Monday, July 15, 2019

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الرابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله 

06 - The Wisdom Of Reality In The Word Of ISAAC  

الفقرة الرابعة :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
(و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان  ... بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان  ....فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان .... و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان ... هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه:  (وأما المسمی آدما) وهو النوع الإنساني (فمقيد) في معرفته بالله تعالى (بعقل وفكر أو) مقید بحكم (قلادة)، أي تقليد (إيمان) فصاحب العقل والفكر صاحب نظر ودليل وبرهان.
والآخر المقلد صاحب التسليم والإذعان، وكلاهما في المعرفة دون الجماد والنبات والحيوان. ولهذا تحرك طبعا وعقلا وحسا، فهو يعمل بطبعه وعقله وحسه بأمر الله تعالى.
وخليفة الله تعالى وهو الإنسان الكامل ليس مقيدة بالعقل والفكر ولا بالتقليد في الإيمان وإنما هو صاحب كشف وذوق وشهودفمعرفته بالله تعالی كمعرفة الجماد والنبات والحيوان.
فلهذا فداه الله تعالى بالحيوان للمشاركة في المعرفة الذوقية الشهودية الفطرية، وقد شرف الله تعالى الخليفة بعلوم ترقى فيها عن المعرفة الفطرية الذوقية وخصه بمراتب في العرفان لا تكون في غيره.
فتكون حكمة الفداء للخليفة بالكبش تنبيها على وجود بعض المعادلة والمشابهة بين الإنسان الكامل والحيوان من جهة المعرفة الكشفية، وبيان أن الكشف ليس مخصوصا بالإنسان الكامل بل هو في غيره من عوالم الله تعالى أيضا.
(بذا)، أي يكون الكل من الجماد والنبات والحيوان عارفا بخلافه على وجه الكشف والمشاهدة، والإنسان معرفته بالعقل والفكر والتقليد والإذعان، فإذا كان صاحب كشف ومشاهدة كان خارجا عن مقتضى خلقته وطبيعته، بخلاف العوالم الثلاثة، فإنهم فطروا على ذلك.
وإذا كان كذلك فليس من العجيب أن ينوب الكبش عن الخليفة في الخروج من غم الحياة الدنيا إلى فرج الآخرة ونعيمها الدائم؛ ولهذا ورد أن هذا الكبش يكون في الجنة ولا يموت في الآخرة؛ فلهذا كان كبشا عظيما ذكره الله تعالى في القرآن واستعظمه .
(قال سهل) بن عبد الله التستري (والمحقق) الإمام أبو يزيد طيفور البسطامي رضي الله عنهما أو كل محقق (مثلنا)، أي مثل قولنا الذي قلناه (لأنا) نحن (وإياهم) وجمعهم لإرادة كل محقق أو لأن الجمع أقله اثنان عند قوم (بمنزلة إحسان).
أي في مقام الإحسان الذي هو: أن تعبد الله كأنك تراه كما ورد الحديث ؛ فلهذا كان قول الكل واحدة وهم متفقون على شيء واحد لأنهم في مقام الإحسان وحضرة الكشف والعيان.
(فمن شهد)، أي كشف بذوقه (الأمر الذي قد شهدته) من جميع ما ذكر فإنه (يقول بقولي) المذكور (في خفاء)، أي سر من نفسه وقومه (و) في (إعلان) من قومه إن أمكن ذلك (ولا تلتفت) يا أيها السالك (قوة)، أي إلى قول (يخالف قولنا)، المذكور من أقوال علماء الحجاب القانعين بالقشور دون اللباب، الواقفين في بيوت عاداتهم وطبائعهم الذين لم يفتح لهم الباب.
(ولا تبذر) من البذر بالفتح وهو إلقاء الحب في الأرض وبالكسر هو الحب نفسه (السمراء) وهي الحنطة (في أرض عميان) جمع أعمى وهو من لم يبصر.
وأرض العميان إما على حقيقتها، فلأنهم لا يرونها إذا نبتت، فلا يقدرون على حصادها والانتفاع بها، والمراد بأرضهم نفوسهم، وبالحنطة الحكمة الإلهية الكشفية الذوقية ، أي لا تظهروها لهم وتضيعوها فيهم، فإنهم لا يرونها ولا يعرفونها فيضيعونها.
وتنقلب بسبب قبيح أوانيهم إلى ضدها، وبما هي فيه من النور والإشراق يتضررون بها ولا ينتفعون كما ورد: «لا تضعوا الحكمة في غير أهلها ولا تمنعوها عن أهلها فتظلموهم». ورواه المناوي في فتح القدير
(هم)، أي العميان المذكورون . (الصم) جمع أصم يعني الذين لا يسمعون الحق ويسمعون الباطل . (والبكم) جمع أبكم يعني الذين لا يتكلمون بالحق ويتكلمون بالباطل. والحق هو الله ، والباطل ما سواه كما قال عليه السلام أصدق كلمة قالها الشاعر، قول لبيد: «ألا كل شيء ما خلا الله باطل»(3) رواه البخاري و مسلم .
(الذين) نعت للصم والبكم (أتی)، أي جاء (بهم)، أي بأوصافهم أو بذكرهم (لأسماعنا)، أي حتى تسمع ذلك (المعصوم) فاعل أتى وهو النبي صلى الله عليه وسلم  لحفظ عن الخطأ في أقواله وأفعاله (في نص)، أي عبارة (قرآن) وذلك قوله تعالى: "و إن شر الاوات عند الله الله البكم الذين لا يعقلون " [الأنفال: 22] الآية.

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما المسمى آدم نمقيد بعقل وفكر) إن كان من أهل النظر (او قلادة إيمان) إن كان من المؤمنين فمقيد بالإيمان التقليدي لكثرة قيودهم واجزائهم فكانوا محجوبين عن ربهم فلم يصل إلى درجتهم إلا بالكشف فكان كلهم أعلى من آدم عليه السلام من هذا الوجه .
وقد كان علمك على أن آدم عليه السلام أفضل الخلق كيف ظهر خلاف علمك فاترك علمك واطلب العلم النافع الذي يحصل عن كشف إلهي لا خلاف فيه وهو مقام الحيوانات والنباتات والجمادات.
(بنا) أي بما قلت (قال سهل) وهو من كبار الأولياء وقال (المحقق مثلنا) فإن علم المحققين يحصل عن كشف إلهي فلا يقبل الاختلاف والاختلاف لا يكون إلا في العلم الاجتهادي.
لذلك قال : مثلنا إذ كلهم واحد في الاطلاع على حقيقة الأمر .
وإليه أشار بقوله: (لأنا وإياهم بمنزل إحسان) بمقام المشاهدة والعيان
(فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بفولي في خفاء وإعلان) أن يتكلم قولي في أي حال كان لأن ما شهدته مطابق بنص قرآن.
(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا) وهو قول بعض أهل النظر (ولا تبذر السمراء في ارض عميان) أي لا تقل قولي لمن كان أعمى قلبه .
وهو قوله تعالى : "فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ" [الحج: 46] .
فإنه لا تنبت المعارف الإلهية في أرضهم (هم) أي العميان (الصم والبكم الذين أني بهم لإسماعنا المعصوم) فاعل أتى المعصوم وهو محمد عليه السلام.
(في نص قرآن) وهو قوله تعالى : "صم بكم عمي فهم لا يعقلون" [البقرة: 171] .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
وأقول: إن ذلك سهل وهو فداء الأشرف بالأدنى ولا يلزم أن يكون الفداء بالكفؤ.
ثم ذكر أن آدم وبنيه مقيدون بالعقل أو بالتصديق ونقل الشيخ عن سهل التستري في ذلك نقلا
وقال: لا يلتفت إلى المخالف وهم الذين قيل فيهم: "صم بكم عمى فهم لا يرجعون" (البقرة: 18) كما ورد على لسان المعصوم محمد صلى الله عليه وسلم


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
فإن لم تشهد ما يشهدك الله فآمن بما قال الصحابيّ عن بدن النبيّ صلَّى الله عليه وسلَّم حين أمر النبيّ عليه السّلام بتقريبها لله قرابين : إنّها جعلت يزدلفن إليه بأيّهنّ يبدأ في قربانه .
فكن يا أخي ! إمّا من أرباب القلوب الذين يشهدون الله بقلوبهم ، ويشهدون الأمر على ما هو عليه الأمر في نفسه عند الله .
أو ألق السمع وأنت شهيد ، تحظ بدرجة الإيمان .
إن لم ترق إلى ذروة فلك الإحسان ، وهو العلم والشهود والكشف والعيان ، التي أوتيها الإنسان أعني الكامل فقام بمظهريته الجامعة الكاملة لله .
وعرفه حقّ المعرفة حين قصر عن ذلك الإنسان الحيوان وسائر المخلوقات في الأرضين والسماوات ، ومن المبدعات جميع الروحانيات السفليات والعلويات ، ولكنّ الإنسان الحيوان تصرّف في فطرته الظاهرة ، وأحدث أحكاما بعقله ووهمه ، أو بموجب حدسه وظنّه وفهمه في زعمه ومبلغ علمه وإيمانه ، وكشفه مقيّدا لمطلق ، وحصره في مقتضى مدركه وموجب
فكره وعقله ، وجرمه بجرمه في حكمه فكان من " بِالأَخْسَرِينَ أَعْمالًا . الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ في الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ".
فلهم الفرض والتقدير والحسبان ، ولنا بحمد الله التحقيق والإيمان ، والكشف والعيان ، والشهود والإيقان ، والعلم والبيان ، والحمد لله وليّ الإحسان .
قال رضي الله عنه :
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته     ..... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا        ...... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
هم الصمّ والبكم الذين أتى بهم     ...... لأسماعنا المعصوم في نصّ قرآن
يعني رضي الله عنه : من شهد الحقّ متعيّنا في الأعيان الوجودية ، عرف أنّ دلالاتها على الحق ذاتية فطرية ، وعلومها بموجدها بموجب وجودها وفطرها لا بموجب فكرها ونظرها ، وهذا العلم هو المعتبر عند معتبرها ، ومن لم يشهدها كذلك ، فقد شهد حجابيّات الأشياء ، ولم ير الحق الموجود المشهود ، فعمي عن الحق ، فإذا أخبر بخلاف مدركه ، لم يسمع فهو الأصمّ ، وليس له أن ينطق بالحق عن الحق ، فهو أبكم ، ولذلك نفى الله عن المحجوبين السمع والبصر والعقل والبيان والنطق منفيّا عندهم وهو شهود وجه الحق في كل مشهود ، والسماع عن الحق في كل نطق وناطق ، والنطق بالحق كذلك ، فـ " لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها " فافهم .
قال رضي الله عنه : اعلم أيّدنا الله وإيّاك أنّ إبراهيم الخليل عليه السّلام قال لابنه :
" إِنِّي أَرى في الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ "  والمنام حضرة الخيال فلم يعبّرها ، وكان كبشا ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام ، فصدّق إبراهيم الرؤيا ، ففداه ربّه من وهم إبراهيم بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله وهو لا يشعر ، فالتجلَّي الصوري في حضرة الخيال يحتاج  إلى علم آخر به يدرك ما أراد الله بتلك الصورة .
ألا ترى كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر في تعبيره الرؤيا : « أصبت بعضا وأخطأت بعضا » .  فسأله أبو بكر أن يعرّفه ما أصاب فيه وما أخطأ ، فلم يفعل صلى الله عليه وسلم .
قال العبد : حضرة المثال وحضرة الخيال حضرة تجسّد المعاني والحقائق والأرواح والأنفس وحقائق الصور والأشكال والهيئات الاجتماعية ، فمن رأى صورة أو شكلا أو هيئة ولم يعبّرها ولم يؤولها إلى ما يؤول إليه أمر ذلك الشكل أو الصورة والهيئة التي رأى في الرؤيا ، فقد صدّق الرؤيا .
ومن عبّرها صدق في الرؤيا حيث أعطى الحضرة حقّها فعبّرها ، فلو عبّر إبراهيم رؤياه صدق أنّ الذبح هو الكبش ولم يكذب الذبح الواقع بابنه ، ولكن كان كبشا ظهر في صورة ابنه ، فصدّقها ، فأراد إيقاع الذبح بابنه فما صدق ، أي لم يقع ، وسنذكر سبب ذلك .
قال رضي الله عنه : وقال الله لإبراهيم حين ناداه : " أَنْ يا إِبْراهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا ".
وما قال له : قد صدقت في الرؤيا أنّه ابنك ، لأنّه ما عبّرها ، بل أخذ بظاهر ما رأى ، والرؤيا تطلب التعبير   .
يعني رضي الله عنه : صدّقت تجسّد الذبح بصورة ابنك ، وليس كذلك ، فإنّ الرؤيا تطلب التعبير والتفسير .
قال رضي الله عنه : ولذلك قال العزيز " إِنْ كُنْتُمْ لِلرُّءْيا تَعْبُرُونَ " ومعنى التعبير الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر ، فكان البقر سنين في المحل والخصب  .
يعني : كانت البقرة العجاف سبع سنين في المحل ، والسمان في الخصب .
فلو صدق في الرؤيا ، لذبح ابنه ، وإنّما صدّق الرؤيا في أنّ ذلك عين ولده ، وما كان عند الله إلَّا الذبح العظيم في صورة ولده ، ففداه لما وقع في ذهن إبراهيم عليه السّلام ما هو فداء في نفس الأمر عند الله ، فصوّر الحسّ الذبح ، وصوّر الخيال ابن إبراهيم عليه السّلام   .
يعني : أنّ إبراهيم لمّا صدق في حقيقة إيمانه بالله وإسلامه له ، عوّده الله بتجسيد الوحي والأمور له على صورة ما كان يرى في منامه ، فكان عليه السّلام يرى رؤيا غير هذا المشهد ، فيقع في الحسّ رؤياه على صورة ما كان يرى عليه السّلام من غير تعبير يحوج إلى تفسير وتأويل وتعبير ، فصدّق بحكم ما اعتاد هذه الرؤيا أيضا على صورة ما رأى من غير تعبير ، وكان الله قد ابتلاه في ذلك بلاء حسنا ، أي اختبره ، بمعنى أعطاه الخبرة ، فإنّ الله كان خبيرا خبرة مبيّنة ، جلية الأمر ومبيّنة عن كشفه مقتضى الوهم والخيال بالفكر .
فلمّا ظهر صدق إيمانه وصدقه في إسلامه وإسلام ابنه في تصديق رؤيا أظهرها الله له ، وأبان صدق ما رأى ، ففداه بذبح عظيم ، فعلم إبراهيم عليه السّلام أنّ الذي رآه في نومه على صورة ابنه كان الذبح العظيم لا ابنه ، لأنّه ذبح ما رأى في المنام ، فلمّا كذب صورة الذبح الذي رآه ، فلم يقدر على ذبح ابنه ، حقّق الله له صورة الذبح ، وصدّق إبراهيم ففداه بالذبح العظيم ، ووقع به صورة الذبح ، فعلم عليه السّلام عند ذلك أنّ ما رأى كان كبشا في صورة ابنه ، لمناسبة ذكرنا ، فتذكَّر .
قال رضي الله عنه : "فلو رأى الكبش في الخيال ، لعبّره بابنه أو بأمر آخر" .
يعني رضي الله عنه : كما عبّر الحق له رؤياه بما فداه بالذبح ، فكذلك لو رأى أمرا في صورة الذبح ، لعبّره بذلك الأمر وهو إسلامه أو بابنه أنّه صورة إسلامه ، لكون الولد سرّ أبيه .
قال : « ثم قال : " إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ " آيه 37 سورة الصافات . أي الاختبار الظاهر ، يعني الاختبار في العلم : هل يعلم ما يقتضيه موطن الرؤيا من التعبير أم لا ؟
لأنّه يعلم أنّ موطن  الرؤيا يطلب التعبير ، ففعل ، فما وفّى الموطن حقّه ، وصدّق الرؤيا لهذا السبب .
كما فعل تقيّ بن مخلَّد ، الإمام صاحب المسند ، سمع في الخبر الذي ثبت عنده أنّه عليه السّلام قال : « من رآني في المنام ، فقد رآني في اليقظة ، فإنّ الشيطان لا يتمثّل على صورتي » فرآه تقيّ بن مخلَّد وسقاه النبيّ صلَّى الله عليه وسلم في هذه الرؤيا لبنا فصدّق تقيّ بن مخلَّد رؤياه ، فاستقى ، فقاء لبنا ، ولو عبّر رؤياه ، لكان ذلك اللبن علما ، فحرمه الله العلم الكثير على قدر ما شرب .
ألا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي في المنام بقدح لبن قال : « فشربته حتى خرج الرّيّ من أظافيري ثم أعطيت فضلي عمر . قيل : ما أوّلته يا رسول الله ؟
قال : « العلم » وما تركه لبنا على صورة ما رآه ، لعلمه بموطن الرؤيا وما تقتضي من التعبير"   .
قال العبد : اعلم أنّ الأمور المغيبة عن العبد إذا أراد الله أن يطلع العبد عليها ويشهده ما شاء منها قبل الوقوع ، فإنّه تعالى يمثّل له ذلك في منامه في صورة مناسبة لذلك الأمر في المعنى ، كظهور العلم الفطري في صورة اللبن ، لكون اللبن غذاء لصورته الجسدية من أوّل الفطرة ، كالعلم الذي هو غذاء روح المؤمن من أوّل فطرة الروح .
وكذلك الماء والعسل والخمر صور علم الوحي والإلقاء والحال ، إذا جسد الله لعبده هذه الحقائق على هذه الصور ، فينبغي أن يكون صاحب كشف الصور الذي يجسّد الله ويمثّل له المعاني والأمور الغيبية صورا مثالية وأمثلة جسدية محسوسة من الله على علم آخر من الكشف المعنوي يكشف عن وجه ذلك المعنى المعنيّ له قناع الصور والأمثلة الإلهية ، وهو كشف عال ، وعلم شريف ، يؤتيه الله من شاء من عباده المصطفين المعتنين ، ليس علم التعبير الذي يأخذونه من كتب التعبير ، وذلك أيضا بالنسبة إلى أوّل معبّر علَّمه الله تأويله كرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ويوسف الصدّيق عليه السّلام وابن سيرين ومعبّر قرطبة في هذه الأمّة وغيره ممّن وجد العلم من عند الله ، وأخذه منه من مشايخ الصوفية والمحقّقين منّا .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
(وأما المسمى آدما فمقيد   ...... بعقل وفكر أو قلادة إيمان )
"" إضفة بالي زادة : ( فمقيد بعقل وفكر ) مشوب بالوهم إن كان من أهل النظر ( أو قلادة إيمان ) إن كان من أهل التقليد الإيماني ، فتنقص معرفته عن سائر الحيوانات لزيادة الآثار النفسية ، فظهر من هذا أن الكبش إن كان أدنى وأخس من النبات والجماد ، لكنه أعلى وأشرف من الأناسى الحيوانيين ، فبهذا العلو والشرف يستأهل أن يكون فداء لإنسان شريف اهـ جامى.""
قال الشيخ القاشاني : يريد أن الكشف والشهود المراد بإيضاح البرهان يحكمان أن الحق متجل في كل شيء وسار بأحديته في كل موجود ، وهو عين صورته وعلمه بل كل اسم من أسمائه موصوف بجميع الأسماء الأحدية الذات الشاملة لجميع الأسماء المشتركة بينهما ، وحيث وجد الأصل وجد جميع لوازمه ، فحيث كان الوجود كان العلم والعقل ، لكن المحل إذا لم يبلغ التسوية الإنسانية أعنى الاعتدال الموجب لظهور العقل والإدراك خفى الحياة والإدراك في الباطن ولم يظهر على المحل ، فلا حس له ولا شعور كالمسكور والمغمى عليه.
فالجماد والنبات ذو حياة وإدراك في الباطن لا في الظاهر ، أي في جسده ، وكل من له حس فله نفس فله حكم ووهم ، يدرك نفسه بقوة جسدانية فتحتجب بالأنانية ويخطئ بالحكم ، بخلاف من لا حس له ولا نفس فإنه باق على فطرته لا تصرف له بنفسه .
فالجماد عارف بربه كشفا وحقيقة منقاد مطيع طبعا وطوعا .
وبعده النبات لما فيه من تصرف ما كالنمو بالغذاء وجذبه وإحالته وتوليد المثل .
فلذلك التصرف والحركة ينقص عن الجماد ، فإن الجماد يشهد بذاته وفطرته أن لا متصرف إلا الله ، وبعده الحيوان الحساس لاحتجابه بأنانيته وظهوره بإرادته وتأبيه لما يراد منه .
ثم الإنسان الناقص فإنه جاهل بربه مشرك مخطئ في رأيه ، وخصوصا في معرفة الله تعالى ، فلذلك قال تعالى: " إِنَّه كانَ ظَلُوماً جَهُولًا " فإنه غير فطرته واتخذ إلهه هواه وشاب عقله بالوهم ، فظهر بالنفس واحتجب بالأنانية وتقيد بعقله وفكره أو تقليده ، كقوله تعالى : " بَلْ نَتَّبِعُ ما وَجَدْنا عَلَيْه آباءَنا " فثبت أن الكبش أعلى مرتبة منه " أُولئِكَ كَالأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ " – " ولكِنَّه أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ واتَّبَعَ هَواه فَمَثَلُه كَمَثَلِ الْكَلْبِ " - بل تبين أن الجماد أعلى مرتبة من الجميع .
" وإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ من خَشْيَةِ الله " كذلك أقل درجات وأدونها لقوله " وإِنَّ من الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْه الأَنْهارُ ".
وأما الإنسان الكامل فإنما كان أشرف الجميع ، لظهور الكمالات الإلهية عليه وفنائه فيه بصفاته وذواته ، لا من حيث إنه حيوان مستوى القامة عارى البشرة ، ولو لم يغير فطرته ولم يحتجب بأنانيته ولم يشب عقله بهواه ولم يتبع الشيطان وخطاه لم يكن أحسن منه ، كما قال عليه الصلاة والسلام: " كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه ويمجسانه وينصرانه" .
(بذا قال سهل والمحقق مثلنا   ..... لأنا وإياهم بمنزل إحسان )
أي بهذا القول ، وهو أن الجماد أعرف باللَّه وأطوع له من المخلوقات سيما الإنسان الناقص .
قال سهل بن عبد الله الصوفي:  " وكل محقق مثلنا لأنا وإياهم في مقام الإنسان وهو مقام المشاهدة والكشف وراء مقام الإيمان ، كما قال تعالى: " ثُمَّ اتَّقَوْا وآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وأَحْسَنُوا ".
""  إضفة بالي زادة :   ( بذا ) أي بما قلت ( قال سهل ) فإن علم المحققين يحصل عن كشف إلهي ، فلا يقبل الاختلاف فإنه لا يكون إلا في العلم الاجتهادى ( ولا تبذر السمراء ) أي المحنطة ( في أرض عميان ) أي لا تقل قولي لمن كان عمى قلبه ، فإنها لا تنبت المعارف الإلهية في أرضهم اهـ بالى . ""
وقال عليه الصلاة والسلام « الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه » فمن لم يذق الشهود فليؤمن بقول الصحابي عن بدن النبي عليه الصلاة والسلام حين أمر بتقريبها لله قرابين أنها جاءت يزدلفن إليه عليه الصلاة والسلام بأيتهن يبدأ في قربانه :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فمن شهد الأمر الذي قد شهدته .....   يقول بقولي في خفاء وإعلان )  (ولا تلتفت قولا يخالف قولنا   ......   ولا تبذر السمراء في أرض عميان)
(هم الصم والبكم الذي أتى بهم     ...... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن )
أي من شهد ما شهدته عرف أن شهادة الأعيان الموجودة كلها بلسان الحال الحق ، هي ذاتية فطرية .
وقال : ما أقول به كأمير المؤمنين علي كرم الله وجهه ، حيث قال :يشهد له أعلام الوجود
على إقرار قلب ذي الجحود ولا تبذر السمراء في أرض عميان مثل لمن يلقن المعرفة من لا يستعد لقبولها ولا يهتدى إلى الحق .
ويبصر من لا بصيرة له وهم الذين سماهم الله في القرآن الذي جاء به المعصوم أي النبي عليه الصلاة والسلام " صما وبكما " مع أنهم يسمعون وينطقون عرفا .
لعدم فهم الحق وانتفاعهم بحاسة السمع ونطقهم بالحق ، كما سماهم " عُمْياً " مع سلامة حاسة بصرهم ، لاحتجابهم عن الحق وعدم اهتدائهم.
كقوله تعالى: لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها ، ولَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها الآية .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأما المسمى آدما فمقيد   ..... بعقل وفكر أو قلادة إيمان)
أي، والحال أن المسمى بالإنسان مقيد ومحجوب بعقله الجزئي المشوب بالوهم، وبقوته الفكرية التي لا ترفع رأسا إلى العالم العلوي الغيبي - إن كان من أهل النظر- فإن كان مقلدا فمقيد بالتقليد الإيماني القابل للتغيير والزوال سريعا، وكل منهما لا يطلع لربه إطلاع العارف المشاهد للحق ومراتبه التي هي روحانية الجماد والنبات والحيوان من الكمل والأفراد من الإنسان.
(بذا قال سهل والمحقق مثلنا   ..... لأنا وإياهم بمنزل إحسان)
أي، قال سهل التستري بهذا القول من أن البسائط أقرب إلى الحق، كما مر. وهكذا يقول كل محقق عارف بالله.
و (المنزل الإحساني) هو مقام المشاهدة   وإنما
قال: (مثلنا) لأن العارف المطلع على مقامه هو على بينة من ربه، يخبر عن الأمر كما هو عليه، كإخبار الرسل عن كونهم رسلا وأنبياء، لا أنهم ظاهرون بأنفسهم مفتخرون بما يخبرون عنه:
(فمن شهد الأمر الذي قد شهدته  .... يقول بقولي في خفاء وإعلان):
أي، من شهد الحقائق في الغيب الإلهي كما شهدت ويجد الأمر كما وجدت، لا يبالي أن يقول بمثل هذا القول في السر والعلانية:
(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا   ...... ولا تبذر السمراء في أرض عميان)
أي، لا يلتفت إلى قول المحجوبين من أهل النظر وغيرهم من المقلدين لهم وأصحاب الظاهر الذين لا علم لهم بحقائق الأمور، إذا كان قولهم مخالفا لقولنا.
ولا تبذر الحنطة السمراء. أي، القول الحق الذي يغذي الباطن والروح، في أرض استعداد العميان الذين لا يبصرون الحق في الأشياء ولا يشاهدونه في المظاهر:
(هم الصم والبكم الذين أتى بهم  ..... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
لأنهم الصم عن سماع الحق، والبكم عن القول به، والعمى عن شهوده، إذ طبع الله على قلوبهم بعدم إعطاء استعداد المشاهدة وإدراك الحق. كما أتى المعصوم، أي نبينا عليه السلام، في القرآن في حقهم: (صم بكم عمى فهم لا يعقلون.)
و (الباء) في (بهم) للتعدية. أي، أتى بهذا القول في حقهم.


 خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)

قال الشيخ رضي الله عنه : وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان . بذا قال سهل المحقق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان  . فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان . ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أمر عميان . هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن

قال الشيخ رضي الله عنه : (وأما المسمى آدم) وهو الإنسان الجامع لمراتب كل إنسان، (فمقيد) بقيود زائدة على القوى الجمادية، والنباتية، والحيوانية، إذ هو مقید (بعقل) وهو ما يدرك به الأمور الكلية المعقولة، (وفكر) وهو القوة التي تركب وتحلل بين المعاني الوهمية والصور الخيالية، (أو قلادة إيمان)، وهي الكشف الذي يدرك الحقائق الإلهية وغيرها.
أو هنا لمنع الخلو إذ مدرك الحقائق منا لا يخلو عن أحد هذين، فهذه الأمور، وإن كانت مفيدة للمعلوم؛ فهي من حيث إمكانها حجب مانعة من الوصول إلى الحق، وإن كانت من وجه آخر توصله إليه أيضا.
ثم استشهد على عرفانها وعلو رتبها بقول من تقدمه؛ فقال: (بذا) أي: بعلو رتبة هذه الأشياء وعرفانها.
محقق المتكلمين والفلاسفة، وقوله: (لأنا) متعلق بقوله: (مثلنا وإياهم بمنزل إحسان) وهو مقام قريب من مقام المشاهدة كما قال صلى الله عليه وسلم : «أن تعبد الله كأنك تراه ".رواه ابن حبان والبيهقي في الشعب ، والبيهقي في دلائل النبوة.

(فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بقولي) علي (في خفاء) أي: يعتقده في نفسه، (وإعلان) أي: يظهره في الناس، ولا يبالي إلا من غير أهله على ما سيشير إليه، (ولا تلتفت قولا يخالف قولنا)، وهو قول من حمل التسبيح في الآية على لسان الحال، مع أنه مناف لمفهوم الحديث المذكور، بل ما بعده من قوله: "ولكن لا تفقهون تسبيحهم" [الإسراء: 44]، وتسبيح لسان الحال يفقهه جمع غفير من العقلاء، (ولا تبذر) الحنطة (السمراء في أرض عميان)، وهي التي لا ماء فيها وافر ولا مطر، والسمراء أحوج إلى ذلك، وهذا مثل يضرب لمن يلقي الحقائق على من لا يتم استعداده لفهمها أو الانتفاع بها.

ثم أشار إلى تعليل ذلك بقوله: (هم) أي: المخالفون (الصم) عن استماع الحقائق، (والبكم) عن النطق بها، لو سمعوا وفهموا (الذين أتى بهم عن الكذب في كل ما أخبر، فهؤلاء من جملتهم وإن تأخروا عن عصره في نص القرآن) وهو قوله تعالى: "صم بكم عمي فهم لا يعقلون" [البقرة: 171].
وهي وإن وردت في حق الكفرة؛ فليس بعجب، لغشيان ظلمة الكفر عليهم، وهؤلاء مع تنورهم بنور العلم قد حجبوا عن ذلك، فهم أعجب حالا منهم، فكأنها منحصرة في هؤلاء.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
(وأمّا المسمّى آدما فمقيّد  بعقل وفكر ) إن كان من أهل النظر وعلومه الاستدلاليّة .
( أو قلادة إيمان ) إن كان من أرباب العقائد التقليديّة ، فإنّ الإنسان له في الارتقاء إلى مدارج كماله الشهودي ثلاث مراتب : برهان وإيمان وإحسان .
لأنّ المعارف اليقينيّة المستحصلة له إمّا أن يكون عقدا أو انشراحا وعلما .
والأوّل هو الإيمان ،
والثاني إمّا أن يكون وراء أستار الأسباب والآثار وهو البرهان ، أو يكون منكشفا ، منزّها عمّا يطلق عليه الغطاء أو الحجاب وهو الإحسان ، وهذا منزل اولي التحقيق .
كما قال :( بذا قال سهل والمحقّق مثلنا ....  لأنّا وإيّاهم بمنزل إحسان )
( فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ) من الإجمال الذاتي وتفاصيل تعيّناتها وتنوّعاتها ، ومقتضيات الكلّ من الإظهار والإخفاء بحسب أحكام المواطن ، ومدارك المعاصرين ذوي العناد أو أهل الاسترشاد .
( يقول بقولي في خفاء ) للغمر من المعاندين الغافلين.( وإعلان ) للمسترشدين المتفطَّنين. "الغمر = الجاهل"
( ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ) أي لا تسمع قول القاصرين عن فهم المراد من كلام الحقّ ، والواقفين عند شواطئ ذلك البحر الزخّار ، القانعين من لآليه ودرره ، المبطونة فيه بطنا بعد بطن ، بما يعلو ظاهر سطوحه المحسوسة من الحثالات والزبد فالعاقل ينبغي أن لا يلتفت إليهم سماعا ولا خطابا .
فإنّ الخطاب معهم ببثّ ذلك الدرر لديهم هو عين إضاعتها عزّت عن ذلك." الحثالة : ثفل الشيء. ما يسقط من قشر الشعير أو الأرز ونحوه. الزبد : ما يعلو الماء البحر او النهر ونحوه من الرغوة ."
كما قال :( ولا تبذر السمراء في أرض عميان) "ولا تبذر الحنطة السمراء - أي القول الحق الذي يغذي الباطن والروح - في أرض استعداد العميان ، الذين لا يبصرون الحق في الأشياء ولا يشاهدونه في المظاهر.أهـ القيصري "
( هم الصمّ والبكم الذين أتى بهم .....   لأسماعنا المعصوم في نصّ قرآن )
لما سبق غير مرّة أن القصص القرآنيّة حكايات ألسنة أحوال الاستعدادات المتخالفة للعباد ، وهي التي لم يزل يتكلَّم الزمان بأفواههم في كلّ عصر ما هي أساطير الأوّلين ، كما هو زعم البعض من الجهلة المنكرين لبيّنات آياته . كرؤيا إبراهيم عليه السّلام وتعبيره  

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( و أما المسمى آدما فمقيد  … بعقل و فكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل و المحقق مثلنا  ... لأنا و إياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته …    يقول بقولي في خفاء و إعلان
و لا تلتفت قولا يخالف قولنا ... و لا تبذر السمراء في أمر عميان
هم الصم و البكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن)
قال الشيخ رضي الله عنه : 
وأما المسمى آدما فمقيد ... بعقل وفكر أو قلادة إيمان
بذا قال سهل والمحقق مثلنا ... لأنا وإياهم بمنزل إحسان
فمن شهد الأمر الذي قد شهدته ... يقول بقولي في خفاء وإعلان
ولا تلتفت قولا يخالف قولنا ... ولا تبذر السمراء في أرض عميان
(وأما المسمى آدم) الذي ليس له من الآدمية إلا اسم وهو الإنسان الحيوان (فمقید بعقل وفكر) مشوب بالوهم إن كان من أهل النقر.
(أو قلادة إيمان) إن كان من أهل التقليد الإيماني وتنقص معرفته عن معرفة سائر الحيوان بزيادة الآثار النفسية والتصرفات الغرضية من الفكر والتقليد و غيرها بنقص معرفته من سائر الحيوانات.
فظهر من هذا أن الكبش إن كان أدنى وأخس من النبات والجماد لكنه أعلى وأشرف من الأناسي الحيوانيين، فهذا العلو والشرف يستاهل أن يكون فداء لإنسان شریف.
(بذا)، أي بما ذكرناه من بیان مراتب الموجودات (قال سهل)، يعني سهل بن عبد الله التستري قدس الله سره (والمحقق) كانن من كان (مثلنا)، أي مثل قولنا بهذا (فإنا) يعني سهلا ونفسه (وإياهم)..
يعني سائر المحققين المماثلين لهما في هذا القول (بمنزل إحسان) و مقام مشاهدة فيعرف ويشاهد الأمور على ما هي عليه (فمن شهد الأمر الذي قد شهدته يقول بقولي في خفاء وإعلان)، أي في السر والعلانية.

(ولا تلتفت قولا يخالف قولنا) من أقوال المحجوبين من أهل النظر والمقلدين لهم وأصحاب الظواهر الذين لا علم لهم بالبواطن (ولا تبذر السمراء) يعني بيان الحقائق الذي هو غذاء القلب والروح كالسمراء يعني الحنطة للجسم (في أرض عميان) يعني في أرض استعداد، وهؤلاء الطوائف الذين لا يبصرون الحق ولا يشاهدونه في جميع الأشياء
هم الصم والبكم الذين أتى بهم ... لأسماعنا المعصوم في نص قرآن
(هم) أي هؤلاء العميان (الصم) عن استماع الحق (والبكم) عن الإقرار به (الذين أتي بهما)، أي ذكرهم جامعين لهذه الأوصاف الثلاثة (لأسماعنا ) النبي (المعصوم) عن تهمة الكذب صلى الله عليه وسلم (في نص قرآن) يريد قوله تعالى : "صم بكم عمى فهم لا يرجعون" ( البقرة : 18).
.

 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق 

الفقرة الرابعة على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله



واتساب

No comments:

Post a Comment