Monday, July 15, 2019

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة العشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة العشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر السادس فص حكمة حقية فى كلمة إسحاقية الفقرة العشرون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي لجامعها عبدالله المسافر بالله

06 - The Wisdom Of Reality In The Word Of ISAAC  

الفقرة العشرون :
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان. ...   فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك .... فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك ... فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك ....  ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك ... ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي .... فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو)، أي الفرقان الذي يجعل للمتقي (مثل)، أي نظير (ما ذكرناه في هذه المسألة) المتقدم بيانها (فيما يتميز به العبد من الرب) ففي المسألة المتقدمة يتميز العبد بالغفلة والرب بعدمها، والعبد بالحفظ الضمني والرب بالحفظ الاستقلالي.
وهنا يتميز العبد بالتفصيل في الفرقان والرب بالإجمال في القرآن والإجمال وراء التفصيل.
قال الله تعالى: "والله من ورائهم محيط . بل هو قرآن مجی? . في لوح محفوظ ) [البروج: 20 - 22].
(وهذا الفرقان) الذي يجعله الله تعالى هدى للمتقين بالمراتب الثلاث (أرفع فرقان) بالنسبة إلى الفرقان الذي يجعله له الله تعالی الصاحب المرتبتين الأوليين، لأن هذا الفرقان في مرتبة حق الیقین فوق فرقان عين اليقين وفرقان علم اليقين.
(فوقتا)، أي في وقت (يكون العبد)، أي عبد الله تعالى القائم به سبحانه عند نفسه ?شفة وشهودة لا عبد الهوى القائم بالأسباب المعاشية والمعادية (ربا) من حيث فناؤه كله في بصيرته وظهور ربه له في ذوقه وشهوده (بلا شك) عنده في ذلك أصلا إذ الشك بقاء الأنانية ببقاء الرسوم الكونية ، فإذا زالت الرسوم بتجلى الحى القيوم زالت الأنانية فزالت مقتضياتها من النسبة الإدراكية فزال الشك.
لأنه من جملة ذلك (ووقتا)، أي في وقت آخر غير الوقت الأول على حسب ما يعطيه التجلي الدائم من صاحب الملك القائم (يكون العبد)، أي عبد الله المذكور (عبد) على ما هو عليه من مقتضى تجلي الاستتار بعد التجلي الأول تجلي الكشف.
(بلا إفك)، أي كذب وافتراء فإن كل تجلي يعطي مقتضاه على حسب مراد المتجلي الحق تعالى، فإذا تجلى على آثاره بذاته ?شف لها عن فنائها الأصلي وبقائه الأزلي الأبدي من غير شك ولا شبهة أصلا.
وإذا تجلى على آثاره بصفاته وأسمائه ?شف لها عن وجودها به وثبوتها بقوميته من غير شك ولا شبهة أصلا أيضا، فالتجلي الأول يفنى والثاني يبقى؛ ولهذا كان مقتضى الأول أن الرب ظاهر والعبد باطن في علم ربه الظاهر.
ومقتضى الثاني أن العبد ظاهر والرب باطن في علم عبده الظاهر، وفي قوله : يكون العبد ربة، إشارة إلى اعتبار جانب العبد لا عدم اعتباره بالكلية، وإلا فلا رب حيث لا عبد وبالعكس، لأنهما اسمان إضافيان لا يتحقق أحدهما بدون اعتبار الآخر.
(فإن كان)، أي ذلك العبد المستتر عنه ربه بظهوره (عبدا)، أي قائمة بربه في نفسه على معنى أن نفسه عنده شهادة وربه عنده غيب (?ان) في تلك الحالة ذلك العبد (بالحق)، أي بربه الذي هو الحق عنده في غيبه (واسعا) مستقر البال في عيش أرغد يفعل ما يقدر عليه بحسب العادة ولا يمنعه مانع.
(وإن كان)، أي ذلك العبد الذي استترت عنه نفسه بظهور ربه له (ربا)، أي فانية في نفسه بظهور تجلي ربه له على معنى أن ربه عنده شهادة ونفسه عنده غيب (?ان) في تلك الحالة ذلك العبد (في عيشه)، أي بقائه في الدنيا (ضنك)، أي ضيق لا يستقر له بال ولا يسكن له حال.
فمن وجه (كونه)، أي ذلك العبد المذكور (عبد) ظاهرة (بری) ذلك العبد (عين نفسه)، أي ذاته فيفرح بها.
(وتتسع الآمال)، أي المقاصد والأماني والأغراض النفسانية منه وحصول كل ما يريد (بلا شك) عنده في ذلك (ومن جهة كونه)، أي ذلك العبد (ربا) ظاهرة كما ذكرنا بعد محق ظلمة وجوده في نور شهوده (يرى الخالق)، أي المخلوق (?له يطالبه) بمقاصده وأغراضه (من حضرة الملك) بالضم، أي الشهادة (والملك) بالفتح، أي الملكوت يعني الغيب .
فإن أهل عالم الملك وأهل عالم الملكوت لهم مرادات وأماني يدعون بها ربهم على كل حال، فيرى ذلك جميع هذه المخلوقات بمقاصدها متوجها إليه .
(ويعجز)، أي ذلك العبد المذكور حينئذ (عما)، أي عن إعطاء ما (طالبوه بذاته)، أي بسبب ذاته، لأنه عبد عاجز، وإن فني وظهر منه رب قادر بعد فنائه .
فإن اعتبار كونه عبدا لا يزول من حضرة علم ربه كما قال موسى عليه السلام فيما حكاه الله عنه "لا يضل ربي ولا ينسى" [طه: 25].
يعني أن الرب المتجلي بالعبد إذا ظهر عند العبد وبطن ذلك العبد فلم يبق له وجود أصلا عنده.
فإن ربه لا يضل عنه ولا ينسى تجليه به، فالعبد عاجز على كل حال (لذا)، أي لأجل ما ذكرنا من عجز العبد مطلقا (تر) يا أيها الإنسان (بعض العارفين به)، أي بالله تعالى ينحصر في نفسه ويضيق عليه حاله حتى (تبكي) من غير سبب يقتضي ذلك في عالم الدنيا غير ما ذكر من رؤية عجزه في نفسه الفانية المختفية في تجلي نور ربه الباقي عن جميع ما تطالبه به العوالم إذا كشف له عنها كذلك.
(ف?ن) يا أيها العارف (عبد رب)، أي عبدة ظاهرة وربك باطن عنك مستتر بك في الفرق الثاني لا عبدة فقط من غير إضافة إلى رب، فإنها حالة أهل الغفلة المحجوبين في الفرق الأول (لا تكن) يا أيها العارف (رب عبده) الذي هو نفسه بحیث ی?ون ربك ظاهرا عندك وأنت باطن في غيبه ولم يقل لا تكن ربا هكذا بالإطلاق من غير إضافة إلى عبده.
لأن ذلك غير ممكن لما ذكرنا من أن الرب والعبد اسمان إضافيان، ولأن ذلك زندقة وكفرا بما يتوهم إمكانها ببعض رعاء الناس الأجانب عن هذه الطريقة، وقد وجدنا منهم كثيرا (فتنهب) حينئذ يا أيها العارف (بالتعليق). أي بالاشتعال والتوقد (في النار)، أي نار القهر الإلهي (والسبك) معطوف على التعليق، أي الانسباك يعني الإفراغ في قوالب الشر.
ثم فص الحكمة الإسحاقية


شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قال الشيخ رضي الله عنه : وهذا إرشاد وتعليم للطريق الموصل إلى معرفة هذه المسألة (وهو) أي الذي يجعل الله تعالى له فرقانا (مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب) أي يخلق بهمته شيئا ما ويحفظ بالهمة ويفرق بينه وبين ربه بعين ما ذكرناه وأما فتح هذه المسألة وظهوره في الحس فمختص بالشيخ رضي الله تعالی عنه وإليه أشار بقوله : فهي يتيمة الوقت وفريدته .
(وهذا الفرقان) أي الفرق الذي بيناه بين العبد والحق في هذه المسألة (ارفع فرقانا) وأعظمه لا يكون فوقه فرقانا لأنه به ظهر الفرق بين العبد والرب على أي وجه وفي أي مرتبة كان.
بخلاف الفرق المذكور بين الناس فإنه ليس بمثابته في رفع الاشتباه فقد أورد نتيجة ما ذكره بقوله : فوقتا يكون العبد ربا بلا شك بظهور تجلي الربوبية له واختفاء عبوديته وهو قوله والعارف يخلق بهمته
(ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك) عن عبوديته عند ظهور عجزه وقصوره بزوال صفة الربوبية (فإن كان عبدا كان بالحق واسعا) لأنه قال ما وسعني أرضي ولا سمائي إلا قلب عبدي المؤمن.
(وإن كان ربا كان في عيشة ضنك) أي ضيق ومشقة لعجزه عند المطالبة بالأشياء عن إتيانه.(فمن كونه عبدا يرى عین نفسه) عاجزة وقاصرة عن إتيان الأمور.
(وتتسع الآمال) أي تتسع آماله (منه) إلى موجده (بلا شك (ومن كونه ربا يرى الخلق كله يطالبه من حضرة الملك) بضم الميم وسكون اللام عالم الشهادة .
(والملك) بفتح الميم وسكون اللام عالم الملكوت (ويعجز عما طالبوه) أي لا يقدر إعطاء ما طالبوه منه (بذاته) بل يراجع في ذلك إلى ربه ربا.
(لذا) أي لأجل عجز العيد عما طالبوه منه (ترى بعض العارفين به) أي بهذا المعنى (يبكي) فإذن كان سلامتك في العبودية وافتك في الربوبية (فكن عبد ربه) أي فتظهر بالعبودية فتسلم عن عقوبات النار (لا ت?ن رب عبده) أي لا تظهر بمقام الربوبية التي ليست حقك وإلا (فتذهب بالتعليق في النار والسبك) أي تدخل في نار جهنم وتسبك فيها لتخليصك عن هذه الصفة .


شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قوله في الشعر: فوقتا يكون العبد ربا بلا شك. يعني أن حالة التجلي لا يسع العبد أن يقول عن نفسه إلا أنه رب وهذا في التجلي الناقص وإلا فمن يستحق أن يسمى عبدا حقيقة لا يجوز أن يسمى ربا حقيقة ولا العكس.
قوله: في البيت الثاني معناه: أنه يكون حقيقة حقية فيوصف بما يوصف به الحق، وفي هذا أيضا ?لام لأنه إذا كان العبد عبدا كيف يكون الحق" مع كونه عبدا وهذا سائغ في مقام المعرفة وليس بسائغ في مقام التحقيق.
أما أنه سائغ في مقام المعرفة فلأن العارف يظن أنه الحق فيصف نفسه بما يصف به الحق نفسه وهو غلط منه، فإن العارف ما فني كل رسمه ولا شك أن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم
قوله: وإن كان العبد ربا كان الرب المتوهم في عيشة ضنك وأما العبد مع فرض ?ونه رباه لا يكون في عيشة ضنك.
و قوله في البيت الثالث: ومن كونه ربا يرى الخلق كله يطالبه.
قلت: يعني أنه يظن أن فاقة العالم كلهم إليه واحتياجهم إليه، وهو غلط منه أيضا لكن الشيخ أخبر بما يقع لمن هذه حاله.
وقوله في البيت الرابع والخامس: ويعجز. هو مما يدل على صدق ما قلناه إنه غالط ولو كان نظره صحيحا لما عجز إلا إن كان الحق تعالى يعجزه.
قوله: فكن عبد رب، دليل لما قلناه، فإنه، رضي الله عنه، أمره أن لا يغتر بالتجلي الذي به ظن أنه الحق، فإنه إن فعل ذلك وخالف، صار رب عبده وهو لا يصح له ويقوم به الحجاب الذي هو حطب العذاب.
واعلم أن الاضطراب حصل في هذا الخطاب من جهة تسمية الشخص الواحد بأنه عبد يصير ربا وذلك عندنا باطل وأما أنه ليس في الوجود إلا الواحد تعالى.
فذلك هو الواقع في نفس الأمر، فإن اعتبرت الصفات لم يكن المعطي من جهة ما هو معط، هو المانع ولا العكس .
وكذلك كل الأسماء المتقابلة وهذا ممتنع في أسماء الله تعالی.
فكيف إذا فرضنا تقابلا هو بين العبودية والربوبية، فمحال أن يجتمع لشخص واحد هذان الوصفان، فإن هذا الجمع متعذر بين الأسماء الإلهية كما ذكرنا فكيف بين الأسماء الإلهية والأسماء الكونية.
والشيخ، رضي الله عنه، هنا تكلم بألسنة أهل الأحوال وهي لا تثبت في مقام التحقيق.
وعند الاجتماع بالأخ ?ریم الدین متعه الله بمعرفته نشرح له ذلك إن شاء الله تعالى.


شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
وهو مثل ما ذكرنا في هذه المسألة فيما يتميّز به العبد من الربّ ، وهذا الفرقان أرفع فرقان".
قال رضي الله عنه :« فوقتا يكون العبد ربّا بلا شكّ » .يعني : الربوبية العرضية - من كونه ربّ المال والملك والملك - عرضت للعبد منه ، فحالت بينه وبين تحقّقه بالعبدانية المحضة التي ما شابها ربوبية ، ولا شأنها تصرّف وألوهية .
قال رضي الله عنه : « ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك »
يشير رضي الله عنه : إلى أنّ العبد إذا شاب عبوديته ربوبيّته ، فعبوديته وعبدانيته بالإفك ، ما هي خالصة ، لأنّ العبدانية لو كانت خالصة لله ما شابها ربوبية ، كما يكون العبد في وقت لا يتّصف فيه بالربوبية ، ولم يضف إلى نفسه فعلا ولا أثرا ، وأمسك عن التصرّفات النفسية إلَّا ما أمر به الشرع ، فافهم .
ثم اعلم : أنّ الوقت الذي يكون العبد الكامل فيه ربّا هو وقت خلافته عن الله ، فإذا نصّ على خلافته فهو الجامع إذن بين العبودية العظمى والربوبيّة الكبرى ، عبد لله ربّ للعالمين بالخلافة ، فإنّ الخليفة على صورة مستخلفه ، وربّه يخلقه ربّا للعالمين ،
وصورته التي خلقه - أي الخليفة - عليها هي الربوبية ، فافهم .
والوقت الذي يكون العبد عبدا بلا إفك هو زمان استخلافه لله بعد أنّ الله كان مستخلفا له ، وكان خليفة الله ، فصار مستخلفا لمستخلفه تحقّقا بالعبودية العامّة والمعرفة التامّة .
كقوله صلَّى الله عليه وسلم في هذا المقام :"اللَّهمّ أنت الصاحب في السفر ، والخليفة في الأهل" فخلَّف الله على أهله ، وهو صاحبه في سفره إليه ومنه وفيه ، فافهم ، فهو الجامع بين الخلافة والاستخلاف ، وهو مقام الخلَّة العظمى ، الذي أشار إليه الخليل ، إنّما كنت خليلا من قراء وراء ، وهو ظاهر الخلافة المحمدية اذهبوا إلى محمّد ، فإنّه الخليل والحبيب ، فإنّ الخليفة إذا شغل بخلافته لله ، أحبّه الله .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في آخر أمره - وهو على الطرفاء:
إنّي أبرأ إلى الله أن أتّخذ أحدا منكم خليلا ، ولو كنت متّخذا خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلا ، إنّ الله اتّخذني البارحة خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا ، أوتيت مفاتيح خزائن السماوات والأرض » .
قال رضي الله عنه :
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا  ..... وإن كان ربّا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه   .... وتتّسع الآمال منه بلا شكّ
قال العبد : إذا تحقّق الإنسان الكامل بالاستخلاف وتثبّت في مركزية فلك العبودية العظمى ، كان بلا شكّ واسعا بالحق ، ووسعه الحق بكل شيء ، فإنّه في وكالة الحق وكفالته بربوبيته ، وهو ربّ بالحقيقة ، فتتّسع آمال العبد في الله حقيقة ، فإنّ للآمال والآملين في فيحاء فضاء ربوبيته - تعالى - مجالا جليلا ، وظلَّا ظليلا ، وإن كان ربّا وظهر بربوبية عرضيّة ، لزمه القيام بربوبية من ظهر بعبوديته ، وحينئذ لم يقم بذلك حقّ القيام ، فإنّ الخليفة وإن كان فيه جميع ما يطلبه الرعايا ، ولكن ذلك غير ذاتي له ، بل مجعول فيه وله ، فقيامه بربوبيّة العالم بجعل الله وإن كان قبول ذلك باستعداد غير مجعول.
ولكنّ الفرق بين الربوبية الذاتية والربوبية العرضية بيّن وإن كان الكلّ حقا للكلّ في الحقيقة ، ولكن لكل من الكلّ مستند أصيل في الكلّ هو له ذاتي كالنقائص والمذامّ والانفعال والتأثّر والفقر والعبودية ، فإنّها ذاتية للعبد والكون ، وللموجود الحق من حيث تعيّنه في العبد لا بالذات ، وللكون من حيث اتّصافه بالوجود ، فافهم .
قال رضي الله عنه :
ومن كونه ربّا يرى الخلق كلَّه ..... يطالبه من حضرة الملك والملك
يعني - رضي الله عنه - : إذا ظهر بربوبية الخلافة ، توجّه الملك والملكوت والجبروت بمطالبة حقوقها منه ، إذ لا بدّ للخليفة أن يقوم بجميع ما للرعايا ، ولا شكّ أنّه يعجز عن ذلك ، لكون ربوبيته غير ذاتية .
قال رضي الله عنه :
ويعجز عمّا طالبوه بذاته    .... لذا كان بعض العارفين به يبكي
وفي أكثر النسخ « لذا تر بعض العارفين » لعلمه بعدم قيامه بربوبية العالم - وفيه حذف الياء من « ترى » فكان يبكي حين طولب بما لم يحضره بالفعل في بعض الأوقات .
قال - رضي الله عنه - :
فكن عبد ربّ لا تكن ربّ عبده  ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك


شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن المتقى باللَّه يجعل له فرقانا ، وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب ، وهذا الفرقان أرفع فرقان ) .
أي المتقى بالتقوى العرفي يجعل له فرقانا : أي فارقا بين الحق والباطل ونصرا عزيزا على حسب تقواه ، فيتميز به الحق من الخلق في الصفات والأفعال ، وهذا الفرقان هو الفرق بعد الجمع ، وهو درجة المقربين الكمل الذين تقواهم أعظم تقوى وفرقانهم أرفع فرقان .
( فوقتا يكون العبد ربا بلا شك   .... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك )
هذا البيت له معنيان محمولان على الفرقانين :
أحدهما : أن المراد بالربوبية ، الربوبية العرضية من كونه رب المال ورب الملك ، وهي التي عرضت للعبد فحالت بينه وبين تحققه بالعبودية المحضة التي ما شابها ربوبية ولا شأنها تصرف وألوهية ، فكانت عبودية بالإفك ليست بخالصة فليس في هذا الوقت بمتق ، والوقت الذي خلصت فيه عبوديته ولم يتصف بربوبية أصلا ولم يضف إلى نفسه فعلا ولا تأثيرا ، وأمسك عن التصرفات النفسية وقام بالأوامر الشرعية قضاء لحق الربوبية ووفاء لحق العبودية ، كان متقيا يجعل الله له فرقانا .
والمعنى الثاني : أن العبد الجامع بين العبودية العظمى والربوبية الكبرى في وقت خلافته عن الله عند استخلافه تعالى له ، كان عبدا لله ربا للعالمين ، فإن الخليفة على صورة المستخلف فوقتا يكون ربا للعالمين باستخلاف الحق له ، ووقتا يكون عبدا بلا إفك باستخلافه لله وتفويض أمره إليه بعد استخلاف الحق إياه تحققا بالعبودية العامة والمعرفة التامة ، لقوله عليه الصلاة والسلام في هذا المقام « اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل » فخلف الله على أهله وهو صاحبه في السفر ، فصار كل منهما مستخلفا للآخر ومستخلفا وهو مقام الخلة العظمى المذكورة قبل: .

""إضفة بالي زادة :  ( فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ) بظهور تجلى الربوبية له واختفاء عبوديته ، وهو قوله : والعارف يخلق بهمته ( ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك ) عن عبوديته عند ظهور عجزه وقصوره بزوال الصفة الربوبية اهـ . بالى زاده . ""
( فإن كان عبدا كان بالحق واسعا .....   وإن كان ربا كان في عيشة ضنك )
فإن كان عبدا بالتفويض المذكور ، واستخلافه الحق مع كماله باستخلاف الحق إياه ، ثبت على مستقره ومركزية فلك العبودية العظمى ، وكان واسعا بالحق على الحقيقة ، لأنه في كفالته ووكالته بالربوبية الحقيقية الذاتية التي له يعبده ، فوسعه الحق بكل ما احتاج إليه فكان كل منهما في مقامه أصيلا .
وإن كان ربا لزمه القيام بربوبية كل من ظهر بعبوديته ، وحينئذ لم يمكنه القيام بذلك حق القيام إلا بالحق ، فإن الخليفة وإن كان فيه جميع ما نطلبه الرعايا ، لكنه يجعل المستخلف فربوبته للعالم عرضية . وإن كان قبول ذلك باستعداد غير مجعول.
""إضفة بالي زادة :  ( فإن كان عبدا كان باللَّه واسعا ) لأنه قال ما وسعني أرضى ولا سمائي ( وإن كان ربا كان في عيشة ضنك ) ""
لكن الوجود الغنى والفعل والتأثير والإفاضة للحق ذاتية ، والعدم والانفعال والتأثر والافتقار والقبول للعبد ذاتية ، فيعجز بالذات وإن كان قادرا بالعرض ، فصح كونه في ضيق وضنك :
قال الشيخ رضي الله عنه : 
( فمن كونه عبدا يرى عين نفسه .....  وتتسع الآمال منه بلا شك)
(ومن كونه ربا يرى الخلق كله .......   يطالبه من حضرة الملك والملك )
(ويعجز عما طالبوه بذاته      ....... لذا تر بعض العارفين به يبكى )
الأبيات الثلاثة ، تعليل لما في البيت الثاني وتقرير وترجيح ، بل تحقيق الثاني معنى البيت الأول والمعنى : فمن جهة كونه عبدا يرى عين نفسه بصفة العدم والافتقار والعبودية الذاتية ، وتتسع آماله في الله حقيقة ، فإن للآملين في ظل ربوبيته وفضاء ألوهيته مجالا واسعا ، فإن كل ما يسأل عين العبد بلسان استعداد القبول مبذول له من وجوه في وقته ، كما قال:  " وآتاكُمْ من كُلِّ ما سَأَلْتُمُوه " .
ومن جهة كونه ربا توجه إليه الملك والملكوت والجبروت بأسرهم يطالبونه بحقوقهم وهو يعجز عما طالبوه بذاته ، فلذا تراهم يبكون في بعض الأوقات مع كمالهم لمطالبة الكل إياه ، بما لا يحضره بالفعل بل بما ليس له بالحقيقة وحذف الياء من ترى تخفيفا ، وفي بعض النسخ : لذا كان بعض العارفين .
""إضفة بالي زادة :   ( فمن كان عبدا يرى عين نفسه ) عاجزة وقاصرة عن إتيان الأمور وتتسع الآمال منه إلى موجده بلا شك :( ومن كونه ربا يرى الحق كله  يطالبه من حضرة الملك )بالضم الشهادة ( والملك ) بالفتح عالم الملكوت ( ويعجز عما طالبوه بذاته ) بل يرجع في ذلك إلى ربه بخلاف ربوبية الحق فإنه بذاته قادر على ذلك ، فظهر الفرق من حيث كونه ربا ( لذا ) أي لأجل عجز العبد عما طالبوه منه ( به ) أي بهذا المعنى ( يبكى ) اهـ بالى . ""
( فكن عبد رب لا تكن رب عبده    ..... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
أي التعذيب والإحراق بنار العشق والمطالبة والسبك ، لإفناء بقية الأنية المستلزمة للفقر ، فإن بقية الأنانية حجاب للغني الذاتي ، والباء في بالتعليق مثلها في قوله : "تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ " أي فتذهب ملتبسا بالتعليق .
""إضفة بالي زادة :  فاذا كانت سلامتك في العبودية و آفتك في الربوبية (فكن عبد رب لا تكن رب عبده فتذهب بالتعليق في النار و السبك) أي ضيق ومشقة لعجزه عند المطالبة بالأشياء عن إتيانها أهـ . بالى زاده. ""


مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
(وهو مثل ما ذكرنا في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان). أي، ذلك الفرقان الحاصل من التقوى بالله وفي الله، هو مثل الفرقان الذي ذكرناه في هذه المسألة من تميز العبد من الرب.
وهذا الفرقان أرفع فرقان، لأن الحق هو الذي ظهر بصورة العبد، وأظهر فيه صفة الخالقية، فاشتبه على الخلق بأنه عبد أو حق. شعر
(فوقتا يكون العبد ربا بلا شك لأنه يظهر بالصفات الإلهية والربوبية، وإن كانت عرضية بالنسبة إليه. ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك) لأنه يظهر بصفة العجز والقصور.
والعبودية ذاتية للعبد بخلاف الربوبية، فإنها عرضية له.
وإنما قال: (ووقتا)لأنه كل ساعة في شأن: تارة في شؤون الكون، وتارة في شؤون الحق.
واعلم، أن لكل إنسان نصيبا من الربوبية.
وأما الربوبية التامة هيللإنسان الكامل، لأنه الخليفة، وكذلك له العبودية التامة. فلو تحمل هذه الأبيات على الكامل تكون صحيحا، وعلى غيره أيضا كذلك. فافهم.
(فإن كان عبدا، كان بالحق واسعا)
أي، فان ظهر العبد بصفة العبودية، كان واسعا بالحق قادرا على الأشياء بحوله و قوته، ولا يطالبه أحد بالصفات الكمالية التي للحق.
(وإن كان ربا كان في عيشة ضنك)
أي، في تعب وضيق، لأنه يطالب بالأشياء حينئذ فيعجز عن الإتيان بها
(فمن كونه عبدا يرى عين نفسه  ..... وتتسع الآمال منه بلا شك)
أي، يرى عين نفسه العاجزة وتتسع آماله إلى موجده.
(ومن كونه ربا يرى الخلق كله   ..... يطالبه من حضرة الملك والملك)
أي، من حضرة عالم الملك، بضم الميم، والملك، بفتح الميم وسكون اللام، وهو عالم الملكوت.
وإنما يطالبه أهل الملك والملكوت، لأنه خليفة عليهم، يجب عليه إيصال حقوق رعاياه وإعطاء ما يطلبون منه بحسب استعداداتهم.
(ويعجز عما طالبوه بذاته    ...... لذا ترى بعض العارفين به يبكى) حذفت (التاء) للشعر، أو للتخفيف. وفي بعض النسخ: (لذا كان بعض العارفين به يبكى.)
(فكن عبد رب لا تكن رب عبده فتذهب بالتعليق في النار والسبك)
أي، لا تظهر إلا بمقام العبودية، فإنه أشرف المقامات وأسلمها من الآفات.
قال رضي الله عنه : (لا تدعني إلا بيا عبدها. فإنه أشرف أسمائي).
ولا تظهر بمقام الربوبية، فإن الرب غيور، فيجعلك من أهل الويل والثبور، كما قال:
(العظمة إزاري والكبرياء ردائي. فمن نازعني فيهما، أدخلته النار.)
قوله: (فيذهب بالتعليق) أي، ملتبسا بالتعليق في النار. فـ (الباء) باء الملابسة، أو باء السببية.
أي، فتذهب بسبب تعلقك بالربوبية في النار، وتسبك فيها .
والله أعلم.



خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قال الشيخ رضي الله عنه : وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك ...   فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك .... فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك ....  ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي ...  فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو) أي: فرقان المتقي الذي كان قرآنا جاما، يرى كلا منهما في الأخر (مثل ما ذكرنا في هذه المسألة) أي: مسألة حفظ العبد صور ما خلق بحفظه صورة واحدة منها من الفروق بين العبد والرب، سيما باعتبار الحضرة التي ما غفل عنها (فيما يتميز به العبد من الرب وهذا الفرقان) الواقع بين العبد والرب باعتبار الحضرة التي ما غفل عنها .
(أرفع فرقان) بينهما من جملة ما ذكرنا من الفروق، إذ باعتبار هذه الحضرة التي ما غفل عنها له أن يقول: «أنا الحق» مع أن حفظه للصور باعتبار ما ليس كحفظ الحق لها .

""نقل المصنف احمد المهائمي فى كتابة مشرع الخصوص إلى معاني النصوص توجيهه لهذا نقلا عن كتاب النصوص في تحقيق الطور المخصوص للإمام صدر الدين القونوي بقوله: ثم قال في تفسير الحق، في تأويل قول الحلاج: "أنا الحق" إنا بينا بالبرهان النير، أن الموجود هو الحق سبحانه، وأن كل ما سواه فهو باطل، فهذا رجل فني ما سوى الحق في نظره، وفنيت أيضا نفسه عن نظره، ولم يبق في نظره وجود غير الله، فقال في ذلك الوقت أنا الحق، كأن الحق سبحانه أجرى هذه الكلمة على لسانه حال فنائه بالكلية من نفسه، و استغراقه في نور جلال الله تعالى.

ثم نقل عن الغزالي في سبب غلبة جريان اسم الحق على لسان الصوفية: إنهم في مقام المكاشفة، ومن كان في مقام المكاشفة رأي الله حقا وغيره باطلا، وأما المتكلمون فهم من مقام الاستدلال بغير الله على وجود الله، فلا جرم كان الغالب على ألسنتهم اسم الباري تعالی.""


(فوقتا يكون العبد) باعتبار هذه الحضرة التي ما غفل عنها، سيما إذا لم يغفل عن حضرة أصلا (بنا) أي: صورة حق على الكمال (بلا شك) إذ يحفظ الصور في جميع الحضرات كما يحفظها الحق، (ووقتا يكون العبد) باعتبار هذه الحضرة التي ما غفل عنها (عبدا بلا إفك) باعتبار أن حفظه ليس كحفظ الحق؛ بل إما بالتضمن، أو بخلافه عن الحق.

وقوله: (بلا إفك) إشارة إلى أنه لا يكذب أبدا في دعوى العبودية، فإن كان من صار مظهرا جامعا للحق يخلق بالهمة، ويحفظ الصور بالتعيين، أو التضمين (عبدا) أي: مدعيا للعبودية محترزا عن دعوى الربوبية، أي عن دعوى کونه مظهرا کاملا له (كان بالحق واسقا) يتصرف في الحضرات كلها بلا غيرة من الله عليه.

(وإن كان ربا) أي: مدعيا لكونه صورة كاملة للرب، (كان في عيشة ضنك) الظهور الغيرة الإلهية عليه في دعوى الكمال لنفسه، فلذا قال في بيان تعليله: (فمن كونه عبدا) أي: مدعيا للعبودية (يرى عين نفسه)، ولا يجعلها مظهرا جامعا کالروح، (وتتسع الآمال منه بلا شك)؛ لأنه لما نزل كل من الروح والنفس والقلب منزلته، فيحصل له كل مطلوب كان يتمناه بخلاف مدعي الكمال لنفسه.

كما قال: ومن كونه ربا، أي: مدعيا لكونه صورة كاملة للرب، يتصرف في الحضرات كلها يرى الخلق كله يطالبه أن يفيض عليهم كمالاتهم من حضرة الملك عالم الشهادة، والملك عالم الغيب، (ويعجز) هذا المدعي للربوبية.

أي: لكونه صورة كاملة للرب متصرفة كتصرفه في العالم
 (عما طالبوه)؛ لأن الغيرة الإلهية تمنعه عن التصرف عند دعوى الكمال لنفسه وهو عاجز عنها (بذاته)؛ لافتقاره إلى الحق في إفاضة ذلك (لذا تري) حذف الياء للضرورة (بعض العارفين به) أي: بعجزهم عما ذكرته هذه الدعوى (تبكي) لما يرون من الغيرة الإلهية عليهم.
وإذا كان كذلك (فكن عبد رب) أي: كن عندما تخلق من الصورة همتك وتحفظها عبد رب بخلقها، (لا تكن رب عبده ) أي: رب تلك الصور بربوبية الله تعالى.

(فتذهب بالتعليق) أي: بتعليق هذه الدعوى لنفسك، ما ليس لها بالأصالة ولا بالتجلي الجمعي (في النار) أي: نار الفراق بقطع التجلي بالغيرة الإلهية (والسبك) أي: القيود الظلمانية التي للنفس في الدعاوى الكاذبة؛ فافهم، فإنه مزلة للقدم.
ولما كانت الحكمة الحقية بجعل الكل حقا توجب ظهور الكل في الكل لكون الكل مظاهر الحق.
وذلك بحسب الذات الذي علوه ذاتي مستجمع لعلو سائر الأسماء؛ أورد الحكمة العلية عقيبها؛ فقال:

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
( وهو مثل ما ذكرنا في هذه المسألة ) ، الكاشفة في مرتبة الفعل والخلق عمّا ينسب إليه  (فيما يتميّز به العبد من الربّ).
(وهذا الفرقان أرفع فرقان ) ، فإنّه فرقان في أنزل المراتب ، يعني الفعل والخلق ، وهي العين المنبئة عن كمال الجمع ، وعلم من طي ما اقتبسها من مشكاة النبوّة في عبارته الكاشفة عن مصباح الولاية : إنّ القرآنيّة هي مقتضى حقيقة العبد ، وله في نفسه ، والفرقانيّة إنّما يجعل له الله ، فلذلك أخذ في النظم مفصحا عن ذلك : "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا الله يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ".
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
(فوقتا يكون العبد ربّا بلا شكّ) عندما يجعل الله له فرقانا
(ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك ) عندما يصل إلى قرآنيّته التي له في نفسه.
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
(فإن كان عبدا) قابلا على الإطلاق جامعا (كان بالحقّ واسعا ) لأنّه طرف الإطلاق والسعة يقابلها يعني الضيق
( وإن كان ربّا ) مقيّدا به ومفرقا فيه بخصوصه ( كان في عيشة ضنك ) لأنّ القيد مطلقا طرف الضيق والتفرقة .
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
( فمن كونه عبدا ) جامعا ( يرى ) الكلّ لجمعيّته الإطلاقيّة ( عين نفسه ويتّسع الآمال منه بلا شك ).
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
( ومن كونه ربّا ) مفرقا ( يرى الخلق كلَّه يطالبه ) لغلبة سلطان التفرقة في مشهده ذلك ( من حضرة الملك ) وهو الذي يستحقّه لأصل استعداده ويملكه ( والملك ) وهو الذي يستحقّه عند الظهور بأعماله وراثة لها .
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
( ويعجز عمّا طالبوه بذاته )لأنّ القدرة إنّما هو للجمعيّة والإطلاق ( لذا تر بعض العارفين به يبكي ) بحذف الياء من "ترى " تخفيفا ، وفي بعض النسخ « كذا كان » .
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك
( فكن عبد ربّ لا تكن ربّ عبده ، فتذهب بالتعليق في النار ) المفرّقة ( والسبك ) بها لإفناء غشّ القاذورات المستتبعة للإنيّة الفارقة ، وخلاص ذهب حقيقته العبديّة عنها .
و"الباء" فيه على طريقة قوله تعالى: "تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ " أي : فتذهب متلبّسا بالتعليق .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :
قال الشيخ الأكبر رضي الله عنه :
( وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب. وهذا الفرقان أرفع فرقان.
فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك
فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك
ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك
ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي
فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك )
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهو مثل ما ذكرناه في هذه المسألة فيما يتميز به العبد من الرب.  وهذا الفرقان أرفع فرقان.)
(وهو)، أي الفرقان الذي يجعله الله تنتقي (مثل ما ذكرناه في هذه المسألة)، أي واحد من جزئياته ما ذكرناه (فيما يتميز)، أي في معنى يتميز (به العبد من الرب وهذا الفرقان أرفع فرقان)، لأن الفرقان إما بين الحقائق الإلهية والكونية أو بين الحقائق الإلهية فقط بأن تميز بعضها عن بعض، أو بين الحقائق الكونية.
كذلك فلا شك أن الفرق الأن أرفع
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فوقتا يكون العبد ربا بلا شك ... ووقتا يكون العبد عبدا بلا إفك
فإن كان عبدا كان بالحق واسعا ... وإن كان ربا كان في عيشة ضنك . فمن كونه عبدا يرى عين نفسه ... وتتسع الآمال منه بلا شك . ومن كونه ربا يرى الخلق كله ... يطالبه من حضرة الملك و الملك . ويعجز عما طالبوه بذاته ... لذا تر بعض العارفين به يبكي . فكن عبد رب لا تكن رب عبده ... فتذهب بالتعليق في النار والسبك)
(فوقتا)، أي في مقام الفناء في الله (يكون العبد) الكامل (ربا بلا شك) لانقهار جهة عبوديته في ربوبيته.
(ووقتا)، أي في مقام البقاء بعد الفناء (يكون العبد) الكامل أيضا (عبدا) محضا (بلا إفك) محضا من غير شائبة مربوبية فيه (فإن كان) ذلك العبد (عبدا) كاملا قائما بربه (كان بالحق)، أي بسبب ظهور الحق فيه وفنائه في الحق تعالى.
(واسعا) في عيشة من غير ضيق فيها، فإنه لا يطالب بشيء حتى يقع في ضيق بالعجز عن الإتيان به .
(وإن كان ربما كان في عيشة ضنك)، أي ضيقة لأنه يطالب حينني بالأشياء ويعجز عن الإتيان بها، فيقع في ضنك وضيق (فمن كونه عبدا بری)، أي يبصر
عين نفسه من غير أن يرى الخلق معه علاقة مطالبة (وتتسع الآمال منه بلا شك)، أي تقع أمال الأملين، أي أصحابها في سعة من كونه عبدا لا بعطالبه الأملون بشيء.
بل يطالبون الحق سبحانه فيظهرون بمأمولاتهم فيقعون في سعة من حصولها بخلاف ما إذا كان ربا فإنهم طالبوه بأشياء لم يظفروا بها فوقعوا في ضيق (ومن كونه ربا يرى الخلق كله يطالب من حضرة الملك) بضم الميم (والملك) بفتحها وهو القوة.
والمراد به المنعوت بقرينة المثلث، وقوته من حضرة الملك والملك بيان للخلق كله (ويعجز عما طالبوه بذاته)، أي يكون ذلك العجز مسببة عن ذاته، فإن العجز والضعف من لوازم ذات الممكن (لذا تر) مخفف تری لاستقامة الوزن (بعض العارفين به)، أي بالحق وبهذا الحكم (يبكي) لعدم تمكنه من الإتيان بما يطالب به. (فكن عبد رب لا تكن رب عبد)، أي عبد الرب (فنذهب) عن مقام العبودية إلى مقام الربوبية أو تزول أو تضمحل حال كونك ملتبسا (بالتعليق في النار)، أي نار الحرمان من إنجاح آمال الآملين.


(والسبك)، أي ملتبسا بالسبك، أي الإذابة فيها ولهذه الأبيات احتمالات أخر غير ذلك وليس المراد بما ذكرنا انحصار المراد فيه وبالله التوفيق .

.
 الموضوع  التـــــــالي    ....    الموضوع  الســـابق 

الفقرة الأولى على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله



واتساب

No comments:

Post a Comment