Wednesday, July 17, 2019

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .شرح جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .شرح جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .شرح جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي


كتاب جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص الشيخ عبد الغني النابلسي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي 

01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية


(فبهذا)، أي بغناه تعالى على مثل ما افتقرنا إليه وهو الوجود الذاتي (صح له) تعالى دون غيره الاتصاف بوصف (الأزل والقدم) وهما بمعنى واحد، ولهذا نعتهما بطريق الإفراد .
فقال : (الذي انتفت عنه الأولية)، فإن الأزل والقدم لا أول له ثم نعت الأولية بقوله (التي لها افتتاح الوجود عن عدم) قبلها (فلا) يصح أن (تنسب إليه) تعالى (الأولية).
لأنه تعالى لا افتتاح لوجوده (مع كونه) تعالى هو (الأول) فهذا الاسم له تعالى لا يدل على افتتاح الوجود، (ولهذا قيل فيه) تعالی أيضا أنه هو (الآخر)، فإن الأول بمعنى المفتتح وجوده قبل كل موجود لا يكون أيضا هو الآخر إلا بعد اختتام جميع الموجودات والله تعالى هو الأول والآخر من الأزل قبل افتتاح الوجود واختتامه .
(ولو كانت أوليته) سبحانه وتعالى المشتقة له من اسم الأول (أولية وجود) عالم (التقييد) على معنى أنه أول كل موجود حادث (لم يصح) له تعالى (أن يكون) مع ذلك هو (الآخر) أيضا .
(للمقيد) الذي هو هذا العالم الحادث (لأنه لا آخر للممكن) الحادث (لأن الممكنات) الحادثة (غير متناهية).
فإن أمر الدنيا إذا انتقل إلى الآخرة كان أهل الجنة مخلدين في الجنة إلى ما لا نهاية له وأهل النار كذلك مخلدون في النار بلا نهاية (فلا آخر لها)، أي الممکنات الحادثة.
فلا تتحقق حينئذ آخرية الحق تعالی و آخريته متحققة ثابتة له تعالى في الأزل كما ذكرنا من اسمه وإنما كان سبحانه وتعالى (آخرا لرجوع الأمر) في هذا الوجود الحادث والوجود القديم.
(كله) روحانية وجسمانية (إليه) تعالى لا يشاركه فيه غيره.
كما قال تعالى لأفضل خلقه محمد عليه السلام : "ليس لك من الأمر شيء" 128 سورة آل عمران. وقال: "لله الأمر جميعا " 31 سورة الرعد.
 وقال :"وإلى الله ترجع الأمور" 210 سورة البقرة.
(بعد نسبة ذلك) الأمر (إلينا)، في قوله تعالى: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم" 105 سورة التوبة.
وقوله :" بما كنتم تعملون" 105 سورة المائدة.
و تسميتنا أولي الأمر في قوله : " ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم" 83 سورة النساء.
 وقوله: "أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم" 59 سورة النساء.
وقوله عليه السلام: "كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع" الحديث.
فهو تعالى (الأول) قبل نسبة ذلك إلينا. وهو الآخر أيضا بعد سلب تلك النسبة عنا.
 وتلك النسبة مسلوبة عنا في حال نسبتها إلينا (فهو) تعالى (الآخر في عين أوليته و) هو أيضا (الأول في عين آخريته) لأن أسماءه تعالى كلها قديمة أزلية.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم لتعلم أن الحق وصف نفسه بأنه ظاهر و باطن فأوجد العالم عالم غیب وشهادة لندرك الباطن بغيبنا والظاهر بشهادتنا .  ووصف نفسه بالرضى والغضب.
فأوجد العالم ذا خوف ورجاء نخاف غضبه وترجو رضاه .
ووصف نفسه بأنه جميل وذو جلال فأوجدنا على هيبة وأنس وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى ويسمى به .
فعبر عن هاتين الصفتين باليدين اللتين توجهتا منه على خلق الإنسان الكامل .
لكونه الجامع لحقائق العالم ومفرداته .)

(ثم لنعلم أن الحق) تعالى (وصف نفسه بعد ذلك أيضا بأنه ظاهر باطن) حيث قال تعالى: "هو الأول والأخر والظهر والباطن وهو بكل شيء عليم " 3 سورة الحديد.
(فأوجد العالم) كله (عالم غیب) عنا (و) عالم (شهادة) لنا. فغيبنا الأرواح وشهادتنا الأجسام.
(لندرك الباطن) من العالم (بغيبنا) وهو الروح (و) ندرك (الظاهر) من ذلك (بشهادتنا) وهي الجسم ولا غيب ولا شهادة بالنسبة إليه تعالى.
لأنه أخبر عن نفسه تعالى أنه عالم الغيب والشهادة، فهما عنده سواء.
وإذا استویا فلا فرق بينهما، وإذا لم يكن بينهما فرق ارتفع الأمران لارتفاع المميز لكل منهما عن الآخر.
وثبت علمه تعالى بكل شيء وإحاطته بالجميع إحاطة واحدة، ومع ذلك فهو تعالی الظاهر الباطن.
فهو الظاهر لغيره والباطن عن غيره، فلا ظاهر إلا هو ولا باطن إلا هو، ولا هو ظاهر لغيره ولا هو باطن عن نفسه.
ولما نسب سبحانه أمره إلينا كان باطنا عنا ثم لما سلب أمره عنا كان ظاهرة لنا وأمره مسلوب عنا في حال نسبته إلينا كما سبق، فهو الظاهر في عين باطنيته والباطن في عين ظاهريته .
وقوله بعد ذلك "وهو بكل شيء عليم" 29 سورة البقرة.
تنبیه منه تعالى على أن اسمه الباطن نسبة إضافية بالنظر إلينا، وأما بالنظر إليه تعالى فهو عليم بكل شيء فضلا عن علمه بذاته وصفاته فكيف يكون باطنا عنه.
ثم لما كانت هذه النسبة وهذا السلب يتعاقبان على الإنسان في كل آن في الدنيا والبرزخ في الآخرة تسمى الإنسان بما تسمى به الحق تعالى.
 فكان الإنسان في حال نسبة ذلك الأمر إليه أولا، وفي حال سلب تلك النسبة عنه ثم عودها إليه آخر.
مع أنها منسوبة إليه أيضا في حال سلبها عنه، لأن هذه النسبة حكم إلهي وأحكام الله تعالى لا تتغير لكنها تنسخ ويؤتي بعدها بمثلها.

كما قال تعالى : " ما ننسخ من آية أو ننسها " 106 سورة البقرة.نأت بخير منها.
 يعني من جهة رفعة المقام، أو مثلها من جهة المساواة، فالإنسان حينئذ هو الأول في عين آخريته، والآخر في عين أوليته.
وكذلك هو الظاهر في حال تلك النسبة إليه، والباطن في حال سلبها عنه، وسلبها عنه كائن معها على كل حال، فهو الظاهر في عين باطنيته، والباطن في عین ظاهريته.
فتقابلت الحضرتان: حضرة الحق وحضرة الإنسان.
(ووصف الحق) تعالى (نفسه بالرضى) في قوله : "رضي الله عنهم" آية 119 سورة المائدة و آية 22 سورة المجادلة و آية 8 سورة البينة و آية 100 سورة التوبة.
 (والغضب) في قوله : "غضب الله عليهم " 6 سورة الفتح.
(وأوجد العالم الإنساني) وغيره (ذا خوف) من ضر أو فوات نفع (ورجاء) لنفع أو فوات ضر (فنخاف غضبه)، أن يظهر فينا أثره وهو الانتقام. (ونرجو رضاه)، أن يظهر فينا أثره وهو الإنعام.
كما جعل فينا غضبا ورضى ليخافنا غيرنا ويرجونا غيرنا أن يظهر فيه أثر غضبنا ورضانا من انتقام أو إنعام.
(ووصف) الحق تعالی أيضا (نفسه بأنه جميل)، كما ورد في الحديث : "إن الله جميل يحب الجمال".
(وذو جلال) كما قال تعالى: " ذو الجلال والإكرام " 27 سورة الرحمن.
(فأوجدنا الحق تعالى على هيبة) تجدها في قلوبنا عند ظهور جلاله لنا (وأنس) نجده في قلوبنا عند ظهور جماله لنا، وكذلك جعلنا ذا جلال و جمال ليها بنا غيرنا ويأنس بنا غيرنا.
واعلم أن الغضب والرضی حضرتان لله تعالى يظهران لأهل البداية، فيظهر بظهورهما من أهل البداية الخوف والرجاء.
والجلال والجمال حضرتان لله تعالی أيضا في مقابلة ذلك يظهران لأهل التوسط في الطريق، فيظهر لظهورهما من أهل التوسط الهيبة والأنس والقبض والبسط .
وكذلك التجلي والاستتار حضرتان لله تعالى يظهران لأهل النهاية، فيظهر لظهورهما من أهل النهاية الفناء والبقاء .
فالغضب والرضى لأهل البداية
يسمى جلالا وجمالا لأهل التوسط.
ويسمى استتارة وتجلية لأهل النهاية .
وكذلك الخوف والرجاء للمبتدئين، والهيبة والأنس والقبض والبسط للمتوسطين، والفناء والبقاء للمنتهين.
(وهكذا جميع ما ينسب إليه تعالى) من الإعزاز والإذلال والخفض والرفع والضر والنفع والعطاء والمنع والإحياء والإماتة، فنعز بإعزازه، ونذل بإذلاله، ونخفض بخفضه، ونرتفع برفعه، ونتضرر بضره، وننتفع بنفعه، ونفوز بعطائه ، ونحرم بمنعه، ونحيا بإحيائه، ونموت بإماتته، إلى غير ذلك من باقي أوصافه تعالى المتقابلة.
(و) كذلك جميع ما (يسمى به) تعالى من المعز، والمذل، والخافض، والرافع، والضار، والنافع، والمعطي، والمانع، والمحيي، والمميت إلى آخره من المتقابلات.
(فعبر)، أي عبر الله تعالی بمعنی کنا (عن هاتين الصفتين) المتقابلتين والاسمين المتقابلين في القرآن العظيم (باليدين اللتين توجهتا منه) سبحانه وتعالى (على خلق) هذا (الإنسان الكامل) الذي هو آدم وبنوه إلى يوم القيامة.

فاليد اليمنى: هي ما يلائمه من ذلك كالإعزاز والمعز، والرفع والرافع، و النفع و النافع، والعطاء والمعطي، والإحياء والمحيي.
واليد الشمال : ما لا يلائمه من ذلك كالإذلال والمذل والخفض والخافض والضر والضار والمنع والمانع والإماتة والمميت إلى آخره.
فالمؤمنون غلبت عليهم اليد اليمنى فهم أهل اليمين .
والكافرون غلبت عليهم اليد الشمال فهم أهل الشمال.
والمنافقون تذبذبوا بين اليدين ولم يتمسكوا بواحدة منهما فسقطوا منهما فوقعوا تحت المؤمنين وتحت الكافرين فكانوا في الدرك الأسفل من النار.
ثم إن آدم عليه السلام لما خلقه الله تعالى باليدين معا كما قال تعالى في عتاب إبليس عن امتناعه عن السجود: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي " 75 سورة ص.
جمع في ذريته لهذه الأنواع الثلاثة : المؤمنين والكافرين والمنافقين
(لكونه)، أي الإنسان الكامل (الجامع) دون غيره من بقية العالم ما عدا جملة العالم، فإنه جامع كذلك (لحقائق العالم) الروحاني الجسماني (و) جميع (مفرداته) من الأشخاص الجزئية .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالعالم شهادة والخليفة غيب، ولهذا يحجب السلطان.
و وصف الحق نفسه بالحجب الظلمانية وهي الأجسام الطبيعية الكثيفة ؛ والنورية وهي الأرواح اللطيفة والعقول والقوس وعالم الأمر والإبداع .
فالعالم بين كثيف ولطيف، فلا يدرك الحق إدراكه نفسه.
فلا يزال في حجاب لا يرفع، مع علمه بأنه متميز عن موجده بافتقاره إليه.
ولكن لا حظ له في الوجوب الذاتي الذي لوجود الحق، فلا يدركه أبدا، فلا يزال الحق من هذه الحيثية غير معلوم علم ذوق وشهود، لأنه لا قدم للحادث في ذلك .)

(فالعالم) الذي هو الإنسان الكبير كله (شهادة) بالنسبة إلى جميع ما فيه.
(والخليفة) وحده الذي هو هذا الإنسان الصغير (غيب )عن أهل الشهادة الذين هم جميع العالم.
فلا يعرفه أحد من جملة العالم إلا بما هو عليه ذلك الأحد من الكمال أو النقصان، وأما هو فيعرف نفسه ويعرف ربه ويعرف غيره من أهل الكمال ومن أهل النقصان وليس معه في رتبته غيره.
لأن الخليفة واحد غير متعدد في هذا العالم.
والمراد الخليفة الكامل على جميع العالم الذي على قدم آدم عليه السلام، وإلا فكل واحد من بني آدم مستخلف في الأرض على طرف من الأشياء ولو ثوبه الذي يلبسه وداره التي يسكنها كما قال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " 7 سورة الحديد.
وغير الكامل من الخلفاء قاصرون عنه ولو بشيء واحد من العالم يمسك عنه مفتاح ذلك الشيء، فلا يملكونه لتحفظ على ذلك الكامل رتبته.
وهو واحد في كل زمان إلى يوم القيامة، وجميع الخلفاء في مشارق الأرض ومغاربها عاملون على ما تحت يديهم مما هم مستخلفون فيه من جهة هذا الخليفة الواحد الكامل.

فإذا مات تولی بعد مرتبته من قاربه في المقام، وله العزل لجميع عماله، وله التولية على كل حال.
وذكره الله قالا وحالا، ولا يخرج عن التبعية له إلا الأفراد من أهل الله، لأن ذكرهم هو، فهم المستغرقون في الهوية الإلهية.
 فإذا رجعوا إلى حسهم وصحوا من جمعهم دخلوا تحت حكمه وتصرف فيهم بحسب ما استعدوا له من كمال أو نقصان كباقي الخلق.
ولا يعرفه من جميع الخلق أحد، وإنما يستمدون منه من غير معرفة له على حسب مراتبهم الكمالية والنقصية.
وفي ظنهم أنهم يستمدون من الحق تعالی بلا واسطة، وهو جهل منهم بما الأمر عليه، وربما عرف استمداده منه بعض أهل الله تعالى أصحاب المقامات، وربما جهل ذلك بعضهم وإن كان في مقام القرب.
ولو شئنا لشرحنا کيفية إمداده لجميع العالم، وبنيا ما به الإمداد منه، وفرقنا بينه وبين سائر أهل الله تعالی أصحاب المناصب:
 کالأقطاب والأئمة والأوتاد والأبدال والنجباء والنقباء، وذكرنا رقائقهم المتصلة به اتصال الشعاعات في أقطار الأرض بقرص الشمس.
إلى غير ذلك من أحواله ومقاماته ومكانه وزمانه، واسمه ورسمه، ولكن نخرج بذلك عن صدد ما نحن بصدده من هذا الشرح المختصر.

وإن فسح الله في الأجل ويسر في العمل جعلت ذلك في كتاب حافل و ببيان أكثر مما ذكرت كافل.
(ولهذا)، أي لكون الخليفة الكامل في رتبة الخلافة غيب عمن سواه (يحجب السلطان) من سلاطين الدنيا بالوزراء والعمال والأعوان والجنود والعساكر (ووصف الحق) تعالى (نفسه بالحجب الظلمانية) على أهل الغفلة .
(وهي)، أي الحجب الظلمانية (الأجسام الطبيعية الكثيفة) المركبة من الطبائع الأربع المتكاثفة إلى
العناصر الأربعة (و) بالحجب (النورية) أيضا ف عن أهل اليقظة .

(وهي)، أي الحجب النورية (الأرواح اللطيفة والعقول والنفوس وعالم الأمر والإبداع) المنبعثة عن النور الأول بلا واسطة.
وهذه الحجب وردت في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : «إن الله سبعين حجابا من نور وظلمة لو كشفها لأحرقت سبحات نور وجهه ما أدركه بصره من خلقه».
وورد في حديث آخر : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «سألت جبرائیل: هل ترى ربك قال : إن بيني وبينه سبعين حجابا من نور لو رأيت أدناها لاحترقت».
وفي حديث آخر: «إن دون يوم القيامة سبعين ألف حجاب».
وحقيقة الحجاب في حق الله تعالى كمال النور الحقيقي فإن الخفافيش إذا نظرت إلى نور الشمس لم تدرك منها غير الظلمة في بصرها فتحجب عنها الشمس بما أدركته من الظلمة.
والشمس غير محجبة عنها في الحقيقة بل هي منحجبة عن الشمس بضعف بصرها كما قال تعالى : "إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" 15 سورة المطففين .

وانقسمت الحجب إلى ظلمانية ونورانية باعتبار قرب الحجب إلى الله تعالی وبعدها عنه .
فعالم الأنوار الذي هو عالم الأرواح حجبه قريبة إلى الله تعالى لظهوره عنه تعالی بلا واسطة بينه وبينها سوى الأمر الأقدس.
 كما قال تعالى : "ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي " 85 سورة الإسراء.
و عالم الظلمات الذي هو عالم الأجسام بعيد عن الله تعالى لظهوره عنه تعالی بواسطة عالم الأنوار .
(و) قد خلق الله تعالى (العالم)، أي الإنسان الكبير (بین کثیف) جسمانی (و لطيف) روحانی واللطيف حجاب الكثيف.
(وهو)، أي العالم الجامع الكثيف واللطيف (عين الحجاب على نفسه) التي هي من ورائه كثيفة ولطيفة وهي حقيقة الحضرة من حضرات ربه المتجلي بها عليها (فلا يدرك الحق) تعالی أبدا مثل (إدراكه نفسه) إن أدرك نفسه.
لأن ربه محجوب عنه بنفسه، فلو زال الحجاب زالت نفسه، ولو زالت نفسه زال المذرك ، فلا مدرك فمن يدرك الحق غير الحق.
(فلا يزال) العالم (في حجاب) عن الحق تعالى (لا يرفع) عنه أبدا ما دام العالم.
 فإذا زال العالم زال الحجاب والمدرك معا، وأما مع بقاء المدرك فالحجاب باقي لا يزول أبدا .
(مع علمه)، أي علم العالم (بأنه متميز) في ذاته وصفاته (عن موجوده تعالى بافتقاره) إليه.
وإن وقعت المضاهاة بينه تعالى وبين العالم في جميع ما ذكر (ولكن لا حظ له)، أي للعالم (في وجوب الوجود الذاتي الذي لوجود الحق تعالى) كما سبق ذكره.
(فلا يدرکه)، أي لا يدرك العالم الحق تعالى (أبدا)، لأنه محجوب عنه بنفسه الإلهية فلو أدركه أدرك نفسه التي في علم الحق تعالى الممدة له في هذا العالم وهي ربه .
كما قال عليه السلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه»، ولم يقل : فقد عرف الله. (فلا يزال الحق) تعالى (من هذه الحيثية) التي هي وجوب الوجود الذاتي (غير معلوم) للعالم دائما في الدنيا والآخرة (علم ذوق) کشفي (وشهود).
بل معلوم علم خیال غيبي، لأنه ليس فينا من ذلك ما تعلم به ذوق وشهودة وإنما عندنا تخيل ذلك تخيلا ممحوا بالتسليم للغيب المطلق .
ولهذا قال : (لأنه لا قدم)، أي لا مشاركة (للحادث) مطلقا (في ذلك) الأمر المخصوص بالحق تعالی وهو وجوب الوجود الذاتي.

قال الشيخ رضي الله عنه : ( 
فما جمع الله لآدم بين يديه إلآ تشریفا.
ولهذا قال لإبليس: "ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" 75 سورة ص. وما هو إلا عين جمعه بين الصورتين، صورة العالم وصورة الحق وهما يدا الحق.
وإبليس جزء من العالم لم تحصل له هذه الجمعية.  ولهذا كان آدم خليفة.
فإن لم يكن ظاهرا بصورة من استخلفه فيما استخلفه فيه فما هو خليقة، وإن لم يكن فيه جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف عليها - لأ استنادها إليه فلا بد أن يقوم بجميع ما تحتاج إليه - وإلا قلي بخليقة عليهم.)

(فما جمع الله) تعالى (لآدم) عليه السلام (بين يديه) سبحانه وتعالى القديمتين في خلقه له بهما معا (إلا تشریفا) لآدم عليه السلام وتعظيما له.
إذ ورد أنه تعالى خلق جنة عدن بيده اليمنى، وغرس شجرة طوبى بيده اليمنى، ولم يرد في شيء أنه خلقه بیدیه غير آدم عليه السلام، فقط على وجه التشريف والتعظيم له .
(ولهذا قال) جل وعلا في كلامه القديم (إبليس) عليه اللعنة (وما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) 75 سورة ص. بالتشديد تثنية يد .
(وما هو)، أي خلقه له بیدیه معا (إلا عين جمعه) تعالى له حين خلقه (بين الصورتين) اللتين هما في الحقيقة كناية عن تلك الصفتين المتقابلتين على حسب ما سبق بيانه.
(من صورة العالم)، وهي الظاهرة بالحضرتين معا :
حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضاء، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر، إلى آخره.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجلال على حضرة الجمال، وحضرة الغضب على حضرة الرضى، وحضرة الظاهر على حضرة الباطن، وحضرة الأول على حضرة الآخر.
ولهذا كانت هي اليد الشمال الغلبة ما لا يلائم فيها على ما يلائم.
وقد طرد إبليس عن الحضرة الإلهية إلى هذه الحضرة .
فقال له تعالى: "فأخرج منها فإنك رجيم " 34 سورة الحجر.
 فخرج على هذه الحضرة فهي محل الرجم وموضع اللعن والطرد، فيها خلق الله النار، ويخلق كفة السيئات من الميزان.
 وخروج آدم عليه السلام إليها يسمى هبوطا لا طردا كما قال تعالى له .
ولحواء: "اهبطا منها جميعا " 123 سورة طه.
وأشار تعالى إلى نوح عليه السلام بالخروج إليها من سفينته فقال له : " يا نوح أهبط بسلام " 48 سورة هود.  وذلك لأن آدم ونوح عليهما السلام لهما عودة إلى
حضرتهما الأولى وصعودا إليها بعد هبوطهما منها إلى هذه الحضرة الشمالية، وليس الإبليس عليه اللعنة عود ولا صعود .
وهي محل الغين الذي كان يقول عليه السلام عنها : "إنه ليغان على قلبي، وإني لأستغفر الله في اليوم سبعين مرة". وفي رواية : "مائة مرة" وهي أسفل سافلين التي قال تعالى : "ولقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين في إلا الذين آمنوا" آية 4 - 6 سورة التين.
(وصورة الحق) تعالى وهي الظاهرة بالحضرتين أيضا معا، حضرة الجلال وحضرة الجمال، وحضرة الغضب وحضرة الرضى، وحضرة الظاهر وحضرة الباطن، وحضرة الأول وحضرة الآخر إلى غير ذلك.
ولكن الغالب في هذه الصورة حضرة الجمال على حضرة الجلال، وحضرة الرضاء على حضرة الغضب، وحضرة الباطن على حضرة الظاهر، وحضرة الآخر على حضرة الأول.
ولهذا كانت هذه الصورة هي اليد اليمنى لغلبة ما يلائم فيها على ما لا يلائم، ومنها كان هبوط آدم وحواء وإليها رجوعهما، وفيها خلق الله تعالى الجنة .
وإليها رفع إدريس عليه السلام كما قال تعالى عنه : "ورفعناه مكانا عليا " 57 سورة مريم.
 وإليها رفع عيسى ابن مريم عليه السلام وهو حي كما قال تعالى عنه "بل رفعه الله إليه " 158 سورة النساء . وفيها عندية الله تعالى.
كما قال تعالى: «إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته " 206 سورة الأعراف.
ومنها خلق الله تعالى الجنة، وفيها يخلق تعالی كفة الحسنات من الميزان.
(وهما بدا الحق) تعالى، أي هاتان الصورتان هما اليدان الإلهيتان، الأولى صورة العالم، والثانية صورة الحق تعالى.
 مع أن صورة العالم هي صورة الحق تعالى، لكن إما أن تكون صورة الحق تعالی بواسطة صورة العالم أو بلا واسطة صورة العالم، ولهذا ورد: «كلتا يديه يمين»، فصورة الحق تعالی بواسطة هي اليد الشمال.
وأهلها المقبوض عليهم بها هم الأشقياء، لأنها بعيدة عن الحق تعالى بسبب الواسطة، وصورة الحق تعالى هي اليد اليمين، وأهلها المقبوض عليهم بها هم السعداء، لأنها قريبا من الحق تعالی لعدم الواسطة .
(وإبليس عليه اللعنة جزء من) أجزاء (العالم)، كما أن الملائكة جزأ من أجزاء العالم أيضا كما تقدم، ومثل ذلك كل شيء ما عدا آدم عليه السلام وبنوه الكاملون.
وحيث كان إبليس جزء من العالم (لم يتحصل له هذه الجمعية) بين اليدين الإلهيتين كما حصلت لآدم عليه السلام (ولهذا كان آدم) عليه السلام (خليفة الله)، تعالى في الأرض دون إبليس عليه اللعنة لجمعه بين اليدين وإبليس لم يجمع بينهما.
(فإن لم يكن) آدم عليه السلام (ظاهرا بصورة من استخلفه) وهو الحق تعالى (فيما استخلفه فيه) وهو العالم ويكون ظاهرة بصورة العالم أيضا.
(فما هو خليفة)، لأن الخليفة يجب أن تكون صورته صورة الذي استخلفه، ليمد هو كما يمد أصله بما يمد به أصله، وأن تكون صورته صورة من استخلف عليهم أيضا حتى يعلم كيفية إيصال الإمداد إليهم .
(وإن لم يكن فيه)، أي في الخليفة أيضا (جميع ما تطلبه الرعايا التي استخلف)، أي استخلفه غيره (علیها) من جميع الحوائج والمصالح الروحانية والجسمانية جلية، ودفعها ضرا ونفع.
 (لأن استنادها)، أي الرعایا بمعنى نسبتها (إليه) في الخير والشر، فإذا كانت في خير نسب إليه أو في شر كذلك.
(فلا بد أن يقوم)، أي ذلك الخليفة (بجميع ما تحتاج إليه) الرعية من الحوائج والمصالح كما ذكرنا (وإلا فليس بخليفة عليهم)، لعدم وجود ما يحتاجون إليه عنده ، فإذا لم توجد
عنده جميع حوائجهم ومصالحهم كان مثلهم محتاجة مفتقرة إلى من عنده جميع ذلك.
فما هو بخليفة حينئذ، كما أن السلطان إذا لم تكن عنده القدرة على فصل الخصومات بين رعيته وقطع المنازعات عنهم فليس بسلطان عليهم.
إذ لا سلطنة له، والسلطان مشتق من السلطة وقد وجد فيه العجز عن ذلك، فشاركهم فيه، فكان مثلهم من جملة الرعايا .
وكذلك خليفة الحق تعالى يخلف الحق في وجود جميع الحوائج والمصالح التي للمخلوقات كلهم عنده .
كما أن جميع ذلك له وجود للمخلوقات عند الحق تعالى على التمام من غير عجز عن شيء من ذلك.
فيلزم أن يكون كذلك عند الخليفة موجودة على التمام من غير عجز عن شيء منه وإلا لم يكن خليفة، لأنه لم يخلف الحق تعالى في جميع ذلك، فهو حينئذ مثلهم من جملة الرعايا .

قال الشيخ رضي الله عنه : (  فما صحت الخلافة إلآ للإنسان الكامل.
فأنشأ صورته الظاهرة من حقائق العالم وصوړه وأنشأ صورته الباطنة على صورته تعالى.
ولذلك قال فيه: "كنت سمعه وبصره". وما قال: "كنت عينه وأذنه"، ففرق بين الصورتين .
وهكذا هو في كل موجود من العالم بقدر ما طلبه حقيقة ذلك الموجود .
لكن ليس لأكبر مجموع ما الخليقة . فما فاز إلا بالمجموع.)


(فما صحت الخلافة) التامة الكاملة من الحق تعالى على جميع المخلوقات إلا للإنسان الكامل الذي غلبت إنسانيته على حيوانيته.
وأما الإنسان القاصر الذي غلبت حيوانيته على إنسانيته، فهو خليفة على بعض المخلوقات.
ويسمى عاملا حينئذ لا خلیفة کاملا وذلك كجميع بني آدم المؤمن منهم والكافر والصغير منهم والكبير والعاقل والمجنون.
 فإنه لا بد من استخلافه عن الحق تعالى الذي هو مالك للعالمين ولو على يده ورجله وسمعه وبصره.
فيقبل شيئا من ذلك بطريق النيابة عن الحق تعالى في الظاهر، وقد جعل الله تعالى الملك حكمة منه تعالى لكل أحد من بني آدم.
ولو على ثوبه الساتر لعورته نيابة على المالك الحقيقي وهو الحق تعالى.

حتى قال تعالى : "لمن الملك" 16 سورة غافر. وهم الأموال وأوجب عليهم فيها الزكاة ونحوها "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" 7 سورة الحديد. یعنی عنه تعالى، لأنه تعالى أخبر أن الملك له يوم القيامة فقال عز من قائل: " والأمر يومئذ لله" 19 سورة الانفطار.وقال تعالى : "الملك يومئذ الحق للرحمن " 26 سورة الفرقان. وقال: "مالك يوم الدين" 4 سورة الفاتحة.
وقال بعد زوال نسبة الأعمال والأملاك عن جميع بني آدم يوم القيامة بسبب موتهم الذي هو عزلهم من استخلافه لهم فيما استخلفهم فيه " إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون" 40 مريم. ولا مناقضة بين هذا وبين قوله تعالى :"أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" 105 سورة الأنبياء. لأن العباد الصالحين ما وضعوا بالعبودية وبالصلاح إلا لرجوعهم إلى الله تعالى من حيث وجود ذواتهم، وجميع أعمالهم في الباطن والظاهر.
فكان الله تعالى ظاهرة بهم عندهم، وهم ظاهرون به تعالى عند غيرهم.
وقد ورد أن: "الناس يحشرون على نياتهم" فهم عند غيرهم غير الله تعالى، وهم عند أنفسهم ظهور الله تعالى.
فإذا ورثوا الأرض يوم القيامة ، فإنما الله تعالى هو الذي ورثها، وزاد الله تعالى عليهم بأن ورث على الأرض أيضا، وهم لم يرثوا إلا الأرض فقط، لأنهم لله تعالى من حيث ظهوره لهم، لا من حيث ظهوره له تعالى.
فإن ظهوره له تعالى في جميع حضراته وظهوره لكل واحد منهم إنما هو في حضرة من حضراته دائما.
وإن تقلبوا في جميع أطوار حضراته تعالى على الأبد لا يسعون إلا حضرة بعد حضرة من تلك الحضرات.
 (فأنشأ) الحق تعالى (صورته) , أي صورة الإنسان الكامل الذي هو خليفة الله
تعالى على جميع العالم (الظاهرة) وهي حقيقة جسمه ونفسه التابعة للجسم، وصورته المرسومة في هذا الوجود.
(من حقائق العالم) كله، فجسمه من جسم العالم، ونفسه من نفوس العالم (و) من (صوره)، أي صور العالم كله، فصورته صورة العالم كله سماواته وأرضه وأفلاکه وأملاكه إلى غير ذلك.
(وأنشأ) الحق تعالی أيضا (صورته الباطنة)، وهي حقيقة روحه وعقله التابع للروح، ومعلوماته المرسومة في وجوده (على) طبق (صورته).
أي صورة الحق تعالى التي هي مجموع صفاته تعالى وأسمائه وأفعاله وأحكامه كما تقدم، فروحه من صفاته وأسمائه تعالى وعقله من أفعاله تعالى ومعلوماته المرسومة فيه من أحكامه تعالى .
(ولذلك)، أي لكون صورته الباطنة على صورة الحق تعالى (قال) تعالى في الحديث القدسي الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم  (فيه)، أي في هذا الإنسان الكامل : "لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته
كنت سمعه الذي يسمع به (وبصره) الذي يبصر به" إلى آخر الحديث .
"قال رسول الله : إن الله قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته. رواه البخاري"
ولا شك أن السمع والبصر من الصورة الباطنة، لأن ذلك من شعاع الروح في الدماغ لا من الصورة الظاهرة .
والأذن والعين من الصورة الظاهرة والله تعالى (ما قال كنت عينه و) لا کنت (أذنه)، فإن قلت ورد أيضا في تمام الحديث : "كنت يده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولسانه الذي يتكلم به" ولا شك أن اليد والرجل واللسان من جملة الصورة الظاهرة قلت : المراد باليد والرجل واللسان هنا القوة الباطنة في هذه الأعضاء لا حقيقة هذه الأعضاء.
ولكن لما لم يكن لهذه القوة المودعة في هذه الأعضاء أسماء مستقلة غير هذه الأعضاء، عبر عنها باسم هذه الأعضاء، بخلاف الأذن والعين فإن للقوة المودعة فيهما اسمین مخصوصين هما : السمع والبصر، فعبر بذلك دون التعبير بهذين العضوين.
 أو يقال هذا الحديث مشتمل على الفرق بين الصورتين في ذكر السمع والبصر، والجمع بينهما في ذكر اليد والرجل واللسان.

مثل قوله عليه السلام في بعض الأحاديث بعد ذكر اليد اليمنى وكلتا يديه يمين، ففرق وجمع يشير إلى هذا قوله: (ففرق)، أي الله تعالى (بين الصورتين)، أي صورة العالم وصورته تعالى في ذكر السمع والبصر فقط وإن جمع في باقي الحديث.

(وهكذا هو)، أي الأمر والشأن (في كل موجود من) موجودات (العالم) العلوي والسفلي، فإن الله تعالى خلقه بإحدى اليدين إما اليمين وإما الشمال (بقدر ما تطلبه حقيقة ذلك الموجود) .

من الاستعداد الموضوع فيها بالتجلي الأول (لكن ليس الأحد) من العالم (مجموع ما للخليفة)، من اليدين الإلهيتين اللتين هما صورة الحق تعالی وصورة العالم.

وإن شئت قلت : صفات الله تعالى المتقابلات (فما فاز) الخليفة (إلا بالمجموع) دون غيره من العالم.


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولولا سريان الحق في الموجودات وظهوره فيها بالصورة ما كان للعالم وجود، كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة الكلية ما ظهر حكم في الموجودات العينية.
ومن هذه الحقيقة كان الافتقار من العالم إلى الحق في وجوده .
فالكل مفتقر ما الكل مستغن ... هذا هو الحق قد قلناه لا نكني
فإن ذكرت غنيا لا افتقار به ... فقد علمت الذي بقولنا نعني
فالكل بالكل مربوط فليس له ... عنه انفصال خذوا ما قلته عني)
(ولولا سريان الحق) تعالى (في) جميع (الموجودات) العلوية والسفلية بالصورة التي هي منه تعالى اليد اليمين، ومن العالم اليد الشمال.
والذي من العالم منه تعالى، فكلتا يديه يمين عند أهل الجمع لا أهل الفرق.
وهذا السريان هو قيومية الحق تعالى لجميع العالم، وهو قيام العالم بأمر الله تعالى كما قال تعالى : " ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره" 25 سورة الروم. وهذا القيام بالروح الكل الساري في حقائق الموجودات كلها سريان الخشب في جميع صور ما جعل منه من صندوق وباب وكرسي ونحو ذلك.
والروح من الأمر قال تعالى: "وقل الروح من أمر ربي " 75 سورة الإسراء.
(فما كان للعالم وجود) البتة قال تعالى: "وكل شيء هالك إلا وجهه"88 سورة القصص. فوجه الله تعالى هو ذلك السريان المذكور في جملة الموجودات.
وأما الموجودات من جهة نفسها فلا وجود لها لأنها هالكة، أي فانية معدومة فلولا وجهه تعالى الساري في حقائقها كلها ما كانت موجودات ولا تعين لها ماهية أبدا.
(كما أنه لولا تلك الحقائق المعقولة)، أي الموجودة في العقل فقط (الكلية) كما سبق بيان ذلك (ما ظهر حكم) الاختصاص بالجمادية والنباتية ونحو ذلك (في الموجودات العينية) الجزئية المتشخصة في الخارج.
فإن تلك الكليات سارية في حقائق جزئياتها بحيث لم تزد تلك الجزئيات عليها غير الوجود العيني الخارجي.
ومن هذه الحقيقة التي هي سريان الحق تعالى بصفة القيومية الجامعة لجميع الصفات المتقابلات المعبر عنها بالصورة في موضع، و بالصورتين في موضع آخر، وباليدين في آخر. سریانا في جميع الموجودات .
(كان الافتقار من العالم) كله (إلى الحق) تعالى (في وجوده) كما أن الافتقار من الحق تعالى إلى العالم كله في وجوده أيضا عند العالم.
مع أن الوجود للحق تعالى وحده لا للعالم.
لكن وجود الحق تعالى لا ينفك عن إعطاء الوجود للعالم ليظهر به وجود العالم المستفاد من الحق تعالى.
لا ينفك أيضا عن إعطاء الوجود للحق تعالی ليظهر به الحق تعالی دونه (فالكل)، أي العالم والحق تعالی (مفتقر) هذا إلى هذا من وجه وهذا إلى هذا من وجه آخر، ومراد بالمفتقر من الحق تعالى رتبته لا ذاته لأنها غنية عن العالمين بحكم قوله تعالى : "الله غني عن العالمين" 97 سورة آل عمران .
ومرادنا بالمفتقر إليه من العالم الحقيقة الثابتة في علم الحق تعالى التي هي كناية عن حضرة من حضراته تعالى .
جامعة لكل حضرة من حضراته وهي العالم الظاهر في بصيرة العارف الباطن عن بصيرة الجاهل.
وأما العالم الباطن عن بصيرة العارف الظاهر في بصيرة الجاهل، فهو نفس الجاهل الظاهرة له مع جهله.
بحيث متی عرفها عرف ربه أي نفسه المتعرية عن ذلك الجهل.
فعرف العالم على ما هو عليه ، فعرف افتقار الحق تعالى إلى العالم على حد ما قلنا.
وإذا لم يعرف نفسه لم يعرف ربه فلم يعرف العالم.
 ويظن أن العالم هو ما ظهر له من جهله، فتوهمه على خلاف ما هو عليه.
فحمله ذلك على عدم فهم قولنا، فجحد ما لم يفهم وأخطأ من حيث لا يشعر.

(ما الكل) المذكور (مستغني) عن الكل .
(هذا)، أي الذي ذكرته (هو الحق) الذي لا شبهة فيه عند أهل المعرفة (قد قلناه)، أي صرحنا به عند من يعرفه ولا يعرفه نطقا بالله تعالى ليضل الله تعالى به من يشاء ويهدي من يشاء (لا نكني) بسكون الكاف، أي لا نشير إليه من غير تصريح لأن کتابنا لأهل المعرفة لا لأهل الجهل.
فإن ذكرت أنا في کلامی (غنية لا افتقار به)، أبدا (فقد علمت) أنا ذلك الغني (الذي بقولنا نعني) أي نقصد، ومراده ذات الحق تعالى من حيث هي مجردة عن الأوصاف والأسماء فإنها غنية عن كل ما عداها.
 وأما من حيث هي موصوفة بالأوصاف مسماة بالأسماء فاعلة بأفعال حاكمة بأحكام، فهي مرتبطة بالعالم كله، والعالم مرتبط بها ارتباطا من الأزل إلى الأبد لا ينفك البتة كما قال :
(فالكل) من حق وخلق (بالکل)، من حق وخلق (مربوط) ربط عبد برب ورب بعبد وخالق بمخلوق ومخلوق بخالق.
وهكذا إلى آخره من جميع الأوصاف والأسماء والأفعال والأحكام (فليس له)، أي للكل (عنه)، أي عن الكل (انفصال) بوجه من الوجوه في الأزل والأبد.
فإن قلت: كيف هذا الارتباط في الأزل والعالم غير موجود فيه، لأنه حادث وليس بقديم.
قلت : بل العالم الذي يعرفه العارف قدیم لا حادث.
 وهو موجود كله بلا ترتيب ولا تقديم ولا تأخير. وليس فيه الجزء مقدمة على الكل.
ولا خلق آدم عليه السلام فيه مقدما على خلق جميع ذريته إلى يوم القيامة .
وليس يوم القيامة فيه متأخرا عن يومنا هذا.
وليس له وجود مع الله تعالی غیر وجود الله تعالى.
لأن وجوده بالله تعالى لا بنفسه حتى يكون له وجود غير وجود الله تعالى.
وأما العالم الذي يعرفه الجاهل، فإنه حادث مترتب بعضه على بعض ، وفيه التقديم والتأخير.
وهو موجود مع الله تعالى وجودا آخرا غير وجود الله تعالی وذلك حقيقة جهل الجاهل رآها في مرآة حقيقة العالم.
فانحجب بها عن حقيقة العالم ثم قال : (خذوا)، أي تناولوا بأيدي أذواقكم (ما)، أي الذي (قلته) في الكلام من الحق المبين عند أهله (عني) والله يتولى هدى من أراد بمحض فضله .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقد علمت حكمة نشأة آدم أعني صورته الظاهرة.
وقد علمت نشأة روح آدم أعني صورته الباطنة، فهو الحق الخلق.
وقد علمت نشأة رتبته و هي المجموع الذي به استحق الخلافة.
فآدم هو النفس الواحدة التي خلق منها هذا النوع الإنساني.
وهو قوله تعالى: «يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء» 1 سورة النساء.
فقوله : اتقوا ربكم اجعلوا ما ظهر منكم وقاية لربكم، و اجعلوا ما بطن منكم، و هو ربكم، وقاية لكم.
فإن الأمر ذم و حمد: فكونوا وقايته في الذم و اجعلوه وقايتكم في الحمد تكونوا أدباء عالمين.
ثم إنه سبحانه و تعالى أطلعه على ما أودع فيه و جعل ذلك في قبضتيه:
القبضة الواحدة فيها العالم، و القبضة الأخرى فيها آدم و بنوه. و بين مراتبهم فيه.)
(فقد علمت) مما ذكرناه يا أيها المريد (حكمة نشأة جسد آدم) عليه السلام (أعني صورته الظاهرة وقد علمت) أيضا حكمة (نشأة روح آدم) عليه السلام (أعني صورته الباطنة فهو).
أي آدم عليه السلام حيث جمع بين صورة الحق تعالى بباطنه وصورة العالم بظاهره (الحق) من حيث الباطن على التنزيه (الخلق) من حيث الظاهر على التشبيه .
(وقد علمت) أيضا نشأة (رتبته)، أي آدم عليه السلام (وهي المجموع) له فيها بين اليدين الإلهيتين (الذي به)، أي بذلك المجموع (استحق الخلافة) عن الحق تعالى في الأرض.
(فآدم عليه السلام هو النفس الواحدة)، أي المنفردة بالكمال الإنساني دون نفوس بقية العالم كله.
(التي خلق) بالبناء للمفعول، أي خلق الله تعالى (منها) جميع أشخاص (هذا النوع الإنساني) كلهم (وهو)، أي ما ذكرناه (قوله تعالى) في القرآن العظيم (" يا أيها الناس") الخطاب للمؤمن والكافر والمنافق ("اتقوا ربكم") بالإحسان والإيمان والإخلاص ("الذي خلقكم") قدركم ثم أوجدكم طبق ما  قدرکم ("من في واحدة ") وهي آدم عليه السلام ("وخلق منها ")، أي من تلك النفس الواحدة (" زوجها") وهي حواء ("وبث ")، أي أخرج ("منهما")، أي من تلك النفس الواحدة وزوجها ("رجالا ونساء") بطریق تولد البعض من البعض .
فقوله :("اتقوا ربكم") 1 سورة النساء. معناه بحسب ما ذكر من حكمة نشأة جسد آدم عليه السلام ونشأة روحه المعبر عنهما باليدين و بالصورتين.
(اجعلوا ما ظهر منكم) لكم وهو الجسد والنفس وهو اليد الشمال وهو صورة العالم التي خلق ظاهركم عليها (وقاية لربكم)، فانسبوا إليكم جميع ما ظهر منكم من خواطر الضلال وأقوال الخطباء وأعمال الشر والسوء.
وإن كان ذلك كله مخلوقة لله تعالى ولا تأثير لكم (واجعلوا ما بطن منكم) عنكم وهو العقل والروح في عالم الخلق.
(وهو ربكم) في عالم الأمر وهو يد اليمين وهو صورة الحق تعالى التي خلق باطنكم عليها كما مر بیانه.
(وقاية لكم) فانسبوا إليه تعالى جميع ما ظهر فيكم من الحقائق والمعارف والعلوم اللدنية، فإنها لا تصدر إلا عن الحق تعالى لا عنكم.
وكذلك جميع أعمال الخير والهدى وإن كان ذلك بكسبكم وواسطة توجه قدرتكم وإرادتكم من غير تأثير منکم.
(فإن الأمر) الظاهر منكم عملا واعتقادا له (ذم) شرعة (وحمد) كذلك.
(فكونوا وقايته) تعالى (في) نسبته (الذم) من الأقوال والأعمال والاعتقادات إليكم لا إلى ربكم.
(واجعلوه) سبحانه وتعالى (وقايتكم في) نسبة (الحمد) من نسبة جميع ذلك إليه تعالى لا إليكم (تكونوا) حينئذ (أدباء) مع الله تعالى (عالمين) به تعالى وبما يليق بجلاله وعظمته كما علم الله تعالى نبيه عليه السلام ذلك.
بقوله : "ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك" 79 سورة النساء.
وقال له قبل ذلك بقوله :" وقل كل من عند الله" 78 سورة النساء.
وقال إبراهيم عليه السلام: "الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) " سورة الشعراء.

فنسب المرض إلى نفسه، ولم يقل : وإذا أمرضني، وكذلك الخطيئة نسبها إلى نفسه.
ومثله الخضر عليه السلام لما كان خرق السفينة شرا في الظاهر نسب إلى نفسه حيث قال: فأردت أن عيبها، وبناء الجدار لما كان خير نسبه إلى الله تعالى وبرأ نفسه حيث قال: فأراد ربك، وأما الغلام فلما كان في الحال غير كافر وفي المال کافرا لم يكن قتله خيرا محضا ولا شرا .
فقال : فخشينا ، وأبهم الأمر بينه وبين ربه .
(ثم إنه تعالى أطلعه)، أي أطلع آدم عليه السلام على ما أودع فيه) من الجمعية الكبرى التي هي مجموع اليدين والصورتين (وجعل الله تعالى (ذلك)، أي ما أودع في آدم عليه السلام مما قلنا (في قبضتيه) تعالى بيديه الإلهيتين على حسب ما بيناه فيما مر.
القبضة الواحدة، وهي قبضة الشمال (فيها العالم) كله وقد خلق الله تعالی جميع الأجساد الآدمية منها.
(وفي القبضة الأخرى)، وهي قبضة اليمين (آدم) عليه السلام (وبنوه) كلهم إلى يوم القيامة وقد خلق الله تعالى الأرواح الآدمية منها 
وقد ورد في الأثر ما معناه: قال آدم عليه السلام: "خيرني ربي بين قبضتيه فاخترت يمين ربي فبسط يمينه فإذا فيه آدم وبنوه".
وبين الله تعالى لآدم عليه السلام (مراتبهم)، أي مراتب بني آدم كلهم (فيه)، أي في آدم عليه السلام من کاملين وقاصرين و مؤمنين وكافرين ومطيعين و عاصين فانقسموا إلى قسمين:
سعداء وأشقياء "وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته"115 سورة الأنعام.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( قال رضي الله عنه: ولما أطلعني الله سبحانه و تعالى في سري على ما أودع في هذا الإمام الوالد الأكبر. جعلت في هذا الكتاب منه ما حد لي لا ما وقفت عليه، فإن ذلك لا يسعه كتاب و لا العالم الموجود الآن.
فمما شهدته مما نودعه في هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه و سلم:
حكمة إلهية في كلمة آدمية وهو هذا الباب .
ثم حكمة نفثية في كلمة شيئية.
ثم حكمة سبوحية في كلمة نوحية.
ثم حكمة قدوسية في كلمة إدريسية.
ثم حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية.
ثم حكمة حقية في كلمة إسحاقية.
ثم حكمة علية في كلمة إسماعيلية.
ثم حكمة روحية في كلمة يعقوبية.
ثم حكمة نورية في كلمة يوسفية.
ثم حكمة أحدية في كلمة هودية.
ثم حكمة فاتحية في كلمة صالحية.
ثم حكمة قلبية في كلمة شعيبية.
ثم حكمة ملكية في كلمة لوطية.
ثم حكمة قدرية في كلمة عزيرية.
ثم حكمة نبوية في كلمة عيسوية.
ثم حكمة رحمانية في كلمة سليمانية.
ثم حكمة وجودية في كلمة داودية.
ثم حكمة نفسية في كلمة يونسية.
ثم حكمة غيبية في كلمة أيوبية.
ثم حكمة جلالية في كلمة يحياوية.
ثم حكمة مالكية في كلمة زكرياوية.
ثم حكمة إيناسية في كلمة إلياسية.
ثم حكمة إحسانية في كلمة لقمانية.
ثم حكمة إمامية في كلمة هارونية.
ثم حكمة علوية في كلمة موسوية.
ثم حكمة صمدية في كلمة خالدية.
ثم حكمة فردية في كلمة محمدية.
(ولما أطلعني الله) تعالى (في سري) لا في جهري، فإن الاطلاع على مثل هذا لا يكون إلا في عالم الأسرار بطريق الذوق والاستبصار (على ما أودع) سبحانه وتعالى من أسرار الذرية المباركة وغير المباركة.
(في هذا الإمام)، أي المقتدي به في الصورة الظاهرة والباطنة (الوالد) الذي تولد منه كل إنسان (الأكبر) قدرة وصورة وهو آدم عليه السلام (جعلت في هذا الكتاب) الذي هو كتاب فصوص الحکم (منه)، أي من ذلك الذي أطلعني الله تعالى عليه.
(ما حد لي)، أي مقدار الذي حده لي رسول الله له في الرؤيا التي أريتها على ما سبق بيانه.
(لا ما وقفت عليه) من حقائق الكاملين وغيرهم من ذرية آدم عليه السلام (فإن ذلك) الذي وقفت عليه كله (لا يسعه کتاب) من الكتب.
(ولا) يسعه أيضا (العالم الموجود الآن) من السموات والأرض وما بينهما ولا شك أن قلب العبد المؤمن الذي وسع الحق تعالی بعد أن ضاقت عنه السموات والأرض يسع أكثر مما ذكر.
(فما شهدته ) في مقام التجلي الإلهي حين أشهدني الله تعالى ما أودعه في من الجمعية الكبرى في الإرث الآدمي (مما نودعه) بإذن الله تعالى (في هذا الكتاب) الذي هو كتاب فصوص الحکم
(كما)، أي على حسب ما (حده)، أي عينه (لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرؤيا)، التي رأيته فيها كما تقدم فلا أزيد على ذلك تأدب معه .
وجملة هذه الحكم المشتمل عليها هذا الكتاب سبع وعشرون حكمة لسبعة وعشرين نبيا :
الأولى : (حكمة إلهية)، أي منسوبة إلى الإله تعالی .
(في كلمة) من كلمات الله التامات وفي دعاء النبي عليه السلام: «أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق» .
وما خلق هو عالم الخلق والتصوير، وهو كلمات الله الناقصات وهم أهل الغفلة والغرور، لأنهم في عالم الخلق واقفون.
والأنبياء والأولياء عليهما السلام في عالم الأمر واقفون (آدمية) منسوبة إلى آدم عليه السلام.
(وهي)، أي هذه الحكمة الإلهية (هذا الباب) الأول الذي فرغنا من بيانه .
(ثم) الثانية : (حكمة نفثية) منسوبة إلى النفث وهو النفخ مع بعض رطوبة العابية، ومنه نفث الوحي الجبرائيلي.
كما قال عليه السلام: «نفث روح القدس في روعي» الحديث، أي نفخ مع بعض رطوبة وقعت في روعي، أي قلبي وهي برودة اليقين.
ولهذا كان عليه السلام إذا جاء الوحي تدثر وتزمل وأخذته القشعريرة في جسده حتى قال الله تعالى فيما أوحى إليه : "يا أيها المدثر" 1 سورة المدثر.، و " يا أيها المزمل" 1 سورة المزمل.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (شيثية)، أي منسوبة إلى شيث عليه السلام وهو ابن آدم لصلبه وكان نبيا صاحب صحائف أنزلها الله تعالى عليه بالوحي الجبرائيلي.
(ثم) الثالثة : (حكمة سبوحية) منسوبة إلى سبوح بمعنى التسبيح على وجه المبالغة، وهو التنزيه الله تعالى عما لا يليق به من المعاني الإمكانية .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (نوحية) منسوبة إلى نوح عليه السلام.
(ثم) الرابعة : (حكمة قدوسية) منسوبة إلى قدوس بمعنى التقديس على وجه المبالغة، وهو تطهير الله تعالى عن جميع الاعتبارات العقلية، والنسب الوهمية ، والفرق بينه وبين التسبيح : أن التسبيح بمعنى التنزيه والتقديس بمعنى التنزيه عن التنزيه .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إدريسية) منسوبة إلى إدريس عليه السلام.
(ثم) الخامسة : (حكمة مهيمية) بصيغة اسم المفعول منسوبة إلى الهيم من الهيام وهو غاية المحبة (في كلمة) من كلمات الله التامات (إبراهيمية) منسوبة إلى إبراهيم عليه السلام.
(ثم) السادسة : (حكمة حقية) منسوبة إلى الحق وهو خلاف الباطل.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إسحاقية) منسوبة إلى إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
(ثم) السابعة : (حكمة علنية) بتشديد الياء مشتقة من العلو وهو نقيض السفل.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إسماعيلية) منسوبة إلى إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام.
(ثم) الثامنة : (حكمة روحية) منسوبة إلى الروح وهي قيومية الله تعالى في كلية خلقه ملك وملكوتة، والروح في الأصل اسم للريح إذ الياء تبدل واوا في كثير من الكلمات في لغة العرب وكان تسميتها بذلك، لأنها تنقل أخبار الحق تعالى إلى العبد كما تنقل الريح أخبار الروض إلى المستنشقين فيكشفون بالرائحة عن الريحان، ويستغنون بالآثار عن الأعيان، فإذا هو بها من مطلع شمس الأحدية على فلك الأسماء والأوصاف الأقدسية .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يعقوبية) منسوبة إلى يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليه السلام.
(ثم) التاسعة: (حكمة نورية) منسوبة إلى النور، وهو العالم الأصلي لهذا العالم، وهو المدرك منا لعالمنا الذي ندركه، وحقيقة النور تنافي كل حقيقة بالماهية والصورة، والنور نوران: نور الحق تعالى وهو الغيب المطلق وهو النور القديم، ونور العالم المحدث، وهو نور نبينا الذي أول ما خلقه الله تعالى من نوره، ثم خلق منه كل شيء، فهو كل شيء من حيث الماهية وكل شيء غيره من حيث الصورة، كما أنه هو نور الحق تعالى من حيث الماهية وهو غير نور الحق من حيث الصورة، فإن معنى إيقادنا نور سراج من نور سراج آخر:
أن الأول أثر في الثاني فظهر الثاني على صورة الأول، بل الثاني هو الأول بعينه ظهر في فتيلة ثانية من غير انتقال عن الأول، وهكذا في باقي التعددات التي لا تحصى.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يوسفية) منسوبة إلى يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام.
(ثم) العاشرة (حكمة أحدية) منسوبة إلى الأحد وهو من حيث الحق تعالى وصف من أوصافه، ومن حيث نحن اسم من أسمائه ، ومعناه الذي ليس فيه شائبة اثنينية حقيقة ولا بوجه من الوجوه، بخلاف الواحد فإنه يقال على المنفرد في حضرة وإن شاركه غيره في باقي الحضرات فهو أعم والأحد أخص.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (هودية) منسوبة إلى هود عليه السلام.
(ثم) الحادية عشر : (حكمة فتوحية) منسوبة إلى الفتوح اسم الفتح وهو ابتداء الشيء من غير سبق مثله، وهو الإبداع والاختراع، وكل شيء له إبداع من الحق تعالى واختراع فله فتح إلهي هو فتوح ذلك الشيء ويسمى فاتحته، وهو إيجاده الأمري الواحدي، وقرآنه هو الجمعي الذاتي، وفرقانه هو الفرقي الصفاتي، ولهذا يتحد في القرآن ويتعدد في الفرقان، وفاتحته تجمع قرآنه و فرقانه كما أن بسملته تجمع فاتحته، وباءه تجمع بسملته، ونقطته تجمع باءه فهي نقطة وهي بحر قال تعالى :" ولا يحيطون بشيء من علمه "255 سورة البقرة.
فنفى عنهم الإحاطة بشيء من الأشياء مطلقا، مع أنهم أحاطوا بالنقطة فقد أحاطوا من حيث إنهم هو وما أحاطوا من حيث هم، كما أن نقطة الباء هي جميع القرآن والفرقان وما هي جميع القرآن ولا الفرقان.
قال الخضر لموسى عليهما السلام : ما علمي وعلمك في علم الله إلا كما أخذ هذا العصفور بفمه من ماء البحر .
وهي النقطة التي أخذتها الروح من بحر الأمر الإلهي، وهي الصورة الجسمية التي لكل شيء والمعنوية أيضا.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (صالحية) منسوبة إلى صالح عليه السلام .
(ثم) الثانية عشر : (حكمة قلبية) منسوبة إلى القلب وهو تعيين أمر الله تعالی الواحد في حضرة من الحضرات سمى قلبا من سرعة القلب.
قال تعالى : "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر " 50 سورة القمر.
والنفس مجموع ذلك كما أن الكلمة مجموع حروف والكلام مجموع ?لمات
(في كلمة) من كلمات الله التامات (شعيبية) منسوبة إلى شعيب عليه السلام.
(ثم) الثالثة عشر (حكمة ملكية) منسوبة إلى الملك بالتحريك واحد الملائكة ، وهي الأرواح المنفوخة في الأجسام النورية فوق الأجسام النارية والترابية، ولهذا سكنت السماء، ونزولها إلى الأرض في الأجسام النارية والترابية الأصلية وغير الأصلية لا غير بطريق الاستيلاء على القابل لذلك من الأصلية، كما أن الأجسام النارية تنزل إلى الأجسام الترابية الأصلية وغير الأصلية بطريق الاستيلاء أيضا على القابل لذلك من الأصلية.
وهذا هو الفارق بين الكهانة والنبوة وبين السحر والصديقية وبين الوسوسة والإلهام، فالوسوسة مقام المبتدئين في الضلال كما أن الإلهام مقام المبتدئين في الهدى.
والسحر مقام المتوسطين في الضلال والصديقية مقام المتوسطين في الهدى، والكهانة مقام النهاية في الضلال .
كما أن النبوة مقام النهاية في الهدى، وقد انقطعت الكهانة الآن كما انقطعت النبوة، وما بقي إلا الوسوسة والسحر والإلهام والصديقية.
فالمعتبر في الضلال والهدى هذه المقامات المذكورة، وما دون ذلك فإنه تبع لما ذكرنا لا استقلال له بضلال ولا هدى.
وكما أن الأجسام الترابية منقسمة إلى قسمين:
مستقل بالضلال ومستقل بالهدى.
كذلك الأجسام النارية قسمان:
مستقل بالضلال هم الشياطين يستمدون من إبليس.
ومستقل بالهدی هم صالحو الجن يستمدون من الملائكة.
والملائكة مستقلون بالهدی كلهم يستمدون من الروح الكلي.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (لوطية) منسوبة إلى لوط عليه السلام .
(ثم) الرابعة عشر : (حكمة قدرية) منسوبة إلى القدر بالتحريك وهو : جعل الله
الله تعالى كل شيء بمقدار على حسب ما اقتضته حضرات ذاته المتجلي بها لذاته
والقضاء هو : الحكم بذلك فهما في المعنى واحد واثنان في الصورة.
فثبوت ?ل شيء بمقدار في علم الحق تعالى يسمى قدرة من جهة تخصيص المقدار المعلوم بكل شيء.
ويسمى قضاء من جهة الحكم به وتنفيذه على طبق مقداره المعلوم
(في كلمة) من كلمات الله التامات (عزيرية) منسوبة إلى العزير عليه السلام.
(ثم) الخامسة عشر : (حكمة نبوية) منسوبة إلى النبي وهو فعيل بمعنی فاعل، أو بمعنى مفعول من النبأ بمعنى الخبر، أو النبوة وهي الرفعة.
وحقيقة النبوة هي الرفع الحجب الظلمانية والنورانية التي هي كل شيء من غير ذهاب كل شيء.
والأخذ عن الحق تعالى بلا واسطة في عالم الغيب، وعن جبريل عليه السلام في عالم النور، ثم الرجوع بذلك إلى عالم الظلمة من غير زيادة ولا نقصان .
واحترزت بقولي: من غير ذهاب كل شيء، عن حقيقة الولاية، فإنها رفع الحجب الظلمانية والنورانية التي هي كل شيء جسماني أو روحاني في وقت الشهود من غير أن يبقى مع ذلك شيء من الأشياء مطلقة، وإذا ظهرت الأشياء انسدلت الحجب.
واحترزت بقولي: وعن جبريل عليه السلام في عالم النور، عن الصديقية ، فإنها وإن كانت رفع الحجب المذكورة التي هي كل شيء مع ثبوت كل شيء على ما هو عليه، لكن لا أخذ فيها عن جبريل عليه السلام في عالم النور بل عن ملك من خدمة جبريل عليه السلام يسمى ملك الإلهام، لأنه كل فتح له ملك مخصوص .
واحترزت بقولي: ثم الرجوع بذلك إلى عالم الظلمة من غير زيادة ولا نقصان، عن مقام القرية الذي فوق الصديقية ودون النبوة، فإنه لا رجوع فيه إلى عالم الظلمة، وإن كان فيه رجوع فبزيادة أو نقصان.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (عيسوية) منسوبة إلى عيسى عليه السلام.
(ثم) السادسة عشر : (حكمة رحمانية) منسوبة إلى الرحمن، وهو اسم من أسماء الله تعالی غلب على باقي الأسماء كلها في ظهورها بأثارها، ولولا ذلك ما قبل أثر من الأثار الظهور عن اسم إلهي .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (سليمانية) منسوبة إلى سليمان عليه السلام.
(ثم) السابعة عشر : (حكمة وجودية) منسوبة إلى الوجود، وهو النور الذي لا لون له ولا صورة أشرق على الألوان والصور الممكنة المعدومة، فظهرت وهي على ما هي عليه من العدم ومن الظلمة الأصلية، وهو على ما هو عليه من التنزيه عن جميع ذلك، فكان العالم وتجرد عن جميع الألوان والصور المذكورة كما هو مجرد عن ذلك في حال إشراقه المذكور، فهو الحق تعالى، وليس الإشراق الذي أردناه إشراق اتصال ولا انفصال، ولكن صبغه بالإرادة والاختيار
كما قال تعالى :
 " صبغة الله ومن أحسن من الله صبغه" 158 سورة البقرة.
وجميع ما يذكر في الحق تعالی علی طريقة ضرب المثل، وإلا فليس بشيء يشبه الحق تعالی مطلقة لا في عالم الحس ولا في عالم المعاني.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (داودية) منسوبة إلى داود عليه السلام.
(ثم) الثامنة عشر : (حكمة نفسية) منسوبة إلى النفس بالسكون وهي: ظهور الروح للجسم بما يناسبه كما أن السامري لما قبض قبضة من أثر الرسول وهو جبريل عليه السلام، لأنه الروح الأمين، ثم صاغ جسم عجل من ذهب ووضع تلك القبضة في ذلك العجل فظهر منه خوائر وهو صوت العجول، فحكمت تلك الروح التي وضعها فيه بما يقتضيه ذلك الجسم وهو الخوار، ولو أنه وضعها في جسم إنسان النطق، أو فرس لصهل، أو حمار لنهق، والحيوانية لازمة في الكل على كل حال، فالنفس السارية في ذلك العجل هي الحيوانية مع الخوار، وهي أثر تلك القبضة ، كما أن تلك القبضة من أثر الرسول.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يونسية) منسوبة إلى يونس عليه السلام.
(ثم) التاسعة عشر : (حكمة غيبية) مسنوبة إلى الغيب وهو : ما غاب عن العالم
من الحق تعالى، فإنه تعالى ظهر للعالم على حسب ما يليق بهم فعرفه كل شيء بما عرف به ذلك الشيء نفسه .
وهذا هو الشهادة، فليس الحق تعالی مجهولا لشيء من الأشياء من هذا الوجه، ثم إنه تعالى خفي عن العالم بمقتضى ما لا يليق بهم، فلم يعرفه كل شيء لعدم مناسبته بينه وبين الشيء من الأشياء.
وهذا هو الغيب فهو تعالی مجهول لكل شيء من هذا الوجه، فالغيب هو الحق تعالى، والشهادة هي الحق تعالى.
كما قال سبحانه : "الذين يؤمنون بالغيب" سورة البقرة .
قال بعض المفسرين: الغيب هو الله تعالى، ومن أسمائه تعالى الظاهر الباطن، فالظاهر هو الشهادة والباطن هو الغيب.
وقال تعالى: "ولا تكتموا الشهادة" 283 سورة البقرة. أي لا تخفوا، أنها الحق تعالى وتجحدوا ذلك "ومن يكتمها فإنه آثم  قلبه" لإنكاره
ما هو الحق كما صرح بها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكتمها في قوله : 
أصدق كلمة قالها شاعر قول لبيد :
ألا كل شيء ما خلا الله باطل

والسموات والأرض وما بينهما مخلوقة بالحق. قال تعالى : "وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين" 38 سورة الدخان.
ما خلقناهما إلا بالحق والمخلوق بالحق، أي المقدر به الموجود به حق، والحق ليس بباطل، فالباطل إنما هو السوي والغير لا المشهود من كل شيء.
وفي الآية: "كل شيء هالك إلا وجهه" 88 سورة القصص.
فالشيء هو الباطل الهالك، ووجه الله هو الحق، في فالشهادة كلها حق، وهي الحق تعالى، والأشياء كلها هالكة.
ولا يقدر على الفرق بين الحق تعالی من حيث إنه هو الشهادة وبين الأشياء كلها إلا من عرف نفسه فعرف ربه، وقليل ما هم .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (أيوبية) منسوبة إلى أيوب عليه السلام.
(ثم) العشرون: (حكمة جلالية) منسوبة إلى الجلال وهو باطن الجمال، كما أن ظاهر النار جمال للإنارة و الإضاءة والإشراق، وباطنها جلال للتعذيب
والإحراق والإفناء والإعدام، فالجلال مستور بالجمال. 
فالظاهر من الحق تعالى هو الجمال، وهو كل شيء لقربه إلى العقول والحواس، والباطن من الحق تعالى هو الجلال لإعدامه الأشياء وإهلا?ه لها.
من قوله تعالى: "وكل شيء هالك إلا وجهه" 88 سورة القصص.
وللإيقاع في الحيرة المدهشة، فالجمال الإلهي يثبت العالم ويوجده، والجلال الإلهي ينفيه ويعدمه.
ولا يزال الأمر كذلك يتعاقب الوجود والعدم تعاقب النهار والليل .
كما قال تعالى: "وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر" 50 سورة القمر. وكل شيء قائم بأمر الله تعالى، فهو كلمح البصر .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (يحيوية) منسوبة إلى يحيى عليه السلام .
(ثم) الحادية والعشرون (حكمة مالكية) منسوبة إلى المالك وهو الحق تعالی، لأنه المتصرف في جميع العالم، وتصرفه نافذ على كل حال.
والمالك على قسمين :
مالك مطلق وهو الحق تعالى.
ومالك مقيد وهو العبد. والقيد من جملة ذلك الإطلاق.
فالمالك المطلق مستولي على كل شيء والمالك المقيد ظهور استيلاء ذلك المالك المطلق على شيء من تلك الأشياء.
فالمالك المقيد داخل في المالك المطلق مندرج تحته، ولما كان الحق تعالی ظاهرة في الدنيا بكل مالك مقيد كان باطنة عن أهل الدنيا .
فقال تعالى: "وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه" 7 سورة الحديد.
يعني من حيث قيودكم، وأما في الآخرة فينعزل كل مالك عن مل?ه، ويظهر المالك المطلق
كما قال تعالى :
 "الملك يومئذ لله يحكم بينهم فالذين آمنوا وعملوا الصالحات في جنات النعيم " 56 سورة الحج. وقال: "ملك يوم الدين " 4 سورة الفاتحة.
وقال "لمن الملك اليوم" ثم أجاب نفسه بنفسه فقال :"لله الواحد القهار" 16 سورة غافر . إذ لا غيره في الحقيقة، وإن كان الجواب من جهة قيد من قيوده، إذ القيود كلها فانية بالنسبة إلى ذاته تعالى.
كما قال سبحانه : "كل من عليها فان" 26 سورة الرحمن.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (ز?ریاوية) منسوب إلى زكريا عليه السلام.
(ثم) الثانية والعشرون: (حكمة إيناسية) منسوبة إلى الإيناس وهو خلاف الإيحاش.
والأنس بالشيء كمال ظهور الحق تعالی به . كما أن الوحشة من الشيء عدم كمال الظهور المذكور.
وهذا الظهور للأرواح لا النفوس، فإن النفوس قد تجهله فتجحده، والأرواح عالمة به على كل حال لأنها من عالم التقديس، والنفوس من عالم التدليس والتدنيس. 
وأصل الأنس في العالم من حضرة الجمال الإلهي التي خرجت منها الأرواح، وأصل الوحشة في العالم من حضرة الجلال الإلهي التي خرجت منها الأجسام.
فأنس الأرواح یزیل وحشة الأجسام إذا اجتمعنا، ولهذا إذا فارقت الروح عن الجسم لا يبقى فيه أنس البتة.
فالإنسان مشتق من الأنس لغلبة العالم الروحاني على العالم الجسماني، فبالإنسان زالت الوحشة عن عالم الأجسام.
وغير الإنسان مما لم تغلب فيه الروحانية على الجسمانية حيوان، والحيوان أنواع باعتبار الفصول التي تميزه عن الجنس، وهو الوحوش
التي قال تعالى: 
"وإذا الوحوش حشرت" 5 سورة التكوير. مشتقة من الوحشة لغلبة الجسمانية على الروحانية .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (إلياسية) منسوبة إلى إلياس عليه السلام.
(ثم) الثالثة والعشرون: (حكمة إحسانية) منسوبة إلى الإحسان وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "الإحسان أن تعبد الله تعالى كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" وهو شهود الله تعالى في كل عبادة من العبادات، والعبادة الذل، ولا أذل من المخلوق.
فكل فعل من أفعاله ذل الله تعالى لاحتياجه إليه تعالى في إرادة ذلك المخلوق له، وفي صدوره عن ذلك المخلوق، فكل فعل من أفعال المخلوق عبادة.
وأما المخالفات فلا يظهر للعبد احتیاجه إلى الله تعالى فيها كمال الظهور، فلا ذل عنده بها بل فيها الاستغناء بنفسه عن ربه.
ولهذا لا تظهر منه إلا في وقت الغفلة عن الله تعالى، وصاحب الغفلة ناقص العبودية، وكلامنا في العبد الكامل في العبودية .
والفرق بين الشهود والرؤية :
أن الشهود كأنك تراه، والرؤية أن تراه، فكاف التشبيه توهم الرؤية ليست برؤية، وذلك رؤية الأثر الذي هو على صورة المؤثر ?رؤيتك صورتك في المرآة، فإذا رأيتها فكأنك رأيت وجهك.
وما رأيته بل رأيت أثره المنطبع في المرأة على صورته ، وكل أثر فهو صورة الحق تعالی ظاهر في حضرة من حضرات أسمائه الحسنى، متجلية بتجلي صفاته العليا، ولهذا قال تعالى: "فأينما تولوا فثم وجه الله إن" 115 سورة البقرة.
فإن كان تولوا بمعنی تستقبلوا فثم وجه الله من اسمه الظاهر بالأسماء والأوصاف وإن كان تولوا بمعنی تعرضوا فثم وجه الله من اسمه الباطن بالذات المطلقة .
كما قال تعالى : "والله من ورائهم محيط" 20 سورة البروج .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (لقمانية) على الراجح عند الشيخ رضي الله عنه منسوبة إلى لقمان عليه السلام الذي اختلف في نبوته .
(ثم) الرابعة والعشرون: (حكمة إمامية) منسوبة إلى الإمام وهو المقدم على غيره بحيث يقتدي به غيره في الحركات والسكنات كما قال تعالى: "وكل شيء أحصيناه في إمام مبين" 12 سورة يس.
فالإمام المبين هو كل شيء من حيث الإجمال، وكل شيء هو الإمام المبين من حيث التفصيل، قال تعالى: "والملائكة يشهدون" ، ففرق وفصل "كفى بالله شهيدا" 166 سورة النساء. فجمع وأجمل.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا أمن الإمام فجمع وأجمل فأمنوا" فرق وفصل ثم قال: "فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له"ففرق وفصل أيضا، لأن الجمع جمع وفرق وإجمال وتفصيل والجمع هو عين الفرق، والإجمال هو عين التفصيل كما قال تعالى: "يوم يقوم الروح والملائكة صفا" 38 سورة النبأ.
فالملائكة تفصيل، والروح إجمال، والصف صف واحد، الملائكة في الفرق والروح في الجمع .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (هارونية) منسوبة إلى هارون أخا موسى عليهما السلام.
(ثم) الخامسة والعشرون: (حكمة علوية) منسوبة إلى العلو نقيض السفل، والعلو هو المؤثر، والسفل هو المتأثر، وكل شيء مؤثر ومتأثر. فمن حيث هو مؤثر علو، ومن حيث هو متأثر سفل.
قال تعالى : " والركب أسفل منكم " 42 سورة الأنفال. والركب هم بنو آدم الذي قال تعالى فيهم: "ولقد كرمنا بني عام ولهم في البر والبحر" 70 سورة الإسراء.
فهم المحمولون وغيرهم من الخلق ليسوا م?رمین، 
فليسوا محمولين، فليسوا بركب فما هم أسفل بل أعلى، والعلو للمؤثر فقط، والمؤثر هو .
الله تعالى وحده لولا أنهم نازعوا الله تعالی بنفوسهم في صفة التأثير التي له تعالى وحده .
ما 
كان لهم العلو على الركب المحمولين . والمنازعون الله تعالی هالكون فيه تعالى، لأنهم لم يعرفوا نفوسهم فلم يعرفوا ربهم، فادعوا ما ليس لهم وهو العلو من حيث نفوسهم فهلكوا بتكبرهم على الله تعالى.
والركب لما تواضعوا الله تعالى بالأسفلية ظهر لهم تأثير الله تعالى فيهم، فميزوا بينهم وبينه فرفعهم الله إليه .
كما قال تعالى: "بل رفعه الله إليه " 158 سورة النساء.  وقال : "ورفعناه مكانا عليا " 57 سورة مريم . وقال: "ورفعنا لك ذكرك " 4 سورة الشرح.
وذكره هو ما أنزل الله تعالى عليه به، والرفع الإزالة، فإذا زال السفل بقي العلو وهو الله تعالى وحده .
(في كلمة) من كلمات الله التامات (موسوية) منسوبة إلى موسى عليه السلام. 
(ثم) السادسة والعشرون : (حكمة صمدية) منسوبة إلى الصمد، وهو الذي يصمد إليه
بالحوائج، أي تقصد منه جميع الحوائج، وهو الحق تعالى من حيث التجلي العام على كل شيء.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (خالدية) ثابتة على الراجح عند الشيخ رضي الله عنه منسوبة إلى خالد بن سنان عليهما السلام.
(ثم) السابعة والعشرون: (حكمة فردية) منسوبة إلى الفرد وهو الواحد الذي لا نظير له، وكل شيء فرد لعدم تكرار التجليات
الإلهية التي عنها صدور كل شيء، ولكن فردية كل شيء مشفوعة بشيئيته الهالكة الفانية. فلو زالت عنه ظهرت له فرديته وكان فردا.
فالفردية سارية في كل شيء سريان النور المحمدي المخلوق منه كل شيء في كل شيء، والشفعية للحقيقة الإبليسية الشيطانية، فهي سارية في
كل شيء أيضا، فمن غلب عليه حكم الفردية نجا، ومن غلب عليه حكم الشفعية هلك، والشفع من الفرد، لكنه خارج منه بالاستقلال عنه .
كما قال تعالى لإبليس : "اخرج منها" 18 سورة الأعراف. ثم قال له : "فإنك رجيم" 34 سورة الحجر.
يعني لعين، أي مطرود لاستقلالك وعدم رضائك بالحكم الواحد من الواحد على الواحد.
(في كلمة) من كلمات الله التامات (محمدية) منسوبة إلى محمد نبينا ، ثم لما لم يذكر الشيخ رضي الله عنه لفظ الفص في هذا الفهرست بإيذاء كل حكمة للاختصار في ذلك .
قال رضي الله عنه :  وفص كل حكمة الكلمة التي تسب إليها .
فاقتصر على ما ذكرته من هذه الحكم في هذا الكتاب على حد ما ثبت في أم الكتاب.
فامتثلت على ما رسم لي، ووقفت عندما حد لي، ولو رمت زيادة على ذلك ما استطعت ، فإن الحضرة تمنع من ذلك والله الموفق لا رب غيره.
ومن ذلك :
(وفص كل حكمة) من الحكم المذكورات (الكلمة التي نسبت) تلك الحكمة (إليها) فإن الحكمة دورية فهي كالحلقة وكلمتها التي هي معناها الثابت لها بحيث لا يفارقها أبدأ هو فص تلك الحلقة، والفص موضع نقش الاسم وصاحب هذه الحلقات.
وهذه الفصوص هي مجلى الله تعالى وأسماؤه منقوشة على هذه الفصوص، كل فص عليه اسم من أسمائه تعالى هو الاسم الأعظم، وهو سره الأفخم واليد يد الله والأصابع أصابعه، والخواتم خواتمه.
فافهم ما أقول لك على التنزيه التام إن ?نت من أصحاب هذا المقام، وإلا فاترك كلامي، ولا تتصرف فيه بوساوس الإيهام،
فتزل بك الأقدام ولا يغرنك علمك الرسمي، فإنه جهل والسلام.
(فاقتصرت على ما ذكرته من هذه الحكم) السابع والعشرون في هذا الكتاب الذي سميته فصوص الح?م، ولم أزد على ذلك مما أطلعني الله تعالى عليه حين كشفي عن الحقيقة الآدمية.
وسلكت فيه (على حد)، أي مقدار (ما ثبت) من ذلك الذي أطلعني الله تعالى عليه (في أم)، أي أصل (الكتاب)، أي المكتوب الوجودي في الصفحات العدمية فإن الله تعالى لما قال إنه بكل شيء محيط
وقال:"ليس كمثله شيء" 11 سورة الشورى. وقال"كل شيء هالك إلا وجهه" 88 القصص.
علمنا أن الأشياء كلها كالكتابة المحضورة في القرطاس، النافذة إلى الوجه الآخر، فصور الحروف فيها عدمية.
والمحيط بكل حرف منها حتى يظهر متميزة عن الآخر هو القرطاس، فهو المحيط بها وهو الحاضر لها لتظهر حروفا عدمية،
فالقرطاس أم الكتاب والحروف العدمية مرسومة في أم الكتاب على صورة ما 
ذكرنا.
(فامتثلت) من الأمر الإلهي الذي ظهر لي في الرؤيا التي رأيت فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما سبق بيانه.
(ما)، أي المقدار الذي (رسم لي) في أم كتابي المستمد من أم ?تاب الوجود الكل لأن الإنسان نسخة الأكوان (ووقفت) من ذلك (عندما حد لی)
ولم أتجاوزه تأدب مع الأمر تعالی ومع ناقل أمره صلى الله عليه وسلم .
(ولو رمت زيادة على ذلك) المقدار الذي حد لي ما استطعت (فإن الحضرة) الإلهية المتجلية من حيث أنا على حقائق ما حد لي (تمنع من ذلك) المقدار الزائد .
كما قال تعالى : "وكل شيء عنده بمقدار وما ننزله إلا بقدر معلوم"، فالحضرات فاعلة للأشياء، فهي المطية لها والمانعة منه.
فلا بد من القدر المعلوم الذي ينزل منها، فكما تعطي قدرة معلومة تمنع قدرة معلومة، وكما ينزل من الأشياء قدر معلوم يصعد منها أيضا قدر معلوم.
(والله) سبحانه هو (الموفق) إلى الصواب والهادي إلى حضرة الاقتراب (لا رب) للعوالم (غيره) ولا خير في هذه الموجودات كلها الأخيرة.
وهو حسبي ونعم الوكيل وعلى الله قصد السبيل.
تم فص الحكمة الآدمية 
.

واتساب

No comments:

Post a Comment