميع أطوار حضراته تعالى على الأبد لا يسعون إلا حضرة بعد حضرة من تلك الحضرات.
(فأنشأ) الحق تعالى (صورته) , أي صورة الإنسان الكامل الذي هو خليفة الله
تعالى على جميع العالم (الظاهرة) وهي حقيقة جسمه ونفسه التابعة للجسم، وصورته المرسومة في هذا الوجود.
(من حقائق العالم) كله، فجسمه من جسم العالم، ونفسه من نفوس العالم (و) من (صوره)، أي صور العالم كله، فصورته صورة العالم كله سماواته وأرضه وأفلاکه وأملاكه إلى غير ذلك.
(وأنشأ) الحق تعالی أيضا (صورته الباطنة)، وهي حقيقة روحه وعقله التابع للروح، ومعلوماته المرسومة في وجوده (على) طبق (صورته).
أي صورة الحق تعالى التي هي مجموع صفاته تعالى وأسمائه وأفعاله وأحكامه كما تقدم، فروحه من صفاته وأسمائه تعالى وعقله من أفعاله تعالى ومعلوماته المرسومة فيه من أحكامه تعالى .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (التي لآدم ولهذا) أي ولأجل حصول هذه الجمعية لآدم (كان آدم خليفة) .
فإذا كان خليفة فلا بد أن یکون ظاهرة بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه (فإن لم يكن) آدم (ظاهرة بصورة من استخلفه فيه) أي في العالم (فما هو خليفة) لامتناع التدبير والتصرف حينئذ.
وكذلك لا بد أن يكون نائبا فيه جميع ما تطلبه الرعايا (وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها ) فليس بخليفة .
حذف الجواب للعلم به وإنما وجب أن يكون فيه جميع ما تطلبه الرعایا.
(لأن استنادها) أي استناد الرعايا (إليه) أي إلى آدم لا إلى غيره .
فإذا كانت مستندة إليه (فلا بد أن يقوم) عليهم (بجميع ما يحتاج إليه وإلا) أي وإن لم يقم بجميع ما يحتاج إليه (فليس بخليفة عليهم) .
فإذا كان الأمر كذلك (فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل) لا لغيره من المخلوقات.ولما فرغ عن ذكر الخلافة شرع في تصريح بما علم
التزام بقوله: (فأنشأ صورته) أي صورة الإنسان الكامل (الظاهرة) الموجودة في عالم الشهادة وهي صورة الجسدية (من حقائق العالم وصوره) أي ومن صورة العالم.
(وانشأ صورته الباطنة) وهي صورته الروحية الموجودة في عالم الغيب وهو المراد من قوله خلق الله آدم (على صورته تعالى) أي على صفات الله وأسمائه.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قلت: يعني ما ورد من قوله، عليه السلام: "إن الله تعالى سبعين ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات وجهه كل ما انتهى إليه بصره من خلقه " فذكر تعالى أن حجبه من نور وظلمة وهي الأرواح والأجسام وحقيقتهما أنهما كثيف ولطيف.
ثم أشار إلى التوحيد بقوله: "وهو عين الحجاب على نفسه، فلا يدرك الحق أحد إدراکه نفسه" فهو العارف والمعروف كما أنه الحجاب والمحجوب
وإذا كان كذلك "فلا يزال في حجاب لا يرفع"، لأن رفع الحجاب إنما يتحقق عند كون الحجاب غير المحجوب وأما إذا لم يكن هناك تغایر فلا يتحقق رفع الحجاب."
و قوله: (مع علمه).
قلت: يعني أن العالم أو الإنسان يعلم أنه ممتاز عن موجده فقد عاد إلى إشارته إلى تمايز الأعيان الثابتة التي هي الممکنات المفتقرة.
وما بعد هذا ظاهر مما سبق إلى قوله: "فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ."

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
"ولهذا كان آدم خليفة ، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه ، فما هو خليفة ، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها لأنّ استنادها إليه ، فلا بدّ أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه وإلَّا فليس بخليفة عليهم ".
فلمّا جمع الله لآدم بين الصورتين  صورة الحقّ وصورة الخلق .
فكان له مرتبة جمع الجمع ، فهي على صورة الله ضرورة كون الحقيقة الإلهية أحدية جمع الحقائق الوجوبية كلَّها المقتضية بالذات لجمع جميع الحقائق الكونية.
وبهذه الجمعية صحّت له الخلافة ، كما نطقت الحقيقة على لسان بعض تراجم الحقائق ، شعر :
أتته الخلافة منقادة      .... إليه تجرّر أذيالها
فلم تكن تصلح إلَّا له      .... ولم يكن يصلح إلَّا لها
ولو رامها أحد غيره      .... لزلزلت الأرض زلزالها
فالإنسان حامل الأمانة التي هي الصورة الإلهية التي حذي آدم عليها .
فإن لم يظهر الخليفة بصورة المستخلف في الرعايا ، لم يطيعوه ، وكان قاصرا عن درجة الخلافة ، فلم يصلح لها ، وإذا لم يكن عنده جميع ما تطلبه الرعايا ، لم يطيعوه ولم يوصل ذلك إلى الجميع جمعا وفرادى ولم يكن خليفة .
وإذ قد جمع الله لآدم بين يديه المبسوطتين بجميع الآلاء والنعماء التي يطلبها الكلّ واستوت الحقيقة الأحدية الجمعية والوجوبية الإلهية على عرش الحقيقة الأحدية الجمعية الإنسانية الكمالية ، ظهر بصورة الله تعالى .
فأوصل نعم الله وآلاءه المخزونة في خزائنه عنده وفيه التي هي حضرات الأسماء وخزائن خزائنة التي هي حقائق القوابل والمظاهر إلى العالم الأعلى الربّاني والعالم الأسفل الكياني ، روحانيّتها وجسمانيّتها ، سماويّها وأرضيّها .
وظهرت جميع الحقائق الوجوبية والنسب الإلهية والربوبية في مظاهرها تماما ، وظهرت أيضا بها الحقائق الخلقية المظهرية في جميع مرائيها ومراتبها ومناظرها ومجاليها الروحانية والمثالية والطبيعية تماما ظهورا فرقانيا تفصيليا .
وكان ظهورها في الخليقة ظهورا جمعيا أحديا كماليا ليس كظهور كلّ منها في كلّ من المظاهر إذ ليس كلّ منها كلّ كلّ منها من كلّ وجه ، فما في بحري الوجوب والإمكان حرف ولا كلمة إلَّا وهي في الإنسان الكامل الفاضل أفضل وأكمل منه ، خارجا عنه .
مع حصول فضيلته الخصيصة به له ، فافهم إن كنت تفهم ، والله الملهم والمعلم .
فما أكمل الإنسان لو عرف قدره ، وملك أمره ، وكمّل سرّه ، ولم يتعدّ طوره ، ولزم مركزية حقيقة الاعتدال ، وتحقّق بحقيقة الإطلاق في الجمع والكمال ! .
حقّقنا الله وإيّاكم معاشر المستعدّين الطالبين لهذه الحقيقة ، والمسترشدين إلى هذه الطريقة بفضله وطوله وقوّته وحوله .
وأمّا استناد العوالم التي كنى عنها الشيخ رضي الله عنه بالرّعايا إلى هذا الخليفة .
وهي الخليقة : فمن حيث إنّ كلّ حقيقة من حقائق ذات الخليفة ونشأته برزخ من حيث أحدية جمعها بين حقيقة ما من حقائق بحر الوجوب وبين حقيقة مظهرية لها من حقائق بحر الإمكان هي عرشها ، وتلك الحقيقة الوجوبية مستوية عليها .
فلمّا ورد التجلَّي الكمالي الجمعي الإلهي على المظهر الكمالي الإنساني ، تلقّاه بحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية ، وسرى سرّ هذا التجلَّي في كل حقيقة من حقائق ذات الخليفة ، ثم فاض نور التجلَّي منها على ما يناسبها من العالم .
فما وصلت الآلاء والنعماء الواردة بالتجلَّي الرحماني على حقائق العالم إلَّا بعد تعيّنه في الإنسان الكامل بمزيد صبغة لم تكن في التجلَّي قبل تعيّنه في مظهرية الإنسان الكامل .
فحقائق العوالم وأعيانها رعايا للملك الحقيقي المالك لهم .
وعلى الخليفة رعاية رعاياه على الوجه الأنسب والأليق والأفضل ، وفيه تتفاضل الخلائف بعضهم على بعض ، فاجهد واشهد واكشف ، تشهد ، والله الهادي .
قال رضي الله عنه : "فما صحّت الخلافة إلَّا للإنسان الكامل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره ، وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى."
ولذلك قال : « كنت سمعه وبصره » ولم يقل : كنت عينه وأذنه ، ففرّق بين الصورتين" .

بيان إيجاد الحق صورة ظاهر الإنسان
قال العبد : أمّا إنشاء صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره فمن حيث إنّ ظاهرية الإنسان أحدية جمع جميع الحقائق الكونية وصورها .
فما من ذرّة من ذرّات الوجود من العقل الأوّل إلى آخر نوع من أنواع الموجودات الكونية إلَّا وفي نسخة ظاهر الإنسان الكامل نظيرتها ومندوحتها ، ونسبتها إليه كنسبة الأصل إلى الفرع .
ونسبة حقائق ذات الإنسان وصورها إلى حقائق العالم وصورها نسبة الأصل إلى الفرع ،
ولقد ذكرنا نظائر حقائق العالم وصورها من الإنسان الكامل في الشرح الكبير ، وربما يحشو حشو حواشي هذا المختصر شيء من ذلك ، حتى يكون الكتاب كافيا وافيا. والله الموفّق والمؤيّد والمعين .

بيان إظهار صورة باطن الإنسان الكامل
وأمّا إنشاء الله تعالى صورة باطن الإنسان على صورته تعالى فهو أنّ الإنسان الكامل حاو ، جامع لجميع الأسماء الإلهية الفعلية الوجوبية وجميع نسب الربوبية فإنّه أعني الإنسان الكامل واجب الوجود بربّه.
عرش لله بقلبه ، فهو حق ، واجب الوجود ، حيّ ، عالم ، قدير ، مريد ، متكلَّم ، سميع ، بصير وهكذا جميع الأسماء ، ولكن بالله على الوجه الأجمع الأكمل .
وصورة الله التي خلق الله آدم عليها هي أحدية جمع جميع هذه الحقائق الربانية الإلهية على الإطلاق ، لا غير ، فباطن الإنسان على صورة الله ، وظاهره على صورة العالم وحقائقه.
والظاهر مجلى ومرآة للباطن ، والباطن متعيّن في الظاهر وبه بحسبه كما عيّن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما أسنده إلى الله تعالى أنّه قال : "كنت سمعه وبصره " ولم يقل عينه وأذنه ، ففرّق بين صورته الظاهرة وصورته الباطنة .
يريد رضي الله عنه في هذا ، الحديث ، وإلَّا ففي غيره التعميم والشمول على صورتية الظاهرة والباطنة ، ولا تظنّنّ قولنا : " صورته الظاهرة " جسمانية فقط فليس المراد ذلك .
بل خليقته من جسم وروح ، وقوى وعقل ، ومعان وصفات وغيرها ممّا يصدق إطلاق الخليقة وما سوى الله عليه ، فالهيئة الجمعية من جميع ما ذكرنا هي صورته الظاهرة .
فبهذا كان الإنسان الكامل بظاهره صورة العالم الأحدية الجمعية .
وقيل : فيه العالم الصغير ، أي من حيث الصورة .
والذي يتضمّن هذا الحديث من الفرق بين الصورتين والتخصيص فهو أنّ السمع والبصر حقيقتان ملكوتيّتان وإلهيّتان للنفس أو للروح كيف شئت وأمّا العين والأذن فهما آلتا إدراك المبصرات والمسموعات بالنسبة إلى من إدراكه مقيّد بالآلات ما دام كذلك .
وأمّا سمع الحق وبصره اللذان تسمّى بهما فغير متوقّف على الآلة والجارحة ، فذكر في هذا الحديث الأليق بجنابه تعالى لأهل العموم بلسانهم .
وإلَّا فإنّ الإدراكات بالآلات والجوارح كلَّها ، وقد يسري النور في باطن المحقّق المتحقّق بهذا المقام إلى ظاهره وأعضائه وجوارحه ، كما جاء في اليد والرجل واللسان والقدم والطريق ، والله وليّ التوفيق .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
كما قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا كان آدم خليفة ، فإن لم يكن ) أي آدم ظاهرا ( بصورة من استخلفه ) أي الحق ( فيما استخلفه فيه ) من العالم وأجزائه ( فما هو خليفة ) أي لم يكن خليفة لأن الخليفة يجب أن يعلم مراد المستخلف وينفذ أمره فلو لم يعرفه بجميع صفاته لم يمكنه إنفاذ أمره ( وإن لم يكن فيه جميع ما في العالم ) من الأسماء والصفات ( وما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها ) يعنى أجزاء العالم المستخلف هو عليها لم يكن خليفة عليهم .
إذ ليس حينئذ عنده ما يحتاج إليه الرعايا ويطلبونه منه فلم يمكنه تدبيرهم ، فقوله فليس بخليفة عليهم جواب الشرط الثاني في الحقيقة لكن لما اعترض تعليل الشرط وهو قوله : ( لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما يحتاج إليه ) بينه وبين الجزاء فانجر الكلام إلى توسط شرط آخر وهو قوله وإلا اكتفى بجواب أحدهما عن جواب الآخر لاشتراكهما في الجواب فيكون جواب الأول محذوفا لدلالة جواب الثاني عليه .
تقديره وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا من الأسماء التي يرب الحق تعالى بها جميع من في العالم من الناس والدواب والأنعام وغيرها فليس بخليفة عليهم ، والاعتراض لبيان أن فيه مطالب جميع أجزاء العالم لأنها مقتضيات الأسماء الإلهية فيطلب ما في خزائن الأسماء من المعاني التي هي كمالاتها والأسماء كلها فيه كما مر فاستندت إليه فلا بد أن يقوم بكل ما يحتاج إليه ويعطيها مطالبها كلها ( وإلا ) أي وإن لم يقم بجميع ما يحتاج إليها ( فليس بخليفة عليهم )
ومن هذا ظهر معنى قوله ( فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل فأنشأ صورته الظاهرة ) أي لما ثبت أن استحقاق آدم للخلافة إنما يكون بالصورتين أنشأ صورته الظاهرة ( من حقائق العالم وصوّره )
حيث جمع فيه الحقائق الكونية ، فلم يبق من صور العالم وقواه شيء إلا وفيه نظير ( وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ) فإنه سميع بصير عالم ، فيكون متصفا بالصفات الإلهية مسمى بأسمائه

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولهذا كان آدم، عليه السلام، خليفة). أي، ولأجل حصول هذه الجمعية لآدم، صار خليفة في العالم.
(فإن لم يكن آدم ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق.
(فيما استخلف فيه وهو العالم) أي، إن لم يكن متصفا بكمالاته متسما بصفاته قادرا على تدبير العالم.
(فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلفه عليها،لا يكون استنادها) أي، استناد الرعايا. (إليه). أي، إلى آدم الذي هو الخليفة، فليس بخليفة. وحذف الجواب لدلالة الجواب الأول والذي يأتي بعده عليه.
وإنما كان العالم مسندا إليه، لأنه رب للعالم بحسب مرتبته، وعبد للحق بحسب حقيقته، وإذا كان العالم مستندا إليه (فلا بد أنيقوم بجميع ما يحتاج إليه  وإلا فليس بخليفة عليهم، فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل).
أي، وإذا كان الأمر كذلك، فما صحت هذه المرتبة إلا له.
واعلم، أن لكل فرد من أفراد الإنسان نصيبا من هذه الخلافة يدبر به ما يتعلق به، كتدبير السلطان لملكه وصاحب المنزل لمنزله. وأدناه تدبير الشخص لبدنه. وهو الحاصل للأولاد بحكم الوراثة من الوالد الأكبر، والخلافة العظمى إنما هي للإنسان الكامل.
واعلم، أن الشيطان أيضا مربوب لحقيقة آدم وإن كان أخرجه من الجنة وأضله بالوسوسة، لأنها تمد من عالم الغيب مظاهر جميع الأسماء، كما أن ربه يمد الأسماء كلها.
فهو المضل بنفسه في الحقيقة لنفسه، ليصل كل من أفراده إلى الكمال المتناسب له، ويدخل الدار الطالبة إياه من الجنة والنار ولولا ذلك الإمداد، لا يكون له سلطنة عليه.
ومن هنا يعلم سر قوله تعالى: "فلا تلوموني ولوموا أنفسكم"وبه قامت الحجة عليهم، لان أعيانهم اقتضت ذلك. فإضلاله لآدم وإخراجه من الجنة الروحانية لا يقدح في خلافته وربوبية.
(فأنشأ صورته الظاهرة) أي، صورته الموجودة في الخارج من جسمه و روحه من حقائق عالم الملك والملكوت.
لذلك قال: (من حقائق العالم وصوره) وما اكتفى بذكر الصور.
(وإنشاء صورته الباطنة على صورته تعالى) أي، وإنشاء صورته الموجودة في العلم، وهي عينه الثابتة متصفة بصفات الحق تعالى وأسمائه.
ولما كانت الحقيقة يظهر بالصورة في الخارج، أطلق (الصورة) على الأسماء والصفات مجازا، لأن الحق بها يظهر في الخارج.
واعلم، أن كلا من (الظاهر) و (الباطن) ينقسم على قسمين: باطن مطلق، وباطن مضاف، وظاهر مطلق، وظاهر مضاف.
فأما الباطن المطلق فهوالذات الإلهية وصفاته والأعيان الثابتة.
والباطن المضاف هو عالم الأرواح.
فإنه ظاهر بالنسبة إلى الباطن المطلق، باطن بالنسبة إلى الظاهر المطلق، وهو عالم الأجسام، لذلك جعل صورته الظاهرة، أي صورة الإنسان، من حقائق العالم وصوره.
ويجوز أن يراد بـ (الصورة الظاهرة) جسمه وبدنه، فإنه مركب من حقائق عالم الكون والفساد. ويؤيده قوله آخرا: (فقد علمت حكمة نشأة جسد آدم،أعني صورته الظاهرة).
وبـ (الصورة الباطنة) روحه وقلبه والقوى الروحانية المتصفة بصفات الحق وأسمائه.
(ولذلك قال فيه: كنت سمعه وبصره. وما قال: كنت عينه وأذنه.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ:
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهذا) أي: ولأجل تشریف الحق آدم بالجمع بين يديه اللتين هما صورتا الحق والخلق (كان آدم خليفة) للحق على الخلق.
ثم بين كون الخلافة منوطة بذلك بقوله: (فإن لم يكن) أي: آدم (ظاهرا بصورة من استخلفه)، وهو الحق تعالى لا في كل ما في الحق حتى الوجوب الذاتي.
بل (فيما استخلفه فيه) أي: في الأمر الذي جعله خليفة فيه، وهو أن يتحقق بالأسماء الظاهرة في العالم، وسائر ما يقبل الظهور من الأسماء؛ ليستفيض بذلك من الحق، فيفيض إلى الخلق (فما هو خليفة)، إذ لا يقوم مقام الأصل بدونه، كما لا تقوم المرأة مقام الشمس في إفاضة النور على الجدار بدون أن يتصور بصورة الشمس، هذا بيان وجوب ظهوره بصورة الأصل.
وأما بیان وجوب ظهوره بصورة من استخلف عليه؛ فهو قوله: (وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها) بوجود حقائقها فيه الطالبة لكمالاتها مع قصور مناسبتها مع الحق تعالى، فما هو خليفة عليها، حذف هذا الجواب بقرينة ما بعدها لأنه لولا تلك الحقائق فيه، لم يستحق أو الفيض الذي يفيض عليها؛ لأن الفيض منوط بالقابل، وتلك الحقائق هي القابلة.
ولكنها قاصرة عن تحصيل ذلك الفيض بأنفسها؛ لأنها غير مقصودة بالذات فتطلب فيضها من الخليفة؛ (لأن استنادها إليه) من حيث هو مقصود بالذات.
وهي مقصودة لأجله، وهو كامل المناسبة مع الحق، ومعها أيضا لما فيه من الجمعية مع شائبة التفرقة من جهة ما فيه من الإجمال بعد التفصيل؛ ولذلك اختص کل قوة منه بأمر خاص لا يوجد في غيره، وإذا كان استناد الكل إليه في أنواع الفيض المختلفة التي يختص كل نوع بحقيقة تطلبه،(فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج) الرعايا (إليه) بتحقق حقائقها فيه حتى يستفيض ما يستحق كل حقيقة منها، ثم يفيض على كل منها ما يستحق.
(وإلا) أي: وإن لم يقم بجميع ما تحتاج إليه الرعايا (فليس بخليفة عليهم)، بل إنما تتصور خلافته على من يقوم بحاجته دون غيره؛ لكنه يكون قاصرا على ذلك التقدير؛ فلا تتم مناسبته مع الحق، فإن استفاض بتلك المناسبة القاصرة فحقائق العالم كذلك فلا يحتاج
إلى الخليفة، وإذا كان كذلك (فما صحت الخلافة) الموصلة للفيض الإلهي (إلا للإنسان الكامل) الجامع لما تحتاج إليه الرعايا، وما تشتمل عليه خزائن الأسماء الإلهية.
وإذا كانت الخلافة تتم بمناسبة الطرفين، ومناسبة الحق تتم بالجمعية، ومناسبة الخلق بالتفرقة، جمع فيه بين الصورتين مع التفرقة بينهما.
(فأنشأ صورته الظاهرة) أي: الجسمية (من حقائق العالم)، أي: كلياته وصوره لا من حيث هي صور للأسماء الإلهية، فإن الأجسام هي أجسام ليست صورا للأسماء الإلهية.
إذ ليس لها صورة حسية، وإن كانت صورا لها من حيث الوجود، وبعض المعاني القائمة بها، فالصورة الظاهرة للإنسان من حقائق العالم، (وصوره) من حيث هي آثار الأسماء الإلهية، أو ما يتعلق بها، وأخذ الإنسان صور الأسماء الإلهية ليس بواسطة العالم بل بالذات.
(وأنشأ صورته الباطنة) الروحية، وما يفيض منها من القوى المدركة، والمحركة (على صورته تعالی)، وهي الصورة المعنوية، وفيها الجمعية إذ جعله حيا، عالما، مريدا، قادرا، سميعا بصيرا، متکلما

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
فقال رضي الله عنه : ( فلهذا كان آدم خليفة ، فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه ) .
من وضع الصور وإظهارها ، والكشف عن كنه مراده منها ( فما هو خليفة ) ضرورة أنّ الخليفة هي المنفّذة لأحكام المستخلف إلى أن ينساق إلى غايتها المراد منها
 .
فلزم من هذه الشرطيّة الأمر الأوّل وهو اشتماله على صورة الحق .
كما لزم الثاني من قوله : (وإن لم يكن فيه جميع ما يطلبه الرعايا التي استخلف عليها ) فما هو خليفة أيضا وحذف التالي اكتفاء بما سبق منه وبيان الشرطيّة واضح ( لأنّ استنادها ) أي الرعايا ( إليه ، فلا بدّ أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه ، وإلَّا فليس بخليفة عليهم ) .
( فما صحّت الخلافة إلَّا للإنسان الكامل ) باشتماله الصورتين ، واحتوائه النشأتين ( فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره . وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى ، ولذلك قال فيه : « كنت سمعه وبصره » .
وما قال : « كنت عينه واذنه » ففرّق بين الصورتين ) تمييزا لليدين وتفصيلا لما يتعلَّق بهما من الأحكام المتقابلة والأوصاف المتناقضة . وهذا إنّما هو من سعة قابليّته الذاتيّة .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قوله رضي الله عنه :  (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم.
فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.)
قال الشيخ رضي الله عنه :"و لهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و إلا فليس بخليفة عليهم. "
(ولهذا)، أي لحصول هذه الجمعية (كان آدم خليفة) من الله على العالم (فإن لم يكن) آدم (ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق سبحانه متصفا بصفاته متسما بكمالاته ليتصرف بهما.
(فيما استخلفه فيه) وهو العالم (فما هو خليفة وإن لم يكن فيه).
أي في آدم (جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف) آدم (عليها) من مقتضيات الأسماء الإلهية وآثارها.
(لأن استنادها) تعليل للطلب أي ذلك الطلب إنما يقع منهم، لأن استناد الرعایا في تحصيل حاجاتهم (إليه) لكونه خليفة عليهم (فلا بد أن يقوم) آدم (بجميع ما تحتاج الرعايا إليه وإلا).
أي وإن لم يقم آدم بجميع ما تحتاج إليه الرعايا .
وإذا كان ذلك في قوة قوله : وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا كان كأنه أثر له فاقتصر في الجواز على قوله: (فليس بخليفة عليهم)، ولم يصرح بالجزاء في الأول "فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم و صوره و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى."
(فما صحت الخلافة) من أفراد العالم (إلا للإنسان ومن أفراد الإنسان إلا للإنسان الكامل).
لأن فيما عدا الكامل لم تحصل شرائط الخلافة بالفعل وفيما عدا الإنسان بالقوة أيضا (فأنشأ صورته).
أي صورته الجسمانية العنصرية (الظاهرة من حقائق العالم)، أي من الموجودات المتحققة في العالم (و صوره)، أي صور العالم التي هي تلك الموجودات المتحققة فهي معطوفة على الحقائق عطف تفسير.
أو من أعيانه الثابتة وصوره الخارجية بأن أفاض على أعيانه الثابتة الوجود فصارت صورة خارجية فأنشأ صورة الإنسان منها .
"وأنشأ صورته الباطنة" أحدية جمع روحه وقلبه وقواه الروحانية "على صورته تعالى" أحدية جمع صفاته وأسمائه.

.

كتاب مجمع البحرين في شرح الفصين الشيخ ناصر بن الحسن السبتي الكيلاني 940 هـ:
قال الشيخ رضي الله عنه : (ولهذا كان آدم خليفة فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها- لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه- وإلا فليس بخليفة عليهم. فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى. )
قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [ ولهذا كان آدم خليفة. فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليفة، و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها، لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و إلا فليس بخليفة عليهم ] .

قال الشيخ الشارح رضي الله عنه :
(ولهذا ): أي لحصول هذه الجمعية، و هي جمع النسبتين .
( كان آدم خليفة) وأعطاه الله تعالى من القوة بحيث أنه ينظر في النظرة الواحدة إلى الحضرتين، فيتلقّى من الحق، و يلقي إلى الخلق من حيث أنه حق خلق في مقام جمع الأضداد و منزله، و يكون بين هاتين النسبتين كالبرزخ يقابل كل نسبة منها بذاته.
فإنه لا ينقسم في ذاته فيقابل بعينيه التي قابل بها أحدهما الأخرى، و ما ثمة إلا ذاته كالجوهر الفرد بين الجوهرين أو الجسمين يقابل كل واحد منهما بذاته لأنه لا ينقسم، فلا يكون له جهتان مختلفان في حكم العقل.
و إن كان الوهم يتخيل ذلك لأن حقيقة البرزخ ألا يكون فيه برزخ و هو الذي يلتقي أمرين بينهما بذاته، فإن التقى الواحد منهما بوجه غير الوجه الذي يلتقي به الآخر، فلا بد أن يكون ما ينهما برزخ حتى يفرّق بين الوجهين حتى لا يلتقيان فإذا ليس ببرزخ .
قال تعالى: "بينهُما برْزخٌ لا يبْغِيانِ" [ الرحمن: 20] إشارة إلى ما ذكرناه، فإذا كان اللغة الوجه الذي يلتقي به الآخر فذلك هو البرزخ الحقيقي، فيكون فاصلا بين الشيئين مع وحدة الوجه .
فـ (البرزخ) يعلم بالحواس لأن ما له عين في الخارج و لا يدرك و يعقل و لا يشهد .
ذكره رضي الله عنه في الباب الثاني و الثمانين و ثلاثمائة من »الفتوحات« .
فهكذا رتبة الإنسان الكامل من حيث حقيقته و لطيفته يقابل بوجه الحقّ من حيث نسبة التنزيه، و بذلك الوجه بعينه يقابل نسبة الحق من حيث نسبة التشبيه.
و كما أن الحق الذي هو الموصوف بهاتين النسبتين واحد في نفسه، و أحديته و لم يحكم عليه هاتان النسبتان بالتعداد و التكاثر في ذاته.
كذلك العبد الكامل الخليفة في مقابلة الحق واحدة، و العين من العبد واحدة، و لكن عين العبد ثبوتية ما برحت من أصلها لأن الأعيان ما شمت رائحة الوجود، و لكن كساها الحق حلة وجوده فحينها باطن وجوده، و وجودها موجدها، فما ظهر إلا الحق تعالى و لا غير حتى يظهر، فافهم .

( فإن لم يكن ظاهرا بصورة ما استخلفه فيما استخلفه فيه ما هو خليفة) . اعلم أن الحكم في الأشياء كلها و الأمور جميعها، إنما هو للمراتب لا للأعيان، و لها النصب و العزل كانت ما كانت، وأعظم المراتب و أعلاها هو (الألوهية).
أنزلها العبودية فما ثمة الأمر ثبتان، فما ثمة إلا ربّ و عبد، و لكن للألوهية أحكام مختصة به لا يقتضي الغير، بل بنفسه لنفسه و هي كوجوب ذاته لذاته، و الحكم بغناه عن العالم، و نعوت الجلال كلها، و نفي المماثلة و أحكام ما يقتضي بذاتها عين الغير كالكرم و الجود و الرحمة.
فلا بد من عين عبد، و العبد في المرتبة العبودية فمرتبة العبد تطلب أحكامها من كونه عبدا العبد من طينة مولاه، فلا بد أن يكون ظاهرا بصورته خصوصا إذا استخلفه.
فلا بد أن يخلع عليه من استخلفه من صفاته ما تطلبه مرتبة الخلافة لأنه إن لم يظهر بصورة من استخلفه فلا يتمشّى له حكم في أمثاله، و ليس ظهوره بصورة من استخلفه سوى ما تعطيه مرتبة السيادة فأعطته رتبة الخلافة و رتبة العبودية لا يمكن أن يصرفها إلا في سيده الذي استخلفه كما أن له أحكاما لا يصرفها إلا فيمن استخلف عليه.
و الخلافة صغرى و كبرى فـ (أكبرها) التي لا أكبر منها الأمانة الكبرى على العالم.
و(أصغرها) خلافة الشخص على نفسه و التي بينهما ينطلق عليها صغرى بالنسبة إلى ما فوقها و هي بعينها كبرى بالنظر إلى ما تحتها، و أما تأثير العبد من كونه عبدا في سيده فهو قيام السيد بمصالح عبده لينفي عليه حكم السيادة، و أما التأثير الذي  يكون للعبد من كونه خليفة فيمن استخلفه كان المستخلف من كان فهو أن يبقى له عين من استخلفه لينفد حكمه فيه أيضا، فإن لم يكن كذلك فليس بخليفة .

هذا قوله رضي الله عنه(فإن لم يكن ظاهرا بصورته فما هو خليفة) .
قال رضي الله عنه: فإذا أراد الله تعالى تعظيم عبد من عباده عدل به عن منزلته، و كساه خلعته، و أعطاه أسماه، و جعله خليفة في خلقه، و ملكه زمام الأمر، و كمل الغاشية بين يديه، و أعطي الحكم له ليعطي مرتبة حقها، فإن الحضرة في الوقت له، و الوقت وقته، و الحكم للوقت في كل حاكم  كان من كان .
ألا ترى الحق أنه يقول عن نفسه أنه: "كُلّ  يوْم هُو في شأنٍ" [ الرحمن: 29] فهو يحسب الوقت لأنه لا يعطي إلا بحسب القابل فالقبول وقته حتى تجري الأمور على الحكمة .
قال صلى الله عليه و سلم : " لا يؤمن الرجل في سلطان أحد و لا يعقد على كريمته إلا بإذنه" .
فإن الخليفة إذا دخل أحد من رعيته، فـ (الأدب الإلهي) المعتاد يحكم عليه بأن يقبل حكم صاحب الدار، فحيث ما أقعده يقعد ما دام في سلطانه.
و ذلك من حكم المنزل عليه، و جعل الرئيس مرؤوسا، أما ترى وجود العالم ما ظهر إلا بإظهار الحق إيجاده، ثم تأخّر المتقدم، و تقدّم المتأخر، فلم يظهر للعلم بالله عين حتى أظهر به العلم بالعالم، قال صلى الله عليه و سلم : "من عرف نفسه فقد عرف ربه" .
فإن الأمر لا يظهر إلا بما تواطئوا عليه، و إذ ظهر لهم فعلا، فلم يظهر لهم إلا بما ألفوه في عادلتهم، و هذا من عاداتهم، و هذا من عاداتهم.
ذكره رضي الله عنه في الباب الحادي  و الثلاثين و أربعمائة من "الفتوحات" :
و إن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا و من ( الرعايا) العقل الأول: و هو الوجود الأول الإبداعي .
و كذلك النفس: هو الوجود الانبعاثي فلهما وجوب الوجود بالغير فيزيلان الاستناد إلى الوجوب الذاتي، فكيف يكون؟
و إن لم يكن الخليفة بهذا الوصف، فأني يمكنه ذلك.
فافهم أن الخلفاء كالحبوب من الحبة، و النوى من النواة، فيعطي كل حبة ما أعطت الحبة الأصلية لاختصاصها بالصورة على الكمال، و هذا من لباب العلم بالله الذي أعطاه كشف أهل الكشف و الشهود، فمن كان عارفا بمواقع خطاب الإلهيين و تنبيهاتهم و إشارتهم فقد عرفوه حقيقة الأمر لأنهم يدعون إلى الله على بصيرة و لهم فصل الخطاب .
قال تعالى: "و على اللّهِ قصْدُ السّبيلِ " [ سورة النحل: 9] .
فإذا عرفت ما أوردناه في هذا المبحث، وقفت على الأسرار الإلهية وعلمت مرتبة عباد الله الذين هم بهذه المثابة أين تنتهي المرتبة بهم؟ فافهم .
( التي استخلف عليها) لأن استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه و احتياج الوجوب بالغير للاستناد إلىالوجوب الذاتي ظاهر، فافهم .
و يشير إلى هذا المعنى قوله رضي الله عنه في الباب الأربعين من الفتوحات :
و عندي أن العالم هو عين العلة و المعلول و ما أقول إن الحق علة له كما انتصر له بعض النظار يعني: الإمام الغزالي فإن ذلك غاية الجهل بالأمر.
فإن القائل بذلك ما عرف الوجود و لا من هو الموجود فلا بد أن ينتهي الأمر إلى واجب الوجود الذي هو نهاية العلل.
وإلا يلزم الدود و التسلسل على رأيهم و إلا فليس بخليفة عليهم فخلق على صورته و مكّنه بالصورة من إطلاق جميع أسمائه فردا فردا أو بعضا بعضا.
ولا ينطلق عليه مجموع الأسماء معا في الكلمة الواحدة، يتميز الرب من العبد الكامل فما من اسم من الأسماء الحسنى و كل أسماء الله الحسنى ألا و للعبد الكامل أن يظهر بها، كما له أن يدعو سيده بها بلا تخصيص ولا تخصص .
أمّا وجوب الوجود فقد أظهرت لك شأنه إن كنت فاهما غير مرة، و أما الغنى الذاتي .


فاعلم أنه رضي الله عنه قال في الفنوحات الباب التاسع و السبعين و ثلاثمائة:
إنه في الخبر الصحيح و النص الصريح أن العبد يصل إلى مقام يكون الحق تعالى من حيث هويته جميع قواه، و هو سبحانه الغنيّ لذاته الذي يمكن إزالته عنه فإذا أقام الله عبده في هذا المقام فقد أعطاه صفة الغنىّ عن كل شيء لأن هويته هو عين قوي هذا العبد .
و ليس ذلك من تقاسيم الأعطيات إلا الإيثار فقد أثر بما هو له لهويته التي هي عين العبد، و هذا من بعض محتملات ما ذكر من القوم و هو أن الفقير لا يحتاج إلى الله لأنه فان في نفسه باق بالغنى على الإطلاق .

قال رضي الله عنه: و هذا من علوم الأسرار التي لا يمكن بسط التعريف فيها إلا بالإيماء لأهلها أشجعهم للعمل عليها فإنه في غاية من الخوف لقبولها و كيف الاتصاف بها ؟ فافهم و تحفّظ .
فإنها أخت مسألة وجوب الوجود في الغرابة و الندرة التي لا تجدها في كتب الصوفية لأنها دون ذوق المحققين المتصفين بالإطلاق فافهم .
"" أضاف الجامع عن آدم عليه السلام عند الشيخ الأكبر وفي الإصطلاح الصوفي :
قال الشيخ فريد الدين العطار: " آدم : هو كنز من كنوز الذات الإلهية . كان خفيا في هذا الكنز ، فلما ظهر بدت معه أسرار كثيرة من الحقيقة الإلهية ، وثارت ثائرة العالم.
يقول  الشريف الجرجاني آدم عليه السلام : آدم هو أحدية جمع جميع الصور البشرية " .
يقول الشيخ عبد الكريم الجيلي : " آدم : هو مظهر لاسم الله ".
يقول الشيخ مصطفى بالي زادة أفندي: " آدم: هو الروح الكلي المحمدي لا آدم الذي خلق من طين ، وهو الخليفة وهو العقل الأول ".
يقول الشيخ إسماعيل حقي البروسوي آدم :  محل ظهور صفة اللطف الإلهي .
يقول الشيخ عبد الرحمن بن عبد الله السويدي: " آدم: هو الإنسان الحادث الأزلي، والنشئ الدائم الأبدي، والكلمة الفائضة الجامعة، والحكمة البالغة البارعة ".
يقول الشيخ أبو العباس التجاني: " آدم: هو الموجود الأخير من الموجودات، وهو المعبر عنه عند العارفين بالتجلي الأخير واللباس الأخير ".
يقول الشيخ عبد القادر الجزائري: " آدم عليه السلام : هو مجمع جميع الأسماء الإلهية التي توجهت على العالم، فإن الحق تعالى توجه على كل مخلوق باسم خاص، وتوجه على آدم بجميع الأسماء التي تطلب العالم، فهو يدل على جميع الأسماء " .
تقول الدكتورة سعاد الحكيم: " إن (آدم) عند الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي هو تلك الشخصية التي سبق الكلام عليها في القرآن. وأنه رمز للحقيقة الإنسانية، وللإنسان الكامل، الذي جمع في حقيقته كل الحقائق المنتشرة في الأكوان .
فهو ( الكون الجامع ) وهو ( روح العالم ) وهو (خليفة الله في الأرض) وهو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
يقول الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي:
" لما شاء الحق سبحانه من حيث أسماؤه الحسنى التي لا يبلغها الإحصاء أن يرى أعيانها، وإن شئت قلت: أن يرى عينه في كون جامع يحصر الأمر كله ، أوجد العالم كله وجود شبح مسوى لا روح فيه، فكان كمرآة غير مجلوة .
فآقتضى الأمر جلاء مرآة العالم، فكان آدم عين جلاء تلك المرآة وروح تلك الصورة فسمي هذا المذكور (آدم) إنسانا وخليفة " .
ويقول: " فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني " .
ويقول: " آدم : هو صفة الذكورية الفاعلة في مقابل الأنثى المنفعلة (حواء)، ومحل الإجمال بالنسبة لمحل التفصيل (حواء).
ويقول: " آدم:  لجميع الصفات، وحواء لتفريق الذوات، إذ هي محل الفعل والبذر ".
ويقول: " في حين يتبوأ (آدم) في المعنى السابق مرتبة الإجمال في مقابل (حواء) مرتبة التفصيل، نرى هنا أنه يظهر في مرتبة التفصيل في مقابل (محمد) الذي له الجمع.
ويقول: آدم الأرواح : هو سيدنا محمد.
ويقول آدم الحقيقي: هو النفس الناطقة الكلية التي تتشعب عنها النفوس الجزئية.
ويقول : " محمد للجمع، وآدم للتفريق ".
كما يفرد الشيخ الأكبر الصفحات في كلامه على البسملة، ليبين كيف أنها تبدأ بآدم وتنتهي بمحمد، فآدم بداية الأمر ومحمد نهايته.
ويقول: " (فالرحيم) هو محمد و (بسم) هو أبونا آدم، واعني مقام ابتداء الأمر ونهايته " .
وواضح من كلمة ابتداء الأمر ونهايته: أن آدم هو أول ظاهر بمجموع الحقائق، ومحمد خاتم الظاهرين بمجموع الحقائق.
وتضيف الدكتورة سعاد الحكيم من نوادر الفكر الصوفي، وهي ما يتعلق بوجود أكثر من آدم في الوجود فتقول:
ينوه شيخنا الأكبر بوجود مائة ألف آدم، وإن كانت الفكرة غير جلية إلا أننا من خلال نصين سنوردهما نستطيع أن نتبين مراده من وجود مائة ألف آدم وعلاقة ذلك بالخلق. فإن الله لم يزل ولا يزال خالقا، والآجال في المخلوق لا في الخلق فيقول:
" لقد أراني الحق تعالى فيما يراه النائم وأنا طائف بالكعبة مع قوم من الناس لا أعرفهم بوجوههم.
فقال لي واحد منهم وتسمى لي باسم لا أعرف ذلك الاسم، ثم قال لي: أنا من أجدادك.
قلت له: كم لك منذ مت.
فقال لي: بضع وأربعون ألف سنة.
فقلت له: فما لآدم هذا القدر من السنين.
فقال لي: عن أي آدم تقول؟! عن هذا الأقرب إليك أو عن غيره؟
فتذكرت حديثا عن رسول الله:إن الله خلق مائة ألف آدم "."
كما يروي الشيخ ابن العربي الطائي الحاتمي هذه الرؤيا للنبي إدريس {عليه السلام} في معراجه، يقول:
قلت (ابن العربي الطائي الحاتمي للنبي إدريس): رأيت في واقعتي ، شخصا بالطواف أخبرني أنه من أجدادي وسمى لي نفسه فسألته عن زمان موته.
فقال لي: أربعون ألف سنة، فسألته عن آدم لما تقرر عندنا في التاريخ لمدته.
فقال لي: عن أي آدم تسأل عن آدم الأقرب؟
فقال إدريس {عليه السلام}: صدق، إني نبي الله ولا أعلم للعالم مدة نقف عندها بجملتها إلا أنه بالجملة لم يزل خالقا ولا يزال دنيا وآخرة، والآجال في المخلوق بانتهاء المدد لا في الخلق ..
قلت: فعرفني بشرط من شروط اقترابها (الساعة)؟
فقال: وجود آدم من شروط الساعة .
الدكتورة سعاد الحكيم ترى إن للفظة (آدم) عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لها ثلاثة معاني اصطلاحية إضافة إلى المعنى العام الوارد الإشارة إليه في القرآن الكريم وهو الشخصية النبوية. وتلك المعاني الاصطلاحية هي:
1. أنه يمثل الحقيقة الإنسانية، أو ما يعرف بـ (الإنسان الكامل).
2. أنه يمثل مرتبة الإجمال في مقابل (حواء) التي تمثل مرتبة التفصيل.
3. أنه يمثل صفة التفصيل في مقابل سيدنا محمد الذي يمثل مرتبة الإجمال.
أقوالا أخرى للشيخ الأكبرابن العربي :
ويقول آدم: هو الإنسان الكامل الذي لا يزال العالم به محفوظا.
ويقول آدم: هو الإنسان الحادث الأزلي والنشء الدائم الأبدي، والكلمة الفاصلة الجامعة، قيام العالم بوجوده، فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم، وهو محل النقش والعلامة التي بها يختم الملك على خزانته ".
ويقول آدم: هو الحق الخلق ، هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
وهو قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء ".
ومن حيث المعنى الثاني يقول:
يقول " آدم: هو كناية عن الكتاب الجامع، فهو للعالم كالروح من الجسد، فالإنسان روح العالم، والعالم الجسد.
فـ بالمجموع يكون العالم كله هو الإنسان الكبير، والإنسان فيه، وإذا نظرت في العالم وحده دون الإنسان وجدته كالجسم المسوى بغير روح ".
ويقول آدم: هو البرنامج الجامع لنعوت الحضرة الإلهية التي هي الذات والصفات والأفعال ".
ويقول: " إن الله اختصر من هذا العالم مختصرا مجموعا يحوي على معانيه كلها من أكمل الوجوه سماه آدم وقال: إنه خلقه على صورته ".
ويقول الشيخ أبو الحسن الشاذلي يقول: " ابن آدم: هو طلسم لا يدرى به إلا من اجتباه الله، وأطلعه على سره الغامض فيه.
فمن السر: أنه مرقوم على كفه الأيمن رقم 18، وعلى كفه الأيسر رقم 81، ومجموع الرقمين 99 أعني: أسماء الله الحسنى، يتجلى بها عليه على حسب استعداده من الأزل". أهـ
يقول الشيخ رضي الله عنه :
رأيت الحق في الأعيان حقا ... وفي الأسما فلم أره سوائي
ولست بحاكم في ذاك وحدي ... فهذا حكمه في كل رائي
وعند المثبتين خلاف هذا ... هو الرائي ونحن له المرائي.  ""

قال الشيخ المصنف رضي الله عنه : [فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل، فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.]
قال سيدنا الشارح رضي الله عنه :
( فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل) فإن له الجمع بين الصورتين، فهو الأول من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة لأنه خلق على صورته و الآخر من حيث الصورة الكونية، و الظاهر بالصورتين من حيث الخلافة و الباطن من حيث صورته لأنه على صورة الرحمن بخلاف العالم فإنه لا يقبل هذه الجمعية فافهم .
( فأنشأ صورية الظاهرة من حقائق العالم و صوره) و هي الحقائق الكلية و مقر ذاته فإن الصورة للأعيان الخارجية من حيث الأفراد و الأشخاص .
قال رضي الله عنه: إن جميع العالم برز من العدم إلى الوجود إلا الإنسان الكامل وحده،
فإنه ظهر من وجود إلى وجود، من وجود فرق إلى وجود جمع.  فتغير الحال عليه من افتراق إلى اجتماع.
و العالم تغير عليه الحال من عدم إلى وجود، فبين الإنسان والعالم كبين الوجود و العدم .
فلهذا قال تعالى: "ليس كمِثلهِ شيْءٌ" [ الشورى: 11] من العالم فافهم .
( و أنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى) .
ورد في الحديث الصحيح الذي رواه الشيخان البخاري و مسلم رحمهما الله : "إذا قاتل أحدكم أخاه فليتجنب الوجه إن الله خلق آدم على صورته" .
بإعادة الضمير إلى آدم لم يبطل المعنى المراد يعني: خلق آدم على صورته: أي صورة آدم التي كانت في العلم بمعنى طابقت صورته الحسية صورته العلمية .
لأن المثال الذي وجد العالم عليه هو العلم القائم بنفس الحق، فإنه سبحانه علمنا بنفسه و أوجدنا على حد ما علمنا و نحن على هذا الشكل المعين.
و لا شك أن مثل الشكل هو القائم بعلم الحق تعالى و لو لم يكن الأمر هكذا إلا أخذنا هذا الشكل بالاتفاق لا عن قصد و ليس كذلك.
ولو لا الشكل في نفسه تعالى ما أوجدنا عليه و لو لم يأخذ هذا الشكل من غيره لأنه ثبت كان الله ولا شيء معه إلا أن يكون ما برز عليه في نفسه من الصورة علمه.
فعلمه بنا علمه بنفسه، و علمه بنفسه أزلا عن عدم فعلمه بنا كذلك، فنحن كذلك.
فمثالنا الذي عين علمه بنا قديم بقدم الحق لأنه وصف له و لا تقوم بنفسه الحوادث جلّ الله عن ذلك فافهم .
فإنه له من لباب العارف، فلمّا أنشأ صورته على صورته فللإنسان في كل حضرة إلهية نصيب لمن عقل و عرف لأنه صورته .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment