Saturday, August 3, 2019

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح عبد الرحمن الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الهودي
10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم. ) 
لما انجر كلامه رضي الله عنه في آخر الحكمة اليوسفية إلى الأحدية الذاتية والأحدية الأسمائية أردفها بالحكمة الهودية الموصوفة بالأحدية المعنية لدعوته قومه إليها استيفاء للأقسام .
(إن الله) أحدية جمع جميع الأسماء (الصراط المستقيم)، أي الجامع لجميع الطرق الواقعة لكل اسم اسم (ظاهر)، أي صراط الله أو كون الله على الصراط المستقيم ظاهر مكشوف لبعض الخلائق كما يدل عليه السلام.
(غير خفي في العموم)، أي ليس خفيا في عموم الخلائق بحيث لا يظهر على أحد بل هو ظاهر على بعضهم.
فقوله في العموم قيد للخفاء المنفى لا لظهور ولا لنفي الخفاء، ويجوز أن يكون قيدا لهما ويكون المعنى على أن صراط الله ظاهر متحقق غير خفي بعدم التحقيق في عموم الأسماء.
 لأن طرق الأسماء من جزئیات صراط الله أو في عموم الخلاننى لا أنهم على طرق الأسماء التي من جزئياته (في كبير وصغير عينه)، أي عينه الغيبية وهويته الذاتية سارية في كل كبير وصغير صورة أو مرتبة .
(و) في كل (جهول بأمور) لعذره قابلية العلم بها (و) في كل (عليم) بتلك الأمور ولوجدانه القابلية (ولهذا)، أي لسريانه سبحانه في كل شيء (وسعت رحمته التي هي الوجود الذي هو عينه (كل شيء من حقير وعظيم) صورة أو مرتبة ( من دابة) تدب وتتحرك لشعورها و إراداتها إلى غاية ما .
("إلا هو ")، أي الحق سبحانه بهويته الغيبية السارية في الكل (" آخذ بناصيتها") بمشي بها إلى غايتها (" إن ربي") ، أي الذي يربيني ويمشي بي ("على صراط مستقيم") (هود: 56].
بوصل من يمشي علية ومن يمشي به الماشي عليه إلى غايته المطلوبة (فكل ماش) يمشي (على صراط ما فعلی صراط الرب المستقيم) الذي يمشي به ربه عليه وإذا كان على الصراط المستقيم الذي ربه عليه السلام
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.)
(فهو غير مغضوب عليه) لربه، لأن أحدا لا يغضب على من يعمل بمقتضى علمه وإرادته ولكن عدم مغضوبیته إنما تكون (من هذا الوجه)، أي من حيث الرب الذي يمشي به على الصراط المستقيم.
وأما من حيث العبد الذي يخالف ربه ويدعوه إلى صراط مستقیم بالنسبة إليه، فهو مغضوب عليه .
(وكذلك ما هو ضال) من هذا الوجه وإن كان من وجه أخر ضالا كما عرفته في الغضب.
(وكما كان الضلال عارضا)، لأن كل مولود يولد على الفطرة وأبواه يهودانه وينصرانه (كذلك الغضب الإلهي) المسبب عن الضلال أيضا (عارض والمآل) بعد زوال الغضب العارض (إلى رحمة الله التي وسعت كل شي).
(وهي)، أي الرحمة هي السابقة على الغضب كما قال سبحانه : "سبقت رحمتي غضبي" .رواه البخاري ومسلم
ولما كان المتبادر من الدابة في فهم أهل الظاهر الحيوانات فقط، وذلك خلاف ما کوشف به العارفون.
قال : (وكل ما سوى الحق) حيوانا كان أو جماد أو نبات (فهو دابة فإنه) بحكم "وإن من شئ لا يسبح بحمده  ولكن لا تفقهون تسبيحهم " [الإسراء: 44].
فكل (ذو روح) يدب علي صراط يوصله إلى غاية ما .
(وما ثمة)، أي فيما سوى الله الحق (من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره) الذي هو ربه (فهو يدب بحكم التبعية للذي)، أي لربه الذي (هو) يمشي
(على الصراط المستقيم) وإنما قلنا إنه يمشي على الصراط (فإنه)، أي الصراط (لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه).
وقد أثبت الحق سبحانه الصراط لنفسه حيث قال على لسان داود عليه السلام :
قال الشيخ رضي الله عنه : (
إذا دان لك الخلق ... فقد دان لك الحق
و إن دان لك الحق ... فقد لا يتبع الخلق
فحقق قولنا فيه ... فقولي كله الحق
فما في الكون موجود ... تراه ما له نطق
وما خلق تراه العين ... إلا عينه حق
ولكن مودع فيه ... لهذا صوره حق
اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى )
"إن ربي على صرط مستقيم" فينبغي أن يكون ماشيا عليه (إذا دان)، أي أطاع ومشى على طريق الانقياد.
قال رضي الله عنه :  (لك الخلق) الذي أخذ بناصية الخلق ومشى بهم على ذلك الصراط، لأن من يأخذ بناصية أحد ويمشي به عنی صراط لا بد أن يمشي عليه فهو يدب بالأصالة .
و من يمشي به يدب بالتبعية .
قال رضي الله عنه :  (فقد، دان)، أي أطاع ومشى على طريق الانقياد (لك الحق وإن دان لك الحق فقد لا يتبع الخلق) ولا يمشي على صراط الانقياد لك.
لأن كل ما يكون في مرتبة الجمع ليس يلزم أن يظهر في مقام الفرق بخلاف العكس، فإن كل ما يكون في منام الفرق لا بد أن يكون في مرتبة الجمع .
(فحقق)، أي أعتقد حقا وصدق (قولنا) الواقع (فيه)، أي فيما ذكرنا من أن انقیاد الخلق يستلزم انقياد الحق من غير عکس .
قال رضي الله عنه :  (فقولي كله) في أي شيء وقع هو (الحق) المطابق لما في نفس الأمر فإنه كما ذكر في صدر الكتاب من مقام التقديس المنزه عن الأعراض والتلبيس.
(فما في الكون موجود... تراه ما له نطق)، لأن الكل ناطق بتسبيح الله سبحانه وليس هذا النطق بلسان الحال كما يزعمه المحجوبون.
قال الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الثاني من فتوحاته : قد ورد أن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس والشرائع والنبوات مشحونة من هذا القبيل ونحن زدنا مع الإيمان بالأخبار الكشف، فقد سمعنا الأحجار تذكر الله رؤية عين بلسان نطق يسمعه آذاننا ويخاطبنا مخاطبة العارفین بجلال الله مما لیس يدرکه كل إنسان .
قال رضي الله عنه :  (وما خلق تراه العين... إلا عينه) وحقيقته (حق) ظهر في صورة الخلق فهو من حيث الحقيقة عين الحق ومن حيث الصورة غيره.
وإلى الحيثية الأخيرة أشار بقوله: (ولكن مودع فيه). أي الحق مودع في الخلق أيداع المطلق في المقيد .
(لهذا)، أي للحق (صورة)، أي صورة الخلق (حق) بضم الحاء جمع حقة .
وكذلك الصور جمع صورة ، كلاهما كتمر وتمرة ، شبه صورة الخلق بالحقة والحق المودع فيه بما فيها.
قال رضي الله عنه :  (اعلم أن العلوم الإلهية)، أي الفائضة من الحضرة الإلهية سواء كان متعلقها الحق، أو الخلق، أو المتعلقة بذات الله وصفاته وأفعاله (الذوقية)، أي الكشفية الوجدانية لا الكسبية البرهانية .
(الحاصلة لأهل الله) بالتعرية الكاملة وتفريغ القلب بالكلية عن جميع التعلقات الكونية والقوانين العلمية مع توحد العزيمة ودوام الجمعية والمواظبة على هذه الطريقة دون فترة ولا تنسم خاطر ولا تشتت عزيمة .
قال رضي الله عنه :  (مختلفة باختلاف القوی الحاصلة) تلك العلوم
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة.
فإن الله تعالى يقول : «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها.
فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد. فالهوية واحدة والجوارح مختلفة.
ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه )
 (منها)، فإن لكل منها علما يخصه سواء كانت روحانية أو جسمانية ألا ترى أن ما يحصل بالبصر لا يحصل بالسمع و بالعكس، وما يحصل بالقوى الروحانية لا يحصل بالقوي الجسمانية وبالعكس.
 ويجوز أن يكون ضمير منها راجعا إلى العلوم كما هو الظاهر ويكون من الأجل، أي القوى الحاصلة من أجل تلك العلوم ليكون وسيلة إلى تحصيلها .
وإذا كان راجع إلى القوی کما في الوجه الأول في حق التركيب الحاصلة منها كما لا يخفى وجهه (مع كونها)، أي مع كون هذه القوى (ترجع إلى عين واحدة) هي الذات الأحذية فإنها التي أظهرت صور تلك القوى (فإن الله تعالى يقول: كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها فذكر أن هويته هي عين الجوارح) والقوى المنطبعة فيها .
(التي هي عين العبد فالهوية واحدة والجوارح) مع القوى المنطبعة فيها (مختلفة) راجعة إلى تلك النوبة الواحدة فالكل يرجع إلى عين واحدة (ولكل جارحة) وقوة (علم من علوم الأذواق بخصها) ذلك العلم لا يحصل من غيرها كإدراك المبصرات للبصر والمسموعات للسمع .
ولذلك قيل : من فقد حسا فقد فقد علم، وتلك العلوم كلها حاصلة (من عين واحدة) هي الذات الأحدية (تختلف بالجوارح) التي هي مظاهر لها ويمكن أن يراد بالعين الواحدة الحقيقة العلمية.
فإنها حقيقة واحدة مختلفة باختلاف القوى والجوارح، وهذه العين الواحدة سواء كانت الذات الأحدية أو الحقيقة العلمية (كالماء) .
فإنها (حقيقة واحدة تختلف في الطعم) کالعذوبة والملوحة (باختلاف البقاع فمنه عذب فرات) يروي شاربه ويزيل العطش (ومنه


قال الشيخ رضي الله عنه : ( ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه.
وهذه الحكمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: «ومن تحت أرجلهم». فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل. )
ملح أجاج) لا يروي شاربه بل يزيد عطشه (وهو ماء في جميع الأحوال لا بتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه) باختلاف البقاع.
كذلك الذات الأحدية حقيقة واحدة تختلف بتجلياتها اختلاف المظاهر، وكذلك الحقيقة العلمية حقيقة واحدة تختلف أحوالها باختلاف القوى والجوارح الحاصلة هي منها .
وهذه الحكمة التي هي شهود أحدية من هو آخذ بناصية كل دابة (من علم الأرجل)، أي يحصل بالسلوك (وهو)، أي علم الأرجل ما يشير إليه (قوله تعالى في الأكل) الذي أثبته (لمن أقام كتبه) حيث قال : "وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ "[المائدة: 66].
وهذه الإمامة إنما تتحقق بالقيام بحقها بتدبير معانيها وفهمها وكشف حقائقها ودرکها والعمل بمقتضاها وتوفية حقوق ظاهرها وباطنها ومطلقها.
فلو أقاموها كذلك "لأكلوا من فوقهم" ، أي تغذوا بالعلوم الإلهية الفائضة على أرواحهم من جانب الحق سبحانه سواء كانت متعلقة بكيفية العمل أو لا بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم أو بالهام قبل العمل ("ومن تحت أرجلهم") ، أي بالعلوم الحاصلة لهم بحسب سلوكهم.
قال صلى الله عليه وسلم : "من عمل بما يعلم أورثه الله علم ما لم يعلم" أورده السيوطي فى الدر المنثور وابن كثير فى التفسير .
"وورد الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من عمل بما يعلم ورثه الله ما لم يعلم»  فى حلية الأولياء لأبي نعيم "
فالأكل من فوقهم هو التغذي بالعلم المتقدم على العمل والأكل من تحت أرجلهم هو التغذي بالعلوم التي أورثها العمل .
فإن قلت : إذا كان الأكل من فوقهم التغذي بالعلم المتقدم على العمل فكيف يترتب على إقامة الكتب الإلهية فإن هذه الإقامة في العمل بمقتضاها.
قلنا: لا نسلم أولا أن إقامتها في العمل بمقتضاها بل هي أعم من أن تكون تدبر معانيها وكشف حقائقها أو العمل بمقتضاهما سلمنا لكن ترتبها إنما هو باعتبار اجتماعها مع العلوم المترتبة على العمل.
وإنما قلنا هذه الحكمة من علم الأرجل (فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه)، أي في ذلك الطريق.
(والسعي) أيضا إذا كان ذلك الطريق صوريا (لا يكون إلا بالأرجل) فشبهنا السلوك بالصوري المعنوي .

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق.
«فيسوق المجرمين» وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم- وهو عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة  )
وأثبتنا الأرجل للسالك المعنوي كالسالك الصوري فسمينا العلم الحاصل من سلو که المعنوي علم الأرجل على سبيل الشبه (فلا ينتج هذا الشهود)، أي شهود الأحدية (في أخذ النواصي).
أي في كون النواصي مأخوذة (بيد من هو على صراط مستقیم) یعنی لا ينتج في ذلك إلا الأخذ بشهود وحدة الأحد.
(إلا هذا الفن الخاص) ، بعني علم الأرجل الذي هو (من علوم الأذواق)، فإن العلم الحاصل بالسلوك يفضي إلى شهود وحدة أخذ نواصي الخلائق والتصرف فيهم فقوله : هذا الشهود منصوب على المفعولية ، و هذا الفن مرفوع على الفاعلية ، وفي أخذ النواصي متعلق بلا ينتج .
ولما ذكر أن الأخذ بالنواصي كلها والعائد لأصحابها إنما هو الحق سبحانه أراد أن ينبه على أنه كما لا قائد بهم يأخذ بنواصيهم إلا هو كذلك لا سابق لهم إلا هو فهو القائد والسائق فذكر قوله تعالی : (فيسوق المجرمين وهم)، أى المجرمون هم : (الذين استحقوا المقام الذي ساقهم) الله تعالى (إليه).
أي إلى ذلك المقام (بريح الدبور التي أهلكهم) الحق سبحانه (عن نفوسهم بها)، أي تلك الريح (فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم)، أي هو سبحانه يسوقهم بالریح فأسند الفعل إلى السبب ..
(وهي)، أي الريح (عين الأهواء التي كانوا عليها) ظهرت بصورة ريح الدبور لأنها انتشت من الجهة الخفية التي لها الأدبار (إلى جهنم وهي)، أي جهنم همي (البعد الذي كانوا يتوهمونه) فإنه لا بعد في الحقيقة إذ المقامات والمواطن كلها مراتب ظهوره سبحانه فلا بعد إلا على سبيل التوهم
(فلما ساقهم) الله سبحانه بريح الدبور التي كانت صورة أهوائهم (إلى ذلك الموطن)، يعني جهنم وأخذ منهم الاسم المنتقم حقه على مر السنين والأجناب وخلصوا عن أنفسهم وعرفوا أن لا ملجأ ولا منجا إلا الله سبحانه .
(حصلوا في عين القرب) وانكشف لهم أن البعد المسمى بجهنم ما كان إلا أمرا متوهما (فزال البعد فزال مسمي جهنم) الذي هو البعد المتوهم (في حقهم) لا ذاته التي هي ذلك الموطن (فازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق) يعني استحقاتهم المقام الذي ساقهم إليه وهو جهنم.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( الاستحقاق لأنهم مجرمون.
فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة.
فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب.
«ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون»: وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء «فبصره حديد». وما خص ميتا من ميت أي ما خص سعيدا في القرب من شقي.
«ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وما خص إنسانا من إنسان. فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي.
فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى )
 (لأنهم مجرمون فما أعطاهم) الحق سبحانه (هذا المقام الذوقي اللذيذ) آخرا (من جهة المنة) من غیر عمل منهم (وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم)، أي أعيانهم الثابتة بعد اتصافهم بالوجود (من أعمالهم) بيان لما (التي كانوا عليها) مدة حياتهم. 
(وكانوا في السعي بعد أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم بيد من له هذه الصفة) يعني الاستقامة على الصراط (فما مشوا) إلى موطن جهنم (بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر) والقسر فإن ربهم الذي هو آخذ بنواصيهم جبرهم على ذلك المشي (إلى أن وصلوا إلى عين القرب) بزوال توهم البعد.
ولما أثبت القرب للمجرمين المبعدين استشهد عليه بقوله تعالى : ("ونحن أقرب إليه")، أي إلى المتوفي ("منكم ولكن لا تبصرون" وإنما هو)، أي المتوفي (يبصر فإنه مکشوف الغطاء فبصره حدید) غیر کليل ، فيبصر من هو أقرب الأشياء إليه .
(فما خص) في نسبة القرب إليه تعالى: (ميتا عن ميت، أي ما خص سعيدا في القرب) مميزة إياه (من شقي) بل شمل ذلك القرب الكل كما قال سبحانه في موضع آخر من غير تخصيص وهو قوله تعالى : (" ونحن أقرب به من حبل الوريد " فما خص إنسانا) بالقرب مميزا إياه (من إنسان) آخر في ذلك القرب.
(فالقرب الإلهي من العبد) سعيدا كان أو شقيا (لا خفاء به في الأخبار الإلهي فلا قرب أقرب من أن تكون هويته) تعالى (عين أعضاء العبد وقواه وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو)، أي العبد
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو حق مشهود في خلق متوهم.
فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود.
وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود. فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه.
فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم.
ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر.
فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة.
فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص،)  
(حق مشهود في خلق متوهم)، وهو الظل المتخيل الذي سبق (فالخلق معقول) لا يدرك إلا بالعقل و الخيال بل لا وجود له إلا فيهما .
(والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود)، أي الوجودان (وما عدا هذين الصنفين)، يعني أهل الكشف والوجود والمؤمنين لهم فهم على عكس ذلك (فالحق عندهم معقول والخلق مشهود) وأراد بما عداهما المحجوبين كالحكماء والمتکلمین و الفقهاء وعامة الخلائق .
(فهم)، أي علمهم (بمنزلة الماء الملح الأجاج) لا يروي شاربه (و الطائفة الأولى) الذين هم أهل الكشف والوجود والمؤمنون لهم علمهم (بمنزلة الماء العذب الفرات السانغ لشاربه)، والنافع لصاحبه.
(فالناس على قسمين) من الناس (من يمشي على طريق يعرفها)، أنها هي الحق (ويعرف غايتها) أنها ألحق أيضا (فهي في حقه صراط مستقیم ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها)، إنها الحق (ولا يعرف غايتها)، إنها الحق (وهي عين الطريق التي عرفها النصف الآخر) في كون كل منهما حق منتهية إلى الحق لا فرق بينهما إلا بمعرفة السالكين عليها وجهالتهم .
(فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة) يعرف بها أنه سبحانه هو الداعي والمدعو والطريق ويعرف أيضا أنه غير منقود في البداية فهو يعرف أنه يدعو اسما على اسم إلى اسم.
(وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة)، فلا يعلم وحده هذه الأشياء وكونها عين الحق ويظن أنه مفقود في البداية ، والطريق موجود في النهاية (فهذا)، أي علم الكشف والوجوه (علم خاص يأتي)، أي يحصل (من أسفل سافلين
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق. فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك والمسافر.
فلا عالم إلا هو فمن أنت؟
فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت.
وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق، فإن للحق نسبا كثيرة و وجوها مختلفة.
ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن)
لأن الأرجل هي أسفل من) أعضاء (الشخص وأسفل منها)، أي من الأرجل (ما تحتها وليس) ما تحتها (إلا الطريق) الذي يسلكه السالكون بالأرجل ويحصل لهم العلم بسلوکه بها فما يأتي عليهم إلا من أسفل سافلين.
(فمن عرف الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه فإن فيه)، أي في الحق (جل وعلا يسلك ويسافر) من عرف الحق فإن سفره ليس إلا في المعلومات التي هي الآثار ثم الأفعال ثم الأسماء والصفات وينتهي آخرة إلى الذات فلا يكون سفره إلا فيه تعالی .
(إذ لا معلوم) من تلك المعلومات (إلا هو)، لأنها مراتب ظهوره وهو الظاهر فيها (وهو عين السالك والمسافر) في تلك المعلومات العالم بها درجة درجة (فلا عالم إلا هو) كما لا معلوم إلا هو.
(فمن أنت فاعرف حقيقتك)، أي ماهيتك الموجودة (وطريقتك) التي بسلوكها تصل إلى كمالك فكل واحد منها هي الحتى لا غير (فقد بان لك الأمر) على ما هو عليه (على لسان الترجمان) الذي يترجم عن حقيقة الأمر (إن فهمت) ما ذكره لك، وذلك الترجمان نبينا صلى الله عليه وسلم حيث أني بحديث النوافل وهود عليه السلام حيث قال:"ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها" [هود: 56].
أو الشيخ رضي الله عنه حيث كشف هذه حقائق (فهو)، أي لسان الترجمان (لسان حق)، أي لسان هو حق كما ورد في الحديث القدسي:" كنت سمعه وبصره ويده ولسانه ".
(فلا يفهمه إلا من فهمه) على لفظ المصدر (حق) کسمعه وبصره وجميع قواه وجوارحه (فإن للحق نسبا كثيرة ووجوها مختلفة)، فهو بحسب بعض هذه النسب والوجوه لسان يترجم به عما يريده بحسب بعضها فهم، أي قوة فاهمة يدرك بها ما يترجم اللسان عنه .
ثم استشهد رضي الله عنه على كثرة نسبه واختلاف وجوهه بقوله : (ألا ترى عادا)  فوم هود
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ظن عبده به.
فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة و السدف المدلهمة، 
 و في هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف . فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي )
قال رضي الله عنه :   (كيف "قالوا هذا عارض ممطرنا" فظنوا خيرة بالله وهو) سبحانه (عند ظن عبده به فاضرب لهم الحق عن هذا القول) بقوله : "بل هو ما استعجلتم به " (فأخبرهم بما هو أتم وأعلا في القرب فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقي الحبة) الملقاة فيها فلا بد أن يمضي عليها زمان طويل و مدة مديدة حتى تحصل نتيجة.
ويحصل منها الغذاء الجسماني الذي هو من حظوظ أنفسهم (فلا يصلون إلى نتيجة ذلك المطر) هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه . 
وفي بعض النسخ: ذلك الظن أي ظن أنه عارض ممطر (إلا عن بعد فقال) سبحانه (لهم) مضربا عما قالوه ( "بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم" ) [الأحقاف : 24 ] فتجلى في خيالهم أولا بصورة العارض الممطر وفي جهنم ثانية بصورة "ريح فيها عذاب أليم" .
فظهر من ذلك كثرة نسبه و اختلاف وجوهه (فجعل) الحق سبحانه (الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة لهم) آخرا، بحسب روحانيتهم (فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة)، أي الصعبة (و السدف)، أي الحجب (المدلهمة)، أي المظلمة .
قال رضي الله عنه :  (وفي هذه الريح عذاب، أي أمر يستعذبونه) بحسب روحانيتهم (إذا ذاقوه إلا أنه يوجعهم في الحس الفرقة المألوفات فباشرهم العذاب) وأهلكهم . 
قال رضي الله عنه :  (فکان) في هذه الريح (الأمر)، أي الخير الذي توقعوه إليهم (أقرب مما تخیلوه)، أي الخير الذي تخيلوه في العارض الممطر .
قال رضي الله عنه :  (فدمرت)، أي أهلكت الريح ("كل شيء بأمر ربها") الذي هو بعض من الأسماء الجلالية كالقهار والمنتقم وأمثال ذلك ( "فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم " وهي)، 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية.
فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ.
وقد ورد النص الإلهي بهذا كله، إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته «حرم الفواحش» ) 
أي مساكنهم (جثثهم التي عمرتها أرواحهم الحقية) التي بواسطتها يرث الحق سبحانه أبدانهم.
أو التي هي مظاهر الاسم الحق الذي له الثبات والدوام فإن الأرواح لا يتطرق إليها فساد وهلاك بخلاف الأبدان وعمارة الأرواح الأبدان كتعمير الملائكة السماوات كما هو مذكور في الحديث وتعمير الصالحين المساجد وتعمير المنهجدين الليل .
وما قيل في قوله : عمرتها أرواحهم إشارة إلى أن الأرواح هي التي تعمر الأبدان وتكونها أولا في رحم الأم ثم تدبرها في الخارج، فهي موجودة قبل وجود الأبدان لا تصح إلا في الأرواح الكلية التي هي للكمل.
وأما الأرواح الجزئية التي لسائر الناس فلا يوجد إلا بعد حصول المزاج وتسوية البدن كما ذهب إليه الحكماء في الأرواح كلها، صرح بذلك الشيخ صدر الدین القونوي قدس الله سره في بعض رسائله (فزالت حقيقة هذه النسبة الخاصة)، أي ربوبيتها فيكون المراد بالنسب الخاصة أرواحهم التي خص كل واحد منها بدن آخر والتعبير عنها بالنسب.
إما بناء على أنها حاصلة من نسبة الروح الكلي إلى الأبدان أو على أن لها نسبة التدبير والتصرف إلى أبدانهم، فعبر عنها بالنسبة توسعة وتجوزوا.
ويمكن أن يراد بالنسبة : تعلقاتها بالأبدان في التدبير والتصرف، وبحقيتها : ثبوتها وبقاؤها قال رضي الله عنه :  (فبقيت على هياكلهم) بعد زوال الحياة (الحياة الخاصة بهم، أي بهياكلهم الناشئة (من) تجني (الحق سبحانه عليهم بالاسم الحي الساري في الكل فإن لأبدان الحيوانات نوعين من الحياة.
أحدهما : الحياة الحاصلة لها بواسطة تعلق الأرواح بها،
وثانيهما : الحياة اللازمة لها لسريان الوجود الحق لجميع صفاته كالحياة والعلم، وغيرهما في كل موجود .
فإذا انقطعت علاقة الأزواج من الأبدان زالت الحياة الأولى وبقيت الثانية الخاصة بها، أي الحاصلة لها من غیر توسط أمر مغاير لها.
وهذه الحياة الخاصة في (التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل)، كما وقع في الكلام الإلهي قال رضي الله عنه :  (وعذبات الأسواط والأفخاذ) كما ورد في الحديث النبوي. 
قال رضي الله عنه :  (وقد ورد النص الإلهي) إما من مقام الجمع الإلهي، أو الفرق النبوي كما ذكرنا بهذا الذي ذكرناه (كله إلا أنه مالی وصف نفسه) على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم  (بالغيرة) حيث 



قال الشيخ رضي الله عنه : ( وليس الفحش إلا ما ظهر. وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له.
فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق:
فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم )
قال صلى الله عليه وسلم : "إن سعدا لغيور وأنا أغير من سعد والله أغير منا" (ومن غيرته حرم الفواحش) ما ظهر منها وما بطن .
قال رضي الله عنه :  (وليس الفحش)، أي الفاحش (إلا ما ظهر)، أي ليس فحش الفاحش وشناعته إلا باعتبار ظهوره.
ولما كان هذا الحكم بحسب الظاهر منافيا لما وقع في الكلام الإلهي حيث قال : حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
دفعه بقوله : (وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر) ذلك الفحش الباطن (له) فثبوت الفحش له باعتبار ظهوره لا باعتبار بطونه فليس الفحش إلا لما ظهر .
قال رضي الله عنه :  (فلما حرم) الله سبحانه (الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه وهي)، أي حقيقة ما ذكرناه (أنه)، أي الله سبحانه (عين الأشياء) من حيث الحقيقة (فسترها)، أي تلك الحقيقة الواجب سترها عن المحجوبين (بالغيرة)، أي بستر الغيرية.
(وهو)، أي الغيرة والتذكير باعتبار الخبر (أنت)، أي أنانيتك إذا اعتبرتها ولاحظتها وأما إذا لم تعتبرهما ونظرت إليها بعين الفناء كما هي عليه في نفس الأمر فلا غيرة ولا غيرية (من الغير).
 أي الحكم بأنها أنت إنما هو باعتبار أنها مأخوذة من الغير فإنك من حيث أنانيتك مغاير له سبحانه (فالغير)، أي الذي هو غير الحق في نظره وكذلك الأشياء الأخرى مع مغايرة بعضها لبعض مغاير للوجود الحق (يقول السمع، سمع زید) مثلا.
قال رضي الله عنه :  (والعارف) بالأمر على ما هو عليه (يقول السمع)، أي سمع زيد منا (عين الحق وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء)، فهو مضاف إلى زيد وأمثاله عند الغير الذي هو جاهل و عین الحق عند العارف (فما كل أحد عرف الحق) على ما هو عليه من أنه عين الأشياء .
قال رضي الله عنه :  (فتفاضل الناس) في هذه المعرفة (وتميزت المراتب)، أي مراتبهم فيها (فبان الفاضل) الذي له فضل على ما سواه تفضيلة المعرفة عن المفضول (و) بان (المفضول) لعدمها عن الفاضل.
(واعلم أنه لما أطلعني الحق) سبحانه (وأشهدني أعيان رسله) في البرزخ المثالي 

قال الشيخ رضي الله عنه : ( إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود )
قال رضي الله عنه :  (وأنبيائه كلهم البشريين) قید به ليخرج رسل الملائكة . 
وقيل : لأن كل ظاهر نبي عن باطن فهو نبي بهذا الاعتبار عند العارفين .
وقيل : لأن لكل نوع عندهم نبيا هو واسطة بينه وبين الحق سبحانه كما أشار إليه قوله تعالى: «وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم".
قال رضي الله عنه :  (من آدم إلى محمد صلوات الله عليهم أجمعين في مشهد) حصل لي الشهود فيه (أقمت) بإقامة الحق إياي (فيه بقرطبة) مدينة من بلاد المغرب (سنة ست وثمانين وخمسمائة ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام).
وكأنه كان ذلك لمناسبة مشربه وذوقه عليه السلام بمشرب الشيخ وذوقه رضي الله عنه (فإنه) ، أي هود عليه السلام.
قال رضي الله عنه :  (أخبرني بسبب جمعيتهم) قيل : كان سبب جمعيتهم تهنئته قدس الله سره بأنه خاتم الولاية المحمدية و قيل كان سببها إنزاله في مقام القطبية.
ويخدش لوجه الأخير أن كلامه في مواضع من كتبه كالفتوحات و غيره : يدل على أنه من الأفراد ويمكن دفعه بأن كونه من الأفراد إنما هو في وقت تصنيفه تلك الكتب وكونه من الأقطاب إنما هو في وقت تصنيفه ذلك الكتاب لأنه أخر مصنفاته .
قال رضي الله عنه :  (ورأيته) أي هود عليه السلام (رجل ضخما من الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور وكاشفا لها ودليلي على كشفه لها) من القرآن (قوله تعالى: "ما من دابة إلا هو ، آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" [هود: 26]. وأي بشارة للخلق أعظم من هذه) المقالة .
قال رضي الله عنه :  (ثم من امتنان الله علينا أن أوصل) إلينا (هذه المقالة عنه في القرآن ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان، أي هو عين الحواس) والأعضاء الظاهرة والقوى الروحانية المجردة عن المواد الهيولانية المظلمة (أقرب) إلى الله سبحانه (من) تلك (الخواص) و الأعضاء الجسمانية (فاكتفى) النبی صلى الله عليه وسلم  (بذكر الأبعد المحدود)، أي المعلوم حده وحقيقته
"" أضاف الجامع : الهيولي جوهر قابل لما يعرض للجسم من أشكال. كالخشب للكرسي والحديد للمسمار.  
يقول الشيخ رضي الله عنه  الهيولي : هو العنصر الأعظم ، الذي هو أصل السماوات والأرض وما بينهما ، وأصل أركانها ومادتها  .
ويقول الشيخ عبد الحق بن سبعين الهيولي : هو جوهر بسيط قابل للصورة  .
ويقول الشيخ كمال الدين القاشاني الهيولي : عندهم "الصوفية" اسم الشيء بالنسبة إلى ما يظهر فيه من الصور ، فكل باطن يظهر فيه صورة يسمونه هيولي  .
ويقول الشيخ شهاب الدين السهروردي : إن في الجسم ما يقبل الانفصال والاتصال . فالذي يقبل ذلك جزء للجسم فيه الاتصال ويسمى القابل : هيولي ، والمقبول : صورة . و الهيولي لا يتصور وجودها دون الصورة ، لأنها لم تخل حينئذ من الوحدة والكثرة ، وأيهما لزمها يكون اقتضاء لماهيتها واجبا بها  . "" 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( عن الأقرب المجهول الحد.
فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم «و ما يجحد بآياتنا إلا الكافرون» فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدا منهم و نفاسة و ظلما.
وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أو صله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه.
أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء. فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق.) 
أي المعلوم حده وحقيقته (عن الأقرب المجهول الحد) .
والحقيقة فإنه إذا كان عين الأبعد يلتزم بالطريق الأولى أن يكون عين الأقرب (فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا) مفعول له .لقوله : ترجم


قال رضي الله عنه :  (وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ) عن الله (مقاله)، أي متانة الله التي ترجم بها عن هود عليه السلام (بشرى) أيضا تنا (فكل العلم) بهاتين الترجمتين ("في صدور الذي أوتوا العلم"  "وما يجحد بها إلا الكافرون")، أي الساترون تلك الآيات بالجحود والإنكار .
قال رضي الله عنه :  (فإنهم يسترونها)، أي تلك الآيات (وإن عرفوها حسدا منهم)، على من تظهر فيه تلك الآيات (ونفاسة)، أي ضنا و بخلا على خزائن رحمة الله وعنايته أن يعطي غيرهم ما لم يعطهم (وظلما) على تلك الآيات وعلى من أتى بها وعنى أنفسهم أيضا.
قال رضي الله عنه :  (وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها) من مقام الجمع الإلهي (إو إخبار عنه) تعالى (أوصله إلينا) من مقام الفرق النبوي (فيما يرجع إليه)، أي في بيان معنى يرجع إليه من يتصف هو به .
قال رضي الله عنه :  (إلا) متلبسا (بالتحديد) والتقييد (تنزيها كان) مما يرجع اليه (أو غير تنزيه أوله)، أي أول ما يرجع إليه من الصنات (العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء وكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق) .
""أضاف المحقق : يشير المصنف الى حديث أبي رزين العقيلي :  
قلت: "يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟
قال: هل ترون ليلة البدر القمر أو الشمس بغير سحاب؟
قالوا: نعم قال: فالله أعظم.
قلت: يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض؟
 قال: في عماء، ما فوقه هواء وما تحته هواء". رواه ابن حبان في صحيحة وله شواهد وورد فى المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة  ""
 فالعماء لغة هو السحاب الرقيق الساتر لنور الشمس واصطلاحا ،

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد.
ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد. ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا.
ونحن محدودون، فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله ليس كمثله شيء حد أيضا إن أخذنا الكف زائدة لغير الصفة.
ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود. فالإطلاق عن التقيد تقييد، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم.
وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه، وإن أخذنا «ليس كمثله شيء» على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها.)
التعيين الجامع لجميع التعينات على سبيل الإجمال .
قال رضي الله عنه :  (ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا تحديد أيضا ثم ذكر أنه ينزل إلى سماء الدنيا فهذا تحديد) أيضا (ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض) كما قال تعالى، وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله ، فهذا تحديد أيضا .
قال رضي الله عنه :  (و) ذكر (أنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عیننا ونحن محدودون فما وصف نفسه) في الصورة المذكورة (إلا بالحد وقوله : "ليس كمثله شئ") الذي هو بالغ في التنزيه (حد أيضا إن كانت الكاف زائدة لغير الصفة) فيكون المعنى ليس مثله شيء فقد تميز عن الأشياء المحدودة .
قال رضي الله عنه :  (ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين المحدود فالإطلاق عن التقييد تقیید) بالإطلاق (والمطلق) المقابل للمقيد (مقيد بالإطلاق لمن فهم وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه)، لأن في نفي مثل المثل إثبات المثل وهو تحديد.
قال رضي الله عنه :  (وإن أخذنا) قوله تعالى: ("ليس كمثله شئ" على نفي المثل) مطلقا سواء كانت الكاف زائدة وهو ظاهر أو غير زائدة على سبيل الكناية كما في قولك : مثلك لا يبخل.
(تحققنا)، أي علمنا حقيقة (بالمفهوم وبا لإخبار الصحيح أنه عين الأشياء). أما بالمفهوم فلأنه إذا نفي عن الأشياء مثليته يفهم منه بالمفهوم المخالف عينية .
وأما بالاخبار الصحيح فـ لقوله : "كنت سمعه وبصره" الحديث.

قال رضي الله عنه :  (والأشياء) كلها (محدودة وإن اختلفت حدودها فهو)، أي الحق سبحانه (محدود بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو)، أي ما يحد ذلك الشيء (حد للحق سبحانه
فهو)، أي الحق سبحانه 
قال الشيخ رضي عنه : ( فهو الله محدود بحد كل محدود.
فما يحد شيء إلا وهو الحق. فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود. فهو عين الوجود، «وهو على كل شيء حفيظ» بذاته، «ولا يؤده» حفظ شيء. فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشي ء غير صورته.
ولا يصح إلا هذا، فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود.
فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير.
فهو الكون كله ... وهو الواحد الذي )
بحد كل محدود فما يحد شيء إلا وهو)، أي ما يحد ذلك الشيء (حد للحق سبحانه
فهو)، أي الحق سبحانه (الساري) بهويته العينية المطلقة (في مسمى المخلوقات) المسبوقة بالمدة والمادة (والمبدعات) الغير المسبوقة بشيء منها سريان المطلق في المقيد
قال رضي الله عنه :  (ولو لم يكن الأمر)، أي أمر سريان (كذلك)، أي بحيث يعم الكل (ما صح الوجود)، أي وجود حقيقة من الحقائق لا يكون إلا بسريانه فيها .
(فهو)، أي الحق سبحانه (عين الوجود) إذ ليس الوجود إلا ما تحقق الحقائق بسريانه فيها وإذا كان عين الموجود (فهو على كل شيء حفيظ) يحفظه عن الانعدام.
قال رضي الله عنه :  (بذاته)، أي حفظه للأشياء مقتضى ذاته ("ولا يؤده") ، أي لا يثقله ولا يتعبه (حفظ شيء)، إذ مقتضى ذات الشيء لا تثقله ولما كانت الأشياء صورته إذ المقيد صورة المطلق .
قال رضي الله عنه :  (فحفظه للأشياء كلها) عن أن تتقدم ظهوره لصورها (حفظه لصورته عن أن يكون الشيء غير صورته)، فإنه لما لم يكن الظاهر بصور الأشياء إلا شو فلا محالة لا تكون الأشياء غير صورته، فحفظه للأشياء على الوجه الخاص فيستلزم حفظها لها عن أن تكون غيره .
فيصح أن يقال : حفظه الأشياء حفظ لها عن أن يكون غير صورته (ولا يصح إلا هذا)، أي الشيء غير صورته، ولما كان المقيد صورة المطلق والصورة من حيث الحقيقة عين في الصورة و من حيث التعين غيره.
قال رضي الله عنه :  (فهو الشاهد من الشاهد) الذي هو بعض من صوره (وهو المشهود من المشهود) الذي هو بعض آخر من صوره وإذا كان بعض كل شيء صورته .
(فالعالم) بجميع أجزائه (صورته وهو)، أي الحق سبحانه (روح العالم المدبر له فهو)، أي العالم مع الروح المدبر له (الإنسان الكبير فهو)، أي الحق سبحانه (الكون كله)، أي الموجودات كلها لأنها 
قال الشيخ رضي عنه : (
قام كوني بكونه ... ولذا قلت يغتذي
فوجودي غذاؤه ... وبه نحن نحتذي
فبه منه إن نظرت ... بوجه تعوذي
ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية من إيجاد صور العالم التي قلنا هي ظاهر الحق )

صوره، والصورة عين ذي الصورة بوجه (وهو الواحد الذي قام كوني بكونه)، أي وجودی بوجوده لظهوره بصورتي فأنا قائم موجود به وهو ظاهر بي (فلذا)، أي لقيام وجودي بوجوده بظهور وجوده بي.
قال رضي الله عنه :  (قلت بغندي)، أي يغتذي بي من حيث الظهور ظهوره متحقق وقائم بي كتحقق المغتذي وقيامه بالغذاء.
وفي بعض النسخ: وإذا قلت: يتغدي فهو شرط وجزاء قوله :
قال رضي الله عنه :  (فوجودي غذاؤه وبه)، أي بالحق سبحانه (نحتذي)، أي تغتذي فهو كما يغتذي بنا كذلك نحن نتغذى به لكن في الوجود والوجود کوجود المغتذي بالغذاء وإذا كانت الأشياء كلها عينه من حيث الحقيقة (فبه منه إن نظرت... بوجه)، أي بوجه الإطلاق والجمعية قال رضي الله عنه :  (تعوذي) كما قال صلى الله عليه وسلم : "وأعوذ بك منك ". رواه البيهقي وابن خزيمة فى صحيحه و ابن حبان وابن ماجة والمستدرك  .
"" الحديث : رسول الله وهو يقول: «اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» رواه مسلم ""

(ولهذا الكرب)، أي لكرب اندراج الكون كله في الحق سبحانه كما فهم من قوله وهو الكون كله (تنفس)، أي تجلى لإظهار ما في الباطن من أعيان العالم .
(فنسب) الحق سبحانه (النفس إلى) الاسم (الرحمن) على لسان نبينا .
حيث قال : "إني لأجد نفس الرحمن من قبل اليمن" .الطبراني و الجامع الصحيح للسنن والمسانيد.
وإنما نسب النفس إلى الاسم الرحمن لا إلى غيره من الأسماء (لأنه)، أي الحق سبحانه (رحم به)، أي بالرحمن (ما طلبته النسب)، أي الأسماء (الإلهية من ايجاد صور العالم) يعني صوره
الموجودة لأن متعلق الرحمة (التي) هي الوجود المنبسط على الماهيات إنما هو الصور الموجودة التي (قلنا هي)، أي صور العالم
قال الشيخ رضي عنه : ( إذ هو الظاهر، وهو باطنها إذ هو الباطن، و هو الأول إذ كان و لا هي، و هو الآخر إذ كان عينها عند ظهورها.
فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول، « وهو بكل شيء عليم» لأنه بنفسه عليم.
فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم فانتسبوا إليه تعالى فقال: «اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي» أي آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم وأردكم )

قال رضي الله عنه :   (ظاهر الحق إذ هو)، أي الحق (الظاهر وهو)، أي الحق (باطنها)، أي باطن تلك الصور .
قال رضي الله عنه :  (إذ هو)، أي الحق (الباطن) فظاهرية الحق إنما هي باعتبار ظهوره بصور العالم و باطنيته باعتبار بطونه فيها .
قال رضي الله عنه :  (وهو الأول إذ كان) هو (ولا هي) إذ كان الحق ولم يكن صور العالم
كما قال صلى الله عليه وسلم  : "كان الله ولا شيء معه" . فهو متقدم عليها وهذا التقدم، وهو المراد بالأولية.
الحديث أورده الحافظ ابن حجر فى فتح الباري وله شواهد  بصحته.

"" أضاف الجامع : الحديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يزال الناس يسألون حتى يقولوا: كان الله قبل كل شيء فما كان قبله؟ . مسند أحمد و مسند البزار و ابن عساكر والسيوطي فى جمع الجوامع.
وأيضا حديث : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقبلوا البشرى يا بني تميم» . قال: قالوا: قد بشرتنا فأعطنا. قال : «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن» .
قال: قلنا: قد قبلنا، فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان؟
قال: «كان الله قبل كل شيء، وكان عرشه على الماء، وكتب في اللوح ذكر كل شيء» مسند أحمد و ابي نعيم فى الحلية و الإبانة الكبرى لابن بطة و المسند الموضوعي الجامع للكتب العشرة. ""

قال رضي الله عنه :   (وهو) سبحانه (الآخر إذ كان عينها)، أي عين صور العالم (عند ظهورها) ولها التأخر فهو باعتبار ظهوره بها له الآخر به (فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول) هذا باعتبار التنزل من الحق إلى الخلق .
وأما باعتبار الترقي من الخلق إلى الحق فالآخر عين الباطن والظاهر عين الأول.
قال رضي الله عنه :  ("وهو بكل شيء عليم" لأنه بنفسه عليم) * [البقرة : 92]، وعلمه بنفسه عين علمه بالعالم (فلما أوجد) الحق سبحانه (الصور) التي هي عين العالم روحانية كانت أو جسمانية (في النفس) الرحماني الذي هو هيولى بصور الحروف والكلمات والكلام (وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء) .
لوجود مجالي تصرفاتها (صح النسب الإلهي للعالم)، أي أنساب العالم إلى الحق سبحانه بأنه مخلوق و مربوب له .(فانتسبوا)، أي أهل العلم إليه تعالی .
فقال تعالى: "يوم القيامه" ("اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي" أي أخذ عنكم انتسابكم)، أي انتسابكم ذواتكم وصفاتكم وأفعالكم . الحديث رواه الطبراني في الصغير و الحاكم في المستدرك 
قال الشيخ رضي عنه : ( إلى انتسابكم إلى.  أين المتقون؟
أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة، وهو أعظم الناس وأحقه وأقواه عند الجميع.
وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية للحق بصورته إذ هوية الحق قوى العبد. فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير العالم.
«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون)   
قال رضي الله عنه :  (إلى أنفسكم و أردكم إلى انتسابكم إلى) فترون ذواتكم عين ذواتي وصفاتكم عين صفاتي وأفعالكم عين أفعالي ولا تنسبوها إلا إلى.
قال رضي الله عنه :  (أين المتقون أي الذين اتخذوا الله وقاية) لأنفسهم حيث تحققوا بفناء أنياتهم وحقائقهم فكيف بفناء صفاتهم وأفعالهم (فكان الحق ظاهرهم، أي عين صورهم) العلمية والعينية (الظاهرة) أو ظهور العينية فـ بالنسبة إلى الصور العلمية.
وأما ظهور الصور العلمية فـ بالنسبة إلى ما هي صور له وهو الشؤون الذاتية وإنما كان الحق ظاهرهم، لأنه وقاية لهم والوقاية ظاهر من يسترها وهو باطنها.
والمراد بصورهم الظاهرة ما يعم القوى الظاهرة وما يعم القوى الظاهرة والباطنة ، بل الأعيان وباطنة فكلها صور ظاهرة الثابتة فإنها وإن كانت منقسمة إلى ظاهره - بالنسبة إلى أعيانهم الثابتة التي هي أيضا ظاهرة بالنسبة إلى الأسماء الإلهية وهي بالنسبة إلى عين الذات المجهول النعت.

قال رضي الله عنه :  (وهم)، أي المنقون بالمعنى المذكور حيث عرفوا فناءهم الأصلي فكان الحق وجوداتهم الظاهرة وأعيانهم الباطنة لفناء أنياتهم وحفائفهم فكيف بصفاتهم وأفعالهم، فهم الشاهدون له بذاته المشاهدون لجماله بعينه فهم (أعظم الناس) قدرة (وأحقهم) وجودة وقربا (وأقواهم) صفة وفعلا .
وفي النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وهو أعظم الناس بإفراد الضمير حملا على المعنى، أي المتقي أعظم الناس موافقة لقوله: (وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية اللحن بصورته) المحسوسة المشهودة لا بقواه الباطنة فيها (إذ هوية الحق) التي يكون العبد بصورته وقاية لها هي (قوى العبد) الباطنة فكيف يكون العبد بقواه الباطنة التي هي عين هوية الحق وقاية لها.

قال رضي الله عنه :  (فجعل مسمى العبد) بصورته المشهودة (وقاية بمسمى الحق)، الذي هو عين قوى الحق الباطنة فكل واحد من هذا الاتحاد والجعل إنما اعتبر إذا كانا مبنيين (على الشهود)، أي المشاهدة والكشف لا على الاستدلال والتقييد.
قال رضي الله عنه :  (حتى يتميز العالم) بالعلم الشهودي (من غير العالم) على هذا الوجه فغير العالم يشمل المستدل والمقلد كليهما .
قال رضي الله عنه :  ("هل يستوي الذين يعلمون ") الأمر على ما هو عليه علما شهوديا ("والذين لا يعلمون") الأمر كذلك 
قال الشيخ رضي عنه : (  إنما يتذكر أولوا الألباب» وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء. فما سبق مقصر مجدا كذلك لا يماثل أجير عبدا.
وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه والعبد وقاية للحق بوجه.
فقل في الكون ما شئت: إن شئت قلت هو الخلق.
وإن شئت قلت هو الحق.
 وإن شئت قلت هو الحق الخلق.
وإن شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه.
وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب.
ولو لا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول )

قال رضي الله عنه :  ("إنما يتذكر") بأمثال هذه العلوم ("أولوا الألباب") [الزمر: 9] المذكورة هذه العلوم وأمثالها في أصل فطرتهم (وهم الناظرون بعين الكشف) والمشاهدة بعد تصفية قلوبهم وتخليتها بالكلية عن الصور الكونية .
قال رضي الله عنه :  (في لب الشيء الذي هو المطلوب من) ذلك (الشيء) وهو الاسم الإلهي الذي يكون المقصود من وجود ذلك الشيء مظهريته .
قال رضي الله عنه :  (فما سبق مقصر) في هذه التصفية (مجدا) فيها بل لم يتحق، (كذلك لا يماثل أجير) يعمل للأجرة (عبدا) يعمل للعبودية فإن الأجير عند أجرته بتصرف من باب المستأجرة عند وصولها والعبد ملازم لباب سيده غير منصرف عنه على حالي أصلا فكذلك بعبدا الحق لمحض العبودية ليس من بعبده للفوز بالجنة والنجاة من النار.
قال رضي الله عنه :  (وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه) وهو وجه ظاهريه الحق للعبد (والعبد وقاية للحق بوجه) وهو وجه کون العبد ظاهرا للحق.
(فقل في الكون)، أي الموجودات الكائنة (ما شئت إن شئت قلت : هو الخلق) باعتبار كون الخلق ظاهرا والحق باطنا.
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت: هو الحق)، باعتبار کون الحق ظاهرا والخلق باطنا .
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت : هو الحق والخلق) بالاعتبارين .
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت لا حق من كل وجه)، لأنه بأحد الوجهين (ولا خلق من كل وجه)، لأنه بأحد الوجهين حق.
قال رضي الله عنه :  (وإن شئت قلت : بالحيرة في ذلك) لعدم التمييز بين الوجهين.
(فقد بانت)، أي ظهرت هذه (المطالب) المذكورة المفصلة (بتعينك) بحسب استعدادك وسلوكك (المراتب) فإن كنت في مرتبة قرب النوافل قلت : هو الخلق.
وإن كنت في مرتبة قرب الفرائض قلت : هو الحق.
وإن كنت في مرتبة الجمع بينهما قلت : هو الحق الخلق.
وإن كنت في مرتبة التحقيق والتمييز بين المراتب الإلهية والخلفية 
قال الشيخ رضي عنه : (  الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه.
فلا تنظر العين إلا إليه ... و لا يقع الحكم إلا عليه
فنحن له وبه في يديه ... و في كل حال فإنا لديه
لهذا ينكر ويعرف وينزه ويوصف.   
قلت : لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه. وإن كنت في مرتبة العجز وعدم التمييز قلت: بالحيرة.
ثم أنه رضي الله عنه أكد ما بصدد بيانه من أن كل ما ورد من عند الله فيما يرجع إليه إنما ورد بالتحديد بقوله : (ولولا التحديد) واقعة في نفس الأمر (ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصورة) بانخلاعه عن صورة وتلبسة بأخرى .
كما جاء في الحديث الصحيح:" أن الحق تعالى يتجلى يوم القيامة للخلق في صورة منكرة فيقول:" أنا ربكم الأعلى " [النازعات : 24].
فيقولون: "نعوذ بالله منك فيتجلى في صورة عقائدهم فيسجدون له" .

""حديث البخاري ومسلم : قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟» قالوا: لا يا رسول الله، قال: «هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟» قالوا: لا يا رسول الله.
 قال: " فإنكم ترونه، كذلك يجمع الله الناس يوم القيامة فيقول: من كان يعبد شيئا فليتبعه، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها، فيأتيهم الله تبارك وتعالى في صورة غير صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا، فإذا جاء ربنا عرفناه، فيأتيهم الله تعالى في صورته التي يعرفون، فيقول: أنا ربكم.
فيقولون: أنت ربنا فيتبعونه ويضرب الصراط بين ظهري جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من يجيز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعوى الرسل يومئذ: اللهم سلم، سلم...الى آخر الحديث . رواه البخاري ومسلم وأحمد وغيرهم "".

قال رضي الله عنه :  (ولا وصفته الرسل بخلع الصور عن نفسه) بأن ينخلع عن الصور كلها فيحدد بتقييده بانخلاعه عنها وإذا كان الحق سبحانه ظاهرة في كل محدود و شاهد في كل مشهود قال رضي الله عنه :  (فلا تنظر العين)، أي عين البصر والبصيرة في المظاهر الصورية والمجاني المعنوية (إلا إليه) سبحانه (ولا يقع الحكم) الواقع من كل حاكم يحكم على تلك المظاهر والمجالي بأي حكم كان.
(إلا عليه) لأنه هو الظاهر فيها والظاهر عين المظهر من وجه.
قال رضي الله عنه :  (فنحن) عبيد (له) قائمون (به) حال كوننا مأسورين (في يدیه) يتصرف فينا كيف يشاء.
(وفي كل حال) يحولنا إليها (فإنا) حاضرون (لديه) لا ينفك عنا ولا نفك عنه كما قال تعالى : "وهو معكم أين ما كنتم " [الحديد: 4].
قال رضي الله عنه :  (ولهذا)، أي لاختلاف ظهوراته وتعدد مظاهره (ينکر) تارة فيما ينكر من المظاهر (ويعرف) أخرى فيما يعرف منها (و)
قال الشيخ رضي عنه : (  فمن رأى الحق منه فيه بعينه فذلك العارف.
ومن رأى الحق منه فيه بعين نفسه فذلك غير العارف.
ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه بعين نفسه فذلك الجاهل.
وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها :
فإذا تجلى له الحق فيها عرفه و أقر به، و إن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه فلا يعتقد معتقد إلها إلا بما جعل في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما )

كذلك ينزه فيما (ينزه) من المظاهر المنزهة (ویوصف) بما تنزه عنه تلك المظاهر في مظاهر أخر.
أو نقول معناه ينكر في بعض المظاهر بأن يكون ذلك البعض ممن نكره ويعرف في بعضها بأن يكون ذلك البعض من القائلين بالتنزيه .
ويوصف، أي يشبه في بعض المظاهر إذا كان من القائلين بالتشبيه أو نقول معناه ينكر إذا کان متجليا في غير صورة معتقد المتجلى له.
ويعرف إذا كان على صورة معتقده وينزه إذا كان اعتقاده التنزيه ، ويوصف إذا كان اعتقاده التشبيه .


قال رضي الله عنه :  (فمن رأى الحق) رؤية منشأة (منه)، أي من الحق بأن يكون الرائي هو الحق (فيه)، أي في الحق بأن يكون المجلي أيضا الحق سبحانه (بعينه)، أي بعين الحق بأن تكون آلة الرؤية عين الحق لا عين نفسه.
قال رضي الله عنه :  (فذلك) الرائي هو (العارف ومن رأى الحق منه بعين نفسه فذلك غير العارف) الذي يعرف الحق بجميع اعتباراته.
فإنه وإن كان عارف بأن الراني والمجلى هو الحق لكنه لم يعرف أن عينه عین الحق، بل توهمها غيرها وتخيل أنه رآها بذلك الغير وليس هذا من مقتضیات المعرفة .
لأن العارف يعلم أن الحق لا يراه إلا عينه (ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه) في الآخرة (بعين نفسه) لا بعين الحق.
قال رضي الله عنه :  (فذلك الجاهل)، فإنه ما رآه في هذه البشارة وما أنتظر رؤيته في الآخرة على ما هو الأمر عليه في نفسه . فإن رؤيته في الآخرة تكون بعين الحق لا بعين الرائي.
قال رضي الله عنه :  (وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه برجع بها)، أي بتلك العقيدة (إليه) سبحانه إذا رجع إليه دنيا وأخرى (ویطلبه فيها)، أي في تلك العقيدة إذا طلبه.
(فإذا تجلى له الحق فيها)، أي في صورة عقيدته (عرفه) أنه ربه (وأقر به).
قال رضي الله عنه :  (وإن تجلى له في غيرها)، أي في غير صورة عقيدته (أنكره). ولم يعرفه (وتعوذ منه) أن يعتقده ربه (وأساء الأدب عليه في نفس الأمر) بنفي كونه ربه فإنه من بعض تجلياته (وهو عند نفسه أنه تأدب معه) حيث نفى عنه ما لا يليق به في زعمه.
قال رضي الله عنه :  (فلا يعتقد معتقد) من المحجوبين (إلها) إلا بما جعل، أي (إلا بجعله له في نفسه) وخلقه فيها فإن أصحاب الاعتقادات لا يعتقدون  

قال الشيخ رضي عنه : (  رأوا إلا نفوسهم و ما جعلوا فيها.
فانظر: مراتب الناس في العلم بالله تعالى هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة.
وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك . فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه. فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد فإنه يقول «فأينما تولوا فثم وجه الله» وما ذكر أينا من أين. ) 

بالألوهية إلا الاعتقادية المجعولة في أنفسهم التي جرموا بها واعتقدوا حنينها وبطلان ما يغادرها قال رضي الله عنه :  (فالإله في الاعتقادات) المنضوية على عقد القيود وهي اعتقادات المحجوبين لا تكون (إلا بالجعل فما رأوا) حين رأوا إلههم.
قال رضي الله عنه :  (إلا نفوسهم وما جعلوا فيها) من الصور الاعتقادية التي توهموا أن إلههم عليها فهذه الصور الاعتقادية وإن كانت الأصنام المتخذة في الجعل والتعمل .
لكن الحق سبحانه بسعة رحمته ينفخ فيها روح الحقية فرحم العائدين إليها بسبب صحة معاملاتهم معها على أمر ما أمروا به مع الحق الظاهر في تلك الصور الغير المحصورة فيها .

قال رضي الله عنه :  (فانظر مراتب الناس في العلم بالله) في هذه النشأة (هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة) فمن اعتقده منحصرا في صورة مخصوصة لا يراه يوم القيامة إلا فيها.
ومن لم يقيده برؤية مخصوصة واعتقد أنه المتجلي في كل الصور لا غير عرفه في كل صورة يراه .

قال رضي الله عنه :  (وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك)، أي لكون مراتب العلم غير مراتب الرؤية وذلك السبب المعلم به هو رجوع كل واحد إلى صورة معتقده، فمن کان سورة معتقده مقيدة لا يرى الحق إلا فيها، ومن لم تكن صورة معتقده مقيدة بل معلقة يراه في كل صورة.
قال رضي الله عنه :  (وإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير کبیر) وهو شهوده سبحانه فيما كفرت به (بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه السلام) فإنه غير محصور فيما قيدته به وكفرت بما سواه .
بل هو شامل للكل ظاهر في الجميع من غير تقييد .

قال رضي الله عنه :  (فكن في نفسك هیوای) قابلة (لصور المعتقدات كلها) وأقبل كل صورة ترد عليك وأعتقد أنها بعض مجانيه وهو غير منحصر فيها .
قال رضي الله عنه :  (فإن الإله) الحق تعالى (أوسع وأعظم) من (أن يحصره عقد دون عقد فإنه) تعالى (يقول: "فأينما تولوا فثم وجه الله " وما ذكر أينا)

قال الشيخ رضي عنه : (  وذكر أن ثم وجه الله، ووجه الشيء حقيقته.
فنبه بذلك قلوب العارفين لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض، فقد يقبض في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على حضور.
ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا يلزم في الصورة الظاهرة والحال المقيدة التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته، و هو بعض مراتب وجه لحق من «فأينما تولوا فثم وجه الله». فشطر المسجد )
مميزة إياه (من أين) آخر (و) ما (ذكر أن ثمة)، أي في الأين الأول مثلا ("وجه الله") دون ألأين الآخر (ووجه الشيء حقيقته) فتكون حقيقة الحق سبحانه متجلية في كل أين وظاهرة في كل عين .
قال رضي الله عنه :  (فنبه بهذا) الذي ذكر (قلوب العارفين) على شمول وجه المطلق على كل أين وعين.
(لنلا يشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا) الوجه المطلق الغير المقيد بأين دون أين .
بل يستحضرونه في كل ما يرد عليهم من عوارض الحياة الدنيا فيحظون بالعلم الأتم والشهود الأعم .
كما أشار إليه الشيخ رضي الله عنه بقوله:
عقد الخلائق في الإله عقائدا     ……. وأنا اعتقدت جميع ما اعتقدوه
قال رضي الله عنه :  (فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض) فيستحضره في ذلك النفس وإذا لم يدر في أي نفس يقبض ولم يستوعب أستحضاره جميع الأنفاس (فقد بقبض) بعضهم في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على صفة (حضور) .
فإن الأول يحشر وجهه إلى غير الحق سبحانه فيستحق البعد والطرد .
والثاني بحشر ووجهه إلى الحق سبحانه مشاهد إياه فيسعد بالسعادة العظمى والمثوبة الكبرى .
قال رضي الله عنه :  (ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا)، أي بعدم انحصار الحق في أبنية خاصة وجهة معينة (يلزم)، أي يلازم في الصورة الظاهرة الحسية اللدنية لا في الصورة الباطنة القلبية الروحية .
قال رضي الله عنه :  (و) في (الحالة المقيدة) المخصوصة التي حالي الصلاة (التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام) انقيادا لأمر الحق سبحانه واتباع لشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم (ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته) غير منحصر فيها .
"" أضاف المحقق : حديث البخاري ومسلم :  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه، ثم أقبل على الناس فقال: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى الله عليه وسلم" . ورواه غيرهما""
قال رضي الله عنه :  (وهي)، أي قبلته (بعض مراتب) ظهور (وجه الحق) المفهومة من قوله تعالى: ("فأينما تولوا فثم 
قال الشيخ رضي عنه : (  الحرام منها، ففيه وجه الله.
ولكن لا تقل هو هنا فقط، بل قف عند ما أدركت و الزم الأدب في الاستقبال شطر المسجد الحرام و الزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية الخاصة، بل هي من جملة أينيات ما تولى متول إليها. فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية كل وجهة، و ما ثم إلا الاعتقادات.
فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عند ربه )
وجه الله "، فشطر المسجد الحرام منها)، أي من تلك المراتب (ففيه)، أي في شطر المسجد الحرام ("وجه الله") وحقيقته لكنه غير منحصر فيه كما أشار إليه بقوله (و لكن لا تقل هو ههنا)، أي في شطر المسجد الحرام (فقط) وما أحسن ما قيل:
لا تقل دارها شرقي نجد    …… کل نجد للعامرية دار
فلها منزل على كل ماء    ….. وعلی کل دمنة آثار
قال رضي الله عنه :  (بل قف عندما أدركت) من كتابه سبحانه ولا يتجاوزه (والزم الأدب) ظاهرا (في الاستقبال شطر المسجد الحرام) ولا تتجاوزه .
كما أدركت من قوله تعالى : "فول وجهك شطر المسجد الحرام " [البقرة: 144]، (و) كذلك (الزم الأدب) باطنا (في عدم حصر الوجه في تلك الأينية خاصة) أو الجهة المنسوبة إلى الأين المسؤول عنها التي هي شطر المسجد الحرام ما أدركت من قوله تعالى : "فأينما تولوا فثم وجه الله".
قال رضي الله عنه :  (بل هي)، أي تلك الأينية الخاصة من جملة أينيات ما تولى متولي إليها، أي (من جملة أينيات) وجهات (ما تولی متول إليها) .
فقوله : أينيات بالتنوين و لفظة ما زائدة (فقد بان)، أي ظهر (لك عن الله) بهذه الآية (أنه في أينية كل وجهة) يتوجه إليها.
قال رضي الله عنه :  (وما ثمة) أي عند التولي إلى أينية كل وجهة (إلا الاعتقادات)، أي اعتقادات أن ثمة وجه الله ، فإن تلك الأينيات إن كانت أينية معنوية .
فالقول إليها عین اعتقادات وجه الله فيها ، وإن كانت صورته فالتولي إليها صورة لا تكون إلا بعد اعتقاد أن فيها وجه الله . 
فالاعتقاد الذي هو التولي المعنوي لازم على كل تقدير بخلاف التولي الصوري، فإنه غير لازم بل غير صحيح إذا كانت الأينية المتوجه إليها من الجهات المعنوية.
فليس عند التولي إلى الأينيات على وجه العموم واللزوم إلا الاعتقادات، فالاعتقاد أيضا تولي، فكل ما يعتقده المعتمدون یکون من الأينيات التي أخبر الله سبحانه بأن ثمة وجه الله (فالكل) من المعتقدين.
أي اعتقاد کان (مصيب) في اعتقاده ، لأن اعتقاده مما تولى إليه متول (وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي) عند ربه فكل من المعتقلين في الله ، أي اعتقاد كان مرضي عند ربه
قال الشيخ رضي عنه : (  وإن شقي زمانا ما في الدار الآخرة.
فقد مرض وتألم أهل العناية- مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم .)
قال رضي الله عنه :  (وإن شقی زمانا في الدار الآخرة)، فإن الشقاوة في بعض الأزمنة لا ينافي السعادة المطلقة (فقد مرض) ، أي فإنه قد مرض .
قال رضي الله عنه :  (وتألم أهل العناية) ولا شك أن كل واحد من المرض والتألم شقاوة (مع علمنا بأنهم سعداء أهل الحق في الحياة الدنيا) قوله : في الحياة الدنيا ، متعلق بقوله : مرض وتألم. أي فكذلك من عباد الله من تدركهم الآلام في الحياة الدنيا .
قوله : في الحياة الدنيا، متعلق بقوله : مرض وتألم (فمن عباد الله)، أي فكذلك من عباد الله ( من تدركهم الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى بجهنم ومع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر)، أي أمر دار جهنم .
قال رضي الله عنه :  (على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعیم خاص بهم)، لا يتجاوز إلى أهل الجنة وذلك النعيم الخاص (إما) يكون (بفقد ألم كانوا يجدونه) أو (فارتفع عنهم) آخرا (فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم) وخلاصهم عنه.
قال رضي الله عنه :  (أو يكون نعیم) وجودي (مستقل زائد) على الراحة والخلاص من الألم (کنعيم أهل الجنان في الجنان) فإن نعيمهم لیس مجرد خلاصهم عن ألم العذاب بل أمور زائدة عليه كما أخبرت به الشريعة الحقة.
(والله أعلم) بحقيقة الحال وإليه المرجع والمآل .


.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment