Saturday, February 15, 2020

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر
الفص اليحيوي
قال الشيخ رضي الله عنه :  (هذه حكمة الأوّليّة في الأسماء ، فإنّ اللّه سمّاه يحيى أي يحيا به ذكر زكريّا ولم يجعل له من قبل سميّا .
فجمع بين حصول الصّفة الّتي فيمن غبر ممّن ترك ولدا يحيى به ذكره ، وبين اسمه).

فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية
اعلم أن الصفات تنقسم بنحو من القسمة إلى قسمين صفات ذاتية وصفات جلالية ، والصفات الذاتية كالحياة والعلم وغيرهما الصفات الحالية كالغضب والرضا والقبض والبسط ونحو ذلك ، وهذه الصفة الحالية في اصطلاح أهل طريق اللّه يرجع إلى ثلاثة أصول أحدها ، مقام الجلال ، والآخر مقام الجمال ، والآخر مقام الكمال ، فلمقام الجلال الهيبة والقبض والخشية والورع والتقى ونحو ذلك ، ولمقام الجمال الرجاء والبسط واللطف والرحمة والنعيم والإحسان ونحو ذلك ، ولمقام الكمال الحيطة والجمال والجلال وتوابعهما من الأحوال والجمع بين ذلك تفاوضا ، فقال يحيى لعيسى كالمعاتب له لبسطه كأنك قد أمنت مكر اللّه وعذابه .
وقال له عيسى عليه السلام : كأنك آيست من فضل اللّه ورحمته فأوحى إليهما أن أحبكما إلي أحسنكما ظنا بي ، ولما كان من شأن الجلال القهر لما يقال له الغير والسوى ونفي ما يشعر بالثبوتية ، وذلك يستلزم الأولية وعدم المسبوقية بالغير ، وسرى المعنى في يحيى الذي هو مظهر صفة الجلال بعدم مسبوقيته بالغير في هذا الاسم .
أشار رضي اللّه عنه إلى ذلك المعنى بقوله : ( هذه ) ، أي الحكمة الجلالية ( حكمة الأولية في الأسماء ) ، يعني هذه الحكمة الجلالية التي تقتضي في الجناب الإلهي عدم المسبوقية بالغير في الوجود هي بعينها الحكمة التي تقتضي في يحيى الذي هو مظهر صفات الجلال الأولية وعدم مسبوقيته بالغير فيه ( فإن اللّه سماه يحيى أي يحيى به ذكر زكريا ولم يجعل له من قبل سميا ) فلم يكن في هذا الاسم مسبوقا بالغير ( فجمع ) اللّه ( بين ) الدلالة على ( حصول الصفة التي ) هي كائنة ( فيمن غبر ) ، أي مضى ( ممن ترك ) بيان لمن غبر أي فيمن مضى وترك ( ولدا يحيى به ذكره وبين اسمه ) ، أي الولد والمراد

قال الشيخ رضي الله عنه :  ( بذلك فسمّاه يحيى فكان اسمه يحيى كالعلم الذّوقيّ .
فإنّ آدم حيّي ذكره بشيث ، ونوحا حيّي ذكره بسام ، وكذلك الأنبياء ولكن ما جمع اللّه لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه وبين الصّفة إلّا لزكريّا عناية منه .
إذ قال :فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا[ مريم : 5 ] فقدّم الحقّ على ذكر ولده كما قدّمت آسية ذكر الجار على الدّار في قولها :عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ[ التحريم : 11 ] .
فأكرمه اللّه بأن قضى حاجته وسمّاه بصفته حتّى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيّه زكريّا ، لأنّه عليه السّلام آثر بقاء ذكر اللّه في عقبه إذ الولد سرّ إبيه ، فقال :يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ[ مريم : 6 ] وليس ثمّة موروث في حقّ هؤلاء إلّا مقام ذكر اللّه).

بجمعها أن في انفهام حصول صفة حياة الذكر في ذكرنا لا يحتاج إلى غير اسم يحيى ، فإنه باعتبار وضعه المعنى المنقول عنه يدل على حصول هذه الصفة لزكريا ، وباعتبار وضعه للمعنى المنقول إليه على ولده وحصول هذه الجمعية إنما هو ( بذلك ) المذكور من التسمية فالباء في بذلك متعلق بجمع .
وذلك إشارة إلى التسمية المفهومة من سماه بيحيى ( فسماه يحيى فكان اسمه يحيى ) من حيث انفهام حصول صفة حياة الذكر في زكريا منه من غير حاجة إلى أمر آخر ( كالعلم الذوقي ) فكما أن انفهام حصول هذه الصفة لا يحتاج إلى أمر غير اسم يحيى كذلك العلم الذوقي لا يحتاج سوى المعلوم المذوق ، بخلاف العلوم الاستدلالية المحتاجة في حصولها إلى الدلائل والبراهين ، وما فعل سبحانه ذلك إلا بزكريا عليه السلام ( فإن آدم حيي ذكره بشيث عليهما السلام ونوحا حيي ذكره بسام وكذلك الأنبياء ) الباقون ( ولكن ما جمع اللّه لأحد ) من الأنبياء في ولده قبل ولادة يحيى ( بين الاسم العلم ) الواقع ( منه تعالى وبين الصفة ) له الحاصلة في ذلك النبي ( إلا لزكريا ) ، أي لكن جمع لزكريا بينهما بعد ولادة يحيى فالمستثنى منقطع كما لا يخفى ( عناية منه ) ، أي من اللّه وهذه العناية إنما تعلقت به ( إذ قال :فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا[ مريم : 5 ] فقدم الحق تعالى ) حيث كنى عنه بكاف الخطاب ( على ذكر ولده ) حين عبر عنه بالولي.

( كما قدمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها : عندك بيتا في الجنة فأكرمه اللّه ) ، أي زكريا
( بأن قضى حاجته ) بأن وهبه وليا طلبه ( وسماه ) ، أي ولده ( بصفته ) ، أي بصفة زكريا يعني بما تدل على صفته وهي حياة ذكره ( حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا لأنه عليه السلام آثر ) ، أي اختار على جميع المطالب ( بقاء ذكر اللّه في عقبه ) ، أي ولده ( إذ الولد سر أبيه ) ، فكما يتحقق أبوه يتحقق هو أيضا به ( فقال :يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وليس ثمة موروث في حق هؤلاء ) يعني زكريا وآل يعقوب ( إلا مقام ذكر اللّه ) وهو مقام الولاية

قال الشيخ رضي الله عنه : (والدّعوة إليه .
ثمّ إنّه بشّره بما قدّمه من سلامه عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيّا .
فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه ، وكلامه صدق فهو مقطوع به .
وإن كان قول الرّوح :وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [ مريم : 33 ] أكمل في الاتّحاد ، فهذا أكمل في الاتّحاد والاعتقاد وأرفع للتّأويلات .
فإنّ الّذي انخرقت فيه العادة في حقّ عيسى إنّما هو النّطق ، فقد تمكّن عقله وتكمّل في ذلك الزّمان الّذي أنطقه اللّه فيه . ولا يلزم للمتمكّن من النّطق - على أيّ)
 ( والدعوة إليه ) ، وهو مقام النبوة ( ثم إنه ) أي الحق سبحانه كما أكرم زكريا بقضاء حاجته بتقديمه على ذكر ولده ( بشره بما قدمه ) ، أي بسبب تقديمه الحق على ذكر ولده ، فما في « قدمه » مصدرية و « من » في قوله ( من سلامه عليه ) للابتداء ، فإن التبشير هو الإخبار بما فيه مسرة ، وصيروته تبشيرا إنما نشأت من المسرة اللازمة للمخبر به والمخبر به ههنا سلام اللّه على يحيى ، فصيرورتها الإخبار به تبشير إنما نشأت مما فيه من المسرة أو المعنى ثم إنه ، أي الحق سبحانه بشر يحيى بما قدمه ،
أي بشيء قدمه ذلك الشيء وفضله على سائر الأنبياء وذلك الشيء سلام اللّه عليه في المواطن الثلاثة تفضيلا ، فإن ذلك لم يقع بالنسبة إلى نبي من الأنبياء ف « من » في " من سلامه عليه " بيانية (يَوْمَ وُلِدَ) من رحم أمه وأم الطبيعة ( ويوم يموت ) بالموت الطبيعي أو بالبقاء أو بالفناء عن مقتضيات الطبيعة في اللّه (وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا) [ مريم : 15 ] يبعثه يوم القيامة أو بالبقاء بعد الفناء وإذا كان في هذه المرتبة يحيى به ذكر زكريا
( فجاء بصفة الحياة ) فيها (وهي) ، أي صفة الحياة ما أخذ منها ( اسمه ) الدال على ذكر حياة زكريا به .
( واعلم بسلامه عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به وإن كان قول الروح ) ، يعني عيسى عليه السلام (وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [ مريم : 33 ] أكمل في ) الدلالة على ( الاتحاد ) ، فإنه يدل على الاتحاد بين المسلم والمسلم عليه في نظر أهل الكشف ، فلأنهما الحق ولكن في حجابية عيسى وتعينه ( فهذا ) القول الذي وقع في شأن يحيى ( أكمل في الاتحاد والاعتقاد ) ، أي في معنى الجمع بينهما ، أما الاتحاد فلأن المسلم فيه هو الحق باعتبار هويته المتعينة ولا شك أن الهوية المطلقة في الظهور على الهوية المتعينة .

وأما الاعتقاد فلأن اعتقاد الصدق في كلام اللّه وخصوصا من أهل الحجاب أقوى من اعتقاده في كلام العبد ( و ) كما أنه لكل فيما ذكر فهو ( أرفع للتأويلات ) التي تصرفه عن ظاهره (فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى إنما هو النطق) في الزمان الغير المعتاد فيه النطق (فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه اللّه) على سبيل خرق العادة (فيه . ولا يلزم للمتمكن من النطق على)

قال الشيخ رضي الله عنه :  (حالة كان - الصّدق فيما به ينطق ، بخلاف المشهود له كيحيى .
فسلام الحقّ على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهيّة به من سلام عيسى على نفسه ، وإن كانت قرائن الأحوال تدلّ على قربه من اللّه في ذلك وصدقه ، إذ نطق في معرض الدّلالة على براءة أمّه في المهد ، فهو أحد الشّاهدين ، والشّاهد الآخر هزّ الجذع اليابس فتساقط رطبا جنيا من غير فحل ولا تذكير ، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع معتاد .
لو قال نبيّ آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط ، فنطق الحائط وقال في نطقه تكذب ما أنت رسول اللّه ، لصحّت الآية وثبت بها أنّه رسول اللّه ، ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط . فلمّا دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمّه إليه وهو في المهد ، كان سلام اللّه على يحيى أرفع من هذا الوجه .
فموضع الدّلالة أنّه عبد اللّه من أجل ما قيل فيه إنّه ابن اللّه - وفرغت الدّلالة)

 (أي حالة كان ) ذلك المتمكن ( الصدق فيما به ينطق بخلاف المشهود له ) من الحق ( كيحيى ) عليه السلام .

( فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه وإن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه من اللّه في ذلك وصدقه إذ نطق ) إذ تحتمل التعليل والظرفية ، أي حين نطق ( في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد فهو أحد الشاهدين ) ، على براءة أمه ( والشاهد الآخر هز الجذع اليابس فسقط رطبا جنيا من غير فحل ولا تذكير كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد ) .
ثم فرض رضي اللّه عنه لبيان أن احتمال الكذب فيما ينطق به عيسى لا ينافي ما هو المقصود من نطقه من براءة أمه ، فقال : ( لو قال نبي : آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط فنطق الحائط وقال في نطقه تكذب ما أنت برسول اللّه صحت الآية ) الدالة على نبوته ( وثبت بها أنه رسول اللّه ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط ) ، فإن الآية هي نفس المتكلم لا الكلام بمراده ، وكذلك حال نطق عيسى عليه السلام ( فلما دخل هذا الاحتمال )
أي احتمال الطائفة للواقع واحتمال عدمها بمجرد النطق العقلي ( في كلام عيسى ) الصادر عنه ( بإشارة أمه إليه وهو في المهد فموضع الدلالة ) المعتبرة المقبولة في كلامه ( أنه عبد اللّه ) فإن قوله :إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ يدل عليه فهو موضع الدلالة ومحل وقوعها عليه ، وهذه الدلالة معتبرة عقلا ( من أجل ) أن هذا الكلام إنما وقع في مقابلة ( ما قيل فيه إنه ابن اللّه ) ولا شك أن مرتبة العبدية دون مرتبة البنوة بتقديم الباء على النون فقوله :إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ إقرار بما هو عليه ، والعقل يتبادر إلى قبوله ( وفرغت ) ، أي تمت ( الدلالة ) على براءة أمه .

قال الشيخ رضي الله عنه :  (بمجرّد النّطق - وأنّه عبد اللّه عند الطّائفة الأخرى القائلة بالنّبوّة .
وبقي ما زاد في حكم الاحتمال في النّظر العقليّ حتّى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد فتحقّق ما أشرنا إليه .)

 ( بمجرد النطق ) من غير أن يكون المؤدى الكلام فيه ( و ) على ( أنه عبد اللّه ) بقوله :إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ، ولكن هذه الدلالة الثانية إنما اعتبرت ( عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوة ) ، أي نبوة عيسى ، فإن العبدية لا تنافي النبوة بتأخير الباء عن النون بخلاف الطائفة الأولى فإنها تنافي النبوة بتقديم الباء على النون ( وبقي ما زاد ) على ما ذكرنا من قوله :آتانِيَ الْكِتابَ والحكم والنبوة ومن قوله :وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ( في حكم الاحتمال بالنظر العقلي ) فإنه إقرار في حق نفسه بما له لا بما عليه ولا يتبادر للعقل إلا قبوله ( حتى يظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد ) بعد البعثة وظهور الآيات والمعجزات وقد اتضح من تقرير كلامه رضي اللّه عنه على هذا الوجه .
أن قوله : فموضع الدلالة ، جواب لما في قوله : ولما دخل ، فلا حاجة إلى زيادة وقعت في بعض الشروح
قبل قوله : فموضع الدلالة ليكون جواب لما وهي قول فلأن سلام اللّه على يحيى أرفع من هذا الوجه ،
وليست هذه الزيادة في النسخة المقروءة على الشيخ رضي اللّه عنه ، ولا في النسخ الأخر التي رويناها ،
ولا يخفى على الفطن أن مقصود الشيخ من هذه الكلمات ليس تفضيل يحيى على عيسى عليهما السلام كما توهمه بعض القاصرين ،
بل ترجيح ما وقع في شأن يحيى على ما وقع في شأن عيسى عليه السلام من حيث التنصيص على المقصود ،
وأين أحدهما على الآخر وكأنه رضي اللّه عنه نظر إلى أمثال هذه التوهمات
فقال رضي الله عنه : ( فتحقق ما أشرنا إليه ) تهتد إلى فهم المراد واللّه الموفق للسداد والرشاد .

التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment