Monday, July 15, 2019

السفر السابع فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الفقرة الأولي .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الفقرة الأولي .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السابع فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية الفقرة الأولي .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله

 07 - The Wisdom Of Sublimity In The Word Of ISHMAEL

07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية

الفقرة الأولي:
متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية
أعلم أن مسمى الله أحدي بالذات كل بالأسماء. وكل موجود فما له من الله إلا ربه خاصة يستحيل أن يكون له الكل.
وأما الأحدية الإلهية فما لواحد فيها قدم، لأنه لا يقال لواحد منها شي ء ولآخر منها شيء، لأنها لا تقبل التبعيض. فأحديته مجموع كله بالقوة.
والسعيد من كان عند ربه مرضيا، وما ثم إلا من هو مرضي عند ربه لأنه الذي يبقي عليه ربوبيته، فهو عنده مرضي فهو سعيد.
ولهذا قال سهل إن للربوبية سرا وهو أنت: يخاطب كل عين- لو ظهر لبطلت الربوبية.
فأدخل عليه «لو» و هو حرف امتناع لامتناع ، وهو لا يظهر فلا تبطل الربوبية لأنه  لا وجود لعين إلا بربه.
والعين موجودة دائما فالربوبية لا تبطل دائما. وكل مرضي محبوب، وكل ما يفعل المحبوب محبوب، فكله مرضي، لأنه لا فعل للعين، بل الفعل لربها فيها فاطمأنت العين أن يضاف إليها فعل، فكانت «راضية» بما يظهر فيها وعنها من أفعال ربها، «مرضية» تلك الأفعال لأن كل فاعل وصانع راض عن فعله وصنعته، فإن وفى فعله وصنعته حق ما عليه «أعطى كل شيء خلقه ثم هدى» أي بين أنه أعطى كل شيء خلقه، فلا يقبل النقص ولا الزيادة. فكان إسماعيل بعثوره على ما ذكرناه عند ربه مرضيا. وكذا كل موجود عند ربه مرضي.
ولا يلزم إذا كان كل موجود عند ربه مرضيا على ما بيناه أن يكون مرضيا عند رب عبد آخر لأنه ما أخذ الربوبية إلا من الكل لا من واحد. فما تعين له من الكل إلا ما يناسبه، فهو ربه.
ولا يأخذه أحد من حيث أحديته. و لهذا منع أهل الله التجلي في الأحدية ، فإنك إن نظرته به فهو الناظر نفسه فما زال ناظرا نفسه بنفسه، و إن نظرته بك فزالت الأحدية بك، و إن نظرته به و بك فزالت الأحدية أيضا.
لأن ضمير التاء في «نظرته» ما هو عين المنظور، فلا بد من وجود نسبة ما اقتضت أمرين ناظرا ومنظورا، فزالت الأحدية وإن كان لم ير إلا نفسه بنفسه. ومعلوم أنه في هذا الوصف ناظر ومنظور.
فالمرضي لا يصح أن يكون مرضيا مطلقا إلا إذا كان جميع ما يظهر به من فعل الراضي فيه.
ففضل إسماعيل غيره من الأعيان بما نعته الحق به من كونه عند ربه مرضيا.
وكذلك كل نفس مطمئنة قيل لها «ارجعي إلى ربك» فما أمرها أن ترجع إلا إلى ربها الذي دعاها فعرفته من الكل، «راضية مرضية».
«فادخلي في عبادي» من حيث ما لهم هذا المقام. فالعباد المذكورون هنا كل عبد عرف ربه تعالى واقتصر عليه ولم ينظر إلى رب غيره مع أحدية العين: لا بد من ذلك «وادخلي جنتي» التي بها ستري.
وليست جنتي سواك فأنت تسترني بذاتك. فلا أعرف إلا بك كما أنك لا تكون إلا بي. فمن عرفك عرفني وأنا لا أعرف فأنت لا تعرف.
فإذا دخلت جنته دخلت نفسك فتعرف نفسك معرفة أخرى غير المعرفة التي عرفتها حين عرفت ربك بمعرفتك إياها.
فتكون صاحب معرفتين: معرفة به من حيث أنت، ومعرفة به بك من حيث هو لا من حيث أنت.
فأنت عبد وأنت رب ... لمن له فيه أنت عبد
وأنت رب وأنت عبد ... لمن له في الخطاب عهد
فكل عقد عليه شخص ... يحله من سواه عقد
فرضي الله عن عبيده، فهم مرضيون، ورضوا عنه فهو مرضي. فتقابلت الحضرتان  تقابل الأمثال و الأمثال أضداد لأن المثلين لا يجتمعان إذ لا يتميزان وما ثم إلا متميز فما ثم مثل، فما في الوجود مثل، فما في الوجود ضد، فإن الوجود حقيقة واحدة و الشيء لا يضاد نفسه.
فلم يبق إلا الحق لم يبق كائن ... فما ثم موصول و ما ثم بائن
بذا جاء برهان العيان فما أرى ... بعيني إلا عينه إذ أعاين
«ذلك لمن خشي ربه أن يكونه لعلمه بالتمييز.
دلنا على ذلك جهل أعيان في الوجود بما أتى به عالم.
فقد وقع التمييز بين العبيد، فقد وقع التمييز بين الأرباب.
ولو لم يقع التمييز لفسر الاسم الواحد الإلهي من جميع وجوهه بما يفسر الآخر.
والمعز لا يفسر بتفسير المذل إلى مثل ذلك، لكنه هو من وجه الأحدية كما تقول في كل اسم إنه دليل على الذات وعلى حقيقته من حيث هو.
فالمسمى واحد: فالمعز هو المذل من حيث المسمى، والمعز ليس المذل من حيث نفسه وحقيقته، فإن المفهوم يختلف في الفهم في كل واحد منهم:
فلا تنظر إلى الحق ... وتعريه عن الخلق
ولا تنظر إلى الخلق ... وتكسوه سوى الحق
ونزهه وشبهه ..... وقم في مقعد الصدق
وكن في الجمع إن شئت ... وإن شئت ففي الفرق
تحز بالكل إن كل ... تبدى قصب السبق
فلا تفنى ولا تبقى ... ولا تفني ولا تبقي
ولا يلقى عليك الوحي ... في غير ولا تلقي
الثناء بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، والحضرة الإلهية تطلب الثناء المحمود بالذات فيثني عليها بصدق الوعد لا بصدق الوعيد، بل بالتجاوز. «فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله»
لم يقل و وعيده، بل قال «ونتجاوز عن سيئاتهم» مع أنه توعد على ذلك. فأثنى على إسماعيل بأنه كان صادق الوعد. وقد زال الإمكان في حق الحق لما فيه من طلب المرجح.
فلم يبق إلا صادق الوعد وحده ... و ما لوعيد الحق عين تعاين
و إن دخلوا دار الشقاء فإنهم ... على لذة فيها نعيم مباين
نعيم جنان الخلد فالأمر واحد ... و بينهما عند التجلي تباين
يسمى عذابا من عذوبة طعمه ... و ذاك له كالقشر و القشر صاين 

متن نقش فصوص الحكم للشيخ الأكبر محمد ابن العربي الطائي الحاتمي 638 هـ :

07 -  نقش فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية
وجود العالم الذي لم يكن ثم كان يستدعي نسباً كثيرة في موجده أو اسماً ما شئت فقل لا بد من ذلك. وبالمجموع يكون وجود العالم. فالعالم موجود عن إحدى الذات المنسوب إليها أحدية الكثرة من حيث الأسماء لأن حقائق العالم تطلب ذلك منه. ثم العالم إن لم يكن ممكناً فما هو قابل للوجود فما وجد العالم إلا عن أمرين:
* عن اقتدارٍ إلهي منسوب إليه ما ذكرناه.
* وعن قبول.
فإن المحال لا يقبل التكوين ولهذا قال تعالى عند قوله: " كُنْ "
قال: " فَيَكُونُ " [النحل: 40]. فنسب إلى العالم من حيث قبوله.


الفكوك في اسرار مستندات حكم الفصوص صدر الدين القونوي 673 هـ : 
07 - فك ختم الفص الإسماعيلي
7 / 1  - اعلم ان متعلق هذا الفص ومرجعه الى صفتين : صفة العلو وصفة الرضاء ، ومحتده من الجناب الإلهي نسبتان : الوحدة الذاتية والجمعية الاسمائية فاما سر اختصاص اسماعيل عليه السلام بالعلو : فهو من وجه بالنسبة الى بقية اولاد الخليل عليه السلام من أجل انه كان كالوعاء لسر الكمال المحمدي الذي نسبته الى ذات الحق أتم ، كما ان اسحاق عليه السلام وعاء لاسرار الأسماء التي كان الأنبياء مظاهرها.

7 / 2 - والإشارة الى ذلك من القرآن العزيز قوله تعالى في سورة العنكبوت من قصة الخليل عليه السلام : " ووَهَبْنا لَه إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِه النُّبُوَّةَ والْكِتابَ " [ العنكبوت / 27 ] وكل نبى هو مظهر اسم من الأسماء ، والكتاب الامر الجامع للشرائع ، وانفرد اسماعيل بنبينا عليهما السلام الجامع لخواص الأسماء بشريعة جامعة لأحكام الشرائع .
وهذا هو الموجب لقول الشيخ رضى الله عنه في اول الفص : اعلم ان مسمى الله احدى بالذات كل بالأسماء ، وذكر ان أحديته  مجموع كله بالقوة .

7 / 3 - وقال رضى الله عنه ايضا في مختصر الفصوص كلمات اذكرها بعينها هنا ، تعين  ان مقصوده الأصلي في تأسيس هذا الفص ما اذكره وليعلم انه لو لا ان الله سبحانه أنعم بمشاركتي الشيخ رضى الله عنه في اصل الذوق ومحتده لم يكن معرفة مقصوده من فحوى كلامه .
لكن متى حصل الاطلاع على اصل الذوق ومشرعه ، عرف المقصود من فحوى كلامه ، فلهذا اخترت ذكر تلك الكلمات ثم اردفها ببيان تتمات اسرار هذا الفص المتضمن فك ختامه ، والكلمات التي ذكرها في مختصر هذا الفص ولم نزد عليها من هذه.

7 / 4 - قال رضى الله عنه : وجود العالم الذي لم يكن ثم كان ، يستدعى من موجده نسبا كثيرة في موجده او اسما ما شئت فقل ، فلا بد من ذلك وبالمجموع يكون وجود العالم ، فالعالم موجود عن احدى الذات منسوب إليها احدية الكثرة من حيث الأسماء لان حقائق العالم تطلب ذلك منه.
ثم العالم ان لم يكن ممكنا فما هو قابل للوجود ، فما وجد العالم الا عن امرين : عن اقتدار الهى منسوب اليه ما ذكرناه من كثرة النسب ، وعن قبول ، فان المحال لا يقبل التكوين ، لهذا قال تعالى عند قوله : " فَيَكُونُ " ، فنسب التكوين الى العالم من حيث قبوله . هذا نص كلامه رضى الله عنه .


7 / 5 - ثم أقول : ولما كان الخليل عليه السلام حاملا للصفات الثبوتية التي من حيثها تكمل صورة الإيجاد ، صحت له نسبة خاصة الى الذات من حيث صفة الاقتدار ، وكان اسماعيل عليه السلام مثال القابلية العالم من كونه محلا لنفوذ الاقتدار فيه .
ولهذا : " كانَ عِنْدَ رَبِّه مَرْضِيًّا " [ مريم / 55 ] للمواتاة بان يظهر فيه وبه احكام القدرة .


7 / 6 - ولما كان العالم من حيث قابليته لما ينطبع ويحل فيه كالبيت ، كما أشار اليه في امر وجود العالم والموجودات بقوله : " والطُّورِ وكِتابٍ مَسْطُورٍ في رَقٍّ مَنْشُورٍ والْبَيْتِ الْمَعْمُورِ" [ الطور / 1 - 4 ] فالطور مرتبة العالم من حيث حقيقته الثابتة وإمكانه .
والكتاب المسطور الممكنات الظاهرة في صفحة الوجود الذي هو الرق المنشور ، لذلك اقتضت حكمته المحاكاة المظهرية ان يكون الخليل عليه السلام بانى الكعبة والمعاون له فيه اسماعيل عليه السلام ، فالكعبة التي هي اول بيت وضع للناس نظير حقيقة العالم القابلة للإيجاد الأول من الموجد من حيث صفة الاقتدار التي العقل الأول صورته .

7 / 7 - ذكر شيخنا رضى الله عنه جوابا عن الذين سألوه عن حقيقة العقل الأول وكونه مم خلق ، فقال : خلق من صفة القدرة لا من صفة غيرها ، ولهذا سمى بالقلم ، لان القلم مضاف الى اليد ، واليد صورة القدرة ، فالخليل من هذا الوجه مظهر العقل الأول الذي هو اول الأسباب الوجودية الايجادية ، والشرط في الإقامة بيت الوجود المتأسس على مرتبة الإمكان ، واسماعيل مظهر النفس الذي هو اللوح من حيث انه محل الكتابة الايجادية التفصيلية .

7 / 8 -  وقد نطق الخليل على ما حكاه لنا الحق في كتابه يدل على ما ذكرناه عند من اطلع على اسرار القرآن وبطونه وحدوده ومطلقاته ، وذلك قوله بلسان العقل الأول والنفس: " وإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ من الْبَيْتِ " .
إشارة الى وجود العالم وإِسْماعِيلُ : "رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنا واجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ " منقادين مواتيين لما ترده من التصرف فينا وبنا في عالمك لك " ومن ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وأَرِنا مَناسِكَنا وتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، رَبَّنا وابْعَثْ فِيهِمْ ".
يعنى في ذريته "رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ ويُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ والْحِكْمَةَ ويُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " [ البقرة / 127 - 129 ] .

7 / 9 - وأخبر سبحانه عن هذه الترجمة العقلية والنفسية ثم الابراهيمية في موضع آخر من كلامه فقال : " وإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ " .
يعنى هذا العالم آمِناً  يريد من العدم " واجْنُبْنِي وبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنامَ "  يعنى الصور الطبيعية ، والبنون هنا والذرية في الاية الاولى النفوس الجزئية " رَبِّ إِنَّهُنَّ " يعنى الصور الطبيعية المزاجية " أَضْلَلْنَ كَثِيراً من النَّاسِ " [ إبراهيم / 35 و 36 ] حتى استهلكت قواهم وصفاتهم الروحانية تحت القهر القوى الطبيعية كما هو حال اكثر الناس ، فإنه لا يشهد فيهم من الصفات الروحانية والخواص الحقيقة الانسانية شيئا ، كما أخبر الحق بانهم كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ " من الحيوانات .

7 / 10 - وفي موضع آخر رجح الحجارة عليهم فجعل رتبتهم انزل من رتبة الجمادات وكذلك  ورد في الحديث الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم انه خرج ذات يوم فسمع عمر يحلف بأبيه ، فقال : لا تحلفوا بآبائكم ، فو الذي نفسى بيده لما يدهدهه الجعل بمنخريه خير من آبائكم الذين ما توافي الجاهلية فهذا معنى قوله : " إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً من النَّاسِ " [ إبراهيم / 36 ] بلسان إشارة باطن القرآن ، لا بلسان التفسير المعهود . ثم قال : " فَمَنْ تَبِعَنِي " [ إبراهيم / 36 ] في الطهارة وتحصيل الكمال حال تدبير بدنه .
فاستهلكت سلطنة طبيعته تحت احكام عقله بتوفيق الله ثم بتزكية من أرسل اليه منهم المشار اليه في الاية الاولى : " فَإِنَّه مِنِّي " ، لأني وان لم يكن لي طبيعة اقهرها او تقهرنى ، لكن اعتنى بى الحق فتلاشت احكام امكانى تحت احكام وجوبى .

7 / 11 - واما المناسك : فمظاهر النفوس من الصور المثالية والصور الحسية المخصوصة بالملائكة والأنبياء والأولياء .
7 / 12 - واما التوبة : فالرجوع في كل نفس بصفة الافتقار الى الحق ليأخذ من فيضه سبحانه ما يمد به من دونه .
7 / 13 - واما الوادي : الذي لا زرع فيه فهو عالم الكون والفساد - فان له الفقر التام - إذ محل الزرع الحقيقي هو ما يقتضي إبراز ما لا وجود له الى الوجود ، وعالم الكون والفساد ليس كذلك ، لأنه مفتقر بعضه الى بعض بعد افتقار الى ايصال المدد اليه من العالم العلوي ، والى ذلك الإشارة بقوله تعالى : " وفي السَّماءِ رِزْقُكُمْ وما تُوعَدُونَ " [ الذاريات / 22 ] .


7 / 14 -  وقوله : " عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ " إشارة الى قلب الإنسان الحقيقي الذي وسع الحق واختص بان يكون مستوى لذات الحق وجميع أسمائه دون غيره.
" رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ " اى ليديموا التوجه بالافتقار إليك وتكون أنت وجهتهم .
" فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً من النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ " إشارة الى الأرواح المنزلة على الكمل من الأنبياء والأولياء ومن يدانيهم "وارْزُقْهُمْ من الثَّمَراتِ " يريد الإلقاءات الروحانية والعلوم اللدنية " لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ " [ إبراهيم / 37 ]  ظاهر "المعنى".
7 / 15 -  قوله  : " إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي " اى ما يقتضيه استعداداتنا الغير المجعولة من الأمور التي لم يتعين لنا " وما نُعْلِنُ " اى وما حصل وظهر لنا ومنا بالفعل " وما يَخْفى عَلَى الله من شَيْءٍ في الأَرْضِ ولا في السَّماءِ [ إبراهيم / 38 ] يريد مراتب التأثير والتأثر الظاهرين بين احكام الوجوب والإمكان ، بمعنى انه يعلم استعدادات صور العالم العلوي واهله ، وكذلك عالم السفلى واهله ، ولهذا افرد ولم يقل السموات والأرضين .

7 / 16 - ثم قال : " الْحَمْدُ لِلَّه الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وإِسْحاقَ " [ إبراهيم / 39 ] وهما العقل الثاني والنفس .
7 / 17 -  فان قيل : فما نسبة يعقوب عليه السلام فإنه قد ذكر في الاية حيث قال : " ووَهَبْنا لَه إِسْحاقَ ويَعْقُوبَ وجَعَلْنا في ذُرِّيَّتِه النُّبُوَّةَ والْكِتابَ " [ العنكبوت / 27 ] ؟
7 / 18 - فأقول ، هو نظير الفلك ، لأنه صدر عن العقل عقل ونفس وفلك ، وكما تعين في الفلك معقولية البروج الاثنا عشر ، كذلك كان ليعقوب اثنا عشر ولدا .
7 / 19 - وقال في الاية الاخرى : " ومن يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا من سَفِه نَفْسَه " [ البقرة / 130 ] اى جهلها وجهل شرفها ومرتبتها ، فإنها في النفس بالقوة وبتحصيل الاستكمال تظهر بالفعل ، فملة العقل الأول الجميع المعاني ، صفات الحق كلها ، وملة إبراهيم الظهور بأحكام الصفات والأخلاق الإلهية الثبوتية تماما .
كما قال سبحانه : " فَأَتَمَّهُنَّ " [ البقرة / 124 ] فظهر بالامامة ، كما كانت الامامة الاولى للعقل الأول لكونه تلقى بكمال قابليته ما ذكر ، ولنبينا صلى الله عليه وسلم وبختميته الجمع بين ملة العقل الأول التي انتهى إليها وملة إبراهيم عليه السلام ، فكان مرآة لجميع الصفات والأخلاق الإلهية المعنوية ومظاهرها ومصارفها كلها ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : بعثت لأتمم مكارم الأخلاق .
والإتمام انما يكون بالجمع بين معانيها وصورها حتى انه بالمصارف اظهر للصفات المذمومة كمالات صارت بها محمودة .

7 / 20 -  واما ما يختص الكعبة من هذه الاية وإبراهيم بلسان المطلع : فان الكعبة بيت صفة الربوبية بالاعتبارين : اعتبار مغايرة الاسم المسمى ، واعتبار عدم مغايرته له ، واليه الإشارة بقوله تعالى : " فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ " [ قريش / 3 ] وكذلك  صار مقام نفس بإنية الذي هو الخليل السماء السابعة ، فان النبي صلى الله عليه وسلم أخبر ان مقامه هناك وانه مسند ظهره  الى البيت المعمور ، وانه للبيت بابان ، وانه يدخل كل يوم سبعون ألف ملك من باب ويخرجون من باب أخر لا يعودون اليه ابدا ، ونظير بيت المعمور من الإنسان من جهة بعض صفاته قلبه الصوري ، والملائكة أنفاسه يدخل لعبودية القلب الحقيقي وترويح مظهره الذي هو القلب الصوري ويخرج بصفة اخرى ،فهي في دخولها باردة وفي خروجها حارة ولا يعود اليه.

7 / 21 - وأشار صلى الله عليه وسلم في الصحيح ايضا في غير موضع الى ما يستدل به اللبيب ان حضرة اسم الرب السماء السابعة ، فمن ذلك ما ذكره في حديث القيامة : ان السموات تطوى وانه كل ما طويت سماء نزلت ملائكتها واصففت صفا واحدا ، وان الخلق يأتونهم فيسألونهم يقولون لهم :أفيكم ربنا ؟
فيقولون : لا ، هو آت.
فإذا طويت السماء السابعة ونزلت ملائكتها وهم اعظم واكثر عددا من ملائكة باقى السموات المطوية ، فيأتيهم الخلق سائلين ويقولون : أفيكم ربنا ؟
فيقولون : نعم ، سبحان ربنا ، فقولهم سبحان ربنا ، هو من أجل ما أسلفنا لك من ان الاسم من وجه عين المسمى ومن وجه غير المسمى  .

7 / 22 - فالبيت المعمور محل نظر الحق ومسمى الرب ، كما ان العرش مستوى اسم الرحمن وان الكرسي  مستوى اسم الرحيم والسماء السادسة مستوى الاسم العليم والخامسة مستوى الاسم القهار والرابعة مستوى الاسم المحيي والثالثة مستوى الاسم المصور والثانية مستوى الاسم البارئ والسماء الاولى مستوى الاسم الخالق .
واما قلب الإنسان الكامل الحقيقي فهو مستوى الاسم الله الذي هو للذات ، فلهذا أشار اليه : يوسعني .

7 / 23 -  ولما كان الحق من حيث أحديته الذاتية لا ينضاف اليه اسم ، وكانت الكعبة مظهر الاسم الرب ، فيجيب باعتبار ان الاسم عين المسمى ان لا يكون عند الكعبة زرع ، لان الزرع هاهنا ، كالاعتبارات والنسب والصفات الإضافية هناك ، اعنى بالنسبة الى وحدة الذات التي لها الاعتبار المسقط للاعتبارات كلها ، فحكم المناسبة المظهرية يقتضي ما ذكرنا من انه لا يكون عند الكعبة زرع اصلا .

7 / 24 - وكما ان اول لازم متعين من الذات هو علم الحق من حيث امتيازه النسبي لا من  حيث ان علمه عين ذاته ولا من حيث انه صفة زائدة على الذات وهذا التعين العلمي هو تعين جامع للتعينات كلها المعبر عنها بالأسماء والأعيان ، فالأشياء مرتسمة فيها ، اعنى في هذه النسبة العلمية ، وتتعلق بالمعلومات بحسب ما هي المعلومات عليه في أنفسها .

7 / 25 - كذلك اول ما تعين عند محل الكعبة ماء زمزم الذي هو مظهر العلم ، وكان سبب تعينه كمال الطلب والافتقار ، اللذين صار المتصف بهما محلا لنفوذ الاقتدار الإلهي الذي القلم صورته ، فظهر بالقبول والاقتدار ، وكانت هاجر مظهر القابلية وهي اللوح المحفوظ ، يعنى اكتب علمى في خلقى الى يوم القيامة ليس مطلق قابلية المرتبة الامكانية .

7 / 26 -  واما سر كون هاجر مملوكة : فهو من أجل ان القلم الأعلى من حيث تقدسه عن احكام الكثرة والإمكان بحيث لا يتعقل فيه من احكام الإمكان إلا حكم واحد ، وهو كونه في نفسه ممكنا وانه من حيث ما عدا هذا الاعتبار واجب باعتبار وجهه الذي يلي ربه ، بخلاف اللوح المحفوظ الذي قلنا ان هاجر من وجه مظهره ، فإنه محكوم للقلم بتمليك الحق إياه حيث جعله محلا للتأثير فيه ،فصار محكوما لمحكوم.
فالحرية للقلم مع ثبوت محكوميته لربه والمملوكية للوح فوجب ان يكون هاجر مملوكة لما ذكرناه فافهم .

7 / 27 - واما قول النبي صلى الله عليه وسلم : ماء زمزم لما شرب له .
وقوله ايضا : انه طعام طعم وشفاء سقم: ففيه سرّان عظيمان اما سر ماء زمزم لما شرب له : فذلك من أجل ان اكثر علوم الناس باللَّه هي ظنون ليست علوما محققة ، ولذلك قال تعالى : انا عند ظن عبدى بى فليظن بى ما شاء .

7 / 28 - واما سر كونه طعام طعم وشفاء سقم : فهو في حق من اطلع على سر القدر وتحقق بمعرفته تبعية القلم للعلم ، وانه واجب الوقوع ، فيفرح بوقوع الملائم ويريح نفسه ايضا من انتظار ما يعلم انه لم يقدر وقوعه ولا يحزن باطنه من الواقع غير الملائم ولا يتعرض.
واليه الإشارة بقوله : " ما أَصابَ من مُصِيبَةٍ في الأَرْضِ ولا في أَنْفُسِكُمْ إِلَّا في كِتابٍ من قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها " [ حديد / 22 ] .
وقوله : " لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ ولا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ " [ حديد / 23 ] وقول انس عن النبي صلى الله عليه وآله انه ما قال له زمان خدمته إياه مدة عشر سنين لشيء فعلته لم فعلته ولا لشيء لم نفعله لم لم تفعله ، وانما كان يقول :  لو قدر لكان . فاعلم ذلك .

7 / 29 - واما سر " يُجْبى إِلَيْه ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً من لَدُنَّا ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ " [ القصص / 57 ] فهو صورة تبعية العلم للمعلوم وأخذ العالم العلم به منه ، وكذلك تعين الأسماء الإلهية من القوابل وبها تحقق اضافة الآثار الى الحق من حيثها ، وهذا السر محجوب عن اكثر الخلق ، فلذلك قال سبحانه :"ولكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ ".

7 / 30 - والله لقد ظهر لي يومي هذا من العلوم والاسرار ما لو شرعت في تفصيل كلياته لما وفت ببيانه مجلدات كثيرة ، فاعرف ما أسست في هذا الفصل من الاسرار تستشرف على علوم جمة من جملتها - بعد غور - شيخنا رضى الله عنه كيف شرع في اول الفص بذكر الوحدة الذاتية والجمعية الاسمائية وذكر معنى الإيجاد وتوقفه بعد العلم على القبول والاقتدار ، هذا الى غير ذلك مما لا يكاد ينحصر من العلوم ، والله يقول الحق ويهدى من يشاء الى صراط مستقيم .


واتساب

No comments:

Post a Comment