Wednesday, February 12, 2020

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الثاني والعشرون فص حكمة إيناسية في كلمة إلياسية الفقرة الثامنة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا العقل السّليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ في مجلى طبيعيّ فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصّحيح .  ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحقّ في هذه الصّورة لأنّه مؤمن بها . وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيّل بنظره الفكريّ أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التّجلي في الرّؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه . ومن ذلك قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر : 60 ] . قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا إلّا إذا كان من يدعوه غيره . )
وأما صاحب العقل السليم من آفات التقليد الرديء والعناد والغرور والأعراض الفاسدة .
فهو إما صاحب كشف عن تجل إلهي ، أي ظهور للحق تعالى عنه في مجلى ، أي مظهر طبيعي كالصور المحسوسة فيعرف ما قلناه من التحاق الفرع بالأصل لانقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه وإما مؤمن ،

أي مصدق (مسلم) ، أي مذعن للوارد عن الشارع (يؤمن) أي يصدق (به) أي بالأثر المذكور والحديث المسطور (كما) أي على حسب (ما ورد) ، أي بالمعنى الذي أراده اللّه تعالى ورسوله في) الإسناد (الصحيح من غير عدول إلى تأويل عقلي ونظر فكري .
(ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم) لغلبته (على) هذا (العاقل) المؤمن المسلم للذي ورد على حسب ما ورد الباحث ذلك العاقل (فيما جاء به الحق) تعالى (في هذه الصورة) مما تضمنه الحديث المذكور (لأنه) ، أي ذلك المؤمن المسلم (مؤمن) ، أي مصدق (بها) ، أي بتلك الصورة الواردة ،
ولا يمكن امتناعه من الوهم لغلبته عليه بالضرورة وإن نفى الصورة واحترز من ذلك كمال الاحتراز ، لأن لفظ الحديث يقتضيها ،
فحال هذا المؤمن المسلم مثل حال صاحب التجلي المذكور إلا أنه غير عارف بمن تجلى له ، وهو محترز منه خائف على إيمانه بالغيب من جهله بما الأمر عليه في نفسه وأما العاقل )غير المؤمن( بالوارد في الحديث المذكور )فيحكم( دائما )على الوهم( الغالب فيه )بالوهم( الغالب فيه على عقله فيتخيل بنظره الفكري وقياسه العقلي )أنه قد أحال على اللّه( تعالى ، أي اعتقد أنه محال في حق اللّه تعالى عنده ما )أعطاه ذلك التجلي( الإلهي والانكشاف الرباني لتلك الصورة التي رآها في )الرؤيا( المنامية حيث لا يقدر على إنكارها ولا يستطيع أن يجحد أنه رأى اللّه تعالى في صورة كذا .

)و (لأن )الوهم في ذلك( ، أي فما رآه )لا يفارقه( أصلا لأن ذلك التجلي وجدان عنده وذوق له )من حيث لا يشعر( بحاله وما هو عليه )لغفلته عن نفسه( وذهوله عنها ومن ذلك ،
أي من التحاق الفرع بالأصل وما تقرر فيه قوله تعالى ادعوني يا أيها العباد استجب لكم ما تدعوني فيه ،
فإنه إذا كان لسان الداعي كما ورد في الحديث ، كان هو الداعي تعالى وهو المستجيب ، ولهذا ورد في قوله تعالى :وَاللَّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ( 25 ) [ يونس : 25 ] ، أي يدل على أنه عين الداعي .

وقال تعالى :اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ[ الشورى : 47 ] ، فهو عكس الأوّل ليتبين العبد ما هو الأمر عليه في نفسه (قال اللّه تعالى : "وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي) ، أي طلبوا منك أن تعرفهم بي وتدلّهم عليّ "فَإِنِّي قَرِيبٌ" إليهم ، ولأني أقرب للشيء من نفسه ؛
ولهذا ورد :"وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ"[ ق : 16 ] وذلك لأن حبل الوريد من الصورة الجسمانية والحق تعالى متجل عليه في صورته النفسانية التي هي حقيقته "أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ" بأن عرف نفسه فعرف ربه فدعاه سبحانه وهو شرط في الآية يعني إذا دعاني لا إذا دعا غيري لجهله بي في صورة التجلي (إذ) ،

أي لأنه تعالى (لا يكون مجيبا) لدعوة الداع (إلا إذا كان) تعالى (هو من يدعوه) ، أي عين الداعي فيكون صدق عليه مقتضى قوله :إِذا دَعانِ[ البقرة : 186 ] ، كما ذكرنا.
""وفي نسخة أخرى : من يدعوه غيره  بدل  هو من يدعوه "".

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم ) وهو الباقي على الفطرة الأصلية الخالي عن العقائد الفاسدة ( فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ) ما قلناه من ظهور الحق في صور الأشياء في النوم وغيره أو يعرف ما قلناه من انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( وإما مؤمن مسلم يؤمن به ) أي يؤمن ما قلناه ( كما ورد في الصحيح )

وأيا ما كان ( ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة ) المرئية في المنام ( لأنه ) أي العاقل ( مؤمن بها ) أي بهذه الصورة التي تجلى الحق له فيها فطلب حقيتها فبحث بالوهم في ذلك فيحكم الوهم عليه في تصوره .
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وإما غيره المؤمن ) وهو صاحب الاعتقادات الفاسدة والعقل المشوب بالوهم الحيواني ( فيحكم على الوهم ) أي فيحكم على بطلان ما حكم عليه الوهم من ظهور الحق بصور الأشياء ( بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا والوهم في ذلك لا يفارقه ).

أي والحال أن الوهم السلطاني لا يفارق عن ذلك المتخيل ( من حيث لا يشعر ) عدم مفارقة الوهم عنه ( لغفلته عن نفسه ومن ذلك ) أي ومن انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْوَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِإذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان ) أي وجد ( من يدعوه ) فالمجيب فاعل ومؤثر والداعي قابل ومؤثر فيه فالأثر الحاصل بينهما له وجه إلى الفاعل ووجه إلى القابل فالحق كل شيء بأصله.

قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم ) وهو الباقي على الفطرة الأصلية الخالي عن العقائد الفاسدة ( فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ) ما قلناه من ظهور الحق في صور الأشياء في النوم وغيره أو يعرف ما قلناه من انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( وإما مؤمن مسلم يؤمن به ) أي يؤمن ما قلناه ( كما ورد في الصحيح )

وأيا ما كان ( ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة ) المرئية في المنام ( لأنه ) أي العاقل ( مؤمن بها ) أي بهذه الصورة التي تجلى الحق له فيها فطلب حقيتها فبحث بالوهم في ذلك فيحكم الوهم عليه في تصوره .

قال رضي الله عنه :  ( وإما غيره المؤمن ) وهو صاحب الاعتقادات الفاسدة والعقل المشوب بالوهم الحيواني ( فيحكم على الوهم ) أي فيحكم على بطلان ما حكم عليه الوهم من ظهور الحق بصور الأشياء ( بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا والوهم في ذلك لا يفارقه ) أي والحال أن الوهم السلطاني لا يفارق عن ذلك المتخيل.

قال رضي الله عنه : ( من حيث لا يشعر ) عدم مفارقة الوهم عنه (لغفلته عن نفسه ومن ذلك) أي ومن انقسام الأمر إلى مؤثر ومؤثر فيه ( قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان ) أي وجد ( من يدعوه ) فالمجيب فاعل ومؤثر والداعي قابل ومؤثر فيه فالأثر الحاصل بينهما له وجه إلى الفاعل ووجه إلى القابل فالحق كل شيء بأصله.

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.  ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.  وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».  قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قلت : الشيخ رضي الله عنه وصف حال الوهم في الإنسان وأنه سلطان عظیم لقبوله التنزيه والتشبيه وما جمعهما إلا عارف .
وأما العقل فهو بشطر المعرفة أنسب، لأنه يقتضي التنزيه دون التشبيه .
وأما الحس فلا يقتضي إلا التشبيه والجامع هو الوهم أو المحقق. وما ذكره بعد ظاهر.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه :  ( قوأمّا العقل السليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهي في محلّ طبيعي ، فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به ، كما ورد في الصحيح . ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة ، لأنّه مؤمن بها وأمّا غير المؤمن فيحكم بالوهم على الوهم ، فيتخيّل بنظره الفكري أنّه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلَّي في الرؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر بغفلته عن نفسه  ) .

يشير رضي الله عنه  إلى ما ذكر أوّلا عن سعة سلطان الوهم ، والوهم قوّة ، لها
مدخل في التخيّلات ، وتحكَّم أيضا في المعقولات والمحسوسات ، من شأنها أن تركَّب أقيسة كلَّية من الموادّ الجزئية ، وتحكم بالشاهد على الغائب ، وتجري الحكم كلَّيا والمقيس عليه جزئي والمقيس كلي ، ويعبّر في العرف النظري عن هذا القياس بالتمثيل ، والمثال فيما نحن بصدده : أنّ الحق - مثلا - تجلَّى في صورة إنسانية نوما ، فالمؤمن العاقل يؤمن بذلك ، ويتوهّم أنّه مطَّرد في جميع صور التجلَّي ، أو أنّه كلَّما يتجلَّى يتجلَّى في الصورة الإنسانية ، أو أنّ الصورة الإنسانية صورته في كلّ تجلّ .

والمنزّه ينزّه الحق عن الصورة في الدليل العقلي ، ويحكم بالوهم : أنّ ذلك له - تعالى - ذاتي ، وذلك تعيّن له في مرتبة الفكر ، لا في الكشف ولا في التجلَّي ولا كلَّما شاء ، فإنّه - تعالى - إن شاء ظهر في كل صورة ، فأضيف إليه ما يضاف إلى تلك الصورة ، وإن لم يشأ ، لا يضاف إليه صورة أصلا ، فلا يحكم عليه أنّه في كل موطن ومقام منزّه كذلك ، وهو وهم من المنزّه ، لأنّ تنزيهه عن الصورة حصوله فيما لا صورة له ، وحدّه به ، وهو - تعالى - غير محدود ، وتشبيه له - تعالى - بالعقول والمجرّدات عن الصور في زعم من يقول بذلك ، وهو قد يتوهّم أنّه قد نزّه وهو في عين التشبيه ، فلا يخلو عاقل ، - كما ذكر رضي الله عنه - عن الوهم .

قال رضي الله عنه  : ( ومن ذلك قوله : " ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ " قال تعالى : "وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ"، إذ لا يكون مجيبا إلَّا إذا كان  من يدعوه غيره).

يعني : يتوهّم الداعي ذو الوهم أنّ قربه عنه كقرب الأشياء الجسمانية بعضها من بعض ، وأنّه غيره من كل وجه ، وذلك وهم منه ، إذ هو هو ، لا غير ، ويتوهّم المفكَّر أيضا أنّ القرب والبعد لا يكونان إلَّا بين الأجسام المتحيّزة بعضها من بعض ، وهو أيضا وهم منه .

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم فهو إما صاحب تجلى إلهي في مجلى طبيعي ) أي صورة إنسانية
"" أضاف بالي زادة :
فالحق بأصله الذي يناسبه ، فإن الكمالات الإلهية كالوجود والعلم والقدرة وغيرها آثار فيك لاحقة إلى أصلها الذي يناسبه وهو الحق تعالى قال :" ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله " والنقائص الإمكانية كالاحتياج وغيره ، وهو الأثر الحاصل فيك منك ، فالحق إلى أصله الذي يناسب ذلك الاحتياج به وهو أنت ، فلا يكون الحق أصلا له .اهـ بالى زادة ""

قال رضي الله عنه :  ( فيعرف ما قلناه ، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح ، ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به في هذه الصورة ) أي فيما آتاه الله الحق في الصورة التي رآه في النوم .

قال رضي الله عنه :  ( لأنه مؤمن بها ، وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ) أي قد استحال في حقه تعالى كونه في صورة جسدانية
( والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ) أي لا ينفك أن يتوهم في حقه تعالى التمثيل بصورة من حيث لا شعور له به

قال رضي الله عنه :  ( ومن ذلك قوله تعالى :" ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ "   ، قال الله تعالى :" وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ " إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه ) كان تامة أي إذا وجد من يدعوه يعنى أن صاحب الوهم يتوهم أن قربه تعالى منه كقرب الأجساد بعضها من بعض ، وأنه غير الداعي من كل وجه ، وذلك وهم منه إذ هو هو لا غير .

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه :  ( وأما العقل السليم ، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلي طبيعي ، فيعرف ما قلناه . وإما مؤمن مسلم يؤمن به . كما ورد في الصحيح . )
"العقل السليم " هو القلب الساذج من العقائد الفاسدة ، الباقي على الفطرة الأصلية .
فهو إما صاحب تجلى إلهي ، أي ، ذو كشف وعيان في هذه النشأة العنصرية والصورة الطبيعية .

وإما مؤمن بالرسل وأهل الكشف ، مسلم أمره إليهم منقاد بأوامرهم : فإن كان صاحب تجل ، فهو عارف بشهوده حقيقة ما قلناه من أن الأمر ينقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه . والمؤثر في جميع الحضرات الكونية والإلهية هو الله ، والمؤثر فيه في كلها هو الأعيان ، ولا بد أن يسند كلا منهما إلى أصله .
وإن كان مؤمنا بالرسل والأولياء ، فيؤمن به كما ورد في الصحيح : (أن العبد لا يزال يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه. . .) . الحديث

قال رضي الله عنه :  (ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها).
المراد ب‍ ( الصورة ) الصورة التي تجلى بها الحق في النوم . أو صورة الرسل . أي، ولا بد أن يحكم الوهم بحقيقة ما أدركه وشاهده من الصورة المرئية في النوم ، أو اليقظة ، على العاقل المؤمن بالرسل ، الطالب تحقيق ما أتاه الحق من هذه الصورة المثالية ، أو الصورة الكاملة الإنسانية ، من الآيات والأخبار الدالة على تجليات الحق بالصور الحسية والمثالية .
لأن هذا العاقل مؤمن بأن تلك الصورة المرئية صورة الحق . أو بالرسل والشرائع المنزلة بالتنزيه الذي يحكم به العقل ، والتشبيه الذي يحكم به الوهم .

قال رضي الله عنه :  (وأما غير المؤمن ، فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه.)
أي ، وأما العاقل الذي لا إيمان له بالرسل والشرائع ، وهو صاحب العقل المشوب بالوهم ، فيحكم على بطلان ما حكم به الوهم من إثبات الصور على الله بالوهم الذي هو مشوب بعقله .
لأن العقل إذا تنور بنور الكشف ، أو الإيمان ، يدرك ما هو الأمر عليه ، وعند عدم الإيمان بالشرائع لا يخلص عن حكم الوهم ، فيتخيل أن ما أعطاه التجلي في الرؤيا من الصورة مستحيل ، لما أعطاه نظره الفكري ذلك ، فأبطل حكم الوهم بتوهمه الفاسد ، وهو لا يشعر بذلك لعدم علمه بنفسه وأحكامها .

قال رضي الله عنه :  (ومن ذلك قوله تعالى : "أدعوني أستجب لكم ". قال الله تعالى : "وإذا سألك عبادي عنى فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعاني" . إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه.)
أي ، ومن ذلك القبيل المذكور - وهو قوله : إن الأمر منقسم إلى مؤثر ومؤثر فيه - قوله تعالى : ( أدعوني أستجب لكم ) و ( أجيب دعوة الداع ) . لأن أمر الوجود منقسم إلى مؤثر ومتأثر : والداعي هو القابل المتأثر ، والمجيب هو الفاعل المؤثر .
وكما أن الفاعل لا يكون فاعلا إلا بالقابل ، كذلك لا يكون المجيب مجيبا إلا إذا حصل من يدعوه . وذلك إشارة إلى قوله : إن الأمر منقسم . و(كان) في قوله : (إلا إذا كان من يدعوه.) تامة .

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه :  (وأمّا العقل السّليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ في مجلى طبيعيّ فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصّحيح ، ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحقّ في هذه الصّورة ؛ لأنّه مؤمن بها ، وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم ، فيتخيّل بنظره الفكريّ أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التّجلّي في الرّؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [ غافر : 60 ] ، قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ البقرة : 186 ] ، إذ لا يكون مجيبا إلّا إذا كان من يدعوه غيره )

قال رضي الله عنه : ( وأما العقل السليم ) عن النظر الفكري أو تقليد صاحبه ، ( فهو ) ، أي : صاحبه ( إما صاحب تجلّ إلهي ) أي : قائل بجواز أن يتجلى في المنام ( في مجلي طبيعي ) ، فإن منهم من يجوز ذلك في المنام ، وإن منع منه في اليقظة ، ( فيعرف ما قلناه ) من العبور من الحق إلى الخلق ؛ لأنه إنما جوز ذلك ؛ لأن المنام قابل للتعبير بخلاف اليقظة ، فيكون المرئي في المنام صورة يعبر عنها إلى ما هو الحق في الواقع ، ولا يتأتى ذلك في صورة اليقظة ، إذ لا عبور فيها عنده ، ( وإما ) قائل بجواز تجليه في المنام في المجلي الطبيعي ، لكنه ( مؤمن ) ، والمؤمن ( مسلم ) ، أي : منقاد لما ورد من نصوص الرؤية ، فهو ( يؤمن به ) أي : بكونه مرئيّا ، ( كما ورد في الصحيح ) من قوله صلّى اللّه عليه وسلّم : « إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر ، لا تضامون في رؤيته ».  رواه البخاري ومسلم .

وهو وإن قال : بأنه يرى لا في صورة طبيعية ؛ لأنه ( من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق ) على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم من تجليه ( في هذه الصورة ) الطبيعية ، إذ ذكر تحوله في الصور ، ولا يتأتى بدون الصور الطبيعية ، وإنما يحكم عليه ؛ ( لأنه مؤمن بها ) أي : برؤيته في تلك الصور التي تفيد تارة وتنكر أخرى .

قال رضي الله عنه :  ( وأما غير المؤمن ) من ترونه في الآخرة ، وفي المنام كالمعتزلة ، وهو صاحب النظر الفكري أو المقلد له ، ( فيحكم ) إذا سمع النصوص القائلة بتحولة في الصور في الآخرة أو في المنام ( على الوهم ) ، إذا حكم برؤيته فيها ( بالوهم ) بأنه من لا صورة له يستحيل رؤيته في صورة أو يتحول في الصور ، مع أن العقل لا يمنع من رؤية من لا صورة له في الصورة ، كما لا يمنع من رؤية من له صورة أن يرى في غير صورته ، فقد رئي جبريل عليه السّلام في صورة دحية مع أنها ليست بصورته اتفاقا .

قال رضي الله عنه :  ( فيتخيل ) عند رده النصوص بكونها أخبار الآحاد أو بتأويلها على وفق وهمه ( بنظره الفكري ) الذي لا يحيل ظهور الحق في صورة ، وإنما يحيل كونه في نفسه ذا صورة ( أنه قد أحال على اللّه ) رؤيته في الصورة ، حتى أحال ( ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ) ، مع أنه يجوز في الرؤيا رؤية الشيء في غير صورته ؛ لذلك يحتاج فيه إلى التعبير كما ترى العدو في صورة الحية ، وهو لم يفعل ذلك أيضا من كل وجه ، إذ ( الوهم منه في ذلك ) ، أي : إثبات الصورة للحق ( لا يفارقه ) ؛ فإنه ما دام بدنه صحيحا كان علمه باقيا ، وإن كان علمه ( من حيث لا يشعر ) به صاحبه ؛ ( لغفلته عن نفسه ) لاحتجابه به بربه عنها ، فلا يلوح له ما يحكم به نفسه من الجمع بين التنزيه والتشبيه بقوتيه العقلية والمؤمنة ، ولو كوشف عنها لعرف ربه بما يلوح من جميع قواها ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .

قال رضي الله عنه :  ( ومن ذلك ) ، أي : ومما يلحق فيه كل شيء من المؤثر والمؤثر فيه بأصله ، ويحكم فيه الوهم بتصوير الحق ما أشار إليه ( بقوله تعالى : ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [ غافر : 60] ، فالداعي من حيث التأثر بالمدعو به عبد ، ومن حيث التأثير في الإجابة حق ظهر في العبد ، والمجيب من حيث التأثير في المدعو به حق ، ومن حيث التأثر للدعوة عبد ظهر فيه ، ولظهور كل منهما في مرآة الآخر ( قال اللّه تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [ البقرة : 186 ] ،
إذ لا قرب هنا بالزمان والمكان والرتبة بل بالظهور ، وهو مستلزم لتصوير الوهم الحق بصورة ما ظهر في العبد ، وبصورة العبد الظاهرة في مرآة الحق ، وكيف تكون الإجابة من الحق من حيث هو حق ، وهي متوقفة على الدعوة ؟

قال رضي الله عنه :  ( إذ لا يكون ) المجيب ( مجيبا إلا إذا كان ) أي : وجد ( من يدعوه ) ، والمتوقف على الغير حادث ، فلا يتصف به الحق من حيث هو حق لا يقال : إذا كان الحق ظاهرا في العبد من حيث تأثير الدعوة .

فالإجابة لا تتوقف على الغير ، فيجوز أن يكون المجيب هو الحق من حيث هو حق ؛ لأنّا نقول :

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا العقل السليم ) - عمّا يعوقه عن كماله - ( فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ ) إذا وفّق لما قدّر لأصل استعداده من إدراك الحقائق كلَّها ، على ما هي عليه ، فهو ( في مجلى طبيعيّ ، فيعرف ما قلناه ، وإما مؤمن مسلم ) يلقى السمع لصاحب التجلَّى والبيان ، فهو ( يؤمن به ، كما ورد في الصحيح ) فما بقي إلَّا صاحب النظر والاستدلال ، فإنّه غير مؤمن بإلقاء السمع إلى صاحب التجلَّي ، ولا بالغ عقله إلى كماله الطبيعي.

قال رضي الله عنه :  ( و ) حينئذ ( لا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث ) ضرورة نفاذ أمره في هذه النشأة وعدم انقهاره أصلا ، فيكون تحت حكمه (فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنّه مؤمن بها ) .

هذا على تقدير أن يكون الباحث من حكماء الإسلام والمتكلَّمين من الملَّيين ، فأمّا إذا لم يكن منهم - كالفلاسفة الذين قصروا طريق الاستفاضة على النظر المجرّد والبحث البحت - فإليه أشار بقوله رضي الله عنه  : ( وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم ) فإنّهم يوصون أولا بتسخير قوّتي الوهم والخيال وعزلهم عمّا في تصرّفهما من مدارك الجزئيّات مطلقا - صوريّة ومعنويّة - حتى يصفو لهم حكم صرافة العقل في الكليّات المنزّهة عما يشوب به قدس التنزيه ويميل إلى هذا المشرب أكثر المنتمين إلى التحقيق والمنتسبين إلى التصوّف ، حتى أنّ بعض شارحي هذا الكتاب يستشمّ المتفطَّن من كلامه رائحة ذلك الميل ، ومن ثمّة تراه يستهجن مدركات الوهم كل الاستهجان.

 الغرض من الحكايات القرآنيّة تقرير أحوال الإنسان
وكأنّك قد اطَّلعت في طيّ هذه التعليقات أنّ ما في القرآن الكريم مما يفهم منه العامة أنّه حكاية الأمم السالفة في الأزمنة الماضية ، إنما هو تقرير أحوال الأمم الحاضرة في كلّ زمان ، على ما عبّر عن ذلك ألسنة استعداداتهم ويعبر من الأزل إلى الأبد ما هو أساطير الأوّلين ،
على ما زعم الجاحدون للتنزيل وجلالة قدره من أرباب الزيغ والطغيان - ومن ذلك حكاية تخصيص آدم بمنصب الخلافة ، واغتباط الملإ الأعلى له في ذلك وادّعاؤهم أنّهم المستحقون لها بتقديسهم وتسبيحهم ،
وأنّ آدم بما فيه من قوّتي الوهم والخيال والشهوة والغضب ، بعيد عن نيل مثل تلك المنقبة الكريمة ، وتعيير الحق عزّ شانه لهم في ذلك الدعوى بأنّ آدم بجمعيّته التي اختص بها من احتياز القوى - التي هي مبدأ الشعور والإشعار لطرف التشبيه من الحقّ - يعلم من الأسماء الكاشفة للحقّ ما لا يعلمون ، وهي الأسماء الوجوديّة المبيّنة للحقائق التشبيهيّة التي بها يتمّ أمر التنزيه .

التشابه الفكري بين الملائكة وأهل النظر
فإنّ تلك القصّة بعينها هي التي بين الحكماء من أهل النظر والاستدلال وبين أرباب الأذواق من اولي الألباب ، فإنّهم هم الذين يستفتحون مدارك القوى البشريّة والجمعيّة الآدميّة ، ويستحقّون ما يستحصل من تلك القوى - التي رئيسهم الوهم - بأنّها لا يمكن لها تسبيح الحقّ ،
فإنّها مبدأ الإفساد وإهراق الدماء ، فيعزلون تلك القوى عن درجة الاعتداد بمداركها والاعتبار بأحكامها ويحصرون أمر ذلك الاعتداد والاعتبار في العقل المجرّد الذي يسبّح الحقّ ويقدّسه ، ذاهلين عن قصور عقلهم المجرّد عن أداء التنزيه حقّه ، وأنّهم هم المفسدون في عزل تلك القوى ، ولكن لا يشعرون منزلتهم .

تسلَّط الوهم على أصحاب النظر
ومن آيات قصورهم في رتبة الشعور والعلم أنّهم يحكمون على الوهم وسدنته بالوهم ، ويعزلونه بأمره ، ذاهلين عنه وعن أنّه هو الحاكم ، يعزل نفسه بما لا يشعر به صاحب النظر الفكريّ ، ضرورة أنّ الوهم من المعاني الجزئيّة التي إنما يدركها الوهم فصاحب النظر انما يدركه ويعزله به ، ( فيتخيّل بنظره الفكري أنّه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلَّي في الرؤيا ) مما لا يناسب تنزيه العقل المجرّد له من الصور الجسدانيّة والمثل الجسمانيّة التي استحال عنده بنظره الفكري أن يكون لله .

قال رضي الله عنه :  ( والوهم في ذلك ) التخيّل ( لا يفارقه من حيث لا يشعر به ) ، فإنّه هو السلطان الحاكم في هذه النشأة - كما عرفت آنفا - ولكن لاتّحادّه بالكلّ - لما تقرّر من أنّ السلطان هو الهيئة الجمعيّة الكلَّيّة - لا يشعر به ( لغفلته عن نفسه ) ، فإنّه يحسب أنّ الوهم أمر غيره ، وعرض يفارقه ، فهو بعد في سنة الغفلة ورقاد الذهول ، إذا مات عن نظره الفكريّ انتبه من نومه ، وتيقّظ ليومه فلا تغفل عن دقائق هذه الإشارات فإنّه من جلائل الحقائق .

المؤثّر والمتأثّر في الداعي والمجيب
قال رضي الله عنه :  ( ومن ذلك ) - أي مما ورد لك مما لا بدّ فيه من إلحاق كلّ شيء من أحكامه المتكثّرة المتفرّعة بأصله ، الذي يتفرّع عنه ولكن الحكم مع أحديّة العين حتى يتحقّق معناه - ( قوله تعالى : “ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ") [ 40 / 60 ]
فإنّ الدعاء يخالف الإجابة حكما ، فلذلك نسب الدعاء إلى العبد المتأثّر بحسب أصله ، والإجابة إلى الحقّ المؤثّر .

هذا ما يدل على ذلك إجمالا ، والذي يدلّ على ذلك تفصيلا ما (قال تعالى : “وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ“) [ 2 / 186 ] ،
فإنّ أحكام المتأثّر العبد والمؤثّر الحقّ قد فصّل في هذه الآية تفصيلا ، حيث عيّن مقام بعد العبد السائل بإثبات الواسطة ، وقرب المجيب الحقّ بقوله : “  قَرِيبٌ “  ،
وأشار إلى أحديّة فعل الحقّ المؤثّر بقوله : "أُجِيبُ "، وإلى أنّ اختلافه بحسب الصور والأحكام المتكثّرة

إنّما هو من جهة العبد المتأثّر بقوله : “  دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ “  ، حيث عبّر ما يتعلَّق بالعبد من السؤال والدعاء بصيغ ثلاثة متكثّرة - من المصدر والصفة والفعل .

وفيه إشارة أيضا إلى ما للعبد من الألسنة التي له عند الدعاء :
أحدها لسان الاستعداد المشار إليه بصيغة المصدر .
والثاني لسان الحال ، المعبّر عنه بصيغة الوصف .
والثالث لسان الفعل والقول المدلول فيه بصيغة الفعل .
وإذ قد تختلف قبلة الدعاء في موطن الفعل لتشابه الصور والأشكال هنالك دون غيره ، فتنحرف حينئذ عن سمت إطلاقه ، خصّصه بقوله : “  إِذا دَعانِ “  .

ثمّ إنّه لا بدّ من اختلاف الصور هناك ، ( إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه ) ووجد الداعي مستقلا بحسب الصورة.

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه : (  وأما العقل السليم، فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي فيعرف ما قلناه، وإما مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصحيح.
ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحق في هذه الصورة لأنه مؤمن بها.
وأما غير المؤمن فيحكم على الوهم بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على الله ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا، و الوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ، ومن ذلك قوله تعالى «ادعوني أستجب لكم».
قال تعالى «و إذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان» إذ لا يكون مجيبا إلا إذا كان من يدعوه،  )

قال رضي الله عنه : (  وأمّا العقل السّليم فهو إمّا صاحب تجلّ إلهيّ في مجلى طبيعيّ فيعرف ما قلناه ، وإمّا مؤمن مسلم يؤمن به كما ورد في الصّحيح . ولا بدّ من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث فيما جاء به الحقّ في)

قال رضي الله عنه : ( وأما العقل السليم ) بل صاحبه وهو صاحب القلب الشارح من العقائد الفاسدة الباقي على القوة الأصلية .

قال رضي الله عنه :  ( فهو إما صاحب تجل إلهي في مجلى طبيعي ) بأن تجلى عليه الحق في مجلى من مجالي الطبيعة فيكشف عليه كيفية تجليه فيها وكونه عنها من وجه وميزها عنها من وجه ( فيعرف ما قلناه ) من كون قوى العبد عين الحق أو تجلى عليه في مجلاه الطبيعي ونشأته العنصرية باسمه العليم ، فتأيد عقله السليم بهذا المتجلي فأدرك عقله السليم بهذا المتجلي ، فأدرك العقائد على ما هي عليه فيعرف ما قلناه من غير أن يبقى للوهم عليه حكم ( وإما مؤمن مسلم يؤمن به ) ، أي بما قلناه ( كما ورد في الحديث الصحيح ) ، أن العبد لا يزال يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه الحديث ولكن لا يخلو عن وسوسة بحث وتفتيش عما آمن به وأسلم .
قال رضي الله عنه :  ( ولا بد من سلطان الوهم أن يحكم على العاقل الباحث ) ، أي الذي هو في صدد بحث وتفتيش ( فيما جاء به الحق).

قال رضي الله عنه :  (
هذه الصّورة لأنّه مؤمن بها
. وأمّا غير المؤمن فيحكم على الوهم فيتخيّل بنظره الفكريّ أنّه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التّجلّي في الرّؤيا ، والوهم في ذلك لا يفارقه من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه . ومن ذلك قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ[ غافر : 60 ] . قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ [ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا إلّا إذا كان من يدعوه غيره . )

قال رضي الله عنه :  (في هذه الصورة ) التي تجلى فيها الحق نوما أو يقظة من معنى التشبيه ( لأنه مؤمن بها ) بما فيه معنى التشبيه .
والحكم بالتشبيه إنما هو من الوهم ، فإذا حكم عليه الوهم به وانقاد له اطمأن فقوله فيما جاء به الحق يحتمل أن يكون متعلقا بيحكم أو الباحث ( وأما غير المؤمن ) بما جاء به الحق من صور التشبيه ( فيحكم على الوهم ) ، بأنه كاذب في حكمه ولكن حكمه هذا على الوهم إنما هو ( بالوهم فيتخيل بنظره الفكري أنه قد أحال على اللّه ما أعطاه ذلك التجلي في الرؤيا ) ، أو غيرها من معنى التشبيه ( والوهم في ذلك ) ، الحكم ( لا يفارقه ) فإن الحاكم بهذا الحكم هو ، فهو يصدقه ( من حيث لا يشعر لغفلته عن نفسه ) .

وهذا أن الحاكم فيه وهمه ( ومن ذلك ) القبيل ، أي قبيل حديث قرب النوافل من حيث الدلالة على مؤثر ومؤثر فيه ( قوله تعالى :ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ)
وكذا قوله حيث ( قال تعالى :وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ[ البقرة : 186 ] إذ لا يكون مجيبا ) ،

كما في الآية الثانية ( إلا إذا كان ) ، أي وجد ( من يدعوه غيره ) بل دعوته ولا يكون مستجيبا كما في الآية الأولى إلا إذا وجد دعاء الداعين فالدعاء في الآيتين هو المؤثر والمجيب هو المؤثر والمجيب هو المؤثر فيه ، إذ لولا الدعاء لم تكن إجابة ولا استجابة ، فلا بد ههنا من داع مؤثر ومجيب مؤثر فيه مختلفين بالصورة
 
.
السفر الثاني والعشرون الفقرة الثامنة على منتدي إتقوا الله ويعلمكم الله
واتساب

No comments:

Post a Comment