Saturday, February 22, 2020

23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

23 - فص حكمة إحسانية في كلمة لقمانية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ مصطفي بالي زادة الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
ولاختصاص الخير الكثير بلقمان بالنص أورد هذه الحكمة في كلمته 
"" أضاف المحقق :
موضع هذا الفص « الإحسان » وهو في اللّغة فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير ، بالمال أو بالقول أو العمل .
وفي الشرع أن تتوجه إلى اللّه في عبادتك بكليتك وتتمثله في محرابك .
وهو في عرف أصحاب « وحدة الوجود » شهود الحق في جميع المراتب الوجودية والتحقق من أنه متجل في كل شيء . وهذا المعنى الأخير هو ما يدور عليه هذا الفص. أهـ ""

شعر:  
إذ شاء الإله يريد رزقا ... له فالكون أجمعه غذاء
(إذ شاء الإله يريد رزقا له ) أي إذا أراد الحق سببا لظهور نفسه .
( فالكون أجمعه غذاء له ) من حيث إظهارها إياه واختفاؤها فيه .

وإن شاء الإله يريد رزقا ... لنا فهو الغذاء كما يشاء
( وإن شاء اللّه يريد رزقا لنا فهو ) أي الحق ( الغذاء ) لنا من حيث اختفائه فينا وبقاء وجودنا به ( كما نشاء ) من اللّه بحسب استعدادنا. وقابليتنا الرزق والغذاء
ولفظ كما نشاء يجوز على صيغة المتكلم والغائب فالرزق والغذاء روحاني ومجاز من الغذاء الصوري والرزق الصوري يطلق على هذا المعنى لأدنى مناسبة ففرق بين المشية والإرادة حيث جعل المشية متعلقة بالإرادة
فكانت سابقة على الإرادة فكانت سابقة على الإرادة بالسبق الذاتي كسبق بعض الصفات على البعض فهي غيرها من هذا الوجه .

مشيئته إرادته فقولوا ... بها قد شاءها فهي المشاء
( مشيته ) عين ( إرادته فقولوا بها قد شاءها ) أي بالمشية قد شاء الإرادة
( فهي ) أي الإرادة ( المشاء ) بفتح الميم أي المراد فهذا وجه اتحادهما ومعنى البيت الأول على تقدير الاتحاد إذ شاء الإله أن يشاء فحينئذ يكون المشية المشاء ويفرق بينهما فرقا آخر

يريد زيادة و يريد نقصا ... وليس مشاءه إلا المشاء
بقوله ( يريد زيادة ويريد نقصا ) يعني أن الإرادة يتعلق بزيادة شيء ونقصه ( وليس مشاؤه إلا المشاء ) أي لا يتعلق مشيته بزيادة شيء ونقصه بل هي العناية الإلهية المتعلقة بإيجاد المشاء من غير تعرض إلى الزيادة والنقصان.
فهذا الفرق بينهما فحقق ... ومن وجه فعينهما سواء
(  فهذا الفرق بينهما محقق فمن وجه فعينهما سواء ) وهو كون عين كل واحد منهما عين الذات من حيث الأحدية .

قال رضي الله عنه :  ( قال اللّه تعالى :وَلَقَدْ آتَيْنا لُقْمانَ الْحِكْمَةَ [ لقمان : 12 ] ،وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً[ البقرة : 269 ] ، فلقمان بالنص هو ذو الخير الكثير بشهادة اللّه له بذلك ) أي بكونه ذا الخير الكثير .

قال رضي الله عنه :  ( والحكمة قد تكون متلفظا بها وقد تكون مسكوتا عنها ) أما الحكمة المتلفظ بها ( مثل قول لقمان لابنهيا بُنَيَّ إِنَّها) أي القصة (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ، فهذه حكمة منطوق بها وهي إن جعل اللّه هو الآتي بها وقرّر اللّه ذلك ) الكلام ( في كتابه ولم يردّ هذا القول على قائله ) مع أن الإتيان يضاف إلى العبد أيضا ولم يقل الحق للقمان ليس الأمر كما قلت فدل ذلك على أن كل آتي الحبة عين الحق من جهة الحقيقة .

قال رضي الله عنه :  ( وأما الحكمة المسكوت عنها ) قوله ( وعلمت ) معطوف على قول المسكوت باعتبار تضمنه بمعنى الفعل تقديره الذي سكت عنها وعلمت تلك الحكمة ( بقرينة الحال ) وجواب .
أما قوله ( فكونه سكت عن الموتى إليه بتلك الحبة فما ذكره ) أي لقمان المؤتى إليه
( ولا قال لابنه يأت بها اللّه إليك ولا إلى غيرك فأرسل لقمان الإتيان عاما ) أي لا يجعل متعلقا بشيء ( وجعل المؤتى به ) وهو حبة من خردل ( في السماوات ) وإن كان ذلك المؤتى به فيها ( أو في الأرض ) وإن كان ذلك فيها ( تنبيها ) بذلك الجعل .

قال رضي الله عنه :  ( لينظر الناظر في قوله "وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ " فنبه لقمان بما تكلم به ) وهو جعل المؤتى به في السماوات أو في الأرض وجعل الآتي هو اللّه .
قال رضي الله عنه :  ( وبما سكت عنه ) وهو سكوته عن المؤتى إليه ( أن الحق عين كل معلوم ) سواء كان موجودا أو معدوما .
قوله ( لأن المعلوم أعم من الشيء ) دليلا على تنبيهه بالمنطوق والمسكوت عنه من أن الحق عين كل معلوم ، لأن المراد بهذا التنبيه تعميم إحاطة الحق ، وهذا لا يتم إلا بما هو أعم .
ولو كان الشيء أعم من المعلوم لنبه به ، فقال إن الحق عين كل شيء فلو وجد أعم من المعلوم لأتي به وبهذا المعنى أشار بقوله فأرسل الإتيان عاما فما حذف المفعول إلا للتعميم

ولو قيل عين كل شيء لفات التعميم واختص إحاطة الحق وهو يخالف بما هو المفهوم من كلام لقمان من التكلم والسكوت فهذا التعميم ثبت من كلامه اقتضاء .
فاقتضى هذا الكلام أن الحق عين أعم الأشياء صدقا ولا أعم من المعلوم فكان عين كل معلوم
( فهو ) أي الشيء ( أنكر النكرات ) وأعلاها فاستوى المعلوم مع الحق في رتبة الإحاطة دون الشيء وغيره من النكرات.

قال رضي الله عنه :  ( ثم تمم الحكمة واستوفاها لتكون النشأة ) اللقمانية ( كاملة فيها ) أي في الحكمة والمعرفة ( فقال إن اللّه لطيف فمن ) غاية ( لطافته ولطفه أنه ) أي اللّه ( في الشيء المسمى بكذا المحدود بكذا ) أي في الأشياء المختلفة الأسماء والحدود ( عين ذلك الشيء ) .
فإن اللطيف للطافته يرى الكثيف ( حتى لا يقال فيه ) أي لا يحمل في حق ذلك الشيء ( إلا ما يدل عليه اسمه ) وما عبارة عما يدل عليه اسم ذلك الشيء من المفهوم .

فإن قولنا هذا سماء لا يحمل على المبتدأ إلا مدلول السماء ( بالتواطؤ ) أي بالتوافق ( والاصطلاح فيقال هذا سماء وأرض وصخرة وشجر وحيوان وملك ورزق وطعام و ) الحال أن ( العين واحدة من كل شيء ) مسمى بالأسماء المختلفة ومحدود بالحدود المختلفة .
( وفيه ) أي وفي موجود كل شيء ( كما تقول الأشاعرة أن العالم كله متماثل بالجوهر ) كتماثل أفراد الإنسان بالإنسان ( فهو جوهر واحد ) في كل تماثل كما أن الإنسان واحد في كل تماثل من أفراده.

قال رضي الله عنه :  ( فهو ) أي قول الأشاعرة ( عين قولنا العين واحدة ثم قالت ) الأشاعرة ( ويختلف ) ذلك الجوهر الواحد ( بالأعراض وهو ) أي هذا القول ( قولنا ويختلف ) العين ( ويتكثر بالصور والنسب حتى يتميز فيقال هذا ليس هذا من حيث صورته أو عرضه أو مزاجه كيف شئت فقل وهذا عين هذا من حيث جوهره ولهذا ) أي ولأجل اتحاد كل شيء في الجوهر الواحد.
( يؤخذ عين الجوهر في حد كل صورة ومزاج فيقول إنه ليس سوى الحق ويظن المتكلم ) بعقله ونظره الفكري .

قال رضي الله عنه :  ( أن مسمى الجوهر وإن كان حقا ثابتا في نفسه ما ) أي ليس ( هو عين الحق الذي يطلقه أهل الكشف والتجلي ) من أن مسمى الجوهر هو الحق تعالى وهو جوهر حقيقي سار في كل شيء ( فهذا ) السريان في الأشياء ( حكمة بكونه ) أي كون الحق ( لطيفا).
( ثم نعت ) لقمان الحق ( فقال خبيرا أي عالما عن اختبار وهو ) أي كون الحق عالما عن اختبار قوله تعالى:  (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ) [ محمد : 31 ] .

قال رضي الله عنه :  (وهذا ) أي العلم الاختباري ( هو علم الأذواق ) أي مختص بالذوق الذي لا يحصل إلا بالقول (فجعل الحق نفسه مع علمه ) بالعلم المطلق ( بما هو الأمر عليه مستفيدا علما ) بقوله حَتَّى نَعْلَمَ وهو علم الذوق لا العلم المطلق .
( ولا يقدر على إنكار ما نص الحق عليه في حق نفسه ففرق تعالى ما بين علم الذوق والعلم المطلق ) بقوله حَتَّى نَعْلَمَ فيتميز الاسم الخبير من الاسم العليم ( فعلم الذوق مقيد بالقوى ) الروحانية أو الجسمانية .

قال رضي الله عنه :  ( وقد قال تعالى عن نفسه أنه عين قوى عبده في قوله كنت سمعه وهو ) أي السمع ( قوة من قوى العبد وبصره وهو قوة من قوى العبد ولسانه وهو عضو من أعضاء العبد ورجله ويده ، فما اقتصر في التعريف ) أي في تعريف نفسه ( على القوى فحسب حتى ذكر الأعضاء ) لحصول العلم الذوقي.
قال رضي الله عنه :  ( وليس العبد بغير لهذه الأعضاء والقوى ) فعلى هذا ( فعين مسمى العبد ) ومسمى العبد مجموع الأعضاء والقوى ( هو الحق لا عين العبد هو السيد ) .
فإذا اعتبر السيادة والعبودية لا يمكن أن يكون أحدهما عين الآخر وإنما لم يكن عين العبد هو السيد وكان عين مسمى العبد هو الحق ( فإن النسب متميزة لذاتها ) وهي السيادة والعبودية وغيرهما ( وليس المنسوب إليه متميزا فإنه ليس ثمة ) أي في العالم ( سوى عينه في جميع النسب فهو عين واحدة ذات نسب وإضافات وصفات ) وما الكثرة إلا في هذه المراتب والعين التي ظهرت فيها واحدة .

قال رضي الله عنه :  ( فمن تمام حكمة لقمان في تعليمه ابنه ما جاء به في هذه الآية من هذين الاسمين الإلهين لطيفا خبيرا سمى بهما اللّه تعالى فلو جعل ذلك ) أي ما جاء به من الاسمين ( في الكون وهو الوجود فقال كان اللّه ) لطيفا خبيرا .
( لكان ) ذلك القول ( أتم في الحكمة وأبلغ ) لدلالته على اتصاف الحق في الأزل بهذين الاسمين بخلاف قوله إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ.

قال رضي الله عنه :  ( فحكى اللّه قول لقمان على المعنى كما قال ) لقمان ( لم يزد عليه شيئا ) من الكون ( وإن كان قوله ) أي قول لقمان (إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌمن قول اللّه ) فإن اللّه أخبر عن نفسه بذلك لجميع الأنبياء لكن لما تكلم به لقمان في تعليمه لابنه جعل اللّه من قول فحكى عنه .

قال رضي الله عنه :  ( فلما علم اللّه تعالى من لقمان أنه لو نطق متمما لتمم بهذا ) فحكاية اللّه قول لقمان من غير زيادة مع احتياجه إلى الزيادة كانت من تمام حكمة لقمان
وإنما لم ينطق متمما مع أن المقام التتميم لأنه أورد في مقام التعليم والنصيحة
فالواجب عليه الإتيان بما هو أول على المعرفة باللّه متأدبا مع اللّه لعلمه أن هذا القول قول اللّه

فحكى كما قال لابنه من غير زيادة فتأدب اللّه معه فحكى قوله كما قال
فكان عدم نطقه متمما مع علمه بالتتميم من تمام كلمته
فجواب فلما محذوف لدلالة قوله فحكى اللّه تقديره فلما علم اللّه من لقمان أنه لو نطق متمما لتمم بهذا حكى اللّه قوله كما قال لم يردّ عليه شيئا حذف للعلم به .

قال رضي الله عنه :  ( وأما قوله ) أي وأما الحكمة في قوله : (إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ[ لقمان : 16 ] لمن ليس له غذاء وليس ) ذلك المتغذي ( إلا الذرة المذكورة في قوله :فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ . وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [ الزلزلة : 7 - 8 ] .
وجواب أما قوله ( فهي ) أي الذرة التي هي النملة الصغيرة ( أصغر متغذ ) من الحيوان ( والحبة من الخردل أصغر غذاء ) من الأغذية ( ولو كان ثمة ) أي في العالم ( أصغر ) غذاء ومتغذيا من خردل وذرة ( لجاء به كما جاء بقوله :إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً ) [ البقرة :26 ] ،
قال رضي الله عنه :  (ثم لما علم أنه ثمة ما هو صغر من البعوضة قال فما فوقها يعني في الصغر وهذا قول اللّه ) أي ليس حكاية عن قول أحد ( والتي في الزلزلة قول اللّه أيضا فاعلم ذلك فنحن نعلم أن اللّه ما اقتصر على وزن الذرة و ) الحال أن ( ثمة ) أي في العالم من المتغذي كان ( ما هو أصغر منها ) بل إنما اقتصر لعدم كونه أصغر من الذرة .

قال رضي الله عنه :  ( فإنه جاء ) أي لو كان ثم أصغر من الذرة لجاء ( بذلك ) الأصغر أيضا ( على المبالغة ) إذ الكلام سيق للمبالغة كما جاء في ضرب المثل بقولهفَما فَوْقَهاولما شبه الحق بقوله فنحن نعلم نزه بقوله ( واللّه أعلم ) وهذا تأدب منه مع اللّه
قال رضي الله عنه :  ( وأما تصغيره اسم ابنه فتصغير رحمة ) لا أنه صغير غير بالغ في نفسه ( ولهذا ) أي ولأجل تصغيره تصغير رحمة ( وصاة بما فيه سعادته إذا عمل بذلك ) أي بما وصاة ( وأما حكمة وصيته في نهيه إياه ) أي ابنه ( أن لا تشرك باللّه ) أي لا تقل أن فيهما آلهة يتصرفون على الاشتراك فإن اللّه فرد واحد لا ثاني له في نفس الأمر فإن شركت باللّه فما أشركت إلا مع عينه.

قال رضي الله عنه :  ( فإن الشرك لظلم عظيم ) والظلم يقتضي المظلوم ( والمظلوم المقام ) الذي وقع فيه الظلم ( حيث نعته ) أي حيث وصف المشرك ذلك المقام الذي هو الحق ( بالانقسام ) إلى الاثنينية ( وهو ) أي الحال أن المقام ( عين واحدة ) وهو اللّه الواحد بالوحدة الذاتية وجوب .
أما قوله ( فإنه ) أي الشريك ( لا يشرك معه ) أي مع اللّه ( إلا عينه وهذا ) أي الإشراك مع اللّه عينه ( غاية الجهل ) لذلك قال عظيم فقد ظلم نفسه بالجهل حيث لم يعلم بأن العين واحدة لا تقبل الانقسام ،.
وجعل له شريكا وما جعله شريكا إلا عينه إذ إثبات الشريك معه في ملكه يقتضي انقسام ذلك العين الواحدة التي لا تقبل الاثنينية فما قسمه إلا إلى عينه فلا يشرك إلا عينه .

لذلك قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وسبب ذلك ) الإشراك الذي هو غاية الجهل ( أن الشخص الذي لا معرفة له بالأمر على ما هو عليه ولا بحقيقة الشيء إذا اختلفت عليه الصور في العين الواحدة وهو لا يعرف أن ذلك الاختلاف في عين واحدة جعل الصورة مشاركة للأخرى في ذلك المقام فجعل لكل صورة جزءا من ذلك المقام ومعلوم في الشريك إن الأمر الذي يخصه ) أي يخص الشريك .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( مما وقعت فيه المشاركة ليس ) ذلك الأمر ( عين ) الأمر ( الآخر الذي يشاركه إذ هو للآخر فإذا ما ثمة شريك على الحقيقة فإن كل واحد ) منهما كان ( على حظه ) أي نصيبه ( مما قيل فيه أن بينهما مشاركة فيه ) كالإنسان والفرس فإن الحيوان الذي يخص الإنسان ليس عين الحيوان الذي يخص الفرس ، فإذن لا شركة على الحقيقة في عين واحدة بل الشركة فيه وهم محض فإن كل واحد منهما على حظه فإذا أخذ كل واحد منهما نصيبه من الطبيعة الحيوانية لا يبقى لكل واحد منهما حق فيها حتى اشتركا فيها.

قوله رضي الله عنه : ( وسبب ذلك الشركة ) مبتدأ ( المشاعة ) خبره أي وسبب ذلك الشركة المذكورة الإشاعة في عين واحدة ولا إشاعة في الحقيقة فلا شركة إذ الشركة تبتني على الإشاعة ( وإن كانت ) العين الواحدة ( مشاعة ) فلا بد أن يتصرف كل واحد منهما وذلك محال فإن المتصرف في الملك مطلقا هو اللّه الواحد القهار فلا تصرف للآخر فزالت الإشاعة .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن التصرف من أحدهما يزيل الإشاعة ) فما أثبته الأشقياء من الشريك باللّه أمر وهمي لا روح فيه وأما ما أثبته السعداء من الأولياء المشتركين
فإنه حق فإنهم يجعلون الأسماء الإلهية مشتركة في الدلالة على الذات الواحدة وهو الذات الواجب الوجود
فإن لكل واحد من الأسماء الإلهية الحكم في الذات الواحدة على السواء وهو الدلالة وذلك الشركة أمر حقيقي لذلك قال : قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ [ الإسراء : 110 ] ،

فإن كل واحد من الاسم اللّه والاسم الرحمن مشترك في الدلالة على الذات الواجب الوجود قبلة الحاجات فبأيهما دعوتهم يقضي اللّه حاجتكم وكذا كل الأسماء الإلهية قال عليه السلام : " أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم ".

فإن النجوم مشتركة في الدلالة على الطريق الموصل إلى المطلوب وكذا الأصحاب مشتركة على الحقيقة في الدلالة على الصراط المستقيم الموصل إلى الحق

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( هذا ) أي الاشتراك بين الأسماء في الدلالة على الذات الواحدة ( روح المسألة ) أي روح مسألة الشركة لوجود معنى الشركة فيها على الحقيقة وأما ما قاله المنطقيون من أن الجزئيات مشتركة في الأمر الكلي الشامل لها فمجرد اصطلاح منهم لا شركة فيه في الحقيقة بل هو أمر وهمي فما وقع اصطلاحهم إلا على ما في وهمهم من الشركة.

فلا روح لمسألة الشركة فيه وإنما الشركة في دلالة ألقاب الجزئيات على ذلك الكلي فاعلم ذلك فدعوى الشركة من الكفار كاذبة لإثباتهم الشركة فيما لا شركة فيه ولا قابلية لها أصلا ودعوى الموحد صادقة لإثباتهم الشركة في محلها واللّه الهادي إلى صراط مستقيم .
.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment