Wednesday, February 12, 2020

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثانية .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
22   - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
هذا فص الحكمة الإلياسية ، وهي الحكمة الإدريسية المتقدمة فذكرها فيما مر بنصف المعرفة وهنا بنصف المعرفة لاختلاف الاسمين لها فذكر لها اسم إلياس هنا ،
لأنه سيذكر في هذا الفص أن اللّه تعالى أنشأها مرتين كان نبيا قبل نوح عليه السلام ، ثم رفع وهو أمر فصها الأوّل ثم نزل رسولا بعد ذلك وسمى إلياس وهو حال هذا الفص فذكره بعد حكمة زكريا عليه السلام ،
لأن الكلام فيها عن إلياس عليه السلام أنه صار عقلا مجردا عن الشهوة وهو من رحمة اللّه تعالى كما أن زكريا عليه السلام كان عين الرحمة بحكم قوله تعالى : ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا( 2 ) [ مريم : 2].

فهو أقرب منه ولهذا قدمه ، وإلياس يليه بالرتبة الملكية وهو المكان العلي الذي رفعه اللّه تعالى إليه من كونه بشرا سويا واسمه إدريس وإلا فإن النبي أرفع من الملك ومن هنا كان يقول النبي صلى اللّه عليه وسلم عند موته اللهم الرفيق الأعلى وعرج به في أطباق السماوات وهو عليه السلام أفضل من الكل وأشرف .

(فص حكمة إيناسية) أي منسوبة إلى الإيناس وهو حصول الأنس ضد الوحشة (في كلمة إلياسية).
إنما اختصت حكمة إلياس عليه السلام بكونها إيناسية لأنها من مقام الملائكة أصحاب العقول المجردة عن الشهوات الجسمانية فلها الاستئناس باللذائذ الروحانية والمحبة الربانية في شهود الجمال الرحماني والكمال الصمداني في حضرات المعاني على نغمات الأدوار الأمرية برنات المثاني .

قال رضي الله عنه :  ( إلياس وهو إدريس عليه السّلام كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ورفعه اللّه مكانا عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشّمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية . وكان هذا الصّنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان - من اللّبانة وهي الحاجة - عن فرس من نار ، وجميع آلاته من نار . فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشّهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلّق بما تتعلّق به الأغراض النّفسيّة . )

إلياس النبي المشهور هو إدريس عليه السلام .
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام رحمه اللّه تعالى في تفسير سورة مريم عند قوله تعالى :وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ[ مريم : 56 ] هو أخنوخ جد أبي نوح أوّل مرسل بعد آدم عليه السلام ، وأوّل من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والهيئة وخاط اللباس ، واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل ، وسمي به لكثرة درسه وقيل : هو إلياس انتهى .

وفي صحيح البخاري في كتاب الأنبياء عليهم السلام ويذكر عن ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهم أن إلياس هو إدريس .
وقال الزركشي في شرح البخاري قلت : لكن ظاهر القرآن يدل على أنه غيره وهو قوله تعالى في سورة الأنعام :وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ[ الأنعام : 84 ] إلى قوله :وَإِلْياسَ فهذا تصريح بأن إلياس من ذرية نوح ، وأجمعوا على أن إدريس كان قبل نوح فكيف يستقيم أن يقال إنه إلياس . وقد أشار إلى ذلك البغوي في تفسيره ، انتهى .

وقرأت في هامش شرح الزركشي بخط بعض العلماء نقل هذا الإجماع باطل .
وقال البيضاوي في نفسيره وإلياس قيل هو إدريس جد نوح فيكون البيان ، أي بيان ذرية نوح في الآية مخصوصا بمن في الآية الأولى يعني التي آخرها وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ[ الأنعام : 84 ] . وقوله تعالى :وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ[ الأنعام : 85 ].
معطوف على قوله وَنُوحاً هَدَيْنا.
قال البيضاوي : قيل هو يعني إلياس من أسباط هارون أخي موسى ، انتهى .

وهو الجواب عن إيراد الزركشي ، وفي حديث الجامع الصغير للسيوطي برواية ابن مردويه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما ، قال : قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم : « الخضر هو إلياس » « أورده السيوطي في الدر المنثور ، وعزاه إلى ابن مردويه عن ابن عباس » .
وقال الشارح المناوي رحمه اللّه تعالى أن الخضر لقبه واسمه هو إلياس وهو غير إلياس لمشهور ، فقد اشتهر بلقبه وذلك باسمه ، فلا تدافع بينه وبين ما بعده من قوله عليه السلام : " الخضر في البحر وإلياس في البر » .
يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج ، ويحجان ويعتمران كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل برواية الحارث بن أبي أسامة عن أنس رضي اللّه عنه .
وفي الشرح المذكور عند حديثه إنما سمي الخضر خضرا لأنه جلس على فروة وهي وجه الأرض فاخضرت .
قال : وهو صاحب موسى عليه السلام الذي أخبر عنه القرآن بتك الأعاجيب ، وأبوه ملكان بفتح فسكون ابن فالغ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح .
وقيل : هو ابن حلقيا وقيل : ابن قابيل بن آدم وقيل : ابن فرعون صاحب موسى عليه السلام وهو غريب . وقيل : أمه رومية وأبوه فارسي .
وقيل : هو ابن آدم عليه السلام لصلبه ، وقيل : الرابع من أولاده ، وقيل : هو ابن خالة ذي القرنين ووزيره . انتهى .

فتحصل من هذا أن إلياس :
يجوز أن يكون مشتركا بين الخضر اسمه إلياس وبين إلياس النبي المشهور ،
ويجوز أن يكون المراد بإلياس الذي ذكر في القرآن في الآية السابقة : أنه من ذرية نوح عليه السلام هو الخضر الذي ذكره اللّه تعالى أيضا في قصة موسى عليه السلام بقوله :فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْماً( 65 ) [ الكهف : 65 ] ،
وهو من ذرية نوح عليه السلام ، فسماه في موضع باسمه إلياس ووصفه بصفة العبودية في موضع آخر ، وهو غير إلياس المذكور في القرآن أيضا في قوله تعالى :وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ( 123 ) [ الصافات : 123 ] .

كما أنه تعالى ذكر يوسف بن يعقوب في سورته ، وذكر في موضع آخر قوله تعالى :وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ [ غافر : 34 ] الآية .
وهي من قول موسى : " من آل فرعون " فيوسف هذا بعد يوسف بن يعقوب فهو غيره ، وكذلك ذكر اللّه تعالى يونس في القرآن في موضع آخر ذا النون فقال سبحانه : وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً[ الأنبياء : 87 ] الآية .
فلا يصح إيراد الزركشي الذي ذكر سابقا ، وصح قول ابن مسعود وابن عباس رضي اللّه عنهم : أن إلياس هو إدريس عليه السلام يعني غير إلياس الملقب بالخضر المذكور في سورة الأنعام أنه من ذرية نوح عليه السلام ،
كيف وابن عباس رضي اللّه عنهما ابن عم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وهو ترجمان القرآن وقد دعا له ابن عمه رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم بقوله : « اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل » « رواه أحمد في المسند » ،

أي تأويل القرآن ، فهو أدرى بالقرآن من غيره فقوله : بأن إلياس هو إدريس عليه السلام أصح الأقوال خصوصا وقد وافقه ابن مسعود خادم رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وغيره أيضا ، وجاء الكشف الصحيح المؤيد بالكتاب والسنة بذلك من حضرة المصنف قدس اللّه سره ، وجعل فرادس الجنان مقره وذكر المنلا عبد الرحمن الجامي قدس اللّه سره في رسالته في تحقيق مذهب الصوفية والمتكلمين والحكماء المتقدمين .

قال : ثم لا يخفى على من تتبع معارفهم يعني الصوفية المثبوتة في كتبهم أن ما يحكى عن مكاشفاتهم ومشاهداتهم لا يدل إلا على إثبات ذات مطلقة محيطة بالمراتب العقلية والغيبية ، منبسطة على الموجودات الذهنية والخارجية ، ليس لها تعين يمتنع معه ظهورها مع تعين آخر من التعينات الإلهية والخلقية ، فلا مانع أن يثبت لها تعيين يجامع التعينات كلها ، لا ينافي شيئا منها وتكون عين ذاته غير زائدة عليه لا ذهنا ولا خارجا ،
إذا تصوّر العقل هذا التعين امتنع عن فرضه مشتركا بين كثيرين اشتراك الكلي بين جزئياته ، لا أن عين تحوّله وظهوره في الصور الكثيرة والمظاهر الغير المتناهية علما وعينا وغيبا وشهادة بحسب النسب المختلفة والاعتبارات المتغايرة ،
واعتبر ذلك بالنفس الناطقة السارية في أقطار البدن وحواسها الظاهرة وقواها الباطنة بل بالنفس الناطقة الكمالية ، فإنها إذا تحققت بمظهرية الاسم الجامع كان التروحن من بعض حقائقها اللازمة فتظهر في صور كثيرة من غير تقيد وانحصار ، فتصدق تلك الصورة عليها وتتصادق لاتحاد عينها كما تتعدد لاختلاف صورها ،
ولذا قيل في إدريس عليه السلام إنه هو إلياس المرسل إلى بعلبك لا بمعنى أن العين خلع الصورة الإدريسية ولبس الصورة الإلياسية ،
وإلا كان قولا بالتناسخ بل إن هوية إدريس مع كونها قائمة في آنيته وصورته في السماء الرابعة ظهرت وتعينت في آنية إلياس الباقي إلى الآن ، فيكون من حيث العين والحقيقة واحدا ومن حيث التعين الصوري اثنين ، كتحوّل جبرائيل وميكائيل وعزرائيل عليهم السلام يظهرون في الآن الواحد في مائة ألف مكان بصور شتى كلها قائمة بهم ،
وكذلك أرواح الكمل كما يروى عن قضيب البان الموصلي رحمة اللّه تعالى عليه أنه كان يرى في زمان واحد في مجالس متعددة مستقلا في كل منها بعين ما في الآخر ، ولما لم يسع هذا الحديث أوهام المتوغلين في الزمان والمكان تلقوه بالرد والعناد وحكموا عليه بالبطلان والفساد .

وأما الذين منحوا التوفيق للنجاة من هذا الضيق فلما رأوه متعاليا عن الزمان والمكان علموا أن نسبة جميع الأزمنة والأمكنة إليه نسبة واحدة متساوية ، فجوّزوا ظهوره في كل زمان وكل مكان بأي شأن شاء وبأي صورة أراد كان ،

أي إلياس (عليه السلام نبيا قبل نوح عليه السلام) وهو إدريس ولهذا قال فيه (وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) [ مريم : 57 ] . قال تعالى :وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا ( 56 ) وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا( 57 ) [ مريم : 56 - 57 ] ،
فهو ، أي إدريس عليه السلام في قلب الأفلاك السبعة السماوية ساكن وهو ، أي قلب الأفلاك فلك الشمس وهو الفلك الرابع فوقه ثلاث أفلاك وتحته ثلاث أفلاك ثم بعث ،
أي بعثه اللّه تعالى إلى قرية بعلبك وسماه تعالى باسم إلياس ،
قال سبحانه :وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ ( 123 ) إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ ( 124 ) أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ ( 125 ) اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ( 126 ) فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ ( 127 ) إِلَّا عِبادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ( 128 ) وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ( 129 ) سَلامٌ عَلى إِل‌ْياسِينَ ( 130 ) إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 131 ) إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ( 132 ) [ الصافات : 123 – 132].

)وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية( المعروفة بالقرب من دمشق الشام )وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك( يعبده من دون اللّه والقوم يدعونه في حوائجهم )وكان إلياس الذي هو إدريس عليه السلام قد مثل( بالبناء للمفعول ، أي مثل اللّه تعالى له انفلاق الجبل المسمى بجبل لبنان في بلاد البقاع وهو معروف الآن .
حتى ذكر جدنا العلامة الشيخ إسماعيل بن النابلسي في حاشيته على تفسير البيضاوي في سورة هود عليه السلام : أن نوحا عليه السلام كانت سفينته من العاج وهو شجر عظيم يجلب من بلاد الهند وقيل : من خشب الصنوبر .
وفي تفسير القرطبي عن عمر بن الحارث أنه قال :
عمل نوح عليه السلام سفينته ببقاع دمشق وقطع خشبها من جبل لبنان وهو مشتق )من اللّبانة( بالضم والتخفيف )وهي الحاجة عن فرس( روحاني له جسد )من نار وجميع آلته( كالآكاف واللكام والركاب والحزام من نار أيضا هي وفرس الحياة التي نزل جبريل عليه السلام راكبا عليها حتى قبض السامري في بني إسرائيل قبضة من أثرها فوضعها في العجل من الذهب فصار له خوار ، وإنما انفلق جبل لبنان لإدريس عليه السلام الذي هو إلياس عن جسدها الناري القائم بروحها النورانية التي نزل بها جبرائيل عليه السلام ، فالروحاني حظه منها الجزء الروحاني والجسماني حظه منها الجزء الجسماني .
)فلما رآه( ، أي رآى إدريس عليه السلام ذلك الفرس )ركب عليه فسقطت عنه( ، أي عن إدريس عليه السلام )الشهوة( الجسمانية شهوة البطن والفرج فلم يحتج إلى الأكل والشرب والجماع )فكان عقلا( محضا )بلا شهوة( بمنزلة الملائكة عليهم السلام وكان له صيام الدهر من المقام الصمداني ( فلم يبق له تعلق به بما تعلق الأغراض النفسية) والطبيعة البشرية ولهذا رفعه اللّه تعالى إلى قلب الأفلاك يعبد اللّه تعالى مع الملائكة عليهم السلام بالتسبيح والتقديس .

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
اعلم أن إلياس عليه السلام لما أنس الملائكة وخالطهم بحسب مزاجه الروحاني وأنس الإنسان بحسب مزاجه العنصري أورد الحكمة الايناسية في كلمته
فبين في هذا الفص التنزيه والتشبيه ، فالتنزيه من جهة ملكيته والتشبيه من جهة بشريته فتم له الأمر و ( إلياس هو إدريس ) وكون إلياس هو إدريس معلوم له من الكشف الإلهي إذا أطلعه اللّه أعيان رسله من آدم إلى محمد عليهم الصلاة والسلام وما ذكر في كتب التفاسير من قصة إدريس وإلياس وإن دل على تغاير الأحوال لكن لا يدل قطعيا على تغايرهما في المسمى فسمي بإلياس بعد البعثة إلى قرية بعلبك .

قال المفسرون وهو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده ،
وقيل هو إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكان إلياس وكشف الشيخ وافق الأخير
فإدريس ( كان نبيا قبل نوح ورفعه اللّه مكانا عليا وهو ) أي إدريس ( في قلب الأفلاك ) متعلق

بقوله رضي الله عنه : ( ساكن وهو ) أي قلب الأفلاك ( فلك الشمس ثم بعث إلى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة وهي الحاجة )
قوله ( عن فرس ) يتعلق بانفلاق أي انفرج الجبل فخرج منه فرس ( من نار وجميع الآية من نار فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة فكان عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما يتعلق به الأعراض النفسية )
أما الفرس فهو النفس الناطقة المجردة مركب الروح المجردة وكون جميع الآية ناريا حرارة الشوق بجميع قواه إلى لقاء اللّه وركوبه تصرفه في عالم المجردات وانعزاله عن مركب النفس الحيواني لذلك سقطت عنه الشهوة فأثر الركوب عليه في حيوانية فقطع تعلقه بالأغراض النفسية التي كانت بسبب الحقيقة الحيوانية فكان هذا الفرس نورا على صورة النار

كل ذلك من غلبة نور القدس على روحه وجميع قواه لذلك آنس الملائكة وخالطهم فسبح الحق وقدسه تقديسهم وتسبيحهم.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
قال رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس. ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية. وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار. فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق وما ذكره بعد ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

22 - فصّ حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
قد ذكرنا سبب استناد هذه الحكمة إلى الكلمة الإلياسية ، وسنزيدها بيانا في شرح المتن .
" نشأته عليه السّلام روحانية على وجه لا يقبل تأثير الموت ، فانفلق له جبل لبنان من لبانته في صورة فرس من نار ، فأنس بها وآنسها ، فأمر بالركوب عليها ، فركبها ، فنسب حكمته إلى إيناس نور أحدية الجمع في صورة نارية الفرق على ما يأتي ."
قال رضي الله عنه  : ( إلياس هو إدريس كان نبيّا قبل نوح ، ورفعه الله ( مَكاناً عَلِيًّا ) فهو في قلب الأفلاك ساكن ، وهو فلك الشمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبكّ، و« بعل » اسم صنم و« بك » هو سلطان تلك القرية ، وكان هذا الصنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك ) .
قال العبد : اعلم أنّ النفوس المفارقة هياكلهم بالمسمّى نونا  وهو مفارقة لطيفهم عن كثيفهم كما ذكرناه مرارا ،
وبتناسب ذلك الافتراق أنّه لغلبة حكم ما به يباين اللطيف الكثيف، وعدم وفاء قوّة الكثيف من حيث هو كذلك واقتضائه بمظهرية اللطيف وبقائه معه مدّة حياته وبقائه ،
فلا مناسبة تجمع بين اللطيف والكثيف إلَّا سرّ أحدية جمع " كلّ شيء فيه كلّ شيء " وأنّ في اللطيف كثافة معنوية من حيث تراكم كثرة حقائقها النسبية وتضاعف قواها ،
فإنّ ذلك كثافة معنوية ، فبهذه المناسبة جمع الله بين هذا اللطيف الروحاني والكثيف الجسماني ، فنزّل الله اللطيف إلى الكثيف ، وأظهر تلك الكثافة المعقولة في اللطيف الأحديّ بإظهار قواه المتكثّرة ،
وأوحى إلى النفس بأن تكمل نشأة الكثيف في قيام مظهريته لحقائق اللطيف وخصائصه بجزئيّات مظهرياتها الخصيصة بكلّ عضو ، فنزل اللطيف بأمر الله القدير القاهر لطفا ، وتكيّف بكيفية الكثيف فيسمّى نفسا أمّارة ،
لكونها آمرة بالوحي الإلهي لقواها وحقائقها أن تظهر حقائق الجسم الكثيف وخصائصها تماما أوّلا لتعمير العالم الكثيف وإظهار ما أودع الله فيه من كامنات أسراره،
ولم يكن يتأتّى ذلك إلَّا بجلب ما فيه منفعة الكثيف ودفع مضرّته ، فخلق الله في النفس الشهوة والغضب ، فاشتهت ما فيه بقاء صورته النوعية ، وغضبت لما فيه دفع ما يضرّه ويضرّها من جهته .

فهذه النفس المسمّاة أمّارة عرفا شرعيّا مأمورة أوّلا بما تأمّر ، فما أمرت إلَّا بما أمرت وأمّرت ، فظهر من حقيقتي الشهوة والغضب المستندتين في علم الحقائق إلى الرضي والغضب الإلهيين ، فلا تنس ولا تغفل عن أصول الحقائق الكونية في الحقائق الإلهية .

وتعيّن روحان لمظهريتهما وهما :
الروح الطبيعي الذي صورته الدم ،
والروح الحيواني الذي صورته البخار اللطيف الكائن في أحد تجويفي القلب الصنوبري الجسماني ، لا القلب الإلهي ، وفي التجويف الآخر جوهر الروح الطبيعي ، فينتشران من الأبهرين إلى أعالي أعضاء الهيكل وأسافلها في الشرايين والأوردة ، فخلقت صور الأعضاء الإلَّيّة  والأعضاء المتشابهة الأجزاء ، وظهرت القوى المسمّاة جسمانية من وجه ونفسانية من آخر بالأصالة في هذه الأعضاء ، فسبحان اللطيف ، المتجلَّي بحقائق اللطف ودقائق القوّة ورقائق الحياة ، العليم بما يخلق ، الخبير بما يفعل .

وظهرت الجاذبة والمشتهية من الروح الشهويّ ، والماسكة والهاضمة والمحيلة - أي المغيّرة - والغاذية والمولَّدة والمصوّرة والمشبّهة ، ولها جزئيّات تفريعية « 3 » لم تسمّ في الحكمة العرفية ، فإنّهم اقتصروا على الأبين الأظهر الأجمع منها لسائرها رحمهم الله .

وهذان الروحان مخصوصان مأموران بخدمة هذا الهيكل الشريف الإلهي الذي هو بنيان الربّ اللطيف ، وموسومان بتعميره وتدبيره العمليّ من قبل النفس بهما ، ولكن هذا التدبير العملي للنفس من حيث القوّة العملية التي هي ذاتية لها ، وإنّما يتيسّر ويتأتّى لها ذلك بالتدبير العملي من حيث قوّتها العلمية التي هي أيضا ذاتية للنفس ،

وهي أصل القوّة العملية في الحقيقة ، وهي أخصّ بالنفس من حيث روحانيتها وجوهريتها ونورانيتها ، فخلق الله للقوى الخصيصة بالنفس من حيث روحانيتها الروح النفسانيّ من أحدية جمع الروحين الأوّلين ، وجعلهما مركبين وخادمين له ، وعيّن مظاهرها في أعضاء أعالي البدن ، وجمع جميع قوى هذا الروح النفسانيّ الروحانيّ النوراني في عشر قوى كلية :
خمسة منها باطنة مخصوصة بالروح الإنساني الظاهر في النفس المطمئنّة وهي :
المصوّرة ( أعني المتخيّلة )
والمفكَّرة ،
والحافظة ،
والذاكرة ،
والعاقلة الناطقة .
ثمّ الوهم ينتشي بين المتخيّلة والمتفكَّرة ، وينتشي القوّة المصوّرة للصور الذهنيّة والخياليّة ، وينتشي من العاقلة الناطقة ، وهي كمالها .

وخمسة ظاهرة وهي : الشمّ ، والذوق ، واللمس ، والسمع ، والبصر ،
وفي هذه المباحث مباحث جمّة عرفت في الحكمة الرسميّة من حيث ظاهرها ورسمها ، وأشرنا إلى بعض حقائقها في الفصّ الآدميّ ، فتأمّل ذلك منه ، إن شاء الله تعالى . فظهرت قوى النفس الناطقة لتكميل تعمير هيكله ، فدبّرت وفكَّرت وأقبلت وأدبرت ، حتى قامت الممكنة .

ثمّ انقسمت النفوس بموجب ما أراد الله به المدبّر الحكيم العليم إلى صنفين :
صنف غلَّبوا الروح النفسانيّ الروحاني الإلهي على الروح الطبيعي الشهواني ، وعلى الروح الغضبي الحيوانيّ ، وأقاموهما في خدمة الروح النفساني ، فدبّرت أمر هذا الهيكل على الوجه الأعدل وعمّرته بالأفضل الأكمل ، فظهرت الحقائق الروحانية النورانية ، وتبيّنت الدرج والدقائق الإلهية والرحمانية والإنسانية .

وهذا الصنف صنفان :
صنف منهم غلَّبوا القوى الروحانيّة على القوى الجسمانيّة بالكلَّية ، فاستهلكت القوى الغضبيّة والشهوية بالكلَّية ، وداوموا بالحكمة والموعظة الحسنة على الهوى والنفس الأمّارة بالسوء ، حتى غيّروها وأحالوها إلى الحقائق الروحانية ،

والخصائص النفسانيّة الإنسانية ، وواظبوا على الرياضات والمجاهدات الدائمة ، حتى تنوّرت هياكلهم ، وتطهّرت عن التلوينات البشرية ، فصارت هياكلهم روحانيّات ، وأنفسهم وأرواحهم نورانيات ربّانيّات ، وعادوا بمقتضى حقائقهم أرواحا قائمة ،
وحصلوا فوق الحيوانية البهيمية والسبعية ، وتجاوزوا مقام الموت ، فهم أحياء لا يموتون أبدا ، وهياكلهم لطائف الجوهر الجسميّ ، المتروحنة روحانية ، فقطعوا البرازخ الخصيصة بالنفوس البشرية والأجسام .

وكان إدريس عليه السّلام منهم ، فتروحن كما ذكرنا من قبل ، ونذكر أيضا عن قريب ما بقي من التتمّة في موضعه ، إن شاء الله تعالى .

والصنف الثاني منهم قصدوا الاقتصاد ، فلم يغلَّبوا روحانيّتهم على جسمانيّتهم بحيث تستهلك القوى الجسمانية ، فتحيلها إلى الجوهر الروحاني ، ولكن عدّلوها وقوّموها وثقّفوها بالسياسة الإلهية الشرعية والحكمية ، وما عطَّلوا قوّة من القوى الشهوية والغضبية ، وما بطلوها ،
وإنّما صرفوا أخلاقها - المسمّاة في الحكمة الرسمية رذائل - إلى المصارف المستحسنة عقلا وشرعا وعرفا ، فصارت كلَّها فضائل وأخلاقا إلهية ،

فأولئك الَّذين  "يُبَدِّلُ الله سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ " وهم أهل الاقتصاد والسداد ، ومنهم الكمّل المقرّبون من الأنبياء والأولياء أرباب الكمال ، وكملت المقابلات العبدانية والأخلاق الإلهية ، والمراتب الروحانية والكمالات النورانية في هذين الصنفين ،
وهم : الرسل والخلفاء ، والأولياء والعلماء والحكماء الإلهيّون ، لا غير .
ثمّ انقسم الصنف الباقي أيضا إلى صنفين ، وكلاهما غلَّبوا النفس الأمّارة بالسوء والهوى على العقل والروح ، وأسروا الروح النفسانيّ ، واستعملوا قواه بموجب الهوى في تحصيل الكمالات الوهميّة الجسمانية الحيوانية ، فغلبوا واستولوا بالكليّة على هذه الممكنة الهيكلية ، وازدوجت النفس من كونها أمّارة بالهوى ، فالصنف الواحد منهم غلَّبوا الشهوة على الغضب بعد تغليبها على الروح النفساني الإنساني ، فتولَّدت الأخلاق الرذلة البذلة ،
وهي المعقّبات المذكورة في كتب الإمام حجّة الإسلام ، أبي حامد محمد الغزالي رحمه الله .
وأمّهاتها : الحرص ، والشره ، والبخل ، والطمع ، والحسد ، والذلَّة ، والخسّة ، والخور ، والجزع ، والفزع ، والجبن ، والهلع ، والفشل ، والكسل ، والركَّة ، والوضاعة ، وما شاكلها وانتشى منها ممّا لا يحصي جزئياتها إلَّا الله .

والصنف الآخر غلَّبوا القوّة الغضبيّة على الشهوية بعد تغليبهما معا على الروح النفساني وقواه ، فظهر منها : التهوّر ، والظلم ، والجور ، والاستيلاء ، والاستعلاء ، والإيذاء ، والقهر ، والحقد ، والحميّة الجاهلية ، والنخوة ، والخيلاء ، والقساوة ، والجسارة ، والشكاسة ، والقتل ، وأمثالها . وإذا اعتدل ، فالشجاعة ، والشهامة ، والنبالة وأمثالها .

ثم تولَّدت من بين هاتين القوّتين بالمطابقات والموافقات الواقعات بينها وبين قواها في أشخاص هم مظاهرها أخلاق شيطانية : كالتخويف ، والخوف من الفقر ، والحزن على فوت الأغراض الدنياويّة ، والاستعلاء ، والاستكبار ، والتفاخر ، والتكاثر بالمال والجاه ، والمراء ، والجدل بالباطل ، والكفر ، والشرك والتثبيط  في الطاعات والعبادات ، والمنع والامتناع من الذكر والفكر والصلاة ، وإيقاع العداوة بين الأحبّاء والأصدقاء والمؤمنين والزوجين ، وما شاكل ذلك .
ومن أراد الاطَّلاع على أمّهاتها وكلَّيّاتها فليطالعها في كتاب " إكسير الكمال " وكتاب "خلاصة الإرشاد " لنا .

والغرض من ذكرها هاهنا هو أن يطَّلع المسترشدون  المستبصرون من إخواننا وأصحابنا وأولادنا على أخلاق المتروحنين وأهل الانسلاخ من الأوساخ ، وكيفية ظهور الروح المفارق الكامل القاطع للبرازخ بعد الموت العرفي ، وكيفية ظهور الإنسان المتروحن في الأرواح وجسمه الروحاني ،
ولمّا كان إدريس عليه السّلام من أقطاب المتروحنين وأكابرهم ، وله نشأتان ، عرضنا لذكر أصل ذلك على سبيل الإجمال ، وفي تفصيله تطويل .

قال رضي الله عنه  : ( وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان - من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار، فلمّا رآه ركب عليه، فسقطت عنه الشهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلَّق بما يتعلَّق به الأغراض النفسية).

قال العبد : الجبل المسمّى لبنان الحقيقة الجسمانيّة التي يبلغ فيها الروح الإلهي لبانتها وحاجتها من تكميل قواها بها وفيها .
وانفلاقها صورة الفرقان العقلي بين العالي الشريف والسافل السخيف من قواها وحقائق ذاتها . والفرس صورة الحياة والطلب والشوق والتشوّق إلى المقامات القدسية الروحانية الغالبة على القوى الجسمانية ،
فكان ممّا نقل إلينا أنّه بقي ستّ عشرة سنة أو أكثر لم ينم ، ولم يتقصّده ، ولم يأكل ، ولم يشرب إلَّا ما شاء الله إلى أن غلبت عليه الروحانية ، فتروحن أي عاد روحانيا ، وانقلبت قواه الحيوانية روحانية ، والشهوية نفسانية ، والنفسانية إلهية ، فامتنع عن الشهوات النفسانية الطبيعية حتى كملت حقيقة التروحن ،
فتمثّلت نفسه الناطقة - وهي نورية - في صورة فرس من نار ، فالصورة النارية لشدّة الشوق والطلب الإرادي لإحراق القوى الشهوية والإخراق لحجبها المانعة عن الانسلاخ والتقديس والطهارة عن الأوساخ ،
والصورة الفرسية لحقيقة همّته المترقّية إلى أعالي ذرى العروج ، وجميع آلاته صورة تكامل قواه الروحانية للانسلاخ والمفارقة عن الأدناس والأوساخ لأجل السير والسلوك الروحاني الذي كان بصدده ، فلمّا أمر بالركوب عليه ، ركبه ، فسقطت القوى الشهوية منه عن التعلَّق بالملاذّ الجسمانية الطبيعية ، فبقي روحا ، والعقول المجرّدة الكلَّية ، وهي نصف المعرفة بالله ، والنصف الآخر ظهر بالنصف الآخر من النفوس ، كما بيّنّا ، فاذكر .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

22 -  فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إنما خصت الكلمة الإلياسية بالحكمة الإيناسية ، لأنه عليه السلام قد غلب عليه الروحانية والقوة الملكوتية حتى ناسب بها الملائكة وأنس بهم ، وقد آنسه الله بغلبة النورية بالطائفتين الملائكة والإنس ، وخالط الفريقين وكان له منهما رفقاء يأنس بهم ، وبلغ من كمال الروحانية مبلغا لا يؤثر فيه الموت كالخضر وعيسى عليه السلام .

"" أضاف بالي زادة :
واعلم أن إلياس لما آنس الملائكة بحسب مزاجه الروحاني ، وآنس الإنسان بحسب مزاجه العنصري ، أورد الحكمة الإيناسية في كلمته وبين التنزيه والتشبيه ، فالتنزيه من جهة ملكيته والتشبيه من جهة بشريته فسمى بإلياس بعد البعثة إلى بعلبك . قال المفسرون : وهو إلياس بن ياسين سبط هارون أخي موسى بعث بعده وقيل ، هو إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكان إلياس ، وكشف الشيخ وافق الأخير .اهـ بالى زادة . ""

قال رضي الله عنه :  (إلياس : هو إدريس عليه السلام ، كان نبيا قبل نوح ورفعه الله مكانا عليا فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس ، ثم بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل : اسم صنم ، وبك : هو سلطان تلك القرية ، وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك ، وكان إلياس الذي هو إدريس ،  قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار ، فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسانية(

حال إدريس النبي عليه السلام في الرفع إلى السماء كانت كحال عيسى عليه السلام ، وكان كثير الرياضة مغلبا لقواه الروحانية مبالغا في التنزيه كما ذكر في قصته ، وقد تدرج الرياضة والسير إلى عالم القدس عن علايق حتى بقي ستة عشر سنة لم ينم ولم يأكل ولم يشرب على ما نقل ، وعرج إلى السماء الرابعة التي هي محل القطب ، ثم نزل بعد مدة ببعلبك ، كما ينزل عيسى عليه السلام على ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم ،
 فكان إلياس النبي والجبل الذي مثل له انفلاقه المسمى لبنان جسمانيته المحتاج إليها في استكماله وتكميل الخلق في الدعوة إلى الله تعالى ، وانفلاقه انفراج هيأتها وغواشيها الطبيعية عنها بالتجرد عن ملابسها ، والفرس النارية التي انفلق عنه هي النفس الحيوانية التي هي مركب النفس الناطقة على ما ذكر في فص صالح ،
وهي بمثابة البراق له صلى الله عليه وسلم ، وكونها من نار غلبة حرارة الشوق واستيلاء نور القدس عليه ، كما قيل لموسى عليه السلام :" بُورِكَ من في النَّارِ " وكون آلاته من نار تكامل قواه وأخلاقه واستعداده المهيئات لاستعلاء النفس الناطقة التي هي القلب عليه بنور روح القدس الذي هو العقل ،
ولهذا صار عقلا بلا شهوة ، لأن النور القدسي إذا غلب عليها سقطت شهوتها وصارت قواها منورة عقلية وأذهب عنها ظلمة الشهوة ،

ولهذا قال : ركب عليه فسقطت شهوته ، لأن الاستيلاء بتأييد الروح القدسي والتنور بنوره يوجب سقوط الشهوة ، وقطع التعلقات النفسية ، وانتفاء أغراض النفس الناطقة والطبيعة ، فكان الحق فيه منزها لتنزهه عن العلائق ، ولتغلب أحكام الروح على أحكام الجسد ، والتنزيه على التشبيه ، لأن الغالب عليه الصفات الروحانية ، وقهر القوى النفسانية والطبيعية والبدنية حتى صار روحا مجردا كالملائكة ، فكان على النصف من المعرفة باللَّه كالعقول المجردة وهو التنزيه ،
وفائدة الكمالات الخلقية والصفات الحاصلة للنفس من المقامات والفضائل كالصبر والشكر وما يتعلق بالتشبيه وينبئ عن مقام الاستقامة وهو النصف الأخير ، وفي الجملة كمل فيه أحكام اسم الباطن وبقي أحكام اسم الظاهر

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
اعلم ، أن للقوى الروحانية بحسب الفعل والانفعال واجتماعاتها امتزاجات روحانية ، يحصل منها هيئة وحدانية ، ليكون مصدرا للأحكام والآثار الناتجة منها . والصورة الملكية تابعة لها ، كما أن الصورة الطبيعية تابعة للمزاج الحاصل من العناصر المختلفة والكيفيات المتقابلة ، والأحكام الظاهرة عليها إنما هي بحسب ذلك المزاج . فإذا علمت هذا :

فاعلم أن إلياس عليه السلام ، ناسب بحسب مزاجه الروحاني مزاج الصور الملكية ، وبحسب مزاجه الجسماني مزاج الصور البشرية ، فآنس من حيث الصورة الروحانية الملائكة ، فصاحبهم بحكم الاشتراك الواقع بينهم في مراتبهم الروحانية ، وآنس من حيث الصورة الجسمانية الأناسي ، وخالطهم بحسب الاشتراك معهم في الصورة الطبيعية العنصرية ، فصار جامعا للصورتين وظاهرا بالبرزخية بين العالمين .
لذلك اختصت الحكمة ( الإيناسية ) بهذه الكلمة ( الإلياسية ) .
ولتلك الصورة الملكية الموجبة للاعتدال الحقيقي فاز بالحياة الدائمة ، كالخضر وعيسى ، عليهما السلام .
فإنهما أيضا كانا ظاهرين بالصورة الملكية ، إلا أن الخضر ، عليه السلام ، غلبت صورته الملكية على صورته البشرية ، فاختفى عن أعين الناس ولم يطرء عليه الموت، وعيسى ، عليه السلام، ارتفع إلى السماء مع الصورة البشرية .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس وهو إدريس عليه السلام ، كان نبيا قبل نوح ، عليه السلام ، ورفعه الله مكانا عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن ، وهو فلك الشمس . ثم ، بعث إلى قرية "بعلبك " . و "بعل" اسم صنم و " بك " هو سلطان تلك القرية . وكان هذا الصنم المسمى " بعلا " مخصوصا بالملك . وكان إلياس ، الذي هو إدريس ، قد مثل له انفلاق الجبل المسمى ( لبنان ) من ( اللبانة ) ، وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته من نار . فلما رآه ركب عليه ، فسقطت عنه الشهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلق بما يتعلق به الأغراض النفسية.)
قد مر في ( الفص الشيثي ) أن الكامل له السراح المطلق في العوالم الملكوتية والعنصرية بحكم الظهور بالقدرة خصوصا عند الأمر الإلهي بالبعثة ودعوة الخلق إلى الله .
والحكم بأن ( إلياس ) عين ( إدريس ) ، عليه السلام ، مستفاد من الشهود للأمر على ما هو عليه ، فإنه ، رضي الله عنه ، كان يشاهد جميع أرواح الأنبياء ، عليهم السلام ، في مشاهده ، كما صرح في ( فص هود ) ، عليه السلام ، وباقي كتبه .

فنزوله كنزول عيسى ، عليهما السلام ، على ما أخبر عنه نبينا ، صلوات الله عليه . وإنما كان قبل نوح ، لأنه كان جده ، لأنه ابن لملك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وهو إدريس ، عليه السلام . ولا يتوهم أنه على سبيل التناسخ ليستدل على حقيته - كما يظن به بعض من يميل إليه - لأنه عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر ، من غير تخلل زمان بين التعلقين ،  للتعشق الذاتي بين الروح والجسد ، ويكون تعلقه بالبدن الجسماني دائميا.
وهذا ليس كذلك . و(انفلاق الجبل عن فرس ناري) كان في العالم المثالي .

فإنه شاهد فيه أن جبل لبنان وهو من جبال الشام انفلق وخرج منه فرس على هيئة نارية . ولا شك أن كل ما يتمثل في العالم المثالي بصورة من الصور هو معنى من المعاني الروحانية وحقيقة من الحقائق الغيبية .
لذلك أثرت في حيوانيته حتى سقطت عنه الشهوة وغلبت قواه الروحانية عليه ، حتى صار عقلا مجردا على صورة إنسان .

وقيل : إن (الجبل) هو جسمانيته ، وانفلاقه انفراج هيآتها وغواشيها .
و(الفرس) هي النفس الحيوانية. وكونها من نار غلبة حرارة الشوق واستيلاء نور القدس عليه ، وكون آلاته من نار تكامل قواه وأخلاقه. وفيه نظر .

لأن المتمثل له الحكم على من يتمثل له. فلو كان المتمثل بالجبل حقيقته الجسمانية ، وبالفرس حقيقته الحيوانية ، لكان حكم الحيوانية غالبا على الروحانية ، لا عكسه.
وكونها على الصورة النارية لا يخرج الحيوانية عن مقتضاها .
غايتها أن يجعل النفس منورة منقادة للروح ، ليكون مقتضاها على وجه الشرع .

وطريق الحل أن حملنا النارية على النورية. وإن حملناها على حقيقتها المحرقة، يكون سببا للتوغل في الشهوة والانحطاط في الدركات، لغلبة نار الشهوة على نور الروح. والله أعلم بالصواب.

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  (إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية.)

الفصّ الإلياسي
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
قال رضي الله عنه :  (إلياس وهو إدريس عليه السّلام كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ورفعه اللّه مكانا عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشّمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية ، وكان هذا الصّنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك ، وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان من اللّبانة ، وهي الحاجة عن فرس من نار ، وجميع آلاته من نار ؛ فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشّهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلّق بما تتعلّق به الأغراض النّفسيّة )
"" أضاف المحقق :
إنما خصت الكلمة الإلياسية بالحكمة الإيناسية ؛ لأنه عليه السّلام قد غلب عليه الروحانية والقوة الملكوتية حتى ناسب بها الملائكة وأنس بهم ، وقد آنسه اللّه بغلبة النورية بالطائفتين الملائكة والإنس ، وخالط الفريقين ، وكان منهما رفقاء يأنس بهم ، وبلغ من كمال الروحانية مبلغا لا يؤثر فيه الموت كالخضر وعيسى عليه السّلام أهـ .شرح القاشاني ""

أي : ما يتزين به ، ويكمل العلم اليقيني المتعلق بإيناس الشخص بالعوالم مما يعطي من المناسبة معها ، ظهر ذلك العلم بزينته وكماله في الحقيقة الجامعة المنسوبة إلى إلياس عليه السّلام ؛ لتأنسه بالعالم السفلي أولا ، وبالعلوي ثانيا ، وبالجمع بينهما ثالثا ؛ ولذلك قال في دعوته :وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ[ الصافات : 125 ] ،
وإليه الإشارة بقوله : ( إلياس وهو إدريس عليه السّلام ) ، كما يقال عن ابن مسعود ، وفي مصحفه : وإن إدريس لمن المرسلين بدليل قوله :وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ[ الصافات : 123 ] ، وفيه أيضا : سلام على إدراسين بدلإِل ‌ْياسِينَ[ الصافات : 130 ] ، وهو قول عكرمة .
" انظر : تفسير الطبري ، وفتح القدير.".
قيل في رده : إن إدريس جد نوح بالاتفاق ، وإلياس من ذريته بدليل قوله تعالي :وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( 84 ) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ ( 85 ) [ الأنعام : 84 ، 85 ] .

وقد قال الأكثرون : إنه إلياس بن بستي بن فنحاص بن العيزار بن هارون .
قلنا : يجوز أن يعطف على « نوحا » ، وذكره في أثناء ذريته ؛ للإشعار بأنه صار في حكمهم بتأخره عند نزوله من السماء كعيسى لنبينا عليه السّلام ، فإنه من ذريته المعنوية ، ولعل الذي من أولاد هارون غيره ، فالمنة بهدايته على إبراهيم من جهة كونه جده ، ومن جهة كونه من ذريته المعنوية أيضا ( كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ) ، فكمل تأنسه بالعالم السفلي ( رفعه اللّه مكانا عليّا ) ؛ ليكمل تأنسه بالعالم العلوي ، والمكان العلوي بمكانة قلب الأفلاك كما مرّ .

( فهو ) وإن نزل بعده ( في قلب الأفلاك ساكن ) ، إذ لا ينزل نبي عن مكانته ، فكان هناك بروحانيته ، ثم جمع له بين التأنسين إذ ( بعث إلى قرية بعلبك ) المناسبة باسمها الجامع لجمعيته ، وذلك أن ( بعل هو اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية ) ، وإنما جمع في اسمها بينهما ؛ لأنه ( كان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك ) لا يعبده إلا هراء ، وخواصه أضف إليه ، وإن كان علم شخص يجعله جنسا بتأويله بالمسمي بعلا ؛ ولذلك ذكره الشيخ رحمه اللّه ثم لما ضعف فيه أمر الإضافة لكونها على خلاف الظاهر ، جعل مركبا امتزاجيّا عند جعله علما للقرية ، ثم الصنم إشارة إلى العالم السفلي إذ كل ما فيه صورة لما في العالم العلوي ، والملك إشارة إلى العالم العلوي ، وكانت أنسب لجمعيته .

ثم أشار إلى أنه ، وإن بلغ هذا المبلغ لم تكمل معرفته من كل وجه ، وإنما كملت معرفته التنزيهية إذ صارت جسمانيته التي تتعلق بها المعرفة التشبيهية روحانية نفيت له صور مثالية في هذا العالم فهو في قلب الأفلاك بروحه وجسمه ، وهاهنا بصورته المثالية ؛ فصح قول أهل الظاهر : إدريس في السماء الرابعة ، وإلياس في الدنيا ،
فقال : ( وكان إلياس الذي هو إدريس عليه السّلام ) بعد صيرورته جامعا عاد أمره إلى الروحانية ، وإن نفيت جسمانيته ؛ ليكتسب بها الكمالات إذ ( قد مثل له انفلاق الجبل ) ، وهو مثال البدن ، وانفلاقه مثال لانفلاق البدن عما فيه بالقوة ( المسماة لبنان ) ، خصّ ذلك الجبل ؛ لاشتقاق اسمه في الأصل ( من اللبانة ، وهي الحاجة ) المشعرة باحتياجه إلى البدن في اكتساب أكثر الكمالات ، فلا بدعة في الكلية بل يجعله روحانيّا ( عن فرس ) ،

وهو مثال ما يسير به السائر إلى اللّه تعالى على أحسن الوجوه من الأخلاق الفاضلة في الأعمال الصالحة ، والأحوال السنية ، والمقامات البهية ( من نار ) لما فيها من الخفة ، وطلب العلو ، وتفريق المختلفات ، ( وجميع آلاته ) التي هي أمثلة القوي المساعدة له في السير ( من نار ) ؛ لئلا يعوقه لو لم تكن منها في السير ، ( فلما رآه راكبا عليه ) ليركب روحه على ما ذكرنا على أتم الوجوه ؛ لأن فعل البدن مؤثر فيه لما بينهما من الملابسة ؛
ولذلك يؤمر بالأعمال الظاهرة (فسقطت عنه الشهوة)؛ لأنه تحرك من البشرية إلى الملائكية.

( فكان ) مع وجود بدنه ( عقلا بلا شهوة ) إذ لم يبق في قواه المحركة والمدركة ما يلتفت إلى العالم السفلي ، ( فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية ) مما تتعلق بهذه القوي المحركة والمدركة ، فلم يبق وهمه وهما ، ولا خياله خيالا .

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )

22 - فصّ حكمة إيناسيّة في كلمة إلياسيّة

تسمية الفصّ
اعلم أنّ من الصور الكماليّة الإنسانيّة أن يرتبط بين القوى الجسمانيّة من الشخص وبين الروحانيّة منه برقائق اعتداله النوعي ، ووثائق امتزاجه الطبيعي ثمّ إنّه لا يزال تشتدّ قوّة ذلك الارتباط والالتيام عند ترشيحه بلطائف الأغذية التجريديّة القدسيّة ،
وتربيته بفنون الحقائق التنزيهيّة العلميّة ، إلى أن يبلغ رتبة التلازم والتجاذب فإذا أخذ القوى الجسمانيّة منه في الضعف ، وتمايل أركان مزاجه إلى طرفيه الخارجين عن الاعتدال ، لا بدّ وأن يجذبه الروحاني منه ويستجلب سائر وجوه تلك القوى وأعيانها إلى عالمه ، ضرورة ظهور قهرمان أمر الروح حينئذ وانقهار غيره تحته .

فعلم أنّه لا بدّ وأن يكون بين الكمّل منه ضرب من هذا الكمال ، ولذلك ترى في كل نسق من النسقات الثلاث الكماليّة التي اشتمل عليها نظم الفصوص واحدا :
كإدريس ، فإنّه في الرابع من الأوّل وعيسى ، فإنّه في السادس من الثاني وإلياس ، وهو أيضا في الرابع من الثالث وبه تمّ هذه الصورة الكماليّة في النبوّة .

وكأنّك قد عرفت في المقدّمة عند التلويحات الكاشفة عن حكم حرف السين أنّه يرتبط الظاهر منه بالباطن ربط انطباق واتّحاد ولذلك ترى مبنى موادّ الكلمات الثلاث عليه .

تلويحات حرفية في إلياس وإيناس
ثمّ إنّك إذا عرفت هذا فهمت منه وجهين من المناسبة بين الكلمة الإلياسيّة والحكمة الإيناسيّة : وجها حكميّا معنويّا ، وآخر لوحيّا حرفيّا :
أمّا الأوّل : فلأن الإيناس ضد الإيحاش ، ولغير هذه الكلمة وحشة من المفارقة والمباينة التي بين الروح وجسده ، وبها تمّت هذه الصورة الكماليّة ولذلك جمعت بين الكلمتين في النبوّة .
وأمّا الثاني : فلأنّك قد عرفت أن « ياسين » له مزيد اختصاص بين الحروف بهذا الكمال - ولذلك ورد : « إنّه قلب القرآن » - ومادّة هذه الكلمة هي « يس » مصدّرا بالألف واللام الكاشفتين عن التعريف والإظهار ، على ما هو مقتضى منصب النبوّة كما أنّ « الإيناس » من جملة صور قلبه عند تمام انبساطه .
على أنّ فضل عدد بيّنات إيناس كاشف عن حرفي البقاء ، الذين هما مؤدّى عدد إلياس ، فتأمّل .

إلياس هو إدريس
ثمّ إنّه قد صدّر هذه الحكمة بقصّة كاشفة عن أمر بعث هذه الكلمة مرّتين رمزا وإيماء ، فلا تغفل عن دقائق إشاراته في طيّ لطائف عباراته حيث قال : ( إلياس هو إدريس ، كان نبيّا قبل نوح ) عندما كان ألسنة الإظهار والإنباء من الرسل كاشفة عن محض التنزيه ، كما عرفت أمره .

ثمّ إنّه لما كان في شخص الكلمة الإدريسيّة مبدأ الجمعيّة الإطلاقيّة باشتماله على « يس » ، ظهر في مزاجه الارتباط القوىّ ، فأبقاه ( ورفعه الله مكانا عليّا ، وهو في قلب الأفلاك ساكن ) لانطوائه على قلب القرآن ، وهو صورة جمعيّة الكل ، ( و ) ذلك ( هو فلك الشمس ) التي هي مبدأ أمر الإظهار .

بعث إلياس إلى بعلبك
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( ثم بعث إلى قرية بعلبك ) ، بعثا ثانيا لإتمام ما بعث له من التنزيه الحقيقي الذي في عين التشبيه فإنّه بعث إلى القرية التي هي عبارة عن المجتمع لغة بين صنم صورة نقش المعاني وبين سلطانها الذي هو الوهم ، ( و ) إليه أشار بقوله : ( « بعل » : اسم صنم ) ، فإنّ البعل كناية عن الصورة الجزئيّة التي هي زوج المعنى الكلَّي وبعله ،
( و « بك » : سلطان تلك القرية ) التي هي المجتمع من الصورة والمعنى والبرزخ الجامع بينهما وهو الوهم ( وكان هذا الصنم المسمّى بعلا ) - وهي الجزئيات المعروضة للصورة - ( مخصوصا بالملك ) ، فإنه لا حكم لشيء من القوى غير الوهم عليها وبين « بعل » و « إلياس » نسبة اتحاديّة في تلويح العدد ، فلذلك بعث إليه .

كان إلياس عقلا بلا شهوة
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وكان إلياس - الذي هو إدريس - ) أي عندما كان مسمّى بإدريس ( قد مثّل له انفلاق الجبل ) - أي جبل جبلَّته وتعيّنه - ( المسمّى لبنان ، من اللبانة - وهي الحاجة - ) فإنّه إنما تستحصل الأغراض والحوائج منه وبه ( عن فرس من نار ) ، أي مركب يطوى عليه المسالك بالتفرّس ، وهو النظر والتثبّت في الأمور ،
كما ورد : « اتّقوا فراسة المؤمن » فهي القوّة النظريّة وأمّا كونه من النار لأنّه يتنوّر به ما يمرّ به من المراحل ، فيظهر ولأنّه أيضا مبدأ تفرقة الأشياء وتمييزها ، ( وجميع آلاته من نار ) وهي القوى الإدراكية التي بدونها لا يصلح للركوب ، ( فلما رآه ) مهيّأ للركوب ، مشدودا بالآلات ( ركب عليه ) طاويا به مسالكه المعهودة من الحقائق التنزيهيّة الكليّة والعلوم المجرّدة عن الموادّ ،
( فسقطت عنه الشهوة ) التي إنما نشأت من إدراك الجزئيّات ، عند انتهاج طرقها وأطرافها ، ( فكان عقلا بلا شهوة ) ، أي ما يشتهيه مطلقا سواء كان في صورة الجذب أو الدفع ، فيشمل الشهوة والغضب .

 المعرفة الكاملة هي الجمع بين التشبيه والتنزيه 
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فلم يبق له تعلَّق بما تتعلَّق به الأغراض النفسيّة ،) وكان الحقّ فيه منزّها عن الموادّ الجزئيّة والكثائف الأرضيّة السفليّة، وكان لقصره النظر على لطائف سماء التنزيه وكليّات حقائق التقديس.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( إلياس هو إدريس كان نبيا قبل نوح، ورفعه الله مكانا عليا، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس.
ثم بعث إلى قرية بعلبك، وبعل اسم صنم، وبك هو سلطان تلك القرية.
وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك.
وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثل له انفلاق الجبل المسمى لبنان من اللبنانة، وهي الحاجة عن فرس من نار، وجميع آلاته من نار.
فلما رآه ركب عليه فسقطت عنه الشهوة، فكان عقلا بلا شهوة، فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأعراض النفسية. )
الفص الإلياسي
22 - فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
قال رضي الله عنه :  (إلياس وهو إدريس عليه السّلام كان نبيّا قبل نوح عليه السّلام ، ورفعه اللّه مكانا ).
فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية
إنما سميت حكمته عليه السلام إيناسية لما أنس بالأنس بنشأته الجسمانية وبالملك بنشأته الروحانية ،
فإنه لما كانت الممازجة الحاصلة بين قواه الروحانية والجسمانية قبل تروحنه واقعة قريب من التساوي ناسب الملأ الأعلى والملأ الأسفل ، فتأتي له الأنس بهما والجمع بين صفتيهما ، وهو كالبرزخ بين النشأة الملكية والإنسانية ، أو لأن الإيناس هو إبصار الشيء على وجه الأنس
.
وكذا به قال تعالى في حق موسى عليه السلام :فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً[ القصص : 29 ] ، فإيناس موسى النار إبصارها على وجه الأنس بها .

وكذا أبصر إلياس عليه السلام فرسا من نار وجميع آلاته عليه من نار وأنس به فركبه ، فإبصاره الفرس في صورة نارية مع الأنس به إيناس فلذا سميت حكمته إيناسية ( الياس هو إدريس عليه السلام ) ، كان الحكم بالاتحاد بينهما بناء على أن مشاهدته الأنبياء عليهم السلام في مشاهداته كما صرح ببعضها في فص هود عليه السلام أو مستفاد من روحانيته صلى اللّه عليه وسلم ، فإن هذا الكتاب بلا زيادة ونقصان مأخوذ منه صلى اللّه عليه وسلم كما صرح به في صدر الكتاب ، فما وقع به في بعض كتبه رضي اللّه عنه أن الموجود من الأنبياء بأبدانهم العنصرية أربعة : اثنان في السماء : إدريس وعيسى عليهما السلام ،
واثنان في الأرض : خضر وإلياس على ما اشتهر من اثنينيتهما
وما وقع في هذا الكتاب بناء على ما استقر كشفه عليه آخرا ، فإن هذا الكتاب خاتم مصنفاته أو نقول الحكم بالاثنينية باعتبار البدءين السماوي والأرضي ، والحكم بالاتحاد باعتبار الروحانية .
فإن قلت على تقدير اتحاديهما ينبغي أن يفترق في بيان حكمته على فص واحد .
قلنا له : حكم قدسية متعلقة بتقديس الحق حين كان يسمى إدريس قبل عروجه إلى السماء وحكم إيناسية ونسب حكمته في كل فص باسم ( كان نبيا قبل نوح عليه السلام) ،

قال رضي الله عنه :  (عليا ، فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشّمس ، ثمّ بعث إلى قرية بعلبك ، وبعل اسم صنم ، وبك هو سلطان تلك القرية . وكان هذا الصّنم المسمّى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس قد مثّل له انفلاق الجبل المسمّى لبنان - من اللّبانة وهي الحاجة - عن فرس من نار ، وجميع آلاته من نار . فلمّا رآه ركب عليه فسقطت عنه الشّهوة ، فكان عقلا بلا شهوة ، فلم يبق له تعلّق بما تتعلّق به الأغراض النّفسيّة .)

لأن نوح ابن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ ، وأخنوخ هو إدريس عليه السلام .
وقيل : هو الذي تسميه الحكماء هرمس الهرامسة ( ورفعه اللّه ) حين غلبت نشأته الروحانية على الجسمانية ( مكانا عليا فهو في قلب الأفلاك ساكن وهو فلك الشمس ثم بعث ) بنزوله من السماء كنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان كما أخبر به نبينا صلى اللّه عليه وسلم ( إلى قرية بعلبك وبعل اسم صنم وبك هو سلطان تلك القرية وكان هذا الصنم المسمى بعلا مخصوصا بالملك وكان إلياس الذي هو إدريس ) ، أي حي يدعى بإدريس

( قد مثل له ) في عالم المثال المطلق أو المقيد ( انفلاق الجبل المسمى لبنان ) ، وهو من جبال الشام ( من اللبانة وهي الحاجة عن فرس من نار وجميع آلاته ) ، مما لا بد منه في الركوب ( من نار فلما رآه ) معدا للركوب ( ركب عليه فسقطت عنه الشهوة ) أي شهوة جذب المحبوب ودفع المكروه فيشمل الغضب أيضا ( فكان ) ،
أي صار ( عقلا بلا شهوة فلم يبق له تعلق بما تتعلق به الأغراض النفسية ) ، من جذب الطبيعة ما هو محبوب للنفس ودفع ما هو مكروه له ، ولا شك أن كل ما يتمثل في العالم المثالي بصورة من الصور لا بد له من تأويل وتعبير يعرب عما هو المراد به .

فالمراد بجبل لبنان واللّه تعالى أعلم جهة جسمانية التي بها تبلغ الروح لبانته وحاجته من تكميل قواه بها ، وفيها وبالفرس الناري جهة روحانيته التي بها نورية التفرس بالمطالب العالية وزارية الشوق إليها ويكون جميع آلاته من نار تكامل قواه بسراية تلك النورية ، والنورية فيها للانسلاخ عن مقتضيات جهة جسمانية ،
والمراد بانفلاق الجبل عنه مغلوبية جهة جسمانيته بجهة روحانيته ، لأنه عليه السلام كان كثير الرياضة مغلبا لقواه الروحانية على القوى الجسمانية حتى نقل إلينا أنه بقي ستة عشر سنة أو أكثر لم ينم ولم يأكل ولم يشرب إلا ما شاء اللّه إلى أن غلبت جهة روحانيته على جهة جسمانيته.

والمراد بركونه عليه استعلاؤه واستقراره على جهة روحانيته بحيث أوصلته إلى مكانه العلي ومكانته العلية التي هي اللحوق بالملأ الأعلى ، فباستقراره على جهة روحانيته سقطت عنه الشهوة والغضب اللذان هما من مقتضيات جهة جسمانيته فبقي عقلا بالشهوة.

واتساب

No comments:

Post a Comment