Saturday, February 15, 2020

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

20 - فص حكمة جلالية في كلمة يحيوية .كتاب شرح فصوص الحكم مصطفي بالي زادة على فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ مصطفي بالي زادة الحنفي أفندي على فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الطائي الحاتمي
اعلم أن وجه اختصاص كل حكمة في كلمة مخصوصة هو التفاوت في الظهور والتنصيص لا غير فلما كان أثر جلال اللّه تعالى غالبا على يحيى عليه السلام وكان النص واردا في حقه على ذلك اختصت هذه الحكمة بكلمة يحيى عليه السلام ولما كانت الجلال المطلق أولية في الصفات أي في الجمال المطلق إذ الجلال الخفاء وهو يلي الذات والجمال الظهور وهو بعد الخفاء لا بعدية زمانية وإلى هذا المعنى أشار بقوله : ( كنت كنزا مخفيا ) وكانت ليحيى عليه السلام أولية في الأسماء صح لحكمة يحيى الأسماء الجلالية والأولية لذلك صرح بالجلالية بقوله حكمة جلالية 
وبقوله ( هذه ) أي الحكمة الجلالية ( حكمة الأولية في الأسماء فإن اللّه سماه ) أي هذا الشخص ( بيحيى ) فسره بقوله : ( أي يحيى به ذكر زكريا ) أعلاما لإعتبار الصفة في هذا الاسم في يحيى عليه السلام ( ولم يجعل له من قبل سميا ) أي لم يسم اللّه بهذا الاسم أحدا قبل يحيى عليه السلام ( فجمع ) اللّه ( بين حصول الصفة التي ) حاصلة ( فيمن عبر ) أي مضى ( ممن ترك ولدا يحيى به ذكره وبين اسمه بذلك ) أي بيحيى ( فسماه ) أي الولد ( فكان اسمه يحيى ) كعينه ( كالعلم الذوقي ) الذي يحيي به قلوب الموتى بالجهل وإنما قلنا ممن ترك ولدا يحيي به ذكر أبيه
قال رضي الله عنه :  ( فإن آدم حي ذكره بشيث ونوحا حي ذكره بسام وكذلك الأنبياء عليهم السلام ولكن ما جمع اللّه لأحد قبل يحيى بين الاسم العلم منه وبين الصفة إلا لزكريا عليه السلام عناية منه ) وإنما كان هذا الجمع عناية من اللّه في حق زكريا عليه السلام ، ولم يفعل في غيره من الأنبياء عليهم السلام ( إذ ) أي لأنه ( قال :" فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا يَرِثُنِي " [ مريم : 5 - 6 ] ، فقدم الحق على ذكر ولده كما قدمت آسية ذكر الجار على الدار في قولها عندك بيتا في الجنة فأكرمه اللّه بأن قضى حاجته وسماه ) أي ذلك الولد .

قال رضي الله عنه :  ( بصفته ) فاختص يحيى عليه السلام بهذا الجمع تكرمه من اللّه به لأبيه زكريا عليه السلام ( حتى يكون اسمه تذكارا لما طلب منه نبيه زكريا ) أي يكون اسم يحيى عليه السلام دليلا على ما طلبه زكريا عليه السلام من اللّه ( لأنه أثر بقاء ذكر اللّه في عقبة ) كما بقي ذكر اللّه ببقائه له .
قال رضي الله عنه :  ( والولد سرّ أبيه فقال يرثني ويرث من آل يعقوب وليس ثمة ) أي في مقام طلب زكريا عليه السلام ( موروث في حق هؤلاء ) وهم آل يعقوب عليه السلام ( إلا مقام ذكر اللّه والدعوة إليه ) فلما طلب من اللّه بقاء ذكر اللّه أبقى اللّه ذكره باسم ولده يحيى عليه السلام.

قال رضي الله عنه :  ( ثم إنه تعالى بشره ) أي بشر زكريا عليه السلام ( بما قدمه من سلامه عليه ) أي على يحيى عليه السلام : (يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا[ مريم : 15 ] ، فجاء بصفة الحياة وهي اسمه ) أي اسم يحيى عليه السلام وفيه دلالة على أن الاسم قد يطلق على الصفة.
قال رضي الله عنه :  ( واعلم ) اللّه ( زكريا بسلامه عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به وإن كان قول الروح والسلام عليّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا أكمل في الاتحاد ) .
 أي هذا القول أكمل في الدلالة على اتحاد عيسى عليه السلام مع الحق فإذا كان قول الحق صدقا مقطوعا به ( فهذا ) أي قول الحق يحيى عليه السلام ( أكمل في الاتحاد ) أي أكمل في الدلالة على اتحاد الحق مع يحيى عليه السلام ( و ) أكمل في ( الاعتقاد ) في عدم الاحتمال على خلافه إذ شهادة الحق على سلامه العبد أقوى من شهادة العبد على سلامة نفسه .

قال رضي الله عنه :  ( وأرفع للتأويلات ) بخلاف قول عيسى عليه السلام فإنه يؤول بأن عيسى عليه السلام لسان الحق وبه نطق وشهد على سلامة نفسه فشهادته على نفسه شهادة الحق عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به لأنه كلام الحق .
إذ هو شاهد على براءة أمه وبهذا التأويل يصل إلى درجة الأكملية في الاعتقاد فاحتاج قول الروح في رفع الالتباس إلى التأويل والمقصود ما نص سلامة عيسى عليه السلام مثل تنصيص سلامه يحيى وسلامة عيسى عليه السلام بالنسبة إلى سلامة يحيى عليه السلام كخلافة آدم بالنسبة إلى خلافة داود في التنصيص .
كما مر بيانه في موضعه فقوله وإن كان قول الروح الظاهر أنه يتصل إلى ما قبله من قوله فهو مقطوع أي قول الحق في سلامة يحيى مقطوع به وإن كان قول الروح في سلامة نفسه أكمل في الاتحاد لكن لا يصل إلى درجته في القطع .
فإن قول الحق زائد بزيادتين على قول الروح وهما قوله وأكمل في الاعتقاد وأرفع للتأويلات وقال بعضهم إن في هذا الكلام تقديما وتأخيرا تقديره فهذا أكمل في الاتحاد والإعتقاد وأرفع للتأويلات وإن كان قول الروح أكمل في الاتحاد وهو عدول عن الظاهر بلا ضرورة ونكتة وإنما كان قول الحق في سلامة يحيى أكمل في الاعتقاد من قول الروح في سلامة نفسه.

قال رضي الله عنه :   ( فإن الذي انخرقت فيه العادة في حق عيسى عليه السلام إنما هو النطق ) وهو تكلمه في المهد ( فقد تمكن ) من التمكين ( عقله وتكمل ) من التكميل ( في ذلك الوقت الذي أنطقه اللّه فيه ولا يلزم للمتمكن من النطق ) أي القادر إلى النطق ( على أيّ حالة كان ) المتمكن أي سواء أتى للمعجزة والشهادة على الحق أولا ( الصدق ) فاعل يلزم ( فيما به نطق ) أي في الكلام الذي تكلم به ( خلاف المشهود له كيحيى ) عليه السلام حيث شاهد الحق له بسلام عليه فإذا كان الأمر كذلك.

قال رضي الله عنه :  ( فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه ) أي من وجه أنه مشاهد ( أرفع للإلتباس الواقع في العناية الإلهية به ) أي بيحيى والعناية هي سلام الحق عليه إذ الشاهد لرفع الالتباس الواقع في وقوع الأمر فإذا شهد الحق بسلامه عليه علم علما يقينا أن العناية الإلهية قد سبقت عليه بخلاف سلام عيسى على نفسه فإنه وإن كان أرفع للإلتباس الواقع في العناية الإلهية في حق أمه لأنه أحد الشاهدين في براءة أمه فلا يدخل الاحتمال من هذا الوجه أصلا لكنه ليس كذلك في حق نفسه لدخول الاحتمال الوهمي في حق نفسه فكان كلام عيسى في حق أمه أرفع للإلتباس وفي حق نفسه رافع الالتباس لذلك قال فسلام الحق على يحيى أرفع للإلتباس.
قال رضي الله عنه :  ( من سلام عيسى عليه السلام على نفسه وإن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه ) أي على قرب عيسى ( من اللّه في ذلك ) الوقت .

قال رضي الله عنه :  ( و ) تدل على ( صدقه ) فيما به نطق ( إذ نطق في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد فهو أحد الشاهدين ) فلا يستوي كلامه مع كلام الحق في رفع الالتباس بوجود هذه القرائن لأنه لما كان هذا الكلام منه بإشارة أمه لم يخلص عن دخول الاحتمال وهو عدم الالتفات إلى ما نطق به مع ثبوت براءة أمه به .

قال رضي الله عنه :  ( والشاهد الآخر ) على براءة أمه ( هز ) المريم ( الجذع ) أي النخلة ( اليابس فسقط رطبا جنياًّ من غير فحل ولا تذكير كما ولدت مريم عيسى عليه السلام من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد ) فكان حال الشاهد حال المشهود له .

قال رضي الله عنه :  ( لو قال نبيّ آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط فنطق الحائط وقال في نطفة تكذب ما أنت رسول اللّه لصحت الآية وثبت بها أنه رسول اللّه ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمه إليه وهو في المهد كان سلام اللّه على يحيى أرفع ) للإلتباس ( من هذا الوجه ) أي من وجه دخول احتمال في كلام عيسى وعدم دخوله في كلام الحق فلو لم يكن هذا الكلام منه بإشارة أمه ولم يكن في معرض الدلالة على براءة أمه لم يدخل هذا الاحتمال ( فموضع ) أي متعلق ( الدلالة أنه عبد اللّه ) في قوله "إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ".

قال رضي الله عنه :  ( من أجل ما قيل فيه أنه ابن اللّه وفرغت أي تمت الدلالة بمجرد النطق ) وهو قوله إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ إذ قراره يثبت عبوديته وينتفي ما قيل في حقه أنه ابن اللّه ( وأنه عبد اللّه عند الطائفة الأخرى القائلة بالنبوة ، وبقي ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل ) عند نزوله ( صدقه ) أي صدق عيسى ( في جميع ما أخبر به في المهد فتحقق ما أشرنا إليه ) من أسرار الكلامين الذين في حق عيسى ويحيى عليهما السلام .
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment