Friday, July 19, 2019

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

كتاب شرح الشيخ مصطفى بالي زاده الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي

اعلم أن الفص في هذا الكتاب على أربعة معان:
أحدها: الفص الكلمة نص على ذلك بقوله: وفص كل حكمة الكلمة المنسوبة إليها بجعل الفص مبتدأ والكلمة خبرا.
و بقوله : فتم العالم بوجوده فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم فبهذا المعنى يكون أرواح الأنبياء بمنزلة الفص من الخاتم و وجوداتهم بمنزلة الخاتم من الفم .
وثانيها: الفص القلب وإليه أشار بقوله: نص حكمة نفثية و غيره من الفصوص المذكورة بعده بجعل الفص مبتدأ والظرف أعني في كلمة سادا مسد الخبر .
وحينئذ يكون قلوب الأنبياء بمنزلة الفص من الخاتم وأرواحهم بمنزلة الخاتم من الفص.
وثالثها: الفص الحكمة أي العلوم المنتقشة في أرواحهم وإن شئت قلت : في قلوبهم لقوله : منزل الحكم على قلوب الكلم وحينئذ يكون علومهم بمنزلة الفص من الخاتم وأرواحهم بمنزلة الخاتم من الفص .
وإليه أشار بقوله : ومما شهدته مما نودعه حكمة إلهية ولم يذكر الفصوص في عدد الحكم إشعارة بإطلاق النص على الحكمة .
ورابعها: الفص خلاصة الحكمة فقد نص عليه بقوله فأول ما ألقاه المالك على العبد في حكمة إلهية الخ .
فيكون الخلاصة بمنزلة الفم من الخاتم والحكمة بمنزلة الخاتم من النص .
فبهذه الأربعة تم الغرض من التشبيه وهو إعلام دورية الوجود في المراتب كلها (فأول ما ألقاه) مبتدأ و(فص) خبره مضاف إلى (الحكمة) إضافة العام إلى الخاص وهي بمعنی من لجواز إطلاق النص عليها و (في كلمة آدمية) ظرف للحكمة الإلهية فيكون المعنى فأول ما ألقاه المالك على العبد خلاصة العلوم الإلهية الحاصلة في كلمة آدمية .
فظهر لك أن المراد بالفص ههنا بمعنى الخلاصة وإنما قدم ببان هذا النص علی تعداد حكمه مع أن دأب المصنفين عكسه تعظيما لشأنه لاشتماله على جميع ما يشتمل عليه الفصوص المذكورة في الكتاب مع زيادة .
فكأنه يستحق أن يكون كتابة مستقلا مقابلا لسائر الحكم. (لما شاء الحق) أي لما اقتضى الحق بالحب الذاتي.
هذا شروع في بيان حقيقة الكلمة الآدمية مع لوازمها من الحتمية والخلافة والفصية وغيرها إلى قوله : "ثم نرجع إلى الحكمة" لتوقف معرفة الحكمة على معرفتها حتى نعلم منه حكمة إيجاد العالم لما ههنا عبارة عن الإمداد المعنوي من الأزل إلى الأبد بمقارنة المشية الأزلية .
ولم يقل لما أراد جريا للكلام على عادة الناس فإن عادتهم في حصول مراداتهم التعليق بالمشيئة لا بالإرادة .
الحق هو اسم للذات الثابت بنفسه المثبت لغيره ولم يقل الله مع أنه أنسب للمادة ليعلم أن السلطنة في إيجاد الكون الجامع لهذا الاسم وسائر الأسماء الحسنی توابعه لذلك، ذلك فردا.
حيث قال : لما شاء الحق وجمعا بقوله من حيث أسماؤه الحسنى فإنه من الأسماء الحسنی فقد ذكر تكرارا إجمالا وتفصيلا تعظيما لشأنه (من حيث أسمائه الحسنى) أي من حيث أنه جامع لأسمائه الحسنى (التي لا يبلغها الإحصاء) أي لا يمكن العد إلا لله لأنها غير متناهية.
(أن يري أعيانها) هذه صفة لله تعالى وعلة غائية لايجاد الكون الجامع لاقتضاء هذه الإيجاد أن يكون علته الغائية من جانب الموجود و من كمالاته.
وأما قوله تعالى : "وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " 56 سورة الذاريات.
أي ليعرفون فهو صفة للمخلوقات وعلة غائبة لإعطاء الحق وجوداتهم الخاصة بهم بحسب الأوقات .
فذلك الإيجاد يقتضي أن تكون العلة الغائية من طرف المعلول وكمالاته فلا وجه لإيراد الشارح في هذا المقام .
قوله تعالى : "كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف " الحديث . لأنه صريح في بيان العلة لإيجاد الجزئيات .
والمقصود ههنا بيان العلة الغائية لإيجاد المادة الكلية فتختلف العلتان الغائیتان باختلاف الإيجادین.
(وإن شئت قلت أن يرى عينه) فقد أسند المشية المتعلقة بالرؤية بقوله أن يرى أعيانها إلى الفيض المقدس وإلى الفيض الأقدس.
بقوله : أن يرى عينه وأشار إلى اتحادهما بقوله: وإن شئ (في كون) أي في موجود (جامع بحصر الأمر) المطلوب رؤيته .
وهو أعيانها أو عينه قوله : لكونه علة للحصر أي الموجود الجامع متصفا بالوجود الجامع بين النشأة الروحانية والجسمانية.
كما قال فيما بعد فحازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود (ويظهر به) أي بسبب الكون الجامع (سره) أي سر الحق وهو عينه (إليه) أي إلى الحق لكونه محلا بالجزء الأخير الذي هو آدم فقوله : ويظهر إشارة إلى أنه لا بد من الجلاء لعدم الظهور بدونه
وقوله : في كون جامع يحصر الأمر يدل على العلة المادية بالمطابقة و علی الصورية بالتضمن وعلى الفاعلية بالالتزام.
وقوله : ويظهر يدل على العلة الغائية فالتعريف مشتمل على العلل الأربع:
يعني لما اقتضت ذات الحق بالحب الذاتي أن يرى ذاته بجميع أسمائه في خارج علمه في مرآة يحصل مراد الله تعالى فيها
وقد علم الله في علمه الأزلي أن هذه المرأة هي الموصوفة بالصفة المذكورة
أوجده من العلم إلى العين فهي النشأة الإنسانية المسماة بكلمة آدمية
فجواب لما شاء محذوف للعلم به أي لما شاء أن يرى عينه في العين أوجد الكلمة الآدمية من العلم إلى العين ليوصل مطلوبه تعالى فتم المقصود .
وهو رؤية الله تعالى عينه في الموجود المكمل بالصفات المذكورة .
وهي الجمع والحصر وإظهار سره إليه .
فإنه إذا لم يكن على هذه الصفة لم يكن مرآة للرؤية المطلوبة ويظهر بالرفع معطوف على يحصر ولا يحسن أن يعطف على يري لمنع الضمير العائد في به إلى الكون .
كما لا يخفى مع أن قوله أن يرى عينه دون أن يقول أن يبصر أو يعلم أو يظهر أو غير ذلك من الصفات التي تحصل له بوجود هذا الكامل .
إيماء وتنبيه على أن تعلق الحب الذاتي أولا وبالذات إلى الرؤية وإلى غيرها بتبعية الرؤية .
فإنه تعالى أشد شوقا إلى اتصافه بهذه الصفة من غيرها .
فإذا عطف قوله ويظهر على قوله : يرى تفوت هذه الفائدة، و لأن الظهور من أسباب الرؤية .
فما لم يكن الشيء ظاهرة لم يكن مرئيا فلا يعطف عليه في هذا المحل المطلوب سببیته .
يعني ويظهر به سره إليه حتى يرى عينه لظهور سره إليه بسبب الكون الجامع. ولما يوهم كلامه سؤالا وهو أن ما ذكرتم من أن المقصود من إيجاد العالم رؤية الله تعالى نفسه.
يدل على أن الرؤية علة غائية للإيجاد وليس كذلك لأن رؤية الله تعالى نفسه صفة أزلية ثابتة له قبل وجود العالم.
والعلة الغائية بحسب الوجود الخارجي يجب أن يكون موجودة بعد وجود المعلول فلا يتوقف ثبوت الرؤية له على وجود العالم.
بل الذات تستقل بها كسائر الصفات فلا يتعلق الغرض لأجلها إلى إيجاد العالم أراد أن يجيب عنه ويثبت دعواه على طريق الشكل الأول.
بقوله: (فإن رؤية الشيء نفسه بنفسه ما هي)، أي في الحكم (مثل رؤية نفسه) وإنما قلنا في الحكم إذ هما متحدان في حقيقة الرؤيا فلا معنى لنفي المثلية مطلقة بل في الحكم (في أمر آخر يكون له كالمرآة) .
وإنما لم يقل ما هي عين رؤية نفسه إيذانا بعينيتهما بحسب الأحدية لجواز سلب مثلية الشيء عن نفسه.
يقال الشيء ليس مثل نفسه وإنما لم يقل في المرأة .
لأن عدم المماثلة في المرأة الحسية لم يشتبه على أحد من الناس وإنما الاشتباه في مثلها.
فلذلك قال المرأة ليعم الدليل (فإنه) الضمير للشأن (يظهر له) أي للشيء (نفسه في صورة بعطيها) أي يظهره.
(المحل المنظور فيه مما لم يكن يظهر له) أي للشيء (من غير وجود هذا المحل) كما قال وقد كان الحق أوجد العالم (ولا تجليه) أي من غير تجلي المحل له أي للشيء الناظر.
ومعنى تجلي المحل ظهوره إليه على الجلاء كما قال فكان آدم عين جلاء تلك المرآة.
(وقد كان الحق أوجد العالم كله) من العلم إلى العين قبل إيجاد آدم (وجود شبح مسوی لا روح فيه) مثل الطين في حق آدم والنطفة في حق أولاده وهو ظلمة وخلق محض لا يهتدي به إلى شيء وإنما أوجده أولا على هذا الطريق ثم جلي بآدم لأن المرآة لا تكون غير مجلوه إلا من كثيف ظلماني ولطيف نوراني (فكان) العالم بدون آدم (كمرآة غير مجلوة ومن شأن الحكم الإلهي).
أي وقد كان من اقتضاء حكم الحق (أنه ما سوی محلا إلا ولا بد أن يقبل) ذلك المحل روحا إلهية بسبب تسوية الله تعالى (عبر عنه) أي عن الروح الإلهي (بالنفخ فيه) .
وأما القول بإرجاع ضمير عنه إلى القبول فليس بمناسب إذ القبول صفة المحل القابل والنفخ بمعنى إعطائه القابلية والاستعداد صفة لله تعالى .
لا بمعنى إخراج الهواء من جوف النافخ وإدخاله في جوف المنفوخ فيه فإنه محال في حقه تعالى فلا يعبر أحدهما بالآخر (وما هو) أي ليس ذلك القبول (إلا حصول الاستعداد من تلك الصورة المساواة لقبول الفيض التجلي الدائم الذي لم يزل ولا يزال) فالعالم المسوی بدون الروح الإلهي بمنزلة المرآة الغير الصقيلة وبالروح الإلهي بمنزلة الصقيلة فكما أن المرأة بسبب جلاله تقبل صورة من يحاذيها وتعطيها لصاحبها .
كذلك العالم بسبب قبول الروح الإلهي يقبل التجلي الدائم الذي هو ظهور عينه إليه في ذلك المحل المكمل.
(وما بقي) شيء من المذكور لم يعلم حاله (إلا قابل) فإنه لما ذكر ولم يبين أنه أثر للحق أم الإلزام بيانه حتي پنكشف حقيقة الحال.
فقال (والقابل) في المادة القابلة للتسوية واستعدادها للروح الإلهي وقبولها لها وغير ذلك من لوازمها الذاتية .
كل ذلك (لا يكون) أي لا يحصل (إلا من فيضه) أي من تجليه (الأقدس ) من الكثرة الإسمائية فهذه كلها غير مجعولة إذ كل ما حصل من التجلي الأقدس غير مجعول كالماهيات و استعداداتها الحاصلة منه .
وأما استعدادها لقبول التجلي الدائم الذي من الفيض المقدس فهو مجعول إذ لا يحمل هذا الاستعداد إلا من قبول الروح الإلهي وهر أي نفخ الروح من الفيض المقدس.
والمراد بالفيض كون الجود الإلهي سببا لحدوث أنوار الوجود في كل ماهية قابلة للوجود بلا انفصال من الله تعالى .
واتصال إلى الماهية القابلة كفيضان الصورة على المرآة فإن صورة الإنسان مثلا سبب لحدوث صورة تماثلها في المرآة المقابلة بمحاذاة الصورة فليس فيهما انفصال واتصال.
وكذلك نور الشمس سبب لحدوث شيء يناسبه في النورية على الحائط لا بمعنى أنه ينفصل شعاع من جرم الشمس ويتصل بالحائط ويبسط عليه وهو خطأ.
وأما فيضان الماء من الإناء على اليد فإنه انفصال جزء من الماء عن الإناء واتصاله على اليد هذا ما ذكره الإمام محمد الغزالي قدس سره .
(فالأمر) أي كل الموجود سوى الله تعالى من الموجودات العلمية والعينية (كله) تأكيد للاستغراق (منه) أي حصل من الله تعالى على الوجه المذكور.
(ابتداؤه وانتهاؤه وإليه يرجع الأمر كله) باستهلاكه بتجلي الحق كل آن أو بتجليه عند القيمة الكبرى فبقي مجردة عن اللواحق العارضة ويتصل إليه تعالى.
(كما ابتدأ منه) يعني على الهيئة التي تكون الابتداء عليها يعني أن ذوات الأشياء وأحوالها من الابتداء والانتهاء والرجوع إليه تعالى.
كل ذلك من الله تعالى، ويلزم على أرباب العقول أن يقال : إذا كان جميع ذوات الأشياء وجميع أحواله من الأوصاف والأفعال والأقوال من الله تعالی يلزم الجبر المحض وهو خلاف ما ذهب إليه أهل السنة.
فنقول: إنما يلزم ذلك أن لو كان القوابل من الفيض المقدس وليس كذلك وقد صرح بقوله: والقابل لا يكون إلا بالفيض الأقدس وإنما لم يقل وما بينهما تحقيقا لما ذهب إليه من أن العالم كله عرض لا يبقى زمانين إذ لا بين حينئذ .
وهو ابتداء وانتهاء بالجهتين ومقصوده رضي الله عنه من هذا الكلام بيان كمال إحاطة الحق للأشياء .
ليزول ما ذهب إليه من العقول الضعيفة من أن الكون إذا كان سببا لرؤية الحق عينه كان محتاجا إليه للحق تعالى في حصول ذلك الكمال له.
تعالى عن الاحتياج إلى ما سواه وليزول الشبهة المعارضة لها من أن ما ذكرتم من القوابل ليس بأثر للحق تعالى لأن القوابل هي الماهيات والماهيات ليست بمجعولة فلم يجز في استكمال بعض كمالاته أن يتخذ أسبابة مغايرة لذاته تعالى خارجة عن صنعه.
فلما قال : وما بقي إلا قابل إلى قوله : فاقتضى الأمر زالت الشبهتان معا لثبوت أن كونه محتاجا إليه من الله تعالى .
وأن القوابل فائضة منه بالفيض الأقدس فالله تعالى قادر بذاته على إيجاد الكمالات التي توجد بسبب الغير لكن وجودها به أكمل من وجودها بدونه.ولذلك وقعت به ولم تقع بدونه .
فلا نقص في حق الله تعالى في استكمال ذلك الكمال بالعالم بل هو من أكمل كمالانه إذ كله صنيع الحق سواء كان فائضا بالفيض الأقدس أو المقدس .
فسبحان الله دبر العالم بالعالم كما لا نقص في احتياجه إلى صفاته في إيجاد الخلق إذ كلها ليس غير ذاته تعالى .
والتعبير بلفظ الاحتياج في حقه تعالى وإن كان سوء الأدب لكن يقتضي بيان المحل لتلك العبارة والله أعلم.
واعلم أن الله تعالى حزم على الإنسان بعض الأفعال وأحل بعضها فإذا فعلت فعلا شرعا وجد منه شيء وجود شبح مسوي لا روح فيه وهو بمنزلة .
قوله : وقد كان أوجد العالم كله وجود شبح مسوی لا روح فيه فاقتضى الأمر جلاء ذلك الموجود وهو بمنزلة.
قوله : فاقتضى الأمر جلاء مرآة العالم فكان جلاوه ونور الاسم الذي يحكم عليك في صدور هذا الفعل منك .
وهو بمنزلة قوله : فكل آدم عين جلاء تلك المرآة فحينئذ رأيت نفسك في فعلك فإذا رأيت نفسك رأيت ربك لأنك تعريفه الرسمي .
فإذا رأيت ربك فقد رأى ربك نفسه في مرآة فعلك كما رأى في مرآة العالم، فعلى هذا يجري فعلك على طريق فعل الله تعالى وينتج نتيجة فعله وإذا تحققت بأخلاقه وفعلت ما أمره وأعطيته ما طلبه منك وهو المرأة على نوع مخصوص بحسب الفعل المخصوص والوقت المعين .
فقد وجدت سعادة بسبب إطاعتك الشرع لا غير لأجل هذا أمر منها ما أمر بخلاف ما إذا
ارتكب المعاصي فإنه وإن كان يوجد شيء منها لكن لا يمكن به السلوك بهذا المسلك فلا يكون مرآة لصاحبها وربه .
والمقصود منك ليس إلا هو لذلك نهي منها ما نهى فتحفظ.
فإن هذه المسألة روح الشريعة وركن الطريقة فمن عرفها على وجه اليقين بريء عن شبهات المباحین.
(فكان آدم) أي الروح الكلي (عين جلاء تلك المرأة وروح تلك الصورة) ليحصل المطلوب من تلك الصورة وهو رؤية الله تعالى ذاته بها.
فإنه بدون الجلاء لا يحصل هذا المطلوب (وكانت الملائكة) أي كل ما يطلق عليه اسم الملك فيتناول الملائكة المهيمون وغيرها من الأملاك .
وقد أنجز الكلام إلى بيان القوى ليكون توطئة تذكر ما جرى بين الملائكة وآدم حتى نتعلم الأدب مع الله تعالى .
لذلك خص ذكر القوى بالملائكة لعدم هذه الفائدة في غيرها وعدم انضباطها لكثرتها لذلك قال : (من بعض القوي) يعني أن الملائكة مع كثرتهم بعض قوى (تلك الصورة) إلى حد يقبل التبعيض و التنصيف .
وهو كناية عن عدم الإحصاء (التي هي صورة العالم المعبر عنه في اصطلاح القوم) أي الصوفية (بالإنسان الكبير) فتكون الملائكة تابعة لآدم في المعنى ذلك أمرت بالسجود ليطابق الصورة بالمعنى.
(فكان الملائكة له) بالنسبة إلى الإنسان الكبير وهو صورة العالم (كالقوى الروحانية والحسية التي هي في النشأة الإنسانية) العنصرية فلا مجاز في إسناد الزعم إلى النشأة في قوله فيما تزعم حتی احتاج الكلام إلى تقدير المضاف من الأمل أو الأفراد تكون المراد النشأة الموجودة في الخارج لأن النشأة الكلية الموجودة في العقل .
(وكل قوة منها) أي من القوى الروحانية والجسمانية التي في النشأة الإنسانية ولا حاجة لتعميم القوي إلى ما خرج من النشأة الإنسانية لأن المراد بيان المشبه به.
وهو القوى الإنسانية ليعرف منه أحوال المشبه وهو القرى الخارجة عن النشأة الإنسانية كالملائكة التي نازعت في آدم (محجوبة بنفسها) .
لذلك لا ترى أي لا تعلم (أفضل من ذاتها)، بل تعلم أن ذاتها أفضل من غيرها وترجع بذلك نفسها على غيرها وليس ذلك العلم صوابا منها.
(وإن فيها) أي في النشأة (فيما تزعم) أى في زعمها وهو بدل الاشتمال من قوله فيها وهو خبر إن كما في زعمها (الأهلية) منصوبة على أنها إسم إن.
(لكل منصب عال ومنزلة رفيعة لما عندها من الجمعية الإلهية) فلا ترى أفضل من ذاتها فادعت أنها مستحقة بها بالفعل لاحتجابها بالجمعية الإلهية كما احتجبت قواها بنفسها .
لكن هذه الدعوى والزعم ليس بصواب منها فإن الأنبياء وأهل التحقيق إذا أدعوا لا يدعون إلا ما يتحققون به .
فلم يكن الإنسان أهلا بالفعل بمنزلة رفيعة إلا بالتحقق بها وبعد تحصيلها بمباشرة الأسباب لا بسبب الجمعية الإلهية إذ ما من موجود إلا وعنده من الجمعية الإلهية في التحقيق .
وإنما اختصت بالذكر بالنشأة لظهورها فيها دون غيرها (بين ما يرجع من ذلك) أي هذه الجمعية حاصلة لها ودائرة بين شيء يرجع ذلك فمن زائدة في الموجب على مذهب أبي الحسن وإنما اختاره مع أن سيبويه لم يجز ذلك لمشابهة هذا الكلام صورة بالنفي أو ليجانس ما قبله (إلى الجانب الإلهي) وهو الحضرة الواحدية.
(وبين شيء) يرجع ذلك الشيء (إلى جانب حقيقة الحقائق) وهي الحضرة الإمكانية وفي قوله : (وفي النشأة الحاملة لهذه الأوصاف إلى ما تقتضيه الطبيعة الكلية) تقديم وتأخير وتقدير الكلام هكذا وبين شيء يرجع ذلك الشيء إلى ما يقتضيه الطبيعة الكلية في النشأة العنصرية الحاملة لهذه الأوصاف أي القوى الروحانية والجسمانية جميعا.
(التي) أي الطبيعة الكلية (حصرت قوابل العالم) أي صورة القابلة لأرواحه (كله) تأكيد (أعلاه) رهر العالم الروحاني (وأسفله) وهو العالم الجسماني وهو مبدأ الفعل والانفعال والقابلة بجميع التأثيرات الأسمائية والمراد بمقتضى الطبيعة الكمالات الحاصلة لمن عنده هذه الجمعية.
وإنما اختار التقديم والتأخير لئلا يتوهم في أول التوجه أن تكون الصفة صفة لغير موصوفها.
ولما كانت هذه المسألة محل دقة وأشد صعوبة وأهم مهم من مسائل الكتاب أعلم للطالبين من أهل العقل الطريق الموصل إليها ونفي الطريق الغير الموصل حتى تركوا نظرهم العقلي وتمسكوا بأسباب الفن .
وأشار إليها فقال : (وهذا) المذكور أمر (لا يعرفه) على ما هو عليه (عقل بطريق فكري بل هذا الفن) بجميع مسائله (من الإدراك لا يكون) أي لا يحصل للعقل.
(إلا عن كشف إلهي) فهذا المذكور لا يعرفه العمل إلا بالكشف الإلهي لأنه مسألة من مسائله بل هو أم الفصوص وأصل جميع مسائل الفن.
فيحتاج إلى الكشف كمال الاحتياج (منه) أي من الكشف (یعرف) على الوجه اليقين (ما أصل) يعني أن شيء حقيقة (صور العالم) المساواة القابلة لأرواحه وهي حقيقة الحقائق كلها وهي الذات الإلهية من حيث أسمائه الحسنى منه متعلق بيعرف قدم للحصر .
فإن قلت : إن كان الطالب من أهل النظر فلا حظ له من الفن لأنه قال في حقه لا يعرفه عقل .
وإن كان من أهل الكشف فلا يحتاج إلى إبراز الكتاب لأنه قال في حقه إلا عن كشف.
فما معنى قوله : وأخرج به إلى الناس ينتفعون به حكاية عن الرسول عليه السلام .
وقوله : ثم منوه على طالبيه بإسناده إلى نفسه.
قلت : أما أهل النظر فيحصل له في قراءة ذلك الكتاب من أهل الكشف واليقين منافع كثيرة وإن لم يحصل له كمال المنفعة فيدخل تحت قوله تعالی : "أو ألقى السمع وهو شهيد" 37 سورة ق . بسبب قراءته كما لا يخفى .
وأما أهل الكشف فيحتاج إلى مطالعة الكتاب في إدراك المعاني المعتبرة بألفاظ منتظمة فيه فلا يكفي مجرد كشفه بل مع مطالعته إن كان من أهل
المطالعة أو القراءة إن كان من أهله فإن مفردات القرآن الكريم وأجزائه معروفة للعرب قبل نزول القرآن العظيم .
وأما المعاني المبينة بالقرآن الحكيم فيحتاج في إدراكها إلى الكلام القديم.
فهذا الكتاب كرامة قوليه له: لا يأتي مثله في هذا الفن أحد من المصنفين لا قبله ولا بعده .
فلا يتصور إدراك هذه المعاني بالكشف إلا من جهته كما لا يصل العلم إلى معاني القرآن إلا من الجهة القرآنية .
فمن لم يصل إليه بعد إبرازه مع القدرة فلا نصيب له من معانيه ولو كان أهل كشف فاجتهد.
فإن المراد بإبراز الكتاب منفعتنا به فهو مأمور بالإبراز بصيغة الأمر الحضوره فيه بقوله : خذه واخرج به إلى الناس ونحن مأمورون بصيغة الغيبة لغيبتنا فيه.
بقوله ينتفعون به فوجب به علينا الانتفاع.
فالكامل والناقص بعد إبراز الكتاب سواء في احتياج الانتفاع فلا يليق لنا ترك أمر الرسول عليه الصلاة والسلام.
(فسمي هذا المذكور)، وهو الكون الجامع (إنسانا وخليفة فأما إنسانيته فلعموم نشانه) وهي المرتبة الجامعة بين النشأة الروحانية وهي على صورة الحق والجسمانية وهي من حقائق العالم وصوره.
(وحصره الحقائق كلها) من الإلهيات والكونيات، فإنه حينئذ يونس جميع الحقائق فهو من الإنس (وهو) بيان لوجه تسمية أخرى (للحق بمنزلة إنسان العين) بفتح الهمزة (من العين الذي به يكون النظر وهو المعبر عنه بالبصر فلهذا) أي فلأجل أنه للحق بمنزلة إنسان العين من العين .
(سمي إنسانا) بكسر الهمزة للفرق (فإنه) تعليل لقوله وهو للحق بمنزلة إنسان العين من العين أي أن الشأن (به) أي بالمذكور لا بغيره (نظر الحق إلى خلقه) أي إلى موجوداته الخارجية بعد إيجادها به .
فالمقصود الأصل بإيجاد الإنسان الكامل النظر به وهو النظر بالغير في النظر بالذات لا كالنظر بالواسطة إلى خلقه فأحب النظر إليهم بالحب الذاتي (فرحمهم) بسبب نظره الحبي إليهم وأعطى حوائجهم على حسب استعدادهم .
وإنما قال : فرحمهم مع أن المقصود يتم بدونه وهر بيان لوجه التسمية إشارة إلى أن نظر الحق إلى عباده نظر عناية أزلية .
فإن الله تبارك وتعالى أحب أن ينظر إليهم على الدوام بحسب العوالم ومن لا يحبه شيئا لم ينظر إليه .
فنظر إليهم بعد إيجادهم بسبب حبه فرحمهم بسبب نظره ففيه بشارة للمذنبين حتى لا يقنطوا من رحمة الله .
وإنما فسرنا الخلق بالموجودات فإن النظر بالغير لا يتعلق بالمعدوم كالصورة الحاصلة في المرأة .
فإنه لا يتعلق النظر بها إلا بعد وجودها في المرآة فإن مآل النظر ونتيجته الرحمة والشفقة للمنظور إليه الذي يمسه العذاب ولو مغضوبا للناظر فضلا عن أن يكون محبوبا له .
بخلاف العلم الخالي عن النظر فهو نظر الرحمة والشفقة لا نظر الوجود ولو كان نظر الوجود .
كما قال الشيخ رضى الله عنه في التدبيرات الإلهية القطب معلوم غير معين وهو خليفة الزمان ومحال النظر والتجلي ومنه يصدر الآثار على ظاهر العالم وباطنه وبه يرحم ويعذب من يعذب (فهو الإنسان)، لكونه سببا النظر الحق به إلى خلفه (الحادث) بالحدوث الذاتي لعدم اقتضاء ذاته الوجود (الأزلی) لكونه غير مسبوق بالعدم الزماني.
(والنشأ الدائم الأبدي فلا انتهاء له) بحسب المستقبل كما لا ابتداء له بحسب الماضي هذا باعتبار النشأة الروحانية وإما باعتبار النشأة الجسمانية لا أزلي ولا أبدي.
(والكلمة) لكونه مركبا من الحروف العاليات بالنشأت الروحانيات (الفاصلة) الحافظة من التلاشي بین حضرتي الوجود والإمكان (الجامعة) بجميع الحقائق الإلهية والكونية (فتم العالم بوجوده) أي بالإنسان لكونه آخر العمل منه يدل عليه قوله الذي هو محل النقش.
(فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم الذي هو محل النقش والعلامة التي بها)
لا بغيرها (يختم الملك على خزائنه وسماه) الله تعالى (خليفة) بقوله تعالى : " إني جاعل في الأرض خليفة " 30 سورة البقرة.
(من أجل هذا) أي من أجل كونه من العالم كفص الخاتم من الخاتم أو من أجل كونه منصفا بالصفات المذكورة (لأنه) تعليل لقوله فهو من العالم كفص الخاتم من الخاتم. (الحافظ خلقه كما يحفظ الختم الخزائن فما دام ختم الملك عليها لا يجسر أحد على فتحها إلا بإذنه فاستخلفه في حفظ العالم)
وكان هو الحافظ قبله (فلا يزال العالم) أي عالم الدنيا محمولة ما دام فيه (هذا الإنسان الكامل) لأنه من أكمل كمالاته تدبير العالم بالمعالم.
(ألا تراه) وهو إتيانه الدليل للمحجوبين يكون العالم محفوظا بالإنسان الكامل وخرابة بدونه (إذا زال وفك) هذا الختم (من خزانة الدنيا لم يبق فيها ما اختزنه الحق فيها وخرج ما كان فيها) بأسرها دفعة واحدة إلى الشهادة الدنيوية (والتحق بعضه) أي جزء ما خرج من الخزينة أو جزء العالم
(ببعض) أي بجزء منه أي لا يمازجان فمارت السماء وسارت الجبال وخربت الدنيا لعدم الامتزاج الاعتدالي بين أجزائها .
(وانتقل)، الأمر الإلهي والموجود بالوجود الدنيوي بسلب هذا الوجود عنه (إلى الآخرة) بنقل الخليفة إليها فيكون كل ما كان موجودا بالوجود الدنيوي موجودا بالوجود الأخروي.
(فكان ختما على خزانة الآخرة ختمة أبدية فظهر) إليه تعالی (جميع) ما حصل في (الصبور الإلهية) بحيث يكون كل فرد من أفراد العالم مظهر الاسم من أسماء الله تعالى وهي العالم بأسره (من الأسماء) وهي سره كما قال.
ويظهر إليه سر بيان لما (في هذه النشأة الإنسانية فجازت رتبة الإحاطة والجمع بهذا الوجود) الجامع بين حقائق العالم وبين الأسماء الإلهية .
فشاهد عينه من حيث أسماء الحسني في هذه النشأة على ما اقتضاه ذاته وهو رؤية ذاته من حيث أسمائه في كون جامع .
فهذه هي الكلمة الآدمية والكون الجامع الذي اقتضى ذاته أن يرى عينه من حيث أسمائه الحسنى على ما ذكره.
(وبه) أي وبهذا الوجود الجامع وهو وجود آدم دون غيره (قامت الحجة على الملائكة) لاقتضاء ذواتهم إقامتها عليهم الاحتجابهم بأنفسهم فبعد إقامة الحجة عليهم زال حجابهم فعرفوا مرتبتهم .
و علموا أن لله تعالى أسماء ما وصل علمها إليهم فاعترفوا بقصورهم وعجزهم بأن "قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا" 32 سورة البقرة .
(فتحفظ) واعمل فإنه كفاك واعظا (فقد وعظك الله تعالى بغيرك) وهو الملائكة (وانظر) بنظر العبرة إلى قصة الملائكة مع آدم الذي سنذكره وازجر نفسك عن مذمة الغير والدعاوى التي ما أنت متحقق بها وسوء الأدب مع الله حتى لا تكون عبرة لغيرك كما يكون غيرك عبرة لك .
هذا معنى قوله : (من أين أتي على من اني) وأتي وجاء تستعملان بمعنی الفعل يعني من أين فعل على من يقع (عليه) الفعل على وجه التوبيخ والملائكة فإنه قد هلك من هلك وبوخ من يوبخ بأمثال هذه الصفات التي تصدر من عدم العلم بأنفسهم ومرتبة غيرهم.
ولما كانت هذه القصة أعظم القصص موعظة وهدى للناس وأهم للطالبين أوصى أولا بالحفظ والنظر .
ثم شرع إلى بيانها بقوله: (فإن الملائكة لم تقف مع ما تعطيه) ما تظهره للحق من جميع أسمائه (نشأة هذه الخليفة ولا وقفت مع ما تقتضيه حضرة الحق من العبادة الذاتية) التي لا تحصل إلا في نشأة الخليفة وهي العبادة بجميع الأسماء والصفات أي لم تطلع عليهما .
فالوقوف ههنا بمعنى الشعور والاطلاع وكذلك المذكور بعده لأن تجريحهم ودعواهم التسبيح والتقديس مسبب عن عدم علمهم بما ذكر فقد عدى مع أعتبار تضمينه معنى الثبوت.
( فإنه ما يعرف أحد من الحق إلا ما تعطيه ذاته) تعليل للمعطوف والمعطوف عليه مع أي لا يعرف احد الحق إلا بحسب معرفته بنفسه ولا يعبده إلا بحسب علمه .
(و) الحال أن (ليس للملائكة جمعية آدم) حتى يحصل فيها ما يحصل فيه من العبادة الذاتية .
فاستغنى بوجودها عن وجود آدم فلا بد من وجود آدم ليحصل مقتضى الذات الإلهية فلا مانع لحصول مقتضى الذات .
فهم أرادوا أن يمنعوه بقولهم: "أتجعل فيها من يفسد فيها" 30 سورة البقرة .
 لعدم علمهم بما ذكر و ظنهم أنفسهم كفاية لمصلحة العبادة حيث قالوا: 
" ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك " 30 سورة البقرة .
(ولا وقفت مع الأسماء الإلهية التي تخصها) تخص الملائكة بها (وسبحت الحق به وقدسته) أي لا تطلع باختصاصهم بأسمائهم واختصاص تسبيحهم بها
(وما علمت أن الله تعالى أسماء ما وصل علمها إليها فما سبحته ولا قدسته) لحصرهم الأسماء والتسبيح والتقديس فيما هم عليه .
(فغلب عليها ما ذكرناه وحكم عليها هذا الحال) فأخرجهم عن حد الاعتدال
(فقالت من حيث النشأة) الخاصة بهم (أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها) ما قالوا في حق آدم من الإفساد وسفك الدماء.
(وليس إلا النزاع) أي نزاع آدم عليه السلام مع الحق (وهو) أي هذا النزاع (عين ما وقع منهم فما قالوه في حق آدم) من المخالفة والمنازعة لأمر الحق (هو عين ما هم فيه مع الحق) وهذا من إعطاء نشأتهم.
(فلولا أن نشأتهم تعطى لهم ذلك) المذكور (لما قالوا في حق آدم ما قالوه) وفيه اعتذار من جانبهم (ولكن لا يشعرون) أنهم كانوا أصحاب النزاع بقولهم أتجعل وذكر الشعور دون العلم يدل على أن نزاعهم مع الحق تعالى.
قد بلغ غاية الظهور فكان كالمحسوس المشاهد فإذا لم يشعروا مخالفة أنفسهم مع الحق لم يعرفوا نفوسهم وأحوالهم.
(فلو عرفوا نفوسهم لعلموا) ربهم ولم يعلموا (ولو علموا) ربهم (لعصموا) عن قولهم في حق آدم كما عصموا بعد العلم بإظهار الحجة عليهم
(ثم لم يقفوا مع التجريع حتى زادوا في الدعوى بما هم عليه من التقديس والتسبيح) وثم لبعد مرتبة دعوى التزكية عن التجريح لأن فيه ارتكاب النهي ظاهرا كقوله تعالى: "فلا  تزكوا أنفسكم " 32 سورة النجم. بخلاف قولهم : أتجعل فيها وحتى للتجاوز عن الحد وفيه نوع من التشنيع والتوبيخ (و) الحال أن (عند آدم) كان (من الأسماء الإلهية) بيان لقوله ما وهو أي ما فاعل للظرف (ما لم تكن الملائكة) مشتملة (عليها)، ولم يكن تلك الأسماء عند الملائكة يعني ما علمت الملائكة هذه الأسماء التي علمها آدم.
(فما سبحت ربها بها ولا قدسته عنها تقدیس آدم وتسبيحه) مع أنهم ظهروا عليه بدعوى التسبيح والتقديس بقولهم : "ونحن نسبح" 30 سورة البقرة.
فادعوا ما لم يتحققوا به ولم يكونوا بحال ولا على علم منه وتركوا الأدب مع الله فوقعوا في الخجالة بعد انكشاف أحوالهم إليهم لذلك :"قالوا سبحانك لا علم لنا" 32 سورة البقرة . (فوصف الحق) فحكي (لنا) الحق في القرآن الكريم (ما جرى) من أحوال الملائكة وآدم (لنقف عنده ونتعلم الأدب) مع الله تعالى كیف، نقف عند الحق تعالى نتأدب معه ونهتدي ولا نتجاوز الحد.
(فلا ندعي ما نحن متحققون به وحاوون) أي و مشتملون (عليه) مع صدقنا في دعوانا قوله (بالتقييد) متعلق بلا ندعي (فكيف أن نطلق في الدعوى ننعم بها ما ليس لنا بحال ولا نحن منه على علم فنفتضح) الظهور عيوبنا عند انكشاف أحوالنا (فهذا التعريف الإلهي) وهو قصة آدم عليه السلام مع الملائكة ومن في قوله : (مما) للتبعيض أو للتبيين أي بعض ما (ادب الحق به عباده الأدباء الأمناء الخلفاء) فإن غيرهم لا يتأدب بمثل هذه التعريفات الإلهية وفي إيراده قدس سره هذه القصة في كتابه دلالة على كمال علمه وأدبه مع الله عز وجل وحسن خلقه مع الناس .
وهي أن المؤمنين الذين نازعوا وطعنوا في إظهار المعاني التي لا يعرفها عقل بطریق نظر فكري بمنزلة الملائكة الذين نازعوا وطعنوا في آدم فنفسه قدس سره بمنزلة آدم .
فكما كان آدم لا يغضب على الملائكة بسبب قولهم في حقه "أتجعل فيها" 30 سور البقرة .
فكذلك الشيخ لا يغضب على الذين يظنون السوء في حقه لتحققه بقوله تعالى: "والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس " 139 سورة آل عمران.
فكما أن ما قالوه في حق آدم عین مخالفتهم لأمر الحق فكذلك المؤمنون الذين قالوا في حقه من الذم والطعن عين مخالفتهم الأمر الحق لأن إبراز الكتاب لا يكون إلا عن أمر الله .
فمن ظن السوء في حقه و نسب إليه ما لا يليق للمؤمنين أن يتصفوا به يخشى عليه الافتضاح في وقت المعاينة يخبر عنه قوله : "فنقتضح" .
ولما فرغ عما وجبة تقديمه من حكاية الملائكة وغيرها شرع في المقصود فقال : (ثم نرجع) من القصة (إلى) بيان الحكمة الإلهية (فنقول اعلم) قال مولانا قرمي في شرح مفتاح الغيب للشيخ صدر الدين القونوي أعلم تنبيه وإيقاظ لأمل الطلب والترقي على التوجه الكامل والإقبال التام على إصغاء ما يرد بعده بقلب حاضر وإيماء إلى جلالة قدره.
(أن الأمور الكلية) أي الصفات المشتركة بين الحق والعبد التي يتحقق الارتباط بينهما (وإن لم يكن لها وجود في عينها) أي وجود خارجي في نفسها (فهي معقولة معلومة بلا شك في الذهن) فكانت موجودة بالوجود الذهني (فهي باطنة) ممتنعة الوجود في الخارج من حيث كونها معقولة لكنها (لا تزول) لا تنفك (عن الوجود العيني لها) أي للأمور الكلية (الحكم والأثر)، لأنها صورة الأسماء الإلهية فكانت علة (في كل ما له وجود عيني بل هو) بل الأمر الكلي باعتبار الوجود الخارجي.
(عينها لا غيرهما) ترق في الارتباط فإن كمال الارتباط ونهايته الاتحاد وفيه بشارة عظيمة اللهم ارزقنا بها فكان قوله: (أعني أعيان الموجودات العينية) تفسير لضمير عينها (ولم تزل عن كونها معقولة في نفسها) مع كونها عين الأعيان الموجودة في الخارج كما لم تزل عن كونها عينها مع كونها معقولة في حد ذاتها.
فإذا كان الأمر كذلك كانت هي ذي الجهئین (فهي الظاهرة من حيث أعيان الموجودات كما هي الباطنة من حيث معقولبنها) .
فإذا كان كذلك (فاستناد كل موجود عيني) في إظهار كمالاته قوله : (لهذه الأمور) الكلية متعلق بالاستناد فاستناد مبتدأ خبره محذوف لعمومه وهو موجود.
أي استناد كل موجود عيني لهذه الأمور الكلية موجود (التي لا يمكن رفعها عن العقل ولا يمكن وجودها في العين وجودة تزول به).
أي تزول الأمور الكلية بسبب الوجود العيني (عن أن تكون مقولة) بل يمكن وجودها في العين وجودة لا تزول به عن كونها معقولة كوجودها في الأعيان الموجودة .
فإنه لا يخرج عن أن تكون معقولة بخلاف الموجودات العينية فإنها موجودة بوجود نزول به عن كونها معقولة (وسواء كان الموجود العيني مؤقتة أو غير مؤقت) تعميم للاستناد إلى قسمي الموجود العيني (نسبة المؤقت وفير المؤقت إلى هذا الأمر الكلي نسبة واحدة) بیان لاستواء نسبتي القسمين إلى الكلي.
(غير أن هذا الأمر الكلي يرجع إليه حكم من الموجودات العينية بحسب ما نطلب حقائق تلك الموجودات العينية) هذا استثناء منقطع بيان لاستناد الأمر الكلي إلى الموجودات حتى نعلم أن الارتباط كل من الطرفين.
(كنسبة العلم إلى العالم والحياة إلى الحې) تمثيل للارتباط السابق بيانه وإبراز في المحسوس المشاهد لا تأكيد .
(فالحياة حقيقة معقولة والعلم حقيقة معقولة متميزة عن الحياة ، كما أن الحياة متميزة عنه ثم نقول في الحق تعالی أن له علما وحياة فهو الحي العالم فنقول في الملك أن له حياة وعلمة فهو الحي العالم فتقول في الإنسان أن له علما وحياة فهو الحي العالم وحقيقة الحياة واحدة وحقيقة العلم واحدة ونسبتهما إلى العالم والحي نسبة واحدة ونقول في علم الحق تعالى أنه قديم وفي علم الإنسان أنه محدث)
ولما بين الارتباط بين المعلومات والموجودات من الطرفين أمر بالنظر فيه لعظمة شأن هذا الأمر وكونه من الأمور العجيبة فإن الارتباط بين المعدوم والموجود أمر عجيب فقال : (فانظر إلى ما أحدثته الإضافة) من الحكم في هذه الحقيقة الواحدة فإن لكل منهما أثر في الآخر باعتبارنا الإضافة والنسبة بينهما فإن اعتبرنا انفرادهما لا يحصل لهما هذا الحكم.


ولما كان الارتباط أعظم مسألة من مسائل العلوم الإلهية لكونه دليلا على الارتباط بين الحق وعبادة تعالى.
أجمل ذكره أولا ثم فصل وكرر أمر الوصية بالنظر (فقال فانظر إلى هذا الارتباط) الحاصل (بين المعقولات والموجودات العينية)
أي فانظر بعين البصيرة واعتبر فإنه واجب النظر والعبرة كيف يحصل الحكم من أحد المتضادين إلى الآخر وكيف يحكم أحدهما على الآخر.
(فكما حكم المعلم على من قام به أن يقال إنه علم حكم الموصوف به على العلم بأنه حادث في حق الحادث وقديم في حق القديم فصار كل واحد محکوم به ومحكوما عليه) بيان لما نظر إليه ونتيجة للكلام السابق.
ولما لم يقبل الأمور الكلية كل الحكم من الموجود العيني أراد أن يبينه وأعاد ما علم ليتفرع عليه قوله .
فتقبل الحكم فقال : (ومعلوم أن هذه الكلية وإن كانت معقولة فإنها معدومة العين) أي لا عين لها في الخارج يسمى بالحياة أو العلم.
(موجودة الحكم) على الموجود العيني (كما هي محكوم عليه إذا نسبت إلى الموجود العيني) وكون المعدوم مؤثرة في الموجود و متأثرة فيه وكذلك الموجود مؤثرة فيه ومتأثرة منه من عجائب قدرة الله تعالى.
أن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار (فتقبل) هذه الأمور الكلية (الحكم) من الأعيان الموجودة (في) انتسابها إلى (الأعيان الموجودة ولا تقبل التفصيل) أي التعدد.
(ولا التجزي) أي الانقسام والحال أنها من أحكام الموجود العيني (فإن ذلك) التفصيل والتجزيء (محال عليها فإنها بذاتها) موجودة (في كل موصوف بها) فلا يمكن التعدد في نفسها باعتبار تعدد موصوفاتها.
ولما كان في هذا الكلام نوع خفاء أراد أن يبينه على الوجه الأوضح وأبرزه بقوله (كالإنسانية) وهي حقيقة معقولة وكلي طبيعي للإنسان موجود في كل شخص شخص من هذا النوع الخاص، مع أنها (لم ينفصل ولم يتمدد بتعدد الأشخاص ولا برحت معقولة) ولا زالت معقولة مع كونها موجودة في موصوفاتها.
ولما بين أصلا كليا وهو الارتباط بين الموجودات والمعدومات لتوقف ما هو المقصود عليه وهو الارتباط بين الحق والخلق.
أراد أن يبين ما هو المقصود بقوله : (وإذا كان الارتباط بين من له وجود عيني وبين من ليس له وجود عيني قد ثبت و) الحال (هي نسبة عدمية) لا وجود لها في الخارج بدون موصوفاتها.
(فارتباط الموجودات بعضها ببعض أقرب أن يعقل لأنه على كل حال بينهما جامع وهو الوجود العيني وهناك) أي بين الموجودات جامع حذف الخبر وهو جامع لدلالة قرينة الحال عليه فمأثمه أي ليس بين الأمور الكلية ويبن الموجودات العينية (جامع وقد وجد الارتباط بعدم الجامع بالجامع) أي بوجود الجامع (أقوى وأحق) .
فظهر أن وجود الارتباط بين الواجب والممكن أقوى وأحق لوجود الجامع وهو الوجود العيني .
وشرع في بيان ذلك بقوله: (ولا نشك أن المحدث) الموجود الخارجي (قد ثبت حدوثه) أي وافتقاره في وجوده (إلى محدث) أي موجد (أحدثه) أي أوجده (لإمكانه لنفسه فوجوده) كان بالضرورة (من غيره) وهو واجب الوجود لذاته .
(فهو) أي المحدث (مرتبط به) أي بالله تعالى (ارتباط افتقار فلا بد أن يكون) ذلك المستند إليه لذاته غنيا في وجوده بنفسه غير مفتقر إلى غيره.
كما ثبت في موضعه بالأدلة القطعية (وهو) أي واجب الوجود (الذي اعطى الوجود) قوله : (لذاته) متعلق بأعطى أي أعطى الوجود لذاته لا غيره (لهذا الحادث فانتسب) هذا الحادث إلى الواجب الوجود لذاته انتسابا ذاتيا أي احتاج إليه في وجوده احتياجا ذاتيا، فكان ذلك الواجب مقتضيا لهذا الحادث اقتضاء ذاتيا (ولما اقتضاه) أي اقتضى الواجب الوجود هذا الحادث.
قوله : (لذاته) متعلق باقتضی (كان) الحادث (واجبة به) أي بالواجب الوجود والاقتضاء ههنا بمعنى الإعطاء لا بمعنى الإيجاب.
كما قال الذي أعطى الوجود أو بمعنى الإيجاب بحسب تعلق الإرادة (ولما كان استناده) .
أي الحادث قوله : (إلا من ظهر عنه) متعلق بالاستناد قوله : (لذاته) متعلق بیان (اقتضى) الحادث اقتضاء ذاتية أن يكون أي أن يتكون ويوجد (على صورته) أي على صفة موجودة (فيما ينسب) الحادث (إليه) إلى موجوده (من كل شيء من اسم وصفه ما عدا الوجوب الذاتي فإن ذلك لا يصح للحادث) .
وإلا لكان واجبة لا حادثة، وإن كان واجب الوجود (ولكن وجوبه بغيره لا بنفسه) وإلا لم يكن ممكنا بل واجبا بالوجوب الذاتي (ثم ليعلم أنه لما كان الأمر على ما قلناه من ظهوره) أي الحادث (بصورته) أي بصفة الحق (احالنا تعالى في العلم به) أي بالحق (على النظر) أي على طريق الاستدلال (في الحادث) من الآفاق والأنفس لامتناع العلم به إلا بالنظر إليه.
(وذكر أنه أرانا آياته) وهي آثار أسمائه وصفاته (فيه) أي في الحادث فكان الاستدلال واجبا علينا بالأمر الإلهي فأطعنا أمره لتحصیل معرفه (فاستدلنا) استدلالا من الأثر إلى المؤثر (بنا) بسبب نظرنا فينا (عليه) أي على الحق فحينئذ لا بد لنا أن نحكم عليه بوصف على ما يقتضيه طريق الاستدلال قوله عليه يتعلق بالاستدلال.
(فما وصفناه) أي فما حكمنا عليه (بوصف) من الأوصاف (إلا كنا نحن) وجدنا فينا ووصفنا أنفسنا.
(ذلك الوصف إلا الوجوب الذاتي الخاص) بالحق فإنه لا يوجد فينا ولا نومف أنفسنا به فإذا استدللنا عليه على هذا الطريق علمناه بنا وما (فلما عملناه) بنا بسبب علمنا أنفسنا (نسبنا إليه) أي وصفناه لكل (ما نسبناه إلينا) من الأوصاف كالعلم والحياة والقدرة وغيرها لا النقائص إلا ما ينسبه الحق إلى نفسه .
(وبذلك) أي و بوصفنا الحق بكل ما نسبناه إلينا (وردت الإخبارات الإلهية) من الآيات والأحاديث النبوية (على ألسنة التراجم) وهي سنة الأنبياء عليهم السلام فوصف الحق نفسه أي ذاته بكل ما نسبناه إلينا في الإخبارات الإلهية (لنا) لأجل استدلالنا عليه .
فيكون قوله: (بنا) متعلقة بالاستدلال لقوله: (فاستدللنا) بنا عليه أو لأجل هدايتنا إلى طريق العلم والشهود.
فيكون قوله : بنا متعلقة بوصف فإنا خلقنا على صفة الله تعالى فكنا عبارة عنها في التحقيق .
فكان وصفه نفسه بصفة عين وصفه نفسه بنا أو معناه وصف بنفسه بنا أو بصفاتنا فإذا وصلنا بهذا الاستدلال إلى الحق شهدناه (فإذا شهدناه شهدنا فيه نفوسنا) لوجودنا فيه لكونه متصفا بنا وهو رؤية الحد في المحدود .
أو شهدنا نفوسنا في التحقيق لأشهدناه لأنه من حيث اتصافه بنا عین ذواتنا لا غيرنا.
وهو رؤية الحد متحدا بالمحدود .
يعني الشاهد والمشهود واحد في هذه المشاهدة وهو الاستدلال من الأثر إلى المؤثر ومشاهدة الأثر نفسه في المؤثر او لتستره عنا بنا فلا يقع نظرنا إلا علينا .
لا عليه (وإذا شهدنا الحق) بمشاهدتنا إياه (شهد فينا نفسه) .
لذلك قال : إني أشد شوقا إليه لأن هذه المشاهدة له لا نحصل بدون مشاهدتنا إياه لأنه فينا مظهره .
وهو رؤية المحدود في الحد أو شهد نفسه كما مر أو رؤية المحدود متحدة بالحد يعني لا اثنينية من هذا الوجه أيضا .
فانظر إلى المرآة كيف نجد فإنك إذا نظرت إليها وشهدت فيها صورتك فقد شهدت عينك فهو قوله.
وإذا شهدنا شهد نفسه وإذا شهدت صورتك ونظرت إليك فقد شهدت نفسك فهي عينك، وأنت عينها، فهو قوله : وإذا شهدناه شهدنا نفوسنا.
ولما بين "الاتحاد" السر الساري بين العبد والرب من هذين الوجهين شرع في بيان الافتراق فقال : (ولا شك أنا كثيرون بالشخص) باعتبار انضمام تشخصاتنا إلى حقيقتنا النوعية (و) كثيرون (بالنوع) باعتبار انضمام فصولنا المميزة إلى حقيقتنا الجنسية.
(وإنا وإن كنا على حقيقة) واحدة نوعية (هي تجمعنا فنعلم قطعا أن ثم) أي في حقيقة واحدة (فارقا به) أي بذلك الفارق (تميزت الأشخاص بعضها من بعض ولولا ذلك) الفارق (ما كانت) ما وجدت (الكثرة في الواحد) .
فإذا حصل الفراق بين الممكنات بعد اتحادها في حقيقة واحدة (فكذلك أيضا) حصل الفارق بيننا وبين الحق (وان وصفنا) الحق (بما وصف به نفسه من جميع الوجوه فلا بد من فارق وليس) .
ذلك (الفارق إلا افتقارنا إليه في الوجود وتوقف وجودنا عليه لإمكاننا وفناه عن مثل ما افتقرنا إليه) وهو افتقارنا في الوجود (فبهذا) الغناء (صح له الأزل والقدم الذي انتفت عنه الأولية التي لها افتتاح الوجود عن عدم فلا ينسب إليه هذه الأولية مع کونه الأول) .
بمعني مبدأ كل شيء كما ينسب إليه الآخرية بمعني منتهي كل شيء ومرجعه (ولهذا) أي ولأجل انتفاء الأولية عنه بمعني افتتاح الوجود عن العدم (قیل فيه الآخر) فلما قيل فيه الآخر لم يكن له الأولية بهذا المعنى (فلو كانت أوليته أولية وجود التقييد) أي افتتاح الوجود من العدم.
(لم يصح أن يكون آخرا للمقيد) أي للممكن بمعني رجوع الكل إليه لأنه حينئذ يكون من الممكنات والممكن لا يرجع إليه شيء فكانت آخريته حينئذ بمعني الانتهاء والانقطاع وهذا لا يصح أيضا (لأنه لا آخر للممكن لأن الممكنات غير متناهية) أي غیر منعدم بانتفاء لعينه بحيث تفوته تعالى .
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر نص يونسية وإليه برجع الأمر كله ، فإذا أخذه إليه سوى له مركبة غير هذا المركب من جنس الدار التي ينتقل إليها .فالكل في قبضته فلا فقدان في حقه.
تم كلامه فكانت الممكنات غير متناهية بهذا المعنى وهو المراد منا فلا ينافيه الانتهاء بحسب الدار الدنيا فإذا كانت غير متناهية (فلا آخر لها) فلا يتصف بالآخرية للمنافاة بينها وبين الآخرية فكان الحق آخرا ومنتهى لها.
(وإنما كان) الحق (آخرا لرجوع كل الأمر إليه بعد نسبة ذلك) الأمر إلينا، فإذا كان الرجوع بعد النسبة إلينا فكنا نحن نتصف بالرجوع إليه تعالی في کل آن بحسب كل يوم هو في شأن وإذا كان الأمر كذلك.
(فهو الآخر في عين أوليته والأول في عين آخريته) بحيث لا يسبق ولا ولا يتقدم أحدهما على الآخر في الرتبة فهو الآخر حيث أزل إذ رجوعية الكل إليه ثابتة فيه وهو الأول حيث أخر.
إذ مبتدئا الكل ثابتة فيه فكان أوليته عين آخريته وآخريته عين أوليته ولا كذلك الممكن.

(ثم لنعلم أن الحق وصف نفسه) في الآية الكريمة (بأنه ظاهر و باطن فأوجد العالم) أي الإنسان لأن المراد بيان الارتباط وكيفية الدليل منا عليه.
(عالم غيب) وهو بواطتنا وأرواحنا (و) عالم (شهادة) وهي ظواهرنا وقوانا الظاهرة فكنا مجمع العالمين فليس المراد من إيجادنا على هذا الوجه إلا (لندرك) الاسم (الباطن بغیبنا) بسبب إدراكنا غيبنا.
(والظاهر بشهادتنا) فنعلم قطعة على طريق الاستدلال من الأثر إلى المؤثر بأن الحق تعالی هو الظاهر والباطن.
(ووصف نفسه بالرضا) بقوله تعالی رضي الله عنهم :" ورضوا عنه " (والغضب) سبقت رحمتي على غضبي .
فأوجدنا ذا رضا وغضب لندرك الرضا برضائنا والغضب بغضبنا وإنما لم يذكر هذا الوجه لظهوره مما سبق (وأوجد العالم) أي أوجدنا (ذا خوف ورجاء فنخاف غضبه ونرجو رضاه) لأن الخوف لازم الغضب والرجاء لازم الرضا فينا فنتصف بهما فنستدل على غضبه ورضائه مع كونه منزها عن الخوف والرجاء .
(ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فاوجدنا على هيبة) تحصل من جلال الله تعالى في قلوبنا (وأنس) حاصل لنا من جماله فنتصف بهما فنستدل على جمال الله تعالى وجلاله مع أنهما لا ينسبان إليه تعالى ولا يسمى بهما لكنه يسمى بمبدئهما.
أي مبدأ الخوف وهو العضب ومبدأ الرجاء وهو الرضاء وكفى بذلك دليلا على حصول الارتباط.
(وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به) سواء كان انتسابا حقيقيا أو في الجملة .
(نعبر عن هاتين الصفتين) الجمال والجلال (باليدين اللتين توجهتا منه) من الحق (علی خلق الإنسان الكامل) لا على خلق غير الإنسان الكامل فإن المتوجه من الله
تعالى على خلق غير الإنسان الكامل بد واحدة وإنما خلق الله تعالى الإنسان بيديه اللتين تجمعان جميع الصفات اللطيفة والقهرية.
(لكونه) أي الإنسان الكامل (الجامع)، بحسب الحقيقة الكلية التي هي عينه الثابتة (لحقائق العالم) أي لحقائقه الكليات التي هي أعيانه الثابتة.
(ومفرداته) لكونه جامعة لجميع ما يصدق عليه العالم من الجزئيات فإذا وجد الإنسان في الخارج بخلق الله تعالی بيديه ظهر جميع ما
في العالم في هذه النسخة الشريفة فاقتضى شأن الإنسان توجه اليدين مع الحق تعالی بخلقه فخلقه الله تعالی بيديه فإنه أعطى كل ذي حق حقه.
(فالعالم) بجميع حقائقه ومفرداته (شهادة) أي ظاهر الخليفة وصورته (والخليفة) أي الإنسان الكامل (غيب)

أي باطن العالم وروحه المدبر له وهي أي الخليفة وإن كان موجودة في الخارج لكنه بحسب الحقيقة يكون غيبة وروحا مدبرة للعالم الكبير الروحاني والجسماني فالعقل

الأول أول ما يربه الخليفة من عالم الأرواح فالخليفة سلطان العالم كله .
(ولهذا) أي ولأجل كون الخليفة غيبة (بحجب السلطان) عن الخلائق لوجود نوع من معنى الخلافة فيه، لما فرغ عن بيان الارتباط الذي يحصل العالم لنا به شرع في بيان الارتباط الذي احتجب الحق عنا به.
فقال : (ووصف) أي وستر (الحق نفسه) وإنما فسرنا الوصف بالستر لأنه لا يقال في كل لسان من الأنبياء والأولياء الله جسم طبيعي أو جسم نوري.
بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم  : "إن الله سبعين ألف حجاب" ولم يقل ألف صفات فلا حظ للوجوب الذاتي في هذه الأشياء على الوصفية كما لا حظ لنا في الوجوب الذاتي .
فظهر أن مراد الشيخ بالوصف الستر أو غير ذلك من المعنى المناسب الحضرة الحق واللائق به لا ما اصطلح عليه القوم .
وإنما اختار لفظ الوصف ليجانس ما قبله وينظم كلامه في مسألة الارتباط في سلك واحد وهو نوع من البلاغة أو المعنى وصف نفسه (بالحجب الظلمانية) أي وصف نفسه بالأسماء التي هي مظاهر لها أو المعنى وصف نفسه بصفات الحجب الظلمانية.
كما قال : "جعت ومرضت" وغير ذلك مما ورد به الإخبارات الإلهية (وهي الأجسام الطبيعية و ) وصف نفسه بالحجب (النورية وهي الأرواح اللطيفة فالعالم) دائر (بين کثیف) طبيعي (ولطيف) روحاني ولما وصف نفسه بالحجب الظلمانية والنورية وكنا بين كثيف ولطيف احتجب ذاته تعالى عنا بنا .
فحجابنا علينا في الحلق عين وجودنا وهو معنى قوله : (وهو) أي العالم (عین الحجاب على نفسه) أي على العلم فإذا كان وجود العالم عين الحجاب على نفسه .
(فلا يدرك) العالم (الحق إدراكه) أي العالم نفسه، فإنه لما اتصف بالعالمية فلا يقع نظره على ذوق وشهود إلا إلى العالم لا إليه تعالى.
(فلا يزال) العالم (في حجاب لا يرفع) وإلا لانعدم العالم .
كما قال : "إن الله تعالی سبعین ألف حجاب من نور وظلمة لو كشفها لاحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه".
(مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره) يعني أن هذا الحجاب لا يمنع علمه بأن الله واجب بالذات وغني عن العالم والعالم بذاته مفتقر إليه تعالى.
قوله : (ولكن لا حظ له) أي لا علم للعالم علم ذوق (في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق) استدراك عن قوله مع علمه فإذا لم يكن له حظ في الوجوب الذاتي (فلا يدركه أبدا) .
أي فلا يدرك العالم الحق تعالی أبدأ . علم ذوق من هذا الوجه. فإن ذوق الشيء شيئا في غيره فرع ذوقه ذلك الشيء في نفسه . فإذا لا يدركه من هذه الحيثية.
(فلا يزال الحق من هذه الحيثية غير معلوم علم ذوق وشهود لأنه لا قدم) بفتح القاف أي في الاتصاف (للحادث في ذلك) الوجوب الذاتي حتى يعلم الحادث الحق علم ذوق وشهود من هذه الحيثية ولو كان ذلك الحادث من أهل الله تعالى .
فقد لزم من هذا الكلام مسالة مهمة لم تجيء بيانها في الكتاب وهي أنه كما لا حظ له في الوجوب الذاتي .
كذلك لا حظ له في الصفات القديمة إذ لا يتصور قدم الصفات مع حدوث الموصوف فلا يدرك العالم الحق أبدأ فلا يزال الحق من حيث القدم غير معلوم علم ذوق وشهود .
لأنه لا قدم للحادث في القدم فعلم الحادث للقديم من حیث القدم ليس من المعلوم الذوقية بل بمجرد الاطلاع.
فإذا لم يكن للحادث قدما في الوجوب الذاتي لم يكن جامعة لجميع الصفات الإلهية. وقد كان الله جمع لآدم بين يديه.
(فما جمع الله لآدم بين يديه إلا تشریفا) على سائر المخلوقات لا لشرفه في حد ذاته فلو لم يشرفه الله تعالى فهو كسائر الموجودات.
كما أن مكة المشرفة بتشريف الله تعالى . وإلا فهو واد كسائر الأودية فلا يكون جمعية الإنسان الكامل علة تامة الجمعية اليدين بل لابد في التشريف من تشریف الحق.

(ولهذا) أي ولكون الجمع للتشريف (قال الله تعالى : "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" 75 سورة ص .
فإنه مستحق أن تسجد له لشرفه عليك لكونك مخلوقة بيد واحدة .
وهذا التشريف أي تشريف جمع اليدين مختص لآدم (وما هو) وليس جمع اليدين لآدم (إلا عين جمعه) أي إلا عين جمع الله لآدم .

(بين الصورتين صورة العالم) وهي مجموع الحقائق الكونية (وصورة الحق) وهو مجموع الحقائق الإلهية من الأسماء والصفات .
فآدم عبارة عن الصورتين واليدين (وهما) أي الصورتين (يد الحق) باعتبار اتحاد" سريان السر الإلهي" الظاهر والمظهر إذ بهما يتصرف الحق فعبر عنهما باليدين كما عبر عن الجلال والجمال .
فما أمر الملائكة إلا لأن يسجدوا لله تعالی . فكانت سجدتهم لله وقبلتهم آدم . وأبي إبليس عن أمر به لعدم علمه "جهله " بذلك.
(و ابلیس جزء من العالم) فكان جزءا من جزء آدم (لم تحصل له هذه الجمعية التي لآدم ولهذا) أي ولأجل حصول هذه الجمعية لآدم (كان آدم خليفة) .
فإذا كان خليفة فلا بد أن یكون ظاهرة بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه (فإن لم يكن) آدم (ظاهرة بصورة من استخلفه فيه) أي في العالم (فما هو خليفة) لامتناع التدبير والتصرف حينئذ.
وكذلك لا بد أن يكون نائبا فيه جميع ما تطلبه الرعايا (وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها ) فليس بخليفة .
حذف الجواب للعلم به وإنما وجب أن يكون فيه جميع ما تطلبه الرعایا.

(لأن استنادها) أي استناد الرعايا (إليه) أي إلى آدم لا إلى غيره .
فإذا كانت مستندة إليه (فلا بد أن يقوم) عليهم (بجميع ما يحتاج إليه وإلا) أي وإن لم يقم بجميع ما يحتاج إليه (فليس بخليفة عليهم) .
فإذا كان الأمر كذلك (فما صحت الخلافة إلا للإنسان الكامل) لا لغيره من المخلوقات.ولما فرغ عن ذكر الخلافة شرع في تصريح بما علم
التزام بقوله: (فأنشأ صورته) أي صورة الإنسان الكامل (الظاهرة) الموجودة في عالم الشهادة وهي صورة الجسدية (من حقائق العالم وصوره) أي ومن صورة العالم.

(وانشأ صورته الباطنة) وهي صورته الروحية الموجودة في عالم الغيب وهو المراد من قوله خلق الله آدم (على صورته) أي على صفات الله وأسمائه .
(ولذلك) أي ولأجل إنشائه على صورته (قال فيه) أي في حق آدم (كنت سمعه وبصره) .
وهما من صفات الله تعالى (وما قال كنت عينه وأذنه) وهو من جوارح الصورة البدنية.
(ففرق بين الصورتين) صورة الباطن والظاهر فظهر أن هوية الحق بصفته ساري في الخليفة (هكذا) أي كما أن الحق ساري في الإنسان الكامل .
كذلك (هو) أي الحق ساري (في كل موجود من العالم بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود لكن ليس لأحد مجموع ما للخليفة فما فاز) أي فما ظفر إلا الإنسان الكامل بالخلافة .
يدل عليه قوله : بعد وهی المجموع الذي به استحق الخلافة (إلا بالمجموع) أي بسببه لا بدونه . فكان الحق ساريا في كل موجود من الخليفة وغيره .
(ولولا سريان الحق تعالى) أي وجود الحق (في الموجودات بالصورة) أي بالصفة .
وهو بمعنى الإحاطة لا بمعنى الحلول والاتحاد وهو باطل عند أهل الحق بالاتفاق وقد ذكر بطلانه في كثير من الكتب الصوفية.
(ما كان للعالم وجود) لأنه بنفسه معدوم فافتقر العالم إلى الحق في وجوده.
(كما أنه) أي كما أن الشأن (لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية) من الحياة والعلم والقدرة وغير ذلك (ما ظهر حكم) وأثر كما ذكر من قبل (في الموجودات العينية) فلزم منه أنه لولا تلك الموجودات العينية ما ظهر حكم.
(ومن هذه الحقيقة) أي و من سريان الحق بالصورة في الموجودات (كان) أي حصل (الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده) ومن الحق إلى العالم في ظهور أحكامه فإذا كان الأمر كذلك.
شعر:
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني
(فالكل) أي كل واحد من الحق والعالم المفتقر إلى الآخر من جهتين مختلفتين (ما الكل مستغني).
أي ليس كل منهما مستغن (هذا) أي افتقار الكل وعدم استغنائه (هو الحق) وغيره ليس بحق.
ولذلك (قد قلناه لا تكني) أي لا نترك أو لا نستر بل فلناه صريحا لا قلناه كناية أي سترا.
(فإذا ذكرت غنيا لا افتقار به) أي : إن سئلت أن الله غني عن العالمين فكيف قلتم إن الله مفتقر إلى العالم صدقت .
لكن الغني من حيث الذات بدون اعتبار الصفات لا من حيث الصفات فهو معنى قوله : (فقد علمت الذي بقولنا نعني).
أي علمت مرادنا بقولنا فالكل مفتقر ما الكل مستغن من حيث الأسماء والصفات لا من حيث الذات .
فلا ينافيه الغناء الذاتي فثبت أن الاستغناء من حيث الذات والافتقار من حيث الصفات هذا هو المعنى الذي أخذه القوم في هذا المقام من كلام الشيخ .
لذلك قال بعض الشارحين الباء في به بمعنى اللام أي لا افتقار له أو بمعنى في أي لا افتقار في كونه غنيا أما أنا فأقول معناه أن يقول لما قال .
(فالكل مفتقر ما الكل مستغن) فكأنه قال المعارض لا بل الكل مستغن لا افتقار به فأشار إلى المعارضة بقوله فإن ذكرت غنية لا افتقار به .
والافتقار بمعنى الارتباط لذلك تعدى بالباء دون إلى كما قال .
(فالكل بالكل مربوط) أي فإن وصفت الحق بالغناء عن العالمین لا افتقار به أي لا يرتبط العالم به من حيث غناء الحق عنه .
كما لا يرتبط الحق به فإنه إذا استغنى الحق به عن العالم فقد استغني العالم عن الحق من جهة استغناء الحق عنه فإن المعلول مستغن عن غير عليه.
والعلة لوجود العالم مجموع الذات والصفة لا الذات وحدها فثبت على هذا التقدير أن الكل مستغن .
أي كل واحد من الحق والعالم مستغن عن الآخر لا يرتبط أحدهما بالآخر ولأجل الإشارة إلى هذا المعنى أورد الباء دون اللام ومن غير الباء عن معناه إلى غيره من الحروف. فهو من عدم ذوقه هذا المعنى من كلام الشيخ .
فانظر بنظر الإنصاف إلى ما ذكره القوم وإن كان صحيحا في نفسه لكنه ليس من مدلولات هذا الكلام .
وأشار إلى جواب المعارضة بقوله "فقد علمت الذي بقولنا" نعني فإذا كان الأمر كذلك (الكل) أي مجموع العالم (بالكل) أي بالحق من حيث
الأسماء والصفات وبالعكس مربوط فليس له أي ليس لمجموع العالم.
(عنه) عن الحق من حيث الأسماء وبالعكس (انفصال خذوا ما قلته عني، فقد علمت حكمة) أي أصل (نشأة جسد آدم) وهو أي أصل نشأة جسده
قوله من قبل فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوره.
قوله: (أعني صورته الظاهرة) تفسير لنشأة الجسد لا لحكمة النشاة .
فكذلك قوله : (وقد علمت نشأة روح آدم) وهي قوله : وأنشأ صورته الباطنة على صورته.
قوله : (أعني صورته الباطنة) تفير لنشأة الروح وإنما فسر ليعلم أن المراد بأدم الروح الكلي المحمدي لا آدم الذي خلق من طين (فهو الحق في الخلق) .
(وقد علمت نشأة رتبته وهي المجموع الذي به استحق الخلافة فآدم) أي أدم كبير وهو الخليفة وهو العقل الأول.
(هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني)، وهو آدم أبو البشر وبنوه.
(وهو) أي قولنا معنى (قوله تعالى :" يا أيها الناس") أي النوع الإنساني"اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة" وهي الخليفة المسمى بالإنسان الكامل والعقل الأول .
( وخلق منها زوجها ) النفس الكلية (" وبث منهما رجالا كثيرا ") عقولا ("ونساء") نفوسا .
(فقوله " واتقوا ربكم" ) معناه (اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم) أي انسبوا ما فعلتم من النقائص والشرور إلي أنفسكم و نزهوا ربكم عنها.
(واجعلوا ما بطن منكم وهو ربكم وقاية لكم) أي انسبوا الكمالات إلى ربكم لا إلى أنفسكم .
(فإن الأمر ذم وحمد فكونوا وقايته في الذم واجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين) .فقد ظهر أن المراد بتفسير الآية الأدب السالكين.
(ثم) أي بعدما أوجده على ما ذكر (أنه تعالى أطلعه) أي أطلع الله هذا الوالد الأكبر لأن الخليفة يجب أن يطلع على ما اختزنه الحق تعالى فيه ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها فيعطي كل ذي حق حقه بأمر الله تعالى .
(على ما أودع فيه) أي في شأنه من الصفات الإلهية والحقائق الكونية وصورها (وجعل ذلك) المودع (في قبضتيه القبضة الواحدة فيها العالم و) في (القبضة الأخرى آدم وبنوه وبين مراتبهم فيه) يتصرف ما في قبضته خلافة عن الله تعالى.
(ولما أطلعني الله في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر جعلت في هذا الكتاب منه) مما اطلعت عليه (ما حد لي لا) كل (ما وقفت عليه فإن ذلك لا يسعه كتاب ولا العالم الموجود الآن) . 
فهذا الكلام يدل على أن من رآه في مبشرة وأعطى له نصوص الحكم هو الروح الأعظم المحمدي الذي ظهر وتمثل له في الصورة المحمدية .
ويدل أيضا على محاذاته رتبة الوالد الأكبر في الاطلاع على ما في القبضتين فانظر بنظر الإنصاف إلى هذا الكامل في رتبة العلم كيف ينكر كلامه.
(فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم حكمته إلهية في كلمة آدمية وهو هذا الباب)
الفاء في فمما لجواب الشرط المحذوف أي لما كان الأمر ما قلناه.
ومن زيادة في المرفوع وجاز زيادتها في الموجب على رأي الكوفيين والأخفش وإنما اختار الزائد ليشاكل قوله مما نودعه.
وما مبتدأ بمعنى الذي ومن في مما نودعه بيان له. وحكمة إلهية خبر فمعناه فالذي شهدته في هذا الإمام ونودعه في هذا الكتاب حكمة إلهية .
و هذا أولى مما قاله بعض الشراح وهو قوله: حكمة مبتدأ خبره مما شهدته قدم علیه تخصيصا للنكرة وليت لي وجه لهذا الوجيه.
فإن قوله حكم نكرة مخصصة بالصفة وهي قوله : إلهية في كلمة آدمية فيقع بها مبتدأ من غير احتياج إلى التقديم قوله تعالى: "وأجل مسمى عنده " 2 سورة الأنعام.
قال القاضي البيضاوي وأجل نكرة خصصت بالصفة .
ولذلك استغنى عن تقديم الخبر فلا يصح تعليل التقديم بتخصيص النكرة وإلا يلزم تحصيل الحاصل فلا بد للتقديم وجه آخر.
فإذا إذا قلنا رجل مؤمن في الدار وسئلنا لم جعل رجل مبتدأ وحقه أن يكون معرفة قلنا قد تخصص بالصفة .
وإذا قلنا في الدار رجل مؤمن وقيل لم قدم الخبر قلنا: للحصر.
وأما إذا قلنا في الدار رجل وسئلنا قلنا: تخصيصا للنكرة فعلى تقدير جعله مبتدأ لا وجه للتقديم أصلا لا حصرا ولا تخصيصا.
وأيضا يمكن السائل أن يقول إن الفاء وإن كانت لازمة للجملة إلا أنه لا وجه لدخولها في الخبر ههنا فإن قد شرط النحاة لجواز دخول الفاء في خبر المبتدأ.
وقالوا إذا تضمن المبتدأ معنى الشرط جاز دخول الفاء في خبره ذلك .
إما أن يكون اسما موصولا صلته فعل أو ظرف أو نكرة موصوفة بأحدهما تم كلامهم وأنت تعلم هل شيء من هذه الشروط ههنا .
فنجيب عن الثاني بأن الشروط المذكورة لفاء خبر المبتدأ وأما الفاء الذي نحن فيه وإن دخل على الخبر لكنه ليس الخبر المبتدأ بل لربط الجملة إلى ما قبلها .
وهو يقتضي صدر الكلام فايهما يقع في الصدر دخلت عليه خبرة كان أو مبتدأ فلا اختصاص له بالخبر أو المبتدأ .
فدخولها هاهنا على الخبر لتقدمه على المبتدأ ولو قدم المبتدأ لدخل عليه والفاء الذي اقتضى الشروط مختص بالخبر لا يجوز دخوله على المبتدأ قدم أو أخر .
وظني أن جعله خبرا مع كونه معرفة متقدمة.وحكمة مبتدأ مع كونها نكرة ولو مخصصة لعدم علمه بزيادة من:
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
(و فص كل حكمة الكلمة التي تنسب إليها.)
(فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.)
(فامتثلت ما رسم لي، ووقفت عند ما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت، فإن الحضرة تمنع من ذلك.)
(و الله الموفق لا رب غيره.)

"رأي محقق الكتاب الشيخ فادي أسعد نصيف :
أن المراد بأدم هو الصورة الإلهية الجامعية لكل حقائق الوجود وأن الحق سبحانه لما أحب أن يعرف نجلى لنفسه في نفسه في هذه الصورة التي كانت بمثابة المرآة ورأى جميع كمالاته فيها فجعلها الغاية من الوجود وخلق العالم الأكبر من أجلها.
وهنا نرى الشيخ الأكبر ابن العربي يرمز بشيت ابن آدم إلى تجلي آخر للحق وهو تجليه في صورة الخالق الذي يمنح الوجود لكل موجود أو باصطلاح المؤلف يظهر في وجود كل موجود."

.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment