Saturday, July 20, 2019

البحث التاسع من مباحث خطبة الكتاب وصلَّى الله على "ممدّ الهمم" .الشارح مؤيد الدين الجندي قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

البحث التاسع من مباحث خطبة الكتاب وصلَّى الله على "ممدّ الهمم" .الشارح مؤيد الدين الجندي قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

البحث التاسع من مباحث خطبة الكتاب وصلَّى الله على "ممدّ الهمم" .الشارح مؤيد الدين الجندي قبل البدء بشرح خطبة كتاب فصوص الحكم

شرح الشيخ مؤيد الدين الجندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

البحث التاسع من المباحث الكلية الستة عشر وصلَّى الله على "ممدّ الهمم"قال الشيخ رضي الله عنه : " وصلَّى الله على ممدّ الهمم " .
قال العبد : الصلاة لغة هي الدعاء والذكر ، وفي عرف التحقيق حقيقة إضافية رابطة بين الداعي والمدعوّ ، والعبد والربّ .
وتجوز إضافتها إلى العبد باعتبار ، وتجوز إضافتها إلى الله باعتبار فهي من قبل الحق رحمة وحنان ، وتجلّ ولطف وامتنان ، وعطف ورأفة وإحسان ، وغفران ورضوان ، ومن قبل الخلق دعاء وخضوع ، واستكانة وخشوع ،واتّباع لمحابّه ومراضيه وإلى قربه ومناجاته رغبة وتروّع.
وينتظم من حروفها باعتبار الاشتقاق الكبير الذي يعتبرها المحقّقون في علم الحروف حقائق الارتباط وهي :الوصلة ، والصلة ، والوصل ، والوصال ، والصولة والصلا .
وهذه الحقائق حقائق الارتباط والجمع والمناسبة ، والمعنى المشترك الجامع المعتبر في هذه التراكيب هو الجمع والتقريب والاتّباع والتوحيد .
فأمّا الوصلة : فاتّصال مجتمعين واجتماع متّصلين بعد الانفصال .
والصلة : إيصال عطاء مرغوب مطلوب من المعطي إلى المعطى له .
والصولة : اتّصال إيصال حركة قهرية استيصالية ممّن يصول إلى من يصول عليه .
والصلو : أن تحني الصلا - وهو الظهر - للخشوع .
والدعاء : طلب لوصول ما يدعو فيه ممّن يدعوه .
ووصلة الحق بعبده الكامل إنّما هي بالتجلَّي والتنزّل والتدلَّي رحمة وحنانا ونعمة وإنعاما وإفضالا وإحسانا وامتنانا ، وفي صلاته يوصل العبد الكامل به ، ويجعله خليفة له على الخليقة ومصلَّيا .
أي تابعا للحق المستخلف في الظهور بصورته والمظهرية الكاملة في الذات والصفات والأسماء والإخبار عنه والإنباء .
وكذلك صلته تعالى له بالتجليّات الاختصاصية الذاتية والتجليات الأسمائية لحقائق الاصطفاء والاجتباء ، ويعطيه الصولة من حوله وقوّته على الأعداء ، فهذا بيان الصلاة التي نحن بصدد بيانه .
وأمّا صلاة العبد لله تعالى فإيصال منه لحقيقة نشأته الإنسانيّة الكمالية الكليّة الأحدية الجمعية ، وربطها بالحضرة التي منها ظهرت حاملة لصورتها ، ومنها بدت وانتشأت .
وهي خمسة كلية بحسب الحضرات الخمس الإلهية التي هو أحدية جمعها رتبة ووجودا :
الأولى : حقيقته ، وهي عينه الثابتة في العلم الإلهي ، وهي صورة معلوميّته لله أوّلا أزلا وآخرا أبدا .
والثانية : روحه وحقيقته النفس الرحماني المتعيّن بعينه الثابتة وحقيقتها وفيها وبحسبها لترويحها وللتنفيس عنها من ضيق قائم بها إذ ذاك لاندماج حقائقها ونسبها وأحكامها الكائنة الكامنة فيها ولعدم ظهور آثارها في أعيانها لعدميّتها في عينها أزلا فنفّس الله بنفسه الرحماني عنها ، وروّحها .
والحقيقة الثالثة : جسمه ، وهو صورته وشخصيّته الجسمانية ، وهيئته الهيكلية الجسمانية ، والحقيقة الجثمانية .
والحقيقة الرابعة : هي الحقيقة القلبية أحدية جمع روحانيّته وطبيعته .
والخامسة : عقله ، وهو القوّة التي بها يضبط الحقائق ويتعقّلها ، ويجمل العلوم والحكم ويفصّلها .
وللإنسان الكامل حقيقة سادسة غيبية ولها الوتر فقد يكون وحدانيا وقد يكون فردانيّا ثلاثيّا أو أكثر خماسيا وسباعيا إلى خمسة عشر ،وهي سرّه الإلهي.
وواجب على كل إنسان فريضة من الله أن يوصل هذه الحقائق إلى الحق في أصولها التي منها تعيّنت وانبعثت ، فتحصل لسرّه الذي هو العلَّة الغائيّة من وجوده ونشأته وهو حقّه المستجنّ في جنّة جنانه وحنّة قلبه - وصلة إلى الحق المحبوب المطلوب بالعبادة والصلاة له ، وصلة منه تعالى إليه ، وله بالتحيّات والطيّبات والتجلَّيات الجليّات الخاصّة بها .
فتقوم نشأة صلاة العبد لله تعالى بصلاة الله عليه ، ولهذا السرّ والحكمة كانت كلَّيات الصلوات خمسة وهي خمسون في المجازاة الإلهية لكون الحسنة بعشر أمثالها.
إذ الآحاد في المرتبة الثانية العددية التابعة وهي مرتبة المجازاة عشرة ، وفي مرتبة التضعيف مائة ، وفي مرتبة الغايات والكمال ألف " وَالله يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَالله واسِعٌ عَلِيمٌ " آية 261 سورة البقرة .
وهاهنا أسرار نذكرها إن شاء الله تعالى .
ثم اعلم : أنّ الله تعالى يصلَّي على عبده الكامل من حضرة أحدية جمع جمع الحضرات كلَّها ، وكذلك يصلَّي جميع الحضرات إلى الحضرة الإلهية ، وصلوات الله على جمهور المؤمنين من الحضرات الخصيصة بمظهريّاتهم ، وصلوات سائر الحضرات إلى حضرة الله لكونها تابعة لها ومنتهية منها .
وهي صور تفصيلها ، والحضرة الإلهية أحدية جمعها ، كما أشار إلى سرّ ذلك رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فيما حكي ممّا جرى له ليلة المعراج .
إنّه لمّا كان في الترقيّات والمعاريج العرشية ، زجّ به في النور من التجليات العرشية ، فاستوحش ، فنودي  بصوت أبي بكر : أن قف ، إنّ ربّك يصلَّي .
يعني : ربّ صورتك الشخصية التعيّنية العنصرية ، ووجودك المتعيّن في حقيقتك وهو الرحمن المستوي على المستوي الأعلى العرشي الذي وصلت إليه يصلَّي إلى قبليّة الحقيقة الخاصّة بصلاته .
وهو أنت الذي هو مستو على عرش قلبك .
وهو الله تعالى فإنّ الله والرحمن إذا تجلَّيا بصورهما التعيّنية النفسية الرحمانية ، صلَّى الرحمن إلى الله لأنّه تابع له فإنّ الله يقوم له مقام الموصوف والمسمّى .
ويكون الرحمن تبعا له ونعتا ، ولهذا يصلَّي إلى الله فإنّ المصلَّي هو التابع .
لمّا كان القلب المحمدي عرش الاسم "الله " والمقام الذي زجّ به صلَّى الله عليه وسلَّم في النور عرش الاسم "الرحمن" ، لهذا أمر رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بالوقوف كالقبلة وصلَّى عليه ربّه .
وصلَّى الاسم « الرحمن » إلى الاسم " الله " باندراج حضرته في حضرة الله وهي قلبه صلَّى الله عليه وسلَّم  فلم يحسّ به .
كما قال أبو يزيد رحمه الله : " لو أنّ العرش وما حواه مائة ألف مرّة في زاوية من زوايا قلب العارف ، ما أحسّ به " .
وقال خاتم الأولياء في هذا المقام : « لو أنّ ما لا يتناهى وجوده قدّر انتهاء وجوده مع العين الموجدة له في زاوية من زوايا قلب العارف ، ما أحسّ بذلك " .
والعرش في هذا المشهد الختمي مجموع العوالم المعلوم لله تعالى وجودها ، فلمّا تجلَّى الرحمن برحمانيته حين زجّ به في نوره ، تحقّق صلَّى الله عليه وسلَّم إذ ذاك بحقائق الرحمانية وبعث من هذا المقام رحمة للعالمين ، ووصف بأنّه رؤوف رحيم ، فافهم .
فهاهنا علوم وأسرار ستنفتح لك أبوابها إن فهّمك الله ما أشرنا إليه .ثم نرجع ونقول : صلاة الله على عبده الكامل من حضرة أحدية جمع الجمع والإطلاق تفيده إمداد الهمم المترقّية إلى ذروة العروج ، المتلقّية أسرار الولوج ، والخروج عن القيود من الأنبياء والأولياء .
كما قال الشيخ رضي الله عنه : « إنّه صلى الله عليه وسلم ممدّ الهمم » .

.


واتساب

No comments:

Post a Comment