Monday, July 15, 2019

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الرابعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الرابعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة الرابعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها عبدالله المسافر بالله

 06 - The Wisdom Of Reality In The Word Of ISAAC 

الفقرة الرابعة عشر:
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد.  )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر ....   يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها. 
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد)
قال الشيخ رضي الله عنه :  (ويقبل) بالبناء للمفعول أي يصير مقبولا من غير رد (في تجلي)، أي في تجلي بمعنی ان?شافه لجميع العقول فلا ترده (العقول) إذا تجلى لها بها في صورة التنزيه والإطلاق.
(وفي) العالم (الذي يسمى خياط) وهو القوة الروحانية المتوجهة على حسب الطبيعة الإنسانية. (والصحيح) هو ما تراه (النواظر)، أي العيون بعد التعبير والتأويل ورفع الصورة الآدمية المسماة بالشيء، و"كل شيء هالك إلا وجهه " [القصص : 88].
وهو ذات الحق تعالى، فالحق سبحانه محسوس بالعيون بعد التحقيق بالصور الفانية وغسلها من البين، لا أنه تعالى معقول كما هو عند أهل الظاهر من العلماء المحجوبين ومقلديهم.
(يقول) العارف الكامل (أبو یزید) طيفور البسطامي قدس الله سره (في هذا المقام) المذكور من هذا المشرب المبرور (لو أن العرش)، أي عرش الرحمن (وما حواه)، أي جمعه فيه من السماوات والأرض وما بينهما وما فيهما وما حولهما، وليس في هذا الوجود الحادث إلا العرش وما حواه من الدنيا والآخرة وما خرج عنهما.
فإن جميع المخلوقات في جوف العرش (مائة ألف ألف مرة في زاوية)، أي ناحية (من زوايا)، أي نواحي (قلب العارف) بالله تعالى (ما أحس بها)، أي ما أدركها أصلا وذلك، لأن القلب الذي وسع الحق تعالی.
كما ورد في الحديث: «ما وسعني سماواتي ولا أرضي ووسعني قلب عبدي المؤمن»، فكيف يضيق عن جميع ما صدر عنه تعالی.
(وهذا) الوسع المذكور في قول أبي يزيد هو (وسع) قلب (أبي يزيد في عالم الأجسام) حيث ذكر العرش وهو جسم وذكر ما حواه من الأجسام واقتصر على ذلك.
(بل أقول)، أي يقول: الشيخ الأكبر رضي الله عنه مؤلف هذا الكتاب (لو أن ما لا يتناهی وجوده) من جميع المخلوقات من أول ما ابتدأ وجود شيء منها إلى الأبد (يقدر) بالبناء للمفعول، أي يقدر مقدر (انتهاء وجوده)، أي وجود ما لا يتناهی (مع العين)، أي الذات (الموجدة) بصيغة اسم الفاعل (له)، وهي الذات الحق تعالی وكل ذلك (في زاوية)، أي ناحية من زوايا قلب العارف بالله تعالى .
(ما أحس بذلك) كله أو بشيء منه (في علمه) لاشتغال قلبه باستجلاء جميع ذلك والتحقق به واتساع قلبه له .
(فإنه)، أي الشأن (قد ثبت) في الحديث الذي ذكرناه (أن القلب)، أي قلب العبد المؤمن (وسع الحق تعالی) ولم يسعه تعالى شيء غير ذلك القلب (ومع) وجود (ذلك) الوسع المذكور للقلب (ما اتصف) ذلك القلب (بالري)، أي زوال العطش عنه إلى الحق تعالی (فلو امتلأ) من الحق تعالی ولم يبق فيه وسع لطلب الزيادة منه تعالی (ارتوی) منه تعالی وزال تعطشه إليه سبحانه والارتواء ممتنع (وقد قال ذلك)، أي عدم الارتواء منه تعالى
(أبو يزيد) قدس الله سره كما ورد عنه حين أرسل إليه سهل التستري رضي الله عنه يقول له : "ههنا رجل شرب شربة فلم يظمأ بعدها أبدا".
فقال له أبو يزيد قدس الله سره: "ههنا رجل شرب الأكوان جمیعا وهو فارغ فمه يلهث من العطش حيث لم يثبت الري من الحق تعالى.
فيكون قول أبي يزيد رضي الله عنه المذكور هنا في حالة من أحواله، وإلا فإن قوله بعدم الارتواء المذكور عنه يقتضي أن قلبه وسع الحق وجميع ما صدر عنه ويصدر عنه ولم يكتف بذلك ولم يحس به كما قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه هنا.
واعلم أن المراد بهذا الوسع من القلب للحق تعالى هو وسع التجلي بأحد الحضرات الإلهية، لا وسع حلول ونحوه مما يفهمه الأجنبي عن هذه الطريقة.
ولا شك أن الحق تعالى إذا تجلى على القلب أعني قلب العبد المؤمن من هذا النوع الإنساني، انكشف له ان?شافة تامة بالنظر إلى كل تجل له تعالى على ما عدا ذلك القلب من قلوب جميع المخلوقات.
وذلك التجلي المذكور عند ذلك القلب قاصر أيضا بالنظر إلى همته العلية في طلب حصول المراتب الكشفية، فلا يقنع قلب المؤمن بتجل أصلا، وهذا معنى عدم الارتواء.


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد.  )
قال الشيخ رضي الله عنه : (ويقبل) الحق على البناء للمفعول (في مجلي العقول وفي) المجلي (الذي يسمى خيالا) .
وقابل الحق في مجلي العقول العقول المجردة ، وفي مجلي الخيال القلب والنفوس المجردة فحضر ظهور الحق كل منهما في مرتبتهما وليس ذلك الحضور بصحيح.
( والصحيح) في قبول الحق ما تقبله (النواظر) وهي جمع ناظرة فيشاهد أهل الناظرة الحق في جميع المراتب الإلهية والكونية فيعرفون الحق في كل موطن فيعبدونه فهم يسعون للحق بجميع كمالاته .
فلا يحتجبون بصور الأكوان عن الحق فقلوبهم يسعون الحق فيفوتهم غير الحق. (يقول أبو يزيد "البسطامي" في هذا المقام) أي في مقام سعة القلب (لو أن العرش وما حواه) أي مع إحاطته من السموات والأرضين (مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به) أي لا يدرك ذلك العارف ما في زاوية قلبه أي لا يشغله عن مشاهدة ربه ولا يضيق وسعة قلبه الحق.
""قال الشيخ في الفتوحات الباب الثامن والسبعون ومائة في معرفة مقام المحبة:
المحب لا فكرة له في تدبير الكون وإنما همه وشغله بذكر محبوبه قد أفرط فيه الخيال فلا يعرف المقادير فإن كان محبوبه الله لما وسعه قلبه .
فذلك الخارج عن الوزن فلا يزنه شيء ألا ترى إلى التلفظ بذكره .
وهي لفظة لا إله إلا الله لا تدخل الميزان ولما دخلت بطاقتها من حيث ما هي مكتوبة في الميزان لصاحب السجلات طاشت السجلات وما وزنها شيء .
ولو وضعت أصناف العالم ما وزنتها وهي لفظة من قائل لم يتصف بالمحبة فما ظنك بقول محب فما ظنك بحاله فما ظنك بقلبه الذي هو أوسع من
رحمة الله وسعته إنما كانت من رحمة الله .
فهذا من أعجب ما ظهر في الوجود إن اتساع القلب من رحمة الله وهو أوسع من رحمة الله .
يقول أبو يزيد لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها فكيف حال المحب .
المحب الله تعالى عن الموازنة محبوب الحق عند الحق لأن المحب لا يفارق محبوبه وما عند الله باق فالمحبوب باق وما يبقى ما يوازنه ما يفنى نعت المحب .
بكونه يقول عن نفسه إنه عين محبوبه لاستهلاكه فيه فلا يراه غير إله .
قال قائلهم في ذلك :
أنا من أهوى      ومن أهوى أنا
وهذه حالة أبي يزيد المحب الله أحب بعض عباده فكان سمعه وبصره ولسانه وجميع قواه منصة ومجلى نعت المحب بأنه مصطلم مجهود لا يقول لمحبوبه لم فعلت كذا لم قلت كذا""
(وهذا) أي ما قال أبو يزيد (وسع أبي يزيد في عالم الأجسام) إذ قيد وسعة القلب في الأجسام بقوله : لو أن العرش ولم يعم وسعته عالم الأرواح فكان ذلك وسعة قلب أبي يزيد.
(بل أقول لو أن ما لا يتناهی وجوده) مطلقا من أي عالم كان (قدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له) وهي العقل الأول إذ به يخلق الله تعالى جميع المخلوقات.
(في زاوية من زوايا قلب العارف) (ما أحس) ذلك العارف بالحق.
(بذلك) أي بما كان في قلبه من الأمور الغير المتناهية (في علمه) بالحق أي لا يشغل العارف عن الحق وجود هذه الأشياء في زاوية قلبه وإنما لا يحس العارف بما في قلبه.
(فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك) الوسع (ما انصف) أي لا ينصف القلب (بالري)، وإنما لم ينصف بالري لأنه لو اتصف بالري لأمتلا (ولو امتلأ ارتوى وقد قال ذلك) أي عدم الارتداد .
( ابو یزید) في كلام آخر وهو قوله:
شربت الحب كأسا بعد كأس   ….. فما نفد الشراب ولا رويت


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد.  )
الخيال قوله رضي الله عنه عن أبي يزيد قدس الله روحه.
أنه قال: لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
ثم قال: وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام.
بل أقول لو أن ما لا يتناهی بقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به، فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوی.
فأقول في التمثيل هذا أن من عرف نقطة من ماء البحر فقد عرف ماء البحر وعلى تقدير أن يكون ماء البحر غير متناه .
فقد عرف ما لا يتناهي من نفس معرفته بنقطة واحدة ولا شك أن وجود الحق تعالى لا يتناهي موجوداته.
والوجود عند العارف معروف فهو يعرف ما لا يتناهي ويكفي في معرفة صور ما لا يتناهي أن يعرف أنها لا تتناهي .
ويكفي في معرفة ماهية ذلك أن يعرف حقيقة البحر من نقطة واحدة، فقد حصل للعارف معنى ما لا يتناهي ذاتا كالنقطة.
وصفتا كصور الموجودات التي ليس حصرها إلا بمعرفة عدم حصرها وهذا هو ?شف ما استتر من هذه المسألة.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد.  )
قال - رضي الله عنه - :
ويقبل في مجلى العقول وفي الذي ..... يسمّى خيالا والصحيح النواظر
يعني رضي الله عنه : الرؤية إذا كانت في صورة عقلية غير محسوسة ولا متكيّفة بكيفية تشبه شيئا فيها ، فالفكر والمبرهن بفكره يقبلانها ويقبلان عليها ، ولا ينكرانها ، وكذلك إذا رأى في المنام خيالا ، أي صورة خيالية ، فإنّ العقل يجيزه ويقبله ويأخذه مقصورا على موطن الرؤيا ويعبّره ، والصحيح كشفا شهود العيون النواظر إليه في صورة تجلَّياته ظاهرا .
كما قال : " وُجُوه ٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ . إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ " فالنواظر غير المحجوبة نواظر للحق ، نواظر إلى الحق ، غير حاصرة له فيما ترى وتجلَّى لها .
قال رضي الله عنه : « يقول أبو يزيد البسطاميّ في هذا المقام : لو أنّ العرش وما حواه مائة ألف ألف مرّة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ به هذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام ، بل أقول :  لو أنّ ما لا يتناهى وجوده  يقدّر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ به في علمه" .
قال العبد : كلّ ما دخل في الوجود أو ما وجد إلى الإنسان - مثلا - فهو متناه محدود محصور ، وكذلك لو قدّر ما لا يتناهى متناهيا ، لكان الظاهر المتعيّن من الحق المطلق بإيجاد هذا المقدّر انتهاؤه من الممكنات بالنسبة إلى ما لم يتعيّن بالإيجاد من غيب الحق اللامتعيّن تعيّنا معيّنا ، وكلّ متعيّن محصور محدود بنفس تعيّنه وتميّزه من المطلق ، وقلب العارف الحقيقي لا يمتلي بتعيّن معيّن ، بل هو في محاذاة الحق المطلق أبدا .
قال رضي الله عنه : « فإنّه قد ثبت أنّ القلب وسع الحقّ ومع ذلك ما اتّصف بالرّيّ ، فلو امتلأ ارتوى  " وقد قال ذلك أبو يزيد " .
يعني رضي الله عنه : يظهر العارف من مطلق قابليته وقلبه لكل تجلّ من تجلَّيات الحق - مجلى يقبل به إلى التجلَّي فيقبله ، ولا ينقص ذلك من مطلق قابليته التي في مقابلة مطلق الغيب الذاتي أصلا ، ولا يمتلئ بذلك فلو امتلأ ارتوى ، والمحقّق المحنّك لا يرتوي ، وقد قال ذلك أبو يزيد البسطاميّ سلام الله عليه ، بل الرجل من يتحسّى بحار السماوات والأرض ولسانه خرج يلهب عطشا.
يعني رضي الله عنه أنّ تجلَّيات الحق الظاهر في السماوات والأرض لا يرتوي لها العارف ، فإنّه لا يحسّ بتجلَّيات الحق المتعيّن في العرش والكرسي اللذين فيهما السماوات السبع والأرضون السبع كحلقة ملقاة في أرض فلاة ، فانظر ما ذا ترى .


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى.)  
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ويقبل في مجلى العقول وفي الذي  ..... يسمى خيالا والصحيح النواظر )
أي يقبله العقلاء إذا تجلى في صورة عقلية غير محسوسة ، ولا مكيفة بكيف ولا مقدرة بمقدار يطابقها البرهان العقلي ، وكذلك تقبله الناس إذا تجلى في صورة خيالية في المنام ، ولا يقبلونه في صورة محسوسة ، والصحيح كشف شهود العيون النواظر ، وهي العيون الناظرة بالحق الغير الحاصرة له فيما تجلى لهم ظاهرا.
كقوله تعالى : "وُجُوه يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ " .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( يقول أبو يزيد رضي الله عنه في هذا المقام : لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها وهذا وسع أبى يزيد في عالم الأجسام ، بل أقول : لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده من العين الموجدة له ، في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسن بذلك في علمه )
قلب العارف :  هو الذي وسع الحق بفنائه فيه وبقائه به مطلقا بلا تعين ، وكل ما فرض وجوده من الأمور المعينة مع العين الواحدة التي تعينت بالتعين الأول ويتعين بها كل متعين ، فهو متعين منحصر في تعينه غير مطلق ، وكل متعين فهو فان في المطلق الواجب ، وقلب العارف مع الحق المطلق بإطلاقه فيفنى فيه الكل فلا يحس به .
""إضفة بالي زادة :   ( يقول أبو يزيد في هذا المقام ) أي في مقام سعة القلب اهـ بالى زاده.
(وهذا وسع أبى يزيد ) إذ قيد وسعة القلب في الأجسام ولم يعم عالم الأرواح (من العين الموجدة له) هي العقل الأول إذ به يخلق الله جميع المخلوقات اهـ . بالى زاده.
قوله ( ما أحس بذلك في علمه ) وذلك لأن الحق تجلى له باسمه الواسع والعليم المحيط بكل شيء فيسع الممكنات كلها ، وأما كونه لا يحس بها فذلك لاشتغال القلب عنها بخالقها اهـ""
وقوله : هذا وسع أبى يزيد ، ليس بطعن فيه ، بل أراد أن أبا يزيد مع تعينه الكلى نظر إلى عالم الأجسام بالفناء ، فلو نظر بعين الله لقال مثل ذلك .
ولكنه عين عالم الأجسام بالنسبة إلى المحجوبين بالأكوان .
وعلل الشيخ ما قال بقوله ( فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري ، فلو امتلأ ارتوى ، وقد قال ذلك أبو يزيد ) .
إشارة إلى قول أبى يزيد : بل الرجل من يتحسى بحار السماوات والأرض ولسانه خارج يلهث عطشا . قول أبو اليزيد  :
شربت الحب كأسا بعد كأس ....   فما نفد الشراب وما رويت
والمراد أن تجليات الحق في الظاهر والباطن لا يرتوى بها العارف ، لأنه لا يحس بها من حيث التعين ، بل يشاهد الجمال المطلق الغير المتناهي تجلياته .



مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر . يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى.  )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وتقبل في مجلي العقول وفي الذي  ..... يسمى خيالا والصحيح النواظر )
أي، يقبل الحق عند أهل الكشف والشهود في مجلي العقول، أي في مقام التنزيه، وفي المجلى المثالي الذي يسمى خيالا، والحسي أيضا، لجمعهم بين مقامي التنزيه والتشبيه.
(والصحيح النواظر) أي، النواظر الصحيحة تشاهد تلك المجالي كلها.
فحذف الخبر لقرينة (النواظر).
أو: والصحيح ما يشاهده النواظر في مجالي الحق، كما قال تعالى في أهل الآخرة: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة). لأن عين اليقين أعلى مرتبة من علم اليقين.
وقوله: (يقبل) مبنى للمفعول لا للفاعل، لأن العقول ما تقبل المجالي الخيالية بالآلهية.
(يقول أبو يزيد في هذا المقام) أي، في هذا المقام القلبي.
لأن كلامه رضي الله عنه كان في عالم المثال.
وهذا العالم لا يدرك إلا بالقلب  وقواه، والخيال محل ظهوره لا أنه يدركه، إذ لو كان مدركا له، لكان يدركه كل واحد لظهور الخيال في كلواحد، بخلاف القلب، فإنه خفى لا يظهر إلا لمن كحلت بصيرته بنور الهداية.
وما يجده كل واحد في خياله من المنامات الصادقة، إنما هو بمقدار صفاء قلبه وظهوره، لا بحسب خياله.
(لو أن العرش وما حواه مأة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف، ماأحس به).
وإنما قيد بـ (قلب العارف) لأن قلب غيره، من أصحاب الأخلاق الحميدة والنفوس المطمئنة، ما يشاهد إلا شيئا قليلا، ولا يكاشف إلا نذرا يسيرا.
وقلب صاحب النفس الأمارة واللوامة أضيق شئ في الوجود، بل لا قلبله حينئذ لاختفائه، وظهور النفس بصفاتها.
(وهذا وسع أبى يزيد في عالم الأجسام) أي، وسع قلبه، لأنه ما يخبر إلا عمايجده في قلبه، لا وسع مرتبة القلب إذا كان في غاية كماله.
لذلك قال: (بلأقول: لو أن ما لا يتناهى وجوده) أي، من عوالم الأرواح والأجسام.
(يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له) وهو الحق المخلوق به السماوات والأرض، أي، الجوهر الأول الذي به وجدت السماوات والأرض.
(في زاوية من زوايا قلب العارف، ما أحس بذلك في علمه).
وذلك لأن الحق تجلى له باسمه (الواسع) و (العليم المحيط بكل شئ)، فيسع الممكن اتكلها. وأما كونه لا يحس بها، فذلك لاشتغال القلب عنها بمبدعها وخالقها، بل لفنائها في الحق وتلاشيها في الوجود المطلق عند نظر قلب هذا العارف.
ولا يتوهم أن عدم الإحساس إنما هو لفناء القلب، فإن التجلي بالوحدة والقهر يوجب ذلك، لا بالواسع العليم.
وأيضا هذه السعة إنما تحصل للقلب بعد أن فني في الحق وبقى به مرة أخرى، فلا يطرأ عليه الفناء حينئذ.
قوله: (فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق، ومع ذلك ما اتصف بالري، فلو امتلأ ارتوى) دليل على ما قال: (وإنما لا يرتوي). لأن الحق لا يتجلى دفعةبجميع أسمائه وصفاته للقلب الكامل، بل يتجلى له في كل آن باسم من الأسماء وصفة من الصفات، وكل من ذلك يعد القلب إلى تجل آخر، فيطلبه القلب باستعداده. وذلك من الحق فلا يرتوي أبدا.
وقوله: (وقد قال ذلك أبو يزيد) إشارة إلى ما كتب يحيى بن معاذ الرازي إلىأبى يزيد: (إني سكرت من كثرة ما شربت من محبته).
فأجاب أبو يزيد:
عجبت لمن يقول ذكرت ربى وهل أنسى، فاذكر ما نسيت شربت الحب كأسا بعد كأس فما نفد الشراب وما رويت
أو إشارة إلى ما مر من قوله: (لو أن العرش وما حواه)... فإنه أيضا يتضمن عدم الارتواء.


خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى.  )
ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
وإن سمعت في الأخبار الصحيحة ظهوره يوم القيامة في الصورة المنكرة، ويقبل ظهوره عند الكل (في مجلى العقول) أي: مظاهر العقول العشرة، أو الصور المعقولة، أو الروحانية لكون الصورة الظاهرة فيها تنزيهية، وتقبل عند الأكبر
(في) المجلي (الذي يسمى خيالا).
أي: الصور المتخيلة في المنام أو اليقظة، وتقبل ظهوره عند أهل الكشف في (الصحيح النواظر) أي: في القلب الذي صارت بصيرته صحيحة، فوقع الفرق بين ظهوراته في نظر هؤلاء مع أنه ظاهر في الكل مما قبلوا فيه الظهور، أو ردوه، والنواظر مرفوع على فاعلية الصحيح، وهو مجرور بالعطف على محلى العقول .
""قال عبد الرحمن الجامي: أي شهود النواظر المشار إليها في القرآن، والتي تشاهد الحق سبحانه في المحالي كلها حسية كانت، أو مثالية أو عقلية""
يقول الشيخ رضي الله عنه : - (يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها. وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى.)
ثم بين أنه متى يكون صحيح النواظر بقوله: (يقول أبو يزيد في هذا المقام) أي: مقام كون القلب صحيح النواظر (لو أن العرش وما حواه) العرش من الأجسام (مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف) قيد بذلك؛ لأن الشيء العظيم في المكان الضيق يكون أظهر في نظر الرائي مما يكون في مكان أوسع (ما أحس به) لغاية سعة تلك الزاوية فضلا عن مجموع القلب اتسع لرؤية الحق في الأشياء، فاقتصر نظره على الظاهر فيها دون المظاهر مع أنه يراه فيها؛ فهي أيضا في قلبه.
قال الشيخ رضي الله عنه (وهذا) أي: تقييد ظهور الحق للقلب في عالم الأجسام المقدرة بهذا المقدار، (وسع) قلب أبي يزيد في ظهور الحق (في عالم الأجسام) مع أنه يظهر له في عالم الأرواح والمعاني، ولا نسبة لسعته إلى عالم الأجسام، فليس هذا نهاية سعة قلب العارف ولا قلب أبي يزيد على الإطلاق، بل باعتبار حالة مخصوصة له.
(بل أقول) في بيان غاية سعة قلب العارف (لو أن ما لا يتناهی وجوده) من عالم الأرواح والمعاني (يقدر انتهاء وجوده)؛ لتمكن إحاطة العارف بذلك وحصره إياه؛ فإنه ينافي كونه غير متناه (مع العين الموجدة له)، وهو أن يراه في المظاهر كلها وفي مقر عينه أيضا (في زاوية من زوايا قلب العارف؛ ما أحس بذلك في علمه)، فإن القلب وإن كان متناهيا فما فيه من العلم غير متناه، فكذا فيما يتجلى له من الحق سواء ظهر في المحالي، أو في مقر عينه لغاية سعته؛ (فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق) المتجلي في المحالي، وفي مقر عينه في قوله: «ما وسعني سمائي ولا أرضي؛ ولكن وسعني قلب عبدي المؤمن». ذكره المناوي في فيض القدير وزين الدين عبد الرحمن البغدادي في جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا و شمس الدين السخاوي في المقاصد الحسنة والعجلوني في ?شف الخفاء.
(ومع ذلك) أي: ومع تجلي الحق فيه باعتبار ظهوره في الحالي، وفي مقر عينه (ما اتصف بالري)؛ بل ازداد عطشا إلى تجلياته المتجددة أناء فآناء امتلائه لغاية سعته، (فلو امتلأ) بما تجلى فيه بلا نهاية (ارتوی). إذ لا يتصور عطش الممتلئ بالماء،
(وقد قال ذلك) أي: بعدم ارتواء القلب بما شرب من بحار السماوات والأرض (أبو يزيد) في حالة أخرى أتم مما ذكروا ذلك ما نقله الشيخ المحقق أبو القاسم القشيري في رسالته: كتب يحيى بن معاذ الرازي إلى أبي يزيد: سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته، فكتب إليه أبو يزيد: غيرك شرب بحور السماوات والأرض، وما روي بعد، ولسانه خارج، ويقول: هل من مزيد؟
وأنشدوا:
عجبت لمن يقول ذكرت ربي    …. وهل أنسى فأذكر ما نسيت
شربت الحب كأسا بعد كأس   ….. فما نفد الشراب ولا رویت



شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد.  )
( ويقبل في مجلى العقول ) وذلك لأنّ هذا المجلى من شأنه أن يجرّد ما فيه عن الغواشي الغريبة واللواحق الهيولانيّة الخارجة مطلقا ، بل وعمّا يلحقه فيه أيضا من خصوصيّات المجلى ، وذلك الذي هو مقبول الفلاسفة وذوي العقول
( وفي الذي ...   يسمّى خيالا )
لما في الصور المختصّة به من التجرّد عن المواد الهيولانيّة والتنزّه عن اللواحق الجسمانيّة ما ليس لغيرها من الصور .
على ما هو مقبول أرباب الخلوات الرسميّة والرياضات العاديّة ، من الأنوار الشعشعانيّة والإشراقات الخالصة عن الشوائب الهيولانيّة .
( والصحيح النواظر ) بالنصب ، عطفا على « خيالا » والنظر حينئذ بمعنى الفكر وبالرفع على أن يكون جملة حاليّة ، والنظر حينئذ بمعنى البصر .
ثمّ إنّ الكلام لما انساق إلى طرف سعة الحقّ ومجال ظهوره في سائر المواطن والمجالي ، وبروزه بكسرة الكلّ خفاء وظهورا ، أخذ في تبيين ذلك قائلا: ( يقول أبو يزيد "البسطامي" في هذا المقام : « لو أنّ العرش وما حواه مائة ألف ألف  مرّة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ بها » ) أي ما وجد لها حسّا ، وهذا غاية ما أمكن من السعة في مرتبة الأجسام ، لأنّه قد جمع غاية البعدين المتّصل والمنفصل في المظروف وفي الظرف وقد خصّ من بين عموم زواياه زاوية واحدة .
ولذلك قال : ( وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام ) لا مطلقا  .
ولما كان وسع القلب وإحاطة رتبته غير مختصّ بما في الأجسام وغيرها ، من المراتب ومدارج التنزّلات ، بل ولا اختصاص له أصلا بالعوالم والتعيّنات الاستجلائيّة فإنّه المجلى الجامع بين الجلائيّ والاستجلائيّ .
أشار إليه بقوله : ( بل أقول : لو أنّ ما لا يتناهى وجوده ) لأنّ جزئيّات العوالم والتعيّنات الاستجلائيّة إذا أريد أن يعبّر بلفظ صادق عليها ومفهوم يحمل عليها جملة ، فهو ذلك لا غير ، والذي قام البرهان العقلي على انتهائه هو البعد الجسماني القائم بالموجود ، لا وجوده .
فإنّ وجودات الأكوان والحوادث غير متناهية ، ولهذه الدقيقة صرّح بـ « الوجود » .
وإنّما قال : ( يقدّر انتهاء وجوده ) لأنّ التقدير أنّه محاط للقلب .
فعلم أنّ انتهاء القلب أيضا تقديريّ فرضيّ، وإذ قد علم أنّ سعة القلب أكثر حياطة من التعيّنات الاستجلائيّة وأفسح فضاء منها.
ضمّ إلى ذلك: (مع العين الموجدة له ، في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحسّ بذلك في علمه). أي ما ظهر له حسّ وخبر تحت حكمه الشامل وأمره المحيط الكامل - أعني العلم
(فإنّه قد ثبت أنّ القلب وسع الحقّ ) - بما روي : « ما وسعني أرضي ولا سمائي ، ووسعني قلب عبدي المؤمن » .
( ومع ذلك ما اتّصف بالريّ ) فإنه لو ارتوى قنع به وانقطع عنده الطلب والسعي فعلم أنّه ليس مما يملؤه (فلو امتلأ ارتوى).
ثمّ إنّه لما كان قوله : « وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام » يوهم تعريضا بقصوره ، وغرضه تحقيق ظهور السعة الإلهيّة في كلّ زمان لصاحبه من الأولياء جسمانيّة وإطلاقيّة - فأمّا السعة الجسمانيّة لأبي يزيد فهو الذي نبّه إليه أوّلا ، وأمّا الإطلاقيّة الحقّة فهو الذي سينبّه عليه - أشار إليه دفعا لذلك الوهم بقوله : ( وقد قال ذلك أبو يزيد ) في نظمه:
( شربت الحبّ كأسا بعد كأس .... فما نفد الشراب ولا رويت )
وفي قوله : « كأسا بعد كأس » يشير إلى تينك البيتين .
""أضاف الجامع : أورد القشيري هذا البيت عن الشبلي :
عجبت لمن يقول نسيت إلفي   .... وهل أنسى فأذكر من هويت
أموت إذا ذكرتك ثم أحيا   .... ولولا ما أؤمل ما حييت
فأحيا بالمنى وأموت شوقا   .... فكم أحيا عليك وكم أموت
جعلت الصمت ستر الحب حتى   .... تكلمت الجفون بما لقيت
شربت الحب كأسا بعد كأس   ....  فما نفد الشراب وما رويت""
فلئن قيل: «لا يدفع بهذا الكلام ما يتوهّم من التشنيع ،لأنّه يدلّ على ضيق أمره في عالم الجسم".
قلنا : السعة الإطلاقيّة هو المعوّل عليها في المعرفة ، وأمّا الجسمانيّة منها فإنّما تتعلَّق بظهور الولاية ، وذلك بحسب احتمال الزمان ، وزمان أبي يزيد ما احتمل وراء ذلك .
ثمّ إنّ تحقيق أمر السعة مطلقا إنّما يتمّ ببيان كمال الجمعيّة والإحاطة بما يقابلها يعني الضيق.


شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه : ( ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها.
وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد.  )
قال الشيخ رضي الله : (ويقبل في مجلي العقول وفي الذي ... يسمى خيالا والصحيح النواظر
يقول أبو يزيد في هذا المقام لو أن العرش وما حواه مائة ألف ألف مرة في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بها. وهذا وسع أبي يزيد في عالم الأجسام. ) 
(ويقبل)، أي تجليه للعقول (في مجلی العقول)، أي في مجلی ترتضيه العقول وهو مقام التنزيه (و) يقبل للخيال (في) المجلی (الذي يسمى خيالا) فما تقبله العقول برده الخيال وما يقبله الخيال ترده العقول (و) الشهود (الصحيح النواظر)، أي شهود النواظر المشار إليها بقوله تعالى: "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة"[القيامة : 22 - 23 ] التي تشاهد الحق سبحانه في المجالي كلها حسية كانت، أو مثالية أو عقلية .
(يقول أبو يزيد رضي الله عنه في هذا المقام)، أي مقام هذا الكشف التام والشهود العام (لو أن العرش وما حواه)، أي من السماوات والأرضين وما فيهما (مائة ألف ألف مرة) وقع (في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس)، أي العارف وقلبه (به) لحقارتها "لصغرها" بالنسبة إلى سعة قلبه لأنها متناهية، وسعة القلب غير متناهية لأنه بإطلاقه مقابل لإطلاق الحق الغير المتناهي وليس للمتناهي قدر محسوس بالنسبة إلى غير المتناهي.
(وهذا) الذي ذكرناه من قول أبي يزيد (وسع أبي يزيد)، أي بيان وسعه و تصویر سعة قلبه بل سعة قلب العارف مطلقا بالنظر (في عالم الأجسام) وقياسه إليه تقريبا إلى فهم المحجوبين لا بالقياس إلى الموجودات كلها فإن لها أيضا هذه النسبة إلى سعة قلبه بل قلب كل عارف ولهذا قال رضي الله عنه مترقيا عما قاله أبو يزيد البسطامي.
قال الشيخ رضي الله عنه : (بل أقول لو أن ما لا يتناهى وجوده يقدر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس بذلك في علمه. فإنه قد ثبت أن القلب وسع الحق ومع ذلك ما اتصف بالري فلو امتلأ ارتوى. وقد قال ذلك أبو يزيد.)
(بل أقول لو أن ما لا يتناهی وجوده) روحانيا كان أو جسمانيا مما وجد ويوجد إلى الأبد.
فإن الموجودات بالفعل في كل زمان متناهية (يقدر)، أي يفرض (انتهاء وجوده) ولو كان مستحيلا وإنما قدر ذلك لأن غير المتناهي لا يحاط (مع العين الموجودة له)، أي التي هي واسطة في اتحاده وهي الحق المخلوق به المشار إليه بقوله تعالى: "وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق" [الحجر : 85] وقع (في زاوية من زوايا القلب العارف) سواء كان أبا يزيد أم غيره .
(ما أحس بذلك) حال كونه حاصلا (في علمه) منطويا فيما بين معلوماته ونبه رضي الله عنه بهذا القيد إلى أن المراد بعدم الإحساس به أن لا يكون له قدر محسوس لاتفي العلم .
ثم استدل رضي الله عنه على ما قال بقوله (فإنه قد ثبت ) بما قال تعالى : "لا يسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي المؤمن".
"أن القلب وسع الحق" وذلك الاستعداده وتجلياته الذاتية والأسمائية الغير المتناهية واحدا بعد واحد (ومع ذلك لا بتصف بالري) .
أي لا يقنع بما يحصل له (فلو امتلأ)، أي القلب بالحق لانتهاء استعداداته وامتلائها بما يرد عليه من صور التجليات (ارتوی) و قنع بما يرد عليه ولكنه لا يمتلىء ولا يرتوي لأن كل تجلي يرد عليه يورث له استعدادا وتعطشة إلى تجل آخر.
وهكذا إلى غير النهاية فأين هو من الامتلاء والارتواء وإذا لم يمثل ولم يرتو فكل ما فرض متناهية لم يكن له قدر محسوس بالنسبة إلى استعداداتها الغير المتنامية. (وقد قال ذلك)، أي ما ذكر من عدم انصاف القلب بالري (أبو يزيد) في قوله : الرجل من بتحسي بحار السموات والأرض ولسانه خارج يلهث عطشا وقوله :

شربت الحب كأسا بعد كأس     ….. فما نفد الشراب وما رويت

.
 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق 

الفقرة الرابعة عشر على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله



واتساب

No comments:

Post a Comment