Saturday, February 15, 2020

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح داود القيصرى فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح داود القيصرى فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح داود القيصرى فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

شرح الشيخ داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
قد مر أن ما يختص بالقهر من الصفات الإلهية والأسماء الربانية يسمى ب‍ ( الجلال ) ، وكل ما يختص باللطف والرحمة يسمى ب‍ ( الجمال ) .
والأول يعطى القبض والخشية والتقى والورع ، 
والثاني يعطى البسط والرجاء والأنس واللطف والرحمة .
فلما كان يحيى ، عليه السلام ، لا يزال منقبضا خاشعا من الله ، جاعلا الحزن والبكاء عادة بحيث صار أخاديد من دموعه في وجهه .
وقد أخبر عنه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال يحيى لعيسى ، عليه السلام ، معاتبا له حين ضحك : ( كأنك قد آمنت مكر الله وعذابه ) .
فأجابه عيسى عليه السلام : ( كأنك قد آيست من فضل الله ورحمته ) .
فأوحى الله إليهما : ( أن أحبكما إلى أحسنكما ظنا بي ) .
وكان عاقبة أمره أنه قتل ، فلا يزال فار دمه حتى قتل من الكفار سبعون ألفا ، قصاصا منه ، فسكن فورانه ، خصت الحكمة ( الجلالية ) بكلمته . " فلا يزال دمه فائرا حتى قتل من الكفار سبعون ألفا ".

"" أضاف الجامع :
" قيل: (كان يحيى عليه السلام الغالب عليه الحزن والقبض، وكان عيسى عليه السلام الغالب عليه الفرح والسرور والبسط فتحاكما في هذه الواقعة إلى حضرة رب العزة، فأوحى الله تعالى إليهما إن أقربكما إلي أحسنكما ظنا بي). " السفيري الشافعي المجالس الوعظية في شرح صحيح الإمام البخاري
" (وقيل: إن يحيى بن زكريا لقي عيسى عليه السلام. فقال يحيى: ما لي أراك لاهيا كأنك آمن؟ فقال له عيسى: ما لي أراك عابسا كأنك آيس؟ 
فقال: لا نبرح حتى ينزل علينا الوحي فأوحى الله إليهما أن أحبكما إلي أحسنكما ظنا بي، ويروى أن أحبكما إلي الطلق البسام.)  تنقيح القول الحثيث في شرح لباب الحديث ".  ""

وأيضا ( الجلال ) يفنى الموجودات ليرجع إلى الأولية - كما قال : ( لمن الملك اليوم ؟ لله الواحد القهار ) . وهما من أسماء الجلال - وكان ليحيى أولية في الأسماء ، فاختص حكمته بها . ولهذا السر افتتح الفص بقوله رضي الله عنه  : ( هذه حكمة الأولية في الأسماء ، فإن الله سماه " يحيى " أي ، يحيى به ذكر زكريا ، ولم يجعل له من قبل سميا . )
( الأول ) في الأكوان هو الذي لم يسبق عليه شئ من جنسه . فلما لم يكن ليحيى ، عليه السلام ، سميا قبله ، كان أول من سمى بهذا الاسم .
وما سمى الله ( يحيى ) بيحيى إلا ليحيى به ذكر أبيه ، وزكريا ، فإنه طلب من الله بقوله : ( فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب ، واجعله رب رضيا ) .
( فجمع بين حصول الصفة التي فيمن غبر ممن ترك ولدا يحيى به ذكره ، وبين اسمه بذلك . فسماه " يحيى " . ) . " غبر :أي مضى " .
ومعناه : أنه جمع بين الاسم والصفة التي بها يحيى ذكر من ترك ولدا من الغابرين ، إذ حيى به ذكر زكريا وسمى عينه بيحيى . ( فكان اسمه يحيى ) من ( الإحياء ) .
( كالعلم الذوقي . ) أي ، كما أن العلم الذوقي يحيى به النفوس الجاهلة .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن آدم حيى ذكره بشيث ، ونوحا حيى ذكره بسام ، وكذلك الأنبياء ، عليهم السلام . ولكن ما جمع الله لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه ، وبين الصفة ، إلا لزكريا ، عناية منه . )
أي ، كل من الأنبياء حيى ذكرهم بأبنائهم ، لكن ما رزقهم الله تعالى من يحيى ذكرهم ويكون صفة الإحياء في اسمه وعلمه كما في يحيى .
فموهبة الحق له من يجمع بينهما ، عناية من الله في حقه .

( إذ قال : ) أي ، حين قال . ( "هب لي من لدنك وليا ") . فقدم الحق  :ب‍ كاف الخطاب " على ذكر ولده ، كما قدمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها :" عندك بيتا في الجنة" فأكرمه الله بأن قضى حاجته وسماه بصفته ) ضمير ( بصفته ) عائد إلى ( يحيى ) . أي ، سمى يحيى بصفته التي هي الإحياء .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا، لأنه، عليه السلام، آثر بقاء ذكره في عقبه، إذ الولد سر أبيه، فقال : "يرثني ويرث من آل يعقوب ". وليس ثم موروث في حق هؤلاء الأنبياء إلا مقام ذكر الله والدعوة إليه. )
وإنما آثر بقاء ذكر الله في عقبه ، لأن الأنبياء ، عليهم السلام ، رحمة على العالمين ، فطلب الولد ليكون ظاهرا على سره ، فيذكر الله ويدعو الخلق إليه - كما كان قلبه ذاكر الله دائما - وداعيا إلى الله عباده . فالعلة الغائية من طلب الولد إظهار أعلام الله وإفشاء أحكامه وإظهار أسمائه وصفاته ، والقيام بتكميل الخلائق وإيصال المستعدين إلى حقيقة الحقائق التي هي منبع الرحمة .
لذلك قال : "يرثني ويرث من آل يعقوب ". وميراثهم النبوة والولاية والدعوة إلى الهداية والإبعاد عن الضلالة  

قال الشيخ رضي الله عنه :  (ثم ، إنه تعالى بشره بما قدمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا . فجاء بصفة "الحياة " ، وهي اسمه . وأعلم بسلامه عليه ، وكلامه صدق ، فهو مقطوع به . )
( اعلم ) من ( الإعلام ) . أي ، بشر الحق زكريا بأن ابنه موصوف ب‍ ( السلامة ) في أوليته وآخريته . أو يحيى عليه السلام ، بما قدمه من السلام عليه .
" يَايَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15) سورة مريم"
أي ، بما جعل في عينه الفائضة بالفيض الأقدس من الاستعداد والقابلية ليتجلى له الحق سبحانه باسم ( السلام ) ليسلم من الاحتجاب بالأنانية وظهور النفس بما يوجب البعد من الله يوم ولد ،
أي في أوليته ، ويوم يموت ، أي في آخريته ، ويوم يبعث حيا ، أي يوم تحققه بالوجود الحقاني الباقي بعد الوجود الفاني .
( فجاء ) أي ، الحق سبحانه . ( بصفة الحياة ) في قوله : ( يوم يبعث حيا ) .
وإنما قال : ( وهي اسمه ) أي ، اسم الحق ، أو اسم يحيى ، لأن الاسم والصفة باعتبار كونهما نسبا مترادفين ، وإن كان باعتبار آخر بينهما عموم وخصوص .
والإعلام ب‍ ( السلام ) يوم القيامة موجب لكماله ورفع درجاته في الآخرة ، لأن كلامه صدق مقطوع به .

قال رضي الله عنه :  ( وإن كان قول الروح . ) أي ، قول عيسى ، عليه السلام . ("والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " . أكمل في الاتحاد ، فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد ، وأرفع للتأويلات) . اعلم ، أن في هذا الكلام تقديما وتأخيرا.
تقديره : فهذا أكمل في الاتحاد والاعتقاد وأرفع للتأويلات ، وإن كان قول الروح أكمل في الاتحاد .
وإنما كان هذا أكمل في الاتحاد ، لأن قول الحق سبحانه : " وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا " .
عبارة عن تجليه له بما يوجب السلامة من أحكام الكثرة ونقائض الإمكان ، وارتفاع اللازم موجب ارتفاع الملزوم .
وإذا ارتفعت الكثرة والإمكان ظهرت الوحدة والوجوب الذاتي، فحصل الاتحاد من قول الحق. وهو أكمل مما لزم من قول العبد من الاتحاد هذا بالنسبة إلى أرباب الكشف والعرفان .
وأما بالنسبة إلى أهل الحجاب ، وهو أكمل بالاعتقاد ، لأن سلام الحق أقبل على النفوس من سلام العبد على نفسه . وأيضا أرفع للتأويلات .
بخلاف قول عيسى عليه السلام : فإنه يحتاج إلى أن يأول بأن لسانه لسان الحق بحكم الحديث المشهور ، فبالحق نطق وسلم على نفسه ، أو الحق سلم على نفسه في حجابية عيسى وتعينه


قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى ، إنما هو النطق ، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه . ولا يلزم للمتمكن من النطق ، على أي حالة كان . ) أي، المتمكن.

( الصدق فيما به ينطق . ) لإمكان أن يتكلم بكلام لا يكون مطابقا لما في نفس الأمر .
( بخلاف المشهود له ، كيحيى . ) حيث قال فيه الحق : ( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ) .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للإلتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه ، وإن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه من الله في ذلك وصدقه ، إذ نطق في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد . فهو أحد الشاهدين . ) أي ، على براءة أمه وقربه من الله وكونه نبيا

 ( والشاهد الآخر هز الجذع اليابس ، فسقط رطبا جنيا ) أي ، الشاهد الآخر على البراءة وكونه نبيا من عند الله ، قوله لها : ( وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا ) .
فهزت الجذع اليابس ، فتساقط التمر حال كونه رطبا جنيا .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (من غير فحل ولا تذكير ، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد ، لو قال ) أي ، حتى لو قال :
( نبي : آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط . فنطق الحائط ، وقال في نطقه : تكذيب قد ما أنت رسول الله ، لصحت الآية وثبت بها أنه رسول الله . ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط . فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمه إليه وهو في المهد ، كان سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه . )
أي ، لما دخل احتمال عدم الصدق في قول عيسى ، عليه السلام ، عند الجاهل بالحقائق والأسرار الإلهية ، حين تكلم بإشارة أمه إليه في براءة ذمتها عما نسبوها إليه ، كان سلام الله على يحيى أرفع من سلام عيسى على نفسه من هذا الوجه .

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( فموضع الدلالة أنه عبد الله ، من أجل ما قيل فيه إنه ابن الله . وفرغت الدلالة بمجرد النطق . وأنه عبد الله عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوة ، وبقى ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد . فتحقق ما أشرنا إليه . ) أي ، متعلق الدلالة في قوله : ( إني عبد الله ) .
أنه عبد الله لينفى ما يقال فيه : إنه ( ابن الله ) . كأن روحه استشعر بأن أكثر أمته يذهبون إلى أنه ابن الله ، فبدأ بقوله : ( إني عبد الله ) . نفيا لما عندهم .
وذلك لأن الأرواح الكاملة قد يكون بحيث لا يخفى عليها جميع ما يجرى في هذا العالم قبل ظهورها فيه ، لما يشاهد إياه في ألواح كتب السماوات وأرواحها عند المرور عليها .
ويكون ما يشاهد مستصحبا معه باقيا في حفظه ، كما سئل بعضهم : أتذكر عهد (ألست بربكم)؟
قال : كأنه الآن في أذني .
وقال آخر : كأنه كان أمس . فقال بعضهم : أذكر ست مواطن آخر للعهد .

( وفرغت الدلالة بمجرد النطق . ) أي ، تمت الدلالة على أنه عبد الله عند الطائفة الأخرى من أمته القائلة بنبوته .
وإن لم يقل إني عبد الله ، فإنه بمجرد إتيانه بالنطق حصلت الدلالة على كونه عبد الله ونبيا من أنبيائه ، صادقا فيما قال الشيخ رضي الله عنه : "إني عبد الله آتاني الكتاب والحكم والنبوة ".
وقوله : ( وبقى ما زاد في حكم الاحتمال ) أي ، عند الجاهلين بحسب نظر عقولهم المشوبة بالوهم ، إذ يتوهم الجاهل أنه يمكن أن يكون كاذبا في قوله : "آتاني الكتاب والحكم والنبوة " .
وفي قوله : ( والسلام على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) .
ويبقى الاحتمال مستصحبا معهم إلى أن يظهر عندهم نور الإيمان به ويرتفع عندهم حجاب الكفر.
لا بحسب نظر عقول المنورة ، فإن نطقه في المهد وفي جميع قرائن أحواله براهين لائحة وآيات واضحة ودلائل شاهدة على صدقه في كل ما يقول ويخبر به ، وهو في المهد .
( فتحقق ما أشرنا إليه . ) أي ، من الأسرار واللطائف فيما قال الحق في يحيى وقال عيسى في نفسه من السلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، تهتدي بلطائف أخر .
والله الهادي .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment