Saturday, February 15, 2020

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

21 - فص حكمة مالكية في كلمة زكرياوية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ مصطفي بالي زادة الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
ولما كان أظهر مالكية الحق في وجود زكريا عليه السلام إذ أخذه بالشدة لأن المليك
يختلف هذا الفص عن غيره من فصوص الكتاب في أنّه لا ذكر فيه ، إلا في العنوان ، للنبي الخاص الذي تنسب إليه الحكمة .
وقد جرت العادة عند المؤلف في الفصوص الأخرى أن يجعل محور كلامه في كل فص حول مناقشة بعض الآيات القرآنية الواردة في حق النّبي المنسوب إليه حكمة الفص ، وأن يشرح على لسان النبي الموضع الحديث أسرار الحكمة التي يريد شرحها .

الشديد حتى قدّ بنصفين وصبر ولم يدع اللّه رفع ذلك فكان كيوم الدين كما أضاف الحق مالكيته إلى يوم الدين لظهور كمال مالكيته فيه في قوله مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ فكان اللّه مالك زكريا كما كان مالك يوم الدين فزكريا بمنزلة يوم الدين في تحققه بأحواله من ظهور الرحمة والنعمة فإن اللّه تعالى يرحم بعضا ويعذب بعضا في ذلك اليوم،
 فكما يظهر مالكيته بظهور الرحمة والعذاب بذلك اليوم لذلك أضاف إليه كذلك يظهر بظهورهما في هذا اليوم في وجود زكريا عليه السلام لذلك أضاف هذه الحكمة إلى كلمته وبين الرحمة والغضب في كلمته ليعلم أن الآلام الموجودة في وجوده رحمة به من اللّه لا إعراض عنه

فقال رضي الله عنه : ( اعلم أن رحمة اللّه تعالى وسعت كل شيء وجودا وحكما وإن وجود الغضب من رحمة اللّه بالغضب ) فرحمة اللّه قد ظهرت بصورة نفسها فقد سترت بصورة الألم لحكمة يعلمها ( فسبقت رحمته غضبه أي سبقت نسبة الرحمة إليه نسبة الغضب إليه ) فإن أول ما نسب إليه تعالى وجود الأعيان وهو عين الرحمة فسبقت نسبة الرحمة إليه على كل ما نسب إليه تعالى من الموجودات .

ولما دعي أن رحمة اللّه وسعت كل شيء أراد أن يثبته فقال ( ولما كان لكل عين وجود ) خاص بها ( تطلبه ) تطلب تلك العين ذلك الوجود الخاص بها ( من اللّه لذلك ) أي لأجل طلبها وجودها من اللّه ( عمت رحمته كل عين ) قوله لذلك يتعلق بعمت وعمت جواب لما وإنما عمت رحمته كل عين من أجل ذلك الطلب ( فإنه ) أي كل عين أو اللّه ( برحمته ) أي برحمة اللّه ( التي رحمه بها ) أي رحم الحق كل عين بتلك الرحمة ( قبل ) العين ( رغبته ) أي طلب كل عين من اللّه ( في وجود عينه ) الخارجي ( فأوجدها ) في الخارج بعد حصول قبول الطلب من اللّه

أو بعد قبول الحق طلبه قوله برحمته يتعلق بقوله قبل بكسر الباء ويجوز أن يكون قبل جواب لما والجملة اعتراضية أي لما طلب قبل طلبه فأوجدها أو معناه فإنه أي فإن اللّه تحقق برحمته التي رحم أي أوجد بها كل عين في علمه الأزلي قبل طلب كل عين وجوده الخارجي فالرحمة صفة أزلية للحق وذات الحق سابقة على كل عين وكذا لوازمه من صفاته :قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى[ الإسراء: 110 ].

فكل عين مع لوازمه رحمة من رحمة الرحمن بل الأسماء الإلهية كلها ونفس الرحمة رحمة من الاسم الرحمن فعموم الرحمة من أجل المعلومات
وما ذكره الشيخ في إثباته تنبيهات فقبل حينئذ بسكون الباء أو معناه فإنه أي فإن كل عين موجود بالوجود العلمي برحمة اللّه التي أوجد للَّه بها كل عين ويجوز أن يكون جواب لما فأوجدها ودخول الفاء لطول الكلام المعترض بينهما أي لما كان لكل عين وجود طلبه من اللّه أوحدها اللّه أي أعطى اللّه لها ما طلبها من الوجود فعلى أيّ حال والمقصود أن الطالب هو العين والمطلوب هو الوجود والطلب وقبوله تعالى كل ذلك من رحمة اللّه
وإليه أشار بقوله ( فلذلك ) أي فلأجل كون الأمر على ما حققناه من عموم رحمته تعالى

قال رضي الله عنه :  ( قلنا إن رحمة اللّه وسعت كل شيء وجودا ) بالنسبة إلى الأعيان الخارجية ( وحكما ) بالنسبة إلى الأعيان الثابتة في العلم إذ لا يحكم عليها ظاهرا بالوجود فكانت الأعيان الخارجية من رحمة اللّه وجودا والأعيان الثابتة من رحمة اللّه حكما أو معناه لا حكم إلا بها كما لا وجود إلا بها كما سنبينه عن قريب بقوله فلها الحكم والحكم ليس بموجود في الخارج ( والأسماء الإلهية من الأشياء ) فتدخل تحت الرحمة ( وهي ترجع إلى عين واحدة ) وهي العين الرحمانية ( فأوّل ما وسعت رحمة اللّه شيئية تلك العين الموجدة ) في الخارج ( للرحمة ) على غائية للإيجاد ( بالرحمة ) أي بسبب الرحمة وهي الحقيقة المحمدية التي هي عين الرحمة أوجدها اللّه بالرحمة رحمة للعالمين أي ليوجد العالمين من وجوده قال تعالى :وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ[ الأنبياء : 107].

وقال تعالى خلقتك من نوري وخلقت الأشياء من نورك فالرحمة شيء ( فأوّل شيء وسعته الرحمة نفسها ) أي نفس الرحمة ( ثم الشيئية المشار إليها ) بقوله شيئية تلك العين الموجودة والمراد بالمشار إليها وصف جيء به لبيان معنى الشيئية فالرحمة من حيث نفسها صفة ذاتية للحق ومن حيث شيئيتها حقيقة محمدية مظهر للاسم الرحمن شيئية الشيء ما به يتعين الشيء ويمتاز عن غيره وهي من لوازم الوجود ( ثم شيئية كل موجود يوجد إلى ما لا يتناهى دنيا وآخرة عرضا وجوهرا ومركبا وبسيطا ) وقوله جوهرا على لسان الظاهر إذ العالم كله عرض عند أهل الحقيقة ( ولا يعتبر فيها ) أي في الرحمة

قال رضي الله عنه :  ( حصول غرض ولا ملاءمة طبع بل الملائم وغير الملائم كله وسعته الرحمة الإلهية وجودا وقد ذكرنا في الفتوحات المكّي إن الأثر لا يكون إلا للمعدوم ) في الخارج مع كونه موجودا في الباطن

قال رضي الله عنه :  ( لا للموجود ) الخارجي ( وإن كان ) الأثر ( للموجود فحكم المعدوم ) فالرحمة وإن كانت لا عين لها في الخارج لكن لها أثر في كل ما له وجود في الخارج ( وهو ) أي كون الأثر للمعدوم لا للموجود ( علم غريب ومسألة نادرة ) إشارة إلى أن هذه المسألة لا تظهر بتمامها إلا منه وإن علمها غيره من أهل الحقيقة قوله ( ولا يعلم تحقيقها إلا أصحاب الأوهام فلذلك ) العلم حاصل ( بالذوق عندهم ) إشارة إلى أن أصحاب الأوهام نادرا لوقوع وإنها غريب بين الناس لعدم المجانسة والمماثلة بهم فقوله فذلك بالذوق عندهم أي أصحاب الأوهام يذوقون إن الأمور المعدومة تؤثر في وجودهم فمن لا وهم له لا ذوق له إن الأثر للمعدوم لا للموجود إذ الأمور المعدومة المتوهمة لا تدرك إلا بالوهم ( وأما من لا يؤثر الوهم فيه ) أي من لا يتوهم أمورا معدومة ولا يتأثر بإدراكها ( فهو بعيد عن ) علم ( هذه المسألة ) فإذا كان الأمر كذلك ( شعر فرحمة اللّه في الأكوان سارية ) وجودا :

( وفي الذوات وفي الأعيان جارية ) حكما وفي اختصاص الجريان بالذوات والأعيان لها في الخارج إشارة إلى غاية لطافتها فكأنها تجري كالماء الجاري فإنها أنوار لطيفة ولا تحجب ما وراها ( مكانه الرحمة ) مبتدأ ( المثليّ ) خبره وجاء الخبر معرفا باللام لنكتة والجملة جزاء ،

لقوله رضي الله عنه : ( إذا علمت من الشهود ) وقوله ( مع الأفكار ) مفعول للشرط المقدر ( عالية ) خبر لمبتدأ محذوف والجملة جزاء للشرط المقدّر وباب التقدير واسع في الأبيات فمعناه مرتبة الرحمة الفضلى إذا علمت من الشهود وإذا علمت مع الأفكار فهي عالية فوسعت الرحمة العلم كلها ذوقيا أي فكريا كما وسعت الأمور كلها موجودها ومعدومها وكلام بعض الأفاضل في هذا المقام لا يناسب المقصود إذ المقصود بإيراد البيتين ذكر محصل التفضيل المذكور .

ونتيجة لذلك أورده بالفاء السببية فقسم الأشياء إلى الموجود والمعدوم وعبر عنهما بالأكوان والذوات وأدرج شمول الرحمة على كلها في البيت الأوّل وقسم العلم إلى الشهودي والفكري وأدرج وسعة الرحمة العلم فيهما في البيت الثاني فوسعت الرحمة كل شيء وجودا وحكما وعلما وهو المطلوب
( فكل من ذكرته الرحمة فقد سعد وما ثمة ) أي وما في العالم ( إلا من ذكرته الرحمة ) فما في العالم إلا من سعد والمراد بالسعادة هاهنا النجاة عن ظلمة العدم لا السعادة المعتبرة في الشرع التي بها يحصل النجاة عن النار ( وذكر الرحمة الأشياء عين إيجادها إياها فكل موجود مرحوم ) فكل مرحوم سعيد

قال رضي الله عنه :  ( ولا تحجب ) على البناء للمفعول ( يا وليّ عن إدراك ما قلناه ) من أن رحمته وسعت كل شيء ( بما تراه من أصحاب البلاء وما ) أي وبما ( تؤمن ) أنت ( به من الآلام الآخرة التي لا تفتر عمن قامت به ) الآلام ( فاعلم أوّلا أن الرحمة إنما هي في الإيجاد عامة فبالرحمة بالآلام أوجد الآلام ) كما إن الرحمة أوجد الرحمة المطلقة .

قال رضي الله عنه :  ( ثم إن الرحمة لها الأثر بوجهين أثر بالذات وهو إيجادها كل عين موجودة ) وهو أثر الرحمة الرحمانية ( ولا تنظر ) الرحمة في الإيجاد ( إلى غرض ولا إلى عدم غرض ولا إلى ملائم بالطبع ولا إلى غير ملائم فإنها ناظرة في عين كل موجود قبل وجوده بل تنظره ) بنظرة ( في عين ثبوته ) وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره بل تنظره في عين ثبوته فإنها ناظرة في عين كل موجود قبل وجوده فقبل بسكون الباء لا على صيغة الماضي .

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي ولكون الرحمة ناظرة في عين ثبوت كل موجود ( رأيت الحق المخلوق في الاعتقادات عينا ثابتة في العيون الثابتة فرحمته بنفسها ) أي رحمت الرحمة الحق المخلوق بنفس الرحمة ( بالإيجاد ) أي بإيجاد نفسها فأوجدت الرحمة نفسها بالرحمة ثم أوجدت الحق المخلوق بنفسها ( ولذلك ) أي ولأجل أن الرحمة رحمت الحق المخلوق بنفسها بالإيجاد ( قلنا ) أي نقول عبر بالماضي لتحقق وقوع معناه أو لسبق هذا القول منه معنى في قوله فأول ما وسعته الرحمة نفسها ثم الشيئية المشار إليها

قال رضي الله عنه :  ( أن الحق المخلوق في الاعتقادات أول شيء مرحوم بعد رحمتها بنفسها في تعلقها بإيجاد المرحومين ولها أثر آخر بالسؤال ) وهو أثر الرحمة الرحمية ( فيسأل المحجوبون الحق أن يرحمهم ) بأن يغفر لهم عن ذنوبهم ويدخلهم الجنة ( في اعتقادهم ) يتعلق بالحق أن يسألون الحق الذي هو في اعتقادهم أن يرحمهم
قال رضي الله عنه :  ( وأهل الكشف يسألون رحمة اللّه أن تقوم بهم ) ومعنى قيام الرحمة بهم إتصافهم بالرحمة ( فيسألونها باسم اللّه ) أي يسألون الرحمة عن الحضرة الجامعة الإلهية فكم بين السؤالين ( فيقولون ) أي أهل الكشف في السؤال يا اللّه ارحمنا ولا يرحمهم إلا قيام الرحمة بهم لأن مرادهم بالسؤال هو لا غير كما إذا سأل أهل الحجاب

فقال في السؤال ( يا اللّه ارحمنا ولا يرحمهم إلا قيام ) أثر ( الرحمة بهم ) وهو الإستراحة في عيشة راضية وهو يعطي كل ذي حق حقه ولما كان إعتقاد المحجوبين مطابقا بما وصف اللّه به ذاته وصفاته وعرف به نفسه في الشرع المطهر أجاب اللّه سؤالهم وأعمالهم ويغفر لهم من ذنوبهم ويدخلهم الجنة إذ لا وسعة لكل أحد بهذا المقام في السؤال والأعمال فإذا كان لها الأثر بالذات والأثر بالسؤال

قال رضي الله عنه :  ( فلها الحكم ) في كل راحم ومرحوم لا لغيرها ( لأن الحكم إنما هو في الحقيقة للمعنى القائم بالمحل فهو ) أي هذا المعنى القائم بالمحل ( الراحم على الحقيقة ) لا المحل فالراحم هو الرحمة لا من اتصف بها ( فلا يرحم عباده المعتنى بهم ) وهم أهل الكشف والوجود ( إلا بالرحمة ) فقامت بهم

قال رضي الله عنه :  ( فإذا قامت بهم الرحمة وجدوا حكمها ) في أنفسهم ( ذوقا ) فإن الرحمة تحكم عليهم أن يرحموا من طلب منهم الرحمة فعلموا ذوقا كيف يرحمهم اللّه عباده فإن الرحمة حاكمة على الحق أن يرحم من يسأل الرحمة من عباده فإذا وجدوا حكم الرحمة فقد ذكرتهم الرحمة ( فمن ذكرته الرحمة ) أي قامت الرحمة به ( فقد رحم ) لكون الرحمة حاكمة عليه أن يرحم على غيره ممن يسأل الرحمة منه ( واسم الفاعل ) ممن ذكرته الرحمة ( هو الرحيم والراحم ) فكان رحيمية الرحيم أو الراحم من حكم الرحمة القائمة هي به

قال رضي الله عنه :  ( والحكم لا يتصف بالخلق لأنه أمر توجيه المعاني لذواتها ) لمن اتصف بها من الذوات فالرحمة معنى من المعاني لأنها لا عين لها في الخارج توجب الحكم لذاتها الذي لا عين له في الخارج لذلك قالرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍوجودا وحكما ولم يكتف بقوله وجودا والأمور التي توجبها المعاني أحوال فالحكم حال من الأحوال
قال رضي الله عنه :  ( فالأحوال لا موجودة ولا معدومة أي لا عين لها ) أي للأحوال ( في الوجود لأنها نسب ولا معدومة في الحكم لأن الذي قام به العلم يسمى عالما وهو ) أي كونه عالما ( الحال فعالم ذات موصوفة بالعلم فما هو ) أي فليس كون العالم ذاتا موصوفة بالعلم

قال رضي الله عنه :  ( عين الذات ) أي عين ذات العالم ( ولا عين العلم وما ثمة ) أي وليس في ذات موصوفة بالعلم ( إلا علم وذات قام بها هذا العلم وكونه ) أي وكون العالم ( عالما حال لهذه الذات باتصافها ) أي بسبب اتصاف الذات ( بهذا المعنى ) وهو ( العلم فحدثت نسبة العلم إليه ) أي إلى العالم بسبب اتصافه بالعلم ( فهو المسمى عالما ) وهو الحال ثم رجع إلى أصل المسألة التي هو بصددها فقال ( والرحمة على الحقيقة نسبة من الراحم وهي الموجبة للحكم)

في الراحم ( فهي الراحمة ) على الحقيقة لا الراحم بل الراحم إنما يرحم بسبب قيامها به ( والذي ) وهو الحق ( أوجدها في المرحوم ما أوجدها ليرحمه بها ) أي ليجعل الحق ذلك الشخص مرحوما ( وإنما أوجدها ليرحم بها من قامت ) الرحمة ( به ) ومن فاعل يرحم أي بل إنما أوجدها ليجعل ذلك المرحوم راحما لغيره فصار مرحوما للحق راحما لغيره ،

قال رضي الله عنه :  ( وهو ) أي الحق ( سبحانه ليس بمحل للحوادث فليس بمحل لإيجاد الرحمة فيه وهو ) أي والحال إن الحق ( الراحم ولا يكون الراحم راحما إلا بقيام الرحمة به فثبت أنه ) أي الحق ( عين الرحمة ومن لم يذق ) والذائق أهل الكشف فإنهم اجترءوا أن يقول إن الصفات عين ذاته تعالى ( هذا الأمر ) أي أمر الرحمة ( ولا كان له فيه قدم ) ومن كان له قدم في هذا الأمر أي علم في الجملة وهم الحكماء والمعتزلة فإنهم اجترءوا أن يقول إن ذاته عين صفاته ( ما اجترءوا أن يقول إنه ) أي الحق ( عين الرحمة أو عين الصفة فقال ) الذي لم يقل هكذا ( ما هو ) أي ليس الحق

قال رضي الله عنه :  ( عين الصفة ولا غيرها فصفات الحق عنده لا هي هو ولا هي غيره لأنه لا يقدر على نفيها ولا يقدر أن يجعلها عينه ) لعدم ذوقه الأمر على ما هو عليه وهم الأشاعرة ( فعدل إلى هذه العبارة وهي عبارة حسنة وغيرها ) أي وغير هذه العبارة ( أحق بالأمر منها ) أي أحق بالدلالة على الأمر على ما هو عليه في نفسه من هذه العبارة

قال رضي الله عنه :  ( وأرفع للإشكال ) وهو كون الحق محلا للحوادث إذا لم يكن عينها فإنه وإن رفع الأشكال بهذه العبارة الحسنة لكنه أرفع بغيرها ( وهو ) أي ذلك الغير ( القول بنفي أعيان الصفات وجودا ) في الخارج ( قائما بذات الموصوف وإنما هي نسب وإضافات بين الموصوف بها وبين أعيانها المعقولة ) فصفات الحق موجودة زائدة على ذاته في العقل فإن لها حقائق معقولة ممتازة وأما في الخارج فلا أعيان لها فلا وجود فكان وجودها في الخارج عين ذاته تعالى والتحق الحكماء والمعتزلة في هذه المسألة بأهل الحق

قال رضي الله عنه :  ( وإن كانت الرحمة ) في المرتبة الرحمانية الإجمالية وهي مرتبة اسم اللّه واسم الرحمن ( جامعة ) لأنواعها ( فإنها بالنسبة إلى كل اسم إلهي مختلفة فلهذا ) الاختلاف ( يسأل ) على البناء المجهول أو على البناء المعلوم أي يسأل العبد ( سبحانه ) وكذلك ( أن يرحم ) جاز فيه الوجهان قوله ( بكل اسم إلهي ) يجوز أن يتعلق بيرحم وأن يتعلق بيسأل فأيهما أعمل قدّر مفعول الآخر فهو من باب التنازع ( فرحمه اللّه ) أي رحم اللّه ذلك السائل،

قال رضي الله عنه :  ( والكناية ) وهي ضمير المتكلم في ورحمتي وسعت كل شيء ، والخطاب فيرَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ ( هي التي وسعت كل شيء ) إذ ذاته تعالى عين الرحمة فوسعة الرحمة وسعة ذات الحق ( ثم ) أي بعد جامعيتها ووسعتها كل شيء ( لها شعب كثيرة تتعدد بتعدد الأسماء الإلهية ) فإذا تعددت بتعدد الأسماء ( فما تعم بالنسبة إلى ذلك الاسم الخاص الإلهي ) الذي يسأل اللّه السائل بذلك الاسم الخاص الإلهي الحاصل ( في قول السائل يا رب ارحم وغير ذلك من الأسماء ) سواء كان من الاسم الجامع كالأسم اللّه والاسم الرحمن

( حتى المنتقم له ) أي للسائل ( بأن يقول يا منتقم ارحمني ) أي إرفع عني العذاب فإذا قلت يا اللّه أو يا رحمن أو غير ذلك ارحمني تريد الاتصاف بكمالات اللائقة بك فلا تعم الرحمة في قول السائل يا رب ارحم بالنسبة إلى اسم الرب جميع أنواع الرحمة بل تريد نوعا مخصوصا من أنواع الرحمة

قال رضي الله عنه :  ( وذلك ) أي بيان عدم عموم الرحمة ( أن هذه الأسماء ) وهي الأسماء الحسنى التي يدعو السائل بها الرحمة ( تدل على الذات المسماة وتدل بحقائقها ) الممتازة عن غيره ( على معان مختلفة فيدعو ) السائل ( بها في ) طلب ( الرحمة من حيث دلالتها ) أي من حيث دلالة الاسم المدعوّ ( على الذات المسماة بذلك الاسم لا غير ) أي اعتبر الداعي دلالة الاسم على الذات المسماة بهذا الاسم فقط

قال رضي الله عنه :   ( لا بما يعطيه مدلول ذلك الاسم الذي ينفصل ) ذلك الاسم ( به ) أي بذلك المدلول ( عن غيره ويتميز ) أي لا يدعو به في الرحمة من حيث دلالته على هذا المعنى يعني إذا قال المريض يا شافي ارحمني يدل الشافي على الذات وعلى معنى يمتاز به عن الاسم الآخر وذلك المعنى حقيقة كلية نوعية تحته خصوصيات كثيرة فإذا اعتبر هذا المعنى تعم الرحمة جميع ما تحته من الخصوصيات المتكثرة فلا نظر للسائل فيه حتى تكون الرحمة في سؤاله عامة بالنسبة إلى ذلك الاسم

قال رضي الله عنه :  ( فإنه ) أي الاسم الخاص ( لا يتميز عن غيره ) في الدلالة على الذات ( وهو ) أي ذلك الاسم الخاص ( عنده ) أي السائل ( دليل الذات ) لا دليل الحقيقة المتميزة إذ لا حاجة له في الحقيقة المتميزة بل حاجته في الذات التي هي قاضي الحاجات وقبلتها
( وإنما يتميز ) الاسم الخاص ( بنفسه عن غيره لذاته إذ المصطلح عليه بأيّ لفظ كان حقيقة متميزة بذاتها عن غيرها ) وهذا المعنى مسلوب في نظر السائل عن دلالة الاسم عليه ( وإن كان الكل قد سيق ليدل على عين واحدة مسماة ) وهي ذات الحق ( ولا خلاف في أنه لكل اسم حكم ليس للآخر فذلك الحكم أيضا ينبغي أن يعتبر ) في ذلك الاسم في السؤال

قال رضي الله عنه :  ( كما يعتبر دلالتها على الذات المسماة ) فإختصت الرحمة بحكم ذلك الاسم فما تعم الرحمة بالنسبة إلى ذلك الاسم فإذا قال المريض يا شافي ارحمني فلا يريد إلا صحة البدن بالخلاص عن المرض فقد اعتبر حكم الشافي في الرحمة وهي هذه الصحة المخصوصة وكذا في غيره فقد ظهر منه أن الرحمة تتعدد بتعدد الأسماء وتتبع حكم كل اسم دعيت به

قال رضي الله عنه :  ( ولهذا ) أي ولأجل سوق كل اسم للدلالة على عين واحدة مسماة بكل واحد منها ( قال أبو القاسم بن القيسي ) وهو من كبار أهل الطريق ( في ) تحقيق ( الأسماء الإلهية أن كل اسم إلهي ) على انفراده ( مسمى بجميع الأسماء الإلهية كلها إذا قدمته في الذكر نعته بجميع الأسماء وذلك ) النعت ( لدلالتها ) أي لدلالة الأسماء كلها ( على عين واحدة ) والعين تسمى بجميع الأسماء وكذا ما يدل عليها

قال رضي الله عنه :  ( وأن تكثرت الأسماء عليها ) أي على عين واحدة ( واختلف حقائقها أي حقائق تلك الأسماء ثم أن الرحمة تنال على طريقين طريق الوجوب ) يعني أوجب اللّه هذه الرحمة على نفسه لعباده الصالحين في مقابلة أعمالهم ( وهو ) أي طريق الوجوب

قال رضي الله عنه :  ( قوله تعالى فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) قوله ( وما ) أي الذي ( قيدهم به من الصفات العملية والعلمية ) عطف على قوله وهو قوله ( والطريق الآخر الذي ينال به ) العبد ( هذه الرحمة على طريق الامتنان الإلهي الذي لا يقترن به عمل وهو ) أي طريق الامتنان ( قوله تعالى :وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) وهو عام في حق كل شيء وهو الرحمة الذاتية ( ومنه ) أي من طريق الامتنان
قوله تعالى : لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ في حق نبينا عليه السلام وهي رحمة إمتنانية خاصة به عليه السلام ( ومنها قوله : « اعمل ما شئت فقد غفرت لك فاعلم ذلك » ) .
.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment