Saturday, July 20, 2019

البحث الأوّل من مباحث خطبة الكتاب "في الحمد" للشارح مؤيد الدين قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

البحث الأوّل من مباحث خطبة الكتاب "في الحمد" للشارح مؤيد الدين قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

البحث الأوّل من مباحث خطبة الكتاب "في الحمد" للشارح مؤيد الدين قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم 

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

قال الشيخ رضي الله عنه « الحمد لله منزل الحكم ، على قلوب الكلم ، بأحديّة الطريق الأمم ، من المقام الأقدم ، وإن اختلفت النحل والملل لاختلاف الأمم ، وصلَّى الله على ممدّ الهمم ، من خزائن الجود والكرم ، بالقيل الأقوم ، محمّد وآله وسلَّم » .
قال المؤيّد رحمه الله :
 في خطبة الكتاب ستّ عشرة كلمة تحتوي على مثلها مباحث كلَّية .
وإن استلزمت مباحث أخر ضمنيّة تفصيليّة على ما سيرد عليك ذكرها ، وينكشف عند التدبّر والتأمّل سرّها .
التفصيل في مباحث خطبة الكتاب
البحث الأوّل من مباحث خطبة الكتاب في الحمد
الأوّل منها في الحمد وفيه عشرة أبحاث - يتضمّن العاشر منها عشرة - :
البحث الأوّل : في حقيقة الحمد وتعريفه
اعلم أيّدك الله بروح منه : أنّ الحمد في عرف التحقيق تعريف المحمود بنعوت الكمال ، وذكره للمخاطب بما هو عليه من الفضائل ومحاسن الخصال ، فكلّ حمد من كلّ حامد على كلّ محمود تعريف للحامد من المحمود بما يستحقّه ، وذكر له بفضائل هي خلقه وحقّه .
كقولك : « إنّ زيدا عالم ، عادل ، حكيم ، جواد ، كريم » . فعرّفته بالعلم والحكمة والعدل والجود والكرم ، عند المخاطب .
البحث الثاني : في تقاسيم الحمد
وهو ينقسم بالقسمة الأولى إلى قسمين :
أحدهما : أن يكون الحامد هو الحقّ .
والثاني : أن يكون الحامد هو الخلق .
ثمّ إنّ كلّ واحد من القسمين ينقسم إلى قسمين
بأن يكون المحمود في كلّ واحد منهما أيضا هو الحقّ أو الخلق كذلك .
فإن كان الحامد والمحمود هو الحقّ ، فهو سبحانه يحمد نفسه لنفسه من حيثيّتين أو حيثيات ، فيكون معرّفا في حضرة أو مرتبة لنفسه من حيث ظهوره في أخرى.
فهو يحمد نفسه ويعرّفها بما يستحقّه من الكمالات الذاتية والإلهية والأسمائية وغيرها .
وفي هذا القسم مباحث :
البحث الثالث
وهو أن يحمد نفسه من حيث هويّته العينيّة واللاتعيّنيّة ، وإطلاقه وغيب ذاته غيبة الغيبيّة ، ويتّحد الحمد والحامد والمحمود في هذا المقام .
ويستحيل تعقّل تميّز الحامد عن الحمد والمحمود ، إذ لا لسان فيه ، ولا وصف ولا نعت ولا حكم أصلا ، لقهر الأحدية الذاتية كثرة في تميّز الحمد عن الحامد والمحمود ، وغاية العبارة الإشارة إلى التعريف .
والحمد الخاصّ بهذه المرتبة هو بكمال الإطلاق عن كلّ تعيّن ونسبة ، وأنّه الكامل بالذات على الإطلاق .
وقد يقال :
إنّه لأحمد من هذه المرتبة ، والمراد نفي النعت ، وسلب تميّز الحمد عن الحامد والمحمود .
والحقّ أنّه يعرّف ويحمد بإطلاق حمد الحمد الذاتي المطلق مجملا كما مرّ بلا تفصيل ، فافهم .
البحث الرابع
حمده -سبحانه نفسه من حيث تعيّنه الأوّل ، المحيط بجميع التعيّنات .
فحمده له فيه تعريف وحمد مستغرق جميع المحامد ، ويستوعب جميع المحاسن والكمالات ، ويحيط بسائر الفضائل والنعوت تماما ، وأنّه منه تنبعث الكمالات والمحامد ، وينفصل آخر ما يتحصّل ، وفيه يتّحد في الأوّل ويتأصّل .
وهو تعريف وحمد ذاتي للذات ، في أعلى مراتب حمد الحمد القائم بالذات ، تعالت وتقدّست فهو يحمد ذاته المطلقة بعين تعيّنه أوّلا .
ويعرّفها بأنّها أصله لأنّ التعيّن بحقيقته يدلّ على أنّه مسبوق باللاتعيّن ، وأنّ وراءه ما لا يتعيّن ، ويعظم أن تعيّن أو تبيّن .
ومنه ظهر المتعيّن ويعيّن ويميّز من وجه عن ذلك الأصل وتبيّن فيعرّف ذاته المطلقة في هذا المقام بمحامد سلبية وكمالات تنزيهية ، ويعرّف ذاته المتعيّنة بالتعيّن الأوّل بأحديّة جمع جميع الكمالات الثبوتية والسلبية ، فافهم .
البحث الخامس
هو حمده سبحانه ذاته بعلمه الذاتي بأنّ جميع الكمالات والنعوت والأسماء والصفات والنسب والإضافات  على التعيين والتفصيل ثابتة له كلّ الإثبات .
والمحامد من هذه المرتبة صفاتية ، وفيما فوقها ذاتية ، في تعرّف نفسه بكشفه وإحاطته بجميع التعيّنات العلمية على التمييز والتعيين حسب المعلومات .
وأنّه هو المعلوم الحقيقي المتعيّن في أعيان المعلومات ، فيعرّف ويحمد ذاته بأنّه محيط بعلمه الذاتي بما يعلم منه ، ومحيط إحاطة ذاتية بعلم ما لا يعلم ولا يحاط به بأنّه كذلك لا يعلم ولا يحاط به .
البحث السادس
هو أن يحمد الحقّ ويعرّف ذاته ، بحقائق ذاته ، ويعرّف أيضا حقائق ذاته بذاته جمعا وفرادى بأنّ ذاته أحدية جمعها ، وأنّها شؤونه الذاتية وحقائق تفاصيل كمالاته الذاتية .
وأنّها في الذات عينها ، فهي هي فيها على الأحدية .
وأنّه فيها أي في حقائق ذاته أو شؤون ذاته متكثّر الأسماء والصفات والنعوت والإضافات ، وأنّ جميعها ثابتة له على أكمل وجوه الإثبات عند العلماء الأثبات .
البحث السابع
حمد الحقّ حقائقه المؤثّرة الفعّالة الوجوبية - وهي أسماء الألوهية والربوبية – بأنّها هي المؤثّرة في الكائنات ، وأنّ الألوهية والربوبية تثبت للذات بحقائق هذه النسب والصفات .
فهي أركان الألوهية وقواعد بنيان الربوبية وربّات الحقائق الانفعالية الإمكانية .
وكذا يعرّف ويحمد أيضا بحقائق الوجوب والفعل والتأثير حقائق الانفعال والتأثّرات الكيانية بأنّها مجال تجلَّياتها ، ومحالّ تنزّلاتها ، ومظاهر تعيّناتها ، وحقائق متعلَّقاتها ، وأنّ تحقّق جميع هذه النسب الربانية يتوقّف على هذه الحقائق الكيانية .
البحث الثامن
أن يحمد الحقّ هذه الحقائق كلَّها بأنّها أحواله الذاتية ، وشئونه العينية النفسية ، ونسبه الغيبية الإنّيّة ، وهي فيه عينه لا تتميّز عنه ولا تغايره ولا توجب كثرة منافية لأحدية الذات .
ولا ظهور ولا تعيّن للذات إلَّا بها وفيها وبحسبها أزلا وأبدا ، وأنّ ظهور الذات بها متنوّع التعيّن ، وتجلَّي الوجود فيها مختلف التميّز والتبيّن .
وكذلك توحّدها في الذات واستهلاكها في أحديتها ذاتيّ للذات ، اقتضت بحقيقتها الأمرين معا ، فهما ثابتان له أزلا وأبدا عند التفات الأثبات .
البحث التاسع
هو حمد الحقّ من كونه عين الوجود الظاهر المشهود نفسه من كونه باطنا لأنّه عين الظاهر والباطن فهو  سبحانه يحمد بظاهريته ومظهريته التي هي مجلى لغيبه فهو بإنّيّته الظاهرة التفصيلية المتعيّنة بإنّيّات الموجودات .
يعرّف ويحمد هويّاته الباطنة الغيبية العينيّة ، وكذلك يعرّف ويحمد بكلّ عين عين من الأعيان - الغيبية المعنوية الثابتة في عرصة العلم الذاتي الأزلي .
مظاهره ومرائيه ومناظره ومجاليه الخصيصة بها في الوجود بأنّها صور أنانيّاتها ، وأنّ الأعيان وإن كانت معاني هويّات تلك الأنانيّات فإنّها صور إنّيّات الذات الغيبيّة ، فافهم .
وافرق بين التاسع والثامن ، ولا يعسر عليك إن شاء الله تعالى .
البحث العاشر
مشتمل على أقسام حمد الخلق للحق ، وحمد الحق خلقه من كونه خلقا و « سوى » بثبوت ما به امتياز مرتبة الخلقية عن مرتبة الحقّيّة الواجبيّة الربّانية .
بثبوت الافتقار الذاتي للخلق ، وثبوت وجوب الوجود بالذات لمرتبة الألوهية ، وهو القسم الثاني من التقسيم الأوّل ، أخّرناه ليتمّ أقسام القسم الأوّل .
والتقسيم الكلَّي الحاصر للحمد في هذا التقسيم من خمسة أوجه في جانب الحقّ ، وجانب الخلق كذلك بمثلها  وهي أمّهات الحضرات الخمس الأخر - :
الأوّل : من حيث عالم المعاني وهي صور معلوميّات الأشياء لله تعالى ومعنويّاتها أزلا ، ويسمّيها أهل الله الأعيان الثابتة .
ومحامد هذه المعاني والحقائق للحق تكون بألسنتها الغيبية واستعداداتها غير المجعولة وخصوصياتها الحقيقية بأنّها شؤونه المعنوية .
وأنّ الحق مسمّى بها وظاهر فيها بحسبه كما مرّ وأنّها معيّنات الأسماء الإلهيّة الوجوبية ، ونسب الربوبية ، ويختلف هذا القسم بمقتضى خصوصيات الأعيان .
الثاني : حمد الحق لعالم الأرواح وتعريفها وحمدها للحق يكون بالتنزيه والتسبيح والتقديس والطهارة والوحدة والبساطة والشرف والنورية طردا وعكسا ، جمعا وفرادى ، كقوله : سبحان الله ، وسبّوح قدّوس ، ربّ الملائكة والروح . ومثله .
الثالث : من حيث عالم المثال وصوره ومحامده للحق ومحامد الحق لها فيه إنّما تكون بتجسيد التجلَّيات ، وتشخيص الأعيان المعنويات ، وتصوير الأسماء والصفات ، وإظهار المعاني والأرواح متمثّلات في الأشكال والهيئات بأنّ لها قوّة التجسّد والتشكَّل والتمثّل محسوسة كالجسمانيات والتحيّزات وإن لم يكن كذلك في الذوات .
الرابع : محامد الأرواح والمعاني للحق ، ومحامد الحق لها أيضا بتمثيلها وتشكيلها
المشاهد بأنّها أشكال شئوناتها ، وصورها المعنوية العقلية بحسب اللوازم ولوازم اللوازم بما بينها من المناسبات والمباينات والنسب والإضافات وصور الجمعيات ، ولكنّها مقيّدة بالقوّة المتخيّلة في الحسّ المشترك من كلّ حيوان له قوّة التخيّل والتصوّر .
والفرق بين الأوّل والثاني أنّ الأوّل صور تمثيلية وأشكال وهيئات أول يتمثّل ويتنزّل فيها الأرواح والمعاني والتجلَّيات بحقائقها وبأنفسها هي لها قوالب وهياكل روحانية ونورانية بخصوص مقتضياتها ، لا بالنسبة إلى الشاهد ، وفي حسّه المشترك .
وفي الثاني بحسب المتخيّل ومرتبته وشهوده .
الخامس : عالم الأجسام والجسمانيات ، وهي جمعا وفرادى تحمد الحقّ بذواتها ووجوداتها ومراتبها وأرواحها وقواها وألسنة أحوالها واستعداداتها بموجب علوم ومعارف آتاها الله وتعريفاتها للحق بالكمالات الثبوتية الوجودية الخصيصة بالجسمية الكلَّية وبكلّ جسم جسم منها وبكلّ موجود موجود من المتحيّزات الجسمانية .
والوجودات الخلقية الكيانية من حيث حقائقها ومعانيها ، ومن حيث أرواحها ومثانيها روحيّها وعقليّها ونفسيّها ونوريّة معانيها .
ومن حيث تمثّلاتها وتشخّصاتها وتجسّداتها الروحانية ومبانيها المثالية العقلية النورانية والمثالية والخيالية والجسمانية طبيعيّها وعنصريّها تحمد الحقّ وتعرّفه بذواتها ومراتبها وأفعالها وأحوالها ونسبها وإضافاتها دائما .
والنوع الإنساني بأنواع لغاتها وتسبيحاتها وتحميداتها وتمجيداتها وتهليلاتها وتكبيراتها أيضا يعرّف الحق ويحمده على ما عرفت وقد دوّن في ذلك الكتب .
وتعريف ذواتها وحمدها للحق يكون من وجهين :
أحدهما : بتنزيه الحق وتقديسه عن خصائص النقائص التي هي عليها من حيث كونه غنيّا عن العالمين ، وسلبها عنه .
والثاني : تعريفه ونعته تعالى بما هي عليه من أنفسها وأعيانها من الكمالات الخصيصة بأنّها ثابتة له من حيث هي على الوجه الأكمل .
فهذه أمّهات تحميدات الموجودات بألسنة مراتبها الكلية الوجودية للحق ، وتعريف الحق لهم بأنّها ملابس نوره ومرايا ترائي وجهه وشعوره وقصور حوره.
ولو شرعت في التعديد والتفصيل ، لأدّي إلى التطويل .
وهذه إشارات كلَّية إجمالية إلى أقسام الحمد وأنواع المحامد مشحونة في مطاوي الكتب المنزلة كالصحف والتوراة والإنجيل والزبور والفرقان .
وفي الأحاديث والأخبار والقصص والآثار ، وفي الدعوات المأثورة ، والأقسام والكمالات النبوية المنقولة المشهورة ، وذلك أمر لو سكتّ عنه كيفيّته فسكتنا عن إيرادها في هذا الكتاب وتعدادها .
ومن جملة هذا القسم حمد الخلائق بعضها للبعض وتعريفها عرفا بالمدح والثناء .
وذلك أيضا تعريف لذلك المثنى عليه بفضائل خصيصة به ، وأقسامها أيضا مع كثرتها وعدم تناهيها مشهورة مذكورة ولا حاجة بنا إلى تحديدها وتعديدها .
وفي مشرب الكمال كلّ ذلك حمد للحق من الحق من حيث كون الحق باعتبار الوجود الظاهر بالكلّ في الكلّ - عين الكلّ -فافهم .
كما قلنا شعر :
وكلّ مديح في سواه فإنّه له   ...... وهو أنهى مقصدي في قصائدي
وقد تمّت المباحث العشرة التي يتضمّن العاشر منها عشرة ولم يذكره .
وذلك أنّ المحامد الكلَّية الخلقية تنضاف إلى الخلق من كون الخلق حامدا للحق ولبعضه من البعض من حيث هذه الحضرات الخمس .
فمن قبل الخلق خمس مراتب حمدية ، ومن جهة الحق المتعيّن بالوجود الخلق في كلّ عين عين من الأعيان الخلقية - لها خمس أخرى .
فكل واحدة من حقيقتي الحق والخلق الظاهر كلّ منهما بكلّ منهما تحمد الأخرى وتعرّفها بما هي عليه من المحامد .
وأمّا العاشر المحيط بالعشرة فهو حمد الحمد القائم بالحق والإنسان الكامل في كلّ عصر .
وبيان ذلك :
أنّ كلّ كمال ظاهر وقائم بالحق أو الخلق والإنسان الكامل في الذات والأسماء والصفات والأحوال والأخلاق والنسب والإضافات في جميع المواطن والمراتب والمقامات يحمد ويعرّف من قام به بنفس قيامه به .
وليس كلّ ذلك بأمر زائد على سرّ التجلَّي الإلهي الجمعي الأحدي ، الذي ظهر بالإنسان الكامل الجامع الواحد جمعا أحديّا وتفصيلا جمعيّا قرآنيا .
وبالإنسان المفصّل الفرقاني ، الذي هو العالم جمعا وفرادى بموجب الحضرات الأسمائية وبمقتضى النسب العلمية والشؤون التي هي الأعيان الثابتة .
فيكون كل واحد من الإنسان الكامل الجامع والعالم حامدا ومثنيا على الحق وعلى كل واحد منهما جمعا وفرادى ، إجمالا وتفصيلا من كل واحد وبكل اعتبار بنفس الدلالة على أصل منبعه ومنبعث مهيعه من الجناب الإلهي .
ومعرّفا للحق من تلك الجهة وذلك الاعتبار إمّا تفصيلا وجوديا في العالم من مفردات الوجود وفي كلّ عين عين من أعيان العالم ، وإمّا باعتبار أحدية جمع الجمع الكمالي الإنساني في الإنسان الكامل مدّة في مقامات المضاهاة العظمى والمثليّة المثلى.
من حيث ظهوره بالصورة الإلهية ، وهي أمانة الله عنده ، حملها الإنسان حيث قصر وعجز عن حملها غيره من الموجودات الكونية ، كما قال عزّ من قائل" إِنَّا عَرَضْنَا الأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ " وهي كلّ من له سموّ من المراتب الكلية " وَالأَرْضِ " وهي السفلى " وَالْجِبالِ " وهي التعيّنات العالية " فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الإِنْسانُ "  .
وثانيا كرّة أخرى عن مقام المباهاة الكبرى ، التي ظهر بها الإنسان الكامل أيضا من حيث ظهوره بكل كمال ونعت وصفة وحكم تعيّن في العالم في الفرق .
فإنّه ظهر به وفيه على الوجه الأكمل الأجمع ، ومن حيث ظهوره بنقائص أيضا هي نقائض الكمالات المذكورة آنفا .
فحمده التفصيلي هو أنّ كلّ حقيقة حقيقة من حقائق ذاته روحا ونفسا وقلبا وسرّا وجسما وكلّ لازم وقوّة ونعت وحكم لكلّ من ذلك .
بما ينطوي عليها ذاته ويحتوي عليها نشأته يحمد الحقّ ويعرّفه من حيث الاسم الإلهي ، الذي تستند إليه تلك الحقيقة أو القوّة أو الصفة وغيرها ، وترتبط به من خشيته وبه ظهر فيه وتعيّن الوجود الحق .
وحمده وتعريفه له بكل منها بالألسنة الخمسة المذكورة وهي :
لسان الذات ، ولسان المرتبة ، ولسان الحال ، ولسان الاستعداد ، ولسان أحدية جمعه الكمالي ، فمحيط وجامع بجميع دلالات الأسماء والصفات والعوالم والحضرات والنسب المرتبيّة والإضافات بمحامد لا تتناهى ، ويسمّى حمد الحمد من مقام أحدية جمع الجمع الكمالي الإنساني ، فافهم .
وذلك أنّه لمّا كانت التجلَّيات الذاتيّة والإلهية والرحمانية دائمة الوصول بأجناس النعم وأنواع العطايا وأصناف المواهب إلى الإنسان الكامل من جميع المراتب الذاتية والأسمائية .
تعيّنت هذه النعم والآلاء من لسان أحدية جمع الجمع الكمالي الذي للإنسان الكامل حمدا كلَّيا إحاطيّا كماليّا جامعا لجميع المحامد بنفس قيامها وظهورها به وفيه في مقابلة تلك النعم والمواهب المحيطة الأحدية الجمعية ، من حيث إنّه بالذات والمرتبة والوجود محمد ويعرّف الحق ويعرفه بالحق والعالم وبه معرفة وحمدا وتعريفا جامعا بين الحمدين دائما في كل حالة ، لا في حالتين ، وعن هذا الحمد يعبّر بحمد الحمد .
فافهم والله الموفّق.  
تتمّة للمباحث الحمدية
منها : أنّ جميع هذه المحامد إن كان - مقيّدا أو متعيّنا من المحامد في مقابلة ما وصل إليه ومجازاة ما أنعم الله عليه من النعماء والآلاء بالمشار إليها من حيث كليات مراتبها ، فإنّه يخصّ ب « الشكر » .
وإن لم يكن في مقابلة شيء منها ولا معاوضة ولا مجازاة - كما مرّ - بل حمدا وتعريفا بما هو عليه من الكمالات والفضائل والاستحقاق والأهلية ، فإنّه يخصّ بلفظ « الحمد » .
وإن كان من خلق ثناء وتعريفا لخلق آخر من حيث خلقيته ، يسمّى « مدحا » إن كان بما هو فيه من الكمالات ، وإن كان بما ليس فيه ، فذلك « مده » بالهاء .
ومنها :
أنّ تعريف كلّ معرّف وحمد كل حامد باللسان والقلب قصدا لكلّ من يحمده ويعرّفه إنّما يكون بحسب معرفته به أوّلا ، حتى يتأتّى له التعريف به عند من لا معرفة له بالمحمود ، وتعريفا بمعرفته بالمحمود ثانيا .
فكلّ من كانت معرفته بالله أتمّ وأكمل ، كان حمده له أتمّ وأفضل وأعمّ وأشمل ، وتفاضل الحامدين المعرّفين لله في محامدهم وتعريفاتهم بحسب تفاوت معرفتهم بالله .
فحامد له تعالى من حضرة أو حضرتين أو أكثر بحسب جمعيّته الإنسانية .
والحمد الأكمل المحيط الأشمل هو لأكمل الناس من حيث الحق وبه ، أو حمد الحق لنفسه من حيث هذا الكامل جمعا وفرادى ، كما مرّ . فتذكَّر .
ومنها أنّ الحمد على أنحاء ثلاثة :
فإن كان بصفة تنزيه ، فهو « تسبيح » .
وإن كان بصفة ثبوت ، فهو « الحمد » .
وإن كان بصفة فعل ، فهو « شكر » .
فإنّ حمد كل حامد وتعريفه للمحمود إمّا أن يكون بصفة تنزيه ، أو صفة ثبوتية قائمة بالمحمود يستحسنها الحامد فيعرّف المحمود بها .
أو يحمده بصفة فعل ، وعلى أيّ نحو كان فإنّه لسان من ألسنة الكمال ، يشير إلى كمال في المحمود قصد الحامد إظهاره أوّلا ، وإلى معرفة الحامد به كما مرّ ثانيا .
وفي الآخر إلى كمال غايتي قصد الحامد والإخبار به ، فيقع التصديق بصحّة ما أخبر ، ببرهان وحجّة .
ومنها :
أنّ الحمد من حيث إطلاقه لا لسان له إلَّا لسان الذات من كون كل واحد من الحامد والمحمود والحمد عين الآخر .
كما مرّ فلا يقع حمد مطلق من حامد إلَّا لفظا ، وإن أضيف الحمد المطلق إلى الاسم الجامع وهو « الله »  فلا يكون ذلك إلَّا من حيث حضرة خاصّة من حضرات الأسماء .
وذلك لأنّ الإطلاق الحقيقيّ هو الذي لأحدية جمع الجمع ، والإطلاق يقتضي سقوط النسب والإضافات ، ويفضي إلى استهلاك الأسماء والصفات .
واضمحلال سائر الإشارات والعبارات الثبوتية والسلبية ، فلا حمد فيه ولا اسم ولا صفة ولا رسم ، بل الذات مطلقة عن جميع الاعتبارات الثبوتية والسلبية .
وهذا وإن كان معرفة وتعريفا فإنّه آخر مراتب العلم والمعرفة بالله إجمالا كما مرّ ، فافهم .
وإن قلنا : « الحمد لله » مطلقا من غير تقييد ، فإنّ حال الحامد حين الحمد يقيّد الحمد ولا بدّ ، فلا يبقى إلَّا إطلاق اللفظ .
ومنها :
أنّ تعريف الحامد بحمد لله يكون بذاته ، أو بمرتبته ، أو بوجوده ، أو بأحدية جمع المرتبة والوجود ، وأحدية جمع الجمع .
فمرتبة الحق : الألوهية ووجوب الوجود الذاتي والفعل والتأثير والسلطان .
ومرتبة الخلق : العبودية والافتقار والانفعال والتأثّر وامتثال الأوامر والنواهي ، وتعيّن الوجود في كل مرتبة بحسبها .
فهي حامدة ومعرّفة لأصلها الذي منه انبعثت وهو التعيّن الأوّل وحقيقة الحقائق الكبرى ، فافهم .
ونختم الكلام على أسرار الحمد ، وكلّ هذه المباحث في لفظ « الحمد » .
وحان لنا أن نشرع الآن في العلوم والأسرار والمباحث التي يحتوي عليها البحث الثاني من المباحث الستّة عشر على ما بنينا عليه .

.

واتساب

No comments:

Post a Comment