Monday, July 15, 2019

السفر السابع فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الفقرة الحادي عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الفقرة الحادي عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الفقرة الحادي عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله

07 - The Wisdom Of Sublimity In The Word Of ISHMAEL


الفقرة الحادي عشر :

جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ).
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق   و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق     تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ).
قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا تنظر) يا أيها العارف بالله تعالى (إلى الحق) سبحانه وتعالى المتجلی علی قلبك بصور جميع ما تدركه من المحسوسات والمعقولات (وتعريه)، أي تجرده عز وجل (عن) ملابس صور (الخلق)، أي المخلوقات على اختلافها بأن تنظر إليه خالية عن صورة شيء من الأشياء، فإن هذا محال عند أهل المعرفة، فإنك إن خليته وجردته عن الصورة الحسية لما تقدر أن تخليه وتجرده عن الصور الخيالية والمعنوية وإن أخليته وجردته عن الكل فأنت معطل له وجاحد لوجوده، ومع ذلك فأنت مثبت له في ملابس الصور الكونية أيضا، فإن نفيه من ذلك كله معنى من المعاني وخيال من الخيالات الفكرية، فقد أثبت له ما نفيت عنه بمجرد نفيك وأنت لا تشعر .
(ولا تنظر) يا أيها العارف أيضا (إلى) شيء من (الخلق)، أي المخلوقات المحسوسة والمعقولة (وتكسوه)، أي تلبسه (سوی) وجود (الحق) سبحانه وتعالى فإن الخلق جميعهم من جهة أنفسهم معدومون، ولولا كسوة وجود الحق سبحانه لهم لما صح انتساب الوجود إليهم، والمراد عدم شهود انفكاك الحق عن الخلق والخلق عن الحق، ولا يلزم من ذلك ما يشكل في عقول القاصرين من لزوم الحلول أو الاتحاد أو الانحلال، لأن تصور الإمكان شيئا من ذلك موقوف على ثبوت وجودين مستقلين، كل واحد منهما قائم بنفسه حتى يتصور أن يحل أحدهما في الآخر أو يختلط به أو يتحد به أو ينحل عنه، ونحو ذلك من وساوس أصحاب الأفكار القاصرين عن درجات علماء الأنوار والأسرار.
وأما إذا كان الوجود حقيقة واحدة مستقلة وجميع ما عداها مما هو صادر عنها أمور عدمية في نفسها، ظهر فيها ذلك الوجود الواحد باعتبار أنه متوجه عليها، فالوجود الذي هو الثبوت والتحقق الظاهر لكل شيء محسوس أو معقول هو الوجود الواحد الذي هو عين تلك الحقيقة الواحدة والزائد عليه مما هو مسمي باسم كل شيء لا وجود له أصلا من نفسه، فلا يشكل عليه إشكال أصلا.
(ونزهه)، أي قل بتنزيهه سبحانه وتعالى وتبعيده و تقدیسه عن مشابهة كل شيء محسوس أو معقول، واعتقد ذلك في نفسك ولا تقتصر عليه فقط فيدخل التعطيل في اعتقادك كما ذكرنا (وشبهه) أيضا سبحانه وتعالى مع ذلك، أي قل واعتقد أنه عز وجل ظاهر بصورة كل شيء قد نزهته عنه من محسوس ومعقول، ولا تقتصر على ذلك وحده فتكون من المجسمة الضالة المضلة ، بل اجمع بينهما يخرج لك الحق منهما من بين فرث ودم لبنا خالصة سائغا للشاربين، ولا تظن أن هذا أمر متناقض.
لأنه تعالى إذا كان في نفسه على ما هو عليه منزه عن مشابهة كل شيء لا يمتنع مع ذلك أن يكون ظاهرة بصورة كل شيء، قد تنزه عنه ظهورة وهمية عند الحس والعقل، لأن جميع المخلوقات بالنسبة إليه تعالى أمور وهمية خيالية لا حقيقة لها ولا وجود لها أصلا في نفسها كما ذكرنا ، فإذا ظهر تعالى كما هو ظاهر كذلك بأي صورة شاء، أو بأي صور شاء.
أو لجميع الصور على حسب ما يشاء سبحانه، وذلك الظهور المصور بعضها عن بعض، فلا مانع من ذلك مع كمال تنزهه في نفسه تبارك وتعالى، وكمال تقدیسه عما تدركه العقول أو تعرفه العارفون، بل لا بد من ذلك عند أصحاب المعرفة وأرباب الحقائق القائمين بالبواطن والظواهر في الشرائع والطريق.
(وقم) أمر من الإقامة وهي اللزوم وعدم الانتقال (في مقعد)، أي موضع القعود (الصدق) وهذا ضد الكذب ويشمل الأقوال والأفعال والأحوال.
قال تعالى : "إني ألمتقين في جنات و نهر. في مقعد صدق عند مليك مقتدر" [القمر: 54 - 55].
فالجنات جمع جنة من الاجتنان وهو الستر، ولا شك أن الصور الحسية والعقلية أستار للحقيقة الإلهية كما ذكرنا في التشبيه .
والنهر: من النهر بالسكون وهو الشق وخرق حجاب الغفلة عن عين البصيرة، شق فهو نهر .
ومقعد الصدق دوام الاطلاع على شهود الغيب مع الرسوخ في أحكام الشهادة تقتضي الغيبة والاستغراق عن مشاهدة المحسوسات والمعقولات من جهة كونها محسوسات ومعقولات والمليك أبلغ من الملك، والعندية لزيادة الحرف فهو المستولي على جميع المحسوسات والمعقولات.
والمقتدر : الذي يخلق بأسباب وآلات، بخلاف القادر : فإنه الذي يخلق بلا سبب ولا آلة.
والحق تعالى وإن كان لا يتوقف فعله وتخليقه على سبب ولا آلة، ولكنه تعالی جرت عادته أن يخلق بأسباب وآلات مع عدم الاحتياج إليها أصلا، وقد خلق الموجود الأول من غير سبب ولا آلة، فذلك المخلوق الأول عبد القادر، وكل ما عداه من المخلوقات عبد المقتدر، وهذا جهة التنزيه ، لأنه إثبات المغيب ولاستيلائه على عالم الشهادة مع كمال اقتداره.
فمقعد الصدق : تنزیه وتشبيه، غيب وشهادة ، حق وخلق، أول وآخر، ظاهر وباطن، وهو بكل شيء عليم.
فعلمه لم ينفك عن كل شيء فهو ظاهر بكل شيء ولم يرد أنه تعالی عالم بذاته وصفاته وأسمائه على الخصوص في العلم غير مثل هذه الآية، لأنه إذا علم كل شيء فقد علم ذاته وصفاته وأسماؤه.
فكل شيء مخلوقه وكل شيء معلومه وهو الظاهر بكل شيء كما قال : وخلق كل شيء، وهو بكل شيء عليم، وإليه الإشارة بقوله سبحانه : " إنا كل شيء خلقته بقدر"  [القمر: 49]. في قراءة من رفع كل على أنه خبر إنا فهو التشبيه والتنزيه الذي أشار إليه الشيخ قدس سره .
(وكن) يا أيها العارف (في) مقام (الجمع) بشهود الحق تعالی ولا شيء معه (إن شئت)، أي أردت ذلك (و) كن (إن شئت ففي) مقام (الفرق) بشهود الخلق فالجمع من اسمه تعالى الأول، والفرق من اسمه الآخر والجمع من اسمه الظاهر والفرق من اسمه الباطن.
(تحز) من حاز إذا جمع ونال (بالكل)، أي بالجمع وبالفرق إذا كنت في هذا تارة وفي هذا تارة أخرى ولم تقتصر على أحدهما فقط، لأن كل واحد منهما مذموم شرعا إذا اقتصر عليه العبد، فالجمع وحده زندقة والفرق وحده شرك (إن كل)، أي كل واحد منهما.
(تبدی)، أي انكشف لك وظهر (قصب) مفعول تحز واحدها قصبة (السبق)، أي المسابقة، وكان العرب يغرزون قصبات في طرف الميدان و يتراكضون بالخيول، فكل من سبق أخذ تلك القصبات فحاز قصب السبق، وهو هنا استعارة للظفر والفوز بالمراتب العالية والمقامات السامية.
(فلا تفنى)، أي تنمحي وتضمحل فقط في الجمع، وتدوم على المحافظة في ذلك، فإنك تصل إلى الزندقة ونفي الشرائع وإلغاء الأحكام وتسفيه الخطابات الإلهية (ولا تبقى)، أي تثبت بنفسك موجودة على الاستقلال بالحركات والسكنات فقط أيضا في الفرق.
وتدوم على المحافظة في ذلك، فإنك تصل إلى الشرك بالله تعالی وادعاء التأثير في ملك الله تعالی و منازعة الربوبية في أحكامها على العباد .
(ولا تفني) بضم التاء المثناة فوق من أفناه متعدية إذا أعدمه و محقه، أي تعدم غيرك من كل محسوس ومعقول و تمحقه من عين البصيرة والبصر وتقف عند ذلك فقط، فإن فيه نفي ما يجب الإيمان به من الأنبياء والكتب والملائكة والآخرة وغير ذلك وهو كفر (ولا تبقي) بضم المثناة فوق أيضا من أبقاه إذا اعتقد بقاءه وثبوته ووجوده بنفسه.
أي لا تعتقد قيام شيء بنفسه وثبوته بحوله وقوته من دون ملاحظة القيومية الإلهية على كل شيء وتقف عند ذلك فقط، فإن ذلك شرك بالله تعالى وادعاء وجود إله آخر بل آلهة أخرى مع الله تعالى في ملكه، فإنه لا يقوم بنفسه إلا الإله لا المخلوق، واعتقاد ذلك في شيء من الأشياء كفر لا محالة، ولولا خفاء هذا المعنى في نفوس أهل الغفلة وإظهارهم الاعتراف بافتقار كل شيء إلى الحق سبحانه في كل لمحة بألسنتهم لحكم الشرع بكفرهم.
(ولا يلقي) بالبناء للمفعول، أي لا يلقي الله تعالى (عليك) يا أيها العارف. 
(الوحي)، أي الإلهام الفائض من حضرة القدس والجناب الإلهي (في غير) من الأغيار أصلا، إذ الأغيار بسبب رؤيتك الأشياء بعين الغفلة والاغترار ومع وجود الوحي الإلهامي لا غفلة ولا اغترار فلا أغيار (ولا تلقي) بضم التاء الفوقية، أي لا تلقي أنت الوحي الإلهامي والفيض الرحماني على غير من الأغيار أصلا، ومتى سمع كلامك أحد من الناس وكان عند نفسه غير من الأغيار بأن كان غافلا عن شهود الحق تعالى فإنه لا يفهم كلامك ولا ينتفع بما تلقي عليه من علومك وإن حفظ العبارات، فإنه بعيد عن فهم الإشارات
ثم قال من تتمة حكمة إسماعيل عليه السلام قوله:

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ).
(فلا تنظر إلى الحق   ….. وتعريه عن الخلق)
أي مع تعري الحق من الخلق من كل الوجوه بل اجعله معرى مستغنيا من حيث الذات عن الخلق واجعله متعلقة من حيث الصفات إلى الأكوان.
(ولا تنظر إلى الخلق    ….. وتكسوه سوى الحق)
من كل الوجوه بل تكسوه بالغيرية في مقام الكثرة وتكسوه بالحق في مقام الجمع وهو مقام تحققه بصفات الحق.
(ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق)
(ونزهه وشبهه) أي نزه الحق في مقام التنزيه وهو مقام استغناء ذاته تعالى عن العالمين .
وشبه الحق في مقام الصفات بإثباتك له بالصفات الكاملة كالحياة والعلم والسمع وغير ذلك :
(وقم في مقعد الصدق) يعني إذا علمت ذوق ما ذكرنا لك وعلمت به فقد أقمت في مقام الكاملين وهو مقام الجمع بين الكمالين التنزيه والتشبيه .
فإذا نزهت وشبهت وقمته في مقعد الصدق ولا يبالي لك بعد ذلك. 
(وكن في الجمع إن شئت     ….. وإن شئت ففي الفرق)
لأنك حينئذ نلت درجة المحققين والموحدين، فلا يضرك في أي مقام كنت من الفرق والجمع .
فإذا تحققت بما قلنا لك (تحز) أي تقابل وتساوي (بالكل) أي بكل الناس في هذا الكمال (إن كل تبدی) أي أن قصد كل من الناس (قصب السبق) فلا يسبق عليك شيء منهم وأنت لا تسبق عليهم لأنه ليس وراء هذا المقام مقام آخر.
فقوله: إن كل شرط تحز جزاؤه والجملة الشرطية جواب الشرط محذوف كما ذكرنا الشرط المقدر .
(فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي)
فلما كان الأمر كما ذكرنا (فلا تفنى) من حيث حقیقتك في فني يفتي (ولا تبقى) من خلقيتك وتعينك لتبدل أحكام
الخلقة عليك (ولا تفني) الأشياء من جهة الحقية من أنني يفنى (ولا تبقى) من حيث التعينات من أبقي يبقى .
(ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي )
(ولا يلقى) على البناء للمفعول. (عليك الوحي في غير ولا تلفي) أي لا يلقي الله الوحي عليك في حق غير بل يلقيه على نفسه .
فإنك هو من حيث هويتك وحقيقتك وأنت مرتبة من مراتب تفصيله هذا إن كان الحق باطنا والعبد ظاهرا أو ولا يلقي الوحي في حق غيرك بل يلقيه على نفسك .
فإن الحق أنت من حيث الحقيقة هذا إن كان الحق ظاهرا والعبد باطنا والوحي من جانب الحق كونه سببا لوجود العبد ولكل ما يحتاج العبد إليه ومن طرف العبد كونه سببة لظهور كمالات الحق وأحكامه.
ولما بين أسرار الرضا شرع في بيان أسرار الثناء فإن كلا منهما مودع في كلمة إسماعيل عليه السلام.


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل  إن كل ... تبدى  قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ).
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق تحز بالكل  إن كل ... تبدى قصب السبق فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي ).
هو لمن خشي أن يظهر عليه سلطان الوحدانية الإلهية، فيمحو التمييز مع أنه ثابت، فإن المعز لا يفسر بمعنى المذل، فاختلفت الأسماء و تمایزت الصفات وكذلك تمایزت العبوديات.
قال: والذات واحدة والأسماء مختلفة والأبيات الباقية ظاهرة المعنى مما سبق۔
قوله: الثناء بصدق الوعد إلى قوله: طلب المرجح.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ). 
قال رضي الله عنه: (فلا تنظر إلى الحق  وتعريه عن الخلق )
يعني رضي الله عنه: أنّ الخلقية تستدعي الحقّيّة وتستلزمها لزوم المربوبين للأرباب واستلزام الأرباب للمربوبين ، فيجب على الناظر المحقّق أن يدقّق نظره ، ولا ينظر إلى الحق الخالق الربّ الإله بلا مخلوق مربوب مألوه من الخلق.
قال رضي الله عنه: (ولا تنظر إلى الخلق   .... وتكسوه سوى الحقّ )
يعني : أنّه إن نظرت إلى الخلق عريّا عن خلعة الوجود الحقّ ، رجع إلى عدميّته الأصلية ، فإنّ الخلق لفظ معترى على الحق ، فإذا عرّيته عن الحق ، لم يبق ما تسمّيه به ، وما الخلق إلَّا اختلاق ، فافهم .
وظهور الخلق في رأي العين وإن كان ظهور الآل " كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُه ُ الظَّمْآنُ ماءً " إنّما هو بخلعة تجلَّي وجوده في بعض مراتب شهوده .
فلو نظرت بخلع الخلع الوجودية الحقيّة عنه ، لم يبق شيئا ولم يكن شيئا " حَتَّى إِذا جاءَه ُ لَمْ يَجِدْه ُ شَيْئاً " ، فعند ذلك لو رزق الناظر بصرا حديدا ونظرا شديدا وعلما جديدا ، لـ " وَوَجَدَ الله عِنْدَه ُ فَوَفَّاه ُ حِسابَه ُ " أنّ الظهور والشهود والتعيّن والوجود له وحده ، عز  وجلّ أن يكون معه غيره في وجوده الذي هو هو .
قال رضي الله عنه: " ونزّهه وشبّهه .... وقم في مقعد الصدق 
وكن في الجمع إن شئت  ..... وإن شئت ففي الفرق
يعني رضي الله عنه: إذا أثبت عبدا وربّا ، فقد أشركتهما في الوجود ، وهذا عين التشبيه ، وإن قلت بوجودين خصيصين بالعبد والربّ على التعيين ، فقد ثنّيت وميّزت حقيقة والحقيقة واحدة ليست إلَّا هي ، وإن نزّهت الحق أن يكون معه غيره في الوجود مع وجودك فيه أو شهوده فيك ، أو قلت بهما معا دائما .
فقد نزّهت الحق حقّ التنزيه ، وتحقّقت بحقيقة التنزيه النزيه ، وشبّهت في موضع التشبيه بعين التنزيه ، وقمت إذن في مقعد الصدق ، وقعدت على المقام الحقّ ، وإذا عرفت أن لا وجود إلَّا لعين واحدة هو الحق ، فإن عدّدت فكنت في الفرق والخلق ، أو وحّدت فكنت في الجمع المطلق . وأنت إذن أنت ولك ذلك .
قال رضي الله عنه: ( تحز بالكلّإن كلّ   ..... تبدّى قصب السبق )
يعني رضي الله عنه إذا كنت في الجمع ، فقد أثبّت ما لكلّ منهما لكلّ منهما، .
فأثبت وجود الحق خلقا ، وأثبت وجود الخلق حقّا ، وشهدت أيضا الحق حقّا والخلق خلقا ، ولم يفتك إذ ذاك شهود ، فكنت أنت الحائز قصب السبق دونه ، فإنّ كل أحد ليس إلَّا هو وأنت تشهد الإنّيّات في الهويّات ، والهويات في الإنّيات جمعا وجمع جمع ، فأنت كما قال :
فلا تفنى ولا تبقى  .... ولا تفني ولا تبقي
ولا يلقى عليك الوحي  ..... في غير ولا تلقي
إذ لا غير ، بل منك من كونك هو ، إليك من كونك أنت ، وذلك أنّك إذا كنت في مقامي الحقّية والخلقية ، والربوبية والعبودية معا ، غير حاصر ولا محصور ، بل مطلقا مطلقا ، فلا تفنى من كونك أحدهما أو هما معا في الآخر ، ولا تبقى على إنّيّة مخصوصة معيّنة خلقية أو حقّية بلا خلقية أو حقية ، وكان شهودك إذن أنّه لا يفنى الخلق عن الحق ، ولا يبقى الحق دون الخلق ، بل أثبتّهما واحدا لا معا في وجود واحد ، فافهم .
وهذا غاية الحمد ، والحمد لله .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ). 
قال رضي الله عنه : ( فلا تنظر إلى الحق .... وتعريه عن الخلق )
أي الحقيقة تستلزم الخلقية استلزام الرب للمربوب والخالق للخلوق والإله للمألوه لما بينهما من التضايف ، فلا يلاحظ أحدهما بدون الآخر .
( ولا تنظر إلى الخلق ....   وتكسوه سوى الحق )
وكذا عكسه لأن الاستلزام في التضايف من الجانبين ، ولأن الخلق إذا نظرته من غير خلقه الحق بقي على عدمه الأصلي . لأنه لم يوجد إلا بوجوده :
( ونزهه وشبهه  ... وقم في مقعد الصدق )
ونزهه عن أن يكون متعينا بتعين فيشبه متعينا آخر فيلزم الشرك ، وشبهه بالخلق من حيث الحقيقة فيكون عين كل متعين إذ لا موجود سواه فهو هو ، أي فاجمع بين التنزيه والتشبيه بنفي ما سواه مطلقا ، فتقوم في مقعد الصدق ، في مقام التوحيد الذاتي ، والجمع بين المطلق والمقيد .
""  إضافة بالي زادة : ولما بين في الأسماء جهة الاتحاد وجهة الاختلاف ، أراد أن يبين هذا المعنى بين الحق والخلق فقال :( فلا تنظر إلى الحق وتعريه عن الخلق ) أي مع قعرى الحق من الخلق ، بل اجعله معرى مستغنيا من حيث الذات عن الخلق ، واجعله متعلقا من حيث الصفات إلى الأكوان، ( ولا تنظر إلى الخلق  تكسوه سوى الحق )من كل الوجوه بل تكسوه بالغيرية في مقام الكثرة وتكسوه بالحق في مقام الجمع ، وهو مقام تحققه بصفات الحق .
( ونزهه وشبهه ) أي نزه الحق في مقام التنزيه وهو مقام استغناء ذاته عن العالمين ، وشبهه في مقام الصفات باثباتك بالصفات الكاملة كالحياة والعلم وغير ذلك ( وقم في مقعد الصدق ) يعنى إذا علمت ذوقا ما ذكرنا لك وعلمت به فقد أقمت في مقام الكاملين وهو مقام الجمع بين الكمالين التنزيه والتشبيه ، فإذا كنت كذلك فلا يبالي لك بعد ذلك اهـ بالى زادة .  ""
( وكن في الجمع إن شئت   .... وإن شئت ففي الفرق)
وكن في الجمع ، فانظر إلى الحق بدون الخلق ، فإن الوجود ليس الإله بل هو هو ، وان شئت لاحظت الخلق بالحق ، بتعدد الواحد بالذات الكثير بالأسماء والتعينات ، فكنت في فرق باعتبار التعينات الخلقية واندراج هوية الحق في هذية الخلقية، تحز بالكل إن كل
تبدى قصب السبق )تحز جواب الشرط : أي إن كنت في الجمع وفي الفرق بعد الجمع بحسب المشيئة تجز قصب السبق بالكل منها ، إن كل منها تبدى لك بحيث لا تحتجب بأحدهما عن الآخر ، فتشهد الحق خلقا والخلق حقا والخلق خلقا ، فلا يحجبك أحد الشهودين عن الآخر ولم يفتك شهود. لأن الكل ليس إلا هو ولا يختلف إلا بالاعتبار :
( فلا تفنى ولا تبقى  ... ولا تفنى ولا تبقى )
فلا تفنى عند كونك حقا عن الخلقية ولا تبقى حقا بلا خلق ، فإن الحقيقة واحدة ، فلك أن تكون حقا بلا خلق أو خلقا بلا حق أو حقا وخلقا معا ، ولا تفتي الخلق عند تجلى الحق فإنه فان حقيقة في الأزل ، فكيف تفنيه ولا تبقى الحق فإنه باق لم يزل ، ولك أن تثبتهما واحدا في وجود واحد لا معا :
( ولا يلقى عليك الوحي   ... في غير ولا تلقى )
وإذا كان الوجود واحدا لا غير ، فإن كنت عبدا يلقى عليك الوحي منك فيك لا من غيرك ولا في غيرك ، وإن كنت ربا فلا تلقى .
""  إضافة بالي زادة :  ( وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق )
لأنك حينئذ نلت درجة المحققين ، فلا يضرك في أي مقام كنت من الفرق والجمع ، فإذا تحققت بما قلناه لك ( تخر ) أي تقابل وتساو ( بالكل ) أي بكل الناس في هذا الكمال ( إن كل تبدى ) أي إن قصد كل من الناس ( قصب السبق ) فلا يسبق عليك شيء منهم وأنت لا تسبق عليهم ، لأنه ليس وراء هذا المقام مقام آخر ( فلا تفنى ) من حيث حقيقتك من فنى يفنى ( ولا تبقى ) من حيث خلقيتك وتعينك لتبدل أحكام الخلقية عليك ( ولا تفنى ) الأشياء من جهة الحقية من أفنى يفنى ( ولا تبقى ) من حيث التعينات ( ولا يلقى ) مجهول ( عليك الوحي في غير ) أي لا يلقى الله الوحي عليك في حق غير بل يلقيه على نفسه ، فإنك هو من حيث هويتك وحقيقتك ، وأنت مرتبة من مراتب تفصيله ، هذا إذا كان الحق باطنا والعبد ظاهرا ( ولا تلقى ) الوحي في حق غيرك بل تلقيه على نفسك ، فإن الحق أنت من حيث الحقيقة ، هذا إذا كان الحق ظاهرا والعبد باطنا ، والوحي من جانب الحق كونه سببا لوجود العبد ولكل ما يحتاج العبد إليه ، والوحي من طرف العبد كونه سببا لظهور كمالات الحق وأحكامه . أهـ بالي زادة  "".


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ).
(فلا تنظر إلى الحق  .... فتعريه عن الخلق)
هذا تفريع على قوله:  (لكنه هو من وجه الأحدية). أي، لا تنظر إلى الحق بأن تجعله موجودا خارجيا مجردا عن الأكوان منزها عن المظاهر الخلقية عاريا عنها وعن صفاتها.
(ولا تنظر إلى الخلق  .... وتكسوه سوى الحق)
بأن تجعل الخلق مجردا عن الحق مغائرا له من كل الوجوه، وتكسوه لباس الغيرية.
وقد قال تعالى: (وهو معكم أينما كنتم). بل أنظر إلى الحق في الخلق،
لترى الوحدة الذاتية في الكثرة الخلقية، وترى الكثرة الخلقية في الوحدة الذاتية.
(ونزهه وشبهه   ..... وقم في مقعد الصدق)
أي، نزه الحق الذي في الخلق بحسب مقام أحديته عن كل ما فيه شائبة الكثرة الإمكانية والنقصان. وشبهه أيضا بكل صفات كمالية، كالسمع والبصر والإرادة والقدرة.
فإنك إذا جمعت بين التنزيه والتشبيه، كما هو عادة الكاملين، فقد قمت مقام الصدق، وهو مقام الجمع بين الكمالين.
(وكن في الجمع إن شئت ......  وإن شئت ففي الفرق)
أي، إذا علمت وحدة الحقيقة الوجودية، وأن الخلق حق من وجه وأن الحق خلق من وجه بحكم مقام المعية، وأن الخلق خلق وأن الحق حق في مقام الفرق، وأن الكل حق بلا خلق في مقام الجمع المطلق، وأن الكل خلق بلا حق في مقام الفرق المطلق، وتحققت بهذه المقامات، فكن إن شئت في مقامات الجمع، وإن شئت في مقامات الفرق. فإنه لا يضرك حينئذ، وأنت مخلص موحد.
(تحز بالكل، إن كل  ..... تبدى قصب السبق)
أي، إذا كنت على ما وصفته لك، فحينئذ إن تبدى كل من العبيد وقصد قصب السبق، تحز كل كمالاتهم، فإنك مع كل من سبق حينئذ، ومع كل منلحق أيضا، لأنك قائل بكل المراتب عابد لله فيها جميعا.
فقوله: (تحز) جواب الشرط، وهو قوله: (إن كل تبدى). لذلك حذف (الواو).
فإنه من (حاز، يحوز) إذا جمع. ويجوز أن يكون تخرجوا بالأمر. أي،نزهه وشبهه، وقم في مقام الجمع الذي هو المقعد الصدق، وكن في مقام الجمع والفرق، فحز في كل الكمالات.
فجواب: (إن كل تبدى) محذوف. تقديره: إن كل تبدى قصب السبق، كن حائزا إياه.
(فلا تفنى ولا تبقى  ….. ولا تفنى ولا تبقى)
أي، إذا علمت أن الخلق حق في الحقية والحق لا يفنى أبدا، علمت أنك من جهة الحقية لا تفنى. وإذ علمت أن الحق له ظهورات في مراتبه المختلفة بحسب تنزلاته ومعارجه وبتلك الظهورات تحصل المظاهر الخلقية، وليس كل منها دائما، علمت أنك لا تبقى من حيث الخلقية، بل تتبدل إنياتك في كل آن بحسب المواطن التي تنزل إلى النشأة الدنياوية، وفيها وفي مواطن الآخرة أيضا، كما قال تعالى: "بل هم في لبس من خلق جديد".
وإذا علمت أن الحق أزلا وأبداظاهر في كل المراتب لا تفنى الأعيان الوجودية مطلقا لأنها مظاهره فيها، ولا تبقيها أيضا مطلقا لفنائها واستهلاكها دائما في عين الوجود الحق عند تجلى الواحد القهار يوم القيامة، كما قال تعالى: "لمن الملك اليوم لله الواحد القهار".
ولا تفنيها من حيث تعيناتها، فإنها فانية في الأزل ولا تفنيها من حيث حقيقتها، فإن الحق باق لميزل، لذلك قيل:
الفاني فان لم يزل  ….. والباقي باق في الأزل
(ولا يلقى عليك الوحي  ….. من غير ولا تلقى)
أي، إذا لم يكن في الوجود غير الله في الحقيقة، فالوحي الذي يلقى إليك من جهة عبوديتك لا يكون ملقى في حق الغير، بل يكون ملقى على نفسه من مقام جمعه على مقام تفصيله.
ولا تلقى أنت أيضا ذلك الوحي بربوبيتك، إلا في حق نفسك، فإن العباد كلها مظاهر حقيقتك، وأنت مقام جمعهم وهم تفاصيلك.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ).
قال رضي الله عنه : " فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه عن الخلق . ولا تنظر إلى الخلق ... وتكسوه سوى الحق . ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق . وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق . تحز بالكل إن كل ... تبدى قصب السبق . فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي . ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي"
وإذا كان الحق عين الخلق في نظر الكشف مع وجوب التمييز بينهما في نظر العقل والنظران صحيحان.
قال رضي الله عنه : (فلا تنظر إلى الحق) إذا رأيته في الظاهر (وتعريه عن الخلق)، وإن لم يمكنك التمييز بينهما في نظر الكشف، (ولا تنظر إلى الخلق وتكسوه سوى الحق)؛ لأن الخلق عار عن التحقق بدونه.
فإذا نظرت إليه من غير نظر إلى ما به تحققه فكأنك نظرت إلى عدمه الأصلي الذي يستحيل النظر إليه ونزه أي الحق عن كونه حالا في الحوادث أو محلا لها أو متحدا بها باعتبار التمييز وشبهه باعتبار رفع التمييز في نظر الكشف عند الظهور في المظاهر.
(وقم في مقعد الصدق) أي: مقام الصديقين بالتنزيه في مقامه، والتشبيه في مقامه، (وكن في الجمع) هو التنزيه والتشبه، فتقول: إنه في حال التنزيه مشبه، وفي حال التشبيه منزه (إن شئت، وإن شئت في الفرق) بينهما، فتقول: إنه منزه من مستقر عزه، ومشبه باعتبار ظهوره في المظاهر.
(تحز بالكل) أي: بسبب حيازتك لكل من مقام الجمع بين التنزيه والتشبيه تارة، و مقام الفرق بينهما أخرى، إذ كل تبدي أي إن ظهر لك كل منهما، فلا يحجبك أحدهما عن الآخر، (قصب السبق) مفعول تحز أي مقام السابقين المقربين، وإذا لم يحجبك أحدهما عن الآخر (فلا تفنی) باعتبار الفرق بين التشبيه والتنزيه.
لأنه إنما يكون في التشبيه على ذلك التقدير عند ظهوره فيك، فلا بد من إثبات المظهر (ولا تبقی) باعتبار الجمع بينهما، إذ لا يخلو موجود من أحدهما، فإذا بقي بالحق لم يبق موجود سواه، (ولا تفني) أي لا تجعل الخلق فانيا في الحق باعتبار التمييز، (ولا تبقى) أي: لا تجعل الخلق باقيا باعتبار رفع التمييز في نظر الكشف.
ثم أشار إلى غاية شرف هذا المقام بقوله: (ولا يلقي عليك الوحی) أي: العلم الإلهامي من البريء عن توهم الغلط (في غير) أي غير هذا المقام؛ لأن الحجب إنما ترفع بتمامها في هذا المقام لا غير، (ولا تلقي ) أنت هذه العلوم عن قلبك إلى قلب غيرك بلا واسطة اللسان في غير هذا المقام؛ لاختصاصه بكمال التأثير في الغير مع كمال الاتحاد؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
ولما ناسب صدق الوعد العلم الذاتي في اقتضاء الثناء المحمود بالذات، وقد قرن في حق إسماعيل عليه السلام بكونه مرضا، وهو من لوازم العلم الذاتي أورده عقيبه.



شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ).
قال رضي الله عنه : ( فلم يبق ) في مطمح شهودهم ذلك ( إلا الحقّ ) الوجود الواحد .
( لم يبق ) في ذلك ( كائن ) من الكيان الإمكانيّة التي هي مبدأ التفرقة ومنشأ الكثرة .
( فما ثمّ موصول ، وما ثمّ بائن ) ضرورة أنّ تحقّقهما موقوف على وجود ثنويّة الحجب وتفرقة البعد والقرب .
قال رضي الله عنه : ( بذا جاء برهان العيان ) وحجج الذوق والوجدان ، لا برهان النظر ودلائل العقل والفكر ولذلك قال : ( فما أرى بعيني إلَّا عينه إذ أعاين) معا  إذ المعاينة هي مقابلة العين بالعين وإدراكه به ، وذلك بأن يدرك بالعين عين الشيء الذي منه يتقوّم ويتعيّن معناه ، لا كونه الذي به يتصوّر صورته .
رؤية الوحدة والكثرة في الوجود
ثمّ لما بيّن في مبحثه هذا طرف التشبيه والإجمال ، الذي هي إحدى كفّتي ميزان بيان التوحيد - على ما أنزل إليه جوامع الكلم الختميّة - لا بدّ وأن يعادله بطرف التنزيه والتفصيل ، معتصما في ذلك كلَّه لوثائق التنزيل الختمي وتأويله قائلا : ( " ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّه ُ " ) [ 98 / 8 ] .
أي ذلك المماثلة من الحضرتين - الكاشفة عن الوحدة الحقيقيّة الوجوديّة ، الرافعة للكثرة الحاجبة الكونيّة لمن خشي ربّه - ( أن يكونه ) فارقا في عين تلك الجمعيّة ، حتى يكون توحيده ذاتيّا ، وتحقّقه بالوحدة الحقيقيّة الذاتيّة ، لا الوحدة الرسميّة الوصفيّة - التي في مقابلتها الكثرة ، فلا يحيط بها ولا يجامعها ، بل يعاندها وينافيها .
وذلك الخشية والتفرقة ( لعلمه بالتمييز ) بين الأعيان وتفاوت أقدارهم في مراتب إدراكاتهم ونيّاتهم ( دلَّنا على ذلك جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم . فقد وقع التمييز بين العبيد ) .
بذلك ( فقد وقع التمييز بين الأرباب ولو لم يقع التمييز ) بين الأرباب ، ويكون الكلّ في حضرة الأسماء واحدا ( لفسّر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسّر به الآخر ) حيث لا تفرقة بينهما بوجه من تلك الوجوه ( والمعزّ لا يفسّر بتفسير المذلّ ) ولا الهادي بالمضلّ ( إلى مثل ذلك ) .
وهذه التفرقة والتفصيل بين كلّ اسم ومقابله إنّما هو في حضرة الكلّ الذي بها مربط رقيقة العبوديّة والربوبيّة ، ( ولكنّه هو من وجه الأحديّة ، كما يقول : كلّ اسم ، إنّه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو ) أي من حيث ذلك الاسم بعينه ، وهو ظرف اسميّته وخصوصيّته الممتازة بها عن مسمّاه .
فالكلّ من حيث دلالته على الذات المسمّاة واحد ، فإنّ الأسماء وإن تكثّرت في حضرة الكلّ باعتبار حقائقها من حيث هي ( فالمسمّى واحد فالمعزّ هو المذلّ من حيث المسمّى ، والمعزّ ليس المذلّ من حيث نفسه وحقيقته ) يعني من حيث ظاهر الاسم الذي به اسميّته ،وهو الصفة.
وإذ قد تقرّر أنّ مدرك الظاهر من كلّ شيء هو الفهم قال : ( فإنّ المفهوم يختلف في الفهم في كلّ واحد منهما ) ضرورة أنّ ما فهم من مصدر " الإعزاز " مخالف لما فهم من مصدر « الإذلال » ، وإن كان واحدا في الخارج والوجود كالضاحك والناطق للإنسان . 
محصّل الكلام في التوحيد
ثمّ إذا عرفت أنّ الأمر في التوحيد الختمي القرآني هو الجمع الأحدي :
( فلا تنظر إلى الحقّ  ..... وتعريه عن الخلق )
حتّى تشاهد ظاهريّته في عين الباطن .
( ولا تنظر إلى الخلق ....  وتكسوه سوى الحق)
حتّى تشاهد باطنيّته في عين الظاهر ، بناء على أنّ المنظور أوّلا هو الظاهر .
( ونزّهه وشبّهه و .....    قم في مقعد الصدق )
جامعا بين المتقابلين : نزّهه وشبّهه عقلا وعينا ، وقم في مقعد الصدق ذاتا وفعلا ، ثمّ فصّل ذلك بقوله :
( وكن في الجمع إن شئت  ..... وإن شئت ففي الفرق )
وكن في الجمع قاعدا في مقعد التشبيه قائما في معبد التنزيه .
ثمّ إن تكن في الموطن الجمعي القرآني قادرا على طرفيه بحسب مشيّتك سواء :
( تحز بالكلّ ، إن كلّ   .... تبدّى - قصب السبق )
أي تحز قصب السبق بالكلّ إن كلّ تبدّى لك ، بحيث لا تحتجب بأحدهما عن الآخر .
( فلا تفنى ) حينئذ عن نفسك - كما هو عقيدة الصوفيّة الرسميّة –
( ولا تبقى  بالبقاء الحقّي  .... ولا تفني غيرك بالإرشاد )
( ولا تبقي )
(ولا يلقى عليك الوحي   ..... في غير ) من غيرك
( ولا يلقى ) منك إلى الغير ، بل الأمر كلَّه منك إليك .
تحقيق في الوعد والوعيد الإلهي
ثمّ إنّ من جملة ما يختصّ به إسماعيل أنّه كان صادق الوعد ، فإذ قد فرغ من بحث الرضا ، أخذ فيه قائلا :


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فلا تنظر إلى الحق ... و تعريه عن الخلق
و لا تنظر إلى الخلق ... و تكسوه سوى الحق
و نزهه و شبهه ... و قم في مقعد الصدق
و كن في الجمع إن شئت ... و إن شئت ففي الفرق
تحز بالكل- إن كل ... تبدى- قصب السبق
فلا تفنى و لا تبقى ... و لا تفني و لا تبقي
و لا يلقى عليك الوحي ... في غير و لا تلقي  ). 
قال رضي الله عنه : " فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه عن الخلق . ولا تنظر إلى الخلق ... وتكسوه سوى الحق"
قال رضي الله عنه : (فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه)، أي تجرده (عن) لباس (الخلق) بأن يجعله موجودا خارجية مجردا عن التعينات الخلفية منزهة عن التقيدات المظهرية (ولا تنظر إلى الخلق ونكسوه سوى الحق)، أي تكسوه لباس الغيرية بأن نجعله مجرد عن الحق مغايرة له من كل الوجوه، بل انظر الحق في الخلق والخلق في الحق لترى الوحدة في الكثرة، والكثرة في الوحدة، ولم يكن شهود أحدهما مانعا عن شهود الآخر
قال رضي الله عنه : "  ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق . وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق . تحز بالكل إن كل ... تبدى قصب السبق . فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي . ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي "
قال رضي الله عنه : (ونزهه) في مقام أحديته وتجرده عن المظاهر (و شبهه) في مقام أحديته وتلبسه بالمظاهر (وقم) با تجمع بين التشبيه والتنزيه (في مقعد الصدق) الذي ليس فيه شائبة كذب .
فإن التنزيه المحض نیس تكذیبأ بمقام التشبيه وفي التشبيه الصرف تكذيب بمقام التنزيه ومقعد الصدق الذي ليس فيه شائبة كذب هو مقام الجمع بينهما (وكن في الجمع)، أيي و بعدها قدرت على شهود الوحدة في الكثرة وشهود الكثرة في الوحدة من غير أن يمتنع أحدهما عن الآخر فكن في الجمع وشهود الوحدة (إن شنت... وإن شئت في الفرق) وشهود الكثرة فإنه لا منافاة بينهما عندك (تحز بالكل إن كل ... تبدي قصب السبق)، أي تحز و تجمع بسبب هذه المقامات وجمعيتها أن تبدی، أي ظهر وحصل لكل واحد منها قصب السبق على من لم تحصل له منه الجمعية.
فقوله : تحز مجزوم على أنه جواب الأمر .
وقوله : قصب السبق منصوب على أنه مفعول تحز (فلا تفني) بحسب حقیقتك التي هي الحق (ولا تبقي) بحسب تعیناتك اللاتي هن شؤون الحق وهو تعاني "كل يوم هو في شأن" [الرحمن : 29] (ولا تفني)، أي لا تحكم بفناء شيء من حيث تلك الحقيقة (ولا تبقى)، أي لا تحكم ببقائه من حيث تعیناتها إذ المعني على أنه لا تفني من الحق سبحانه بنفسك بل بتجلياته الجلالين ولا تبنى بعد فنائك فيه بنفسك بل بنجلیانه الجمالية.
فكذلك لا تفنى ولا توصل إلى الغناء فيه بنفسك ولا تبقى، أي لا توصل أحد إلى البعاد به بعد الفناء فيه بنفسك بال المهني والمبقي هو الله سبحانه بتجنباته الجلالية والجمالية.
(ولا يلقي عليك الوحي ... في غير)، أي في صورة تغاير الحق مطلقا بل تغايره من حيث الإطلاق والتغيير أو في صورة تغايرك مطلقا، فإن الحقيقة واحدة ولا مغايرة إلا بحسب التعينات (ولا تلقي) أيضا على غير أي في صورة تغاير الحق سبحانه مطلقة وتغايرك متلق على ما عرفت.


وكما أنني الحق سبحانه على اسماعيل عليه السلام بصدق الوعد أراد أن يبين في حكمنه أسراره.
.

واتساب

No comments:

Post a Comment