Tuesday, July 16, 2019

السفر الثامن فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثامن فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثامن فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله

08 - The Wisdom Of  Spirit In The Word OF Jacob
الفقرة الثانية :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية
هذا نص الحكمة اليعقوبية، ذكره بعد حكمة إسماعيل عليه السلام لبيان أن ما ذكره في حكمة إسماعيل عليه السلام من الدين الذي هو عند الله تعالى وعند من هو عند الله لا من الدين الذي عند الخلق، ولأن يعقوب عليه السلام ابن إسحاق فناسب أن يذكر الولد بعد أبيه وإن فصل بأخيه إسماعيل عليه السلام احتراما للعمومة وتتميما للنعمة الموهوبة لإبراهيم عليه السلام حيث قال كما حكى الله تعالی عنه : "الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحق" [إبراهيم: 39].
(فص حكمة روحية) منسوبة إلى الروح كما مر بیانه (في كلمة يعقوبية) إنما اختص يعقوب عليه السلام بالروحية، لأنه كان الغالب على يعقوب عليه السلام الميل إلى الجمال ومحبة الحسن الظاهر في الصور الكونية، وهذا حظ الروح ولذة الروحانيين . ولهذا ورد أن نعيم الملائكة عليهم السلام رؤية الوجوه الحسان والتمتع بمشاهدة ذلك من غير شيء زائد على ذلك من شهوة بطن أو فرج، فإن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولا ينكحون.
وكان يعقوب عليه السلام روحانية من غلبه استيلاء الروح على باطنه ولهذا أحب ابنه يوسف عليه السلام وهام قلبه به، لأن يوسف عليه السلام أعطي شطر الحسن كما ورد في الحديث .
قال الشيخ رضي الله عنه : "الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله. فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. "

قال رضي الله عنه : (الدين)، أي الملة والشريعة والحق الذي ينقاد إليه أهل الإسلام من أمة محمد عليه السلام إذ أديان الكفر كثيرة (دینان) الأول (دین) هو (عند الله)، أي في حضرته سبحانه وتعالى لا يعامل خلقه إلا بمقتضاه في الدنيا والآخرة (وعند كل من عرف) به (الحق تعالی) بأن ألهمه إياه كما ورد في الحديث «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين ويلهمه رشده» رواه الطبراني وأبي نعيم وابن السري وغيرهم .
(و) عند أيضا (من عرفه من عرف الحق) كاتباع الأولياء رضي الله عنهم من المريدين الصادقين .
(و) الثاني : (دین) هو (عند الخلق)، أي المخلوقين وهم عوام المؤمنین غیر الأولياء العارفين واتباعهم في قدم الصدق إلى يوم الدين (وقد اعتبره)، أي هذا الدين الثاني (الله تعالى وألزم أهله به وقبله منهم وجازاهم عليه وإن لم يكن هو الدين الذي عنده سبحانه كما سيأتي (فالدين) الأول قال رضي الله عنه : (الذي) هو (عند الله) تعالى وعند من عرفه الله تعالی به وعند من عرف من عرفه الله تعالى كما مر (هو) الدين (الذي اصطفاه)، أي استخلصه الله تعالى به، وجعله صفوة، أي خلاصة من بين جميع الأديان .
قال رضي الله عنه : (وأعطاه) سبحانه (الرتبة)، أي المنزلة (العلية)، أي الرفيعة (على) الدين الثاني الذي هو (دین الخلق فقال) الله (تعالی): "ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وإليه في الآخرة لمن الصالحين . إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت لرب العالمين " [البقرة : 130-131].
قال رضي الله عنه : (ووصى بها)، أي بالملة المذكورة وبقوله : "أسلمت لرب العالميين" على معنى الكلمة ("إبراهيم") عليه السلام ("بنيه")، أي أولاده : إسماعيل وإسحاق عليهما السلام ("ويعقوب" ) معطوف على إبراهيم عليه السلام، أي وصى یعقوب أيضا بنیه بها وصورة تلك الوصية قول أبيهما ("يابني")، أي يا أولادي .
قال رضي الله عنه : ("إن الله") سبحانه (" اصطفى")، أي اختار وانتقي ("لكم") من بين سائر الأديان ("الدين") الذي عنده سبحانه وبيانه ("فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" [البقرة : 132]، أي منقادون) مستسلمون (إليه) سبحانه لا حول لكم ولا قوة إلا به عن كشف منكم لذلك وشهود لا بمجرد التصديق بذلك مع الغفلة.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية
فص حكمة روحية في العلوم التي تختص إدراكها بالروح في كلمة يعقوبية أي مودع في روح هذا النبي عليه السلام روحية بضم الراء أتم من فتحه فكان المراد ههنا الضم لأن العلوم التي تذكر في هذا الفص كلها من إدراكات الروح ومن خواصه.
"" أضاف المحقق و الجامع : يبحث هذا الفص في المعاني المختلفة لكلمة "دين" وما يتصل بها من معاني "الإسلام"، و"الانقياد" و "الجزاء" و"العادة" وقد ربط ابن العربي بين هذه المعاني ومعنى الدين الذي يرتضيه ربطا بارعا محكما ووضح مفهومات هذه الألفاظ توضيحا دقيقا على طريقته الخاصة بحيث وصل في النهاية إلى الغاية التي ينشدها وهي أن "الدين" هو دين وحدة الوجود لا التوقف عند التفاسير العقلية على بعض نصوص الدين الشرعي دون البعض الآخر، الذي جاءت به الرسل.
فهو عبادة الأصنام الفكرية المبنية على اجتهاد العقول العاجزة وليس عن الكشف والفتوح الإلهية الدائمة لأوليائه على مر الزمان والمكان 
فيقول الشريف الجرجاني الإسلام: الخضوع والانقياد لما أخبر به الرسول صلى الله عليه وسلم.
ويقول الشريف الجرجاني التسليم: هو الانقياد لأمر الله تعالى وترك الاعتراض فيما لا يلائم.
والخشوع: هو الانقياد للحق، وقيل: هو الخوف الدائم في القلب و العصيان: هو ترك الانقياد .""
ولما وصى يعقوب بنيه وقال : "وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) سورة البقرة .
أراد أن يبين أن أسرار الدين الذي مودع علمه في روح يعقوب عليه السلام فقال) : الدين دینان  (أي الدين يطلق عند أهل الله تعالى على معنيين أحدهما )دین عند الله و  (دین عند )من عرفه الحق تعالی) وهم الرسل .
(و) دین عند (من عرفه من عرفه الحق) وهم العلماء ورثة الأنبياء فهذا كله دين عند الله تعالى (و) ثانيها (دين عند الخلق) أي عند الخواص وهو الطريق الخاص الحاصل لهم باختراعهم (وقد اعتبره الله فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العلبة على دين الخلق) فدل ذلك على أن الشريعة أقوى وأفضل على طريقة أهل الله .
وإن كانت تلك الطريقة جامعة لدين الحق (فقال تعالى :"ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله إصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون "[البقرة:132] . أي منقادون إليه .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
قال رضي الله عنه : " الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.  فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. "
قلت: مشرع هذه الحكمة هو الآية الكريمة وهو قوله تعالى: "ووصی بها إبراهيم بنيه ويعقوب یا بنی" الآية (البقرة: 132)

وقد قسم الدين إلى قسمين:
الأول: هو الدين الذي هو عند الله تعالى وعند من عرفه الله وعند من عرفه من عرفها الله تعالى، وهو مبني على قاعدتين :
إحديهما الانقياد وهو منا، والأخرى ما انقدنا إليه وهو الشرع.
فنصيبنا سعادتنا بالانقياد ونصيب الحضرة الإلهية كما ذكر، رضي الله عنه، ظهور الألوهية بانقيادنا إلى شرعته
فبفعله، وهو خلقه لنا، كانت ألوهيته، وبفعلنا، وهو الانقياد، كانت سعادتنا.
ثانيا : وأما الدين الذي عند الخلق وأعتبره الله تعالى فهو ما شرعه العباد من تلقاء أنفسهم يبتغون به رضوان الله كالرهبانية التي ابتدعوها.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
08 -  فصّ حكمة روحية في كلمة يعقوبية
وقد ذكرنا المناسبة بين الحكمة الروحية والكلمة اليعقوبية في شرح فهرس الحكم فليطلب من هناك “. وهي : قال رضي الله عنه : حكمة روحية في كلمة يعقوبية
قال العبد : " وحكمة إضافة هذه الحكمة إلى الروحية لأنّ الغالب على ذوق يعقوب عليه السّلام كان علم الأنفاس والأرواح ، حتى ظهر في وصاياه وإخباراته ، مثل قوله : "إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا أَنْ تُفَنِّدُونِ ".
ووصيّى بنيه فقال : " لا تَيْأَسُوا من رَوْحِ الله إِنَّه ُ لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ " وذوق أهل الأنفاس عزيز المثال ، قد جعل الله لهم التجلَّي والعلم في الشمّ .
قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم : " إنّي لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن ".
قيل : إنّه عليه السّلام ، كنى بذلك عن الإبصار وهم صور القوى الروحانية التي نضرتهم على صور القوى الطبيعية ، واليمن أيضا من اليمين ، وهو إشارة إلى الروحية وعالم القدس ."
قال رضي الله عنه: ) الدين دينان : دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرفه من عرف الحق تعالى . ودين عند الخلق وقد اعتبره الحق ، فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتب العليّة على دين الخلق ، فقال تعالى : "وَوَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيه ِ وَيَعْقُوبُ يا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ". أي منقادون إليه.

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية
إنما خصت الكلمة اليعقوبية بالحكمة الروحية لغلبة الروحانية عليه ، ولذلك بنى الكلام في هذا الفص على الدين .
"" إضافة بالي زادة فولدت له يوسف وبنيامين ، وعمره إحدى وتسعون سنة ، وتوفى وعمره مائة وسبع وأربعون سنة ، أوصى إلى يوسف أن يدفنه مع أبيه إسحاق فسار به إلى الشام ودفنه عند أبيه ، ثم عاد إلى مصر وتوفى بها في ملكه ودفن فيها ، إلى أن نبشه موسى وحمله معه حين سار ببني إسرائيل إلى التيه ، ولما مات موسى حمله يوشع إلى الشام مع بني إسرائيل ودفنه عند الخليل ، وقيل بالقرب من نابلس اهـ . ""

فإن الدين الأصل القيم هو ما غلب الروح الإنسانى بحسب الفطرة من التوحيد وإسلام الوجه لله ، كما قال : "فِطْرَتَ الله الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ الله ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ " ولهذا وصى بها يعقوب بنيه بقوله  : "إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " وذلك هو الدين المعروف بين الأنبياء المتفق عليه المعهود المذكور في قوله : " شَرَعَ لَكُمْ من الدِّينِ ما وَصَّى به نُوحاً والَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وما وَصَّيْنا به إِبْراهِيمَ ومُوسى وعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ ولا تَتَفَرَّقُوا فِيه".
ولأن الروح إذا بقي على فطرته ولم يتدنس بأحكام النشأة والعادة دبر البدن وقواه الطبيعية تدبيرا يؤدى إلى صلاح الدارين ، وهو الانقياد لأمر الله مع بقاء الروح الفائض من عند الله ، والمراد النازل مع الأنفاس عليه للاتصال الأزلي بينه وبين الحق تعالى ، ألا ترى إلى قوله : " لا تَيْأَسُوا من رَوْحِ الله إِنَّه لا يَيْأَسُ من رَوْحِ الله إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ ". 
ومن خاصية الروح ذوق الأنفاس وعلمها وقوة المحبة والعشق وسلطان التجلي الإلهي في الشم ، من قوله عليه الصلاة والسلام « الأرواح تشامّ كما تشام الخيل ، ومن ثم وجد ريح يوسف في كنعان من مصر قال " إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ " الآية » وقال صلى الله عليه وسلم :" إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن " .
(الدين ، دينان : دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ، ومن عرفه من عرفه الحق . ودين عند الخلق وقد اعتبره الله تعالى ) الدين في اللفظ يطلق بمعنى الانقياد وبمعنى الشرع الموضوع من عند الله وبمعنى الجزاء ، والمراد هاهنا الانقياد كما يأتي ، والدين الذي عند الخلق طريقة محمودة مصطلح عليها بين طائفة من أهل الصلاح ، استحسانا منهم يؤدى إلى سعادة المعاد والمعاش ، وإنما اعتبره الله لأن الغرض منه موافق لما أراد الله من الشرع الموضوع من عنده.
( فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العلية على دين الخلق ، فقال الله تعالى : " ووَصَّى بِها إِبْراهِيمُ بَنِيه ويَعْقُوبُ ، يا بَنِيَّ إِنَّ الله اصْطَفى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " أي منقادون إليه ) ظاهرا بإتيان ما أمر به طوعا وباطنا ، لترك الاعتراض وحسن قبول الأحكام بطيب النفس ونقائها من الجرح .
كما قال تعالى : " فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا " .


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية
الظاهر أن ( الروح ) - مفتوح الراء الذي هو الراحة - أورده ملاحظا لقوله
تعالى من لسان يعقوب ، عليه السلام : "يا بنى إذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه  ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون ".
كما ذكر في حكمة كل نبي ما جاء في حقه في التنزيل . لأنه يبين في هذه الحكمة أحوال
( الدين ) من الانقياد والجزاء والعادة ، وبكل منها تحصل الراحة الحقيقية ويترتب
عليه الروح الدائم السرمدي .
إما بالانقياد ، فظاهر ، لأن من أنقاد لأوامر الحق وانتهى عن نواهيه واستسلم وجهه إلى الله تعالى ، نال الراحة العليا ووجد الراحة القصوى .
وإما بالجزاء ، فلأنه إذا عرف الإنسان أن الجزاء يترتب على أعماله وهي من مقتضيات ذاته واستعداداته - وإن كان وجودها من الله وخلقها - تحصل له الراحة العظيمة أيضا ، لأنه يعلم أن ما أعطاه الله تعالى - مما له وعليه - من نفسه وذاته ، فلا يحمد إلا نفسه ، ولا يؤاخذ إلا نفسه - كما قال في هذا الفص - بل هو  منعم ذاته ومعذبها ، فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه .
وأما العادة ، أيضا فظاهر ، لأن الإنسان إذا اعتاد بشئ ، يستلذ منه ويجد الراحة .
ويمكن أن يكون ( الروح ) مضموم الراء . لأن المعاني الثلاث التي هي  مفهومات ( الدين ) كلها من شان الروح المدبر للبدن ، فحصل التناسب بينهما وإليه مال شيخنا المحقق ( رض ) في فكوكه .
وتخصيصها ب‍ ( الكلمة اليعقوبية ) بأنه ، عليه السلام ، كان يعلم علم الأنفاس والأرواح ، وكان كشفه روحانيا ، لذلك قال : " لا تيأسوا من روح الله " . فإنه كان يجد في مقام روحه بقاء يوسف وأخيه وجدانا إجماليا ، كما قال : " إني لأجد ريح يوسف " .
ولا يجده عيانا تفصيليا ، لذلك : " ابيضت عيناه من الحزن " والله أعلم .
قال رضي الله عنه : " الدين دينان : دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرفه من
عرفه الحق ، ودين عند الخلق ، وقد اعتبره الله . فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العلية على دين الخلق .
فقال تعالى : " ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" . أي ، منقادون إليه" .
اعلم ، أن ( للدين ) لغة مفهومات يطلق عليها بالاشتراك . وقد اعتبر في نقله إلى الشرع هذه المفهومات الثلاث كلها . لأن الانسان ما لم ينقد لأحكام الله ظاهرا وباطنا ولم يعتد بالإتيان بالأوامر والانتهاء عن النواهي ولم يعتقد جزاء الأعمال ولم يصدق يومه وكون الحق مثيبا للمحسنين ومعاقبا للكافرين والعاصين ، لم يكن مؤمنا بالحق ونبيه ، ف‍ ( الدين ) شرعا جامع للمعاني الثلاث .
وهو لا يخلو إما أن يصدر من حضرة الجمع الإلهي بإرسال الأنبياء ، عليهم السلام ، وإما من حضرة التفصيل .
والأول هو الذي اصطفاه الله تعالى ، وأعطاه للأنبياء وعرفهم إياه ، وعرف باقي المؤمنين بواسطتهم ، وبهذا التعريف وتبليغ الرسالة وتبيين الدين صاروا حجة الله على الخلق .
والثاني ، هو الذي كلف المهتدون بنور الحق والمتفكرون في عالم الأمر والخلق نفوسهم بتكاليف من عندهم .
وذلك ، لما عرفوا مقام عبوديتهم ومقام ربوبية الحق إياهم بأنوار لمعت من بواطنهم النقية ولاحت من أسرارهم الزكية ، كلفوا نفوسهم بالعبودية شكرا لنعم الرب الذي خلقهم وهداهم .
كما قال : ( ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم ) .
أي ، ما فرضنا تلك العبادة عليهم . ( إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها ) أي ، الذين كلفوا نفوسهم بها . ( حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا ) بها ، أي بتلك العبودية .
( أجرهم ) من الأنوار القدسية والكمالات النفسية التي هي الأخلاق الشريفة والملكات الفاضلة . وهذا هو المراد بقوله : ( وقد اعتبره الله ) . ( وكثير منهم ) أي ، من الناس الذين لم يعملوا بها ولا بما شرعه الله في  حقهم بلسان الأنبياء ( فاسقون ) . أي ، خارجون من الإتيان بمقتضاها والانقياد بأحكامها .
وإلى هذين القسمين أشار بقوله : ( الدين دينان : دين عند الله ، ودين عند الخلق .


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
الفص اليعقوبي
08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية
أي: ما يتزين به ويكمل العلم اليقيني المتعلق بتدبير الروح، والمصالح الدنيوية والأخروية بمقتضى الشرع والتصوف، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى يعقوب عليه السلام حيث قال لبنيه: "ووصى بها إبراهيم بنيه  ويعقوب يابني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" [البقرة:132]
وقال: «فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون» [يوسف: 18].
وقال: "ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون" [ يوسف: 87].
وقال: "إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون" [يوسف: 94].
وقال لنبيه عليه السلام : "ولا تدخلوا من باپ واحد وادخلوا من أبواب متفرقة " [يوسف: 67].
وقال تعالى في حقه: "وإنه، لذو علم لما علمناه ولكن أكثر الناس لا يعلمون" [يوسف: 68].
ولقد أبعد من روی بالفتح لقوله: "ولا تيأسوا من روح الله" ، وإن كان الروح مرتبا على الرضا الذي يوجبه العلو، وحاصلا لمستعمل الشريعة، والتصوف حالا ومالا.
قال رضي الله عنه : " الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله. فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه"
قال رضي الله عنه : (الدين) أي الذي يتعبد به الإنسان (دینان) شريعة بمنزلة المسائل المنصوصة، وتصوف بمنزلة المسائل الاجتهادية، إذ هو مستنبط عن معاني الأول مؤكد له ومشتمل كل منهما على أصول وفروع، فأصول الشريعة مسائل الكلام، وفروعها الأحكام الفقهية، وأصول التصوف معرفة الحقائق، وفروعها معرفة الأحوال والمقامات والأخلاق.
والأول: (دين عند الله) ثبت بالكتاب، (وعند من عرفه الحق تعالی) من الأنبياء ثبت بالسنة، ومن عرفه الحق ثبت بالإجماع أو الاجتهاد.
والثاني : (دین عند الخلق) أخذوه من معاني الكتاب والسنة وأقوال الأئمة، وإشاراتها مع استعانة الرياضة والمجاهدة، (وقد اعتبره الله تعالی) بقوله: "والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا" [العنكبوت: 69]، وإنما اعتبره لكونه مؤكد للغرض من وضع الشرع.
ثم بين رتبة كل منهما بقوله: (فالدين الذي عند الله)، ولم يقل: (و عند من عرفه ومن عرف من عرفه) إشعارا بأنهم مبينون لا يشرعون، وإنما الشارع هو الله تعالی (هو الذي اصطفاه الله)، حيث أنزله على الأنبياء وخصه بهم، (وأعطاه الرتبة العالية على دين الخلق) إذ جعله أصلا لا يقبل بدونه دین الخلق، وجعله كاملا مقبولا بدونه، وإن كان فيه زيادة مراتب الكمال.
( فقال: "ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بنى إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون" [البقرة:132]) فلو كان دين الخلق أكمل منه، لكان أولى بالتوصية من هؤلاء الكمل، وقد بالغوا فيه من تضييعه عند من رؤية المراتب الزائدة في دين الخلق، وقد رأوا كثيرا من الناس انسلخوا منه بالكلية عند رؤية تلك المراتب، فخسر وهما جميعا، والعياذ بالله من ذلك.
ثم فسره بقوله : أي منقادون إليه يعني بالقلب واللسان والأركان، لئلا يتوهم اختصاصه بالأول وحده أو مع الثاني كما يقوله البعض.
وهو لا يكفي في حق أهل الكمال، ثم فسر الدین به وإن كان مفسرا بالشرع فيما تقدم وبالجزاء والعادة فيما يأتي.
"" أضاف الجامع : د. سعاد الحكيم تقول أن الدين عند الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي:
كانت نظرة الشيخ ابن العربي إلى كلمة دين ذات وجهين : لغوي وشرعي .
يفرع الشيخ ابن العربي المعنى اللغوي للدين إلى ثلاثة مفاهيم :
1. الدين : هو الجزاء . حيث يرى ابن العربي الطائي الحاتمي أن إمكانية الجزاء هي التي توجد الدين ، والعكس صحيح ، فالدين هو الذي يخلق إمكانية الجزاء ، والسبب في ذلك يعود إلى أن الشرك لا ينفع معه عمل ، فمهما أتى المشرك من أعمال صالحة وحسنات لا يخلق معها مفهوم الجزاء وإمكانيته ، لأنه لن يحاسب بل يدخل جهنم وذلك ليس جزاء بل اختصاص .
2. الدين : هو الانقياد ، لأن الانقياد فعل له غاية ووجهة ، بل لا تظهر قيمته إلا في الغاية التي هي وجهته ، فمن انقاد إلى الخير ليس كمن انقاد إلى الشر ، إذن الدين الذي هو انقياد إنما هو انقياد لما شرعه الله فالانقياد اتباع .
3. الدين : هو العادة . يبين ابن العربي الطائي الحاتمي هنا أن العادة هي معاوضة بالمثل مشتقة من فعل عاد ، أي رجع وتكرر ، وليست العادة سوى تكرار المثل ، والدين العادة بمعنى : أن الدين يعود على الإنسان بما يقتضيه حاله وهذا المعنى يقارب المعنى الأول الذي هو الجزاء.
قسم الشيخ الأكبر ، الدين من الوجهة الشرعية دينين :- دين عند الله ، ودين عند الخلق :
الدين الذي عند الله : هو الشرع الإلهي الذي أنزله الله على أنبيائه ، هذا الشرع الذي نلمس وحدته عبر تطوره في مراتب الظهور في صور الشرائع ، فالشرع الإلهي واحد يظهر في كل زمن بصورة شريعة نبي ذلك الزمن ، وما الشرائع كلها إلا صورة ذلك الشرع الإلهي الواحد ( الذي بدأ بآدم وختم بمحمد ) وهو الذي تم بشريعة خاتم الأنبياء.
الدين الذي عند الخلق : هي النواميس التي لم يرسل بها الله رسولا ، بل سنها الخلق ، فلما وافقت الحكم الإلهي ،اعتبرها الله اعتبار ما شرعه كالرهبانية.
واحد ، بل تكون المسيحية هي الدين واليهودية تدخل في باب ( تاريخ الدين ) .. وهكذا بالنسبة لزمن الإسلام والأديان السالفة .
فابن العربي الطائي الحاتمي لم يقل بوحدة الأديان ، بل أشار إلى عقيدته في ( الدين الواحد ) الذي يقبل في الزمن الواحد شريعة واحدة هي شريعة الزمن، وهذا الدين الواحد قد ختم بمحمد.
وينتج عن هذه الختمية كل ما تحمله من أبعاد تفترض الجمعية وغيرها ، لذلك كل ما نصادفه وغيرها.
نصادف عند الشيخ الأكبر من نصوص توحي ( بوحدة الأديان ) - التي قال بها بعض الباحثين - هي في الواقع نصوص تشير إلى جمعية الدين المحمدي ، ليس إلا.""



شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
08 - فصّ حكمة روحيّة في كلمة يعقوبيّة
ولذلك قال تعالى على لسانه : " لا تَيْأَسُوا من رَوْحِ الله " [ 12 / 87 ] ، و " إِنِّي لأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ " [ 12 / 94 ] .
وبيّن أنّ أتمّ ما يظهر به الانبساط الوجودي المستتبع للطائف العلميّة هي الأوضاع الدينيّة والأحكام الشرعيّة ، فإنّها مع كونها هي المقوّمة للصورة الانبساطيّة ، والهيئة الجمعيّة الانتظاميّة التي بها قامت العين في الخارج متشخّصة بالفعل ، منطوية أيضا على جملة من الحقائق ، كاشفة عنها ، لذلك أخذ في هذا الفصّ يبيّن أمر الدين بأقسامه وأحكامه ، في قوله :

الدين دينان
( الدين دينان : دين عند الله وعند من عرّفه الحقّ ) بوسيلة الوحي من الأنبياء والرسل ، ( ومن عرّفه من عرّفه الحقّ ) بوسيلة الفكر والإلهام ، والكشف من الوارثين لهم .
( ودين عند الخلق ) مما واطأ عليه خيار الناس وحكماؤهم من الأوضاع المستحسنة المستجلبة للمكارم ، الموافقة للحكم الخاصّة ، المطابقة لمصلحة العامّة ، ( وقد اعتبره الله ) بلسان الخاتم صلى الله عليه وسلم، المعرب عن الحكم والمصالح كلَّها ، فإنّه ما لم يعتبره كذلك فهو من العادات الرديئة المردية التي تتبعها الغواشي المظلمة المضلَّة .
"إشارة إلى الآية الكريمة : " وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّه ِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ" [الحديد : 27].
( فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليّة على دين الخلق .
فقال تعالى : " وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) ".سورة البقرة
(بيّن أوضاعكم المرغوبة وعاداتكم المطبوعة من أفعالكم الاختياريّة ، التي تخرجكم عن مشتهياتكم المتفرقة وتجمعكم فيها جمعا " فَلا تَمُوتُنَّ " اختياريّا كان بالفطام عن تلك العادات ، أو اضطراريّا بالانفطام عن مطلق الطبيعيّات وانقطاع أحكامها " إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ " [ البقرة: 123 ] .
( أي منقادون إليه ) ظاهرا بلزوم الاعتقاد والإخلاص فيه ، وإلزام الجوارح بالعكوف على مقتضاه ، وباطنا بالتدبّر في جزئيّات أوضاعه واستكشاف لطائف المعارف ودقائق الحقائق منها جملة كافية .


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه. )
الفص اليعقوبي
08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية

قال الشيخ رضي الله عنه :"الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. "

الروح: إما بضم الراء كما يذهب إليه صاحب الفكوك رضي الله عنه وإما بفتحها كما ذهب إليه بعض الشارحين. "كتاب الفكوك في مستندات حكم الفصوص للشيخ صدر الدين محمد بن إسحاق القونوي المتوفى سنة 673 هـ ."
ولما كانت هذه الحكمة المبتنية على قسمة الدين وذكر أقسامه وأحكامه روحيا، لأن المعاني الثلاث التي هي للذين أعني :الانقياد الجزاء والعادة إنما هي من شأن الروح المجرد المدبر للبدن.
وإنما كانت روحية بفتح الراء لأن بكل واحد من تلك المعاني الثلاث بخصل الروح الدائم السرمدي.
إما بالانقياد فلان من انقاد لأوامر الحق واستسلم وجهه وجد الراحة القصوى في العاجل والآجل.
وإما بالجزاء فلأن من عرف أن الجزاء يترتب على أعماله وأعماله من مقتضيات ذاته استراح من الاعتراض على غيره فلا يحمد إلا نفسه ولا يوجد إلا نفسه.
وإما بالعادة فلان من اعتاد بشيء ألفه، وفي الألفة ترتفع الكلفة و فيه الراحة.
وإنما خصت بالكلمة اليعقوبية تخصيص الحق سبحانه على يعقوب عليه السلام حين حكی وصية إبراهيم عليه السلام بنيه بالإقامة على الدين الذي له ينسب خاصة إلى كل من الروح والروح كما ذكرت.
اعلم أن الدين في اللغة يطلق على ثلاث معان : الانقياد والجزاء والعادة.
وفي الشرع على ما شرعه الله سبحانه لعباده من الأحكام أو شرعه بعض عباده فاعتبره الله سبحانه.
فالشيخ رضي الله عنه قسمه بالمعنى الشرعي إلى قسمين ونبه على اعتبار المعاني الثلاث اللغوية فيه فقال :
قال رضي الله عنه : (الدين دینان) أحدهما : (دین) تعین وتقرر (عند الله وعند من عرفه الحق تعالی) من الأنبياء بالوحي إليهم (و) عند (من عرفه من عرفه الحق). 
قال رضي الله عنه : " ودين عند الحق، وقد اعتبره الله. فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه." 
من ورثتهم طبقة بعد طبقة بتبليغ الأنبياء إليهم (و) ثانيهما (دین) تعين وتقرر (عند الخلق) موافقا لما شرحه الله سبحانه في الغابة المترتبة عليه في المعارف الإلهية والكمالات النفسانية والمراتب الأخروية .
قال رضي الله عنه : (وقد اعتبره الله سبحانه) لهذه الموافقة (فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه)، أي اختاره (الله وأعطاه الرتبة العلية على دين الخلق) والعامل في الجار والمجرور إما الاصطفاء أو العلو على سبيل التنازع .
قال رضي الله عنه : (فقال تعالی) مشيرا إلى هذا الدين و اصطفائه إياه (" ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون " أي منقادون إليه) [البقرة : 132] .
أي إلى ذلك الدين باطنا بالإذعان والقبول، وظاهرا بالعمل بمقتضاه ، وإنما وصاهم بالانقياد إليه ، لأن الدين الذي هو الأحكام الشرعية الوضعية لا يثمر سعادة ما لم ينقد إليه .

فهذه الوصية تدل على اعتبار الانقياد إلى الدين ينبغي أن يراد به الأحكام الموضوعة لا الانقياد. فإنه لا معنی للانقياد إلى الانقياد.
.

واتساب

No comments:

Post a Comment