Sunday, February 9, 2020

السفر الحادي والعشرون فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الحادي والعشرون فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

السفر الحادي والعشرون فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية الفقرة الثالثة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

موسوعة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي جامعها لإظهارها عبدالله المسافر بالله
جواهر النصوص في حل كلمات الفصوص شرح الشيخ عبد الغني النابلسي 1134 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أنّ الأثر لا يكون إلّا للمعدوم لا للموجود ، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم : وهو علم غريب ومسألة نادرة ، ولا يعلم تحقيقها إلّا أصحاب الأوهام ، فذلك بالذّوق عندهم . وأمّا من لا يؤثّر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة اللّه في الأكوان سارية  ... وفي الذّوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرّحمة المثلى إذا علمت  ...  من الشّهود مع الأفكار عالية)

قال رضي الله عنه :  (وقد ذكرنا في) كتاب الفتوحات المكية أن الأثر الحادث من العين الثابتة في العدم الأصلي (لا يكون) ذلك الأثر مستندا (إلا للمعدوم) في نفسه الموجود فيما هو أصله بوجود أصله لا بوجود آخر كالأسماء الإلهية ، فإنها كلها مراتب واعتبارات للذات الإلهية الموصوفة بها المسماة بها أزلا وأبدا عندها فهي معدومة العين موجودة الأثر لأنها مراتب الذات الإلهية لا عينها ولا غيرها لا يكون الأثر (للموجود) أصلا (وإن كان) الأثر (للموجود) ، أي نسب إليه بمقتضى الظاهر
قال رضي الله عنه :  (كما يقال) : هذا أثر اللّه تعالى في القديم ، قال سبحانه : هذا خلق اللّه .
ويقال في الحادث هذا فعل زيد وكتابة عمرو ونحو ذلك .

قال تعالى :فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ[ التوبة : 105 ] ، فنسب تعالى العمل للمخاطبين (فبحكم ، أي فهذه النسبة حينئذ بحسب ما اتصف به ذلك الموجود من الأمر (المعدوم وهو مرتبة اللّه تعالى التي هي قدرته مثلا في قولنا : هذا أثر اللّه وهذا خلق اللّه ، أي أثر قدرة اللّه تعالى وخلقها والقدرة مرتبة للّه تعالى لا هي ذاته ، لأنه ذاته موجودة ولا أثر للموجود وإنما المرتبة معدومة في نفسها فلها الأثر،
وكذلك في الحادث قولنا : هذا فعل زيد وكتابة عمرو أي فعل قدرته وكتابة صفته لا أن ذلك منسوب إلى ذاته الموجودة إذ لا أثر للموجود ، وإنما ذلك منسوب إلى مرتبة زيد وعمرو هي صفته القائمة بذاته التي إذا توجه بها على الأثر ، ظهر الوجود في الأثر بنقلها ذلك الوجود عن الذات الموجودة ،
ولهذا تسمى القدرة في الحوادث عرضا لاتصافها بالوجود الذاتي ساعة نقله إلى الأثر وهي معدومة في نفسها ، ولا تسمى في الحق تعالى عرضا لعدم ورود ذلك ، ولأنه يقتضي المشابهة للحوادث ، ولأن العرض فان مضحمل وذلك محال على الحق تعالى .

قال صدر الدين القونوي تلميذ المصنف وابن زوجته رضي اللّه عنهما في كتابه «مفتاح الغيب» الأثر لا يكون لموجود أصلا من حيث وجوده فقط بل لا بد من انضمام أمر آخر خفي إليه يكون هو المؤثر أو عليه يتوقف الأثر،
والأثر نسبة بين أمرين مؤثرين فيه ومؤثر، ولا تتحقق نسبة ما بنفسها فتحققها بغيرها، ولا يجوز أن يكون ذلك الغير هو الوجود، فإن الوجود لا يظهر عنه ما لا وجود له ولا يظهر عنه أيضا عينه .

ولما كان أمر الكون محصورا بين وجود مرتبة وتعذر إضافة الأثر إلى الوجود الظاهر لما مر تعين إضافته إلى المرتبة ، ومرتبة الوجود المطلق الألوهية فإليها وإلى نسبها المعبر عنها بالأسماء تستند الآثار ، والمراتب كلها أمور معقولة غير موجودة في أعيانها ،
فلا تحقق لها إلا في العلم كأعيان الممكنات قبل انصباغها بالوجود العام المشترك بينها وبما ذكرنا من أمر المراتب ، تتميز عن الأرواح والصور ، فإن الأرواح والصور لها وجود في أعيانها بخلاف المراتب ، وكذلك سائر النسب فافهم .
وإذا عرفت هذا علمت أنه لا أثر إلا الباطن ، وإن أضيف إلى الظاهر لغموص سره وصعوبة إدراكه بدون الظاهر ،
فمرجعه في الحقيقة أعني الأثر إلى أمر باطن من ذلك الظاهر أو فيه ، فاعرف ، وفي محل آخر من الكتاب المذكور لا شك في استناد العالم إلى الحق من حيث مرتبته المسماة ألوهية ، ولهذه الألوهية حقائق كلية هي جامعتها وتسمى في اصطلاح أهل الظاهر الصفاتيين وغيرهم حياة وعلما وإرادة وقدرة والألوهية مرتبة للذات المقدسة ونسبتها إليه نسبة السلطنة إلى السلطان والخلافة إلى الخليفة ، والنبوّة إلى النبي يعقل التمييز بينهما حقيقة وعلما ،

أي بين المرتبة وصاحبها من سلطان وخليفة وسواهما ، ولا يظهر في الخارج للمرتبة صورة زائدة على صاحبها لكن يشهد أثرها ممن ظهر بها ما دام لها الحكم به وله بها ، ومتى انتهى حكمها به ومن حيث هو لم يظهر عنه أثر وبقي كسائر من ليست له تلك المرتبة .

قال رضي الله عنه :  (وهو) ، أي ما ذكر من هذا الحكم (علم غريب) بين غير أهله ومسألة نادرة في الواقع لقلة من ينتبه إليها ويطلع عليها (ولا يعلم تحقيقها) ، أي إدراكها على وجه التحقق لها (إلا أصحاب الأوهام) ، أي الذين استولت على أفهامهم أوهامهم فتحكم عقولهم بوجود ما لا وجود له وترتب على ذلك أمور كثيرة كالمتمسكين بالعلوم الظاهرة عامتهم وخاصتهم

قال رضي الله عنه :  (فذلك) ، أي العلم المذكور لهذا الحكم (بالذوق) ، أي الوجدان النفساني (عندهم) ، فلا يتكلفون له (وأما من لا يؤثر الوهم فيه) ولا يستولي عليه من أهل هذه الطريقة الإلهية (فهو بعيد عن هذه المسألة) فلا يقدر يتحقق بصدور الأثر عن المعدوم ولا عن الموجود بحكم المعدوم أصلا ، بل يرى المراتب الأسمائية والكونية مترتبة على حسب ما هي عليه أزلا وأبدا ، وليس منها مؤثر ولا أثر إلا بحكم التعريف الشرعي والدلالة الإلهية ،

ويرى الوجود الحق الواحد المطلق يتجلى بتلك المراتب كلها ظاهرا وباطنا على ما هو عليه في ذاته سبحانه أزلا وأبدا ، فلا معنى لمسألة الأثر عنده في نفس الأمر لانخراق حجاب الوهم له دون الأوّلين المذكورين ، وإذا علمت ما ذكر .

قال رضي الله عنه :  (فرحمة اللّه) تعالى الواسعة (في) جميع الأكوان الحادثة سارية بصفة القيومية على كل شيء فلا قيام لشيء إلا بها وفي الذوات كلها حتى الذات الإلهية من حيث ظهورها بأعيان الأسماء الأزلية الأبدية وفي الأعيان أيضا ، أي أعيان تلك الذوات وهي أسماؤها حادثة كانت أو قديمة جارية تلك الرحمة أيضا ، أي ظاهرة منها .

قال رضي الله عنه :  (مكانة) ، أي مرتبة (الرحمة) الإلهية (المثلى) ، أي الشريفة التي يتمثل بها ويتشبه من يريد الظهور بالكمال وإن لم يكن موجود من يفعل ذلك إذا علمت بالبناء للمفعول أي علمها أحد (من) أهل (الشهود) ، أي المعاينة والكشف بالشهود (مع أهل (الأفكار) أيضا وإذا علمها أحد من أهل الأفكار بالأفكار كذلك عالية ، أي مرتفعة عن إداركه وإحاطته لكمال تنزيهها وعظمة إطلاقها حيث حكمت على كل ما هو دونها من الذوات والأسماء مطلقا ،

فهي ذات الذات بل ولا يقال فيها ذلك ، لأنه تعيين لها بأنها ذات ، وهي من حيث هي لا تتعين أصلا ولا باسم الرحمة إلا من حيث ما ورد عنها باعتبار مراتبها القابلة لظهورها بها ، ولا يعينها اسم الوجود أيضا ولا العدم ولا الإطلاق ولا نفس الأمر إلا من حيث مراتبها المذكورة .
قال المصنف قدس اللّه سره في ترجمان أشواقه:
إن سرت في الضمير يجرحها  ....  ذلك الوهم كيف بالبصر
لعبة  ذكرنا  يذوّبها   .....      لطفت  عن  مسارح  النّظر
طلب النّعت أن يبيّنها   ....    فتعالت فعاد ذا حصر
وإذا رام أن يكيّفها  ....  لم يزل ناكصا على الأثر
إن أراح المطيّ طالبها  ....  لم يريحوا مطية الفكر
روحنت كلّ من أشبّ بها ....  نقلته عن مراتب البشر
غيرة أن يشاب رايقها  ....   بالّذي في الحياض من كدر

شرح فصوص الحكم مصطفى سليمان بالي زاده الحنفي أفندي 1069 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات المكّي إن الأثر لا يكون إلا للمعدوم ) في الخارج مع كونه موجودا في الباطن

قال رضي الله عنه :  ( لا للموجود ) الخارجي ( وإن كان ) الأثر ( للموجود فحكم المعدوم ) فالرحمة وإن كانت لا عين لها في الخارج لكن لها أثر في كل ما له وجود في الخارج ( وهو ) أي كون الأثر للمعدوم لا للموجود ( علم غريب ومسألة نادرة ) إشارة إلى أن هذه المسألة لا تظهر بتمامها إلا منه وإن علمها غيره من أهل الحقيقة قوله ( ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام فلذلك ) العلم حاصل ( بالذوق عندهم ) إشارة إلى أن أصحاب الأوهام نادرا لوقوع وإنها غريب بين الناس لعدم المجانسة والمماثلة بهم فقوله
فذلك بالذوق عندهم أي أصحاب الأوهام يذوقون إن الأمور المعدومة تؤثر في وجودهم فمن لا وهم له لا ذوق له إن الأثر للمعدوم لا للموجود إذ الأمور المعدومة المتوهمة لا تدرك إلا بالوهم ( وأما من لا يؤثر الوهم فيه ) أي من لا يتوهم أمورا معدومة ولا يتأثر بإدراكها ( فهو بعيد عن ) علم ( هذه المسألة ) فإذا كان الأمر كذلك ( شعرفرحمة اللّه في الأكوان سارية ) وجودا :

قال رضي الله عنه :  ( وفي الذوات وفي الأعيان جارية ) حكما وفي اختصاص الجريان بالذوات والأعيان لها في الخارج إشارة إلى غاية لطافتها فكأنها تجري كالماء الجاري فإنها أنوار لطيفة ولا تحجب ما وراها ( مكانه الرحمة ) مبتدأ ( المثليّ ) خبره وجاء الخبر معرفا باللام لنكتة والجملة جزاء ،

لقوله رضي الله عنه : ( إذا علمت من الشهود ) وقوله ( مع الأفكار ) مفعول للشرط المقدر ( عالية ) خبر لمبتدأ محذوف والجملة جزاء للشرط المقدّر وباب التقدير واسع في الأبيات فمعناه مرتبة الرحمة الفضلى إذا علمت من الشهود وإذا علمت مع الأفكار فهي عالية فوسعت الرحمة العلم كلها ذوقيا أي فكريا كما وسعت الأمور كلها موجودها ومعدومها وكلام بعض الأفاضل في هذا المقام لا يناسب المقصود إذ المقصود بإيراد البيتين ذكر محصل التفضيل المذكور .

ونتيجة لذلك أورده بالفاء السببية فقسم الأشياء إلى الموجود والمعدوم وعبر عنهما بالأكوان والذوات وأدرج شمول الرحمة على كلها في البيت الأوّل وقسم العلم إلى الشهودي والفكري وأدرج وسعة الرحمة العلم فيهما في البيت الثاني فوسعت الرحمة كل شيء وجودا وحكما وعلما وهو المطلوب

شرح فصوص الحكم عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني 690 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.  وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة. فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية .. مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قلت : قال رضي الله عنه: إن رحمة الله وسعت كل شيء ومن جملة الأشياء الغضب، فإذا غضب، تبارك وتعالى، فقد رحم الغضب حيث أحياها فقد رحم الغضب ورحم الرحمة بايجادها ورحم أسمائه الإلهية باظهار متعلقاتها في الوجود العيني والذهني معا ورحم الشيئية بكونه شاءها سواء كانت اعتدالية أو انحرافية.

قوله: وقد ذكرنا في الفتوحات: إن الحكم إنما هو للمعدوم. 
قلت: للمعدوم الممكن لا للمعدوم الممتنع، وكذلك حكم الموجود باعتبار معدوم ما وأما كون من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد من هذه المسألة، فمن جهة أن توهم إمكان الموجود قبل وجودية" يستدعي بالذات ظهور ذلك الموجود فمن لا يعرف التوهم لا يفهم هذا الاقتضاء الخاص.

شرح فصوص الحكم الشيخ مؤيد الدين الجندي 691 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قال رضي الله عنه  : ( وقد ذكرنا في الفتوحات أنّ الأثر لا يكون إلَّا للمعدوم لا للموجود ، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم ، وهو علم غريب ومسألة نادرة ، لا يعلم تحقيقها إلَّا أصحاب الأوهام ، فذلك بالذوق عندهم ، وأمّا من لا يؤثّر الوهم فيه ، فهو بعيد عن هذه النسبة ( .

يشير إلى أنّ الأعيان الثابتة التي هي معدومة لنفسها هي المؤثّرة في الوجود الواحد الحق المنبسط عليها بالتعيين والتقييد والتكييف والتسمية بحسب خصوصياتها ، حتى تظهر الأسماء الإلهية والنسب الربانية ، ثم النسب الإلهية - التي هي من حيث هي نسب معدومة الأعيان ،
لا تحقّق لها إلَّا بين طرفيها من الحق - مؤثّرة أيضا في وجود الأشياء ، فالآثار كلَّها إن كانت من الإلهية ، فمن النسب العدمية ، وإن كانت منها مع الذات المتعيّنة بها ، فمن الوجود من حيث هذه النسب المعدومة الأعيان ،
وإن كانت من الأعيان الثابتة في الوجود الحق ، فالأثر للمعدوم العين ، وكذلك في الأكوان كلّ أثر يظهر من موجود ، فإنّه غير منسوب إلى وجوه من حيث هو وجود ، بل إلى عينه العدمية أو إلى وجوده المتعيّن بتلك الشيئية العدمية .

قال رضي الله عنه  : (  فرحمة الله في الأكوان سارية   ....  وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت  ....  من الشهود مع الأفكار عالية. (

شرح فصوص الحكم الشيخ عبد الرزاق القاشاني 730 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات المكية أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم، وهو علم غريب ومسألة نادرة لا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام فذلك بالذوق عندهم ، وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة ) .

أي لا يعتبر في تعلق الرحمة بالأشياء حصول غرض ولا ملاءمة طبع ، فإن الرحمة وسعت كل شيء فأوجدته سواء كان ملائما له أو غير ملائم ،
ثم ذكر أن الأعيان الثابتة المعدومة في أنفسها هي المؤثرة في الوجود الواحد الحق المنبسط عليها بالتعين والتقييد والتكييف والتسمية بحسب خصوصياتها حتى تظهر الأسماء الإلهية والنسب الزمانية ، ثم النسب الإلهية هي من حيث خصوصياتها معدومة الأعيان لا تحقق لها ، فإن حقيقتها لا تعقل إلا بين أمرين ، والموجود


هاهنا أحد طرفيها وهو الحق ، ولا مؤثر في وجود الأشياء إلا هي ، فالآثار كلها إن كانت من الأسماء الإلهية فهي من النسب العدمية ، وإن كانت من الذات المعينة بها فمن الوجود باعتبار هذه النسب العدمية الأعيان وحكم تعيناتها واقتضاء تلك التعينان المخصصة ،

"" أضاف بالي زادة :
( أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم ) في الخارج مع كونه موجودا في الباطن لا للموجود الخارجي ، فالرحمة وإن كانت لا عين لها في الخارج لكن لها أثر في كل ماله وجود في الخارج ، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام إشارة إلى أن المسألة نادرة ، وأصحاب الأوهام نادرة لأنهم يذوقون أن الأمور المعدومة تؤثر في وجودهم ، فمن لا وهم له لا ذوق له بأن الأثر للمعدوم لا للموجود ، لأن الأمور المعدومة المؤثرة لا تدرك إلا بالوهم. اهـ بالى زادة""

وإن كانت من الأعيان الثابتة في الوجود الحق فالأثر للمعدوم والعين وكذلك في الأكوان ، فإن كل أثر يظهر من موجود فإنه لا ينسب إلى وجوده من حيث هو وجود بل إلى عينه العدمية أو إلى وجوده المتعين بتلك النسب العدمية ،
وهذا علم غريب في غاية الغرابة ومسألة نادرة في غاية الندرة ، إذ لا يعقل أن العدم يؤثر في الوجود أي المعدوم من حيث كونه معدوما يؤثر في الشيء المعلوم فيوجده ،
ولهذا قال : لا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام : أي الذين يؤثرون الأشياء بالوهم فيوجدونها ، فإنهم يعلمون ذلك علم ذوق لا من يؤثر الوهم فيه ،
أي من لا يؤثر وهمه الموجود فيه في الأشياء ، أو من يتأثر من الوهم فهو بعيد من ذوق هذه المسألة ، وتحقيق ذلك أن الوجود المضاف إلى الأشياء أمر خيالي لا حقيقة له في عينه كما مر في مسألة الظل ،
وليس الوجود الحقيقي إلا حقيقة الحق ، فالوجود المعين الذي نسميه الوجود الإضافي وهو المقيد بتعين ما هو ذلك الوجود القائم بنفسه مع أمر عدمي يمنعه عن كماله الإطلاقى ويحصره في القيد الخلقي فنسميه وجودا خاصا وليس إلا ظهور الوجود الحق في صورة أمر عدمي إمكانى ،
فالظهور هو نفس تقيده الأمر العدمي الإمكانى الذي يحكم عليه بالحدوث ولا حدوث في الحقيقة إلا التعين الذي ينقص الوجود عن كماله والحقيقة بحالها على قدمها الأزلي

فهذا سر تأثير المعدوم ولا تأثير في الحقيقة إلا شوب العدم والحدوث بالوجود الحق والعدم في الظل الخيالي :
( فرحمة الله في الأكوان سارية  ....   وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت   ....  من الشهود مع الأفكار عالية )
المكانة المرتبة الرفيعة والمنزلة العلية ، والمثلي : تأنيث الأمثل بمعنى الأفضل ، قال تعالى :" ويَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى " أي منزلة الرحمة التي هي أفضل أنواعها ، إذا علمت من طريق الشهود كانت تعلو الأفكار ، أي أجلّ وأعلى من أن تعلم بطريق الفكر .
"" أضاف بالي زادة :
لما قسم الأشياء إلى الموجود والمعدوم وعبر عنهما بالأكوان والذوات وأدرج شمول الرحمة على كلها في البيت الأول ، وقسم العلم إلى الشهودي والفكري وأدرج وسعة الرحمة العلمي فيهما في البيت الثاني ، فوسعت الرحمة كل شيء وجودا وحكما وعلما وهو المطلوب اه بالى .
ولهذا أي ولكون الرحمة ناظرة في عين ثبوت كل موجود ، رأت الحق المخلوق إلخ فرحمته بنفسها ، أي رحمت الرحمة الحق المخلوق بنفس الرحمة بالإيجاد ، أي بإيجاد نفسها فأوجدت الرحمة نفسها بالرحمة ، ثم أوجدت الحق المخلوق .اهـ بالى زادة""

مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم القَيْصَري 751هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في " الفتح المكي " أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود . وإن كان للموجود فبحكم المعدوم . وهو علم غريب ومسألة نادرة لا يعلم تحقيقها ) في بعض النسخ : ( حقيقتها ) . ( إلا أصحاب الأوهام ، فذلك بالذوق عندهم . وأما من لا يؤثر الوهم فيه ، فهو بعيد عن هذه المسألة . )
لما ذكر أن الرحمة وسعت كل شئ وجودا وحكما ، وذكر أن شيئية كل شئ ، حتى الأسماء الإلهية والأعيان الكونية ، كلها من الرحمة - والرحمة لا عين لها في الخارج فهي معقولة المعنى معدومة العين ،
وكأن قائلا يقول : كيف يؤثر الرحمة في أعيان الأشياء وهي في نفسها معدومة فقال قد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم .
ولا يريد بالمعدوم المعدوم مطلقا ، لاستحالة التأثير منه ، بل المعدوم في الخارج الموجود في الباطن ، وذلك لأن جميع ما في الظاهر لا يظهر إلا من الباطن ، فالباطن المطلق هو الذات الإلهية ، فإن الحق غيب الغيوب كلها ، وقد علمت أنه من حيث ذاته غنى عن العالمين ومن
حيث أسمائه يطلب وجود العالم ،
فالعالم مستند إما إلى الحق من حيث الأسماء ، وإما إلى الأسماء ، وأياما كان ، يلزم المقصود ، لأن الأسماء ذات مع الصفات ، والصفات لا أعيان لها في الخارج لكونها نسبا ، فالمؤثر إن كان الذات ، فتأثيرها بحسب النسب التي لا أعيان لها في الخارج .
وإن كانت الصفات فلا أعيان لها فيه ، ومظاهر الأسماء التي هي الأعيان ثابتة في الحضرة العلمية ، ما شمت رائحة الوجود الخارجي بعد ، والموجود هو الوجود المتعين على حسبها ، لا الأعيان .
فصح أن المؤثر في الوجود هو الذي لا عين له في الخارج .

ثم ، تنزل بقوله : فإن كان للموجود حكم وأثر فهو أيضا بحكم المعدوم ، و هو المرتبة التي بها يحكم الوجود على الشئ . ألا ترى السلطان ما دام متحققا بالسلطنة تجرى أحكامه وينفذ أوامره في رعاياه ولو كان صبيا ، وعند انعزاله من السلطنة ، لا ينفذ له حكم أصلا مع أنه موجود ، وكذا الوزير والقاضي وجميع أصحاب المناصب .

ولما كان هذا المعنى غير مشعور به مع وضوحه وحقيته ، قال : ( وهو علم غريب ومسألة نادرة . ) قوله : ( ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام . )
أي ، الذين يتوهمون أمورا لا وجود لها ، وتنفعل نفوسهم منها ويتأثر انفعالا عظيما وتأثرا قويا ، هم الذين يدركون بالذوق الأمور المعدومة المتوهمة كيف تؤثر فيهم .

وأما من لا يتأثر من الوهم ، أي ما يدركه الوهم من الأمور المعدومة المتوهمة ، فليس له نصيب من هذه المسألة بحسب الذوق .

وقيل معناه : أي ، الذين يؤثرون في الأشياء بالوهم فيوجدونها ، فإنهم يعلمون ذلك علم ذوق . وفيه نظر .
لأن الكلام في أن المعدوم يؤثر في الموجود ، لا أن الموجود يؤثر في المعدوم ، والوهم قوة موجودة في الخارج . والله أعلم ."" أضاف المحقق :
قال الشيخ الكبير مولانا صدر الملة والدين صدر الدين القونوي في المفتاح والنصوص :
( كما أنه من ذاق هذا المشهد وقد كان علم أن الأعيان الثابتة هي حقائق الموجودات وأنها غير مجعولة ، وحقيقة الحق منزهة عن الجعل والتأثر ، وما ثم أمر ثالث غير الحق والأعيان ، فإنه يجب أن يعلم أن إن صح ما ذكرنا أن لا أثر لشئ في شئ ، وأن الأشياء هي المؤثرة في أنفسها ، وأن المسمات عللا وأسبابا مؤثرة شروط في ظهور الأشياء في أنفسها ، لا أن ثمة حقيقة تؤثر في حقيقة غيرها ) . ""
(فرحمة الله في الأكوان سارية .... وفي الذوات وفي الأعيان جارية )
ولما كان الإيجاد باختفاء الهوية الإلهية في الصور الكونية الخلقية ، والأشياء ما وجدت إلا بالرحمة - والرحمة عين تلك الهوية في المرتبة الأحدية وإن كانت غيرها في المرتبة الواحدية - جعل الرحمة سارية في أعيان الأكوان ، كسريان الهوية فيها ، لأنها لازمة للهوية .
ولسريان الرحمة في الأكوان والأعيان يعطف بعضهم على بعض و يحن بعضهم بعضا .

( مكانة الرحمة المثلى إذا علمت .... من الشهود مع الأفكار عالية ) المكانة المرتبة العلية والمنزلة الرفيعة ، و ( المثلى ) الفضلي ، تأنيث ( الأفضل ) .
كما قال تعالى : ( ويذهبا بطريقتكم المثلى ) . أي ، إذا علمت مكانة الرحمة بطريق الشهود ، كانت عالية على الأفكار ، أي ، كانت بحيث لا تدركها الأفكار .

ف‍ ( عالية ) خبر المبتدأ . و ( مع ) بمعنى ( على ) . ولو قلنا معناه ، إذا علمت من الشهود والأفكار على سبيل الجمع بينهما ، أي إذا علمت عين الرحمة بالشهود ولوازمها بالأفكار ، ظهر علوها ومنزلتها الرفيعة ، ف‍ ( مع ) على معناه

خصوص النعم فى شرح فصوص الحكم الشيخ علاء الدين المهائمي 835 هـ
:
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أنّ الأثر لا يكون إلّا للمعدوم لا للموجود ، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم ، وهو علم غريب ، ومسألة نادرة ، ولا يعلم تحقيقها إلّا أصحاب الأوهام ، فذلك بالذّوق عندهم ، وأمّا من لا يؤثّر الوهم فيه ؛ فهو بعيد عن هذه المسألة .فرحمة اللّه في الأكوان سارية ... وفي الذّوات وفي الأعيان جارية .. مكانة الرّحمة المثلى إذا علمت ... من الشّهود مع الأفكار عالية)

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر ) أي : أثر الرحمة ، وهو الإيجاد ( لا يكون إلا للمعدوم ) لا للموجود لما فيه من تحصيل الحاصل ، ( وإن كان ) الأثر ( للموجود ) ، كما قيل :  لو كان للمعدوم لاجتمع الموجود والعدم ، ( فبحكم المعدوم ) كان يقابل أنه للموجود بذلك الإيجاد ، وتحصيل الحاصل إنما يكون لو كان بإيجاد آخر ، ولا شكّ أن الموجود بهذا الإيجاد معدوم عنده أو في حكمه ، ( وهو ) أي : القول بكون الأثر للموجود بحكم المعدوم ( علم غريب ) ، فإن المتكلمين ما قالوا إلا بالوجود المحض أو العدم المحض ، وما قالوا بالجمع بينهما إن كان في المتكلمين قائل بذلك ؛
فهي ( مسألة نادرة ) لا توجد في عامة الكتب ، ( ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام ) ، إذ أرباب العقول يرون أنه جمع بين النقيضين ، ( فذلك ) العلم إنما يحصل ( بالذوق عندهم ) لا بتجاوزهم إلى غيرهم ، إذ تعارض العقل الوهم فيرده في حقهم ، ولا يمكنه ردّ الحاصل بالذوق في حق أرباب الذوق منهم ، لكن يحصل لصاحب الوهم إذا لم يحصل له ذوق نوع قرب من المسألة .

قال رضي الله عنه :  ( وأما من لا يؤثر الوهم فيه ، فهو بعيد عن هذه المسألة ) ؛ لتجرد العقل في حقه ، وهو قادح ولا معارض في حقه ، وإن كانت رحمة اللّه مؤثرة في إيجاد موجود بحكم المعدوم ، ( فرحمة اللّه في الأكوان ) التي هي الموجودات المحدثة ( سارية ) سريان الكلي الذاتي في جريانه ، ( وفي الذوات وفي الأعيان ) التي هي المعدومات الثابتة الظاهرة عند ظهور الوجود بها ، وفيها ( جارية ) جريان الغرض العام على مغروضاته ، وعند ذلك فلا تعرف أن محلها الأصلي الأكوان والأعيان أو بالشهود ،

وإليه الإشارة بقوله : ( مكانة الرحمة المثلى ) صفة المكانة ( إذا علمت من الشهود ) علم أنها ( مع الأفكار عالية ) ، فإن الأفكار ترى تعلقها بالأعيان فتتميز في أنها حين تعلقها ، هل هي موجودة أو معدومة ؟
وفي الأول تحصيل الحاصل ،
وفي الثاني اجتماع النقيضين ،
وصاحب الشهود يقول : إن تعلقها الأول بالأكوان المتعلقة بالأعيان ، فهي تتعلق بالموجود بحكم المعدوم ؛ فافهم ، فإنه مزلة للقدم .
وإذا كانت الرحمة جارية على الأعيان التي كان لها الوجود بالقوة ، ولم يخرج إلى الفعل.

شرح فصوص الحكم الشيخ صائن الدين علي ابن محمد التركة 835 هـ :
قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

الأثر للمعدوم ، لا للموجود
ثمّ إنّه قد ظهر لك من تحقيقه هذا أنّ الوجود أثر طلب الأعيان الثابتة في العدم ، إذ طلبها للوجود إنما يكون عند خلوّها عنه ضرورة ، وإلا لزم طلب الحاضر وتحصيل الحاصل فقال مفصحا عن أنّه مجرّد الاستبعاد الناشئ عن عدم حكم الجمعيّة القلبيّة الإنسانيّة وعزلها عند استكشاف الحقائق عن صدد الاعتبار والاعتداد :

قال الشيخ رضي الله : (وقد ذكرنا في الفتوحات أنّ الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود ) ، فإنّ التوجّه نحو الأثر إنما يتصور عند فقد المتوجّه ما يستحصل بذلك الأثر ، فذلك المتوجه إمّا أصل القابليّة الأولى ، الفاقدة سائر الأسماء ، الخالية عن الكلّ حتى الرحمة والوجود ، فإنّها الطالبة إيّاها ، المستجلبة لها ، المؤثّرة فيها فذلك الأثر للمعدوم ، لا للموجود .
""  قال الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات الباب التاسع والخمسون وخمسمائة : 
لأن الأمور إنما هي بغاياتها ولها وجدت ،
قال عز وجل وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ،
فاعتبر الغاية وإن تأخرت في الوجود مثل طالب الاستظلال بالسقف فحركته الغاية إلى ابتدائها، فما وقعت العبادة إلا بعد الخلق ، فالغاية هي التي أبرزتهم إلى الوجود
فهي المبتدأ وإن تأخرت في الوجود فما تأخرت بالأثر فإن الحكم والأثر لها
ولذلك قلنا إن الأثر أبدا في الموجود إنما هو للمعدوم والغاية معدومة ولهذا يصح من الطالب طلبها
لأن الموجود غير مراد فالغاية المعدومة هي التي أثرت الإيجاد أو هي سبب في أن أوجد الحق ما أوجده مما لم يكن له وجود عيني قبل هذا الأثر السببي،
ويسمونه بعض العلماء العلة وبعضهم يسميه الحكمة وبعد أن عرف المعنى فلا مشاحة في الإطلاق ومن ذلك الجهر والهمس لفظ النفس
الأمر في العقل وفي النفس   .....   مقرر في الجهر والهمس
فكل ما يشهده ناظري   .....   أدركه بالعقل والحس
وأشهد المعنى الذي ساقه   .....   ولست من ذلك في ليس  ""

وأمّا حقيقة الحقائق عند تطوّرها في أطوار المراتب الاستيداعيّة منها والاستقراريّة ، فذلك الأثر قال الشيخ رضي الله : ( وإن كان للموجود ) ولكن إذ كان التوجّه له نحو الأثر إنما ينبعث عند عثوره بفقد المستحصل به ، الحاصل منه ، يكون الحكم والقهرمان في هذه الصورة أيضا للمعدوم وإليه أشار بقوله : ( فبحكم المعدوم ) .

وهذا يناسب ما تسمع الحكماء يقولون : « إنّ الغاية علَّة عليّة الفاعل » وهي حينئذ معدومة ، وإن كان ذوو النظر منهم يعكسون القضيّة ويحكمون جزما بأنّ الأثر إنما يكون للموجود ، والمعدوم لا أثر له ويجعلون هذا الحكم مبادئ مسائلهم ومباني أصولهم ومقاصدهم .

ولذلك قال الشيخ رضي الله : (وهو علم غريب ) - فإنّه بعيد عن مدارك العقل الذي ما جاوز عما هو خاصّة مرتبته ، ولا تلطَّف من هذا الامتزاج الجمعي بعض التلطَّف ، ولا تقلَّب بهذه التقلَّبات البرزخيّة القلبيّة بعض التقلب –
( ومسألة نادرة ) فإنّ أكثر المسائل في عرف تخاطب هذا المصطلح مبنى براهينها على الاستدلال بوجود الأثر على وجود المؤثّر ، والجزم بوجود المعلول عند العثور على وجود علَّته وهذه المسئلة نادرة بين تلك المسائل ، حيث أنّ مبنى حكمها على عكس ما عليه مباني البراهين اليقينيّة الكاشفة عن الأحكام أنفسها .

فلئن قيل : لو اعتبر اصطلاح التخاطب في استعمال المسألة لا يصحّ أصلا ، فإن المسألة في عرف التخاطب بين أرباب هذه الصناعة هو ما برهن عليه ، ولا برهان على هذا الحكم ، فكيف يكون مسألة ، حتّى يقال : إنّها نادرة ؟

قلنا : كأنّ الغرض في استعمال لفظ « المسألة » هاهنا التنبيه على أنّها مما يمكن أن يبرهن عليها لذوي القرائح اللطيفة ،
والخواطر الفارغة الخفيفة وذلك أنّه لو اعتبر حيثيّة التأثير في المؤثّر لا يمكن أن يكون بذلك الاعتبار موجودا عند المتفطَّن الذي لا يقصر أمر الحكم في الحقائق على ما هو مجرّد العقل وفيما سبق لك هاهنا من كلام الحكماء دلالة بيّنة على حقيقة الأمر ،
فإنّ الغاية إذا كانت علَّة لعليّة الفاعل والسبب المحرّك له نحو تحصيل المعلول وإيجاده في مرتبة تكون الغاية معدومة فيها ، كانت العلَّة الفاعلية فيها معدومة ، وإن

كان لها حظَّ من الوجود في مرتبة أخرى ولكن الكلام في أنّ الأثر - حيثما كان - إنما هو للمعدوم فيه وهذا البرهان إنما هو لمن جمع بين سائر القوى الإدراكيّة التي في الجمعيّة القلبيّة الإنسانيّة ، غير عاذل ولا معطَّل لشيء فيها ، كما هو دأب المترهّبين من المتصوّفة والمتفلسفة.

العقل والخيال والوهم
ثم إنّ هاهنا نكتة حكميّة لا بدّ من الوقوف عليها ، وهي أنّ مقتضى نشأة العقل ومؤدّى مداركه وحكمه إنما هو التنزّه والتجرّد عن القيود المشخّصة مطلقا - صوريّة كثيفة ظلمانيّة كانت ، أو معنويّة لطيفة غير ظلمانيّة - فلا يكون مسرح أنظاره إلا الكليّات من المعاني المجرّدة عن الموادّ الهيولانيّة الظلمانيّة ،
والقيود المشخّصة الإمكانيّة ، والخيال - بما في حيطة حكمه من سدنة القوى الحسّية - يقابل العقل في مداركه فإنّه إنما يدرك الصور الجزئيّة المشخّصة ، المحفوفة بالغواشي الإمكانية والمواد الهيولانيّة
وأمّا الوهم فهو البرزخ الجامع بينهما ، فإنّه إنما يدرك المعاني المجرّدة عن الكثائف الهيولانيّة التي بها يتصوّر المعاني ، ولكن محفوفة بالمشخّصات المعنويّة فهو الجامع بين المدارك الجزئيّة الصوريّة التي هي مناط أمر التشبيه ، وبين المعاني الكليّة التي هي مظاهر حكم التنزيه .

ومن هاهنا تراه مبدأ أمر الوجد ومنشأ ظهور الشوق . وكأنّا قد أشرنا في كتاب المناظرات إلى مزيد بحث لذلك البحث ، فمن أراد الوقوف عليه فليطالع ثمة .

مدرك أصحاب الأوهام
وإلى مغزى هذه النكتة أشار بقوله : ( ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام ) الذين لم يقتصروا في هذه الجمعيّة الكماليّة الإنسانيّة على حكم العقل الصرف ، بل مزّجوه بما هو مقتضى هذا الاعتدال ، وقلَّبوا حكم العقل بالتقلَّبات القلبيّة ، ومدرك القلب هو المسمى بالذوق .

وإليه أشار بقوله : ( فذلك بالذوق عندهم ) الناشئ من إدراك المعاني الجزئيّة في المراتب ، لا بالفكر المستحصل من تعقّل الكلَّيات المجرّدة عن الموادّ جملة .

قال الشيخ رضي الله : ( وأمّا من لا يؤثّر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة ) فإنّ من الناس من سلَّط في محكمة علومه وإدراكاته العقل ، وعزل الوهم عنها ، وذلك إنما يتمّ له بفنون التعمّلات الشاقّة ، والرياضات المتعبة له فوق الطاقة فإنّه خلاف مقتضى هذه النشأة القلبيّة الإنسانيّة ، إذ الوهم في هذه النشأة له سلطان عظيم وقهرمان قوىّ على العقل ، ولذلك ترى العقل واقفا بما له من المقدّمات البيّنة الإنتاج عندما توقّف الوهم ، كما في صورة جماديّة الموتى وعدم الخوف من الجماد .

وذلك لأنّ حكم الجزئيّات في الوجود الخارجي وسائر المراتب الظهوريّة غالب على حكم الكليّات . حيث أنّها موطن ظهور الجزئيّات ، ونفاذ أحكامها .
والوهم هو الحاكم الفصل بين القوى المدركة للجزئيّات ، فإنّه المتدبّر في لطائف المعاني منها ، دون كثائف الصور ومن ثمة ترى مقاليد أحكام طرف التشبيه بيده - كما سيبيّن تحقيقه في الفصّ الآتي :-
ثمّ إنّ هذه المسألة أصلها من تأثير حكم المرتبة التي هي معدومة في نفسها .

وبيّن أن مبادئ التأثير من تلك المراتب إنما هي معاني جزئيّة مستحصلة من النسب العدميّة ، والوهم هو الذي يفهم ذلك الحكم بين المشاعر ، فمن لم يكن للوهم سلطان وتأثير في باطنه يكون بعيدا عن إدراك هذه المسألة .

مناقشة ما قاله بعض الشارحين
وإذا عرفت هذا ظهر لك أنّ من أوّل « الوهم » هاهنا بـ « الهمة المؤثّرة في الأشياء » بعيد عن إدراك هذا الموضع ، وكأنّه إنما حمله على ذلك ما سمعه من بعض أرباب النظر ومترهّبيهم - : « إنّ الوهم والخيال هما المانعان عن إدراك الحقائق ، فيجب عزلهما عن الحكم » وقصدهم في ذلك إنما هو تحقيق الحقائق التنزيهيّة ،
"" أضاف المحقق :
إشارة إلى ما قاله الكاشاني: « أي الذين يؤثرون الأشياء بالوهم فيوجدونها » . ""

فإنّ العلوم عندهم مقصورة عليها - ذاهلا عمّا مهّد الشيخ من الأصول النافية لذلك ، وعمّا سيحقّقه في الفصّ الإلياسي من أنّ التشبيه في عين التنزيه إنما يفهمه الوهم ، كما أن التنزيه في عين التشبيه إنما يدركه العقل .

ثمّ إذ قد انساق الكلام في بحث الرحمة إلى أنّ الأعيان والأكوان الجزئيّة الظاهرة في المراتب هي المؤثّرة في الرحمة الوجوديّة السارية فيها ، المكتسبة منها أحكامها . عبّر عن ذلك نظما ، مفصحا بقوله :
قال الشيخ رضي الله : ( فرحمة الله في الأكوان سارية ) ... بكمال لطفها وبكون ألطف ما في المراتب والعوالم من الذوات والأعيان ، فلذلك قال فيها « سارية » إشعارا لمعنى السري الذي هو السير بالليل لخفائه وبطونه .
قال الشيخ رضي الله : ( وفي الذوات وفي الأعيان جارية ) فإنّ الجريان إنما يقال لما له قوام وكثافة ما وظهور . ثم إنّ نسبة السراية والجريان في الجزئيّات المذكورة إنما هي مدرك الوهم الذي هو مؤسّس قواعد الشهود ، دون الفكر ،

ولذلك قال رضي الله عنه  : ( مكانة الرحمة المثلى إذا علمت .... من الشهود مع الأفكار ، عالية )
أي مكانة الرحمة وإن علمت مع الأفكار ، فهي عالية عنها لأن مدارك الأفكار والأنظار مقصورة على المجرّدات من الغواشي المشخّصة الخارجية واللواحق المعيّنة ، أعني الكليّات المنزهّة جملة عن الموادّ وما يتبعها .
ونبّه بلفظ « المعيّة » هاهنا إلى أنّ الأفكار أيضا من الأكوان التي سرت فيها الرحمة ، فيكون معها ، فالرحمة إذا علمت يكون معها الأفكار ، لا بها ومنها .
ثمّ إنّه إذا ظهر أنّ الرحمة هي التي بسريانها وجريانها وجدت الأكوان والأعيان .

شرح الجامي لفصوص الحكم الشيخ نور الدين عبد الرحمن أحمد الجامي 898 هـ :قال الشيخ رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر لا يكون إلا للمعدوم لا للموجود، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم: وهو علم غريب ومسألة نادرة، ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام، فذلك بالذوق عندهم.
وأما من لا يؤثر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة.
فرحمة الله في الأكوان سارية ... وفي الذوات وفي الأعيان جارية
مكانة الرحمة المثلى إذا علمت ... من الشهود مع الأفكار عالية )  

قال رضي الله عنه :  ( وقد ذكرنا في الفتوحات أنّ الأثر لا يكون إلّا للمعدوم لا للموجود ، وإن كان للموجود فبحكم المعدوم : وهو علم غريب ومسألة نادرة ، ولا يعلم تحقيقها إلّا أصحاب الأوهام ، فذلك بالذّوق عندهم .)

دفع ذلك بقوله : ( وقد ذكرنا في الفتوحات أن الأثر ) في أي مرتبة كان ( لا يكون إلا للمعدوم ) فيها ( لا للموجود فيها ) وإنما قيدناه بذلك لأن الأثر للمعدوم مطلقا ، وهذا يناسب ما تقوله أرباب النظر أن الغاية علة علية الفاعل ، وهي حينئذ معدومة ( وإن كان ) ذلك الأثر في بادىء النظر منه ( للموجود فبحكم المعدوم ) ، أي فهو في الحقيقة بانضمام أمر معدوم إلى ذلك الموجود والمركب من الموجود ، والمعدوم معدوم وقد مثلوا ذلك بالسلطان وتنفيذ أمره في رعاياه ، فإن ذاته ليس كافيا في ذلك بدون مرتبة السلطنة ،

وهي نسبة عدمية ( وهو علم غريب ومسألة نادرة ) ، لأنه خلاف ما يتبادر إليه العقل ( ولا يعرف تحقيقها ) معرفة ذوق وكشف ( إلا أصحاب الأوهام ) المؤثرة في وجودات الأشياء في بعض المراتب ( فذلك ) العلم ( بالذوق ) والكشف حاصل ( عندهم ) ، فإن ذلك التأثير منهم ، وإن كان من القوى بالوهمية التي هي من الموجودات العينية ، ولكن لا يكفي في ذلك مجرد ذواتها ما لم ينضم إليها نسبة عدمية كتوجهها نحو وجود الأمر المطلوب وجوده وتسليطها عليه .

قال رضي الله عنه :  ( وأمّا من لا يؤثّر الوهم فيه فهو بعيد عن هذه المسألة .فرحمة اللّه في الأكوان سارية  ... وفي الذّوات وفي الأعيان جارية مكانة الرّحمة المثلى إذا علمت ... من الشّهود مع الأفكار عالية .)

(وأما من لا يؤثر الوهم ) ، أي القوى الوهمية الكائنة ( فيه ) في وجودات الأشياء ولا يتحقق به شيء في المراتب ( فهو بعيد عن ) إدراك ( هذه المسألة ) ذوقا وكشفا .
وحمل بعض الشارحين أصحاب الأوهام على الذين يتصرف فيهم الأمور الموهومة المعدومة ويتأثرون منها ، ونفي التوجيه الأول بناء على أن الوهم قوة موجودة في الخارج ، وقد عرفت وجهه .

شعر ( فرحمة اللّه ) الموجودية التي هي نسبة عدمية ( في الأكوان ) ، أي المكونات ( سارية ) سريان الأرواح في الأشباح ( وفي الذوات ) الموجودة في العين ( وفي الأعيان ) الثابتة في العلم ( جارية ) جريان الماء في مجاريها من الأجسام النامية ( مكانة الرحمة ) ، أي مرتبتها ( المثلى ) صفة للمكانة ، أي الفضلى ( إذا علمت ) علم الذوق ( من الشهود ) مقارنا ( مع الأفكار ) .

يعني كأنها علمت بالذوق والوجدان أنها عين الوجود الحق منضما إليه نسبة عدمية هي العموم والانبساط علمت ذلك بالبرهان والدليل أيضا ( عالية ) بالنسبة إلى مكانتها المعلومة بأحد الوجهين

واتساب

No comments:

Post a Comment