Friday, August 2, 2019

10- فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

10- فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

10- فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ. محمود محمود الغراب

شرح أ. محمود محمود الغراب على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

قال الشيخ رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في صغير وكبير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم "2"
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم».
فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
..............................................................

1 - المناسبة في تسمية هذا الفص :
هو أن لكل دابة صراطا مستقيما تمشي عليه وهو قول هود عليه السلام « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم » .
ولهذا كانت المناسبة مع الأحدية فإن الخط المستقيم الذي يصل بين البداية والنهاية واحد لا ثاني له .
ولذلك خط رسول الله صلى الله عليه وسلم الله عليه السلام وسلم خطا ثم خط على جانبيه خطوطا ثم تلا « وأن هذا صراطي مستقیما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ».
 فإذا عرف الصراط بالألف واللام أو بالاضافة فهو صراط واحد وهو شرع الله تعالى المنزل من عنده ، وإذا نكر الصراط فهو أيضا واحد وهو ما يمشي عليه المكلف إما إلى سعادته أو شقاوته فإن الله آخذ بناصيته على هذا الصراط ، ومن هنا كان مذهب الشيخ رضي الله عنه عدم سرمدة العذاب وشمول الرحمة فإن المكلف مجبور في اختياره .

2- راجع هامش رقم 1  

ص 143

قال الشيخ رضي الله عنه : (
إذا دان لك الخلق ... فقد دان لك الحق  "3"
و إن دان لك الحق ... فقد لا يتبع الخلق "4"
فحقق قولنا فيه ... فقولي كله الحق  "5"
فما في الكون موجود ... تراه ما له نطق  "6"
وما خلق تراه العين ... إلا عينه حق
ولكن مودع فيه ... لهذا صوره حق   "7"
اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة. "8"
فإن الله تعالى يقول : «كنت )
..............................................................
3 - « دان له » أي أطاعه يشير بذلك أن الخلق إذا تبعك وأطاعك فقد دان لك الحق فإنه هو الآخذ بناصية الخلق .
4 - « وإن دان لك الحق » من قوله تعالى في الحديث القدسي « عبدي كن لي كما أريد أكن لك كما تريد » ومن قوله تعالى « أجيب دعوة الداعي » « فقد لا يتبع الخلق ، فليس كل الخلق على الصراط المستقيم الذي تدعو إليه وإن كانوا على صراط مستقیم .
5 - وهو الفرق بين الصراط المستقيم و بين قوله تعالى «إن ربي على صراط مستقیم» فكله حق .
6 - هو قوله تعالی " وإن من شيء إلا يسبح بحمده".
7 - إشارة إلى أنه تعالى "هو الظاهر في المظاهر"  وإلى الوحدة في الكثرة والكثرة في الوحدة وما يقوله العامة عنها "وحدة الوجود" .
8 - العلوم الإلهية الذوقية
علوم الأذواق لا سبيل إليها إلا بالذوق، فلا يقدر عاقل على أن يحدها ولا يقيم على معرفتها دليلا، كالعلم بحلاوة العسل ومرارة الصبر ولذة الجماع والعشق والوجد والشوق وما شاكل هذا النوع من العلوم.
فهذه علوم من المحال أن يعلمها أحد إلا بأن يتصف بها ويذوقها ، وبالذوق تتميز الأشياء عند العارفين .
والكلام على الأحوال لا يحتمل البسط وتكفي فيه الإشارة إلى المقصود ، ومهما بسطت القول

ص  144

قال الشيخ رضي الله عنه : ( سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها. فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد. فالهوية واحدة والجوارح )
..............................................................

فيه أفسدته ، فعلوم الأذواق لا تنقال ولا تنحكي ، ولا يعرفها إلا من ذاقها ، وليس في الإمكان أن يبلغها من ذاقها إلى من لم يذقها .
وبينهم في ذلك تفاضل لا يعرف ، ولا يمكن أن يعرف عين ما فضله به ، وما من أمر إلا وهو يقبل التعبير عنه ، ولا يلزم من ذلك فهم السامع الذي لا يفهم ذلك الاصطلاح ولا تلك العبارة ، فإن علوم الأذواق والكيفيات وإن قبلت لا تنقال ، ولكن لما كان القول بها والعبارة عنها لإفهام السامع .
لذلك قالوا ما ينقال ، ولا يلزم ما لا يفهم السامع - المدرك له أن لا يصطلح مع نفسه على لفظ بدل به على ما ذاقه ، ليكون ذلك اللفظ منبها ومذكرة له إذا نسي ذلك في وقت آخر ، وإن لم يفهم عنه من لا ذوق له فيه ، فالله يرزقنا الإصابة في النطق والإخبار عما أشهدناه وعلمناه من الحق علم کشف و شهود وذوق ، فإن العبارة عن ذلك فتح من الله تأتي بحكم المطابقة ، وكم من شخص لا يقدر أن يعبر عما في نفسه، وكم من شخص تفسد عبارته صحة ما في نفسه ، والصحيح أن كل علم لا يكون عن ذوق فليس بعلم أهل الله .
ولما كانت العلوم تعلو وتنضع بحسب المعلوم ، لذلك تعلقت الهمم بالعلوم الشريفة العالية التي إذا اتصف بها الإنسان زکت نفسه وعظمت مرتبته ، فأعلاها مرتبة العلم بالله .
وأعلى الطرق إلى العلم بالله علم التجليات ، ودونها علم النظر ، فالتجلي أشرف الطرق إلى تحصيل العلوم ، وهي علوم الأذواق .
ولما لم تر إلا التقليد ترجح عندنا تقلید هذا المسمى برسول والمسمى بکلام الله ، وعملنا عليه تقليدا حتى كان الحق سمعنا وبصرنا فعلمنا الأشياء بالله .
فرجال الله علموا الله بإعلام الله ، فكان هو علمهم كما كان بصرهم.
 فمثل هؤلاء لو تصور منهم نظر فکري لكان الحق عين فكرهم كما كان عين علمهم وعين بصرهم وسمعهم ، لكن لا يتصور من يكون مشهده هذا وذوقه أن يكون له فكر البتة في شيء إنما هو مع ما يوحي إليه على اختلاف ضروب الوحي ، وإنه من ضروب الوحي الفهم عن الله ابتداء من غير تعكر ، فإن

ص  145  


قال الشيخ رضي الله عنه : ( مختلفة. "9"
ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت )
..............................................................

أعطي الفهم عن تفكر فما هو ذلك الرجل فإن الفهم عن الفكر يصيب وقتا ويخطىء وقتا ، والفهم لا عن فكر وحي صحيح صريح من الله لعبده ، وذوق الأنبياء عليهم السلام في هذا الوحي يزيد على ذوق الأولياء .
وأهل الله من الأنبياء والأولياء ينسبون فيما يدركونه من العلوم على غير الطريق المعتادة ، فإذا أدركوها تسبوا إلى تلك الصفة التي أدركوا بها المعلومات ، فيقولون فلان صاحب نظر أي بالنظر يدرك جميع المعلومات .
وهذا ذقته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفلان صاحب سمع ، وفلان صاحب طعم ، وصاحب نفس وأنفاس يعني الشم ، وصاحب لمس.
فمن علوم الوهب العلم عن النظرة والضربة والرمية وكيف نقوم هذه الأمور مقام کلام العالم للمتعلم ، وذوقنا من هذا الفن ذوق النظرة فتستفاد علوم كثيرة من مجرد ضرب أو نظر ، قد رأينا هذا كله بحمد الله من نفوسنا فلا نشك فيه .
الفتوحات ج 1 / 31 ، 166 ، 214 ، 483 ، 551 - ج 2 / 298 ، 482 ، 608 ، 754 .
ج 3 / 60 - ج 4 / 38 .

9 -  فإذا أحببته كنت سمعه .. الحديث
اعلم أن القرب قربان:
قرب في قوله تعالى «ونحن أقرب إليه من حبل الوريد » وقوله تعالى «وهو معكم أينما كنتم».
وقرب هو القيام بالطاعات وهو المقصود في هذا الحديث ، فالقرب الذي هو القيام بالطاعات فذلك القرب من سعادة العبد من شقاوته ، وسعادة العبد في نيل جميع أغراضه كلها ، ولا يكون ذلك إلا في الجنة ، وأما في الدنيا فإنه لابد من ترك بعض أغراضه القادحة في سعادته .
فالقرب من السعادة بأن يطيع ليسعد ، وهذا هو الكسب في الولاية بالمبادرة لأوامر الله التي ندب إليها ، أما قوله « من أداء ما افترضته عليه » لأنها عبودية اضطرارية « ولا يزال

ص 146


قال الشيخ رضي الله عنه : ( طعومه.
وهذه الحكمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: «ومن تحت أرجلهم». فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل.
فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط )  
..............................................................
العبد يقترب إلي بالنوافل » وهي عبودية اختيار « حتى أحبه » .
إذ جعلها نوافل ، فإذا ثابرت على أداء الفرائض فإنك تقربت إلى الله بأحب الأمور المقربة إليه ، وإذا کنت صاحب هذه الصفة كنت سمع الحق و بصره .
وتكون يدك يد الحق « إن الذين بیا یعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم » وهذه هي المحبة العظمى التي ما ورد فيها نص جلي كما ورد في النوافل ، فإن للمثابرة على النوافل حبا إلهيا منصوصا عليه يكون الحق سمع العبد ونظره ، فانظر ما تنتجه محبة الله ، فثابر على أداء ما يصح به وجود هذه المحبة الإلهية .
ولا يصح نفل إلا بعد تكملة الفرض ، فالحق سبحانه روح العالم وسمعه وبصره ويده ، فبه يسمع العالم و به يبصر وبه يتكلم وبه يبطش و به يسعى ، إذ لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
ولا يعرف هذا إلا من تقرب إلى الله بنوافل الخيرات ، كما ورد في الحديث الصحيح ، فانتبه لقوله « كنت سمعه الذي يسمع به ولسانه الذي يتكلم به وما تكلم إلا القائل في الشاهد وهو الإنسان، وفي الإيمان الرحمن ، فمن كذب العيان كان قوي الإيمان ، ومن تردد في إيمانه تردد في عيانه ، فلا إيسان عنده ولا عيان ، فما هو صاحب مكان ولا إمكان .
ومن صدق العيان وسلم الإيمان كان في أمان ، فإن الله أثبت أن ذلك للعبد بالضمير عينه عبدا لا ربوبية له ، وجعل ما يظهر به وعليه ومنه أن ذلك هو الحق تعالى لا العبد فما ثم إلا حق لحق وحق لخلق ، فحق الحق ربوبيته ، وحق الخلق عبوديته.
فنحن عبيد وإن ظهرنا بنعوته ، وهو ربنا وإن ظهر بنعوتنا ، فإن التعوت عند المحققين لا أثر لها في العين المنعوتة.
ولهذا تزول بمقابلها إذا جاء ولا تذهب عينا .
فقوله تعالی « كنت سمعه وبصره » جعل کینوتنه سمع عبد منعوت بوصف خاص ، وهذا أعظم اتصال يكون من الله بالعبد حيث يزيل قواه من قواه ويقوم بکینوته في العبد مقام ما أزال على ما يليق بجلاله من غير تشبيه ولا تكييف ولا حصر ولا إحاطة ولا حلول

ص 147

قال الشيخ رضي الله عنه : (
مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق. "10"
«فيسوق المجرمين» وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم- وهو عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب "11" فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون.
فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة.
فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب. "12"
«ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون»: وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء «فبصره حديد». وما خص ميتا من ميت أي ما خص سعيدا في القرب من شقي. )

..............................................................
ولا بدليه ، فإنه أثبت عين الشخص بوجود الضمير في قوله « كنت سمعه » فهذه الهاء عينه ، والصفة عين الحق لا عينه ، فالشخص محل لأحكام هذه الصفات التي هي عين الحق لا غيره .
كما يليق بجلاله ، فنعته سبحانه بنفسه لا بصفته ، فهذا الشخص من حيث عينه هو ومن حيث صفته لا هو ، وهذا من ألطف ما يكون فظهور رب في صورة خلق عن إعلام إلهي لا تعرف له کيفية ولا تنفك عنه بينية .
والكرامة التي حصلت لهذا الشخص إنما هي الكشف والاطلاع لا أنه لم يكن الحق سمعه ثم كان ، والجاهل إذا سمع ذلك أداه إلى فهم محظور من حلول أو تحديد ، فبالوجه الذي يقول فيه الحق إنه سمع العبد به بعينه يقول إنه حياة العبد وعلمه وجميع صفاته .
فمثلا سر الحياة سري في الموجودات فحييت بحياة الحق ، فهي نسب وإضافات وشهود حقائق ، والله هو العلي الكبير عن الحلول والمحل.
الفتوحات ج 3 / 14 ، 63 ، 68 ، 184 ، 298 ، 356 ، 531 ، 557 .
ج 4 / 5 ، 362 ، 449 .

10 - هو قوله في أول الفص « ولهذا وسعت رحمته كل شيء » .
11 ، 12  - هو القرب الأول المشار إليه في رقم .9

ص 148


قال الشيخ رضي الله عنه : (
«ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وما خص إنسانا من إنسان. فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي.
فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق متوهم.
فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود.
وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود. "13"
فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه.
فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم.
ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر.
فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة.
فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص، وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق. فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك والمسافر. "14"
فلا عالم إلا هو فمن أنت؟ فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت.
وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق: فإن للحق نسبا كثيرة و وجوها مختلفة: ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن عبده به.
فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة، وفي هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف. فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية.
فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ.
وقد ورد النص الإلهي بهذا كله،"15" إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة)

..............................................................

13 - هو القرب الثاني المشار إليه في رقم ۰9
14 - وحدة الوجود فص 5 هامش 6.
راجع الفقرة 
15 - إشارة إلى المآل للرحمة - راجع شمول الرحمة فص 7 رقم ۰17
"" 17 ۔ شمول الرحمة وعدم سرمدة العذاب  ص 117
من اختصاص البسملة في أول كل سورة تتويج الرحمة الإلهية في منشور تلك السورة أنها منه كعلامة السلطان على مناشيره، وسورة التوبة والأنفال سورة واحدة قسمها الحق على فصلين ، فإن فصلها وحكم بالفصل فقد سماها سورة التوبة ، أي سورة الرجعة الإلهية بالرحمة على من غضب عليه من العباد ، فما هو غضب أبد لكنه غضب أمد ، والله هو التواب .
 فما قرن بالتواب إلا الرحيم ليؤول المغضوب عليه إلى الرحمة ، أو الحكيم لضرب المدة في الغضب وحكمها فيه إلى أجل ، فيرجع عليه بعد انقضاء المدة بالرحمة ، فانظر إلى الاسم الذي نعت به التواب تجد حكمه کما ذكرنا ، والقرآن جامع لذكر من رضي عنه وغضب عليه ، وتتويج منازله بالرحمن الرحيم ، والحكم للتتويج ، فإنه به يقع القبول ، وبه يعلم أنه من عند الله ، فثبت انتقال الناس في الدارين في أحوالهم من نعيم إلى نعيم ، ومن عذاب إلى عذاب ، ومن عذاب إلى نعيم ، من غير مدة معلومة لنا ، فإن الله ما عرفنا ، إلا أنا استروحنا من قوله « في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة » أن هذا القدر مدة إقامة الحدود .
خلق الله الخلق قبضتين فقال هؤلاء للنار ولا أبالي ، وهؤلاء إلى الجنة ولا أبالي .
فمن كرمه تعالی لم يقل هؤلاء للعذاب ولا أبالي وهؤلاء إلى النعيم ولا أبالي وإنما أضافهم إلى الدارين ليعمروها ، فإنه ورد في الخبر الصحيح أن الله لما خلق الجنة والنار قال لكل واحدة منهما لها علي" ملؤها ، أي أملؤها سكانا ، فيستروح من هذا عموم الرحمة في الدارين وشمولها حيث ذكرهما ولم يتعرض لذكر الآلام وقال بامتلائهما وما تعرض لشيء من ذلك .
فكان معنى « ولا أبالي » في الحالتين لأنهما في المال إلى الرحمة ، فلذلك لا يبالي فيهما ، ولو كان الأمر كما يتوهمه من لا علم له من عدم المبالاة.
ما وقع الأخذ بالجرائم ، ولا وصف الله نفسه بالغضب ، ولا كان البطش الشديد ، فهذا كله من المبالاة والتهمم بالمأخوذ ، إذ لو لم يكن له قدر ما عذب ولا استعد له ، وقد قيل في أهل التقوى إن الجنة أعدت للمتقين ، وقال في أهل التقاء « وأعد لهم عذابا أليما » فلولا المبالاة ما ظهر هذا الحكم .
فما أعظم رحمة الله بعباده وهم لا يشعرون ، فإن الرحمة الإلهية وسعت كل شيء ، فما ثم شيء لا يكون في هذه الرحمة « إن ربك واسع المغفرة » فلا تحجروا واسعا فإنه لا يقبل التحجير ، ولقد رأيت جماعة ممن ينازعون في اتساع رحمة الله وأنها مقصورة على طائفة خاصة ، فحجروا وضيقوا ما وسع الله .
فلو أن الله لا يرحم أحدا من خلقه لحرم رحمته من يقول بهذا ، ولكن أبي الله تعالى إلا شمول الرحمة ، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : « وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » ، وما خص مؤمنا من غيره ، والله أرحم الراحمين كما قال عن نفسه .
وقد وجدنا من نفوسنا ، وممن جبلهم الله على الرحمة انهم يرحمون جميع العباد ، حتى لو حكمهم الله في خلقه لأزالوا صفة العذاب من العالم ، بما تمكن حكم الرحمة من قلوبهم .
وصاحب هذه الصفة أنا وأمثالي مخلوقون أصحاب أهواء وأغراض ، وقد قال عن نفسه جل علاه أنه أرحم الراحمين ، فلا شك أنه أرحم منا بخلقه ، و نحن قد عرفنا من تفوسنا هذه المبالغة في الرحمة .
فكيف يتسرمد، عليهم العذاب وهو بهذه الصفة العامة من الرحمة ، إن الله أكرم من ذلك ، ولا سيما وقد قام الدليل العقلي على أن الباريء لا تنفعه الطاعات، ولا تضره المخالفات، وان كل شيء جار بقضائه وقدره وحكمه.
وأن الخلق مجبورون في اختيارهم ، وقد قام الدليل السمعي أن الله يقول في الصحيح « يا عبادي » فأضافهم إلى نفسه ، وما أضاف الله قط العباد لنفسه إلا من سبقت له الرحمة ألا يؤبد عليهم الشقاء وإن دخلوا النار .
فقال : « يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم اجتمعوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا » .
وهذه مسألة المكاشف لها قليل ، والمؤمن بها أقل ، وهو سر عجيب ، ما رأينا أحدا نبه عليه من خلق الله ، وإن كانوا قد علموه بلا شك ، وما صانوه والله أعلم إلا صيانة لأنفسهم ورحمة بالخلق .
لأن الإنكار يسرع إليه من السامعين ، ووالله ما نبهت عليه هنا إلا لغلبة الرحمة عليه في هذا الوقت ، فمن فهم سعد ومن لم يفهم لم يشق بعدم فهمه وإن كان محروما ، فقد أظهرت أمرا في هذه المسألة لم يكن باختياري ، ولكن حق القول الإلهي بإظهاره ، فكنت فيه كالمجبور في اختياره ، والله ينفع به من يشاء لا إله إلا هو .
الفتوحات : ج 2 / 148 ، 244 ، 674 - ج 3 / 25 ، 100 ، 101 ، 383 .
 ج 4 / 163 .  ""




ص  149


قال الشيخ رضي الله عنه : (
ومن غيرته «حرم الفواحش» وليس الفحش إلا ما ظهر.
وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له. فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. "16" فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها."17"
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم»."18" وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟   ) 

..............................................................
16 - راجع رقم 9 « كنت سمعه » ، رقم 14 وحدة الوجود .
17 - ذكرت بالفتوحات المكية ج 4 / 77 .
18 - قول هود عليه السلام « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم».
ما جاء في هذه الفقرة من قوله « ودليلي على كشفه لها » لا يصح صدوره عن الشيخ لأنه يناقض الثابت من قوله « ذوق الأنبياء عليهم السلام في هذا الوحي يزيد على ذوق الأولياء » .
وقوله «لا يتكلم في الرسل إلا رسول ولا في الأنبياء إلا نبي » وقوله « إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعلمه سواهم » وقوله في هذه الآية بالذات « إن الرسل لا تقول على الله إلا ما تعلمه منه فهم أعلم الخلق بالله ».
فهل بعد هذا يحتاج الشيخ إلى دليل ؟!
"" تعقيب من الجامع : الحقيقة كل كلام قاله نبي الله هود عليه السلام فى الأيات قاله الله تعالى في القرآن بعد أن تم وانتهى فقد قاله هود عليه السلام في زمانه سابقا واصبح قصص للعبلاة تروى: "وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُفْتَرُونَ (50) يَاقَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلَا تَعْقِلُونَ (51) وَيَاقَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ (52) قَالُوا يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (53) إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (54) مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّونَهُ شَيْئًا إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (57)سورة هود.
فما وجه الاستدلال هنا بـ «لا يتكلم في الرسل إلا رسول ولا في الأنبياء إلا نبي » وقوله « إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعلمه سواهم » لأن المتكلم هنا هو الله عز وجل والعلم هنا من لله والقرآن كلام الله الى العالمين كافة وليس كلام الشيخ ابن العربي إلى العالمين كافة .
الأمر هنا آيات القرآن الكريم وليست تجلي خاص أو رؤيا او كشف خاص بالشيخ ابن العربي فلا محل هنا للمعارضة ونفي الأمر عن الشيخ ؟! ""
الفتوحات ج 2 / 85 ، 563 - ج 4 / 38 ، 85.
أما فهمه في هذه الآية فانظر إلى جمیل بیانه حيث يقول :
أتي بالصراط نكرة لأنه على كل صراط شهيد ، وجاء في فاتحة الكتاب في « اهدنا الصراط المستقيم » بالتعريف ، لأنه صراط مخصوص وهو المؤدي إلى السعادة ، ومع هذا فإن القول من الكلام القديم ، والقرآن الحكيم ، جاء به الرؤف

ص 150


قال الشيخ رضي الله عنه : (
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي  )
..............................................................
الرحيم ، الخبير بما هناك العليم ، فمع الحق مشي من مشى ، وما تشاؤن إلا أن يشاء .
فالسعادة كاملة ، والرحمة شاملة ، فإن أهل الاستقامة في الاستقامة هم أهل السلامة في القيامة ، وأما الماشي في الاستقامة بغير استقامة فهو المنحاز من دار الكرامة ، وكما أنه سبحانه في قبلة المصلي فهو تعالى من ورائه محیط.
فهو السابق والهادي ، فهو سبحانه الذي نواصي الكل بيده ، الهادي إلى صراط مستقیم ، والذي يسوق المجرمين إلى جهنم وردا ، وإليه يرجع الأمر كله ، وإن كان الصراط المستقيم الذي عليه الرب الكريم يتضمن الخير والشر ، والنفع والضر ، والفاجر والبر « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم » وهو البر الرحيم ، فلا ينفع الاحتجاج بما سبق ، وإن كان حقا ، فهي حجة لا تنفع قائلها ، ولا تعصم حاملها ، لما يؤدي إليه من درس الطريق الأمم ، الذي أجمع على صحته الأمم .
« ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها » دخل في حكم هذه الآية جميع ما دب علوا وسفلا ، دخول ذلة وعبودية لأنها أعطته بحقيقتها وقبولها التمكن من الأخذ بناصيتها إذلالا ، لأنها عبد، وكل من أخذ بناصيته فهو ذليل ، والكل عبيد الله تعالى .
فالكل أذلاء بالذات وهو العزيز الحكيم ، وإنما جعل يده بناصيتك ابتغاء عافيتك ، فأثبت أمرا هو عليه وما سواه فانظر من يصل إليه ، وهذا من كرمه وسابقة قدمه ، فما ثم إلا مستقیم ، وعلى منهج قويم ، لأنه بيد الكريم.
وتدل هذه الآية على أنه ما ثم إلا من الحق آخذ بناصيته ، ولا يمكن إزالة ناصيته من يد سيده ، وشكر لفظ دابة ، فعمه ، فهو مسلوك به ، سالك بحكم الجبر .
هكذا قال هود عليه السلام ، فلهذا كان المآل إلى الرحمة ، وإذا أدركه في الطريق النصب ، فتلك أعراض عرضت له ، فإنه أخبر بأنه تعالى على صراط مستقیم ، فما ثم إلا من هو مستقيم على صراط الرب ، فهذه الآية دليل لمن قال بالجبر، ويحتمل أن يكون قوله عليه السلام « إنه ربي على صراط مستقیم ، فيما شرع مع کونه آخذا بنواصي عباده إلى ما أراد وقوعه

ص 151


قال الشيخ رضي الله عنه : (
هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد. فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقاتله لقومه بشرى لنا، وترجم )  


..............................................................
منهم ، وعقوبته إياهم مع هذا الجبر ، فاجعل بالك وتأدب واسلك سواء السبيل ، فهذه آية بشرى لنا ، فما في العالم إلا مستقیم ، لأن الآخذ بناصيته هو الماشي به .
وهو على صراط مستقیم ، فكل حركة وسكون في الوجود فهي إلهية ، لأنها بيد حق ، وصادرة عن حق ، موصوف بأنه على صراط مستقیم ، بإخبار الصادق .
فإن الرسل لا تقول على الله إلا ما تعلمه منه ، فهم أعلم الخلق بالله ، وليس للكون معذرة أقوى من هذه ، فمن رحمة الرسل بالخلق تنبيه الخلق على مثل هذا، فإن الله أخبر عن نبيه ورسوله هود عليه السلام قوله هذا .
وما خطا هذا الرسول في هذا القول ، ومعلوم أن تصرف كل دابة قد يتعلق به لسان حمد أو ذم لأمور عرضية في الطريق عينتها الأحوال وأحكام الأسماء .
والأصل محفوظ في نفس الأمر تشهده الرسل عليهم السلام والخاصة من عباد الله ، ومع هذا التحقيق فإن قوله « إن ربي على صراط مستقيم » من حيث ما يقود الماشي عليه إلى سعادته ، وعلى هذا الصراط كل دابة عسومة ما عدا الإنس والجن ، فإنه ما دخل من الثقلين إلا الصالحون منهم خاصة ، ولو دخل جميع الثقلين لكان جميعهم على طريق مستقیم.
نصيحة لا تجعل زمامك إلا بيد ربك فإن له كما قال يدين كما أنه قد أخبرك أن يده بناصيتك اضطرارا ، فاجعل زمامك بيده اختیارا ، فتجني ثمرة الاختيار والاضطرار بجمعك بين اليدين ، واعلم أن العباد في قبضة الحق .
قال تعالى « ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها » لما هي مصرفة فيه ، فالكل في قبضته من قضائه في قضائه .
ومع ذلك عليك بأمر الحق فاتبعه ، ولا تغتر بكونك لا ترى شيئا إلا تحت تصريفه وحكم إرادته ، هذا لا ينجيك والأخذ بأمر الحق ينجيك ، لكن انظر ذلك عقدا وتصرف بالأمر .
الفتوحات ج 1 / 406 ، 426  - ج 2 / 217 ، 478 ، 563 .
ج 3 / 410 ، 413  - ج 4 / 273 ، 364 ، 366 ، 384 ، 400.

ص 152
 .

.
واتساب

No comments:

Post a Comment