Saturday, July 20, 2019

مقدّمة الشارح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

مقدّمة الشارح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

مقدّمة الشارح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي 

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

بسم الله الرحمن الرحيم ابتدأت ، وعليه توكَّلت في جميع أموري .

حمد الحمد أحقّ محامد الحق ، وأحمدها في مجامع الصدق ، وأجمع مناهج المحقّق المحقّ . وحق الحقّ أن يحمد بالأحرى والأحقّ ، ويصدّق في الأعلى والأشقّ ، ويعبد بخالص العبودية والرقّ ، عن شائبة الربوبية وشانئة الحرّية والعتق .
هو الحامد ذاته بذاته في ذاته وحقائق ذاته ، برقائق أسمائه وصفاته ، في حدائق حضرات تجلَّياته ، ودقائق نسب درجاته .
يحمد هويّته الكبرى وإنّيّته العظمى ، بتعيّنات باطن هويّاته ، وتنوّعات ظاهر إنّيّاته ، حمدا جامعا بين التسبيح والتحميد ، مطلقا عن التسريح والتقييد ، بالتجريد وتشبيه التحديد والتجديد ، محيطا بكثرة التوحيد وأحدية التعديد .
هو الحامد الحميد ، والماجد المجيد ، باطن هويّته ظاهر بإنانيّته ، أوّل في غيب غيبه ، آخر في عين غيبه  ، مطلق التعيّن في كلّ متعيّن بأنّه متبيّن بإنّيّته .
أوّليته ، وآخريته وباطنيته وظاهريته وأزليته وأبديته وأحديته وصمديته نسبه الذاتيّة لا ذاتيته ، فغيب غيبه هويته ، وتعيّن عينه إنّيّته ، وباطن باطنه ذاتيته ، وظاهر باطنه  إنائيّته .
 وظاهر ظاهره إلهيته ، وشهادة ظاهره ربوبيته وحقيقته ، وظاهر مظهره مربوبيته وخلقيته ، وجميع هذه النسب تقتضيها حقيقته .
فسبحان الله الواحد الأحد ، الذي لا يقدح في أحديته كثرة ما يتعدّد ، ولا يمدح أبدا بوحدانيته الخاصّة أحد ، وهو يتعالى أن يوحّد بوحدة محدودة يداخل حد العدّ ، وخارج العدد .
في الأزل والأبد ، حوله لا بأحد ، قوّته لا بعدد ، دوامه ممد المدد ، وبقاؤه يفني المدد ، وسرمديّته لا باعتبار أمد إطلاقه لا يتقيّد بالمطلق والمقيّد ، ووجوده قيّوم ما وجد ويوجد ، أبدا الأبد ، وسرمد السرمد .
والصلاة على السيد العبد ، حامل لواء الحمد ، صاحب المطلع والحدّ .
معدّ نون المدّ ، وممدّ ألف القدّ ، ومحيط حدّ خاء الخدّ ، يعيّن ، أحدية المحبّة والودّ ، وغير غيرية العدّ ، منزّل أحدية جمع الحكم والأسرار ، ومحصّل جمع جميع الكلم والأنوار .
ومفصّل جوامع الجمل في عيون مجامع الأعيان والأغيار ، حامي حريم السرّ بحكمة الستر ، ما حي أثر الشرك وعين الكفر ، حاشر حروف المعاني الشهودية ، من قبور الكلمات الوجودية ، إلى أرض حشر الرشح بالرشحات الجودية ، والنفحات النفسية الودودية .
عين أعيان العناية ، وحرف حروف الهداية ، وكلمة كلم الخصوص ، وحكمة حكم النصوص ، مسمّى الأسماء واسم الذات ، والمثل المنزّه عن مثليّة المتماثلات ، رفات "كاسر" الخرافات المتقابلات المتخالفات ، وأشكال "الزينة" أشكال المتشاكلات المؤتلفات .
محمد المصطفى لفتح أبواب الشفاعة الكبرى ، وختم نبوّات الشريعة المثلى ، سيد الأنبياء والمرسلين ، وسند الأولياء الكاملين المكمّلين ، أحد جمع حقائق الكمّل ، زبدة خلاصة المفصّل والمجمل ، وعلى آله وأهله الأطهار ، وإخوانه الكاملين الأخيار .
مراكز أفلاك المحيط الأشمل ، وعلى سائر صحابته وأتباعه نقطة دوائر العلم والعمل.
خصوصا على وارثه الأكمل ، ومظهره الأتمّ الأجمع الأفضل ، شيخ الكمّل ، الإمام العلَّام ، المخصوص بالوراثة الآخريّة  وختمية الخصوص ، والمنصوص على أكملية وراثته عن خاتم نبوّة الشريعة والنصوص ، واضع أوضاع الحكم في مواضعها من نقوش الفصوص .
مبرّز صفوف عبيد الاختصاص الإلهي بين يدي الحقّ كأنّهم بنيان مرصوص .
علم العالمين بالله في العالمين ، عمدة الورثة الكاملين المكمّلين ، أبي الأولاد الإلهيّين ، خاتم الأولياء المحمّديّين ، محيي الحق والدين ، أبي عبد الله ، محمد بن علي بن محمد بن محمد بن محمد بن العربيّ الطائيّ الأندلسيّ رضي الله عنه وأرضاه به منه وعلى إخوانه وأولاده الإلهيّين أجمعين إلى يوم الدين .
أمّا بعد :
فإنّ كتاب « فصوص الحكم في خصوص الكلم » من منشآت هذا الكامل الخاتم ، مفخر بني طيّئ وآل حاتم جليل القدر ، عظيم الشأن والأمر .
يروي غليل الصدر ، ويشفي عليل الطلب والشوق لاستجلاء هذا النور ، واستحلاء ما فيه من الذوق والسرور ، يحتوي على كلمات أذواق الحضرات الأسمائية ، وينطوي على أمّهات أسرار الحرم النبوية الاصطفائية ، وأنوار الحصص والنسب الأحدية الجمعية الكمالية .
ويتضمّن نصوص مشارب الكمّل من الأنبياء والمرسلين ، وخصوص مآخذهم من التوحيد ومواجيد الأفاضل منهم والكاملين.
وهو مخصوص بيان ذوق كلّ نبي كامل من الخلفاء الإلهيّين ، ولكن من الوارث المحمدي الختمي ومشرب خاتم النبيّين ، على التخصيص والتعيين ، لا من ورثة غيره من كمّل الأنبياء المذكورين ، صلوات الله عليه وعليهم أجمعين .
وليس كذلك ذوق سائر أولياء الورثة المقرّبين على ما سيرد عليك في متن هذا الكتاب ، وضمن ما يحوي من الصفاوة واللباب ، إن شاء الله ربّ العالمين .
ولهذا السرّ نهى الشيخ رضي الله عنه أن يجمع بين هذا الكتاب وبين غيره من الكتب في جلد واحد .
سواء كان من مصنّفاته أو مؤلَّفات غيره من أفاضل أصحاب التحقيق ، وأما جد أرباب الطريق ، لأنّ مشرب مقام النبوّة وحماها ، يجلّ ويعلو ويعظم وينبو عمّا سواه .
والأنسب أن تكون أذواقها الخصيصة بمشاربها ، وعلومها المسيسة بمآربها مرفوعة ومعزّزة ، ولا يخلط بينها وبين غيرها ، فتبقى محفوظة ومحرزة مميّزة .
فمن فهم ما أودع مضمونه ، علم من علم النبوة مكنونه ، وفهم من سرّها مضمونة ومصونة . 
ومن تدبّر من أهل حكمه وحكمه أنواعه وفنونه ، فجر الله من سرّه وقلبه ينابيع الذوق وعيونه ، وحصّل من مشربه الخاصّ به ميزانه وقانونه ، وكشف الله له من كلّ مقام من المقامات النبوية الكمالية والدعوة الحقّة إلى الله مشهوره ومخزونه .
ولطالما تطاولت أعناق الهمم المتعالية المتغالبة إلى أسوار ، أسرارها وحسرت عن سواعدها ، وحدقت بابصارها ، فتقاصرت عند تطاولها ، عن تناولها بأيد قصيرة ، وانقلبت بأبصارها عن استجلاء أنوارها حسيرة .
فقنعت عن غور فوائدها ر ممّا تحت بحث معاني كلامه ، ومغاني بديع نظامه ، من حقائق كثيرة ، ومعان خطيرة ، ودقائق خفيّة حفيّة ومستنيرة ، لا يظفر بها إلَّا من كان من أمرها على بصيرة ، فإنّها لا تنال إلَّا بالكشف والإلهام ، وتجلَّي التعريف والإعلام .
ولقد ندبنى إلى شرح معضلاتها وحلّ معقّدتها أكابر علماء الأعلام ، ورغب إليّ في كشف مشكلاتها ، وتفصيل مجملاتها ، وتحصيل محتملات إشاراتها أقوام بعد أقوام .
وطلب إيضاحها واستشراحها من الأصحاب والأقران الكرام ، والأحباب والإخوان الأماجد العظام كلّ إمام علام .
فكنت أكل في كلّ ذلك أمره إلى الله ، وأقدّم الاستخارة والاستجازة على سنّة أهل الله ، عارفا بصعوبة اطَّلاع كلّ سالك على مسالك طريقه ، عالما بضيق عطف كلّ ذي مقام ووطن عن اتّساع ممالك تحقيقه .
لارتفاع مآخذها ومشاربها عن أوكار الأفكار والأفهام ، وامتناع مداركها ومآربها عن أكثر العقول والأوهام.
وربما استصغرني عن هذا الشأو كلّ مستكبر ، واستعظم ذلك عن قدري كلّ مستحقر مستهتر ، ويجلّ  منزلته عن رواية مثله عنّي كلّ معجب بنفسه متكبّر .
ولا سيّما وأهل الزمان في هذا الطور الكشفي ، والتحقيق الشهودي الوهبي بين جاهل بقدرة وبحقّه جاحد ، وبين مستشعر بعلوّ مكانته من وراء حجاب الفكر وعليه حاسد ، فيستنكف في زعمه أن يصعب عليه حلَّه ، أو يرتفع عن حلّ مثله محلَّه .
ويغمض عليه كثره وقلَّه ، ويدقّ عن فهمه دقّه وجلَّه لأنّه في زعمه علم في علم العربية بالموازين النظرية ، والقوانين المنطقية الحكمية .
وعليه مدار العلوم الطبيعية والرياضية ، مشار اليه في الأصول الإلهية وسائر الفصول الحكمية .
وعليه مدار العلوم الكلامية والفقهية ، عالي الرواية في الأحاديث والأخبار النبوية والآثار المصطفوية ، جامع دقائق التفاسير المأثورة ، حاوي حقائقها المشهورة والمستورة .
وهذه هي أصول العلوم الكافية الوافية ، وعن أمراض أنواع الجهالات والضلالات هي الشافية ، ولجميع الشكوك والشبه نافية .
فأنّى يخفى عليه ويبقى لديه من علوم الحقائق وإشارات الصوفيّة خافية باقية ؟
ثمّ النفوس مع هذا مغراة بمعاداة ما تجهل ، مضرّاة بمناواة من ترى أنّه أفضل .
وهي مجبولة على مماراة من تتحقّق الفضيلة في مباراته ، لا بمداراة من تتبيّن الشرف في مجاراته بالجدل.
وقد ظنّت الكمال في المنافسة في الأعلى والأكمل ، والمناقشة في الأولى والأمثل .
فكبّر كلّ كل أحد بما عنده من المعتقد ، الذي أول أوّلا برأيه ، وعوّل عليه ثانيا واعتمد فحجب إمّا بالعجب عمّا لم يجد ، أو بالعجب بما أدرك في زعمه ووجد .
فهؤلاء ينكرون عليّ ما ينكرون ، أو يستكثرون ويتوهّمون عدم صحّة ما لا يفهمون .
" كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ "آية 14 سورة المطففين.
 ثم يوم القيامة  " بَدا لَهُمْ من الله ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ " آية 47 سورة الزمر.
" بَلْ قُلُوبُهُمْ في غَمْرَةٍ من هذا وَلَهُمْ أَعْمالٌ من دُونِ ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ " آية 63 سورة المؤمنون .
"  كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ " آية 53 سورة المؤمنون .
فكلّ منهم على عبادة هواه عاكف ومقيم ، قد اتّخذ إلهه هواه وهو مليم ، يرغب عن الصحيح القويم ، إلى المعتلّ السقيم ، وينكب عن الرجيح المستقيم ، إلى المختلّ العقيم .
ويجنح إلى ما يرجّح في زعمه ومبلغ علمه ، فيهتمّ به وفيه يهيم ، ويحتجّ بما يختلج في وهمه وغاية فهمه بتسهيل  شيطانه الرجيم ، ولا يتذكَّر أنّ " فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ " آية 76 سورة يوسف.
" وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا به فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ " آية 11 سورة الأحقاف .
هذا ، وإنّ لكلّ ذي فهم صحيح ، وصاحب بحث رجيح ، من ذوي القلوب وأرباب الألباب ، في ظاهر عبارات هذا الكتاب .
وسائر إشاراته إلى سائر ما يحويه من اللباب فوائد كثيرة ، وزوائد عزيزة غريزة ، يتوهّم بذلك أنّه على أوفر حظَّ ونصيب .
وأنّ سهمه في حقيقة الأمر مصيب ، وأنّ شعبه في شعب هذا المرتع المريع خصيب .
ولو رزق الاتّصاف بالإنصاف ، ورفق على الاستشراح والاستكشاف ، وجانب طريق المجادلة والاعتساف ، ولم يصدفه عن التعلَّم بتعليم العلم صادف الاستنكاف ، ولم يصرفه عن التسلَّم والتسليم صارف الخفّة والاستخفاف .
لفاز بالاطَّلاع والاستشراف على أشرف الأوصاف وأوصاف كلّ الأشراف ، وحاز جواهر عوارف المعارف بالاعتراف ، عند الاغتراف عن بحور نحور معارف رجال الأعراف .
وتحقّق أنّ الوقوف على حقيقة المراد والفحوى ، بعيد والله عن مرمى أهل الرعونة والدعوى ، وأنّ العثور على المعنى المعنيّ من كلّ لفظ ومعنى ، هو المقصد الأسهمى والغاية القصوى .
فلمّا كان الأمر على ما ذكرت ، بكَّرت وفكَّرت في الإقدام على ملتمسهم ، والإحجام على مقترحهم ، ونكَّرت وأقبلت وأدبرت وذكَّرت كلَّا منهم صعوبة ذلك .
وأنكرت واستكبرت ، وأخبرت إلى بعد ما خبرت الأمر ، واختبرت وتخيّرت تحيّرت ، فكلّ منهم رماني بسهام ملامه ، وادّعى أنّه استعلم الأمر من عند علَّامه ، وأنّي آثم عند الله إن أقصرت عن تعليمه أو قصّرت في إعلامه ، وأعرضت عن إيصاله إلى بغيته ومرامه .
فلمّا ألحّوا عليّ كلّ الإلحاح ، وأقبلوا عليّ بوجوه الحق الصراح ، في هذا الاقتراح بالاستشراح ، فلم أجد مساغا ولا سبيلا إلى التصدّي للصدود والانتزاح ، ولا مجالا ودليلا في تعدّي حدود الصلاح والاستصلاح.
فاستجرت بالله تعالى واستنجزت واستبصرت واستنصرت ، فأيّدت بروح منه ونصرت ، فشرعت بحمد الله  في بيانه بعد تبيانه .
ورشحت بشرحه في أوانه وإبّانه ، وسمحت بتعيين المقصود بعد عيانه ، واستفتحت الكلام بلسان الفتّاح العلَّام ، واستنجحت كشّاف المشكلات على أتمّ نهج وأحسن نظام .
وهو وليّ التعليم والإعلام ، والمليّ بحقائق الأفهام للإفهام ، بتجلَّي التعريف والإلهام ، والموفّق لإتمام الكلام على أتمّ ختام .
والحمد لله أوّلا وآخرا وباطنا وظاهرا ، وعلى أكمل رسله أفضل صلاة وسلام .
تمهيد  ذكر ألقاب شيخه صدر الدين القونوي 
ولقد كان سيّدي وسندي وقدوتي إلى الله تعالى ، الإمام العلَّام ، علم العلماء الأعلام ، شيخ مشايخ الإسلام ، حجّة الله في الأنام ، سلطان المحقّقين ، كهف العارفين الواصلين.
ذخر العالمين بالله في العالمين ، إمام الورثة المحمدّيين ، مكمّل الأفراد والندر من الأولاد الإلهيّين ، أبو المعالي ، صدر الحق والدين ، محيي الإسلام والمسلمين ، محمد بن إسحاق بن محمد بن يوسف القونوي  رضي الله عنه وأرضاه به منه .
شرح لي خطبة الكتاب وقد أظهر وارد الغيب عليه آياته ، ونفح النفس الرحمانيّ بنفحاته ، واستغرق ظاهري وباطنى روح نسماته ، وفوح نفائس أنفاسه ونفثاته .
وتصرّف بباطنه الكريم تصرّفا عجيبا حاليا في باطني ، وأثّر تأثيرا كماليا في راحلي وقاطني ، فأفهمني الله من ذلك مضمون الكتاب كلَّه في شرح الخطبة ، وألهمني مصون مضمون أسراره عند هذه القربة .
فلمّا تحقّق الشيخ رضي الله عنه منّي ذلك .
وأنّ الأمر الإلهي وقع بموقعه من هنالك ، ذكر لي أنّه استشرح شيخنا المصنّف رضي الله عنه هذا الكتاب ، فشرح له في خطبته لباب ما في الباب ، الأولي الألباب .
وأنّه رضي الله عنه تصرّف فيه تصرّفا غريبا علم بذلك مضمون الكتاب ، فسررت بهذه الإشارة ، وعلمت أنّ لي أوفر حظَّ من تلك البشارة .
ثم أشار إليّ بشرحه ، وأمرني برعاية الطالب في ذلك ونصحه .
فكتبت عن أمره بمحضر منه شرح الخطبة في الحال ، على ما شرح بالمقال ، ورشح بالوقت والحال ، امتثالا لأمره ، وإجلالا لقدره ، وفعالا بنفسه المبارك وحكمه ، وتيمّنا بلطفه المتبرّك ، مستمدّا من علمه وسرّه ، وأودعت في ذلك مجملات القواعد والضوابط الكلَّية ، وأمّهات الحكم والأسرار العلَّية الإلَّيّة ، وتفصّل المجمل في سرّي .
ثم أشغلني عن إتمام الشرح تفرّغي لأمره لا عن أمري ، وفجئتني أوامر الحق التي لا رادّ لها من حيث أدري ومن حيث لا أدري ووكلت إليه أمر ذلك إلى أن يعيّن لذلك صفاء وقت وحال من خلاصة عمري ، حتى توفّي الشيخ رضي الله عنه في بلاد الروم .
وانتقلت بعده إلى دار السلام ، وهجم الحقّ عليّ فيها كلّ الهجوم ، ولزمت باب الانقطاع إلى الله والخلوة أيّ لزوم ! .
وفتح الله لي أبواب رحمته فيها أطلب وأروم ، ووفّقت على شرح بعضه بإلحاح بعض الأفاضل ، ممّن له عليّ بذلك حقّ الفواضل .
ثم سافرنا من دار السلام ، قبل الإتمام ، ولم يرد بعد ذلك ، الوارد عليّ بالإلهام للتمام والختام ، إلى أن آن أوانه ، وحان من عند الله إبّانه ، وأذن الله بإتمامه على أكمل نظامه ، وأتمّ ختامه .
القصيدة الدالية :  
مؤيّد لا يقنع بمشهود شاهد        .......        ففي غيبه أقصى مقاصد قاصد
ولست بتال إن تجده بكلّ ما        .......        فقدت ، فقد حصّلت كلّ المقاصد
وكن صمديّ القصد أقصد مقصد        .......        إلى الصمد القيّوم عزمة صامد
وشاهد تشاهد ، فالمشاهد جاهد        .......        مشاهده مشهودة في المجاهد
فإن جذبة جدتك عن كل جاذب        .......        وجادت بوصل فوق طوق المجاهد
 فلا تكن وازن لما فوق طورها         .......         ولا تتركن الجد واجهد وجاهد 
وكن جامعا بين الوصولين واصلا         .......        بجذبة مجذوب مجاهد جاهد 
وحاقق  وحقق - إن تحققت شاهدة         .......        لعينك من غیب۔ جميع الشواهد   
فإن  تتبين  أن  حقا  حقيقة         .......        تعيين في مجلاك، فأثبت وشاهد
وأي تجل كان من أي حضرة        .......        إلهية أو باطن الذات وارد 
فحق لحق أن  يقوم  بحقه         .......        أحق قیام قائما بالقواعد 
وإن كان روحا، روح القلب ریحه        .......        بروح وريحان وعين الفوائد 
ونفس عن النفس النفيسة كربها         .......        بأنفس أنفاس الوجود وساعد 
فما النفس إلا أنفس النفس الذي         .......        تنفسها الرحمن من نفس واجد 
وإن هي أهوت للهوى يد بيعة         .......        فعظها وتهنهها وخذ بالمراشد 
وإن أولت من أول الأمر، سولت         ....... كوعد لوعده في المواعد واعد       
فلا تطمعن أو طمعن أن تطيعها         .......  وتعطيها منك انقياد المعاضد     
وإن كان روحاني أهل طريقنا         .......      فصدق وصادقه و واعد وعاود   
وكن أنت نورا إن تروحت بينهم         .......    وخل خلال الأنس وأنس وصاعد     
وإن كان خدنا تابعا فمبایع         .......        وإن كان شيطانا عنيدا، فعاند 
فلا تله في لهو وله متألها         .......        وباللهو لا توله ولا تتبالد 
فكل تجل في تجل، وكل ما         .......       تراه تحل في تحل فشاهد 
ولاته بالأشكال عن مشكل بها         .......        فهي للاشكال تشكیل واحد 
نقوش واشكال تراءت كما ترى        .......       على سطح وجه البحر كالمشاهد 
وقل : موجد الأعدام وجدا بجوده !        .......       ومظهر أعيان الغيوب لشاهد !
أعذني وعدلي بالعناية واعدلي        .......       عدوّ عدوّ راصد لي مراصد
وكن لك بي كونا وكن في كناية        .......       وكنني بلا كوني كما كنت واعدى
وكن ظاهرا بي ، باطنا لي بلا أنا        .......       أكن لك عين الكلّ والكلّ فاقدي
فإنّي امرؤ قد خمّر الله طينتي        .......       بسرّ هواه قبل أوّل والدي
ألفت هواه قبل تأليف تالف        .......       وخلَّد في خلد الحقائق خالدي
ولبي له قلبي ولبّى قبل أن        .......      ينادى يناديه طريفي  وتالدي 
ومالي محيد عنه عذرا ولست عن        .......       طريق الهوى العذريّ عمري بحائد
وعهدي به أنّي أهيم بحبّه        .......       وفيّ وفى لي بعهد معاهد
عصيت عذولي طاعة لغرامه        .......       فأسلم " شيطانى " وآمن "ماردي "
وعشق جرى في عرق روحي بقاصد        .......       لقتلي ومن عرق بعينيّ قاصد
حشى في الحشى حاشاك يا جنّة المنى        .......       جهنّم شوق للمواقد واقد
تنهّدت من شوق الذي أبدا معي        .......       تنهّد مثلي ، لا لأجل النواهد
حضوري به حيّ وصبري ميّت        .......       بشاهد طرف باهت غير راقد
حياتي بحيّ لا يموت ، وإن أمت ،        .......       أمت بهواه وهو عيشى بحاشد
ومالي فداء بعد ما قد أفادني        .......       فؤادا فئيدا فيه إن فاد فائدي
وإذ بحياة الحيّ حيّ حقيقتي        .......       فلا بأس إن في حبّه باد بائدي
ولي غوص في الله عن كلّ مطلب        .......       وما فاتني منّي به منه عائدي
تنهّدت لمّا انهدّ طوري بطوره        .......       وينهدّ من أجلي ، أجل كلّ ناهد
سقى بعهاد الأنس معهد عهدنا        .......       ولم آنس إنسا بين تلك المعاهد
يقظت لإدراك النباهة لا ترى        .......       لها أثرا عين غفت في المراقد
لئن طاف بي طيف الحبيب وعادني        .......       فمن عادتي أنّ الوصيد وسائدي
فلو أرم  وصلي بالتنزّل فجأة        .......       فذلك مأمولي وأنهى مقاصدي
يصادفني عما سوى الحق صادف          .......        بجانب صدقي كاذبات المواعد  
وإن عرج الإسراء نحو حماه بي           .......       عرجت ولم أرجع رجوع القواعد
فإني إذا أزمعت في السير نحوه           .......      أسر لم أعرج بالنجوم الرواكد   
فلو ساقني الإقبال نحو فنائه           .......          وصلت إليه بقطع الفدافد   
فشوقي إلى من كان بالأصل شائقي         .......   وشوقي إليه سائقي وهو قائدي
وإن يتفق قصدي إليه وقصده           .......        إلي لأصل الباعث المتوارد     
فقد عاد عيدي جمعة والتقيته           .......        منازله الأوساط للموافد  
وإن القه فوق المواسط إنها          .......         حتي تدلي الرب أكرم وافد  
وإن القه دون المواسط إنها           .......       تدان لدان بعد وهم التباعد 
فخذها مقامات اللقاء مرتبا           .......       عليها تلقى ما يلقى لرائد   
أخذت من العلام علمي، فماله           .......      نفاد وما من عنده غير نافد  
فرائد نفسي من فرائده وما           .......       فرائد قوم من نفوس فرائد   
فهم أخذوا عن ميت ميتا فلا           .......      صفاء ولا ماء مكاء لسامد 
وعيدي جديد كل آن وإن أبت           .......     عناكب ذبان أتت بقدائد     
ومن عنده للعبد في كل لحظة           .......     عوائد أنعام عليه عوائد     
بقلبي ورأسي من گراس نوره           .......   كراسي جبال راسخ غير مائد     
وبصرني بالحق كل محقق           .......      بصیر بأسرار الحقائق ناقد      
وقيدت بالشرع المطهر حكمتي           .......    وأطلقت عقلي عن عقال العقائد     
ورضت سباع النفس علما فما طغت          .......  وأمست أسارى في قيود القائد     
بيت على علم الحقائق فهي لي           ....... وبي إن أجادل دونه أو أجالد         
وفي مهدها نيطت علي تمائمي          .......        وعني بأيديها أميطت معاضدي        
وإن أنا بالتحقيق ناضلت أمة          .......       وناظرتهم فالكل فيد الطرائد  
يناقض علمي جاهل بي بناقص        .......       من الرأي في الرابي بما لم يضادد
فيجهل علمي أني عالم به          .......         ويجهل جهلا عنده في التزايد       
فاركب من علمي براق مشاهدي          .......     ويركب في جهل ترب فاسد        
تجاهلت للجهال علما بجهلهم          .......        علي وعلم في ذوي الجهل كاسد  
وناسبت اضدادي بودي وضد ما          .......    اتوا؛ إذ أبوا فضلي بفضل زوائد        
بعيني أرى في ضد عيني مناسبا          .......   العيني وأنفي فيه عين مضاددي       
وأشهد في الأضداد سر تماثل          .......       وضدية لم تبد فيمن يواددي   
ففي كل شيء كل شيء كما أرى          .......    سرى الكل في كل بكل فوائد      
ومن كادني ما كادني كاد أن          .......       يعود إليه بي  مكائد  كئدي    
فقد شد أزري الحق بالحق دونهم         .......    وركني شديد عند شد الشدائد       
لي العزة العظمی بربي، وذلتي          .......    الذاتي بعيدا نيتي  في المعائد      
وإن يرض أرضا نور عيني لوطئه      .......  سما في سماء العين أسماء صاعدي         
ولي نفس خاف هو من الخوف خافت       .......    على رمق من خشية الصد حامد          
بماء حياة الوصل حادت سماؤه          .......       على میت كالأرض بالذل هامد   
أذلل نفسي لا لذلي؛ فإنني          .......           مشاهد عز في أعز مشاهد 
جميع الأماني من وصالي واصلي          .......      وكل مراد من م رادي رائد    
وأعطى سرير الملك قوما وإن أرد         .......      سلبتهم تيجانهم بالمعاقد      
مناهل س ري بالتجلي أواهل          .......      صفت أو ضفت منها موارد وارد  
يريد بأني لا أريد وإن أرد     ……        يرد مرادي من جميع الموارد 
روي عطاش الكشف فيض صبابتي     ……    ويشبع غرثى العلم فضل مزاود 
أقيد بالتقييد أيدي تصرفي      ……        وأطلق بالإطلاق ألن حامدي
فشف آذان الزمان قصائدي      ……      وشرف أجياد الوجود قلائدي  
بطبع كماء السلسبيل سلاسة      ……     وفكر كفعل النار للماء عاقد   
جريدة قد جردتها لخرائد      ……        وأبكار أفكار تزین جرائدي 
وإن حنت بالحسن كل خريدة      ……  لقد حست حسن الحسان خرائدي      
وواسطة للعقد كل فريدة      ……       فرادى لأفراد الورى من فرائدي 
وشاد بإنشاد تشيدي يشدد      ……      لأركان بنيان المعارف شائد  
ومن صادر مني إلي و وارد      ……        برائد غیب نحو عيني برائد 
ورأس برأسي أن بين حقائقي      ……      دقائق فرق راودتها مراودي  
فلو صورتاژوح شريف منور      ……      وجسم نحیف كاسف اللون كامد  
ومن حيث إني برزخ لحقائقي      ……      على طرفي شطري لست بزائد  
ومطرد مي انعكاس أشعتي      ……        علي بنور للضلالات طارد
لأني بإنسانيتي وحقيقتي      ……        مع أعيان الشهود الشواهد 
وإني لذات الذات إنسان عينها      ……   وناظر عين العالم المتوالد     
ولدت أبي من قبل أمي وأمها      ……   وأنكحتها إياه حين توالدي     
وقد خال عمي أنني ابن أخ له      ……     ألم يدر أني جد ام الموالد؟    
وإني أبو الآباء قبل بوتي      ……      لهم وهم في نشأة لي ولائدي   
وكنت أبا للأمهات وجدها      ……      وبعلي وعرسي  إن فهمت مقاصدي   
وأرضعني الرحمن من ضرع نوره     ……   وتربيتي في حجره ومقاعدي    
وإذ قمت بالفيوم قامت قيامتي     ……      وقل بحد الجد عقد تقاعدي
وهل يغلب الورقاء مني عقابها       ….        وعنقاء قافي في شراك المصائد؟
ومن يتفكير في عواقب أمره        ….        بدافي مباديه بوادي المراشد
أردت ارتياد الاصطياد وإنني       ….      أرى الصيد في جوف المصائد صائدي 
ضنيت فأغناني الضني عن مراقبي    ….   فليس يراني مدبرا في عيون حواسدي     
فأخفي مكاني خلف ع حجابه        ….      فلم اتبين في عيون حواسدي  
محا اسمي ورسمي والمسمى هو اسمه   ….   وذا الرسم وسم في أصح المواجد     
وقد فنيت إني في هوية        ….        إحاطية ذاتية لم تشاهد 
هويته بقي فناء هويتي        ….        فإني به فيه عدیم الواجد 
فكلي كقلب للتجلي مؤهل        ….        بكل تحل للتحلي معاقد
يسمع لأقوال الحقائق منصت        ….      وطرف لآيات الوجود مشاهد  
حضوري بقلب فيه عني غائب        ….     وشاهد طرف شاخص فيه شاهد   
بعيني حمدت الحق من حيث حمده        ….   له مطلقا من كل حمد وحامد     
وكل مديحي في سواه فإنه        ….        له وهو أبهی مقصدي في قصائدي
هداي ضلالي فيه عني وغيره        ….     فلا يهتدي نحوي مدارك ناشدي    
يصل إليه بي بعين صلاته        ….        علي فمعبودي له عين عابدي 
قيامي به عين الركوع وإنه        ….     تشهد مسجودي على عين ساجدي   
فيشهدني فيه بعيني عينه        ….      ويشهده بي عين غيبي وشاهدي  
وأشهده عين الشهادة شاهدا        ….     وعين عيون الغيب فانظر شاهد   
وأجمع بين المشهدين بجمعه        ….     وإطلاقه عن قيد إطلاق عاقد   
وإن ينحصرني أمهات مشاهدي        ….   فلا يتناهی فیضه بالزوائد     
كاني وإياه بجمع حقيقة       ….        إحاطية في واحد ضرب واحد
سلالة سلسال من الماء سال في        ….    إناء من النور المجد جامد    
ومتحد أبصارنا ببصائر        ….        الإبصار وجه الحق حقا حدائد 
وإني ونور لاری متبرقع        ….       بسبعين ألفا من حجاب و زائد 
سوى أنه قد أخرقت سبحاته       ….     فلا شيء منها عن شهود بزائد   
وليس لنا لبس للبس ملابس    …..         يلابس لبس بعد لبس جدائد 
فمالي حجاب عنه وهو مواجهي  …….     بوجه محيط بالجهات مراود 
فكلي عيون شاهدات وكله      ……       وجوه تجل لايغيب وشاهد 
يحدثني طول النهار وإنه        ……      سيأمرني طول الليالي الخوالد 
وكلي له عند الحديث مسامع   …..        بكل قلوب في تلقي الموارد 
وكلي لسان إن اقل عنه أو به    …..       بكل ثناء فيه كل المحامد 
وقدر علينا كل ليل بوجهه    ……       ولي كل يوم منه بالعيد عائد
 فحمدا له دوا وعودا وعائدا   …..       إليه جميع الحمد من كل حامد
هذه الغراء الدالية، صدرتها في هذا الشرح كالعلاوة.
وفيها من غرائب المعاني ولطائف الإشارات والعبارات البديعة ما لا يخفى على المتأمل المحقق والمستبصر المدقق.
وتتضمن أحوال أذواق التوحيد المذكورة في هذا الكتاب من مشارب مخمل الأنبياء المذكورين .
وغير ذلك مما يختص بالمشرب الكمالي الجمعي الأحدي المحمدي الختمي.
وتستكشف ما أشكل منها من الحواشي التي ربما أومأنا إليها بها، إن شاء الله تعالى.
وقد حان أن نشرع في شرح خطبة الكتاب ، وما تحويه من الخلاصة واللباب.
وقد ذكرت في كل كلمة كلمة من متن الخطبة مباحث كثيرة، وعلومة عزيزة خطيرة، وقواعد مهمة جليلة علمية، وضوابط كلية جلية.
وذلك في نفسه بمفرده كتاب جامع ، وبحر واسع، والله الموفق للطالب المؤمل، والراغب في التدبر والتأمل.
على ما دسست في خباياه، وضمنت مطاويه من الأسرار، لأولي الأيدي والأبصار، وأرباب الاعتبار والاستبصار . 
والحمد لله أولا وآخرا وباطنا وظاهرا وجامعا محيطا حاصرا.
وصلى الله على الصفوة من عباده كافة، وعلى محمد خاتم الرسل، وفاتح الأبواب والسبل، وآله الطيبين الطاهرين، وإخوانه الكاملین، والصحابة أجمعين، والتابعين لهم في السنة المحمدية المطهرة إلى يوم الدين خاصة .

.

العودة إلى الفهرس
 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق 


واتساب

No comments:

Post a Comment