Monday, July 15, 2019

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الخامسة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله 

 06 - The Wisdom Of Reality In The Word Of ISAAC 

الفقرة الخامسة:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة.)
قال الشيخ رضي الله عنه :  (اعلم) يا أيها السالك (أيدنا الله) تعالى (وإياك) بأنوار معرفته (أن إبراهيم الخليل) عليه السلام (قال لابنه) ولم يذكر اسمه للاختلاف فيه.
فقيل: إسحاق عليه السلام وبه جزم طائفة من العلماء، ومنهم الشيخ قدس الله سره، وقيل: إسماعيل عليه السلام وبه قال طائفة من العلماء أيضا.
والخلاف مشهور ودليل كل طائفة على قولها في الكتب مذكور (وإني أرى في المنام أني أذبحك) (الصافات : 102) .
كما قص الله تعالى في القرآن العظيم : أي أرى هيئة أني ذابح لك، ولم يقل : إني رأيت، لأنه في اليقظة كان متخيلا ذلك في نفسه وهو يعلم أن رؤيا المنام تخيل أيضا، أي أرى الآن كما كنت أرى في المنام.
(والمنام) لا شك أنه (حضرة الخيال) ينقطع عن الروح فيه النظر من طريق الحواس الظاهرية، فتنظر من طرق الحواس الباطنية، فتكشف من هذا العالم أمورا لم تكشفها بالحواس الظاهرية. والحواس الباطنية راجعة إلى القوة العقلية وسلطانها الخيال.
فكما يقال للمدركات بالحواس الظاهرية محسوسات ويقال عنها : عالم الحس.
يقال للمدركات بالحواس الباطنية، متخيلات، ويقال عنها : عالم الخيال.
ويقال حضرة الخيال والحواس الباطنية المسماة بالخيال العقلي قد يقع الخطأ في إدراكها فتدرك الشيء في صورة غيره لشبه بينهما أو مناسبة بوجه ما.
وقد لا يقع الخطأ في إدراكها فتدرك الشيء على ما هو عليه،ومنه قول عائشة رضي الله عنها:
"أول ما بدئ النبي صلى الله عليه وسلم به الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح».  رواه البخاري ورواه مسلم ورواه غيرهما
إلا وقعت بعينها في عالم الحس ومثل هذه الرؤيا لا تحتاج إلى التأويل والتعبير وخطأ الخيال في عالم الرؤيا المنامية جائز في حق الأنبياء عليهم السلام وواقع لهم أيضا، ولكنهم محفوظون من دوام الخطأ و التباسه عليهم في اليقظة.
ولهذا ورد أنه عليه السلام رأى في المنام أنه أدخل يده في درع فقال : أولتها بدخول المدينة فقد أخطأ "توهم" خياله في المنام فلما استيقظ أصاب في هذا التعبير. "لأن المدينة كانت درع له فى التحقيق"
ورؤيا الأنبياء عليهم السلام وحي من الله تعالى لهم بملك الرؤيا ينزل على قلوبهم بأمر الله، فكشف عن ذلك خيالهم بعين ما رأوا وبمثله ومناسبه، ولهذا شرع تعبير المنام وتأويله كما شرع تفسير القرآن وتأويله.
وفي الرؤيا المحكم والمتشابه كما في القرآن وورد في الحديث :"أن الرؤيا الصادقة جزء من أجزاء النبوة ". رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان فى صحيحه.
وفي رواية : "ذهبت النبوة، وبقيت المبشرات" .رواه ابن حبان في الصحيح والدارمي في السنن.
«الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له». رواه الترمذي في سننه وابن حبان.
(فلم يعبرها)، أي رؤياه، يعني لم يعبر من ظاهر ما رأى إلى باطنه من أحد وجوه المناسبة (وكان)، أي يوجد (كبش ظهر) ذلك الكبش (في صورة ابن إبراهيم) إسحاق أو إسماعيل عليهم السلام (في) عالم (المنام فصدق إبراهيم) عليه السلام (الرؤيا) التي رآها كما قال تعالى : "وناديناه أن يا إبراهيم . قد صدقت الرؤيا" [الصافات : 104 - 105]، ظننت أن الذي رأيت أنك تذبحه في المنام هو ابنك حقيقة وإن كانت صورته صورة إنسان، وذلك الإنسان هو ابنك، فإنما هو في الحقيقة كبش، وهو الذي ذبحه في اليقظة رآه في المنام في صورة ابنه، ولهذا كان كبشة عظيمة حيث ظهر في صورة إنسان عظیم .
(ففداه)، أي فدى ابن إبراهيم عليه السلام (ربه) سبحانه وتعالى فداء ناشئة (من وهم)، أي توهم (إبراهيم) عليه السلام وتخيله أنه أوحي إليه في المنام بذبح ابنه، حيث رأى أنه ذبح ابنه .
فأراد أن يوقع ذلك في اليقظة ويمتثل فيه عين ما أمر به في الوحي المنامي، وإنما كان الوحي له في المنام بذبح الكبش لا ابنه وليس هذا من قبيل النسخ قبل البيان.
وإنما هو من قبيل البيان في وقت الحاجة، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة في ليلة المعراج ولم يكن يعرف المراد من ذلك على التفصيل حتى أرسل الله تعالى إليه جبرئیل علیه السلام في صبيحة ذلك اليوم فبين له ما كان مجملا.
عليه (بالذبح) بالكسر وهو الكبش (العظيم الذي) نعت للفداء المفهوم من الفعل أو نعت للذبح العظيم (هو)، أي ذلك الفداء أو ذلك الذبح (تعبیر رؤياه عند الله) تعالی والتعبير من العبور من الظاهر إلى حقيقة ما رأي.
(وهو)، أي إبراهيم عليه السلام (لا يشعر) بأن المراد ذبح الكبش وهو حقيقة ما رأي وإنما اشتبه ذلك عليه بصورة ابنه كما اشتبه على النبي صلى الله عليه وسلم اختيار أخذ المال والتقوي به في نصرة الإسلام في حق أسرى بدر على قتلهم.
فاختار الفداء والحق غيره، فأمر بغير ما ظهر له من الحق، وأصاب في ذلك عمر بن الخطاب رضي عنه ، فاختار القتل على الفداء.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم في شأن عمر رضي الله عنه:"  إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه».رواه الحاكم في المستدرك وابن حبان في الصحيح.
ثم لما نزل قوله تعالى: "لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم" [الأنفال: 68]. قال صلى الله عليه وسلم : «لو نزل العذاب ما سلم منه إلا عمر»ز أورده المناوي فى فتح القدير والزيلعي في الأحاديث والآثار وابن مردويه فى تفسيره .
(فالتجلی)، أي الانكشاف والظهور للأشياء (الصوري)، أي المنسوب إلى الصورة لكونه بها (في حضرة الخيال) بالحواس الباطنية والقوة الخيالية في المنام
محتاج ذلك التجلي (إلى) استعمال (علم آخر) هو علم تعبير الرؤيا (يدرك به)، أي بذلك العلم (ما أراد الله) تعالى إظهاره للنائم (بتلك الصورة ) .
والتعبير للمنامات قد يكون بفهم النظير والمناسب وقد يكون بطريق المناسبة والاستنباط من آية أو حدیث أو أثر ونحو ذلك، وقد يكون بطريق الفيض والإلهام. وهو الغالب في المشایخ المشهورين بعلم التعبير كابن سیرین وكثير من الصالحين يوقع الله تعالى قلوبهم المعنى المراد في وقت قاس الرؤيا عليه.
فيكون الأمر كذلك، وقد يقع الخطأ في التعبير من عدم استيفاء آداب المعبر في وقت التعبير من تعلق القلب بالكون وعدم الحضور، أو من العجلة في البيان، أو من التكلم في حضرة من هو أعلى منه في ذلك، أو من جهل المعبر وعدم كونه أهلا للتعبير أو غير ذلك 

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.  فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياكم أن إبراهيم عليه السلام قال لابنه وإن أرين في الساير ان أذبلك [الصافات: 102] والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها) من العبور أو من التعبير فحمل ما رآه على ظاهره كما هو عادة الأنبياء فظن أن الحق أمره ذبح ابنه فباشر الذبح إطاعة لأمر ربه .
(وكان) ما رآه (كبشا ظهر في صورة ابن إبراهيم عليه السلام في المنام) لمناسبة بينهما في الانقياد والتسليم (فصدق إبراهيم الرؤيا) بمباشرة الذبح (ففداه) عن ابنه (ربه من وهم إبراهيم عليه السلام) من أنه وهم إبراهيم عليه السلام أن ما رآه ابنه وإلا لا نداء في الحقيقة.
(بالذبح العظيم الذي هو) أي الذبح العظيم (تعبير رؤياه عند الله وهو) أي إبراهيم عليه السلام (لا يشعر) أن الذبح الذي أتى به عند قصده ذبح ابنه وهو تعبير رؤياه فقال :"وفديناه بذبح عظيم " فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر) وهو العلم الحامل من التجلي الإلهي (يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة) . واستدل على ذلك بحديث الرسول عليه السلام فقال

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.  فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قوله: اعلم أيدنا الله وإياك وما بعده، یعنی، رضي الله عنه، أن الذي رأى إبراهيم عليه السلام، أنه يذبحه هو الكبش في الحقيقة، ولكن رأه إبراهيم، عليه السلام ، في صورة ولده وما ذكره ظاهر من لفظه، رضي الله عنه.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.  فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال رضي الله عنه : اعلم أيّدنا الله وإيّاك أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام قال لابنه :
" إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ "  والمنام حضرة الخيال فلم يعبّرها ، وكان كبشا ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ، فصدّق إبراهيم الرؤيا ، ففداه ربّه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو لا يشعر ، فالتجلَّي الصوري في حضرة الخيال يحتاج  إلى علم آخر به يدرك ما أراد الله بتلك الصورة .
ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبيره الرؤيا : « أصبت بعضا وأخطأت بعضا » .  فسأله أبو بكر أن يعرّفه ما أصاب فيه وما أخطأ ، فلم يفعل صلى الله عليه وسلم .
قال العبد : حضرة المثال وحضرة الخيال حضرة تجسّد المعاني والحقائق والأرواح والأنفس وحقائق الصور والأشكال والهيئات الاجتماعية ، فمن رأى صورة أو شكلا أو هيئة ولم يعبّرها ولم يؤولها إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الشكل أو الصورة والهيئة التي رأى في الرؤيا ، فقد صدّق الرؤيا .
ومن عبّرها صدق في الرؤيا حيث أعطى الحضرة حقّها فعبّرها ، فلو عبّر إبراهيم رؤياه صدق أنّ الذبح هو الكبش ولم يكذب الذبح الواقع بابنه ، ولكن كان كبشا ظهر في صورة ابنه ، فصدّقها ، فأراد إيقاع الذبح بابنه فما صدق ، أي لم يقع ، وسنذكر سبب ذلك .
قال رضي الله عنه : وقال الله لإبراهيم حين ناداه : " أَنْ يا إِبْراهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ".
وما قال له : قد صدقت في الرؤيا أنّه ابنك ، لأنّه ما عبّرها ، بل أخذ بظاهر ما رأى ، والرؤيا تطلب التعبير   .
يعني رضي الله عنه : صدّقت تجسّد الذبح بصورة ابنك ، وليس كذلك ، فإنّ الرؤيا تطلب التعبير والتفسير .
قال رضي الله عنه : ولذلك قال العزيز : " إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ " ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر ، فكان البقر سنين في المحل والخصب  .
يعني : كانت البقرة العجاف سبع سنين في المحل ، والسمان في الخصب .
فلو صدق في الرؤيا ، لذبح ابنه ، وإنّما صدّق الرؤيا في أنّ ذلك عين ولده ، وما كان عند الله إلَّا الذبح العظيم في صورة ولده ، ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السّلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ، فصوّر الحسّ الذبح ، وصوّر الخيال ابن إبراهيم عليه السّلام   .
يعني : أنّ إبراهيم لمّا صدق في حقيقة إيمانه بالله وإسلامه له ، عوّده الله بتجسيد الوحي والأمور له على صورة ما كان يرى في منامه ، فكان عليه السّلام يرى رؤيا غير هذا المشهد ، فيقع في الحسّ رؤياه على صورة ما كان يرى عليه السّلام من غير تعبير يحوج إلى تفسير وتأويل وتعبير ، فصدّق بحكم ما اعتاد هذه الرؤيا أيضا على صورة ما رأى من غير تعبير ، وكان الله قد ابتلاه في ذلك بلاء حسنا ، أي اختبره ، بمعنى أعطاه الخبرة ، فإنّ الله كان خبيرا خبرة مبيّنة ، جلية الأمر ومبيّنة عن كشفه مقتضى الوهم والخيال بالفكر .
فلمّا ظهر صدق إيمانه وصدقه في إسلامه وإسلام ابنه في تصديق رؤيا أظهرها الله له ، وأبان صدق ما رأى ، ففداه بذبح عظيم ، فعلم إبراهيم عليه السّلام أنّ الذي رآه في نومه على صورة ابنه كان الذبح العظيم لا ابنه ، لأنّه ذبح ما رأى في المنام ، فلمّا كذب صورة الذبح الذي رآه ، فلم يقدر على ذبح ابنه ، حقّق الله له صورة الذبح ، وصدّق إبراهيم ففداه بالذبح العظيم ، ووقع به صورة الذبح ، فعلم عليه السّلام عند ذلك أنّ ما رأى كان كبشا في صورة ابنه ، لمناسبة ذكرنا ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه : " فلو رأى الكبش في الخيال ، لعبّره بابنه أو بأمر آخر " .
يعني رضي الله عنه : كما عبّر الحق له رؤياه بما فداه بالذبح ، فكذلك لو رأى أمرا في صورة الذبح ، لعبّره بذلك الأمر وهو إسلامه أو بابنه أنّه صورة إسلامه ، لكون الولد سرّ أبيه .
قال : « ثم قال : " إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " آيه 37 سورة الصافات . أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
لأنّه يعلم أنّ موطن الرؤيا يطلب التعبير ، ففعل ، فما وفّى الموطن حقّه ، وصدّق الرؤيا لهذا السبب .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.   فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
(اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام قال لابنه : " إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " . والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها ، وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ، فصدق إبراهيم الرؤيا ) . أي لم يعبرها لما تعود به من الأخذ عن عالم المثال .
"" إضفة بالي زادة :  (فلم يعبرها ) فحمل ما رآه على ظاهره كما هو عادة الأنبياء ، فظن أن الحق أمر بذبح ابنه فباشر لذبح إطاعة لأمر ربه اهـ . بالى زاده.  ""
فلما رقاه الله تعالى عن عالم المثال ليجعل قلبه محل الاستواء الرحماني أخذ خياله المعنى من قلبه المجرد ، وتصرفت القوة المتصرفة في تصويره فصورت معنى الكبش بصورة إسحاق عليه السلام لما ذكر من كونه الأصل ، فلم يعبرها وصدقها في أن ذلك إسحاق ، وكان ذلك عند الله الذبح العظيم.
فلم يعط إبراهيم الحضرة حقها بالتعبير
( ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو لا يشعر ، فالتجلى الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر ، يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة ) وهو علم التعبير .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
(اعلم، أيدنا الله وإياك، أن إبراهيم الخليل، عليه السلام، قال لابنه:
"إني أرى في المنام أنى أذبحك" والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها) أي، المنام حضرة المثال المقيد المسمى بالخيال.
فالمرئي فيها قد يكون مطابقا لما يقع في الظاهر، وقد لا يكون كذلك، بل يدرك النفس معنى من المعاني الغيبية من الطريق الذي لا واسطة بينها وبين الحق، أو من المعاني المنتقشة في الأرواح العالية، فتلبس له صورة مثالية مناسبة مما في حضرة خياله من الصور.
فينبغي أن يعبر، ليعلم المراد من الصور المرئية. وإبراهيم، عليه السلام، لم يعبرها، لأن الأنبياء والكمل أكثر ما يشاهدون الأمور في العالم المثالي المطلق.
وكل ما يرى فيه لا بد أن يكون حقا مطابقا للواقع، فظن أنه، عليه السلام، شاهد فيه، فلم يعبرها، أو ظن أن الحقأمره بذلك، إذ كثير من الأنبياء يوحون في مناماتهم. فصدق منامه.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام، فصدق إبراهيم الرؤيا.)
أي، الكبش المفدى به، هو الذي كان مراد الله في نفس الأمر، فظهر في صورة إسحاق، لمناسبة واقعة بينهما. وهي إسلامه لوجه الله وانقياده لأحكامه.
فصدق إبراهيم الرؤيا بأن قصد ذبح ابنه. (ففداه ربه من وهم إبراهيم). أي، من جهة وهمه (بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله، وهو لا يشعر).
أي أظهر ربهما كان المراد عنده، وهو الذبح العظيم الذي صوره خياله بمشاركة الوهم بصورة إسحاق، وإبراهيم لا يشعر أن المراد ما هو، لسبق ذهنه إلى ما اعتاده من الرؤية في العالم المثالي.
ولما كان للوهم مدخل عظيم في كل ما يرى في المنام – إذ هو السلطان في إدراك المعاني الجزئية.
قال: (من وهم إبراهيم) عليه السلام. "" قد يكون مراد المصنف من قوله: (من وهم إبراهيم) أن إطلاق الفداء على الكبش كان بحسب وهم إبراهيم، عليه السلام، فإنه توهم أنه مأمور بذبح ابنه مع أنه كان مأمورا بذبح الكبش، فذبح الكبش لم يكن فداء .وامر الظاهر شريعة يقتضى ذبح الكبش، ولكن شدة محبة إبراهيم وعشقه وهم عن الجمع بالظاهر شريعة والباطن حقيقة، فأراد ذبح الابن.""
ولأنه توهم أن المرئي "الحقيقة" لا ينبغي أن يعبر، فقصد ذبح ابنه.
(فالتجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر، يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة). ولا يحصل علمه إلا بانكشاف رقائق الأسماء الإلهية والمناسبات التي بين الأسماء المتعلقة بالباطن، وبين الأسماء التي تحت حيطة الظاهر.
لأن الحق إنما يهب المعاني صورا بحكم المناسبة الواقعة بينهما - لا جزافا كما يظن المحجوبون أن الخيال يخلق تلك الصور جزافا - فلا يعبرون ويسمونها (أضغاث أحلام).
بل المصور هو الحق من وراء حجابية الخيال. ولا يصدر منه ما يخالف الحكمة.
فمن عرف المناسبات التي بين الصور ومعانيها وعرف مراتب النفوس التي تظهر الصور في حضرة خيالاتهم بحسبها، يعلم علم التعبير كما ينبغي، ولذلك تختلف أحكام الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب.
وهذا الانكشاف لا يحصل إلا بالتجلي الإلهي من حضرة الاسم الجامع بين الظاهر والباطن.



خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.  فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» [الصافات: 102] والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها.
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.
فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة.
ثم أشار إلى أن القول بالفداء أمر متوهم، وإن ثبت بظاهر النص، وما ذكرنا مبني على صحته.
فقال: (اعلم أيدنا الله وإياك) دعا الشيخ رضي الله عنه إشعارا بصعوبة هذا المقام، وقد وقع فيه السهو لإبراهيم عليه السلام (أن إبراهيم الخليل عليه السلام) وصفه بذلك إشعارا بأنه مع علو رتبته قد وقع له ما وقع.
قال لابنه إسحاق عليه السلام"إني أرى في المنام أي أذبحك" [الصافات: 102] ، ورؤياي حق فلا بد أن يقع كما رأيت، أو يقع تأويله لكن لا يناسب.
ولدي شيء آخر من كل ما يذبح في الكمال فلا يقع الأعين، ما رأيت فيها وإلا الوقع الذبح عليه، ولم يقع إلا على الكبش، ورؤيا الأنبياء يجوز أن يقع تأويلها.
وذلك أن (لمنام حضرة الخيال) وهو كما قد يصور المرئي بصورته ما يناسبه بوجه ما، وظن أن رؤياه من قبيل الأول؛ لبعد المناسبة بين ابنه وبين سائر الأشياء سيما الكبش، (لم يعبرها) أن رؤياه، وسها في ذلك، (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم عليه السلام في المنام) لوقوع الذبح عليه، والواقع في الحس هو المرئي في المنام، سواء كان بعين صورته، أو بما يناسبها.
(صدق إبراهيم عليه السلام الرؤيا) أي: ظاهر ما رأى فأجرى السكين على حلقوم ابنه، ولو عبر الصدق تأويله دون ظاهره، فلما صدقه إبراهيم عليه السلام بوهمه؛ ساعده ربه على ذلك، فـ (فداه ربه من وهم إبراهيم عليه السلام) إذ الواقع عليه الذبح هو ابنه (الذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله) حيث وقع الذبح عليه فسماه فداء.
وإن كان هو المرئي في المنام بصورة ابنه مساعدة لإبراهيم ال، (وهو لا يشعر) تعبير رؤياه، وإلا لم يجر السكين على حلقوم ابنه.
وهذا إشارة إلى مساعدة الحق إياه فيما توهم ولم يشعر، فكيف لا يساعده فيما يشعر؟ 
وإثبات الوهم والسهو لا يبعد في حق الأنبياء عليهم السلام؛ فإنه وقع السهو لنبينا عليه السلام في الصلاة في حديث ذي اليدين، وفي الاجتهاد في أسارى بدر، وما قيل لو سها لوجبت متابعته لقوله تعالى: "فاتبعوه" [الأنعام: 153].
ولكان من لا يسهو من آحاد الأمة خيرا منه؛ مردود بأن الاتباع لا يجب في أمور كثيرة كخواصه عليه السلام ، والأفعال المباحة له، فهو عام مخصوص لا يبعد تخصيصه مما وقع فيه سهو، ولا بد وأن يظهر إذ لا يقر عليه السلام على ذلك.
وكون الأحاد أحسن حالا في بعض الأمور الدنيئة لا ينافي علو رتبته عليه السلام كما في حديث تأبير النحل حيث قال: «أنتم أعلم بأمور دنياكم». رواه البخاري ومسلم.
إذا لم يشعر إبراهيم العلية مع كمال علمه بالحقائق بتأويل ما رآه مصورا بصورة ابنه في حضرة الخيال، (فالتجلي الصوري) قید به؛ لأن التجلي المعنوي لا يحتاج إلى شيء، إذ لا التباس لبعض المعاني بالبعض عند انكشافها صريحة، بخلاف ما إذا انكشف مصورة (في حضرة الخيال) في يقظة أو منام.
فإنه (يحتاج إلى علم آخر) وراء علم الحقائق التي يجب الاطلاع عليها لمن كان نبيا أو وليا (يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة) مما يناسبها بوجه ما، وقد يعرفها من ليس له قدم راسخ في الحقائق، ويجهلها الراسخون.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.  فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
( واعلم - أيّدنا الله وإيّاك ) بميامن الوراثة الختميّة وقرابتها ، تأييدا يتبيّن به دقائق المراد من الكلام على عرف التخاطب الذي مع الكمّل.
(أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام قال لابنه : " إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ " [ 37 / 102 ] والمنام حضرة الخيال ) وهي مجبولة على محاكاة ما في أحد الجانبين المحاذيين لها .
أعني الشهادة والغيب بتمثّل الصور المناسبة له فيها ، مناسبة الأشباه أو الأضداد ، فلا بد من الانتقال والعبور من الصور المثاليّة الخياليّة برابطة تلك المناسبة والشبه إلى ما هو في الواقع من الصور العينيّة فلا بد من التعبير وأمّا إبراهيم ( فلم يعبّرها ، وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ) .
ووجه المناسبة هاهنا هو أنّ إبراهيم أوّل من تحقّق بالحضرة الجمعيّة الوجوديّة ، التي هي ظاهر القابليّة الأولى الذاتيّة ، كما أنّ الكبش صورة تلك القابليّة التي ظهرت في المرتبة الحيوانيّة - ولذلك تراه في مصدريّة الأفعال الاختياريّة هو الغاية في القبول إذعانا واستسلاما .
ثمّ لمّا كان الابن صورة سرّ الأب، على ما ورد « الولد سرّ أبيه » .
تصوّر الكبش في الحسّ المشترك عند ظهوره من طرف الغيب والبطون للخيال بصورة ابن إبراهيم ، لقوّة المناسبة المذكورة وكمال الاستيناس به .
(فصدّق إبراهيم الرؤيا) أي أخذ تلك الصورة المرئيّة صادقة مطابقة لما في الأمر نفسه مما وجب عليه.

تفسير سرّ رؤيا إبراهيم عليه السّلام
وهاهنا تلويح حكميّ له كثير دخل في تحقيقه، ومنه يعلم لميّة تصديقه وما يترتّب عليه من التفدية : وهو أنّ البعد بين المتقابلين - الذين بهما يتقوّم أمر التعاكس والتماثل - كلَّما كان أكثر ، كانت مطابقة العكس لأصله أشدّ وذلك لأنّ المشاركة - ولو في صفة من الصفات أو جهة من
الجهات - تستلزم عدم ظهور العكس بكماله ، لتخلَّفه عن الأصل في تلك الصفة ، وانحرافه عنه بها ، ولذلك ترى المرايا ما ترى الصورة ما لم تكن في الجهة التي في غاية البعد - وهي القطر - وإذا انحرف عنها ما أرت الصورة كما هي ومن هاهنا أيضا ترى عكس العكس عين الأصل ، لأنّه أنهى ما يتباعد به عن الأصل .
ثمّ إنّ إبراهيم لما وصل من القرب إلى ما وصل، ما تمكَّنت مرآة خياله عن إراءة العكس كاملا، لزوال البعد والقطريّة فيه، وكمال القرب والخلَّة، وإذ قد كان ميلانه إلى طرف علوّ قربه الخلَّية، جاوز في أمر القربان أيضا إلى ما هو أعلى من فداء المال وذبح ذوي الحياة منه حتّى توهّم ذبح الابن وفدائه - وهو أوثق العلائق رابطة وأحكمها وثاقا - ولذلك ما اختصّت به ذوو العقول فقط، بل عمّت الحيوانات العجم تلك العلاقة .
فظهر أنّ وثاقة علاقة الابن النسبيّ وهميّة فلذلك لما رأى إبراهيم في رؤياه الذبح العظيم صوّر الوهم ذلك العظيم بابنه - إذ ليس عنده أعظم منه .
( ففداه ربّه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم ، الذي هو تعبير رؤياه عند الله - وهو لا يشعر ) لغلبة أمر القربة فيه واستيلاء سلطان الخلَّية عليه . كتعبير ما في حضرة الخيال
( فالتجلَّي الصوريّ في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة ) ، وهو ممّا يختصّ بنيله أولو النهاية ، ممن غلب في مواطن معرفته ومواقف نبوّته وبعثته ، علم الصور وأحكام تجلَّياتها ، ولم يحتجب بكمال قربته وجمعيّته عن أحكام التفرقة والتفصيل.
فلا بدّ وأن يكون صاحب حظَّ من الختم مّا بحسب الصورة فقط كيوسف على ما نبّهت عليه في تحقيق ترتيب الكتاب وبيان الحصر أو بحسب الصورة والمعنى ، كالحضرة الجمعيّة الختميّة وإلى ذلك أشار بقوله :لتعبير أبي بكر لرؤيا الرجل

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : (اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر. فالتجلي الصوري في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة. )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( اعلم أيدنا الله وإياك أن إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: «إني أرى في المنام أني أذبحك» والمنام حضرة الخيال فلم يعبرها.
وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر.)
(اعلم أيدنا الله وإياك) لإدراك الحقائق على ما هي عليه (أن إبراهيم الخليل) على نبينا وعليه الصلاة والسلام قال لابنه إسحاق علیه السلام "إني أرى في المنام أني أذبحك " [الصافات : 102] .
(والمنام حضرة الخيال) المقيد الذي من شأنه أن تعبر عن الصورة الممثلة فيها إلى المعاني المقصودة منها (فلم يعبرها) إبراهيم عليه السلام، أي لم يتجاوزها إلى المقصود من الصور المرئية فيها لما تعود به من الأخذ عن عالم المثال المضئق، وكلما أخذ منه لا بد أن يكون حقا مطابقة للواقع من غير تعبير . فلما شاهد عليه السلام صورة ذبح ابنه فيه ظن أنه مأمور به من غير تعبير و تأويل فتصدى له (وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام)، لمناسبة واقعة بينهما وهي الاستسلام والانقياد فكان مراد الله سبحانه به الكبش لابن إبراهيم (فصدق إبراهيم الرؤيا)، أي حقق الصورة المرئية وجعلها صادقة مطابقة للصورة الحسية الخارجية بالإقدام على الذبح و التعرض لمقدماته.
(ففداه) ، أي ابن إبراهيم (ربه) لينقذه من الذبح.
وذكر الفداء ههنا إنما هو من جهة وهم إبراهيم عليه السلام  وظنه وإلا لم يكن فداء حقيقة (بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو) : أي إبراهيم عليه السلام (لا يشعر) بذلك التعبير لما أخفاء الله سبحانه عليه لحكمة تقتضية .
والتفصيل في هذا المقام على ما يفهم من كلام الشيخ رضي الله عنه وشارحي كلامه.
أن إبراهيم الخليل صلوات الله عليه كان قبل هذا المقام معودا بالأخذ عن عالم المثال الذي من شأنه أن تقلا بق الصور المرنية فيه الصور الظاهرة في الحس من غير اختلال، فلا حاجة فيه الى التعبير.
فلما تحقق الغناء في الله بالكلية واقتضى ذلك الفناء في الله عن هذا المشهد بأن يشاهد الأمور في مراتب هي أعلى مراتب المثال أو في نفسه وقلبه من الوجه الخاص من غير توسط أمر آخر، أراد الله سبحانه أن يظهر في الحس صورة ليحققه بالغناء في ذبح الكبش وأن يرقيه عن هذا المشهد فأراه في المنام أن يذبح الكبش .
ولكن في صورة ذبح ابنه وستر عليه المقصود منه، وأوقع في وهمه أن ابنه هو المقصود بعينه بناء على ما اعتاده من الأخذ عن عالم المثال.
فاعتقد صدق ما وقع في وهمه من ذبح ابنه فتصدى له وانقاد له ابنه، فظهر سر كمان استسلامهما وانقيادهما الله تعالى.
فجعل سبحانه الذبح العظيم فداء لابنه وأنقذه من الذبح، وما كان مراد الله من منامه وهو ذبح الكبش لنكون صورة حسية تتحقق إبراهيم بالفناء فيه وحصل له الترفي عن مشهده المعتاد، فإن الصورة المرنية لم تكن من عالم المثال بل فاض هذا المعنى عليه من مرتبة أخرى فوق عالم المثاني ، وانبعث من قلبه و صورته متخيلة بتلك الصورة، وعلم ذلك الترقي أيضا حيث وقع منه ذبح الكبش لا ذبح ابنه . 
ولا يخفى على المنصف أن ذلك بيان لحسن تربية الله سبحانه إبراهيم الخليل عليه السلام وليس فيه شائبة سوء أدب من الشيخ رضي الله عنه بالنسبة إلى إبراهيم عليه السلام.
وكتب بعض من اشتهر بالفضل بخطه على الهامش في هذا المقام.
هذا كلام زخرفة الشيخ ولا أراه حقا بل كنه صادر عن سوء أدب أحسن محامله أن يقال أنه صدر عنه في حال كونه مغلوبا.
والحق في ذلك والله أعلم أن إبراهيم عليه السلام رأى في المنام أنه مباشر للذبح بمعنى أنه أضجع ابنه وأخذ المدية وأمرها على حلقومه ليقطعه ولكن لم يحصل القطع وهذا هو المراد بقوله : "إني أرى في المنام أني أذبحك". أي رأيت أني مشتغل بأفعال الذبح ولا يلزم منه تمامه، وقد وقع منه في اليقظة ما رآه في المنام ووطن هو وابنه للانقياد لذتك.
فلما تم العزم ووجد مقدمات الذبح حصل المقصود من الابتلاء فتداركه الله برحمته بإعطاء الذبح ليذبح فداء له فوقع ما رآه بعينه ، ولم تكن رؤياه وهما وخيالا حاشا منصب الخلة عن مثل هذا الخطأ والله ولي التوفيق.
والعجب من هذا الفاضل بل من كل معترض علي الشيخ رضي الله عنه في مثل هذا الكتاب، فإن ما ذكره الشيخ من مفتتح الكتاب من مبشرة أريها .
وإن ما أورده في هذا الكتاب ما حده له رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان إن كان مسلما عنده .
فلا مجال للاعتراض فإن ذلك يعود إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن لم يكن مسلما عنده بل أعتقد أن ذلك افتراء وكذب أو سهو وخطأ .
فالاعتراض عليه ذاك لا هذا وكيف لا يسلم ذلك من اطلع على أحواله ومقاماته و مكاشفاته مما أدرجه في هذا الكتاب وسائر مصنفاته .
فالتجلي الصوري في حضرة الخيال يحتاج إلى علم آخر يدرك به ما أراد الله بتلك الصورة .
(والتجلي الصوري في حضرة الخيال) المعبد (يحتاج إلى علم آخر) يسمى علم التعبير (يدرك به ما أراد الله تعالی بتلك الصورة) الظاهرة في حضرة الخيال بادائه، وهو معرفة المناسبات التي بين الصور ومعانيها.
ومعرفة مرآة النفوس التي تظهر تلك الصور في خيالاتهم، ومعرفة الأزمنة والأمكنة و غيرها مما له مدخل في التعبير، فإنه قد ينقلب حكم الصورة الواحدة بالنسبة إلى أشخاص مختلفة المراتب بل بالنسبة إلى شخص واحد في زمانین و مكانین .

وبكمال هذه المعرفة ونقصانها يتفاوت حال المعبرين في الإصابة والخطأ في التعبير.
.

 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق 

الفقرة الخامسة على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله


واتساب

No comments:

Post a Comment