Friday, August 2, 2019
IbnArabi
شرح القاشاني العارف بالله الشيخ عبد الرزاق القاشاني 938 هـ على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر
إنما اختصت الكلمة الهودية بالحكمة الأحدية ، لأن كشف هود عليه السلام شهود أحدية كثرة الأفعال الإلهية المنسوبة إلى الأحدية الإلهية ، وهي في الحقيقة أحدية الربوبية بعد أحدية الإلهية وهي أحدية جميع الأسماء وأحدية اسم الله الشامل للأسماء كلها ، فإن كل الأسماء بالذات واحد . والوحدة ثلاث مراتب : وحدة الذات بلا اعتبار كثرة ما وهي الأحدية الذاتية المطلقة . ووحدة الأسماء مع كثرة الصفات وهي أحدية الألوهية ، والله بهذا الاعتبار واحد وبالاعتبار الأول أحد ، والثالثة أحدية الربوبية المذكورة المختصة بهود عليه السلام ،
لقوله تعالى حكاية عنه : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " فإن هذه الأحدية موقوفة على الآخذ والمأخوذ وكون الرب على الطريق الذي يمشى فيه ، فهي أحدية كثرة الأفعال والآثار التي نسبتهما إلى الهوية الذاتية وحدها:
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إن لله الصراط المستقيم …. ظاهر غير خفى في العموم )
الصراط المستقيم : طريق الوحدة التي هي أقرب الطرق إلى الله الواحد الأحد ، وذلك أن لكل اسم من الأسماء الإلهية عبدا هو ربه وذلك العبد عبده فكل عين من الأعيان الوجودية مستند إلى اسم مرتبط به جار على مقتضاه سالك سبيله فهو على طريقه المستقيم المنسوب إليه .
"" إضافة بالي زادة : ولما كان لكل اسم أحدية الصراط ، وكانت أحدية صراط اسم الله جامعا لجميع أحدية صراط الأسماء ، شرع في بيان الأحدية الجامعة أولا بقوله ( إن لله الصراط المستقيم ظاهر ) خبر لمبتدأ محذوف : أي هو ( غير خفى ) تأكيد ( في العموم ) أي جاء هذا الصراط المستقيم من عند الله في حق عموم الناس ، وهو صراط الأنبياء كلهم المشار إليه بقوله "اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ "أو تعلق في العموم ، بقوله : غير خفى ، أي هذا الصراط المستقيم معروف بين الخلائق كلها وهو طريق الهدى اهـ بالى . ""
ثم لما كانت الأسماء على اختلاف مقتضياتها أحدية المسمى كانت موصلة إلى المسمى ، فهو الله الذي له أحدية جميع الأسماء ، فكل يصل إلى الله مع اختلاف الجهات دائما فلله الصراط المستقيم الذي عليه الكل ، فصح قولهم الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق وبعدد الأنفاس الإلهية ، فإن الشؤون المتجددة لله في كل آن على كل مظهر أنفاس إلهية .
وذلك ظاهر في كل حضرة من حضرات الأسماء على العموم ، سواء كانت الأسماء كلية أو جزئية غير خفى ، فكل اسم مدبر لمظهر روح له والمظهر صورته والجميع متصل باللَّه :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( في كبير وصغير عينه ..... وجهول بأمور وعليم )
هذا تفسير العموم :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا وسعت رحمته ..... كل شيء من حقير وعظيم )
أي رحمته الرحمانية ، فإن الرحمن اسم شامل لجميع الأسماء ، فهو المرصاد لكل سالك وإليه ينتهى كل طريق ويرجع كل غائب .
قال الشيخ رضي الله عنه : (ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم ، فهو "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " من هذا الوجه "ولا الضَّالِّينَ " فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض ، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء وهي السابقة ) « ما من دَابَّةٍ » أي شيء ، فإن الكل ذو روح إلا هوية الأحدية الذاتية بحكم الصمدية والقيومية مالكة له آخذة بناصيته جاذبة إياه على صراط سبقت رحمته إليه قبل إيجاده .
فإذا وجدت الحقائق بنسبتها الذاتية على ما اقتضت أعيانها ، وسلكت بها على طرق أربابها فلا غضب ولا ضلال ثمة ، فإن عرض أحدهما فالمآل إلى الرحمن على ما سيأتي ، والرحمة السابقة هي الغالبة .
"" إضافة بالي زادة : ( في صغير وكبير ) خبر ( عينه ) مبتدأ ( وجهول بأمور وعليم ) معطوف على الخبر معناه أن ذاته تعالى من حيث أسماؤه وصفاته موجودة في كبير وصغير ، أي في كلى وجزئي بالنسبة إلى الأسماء وبالنسبة إلى الأجسام في كبر الحجم وصغره ، أي لا ذرة في الوجود إلا وهي نور من ذات الحق لكون كل ما في الوجود مخلوقا من نوره ، فالذات من حيث هي غنية عن الوجود الكوني ( ولهذا ) أي ولأجل كون الذات مع جميع صفاته محيطا بالكل ( وسعت رحمته كل شيء من حقير وعظيم ) فإذا كان كل شيء تحت قدرته كان "ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ " يتصرف فيها كيف يشاء على حسب علمه الأولى التابع لعين المعلومات فلا جبر من الله ( فهو "غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ " ) من حيث أنه ماشي على صراط ربه المستقيم ، لأن ربه راض عن فعله فلا غضب ( والمآل ) أي مآل الغضب ( إلى الرحمة ) الرحمة عند أهل الله على نوعين : رحمة خالصة ، ورحمة ممتزجة بالعذاب ، ففي حق عصاة المؤمنين من أهل النار مآل الغضب إلى الرحمة خالصة من شوب العذاب ، وذلك لا يكون إلا بإدخالهم الجنة ، وفي حق المشركين ما آله إلى الرحمة الممتزجة بالعذاب ، وهذا لا يكون إلا بخلودهم في النار فاعلم ذلك ، وفيه كلام ستسمع في آخر الفص ( فإنه ذو روح ) لأنه مسبح بالنص وكل مسبح ذو روح ، وكله ماش على صراط ربه المستقيم ( فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه ) إذ الصراط عبارة عن المشي والمسافة هذا إذا كان الخلق ظاهرا والحق باطنا ، فحينئذ الحكم للحق في وجود الخلق ، والخلق تابع للحق في حكمه ، وأما إذا كان الخلق باطنا والحق ظاهرا فالحكم للخلق والحق تابع للخلق فيما يطلبه منه ، ففي هذا الوجه ما طلب العبد من الحق شيئا إلا ويعطيه ، وفي الوجه الأول ما حكم الحق على العبد يحكم إلا وهو تابع لحكمه فيما أمره به. اهـ بالى .""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكل ما سوى الحق دابة ، فإنه ذو روح ، وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره ، فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على صراط مستقيم ، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه ) .
إنما كان ما سوى الحق ذا روح ، لأن الرحمة امتدت أوّلا إلى رقائق الأشياء وروحانياتها ، وألزمها أشباحها حتى وجدت حقائقها الكونية بها ، فدبت بالأسماء التي يربها الله بها على اختلاف مراتبها ، وكل اسم منها هو الذات الأحدية مع النسبة الخاصة التي هي حقيقة الاسم ، أعنى الصفة المخصوصة ، فكل يدب بحكم التبعية على صراط الذات الأحدية بذاته في ذاته ، فإن الحق المتعين في قابليته يحركه ويسيرة إلى غايته وكماله الخاص به ، فهو يدب بحركة ضعيفة عرضية غير ذاتية ، فإنها بحكم التبعية ، وتلك الحركة هي المشي على الصراط المستقيم ، فإن الصراط هو الذي يمشى عليه .
ولما كانت تلك الحركة بالحق في الحق كان الصراط والماشي عليه هو الحق :
قال الشيخ رضي الله عنه :
( إذا دان لك الخلق .... فقد دان لك الحق
وإن دان لك الحق ..... فقد لا يتبع الخلق )
أي إذا دان وانقاد لك المسمى بالخلق فقد دان لك الحق الظاهر في مظهر ذلك الخلق ، أعنى الهوية الحقيقية المستترة به ، وإن انقاد لك الحق المتجلى في مظهرك بحكم التعين الخاص فلا يلزم أن ينقاد لك الخلق ، لأن الحق المذعن لك حق بلا خلق ، فلا ينحصر في الوجه الذي تجلى به لك فلا تنقاد تلك الخلائق ، لأن تجلياته فيهم بحكم مجاليهم فقد تخالف الوجوه التي بها تجلى لهم وجهه الذي به تجلى لك ، فالظاهر في مظاهرهم يسلكهم في طرق كمالاتهم المخالفة لكمالك وإن كان سلوكهم بالحق للحق لاختلاف الأسماء ومظاهرها :
"" إضافة بالي زادة : وهذا نتيجة قرب النوافل ، يعنى يقول الله تعالى إذا تقرب عبدي إلى بقرب النوافل تجليت له باسمي السميع فيسمع كل ما يسمع بالسمع المضاف إلى لا يسمع نفسه ، فكان كل مسموعاته دليلا له على ، وتجليت له بالبصر فما رأى شيئا إلا رآني فيه ، وتجليت له بالقدرة فيقدر بقدرتي على تصرفات نفسه بأخذ ناصيتها « كتصرف الحق في الأشياء بأخذ نواصيها " وما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها ".
وكذلك هذا العبد المتجلى له بالقدرة ما من دابة من قوى نفسه إلا هو آخذ بناصيتها ، وتجليت له بأفعالى إذ الرجل في حق الحق عبارة عن كونه " كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ ".
كما أن اليد عبارة عن القدرة التامة ثم هديته الصراط المستقيم ، فلا يمشى إلا على الصراط المستقيم : يعنى ما يفعل هذا العبد فعلا إلا وقد رضى الله عن ذلك الفعل.أهـ بالي زادة. ""
قال الشيخ رضي الله عنه :
(فحقق قولنا فيه ...... فقولي كله حق
فما في الكون موجود ...... تراه ما له نطق )
أي إذا كان القائل هو الحق فقوله حق ، وإذا كان الحق هو المتجلى في كل موجود فلا موجود إلا هو ناطق بالحق ، لأنه لا يتجلى في مظهر إلا في صورة اسم من أسمائه ، وكل اسم موصوف جميع الأسماء لأنه لا يتجزأ لكن المظاهر متفاوتة الاعتدال والتسوية ، فإذا كانت التسوية في غاية الاعتدال تجلى جميع الأسماء .
وإذا لم يكن ولم يخرج عن حد الاعتدال الإنسانى ظهر النطق والصفات السبع وبطن سائر الأسماء والكمالات ، وإذا انحط عن طور الإنسان بقي النطق في الباطن في الجميع حتى الجماد ، فإن التي لم تظهر عليه من الأسماء الإلهية والصفات كانت باطنة فيه لعدم قابلية المجلى ، فلا موجود إلا وله نطق ظاهرا وباطنا فمن كوشف ببواطن الوجود سمع كلام الكل حتى الحجر والمدر ، فإن العلم باطن هذا الوجود ،ولهذا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء:
قال الشيخ رضي الله عنه :
( وما خلق تراه العين ..... إلا عينه حق
ولكن مودع فيه ..... لهذا صوره حق )
أي كل خلق تراه العين فهو عين الحق كما ذكر ، ولكن خيال المحجوب سماه خلقا لكونه مستورا بصورة خلقية محتجبا بها وإن كان متجليا لم يعرفه ، ولاستتاره عن أعين الناظرين قال : ولكن مودع فيه ، أي مختف في الخلق فصوره ، أي صور الخلق جمع صورة سكنت واوه تخفيفا ، والحق جمع الحقة شبه استتاره بالصور الخلقية بالإيداع في الظروف .
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة ، فإن الله تعالى يقول: " كنت سمعه الذي به يسمع ، وبصره الذي به يبصر ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشى بها ") .
العلوم الذوقية تختلف باختلاف الاستعدادات ، فإن أهل الله ليسوا في طبقة واحدة فلهذا تختلف أذواقهم وعلومهم ، ولهذا اختلف حكم هذا الكتاب باختلاف الكلم كاختلافها في الإنسان الواحد باختلاف القوى الحاصلة هي منها ، مع كون تلك العلوم ترجع إلى عين واحدة هي هوية الحق كما فصلها ، والحاصلة
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فذكر أن هويته هي عين الجوارح ) من وجه وهو وجه الأحدية مع أنه غيره من حيث الكثرة ، فقد نبه عليه بإرجاع الضمير إلى العبد ، فكان هذا الكلام جامعا بين التنزيه والتشبيه.
( التي هي عين العبد) من وجه وهو وجه الأحدية ، لأن العبد هو مجموع الأجزاء الاجتماعي ، والجزء لا يقال فيه غير الكل ، وأما بحسب التعين فيمتاز كل واحد منها عن الآخر وعن الكل.
( فالهوية ) أي هوية الحق ( واحدة والجوارح ) أي جوارح العبد ( مختلفة ، ولكل جارحه علم من علوم الأذواق )
في المعنى صفة جارية على غير ما هي له ، فكان حق الضمير الذي هو فيها أن يفصل لأنه ضمير العلوم لكنه تسامح فيها .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد ، فالهوية واحدة والجوارح مختلفة ، ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح )
يعنى : أن الهوية الواحدة هي عين الجوارح المختلفة لاختلاف المحال في عين العبد الواحد ، والعلم الفائض من الهوية الواحدة حقيقة واحدة ظهرت في تلك الجوارح بسبب اختلاف قابليتها علوما مختلفة يختص كل جارحة منها علم من علوم الأذواق مخالف لعلوم الباقي بحكم اختلاف المحال ، ولهذا قيل : من فقد حسا فقد فقد علما .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كالماء حقيقة واحدة يختلف في الطعم باختلاف البقاع ، فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته ، وإن اختلفت طعومه ) .
شبه العلم الحاصل لأهل الله من الهوية الإلهية بالماء ، فإن العلم حياة الأرواح كما أن الماء حياة الحيوان فاختلاف العلم مع كونه حقيقة واحدة باختلاف الجوارح كاختلاف الماء في الطعوم باختلاف البقاع مع كونه حقيقة واحدة ، فمن الماء عذب فرات كعلم الموحد العارف باللَّه ، ومنه ملح أجاج كعلم الجاهل المحجوب بالسوى والغير ، ونظيره قوله تعالى " يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ ونُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ في الأُكُلِ".
قال الشيخ رضي الله عنه : (وهذه الحكمة من علم الأرجل ، وهو قوله تعالى في الآكل لمن أقام كتبه ومن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ فإن الطريق الذي هو الصراط المستقيم هو السلوك عليه والمشي فيه ، والسعي لا يكون إلا بالأرجل ، فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم ، إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق )
قال تعالى : " ولَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ والإِنْجِيلَ وما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ من رَبِّهِمْ لأَكَلُوا من فَوْقِهِمْ ومن تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ".
إقامة الكتب الإلهية : القيام بحقها بتدبر معانيها وفهمها وكشف حقائقها ودركها والعمل بها وتوفية حقوق ظهرها وبطنها ومطلعاتها لرزقوا العلوم الإلهية الذوقية والمعارف القدسية من فوقهم ، والأسرار الطبيعية التي أودعت القوابل السفلية من تحت أرجلهم ، فهذه الحكمة من علم الأرجل : أي من أسرار القوابل ، فإن الله مع القوابل كما هو مع الأسماء الفواعل ، ولهذا قال : لو دلى أحدكم دلوه لهبط على الله ، فالصراط الممدود عليها إذا سلك عليه بالأرجل وسعى السالكون عليه بالأقدام في العمل بمقتضى العلم المستفاد من الكتب.
ورثوا هذا الفن الخاص من العلوم الذوقية ، أي علم أحكام القوابل فأنتج لهم شهود من أخذ النواصي بيده "وهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " - يوصل من أخذ نواصيهم إلى غايتهم.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( " ونَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ " - وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم ، وهو عين الأهواء التي كانوا عليها إلى جهنم ، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه )
فيسوق المجرمين الجرمانيين أهل الإجرام والآثام بحكم قائدهم الآخذ بنواصيهم ، فهو القائد والسائق إلى المقام الذي استحقوه بسعيهم على أرجلهم ، ريح الدبور المأمورة بسوقهم ، وهي أهواؤهم التي تسوقهم من أدبارهم ، أي من جهة خلفهم ولهذا سميت دبورا ، وهي جهة العالم الهيولاني إلى هوة جهنم البعد الذي يتوهمونه وهم يهوون بها ، بأهوائهم الناشئة من استعدادات أعياناتهم ، حتى أهلكهم السائق والقائد عن نفوسهم.
"" إضافة بالي زادة : (ساقهم إليه ) أي إلى ذلك المقام وهو المسمى بجهنم الذي استحقوه بسلوكهم في الصراط المستقيم الذي يوصلهم إلى هذا المقام الذي يحصل لهم فيه هذا الشهود ( بريح الدبور ) وهي الأهواء التي فعلوا من مقتضيات أنفسهم ، وسمى بها لأنه يأتي من جهة الخلفية جهة الخلف . وإهلاكهم تعذيبهم بهذه الريح في صورة النار فهلكوا عن أنفسهم ، فشاهدوا أن الحق هو الآخذ بنواصيهم والسائق إلى أن وصلوا إلى هذا النوع من العلوم الذوقية ، فإنهم وإن عذبوا إلى الأبد لكنهم يتحققون بهذا الذوق اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق ، لأنهم مجرمون )
إنما حصلوا في عين القرب على الحقيقة لأن الحق الذي هو قائدهم معهم ، وإنما توهموا لبعد لأنهم كانوا يسعون إلى كمالات وهمية فانية تخيلوها فما وصلوا إلا إليها ، فزال البعد في حقهم فزال مسمى جهنم ، لأنهم بلغوا الغايات التي كانوا يطلبونها باستعداداتهم ، وذلك نعيمهم من جهة استحقاقهم لأن إجرامهم هو الذي اقتضى وصولهم إلى أسفل مراتب الوجود من عالم الأجرام.
إنما حصلوا في عين القرب على الحقيقة لأن الحق الذي هو قائدهم معهم ، وإنما توهموا لبعد لأنهم كانوا يسعون إلى كمالات وهمية فانية تخيلوها فما وصلوا إلا إليها ، فزال البعد في حقهم فزال مسمى جهنم ، لأنهم بلغوا الغايات التي كانوا يطلبونها باستعداداتهم ، وذلك نعيمهم من جهة استحقاقهم لأن إجرامهم هو الذي اقتضى وصولهم إلى أسفل مراتب الوجود من عالم الأجرام.
"" إضافة بالي زادة : ( فزال البعد ) المتوهم لعلمهم أن الله معهم في كل موطن ( فزال مسمى جهنم في حقهم ) من حيث أنه بعد لا من حيث أنه عذاب لذلك قال ( ففازوا بنعيم القرب ) في جهنم ولم يقل بنعيم مطلقا ، فإن الفوز بنعيم القرب وهو مشاهدة الحق لا يوجب رفع العذاب في حق المخلدين ، كما تألم بعض المقربين في الدنيا ( لأنهم مجرمون ) أي الكاسبون الصفات الظلمانية الحاجبة لشهود الحق ، فهذا الشهود أجر المجرمين فاستحقوا بسبب جرمهم هذا المقام اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها ، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم ، لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة فما مشوا بنفوسهم ، وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب "ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْه مِنْكُمْ ولكِنْ لا تُبْصِرُونَ").
أي إنما وجدوه بما اقتضاه أعيانهم من أعمالهم التي كانوا يسعون فيها وبمقتضى استعداداتهم الذاتية تعلقت المشيئة الإلهية بما كانوا يعملون في أعمالهم على صراط الرب المستقيم ، لأن نواصيهم بيد من هو على الصراط المستقيم ، فهو يسلك بهم عليه جبرا إلى أن وصلوا إلى عين القرب.
"" إضافة بالي زادة : فدل ذلك على أن نعيم القرب عام في حق كل أحد سعيدا كان أو شقيا ، وكذلك يدل على عموم نعيم القرب قوله تعالى: " ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْه " أي إلى الإنسان - من حَبْلِ الْوَرِيدِ " اهـ بالي. ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء فبصره حديد ) أي إنما الجهنمي يبصر مع أن الله تعالى أخبر أن أهل الحجاب لا يبصرون في الدنيا لأنه هناك مكشوف الغطاء حديد البصر.
وأما قوله: "من كانَ في هذِه أَعْمى فَهُوَ في الآخِرَةِ أَعْمى وأَضَلُّ سَبِيلًا " فهو في حق من يدعوه الهادي إلى مسمى الله الرب المطلق رب العالمين ، وهذا في حق كل أحد بالنسبة إلى الرب المتجلى له في صورة عينه الآخذ بناصيته إلى ما يهواه ، فذاك في البصيرة وهذا في البصر " فَإِنَّها لا تَعْمَى الأَبْصارُ ولكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي في الصُّدُورِ " .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما خص ميتا من ميت : أي ما خص سعيدا في العرف من شقي " ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْه من حَبْلِ الْوَرِيدِ ". وما خص إنسانا من إنسان فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي ، فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه ، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى ، فهو حق مشهود في خلق متوهم )
أي الظل الخيالي المذكور .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود ) أي الشهود الذوقي .
( وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود ، فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج ) .
هذين الصنفين ما عدا المؤمنين وأهل الكشف والشهود ، فالحق عندهم ما نصوروه واعتقدوا أنه غير معلوم للبشر إلا وجوده لا حقيقته ، وبعضهم تخيلوه وكلاهما يعتقدان أنه متعين ولا يشهدون إلا الخلق فهم أهل الحجاب بمنزلة الماء الأجاج ، وأما المؤمنون وأهل الكشف فبالعكس ، لأنهم يشهدون الحق والخلق عندهم ظل خيالي ليس إلا نسبة الوجود إلى الأعيان ، والنسبة معقولة ، ولهذا :
"" إضافة بالي زادة : ( بمنزلة الماء الملح الأجاج ) كلما ازدادوا علما ازدادوا شبهة بحيث لا يروى ولا يقنع علمهم كالملح الأجاج لا يروى شاربه ، وقد أشار إلى افتراق المؤمنين من أهل الكشف أولا وإلى اتحادهما ثانيا بقوله ( والطائفة الأولى ) بمنزلة الماء العذاب.اهـ بالى ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ شرابه فالناس على قسمين : من الناس من يمشى على طريقة يعرفها ويعرف غايتها ، فهي في حقه صراط مستقيم .
ومن الناس من يمشى على طريقة يجهلها ولا يعرف غايتها ، وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر . فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة ، وغير العارف يدعو إلى الله على التقييد والجهالة )
يعنى أن الطريق والغاية كلاهما واحدة في الحقيقة وهو الحق ، فالعارف يدعو على بصيرة من اسم إلى اسم ، والجاهل يدعو على جهالة من السوي إلى السوي ، لأنه لا يعرف الحق .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين ، لأن الأرجل هي السفل من الشخص ، وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق ، فمن عرف الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه ).
يعنى أن الطريق الذي يسلك عليه أسفل من سفل ، فمن عرف علم الطريق وأنه ليس إلا الحق إذ لا شيء غيره عليه عرف أن أسفل سافلين لا يخلو عن الحق ، فعلم أن الجهنميين في القرب وإن توهموا البعد.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإن فيه جل وعلا يسلك ويسافر إذ لا معلوم إلا هو ، وهو عين السالك والمسافر فلا عالم إلا هو ، فمن أنت ؟ فاعرف حقيقتك وطريقتك ، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت ) .
والترجمان هو رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث قال « كنت سمعه الذي يسمع به » الحديث ( وهو لسان حق ) فإن من قال الحق بالحق كان لسان الحق .
"" إضافة بالي زادة : (فمن أنت ) استفهام إنكاري : أي أنت معدوم في نفسك ( فاعرف ) اليوم ( حقيقتك وطريقتك ) ولا تفوت وقتك حتى تدخل لعرفان حقيقتك وطريقتك في حكم قوله :" ونَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ " فإنك إذا عرفت ما نقلناه عرفت حقيقتك وطريقتك ( فقد بان لك الأمر ) من الله على ما هو عليه ، وهو كون الطريق السالك والعلم والمعلوم عين الحق أحدية الجمع ( على لسان الترجمان ) وهو نفسه لقوله « حتى أكون مترجما لا متحكما » أو الحق مترجما لنا عن نبيه هود مقالته ، أو نبينا عليه الصلاة والسلام مترجما عن الحق قوله " كنت سمعه " اهـ بالي.
( إلا من فهمه حق ) حتى يفهم بفهم الحق مطلقات كلام الحق ، فإن الشهود بأحدية الأشياء من مطلقات كلام رب العزة ومن مفهوماته الثانية ولا يفهمه إلا العلماء باللَّه .
قوله ( فظنوا ) هذا القهر ( خيرا ) أي لطفا فحسن ظنهم باللَّه فعاملهم الله بإعطائه لهم جزاء حسن ظنهم باللَّه من الجهة التي غير ما تخيلوها اهـ بالى . ""
( فلا يفهمه إلا من فهمه حق ) لأن الحق إذا كان جميع قوى العبد وجوارحه كان فهمه حقا لأنه من جملة قواه ( فإن للحق نسبا كثيرة ووجوها مختلفة ) فإن له إلى كل شيء نسبة هي نسبة الوجود التي بها صار ظلا ، وفي كل عين وجها هو ظهوره بصورتها .
قال الشيخ رضي الله عنه : (ألا ترى عادا قوم هود كيف قالوا " هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا " - فظنوا خيرا باللَّه وهو عند ظن عبده به فاضرب لهم الحق ) أي بقوله : " بَلْ هُوَ ما اسْتَعْجَلْتُمْ به " ( عن هذا القول ) الذي قالوه وهو "هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا ".
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب ، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد ) فإنه إذا أمطرهم أنبت به النبات من الأرض وسقى الحبة فنبتت ونمت وأدركت وأحصدت بعد المطر بزمان ، وكذا نماء النبات والشجر ورعاها الدواب والأنعام فأكلوا منها وشربوا لبنها بعد مدة ، ولا يصل نفع المطر وفائدته إليهم إلا عن بعد بخلاف الإراحة عن الهياكل البدنية .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقال لهم " بَلْ هُوَ ما اسْتَعْجَلْتُمْ به " ) وفسره بقوله : (" رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ " )فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة لهم ، فإن بهذه الريح يريح أرواحهم من الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة ).
المسالك الوعرة الجثة التي يسلك الحق فيها على وعرة طوقها الغلبة الخشونة الحجابية ، والسدف : أي الحجب جمع سدفة : وهي الحجاب ، والمدلهمة : المسودة في غاية الظلمة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وفي هذه الريح عذاب : أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوفات فباشرهم العذاب ، فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه ) .
من الإمطار والنفع ، يعنى أنهم لما ظنوا باللَّه خيرا والله عند ظن عبده ، فأثابهم خيرا مما ظنوا من حيث لا يشعرون .
فإن الوصول إلى ما ظنوه من الانتفاع بالمطر قد لا يقع وقد يقع من بعد والذي وقع خير وأقرب ، فإنهم وصلوا بذلك إلى الحق وحصلوا في عينه من حيث لم يحتسبوا .
فإن للحق وجوها كثيرة ونسبا مختلفة من جملتها أحوالهم وظنونهم وأقوالهم ، فإن هذه الحالة خير لهم مما ظنوا وإن أوجعتم بقطع الحياة وفرقة المألوفات ، لأن ذلك أرواحهم مما هم فيه أكثر مما أوجعتهم ، ونجاهم من التوغل والتمادي في التكذيب والعصيان الموجب للرين على القلوب ، وخفف عنهم بعض عذاب الآخرة فجازاهم على حسن ظنهم باللَّه خيرا على وجه أتم.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فدمرت " كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ " - وهي جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية فزالت عنهم حقية هذه النسبة الخاصة ، وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تبطل بها الجلود والأيدى والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ وقد ورد النص الإلهي بهذا كله ) .
أي فدمرت الريح بالتدبير الإلهي كل شيء مما كان قابلا للتدمير منهم ، فأراحت أرواحهم التي هي حقائقهم عن جثتهم التي هي مساكنهم بعد ما كانت عامرة لها مدبرة إياها ، وهي حقية : أي متحققة ثابتة في وجودها ثابتة للنسبة إلى أبدانها فزالت حقية نسبها إلى أبدانها .
أي تحققت نسبتها الخاصة وبقيت الهياكل حية بحياتها الطبيعية المخصوصة بها من الحق لما ذكرنا أن كل شيء وإن كان جمادا فهو ذو روح مخصوص به من الحق ، وهي الحياة التي تنطق بها الجلود والأيدى والأرجل كما ورد في القرآن وعذبات الأسواط والأفخاذ كما ورد في الحديث .
وقد أشار أبو مدين رضي الله عنه إلى هذه الحياة بقوله : سر الحياة سرى في الموجودات كلها ، فإن الحي بالذات القيوم للكل متجلي في الجمع وإلا لم يوجد ، فمن حضرة الاسم الحي يحيى كل شيء بحياة ظاهرة أو باطنه على ما مر.
"" إضافة بالي زادة : فإذا باشرهم الحق العذاب ( فدمرت كل شيء بأمر ربها ) أي قطعت الريح تعلق أرواحهم بظواهر أبدانهم .
قوله ( حقيقة هذه النسبة ) وحقيتها كونهم على صورة الحق من العلم والحياة والقدرة بسبب تعلق الأرواح الحقية بهم ، فإذا زال تعلق الروح زالت عنهم هذه الكمالات الحقية ( وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة ) وهي الحياة التي نصيب منها لكل شيء من الله بدون نفخ منه بخلاف الحياة الحقية ، فإنها لا تحصل إلا لمن يقبل الاستواء اه ( وعذابات الأسواط ) أي يذوق بها الميت عذبات الأسواط والأفخاذ في القبر ، فهذه نسب جثمانية لا نسب حقانية .
ولما بين الأمر على ما هو عليه شرع في بيان سبب عدم ظهور هذه المعاني لبعض الناس بقوله ( إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة ) اهـ بالى"" .
قال الشيخ رضي الله عنه : (إلا أنه تعالى قد وصف نفسه بالغيرة ، ومن غيرته حرم الفواحش وليس الفحش إلا ما ظهر) مما يجب ستره ومن جملة سر الربوبية فقد قيل إفشاؤه كفر .
( وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له ) .
وهو الحق ومن أظهره الله عليه ، وذلك أن الحق هو الظاهر والباطن.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلما حرم الفواحش : أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه ، وهي أنه عين الأشياء فسرها بالغيرة ) أي ستر هذه الحقيقة بالتعينات المختلفة التي يطلق عليها اسم الغير ، فحدث السوي والغير حيث يقال أنت غيرى وأنا غيرك ، فاعتبرها وأوجب الغيرة من الغير .
فلهذا قال ( وهو أنت ) أي إلى الغيرة أنت ، يعنى أنا نيتك إذا اعتبرتها ، إذ لو لم تعتبرها ونظرت إليها بعين الفناء كما هي عليه في نفس الأمر كنت من أهل الحمى فلا غيرة ثم فلا تحريم .
"" إضافة بالي زادة : (فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف ) خطاب عام ( أي منع ) أن يعرف كل إنسان ( حقيقة ما ذكرناه ) وهي أنه عين الأشياء فكانت تلك الحقيقة ما بطن من الفواحش ( فسترها ) أي ستر الحق تلك الحقيقة عن الغير لئلا يطلع عليها أحد إلا بالمجاهدات والرياضات بالسلوك بطريق التصفية ، وجواب لما محذوف : أي لما حرم الفواحش أي جنس الفواحش حرم أن تعرف ، فقوله : فسترها ، جواب شرط محذوف اهـ بالى . ""
لأنها (من الغير ، فالغير يقول السمع سمع زيد ، والعارف يقول السمع عين الحق ، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء فما كل أحد عرف الحق ، فتفاضل الناس وتميزت المراتب وبان الفاضل والمفضول ) بالمعرفة والجهالة .
(واعلم أنه لما أطلعنى الحق وأشهدنى أعيان رسله عليهم الصلاة والسلام وأنبيائه كلهم البشريين) .
قيد الأنبياء بالبشريين للتخصيص ، لأن كل ظاهر ينبئ عن باطن فهو نبي بالنسبة إلى ما أخبر عنه ، وذلك الباطن ولى بالنسبة إلى ذلك الظاهر في اصطلاح العرفاء.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين ، في مشهد أقمت فيه بقرطبة ) وهي مدينة بالمغرب كان مقيما بها.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( سنة ست وثمانين وخمسمائة ، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم ) إنما أخبره هود دون غيره منهم لمناسبة مشربه وذوقه عليه السلام لمشرب الشيخ قدس سره في توحيد الكثرة وسعة مقام كشفه وشهود الحق في صورة أفعاله وآثاره ، وأما سبب اجتماعهم عند محمد صلى الله عليه وسلم ، فقيل :
إنه تهنئته قدس سره بأنه خاتم الأولياء ووارث خاتم الرسل والأنبياء .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ورأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها ، ودليلى على كشفه لها قوله تعالى : " ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ " وأي بشارة للخلق أعظم من هذه ، ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن ، ثم تممها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان : أي هي عين الحواس والقوى الروحانية أقرب من الحواس ، فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد )
يعنى أن القوى الروحانية أقرب إلى الله في الشرف والتجرد عن المادة ، والنورية والتنزه من الحواس ، إذ هي حالة في المحال الجسمانية مقدرة بمقاديرها محدودة بحدودها .
فاكتفى بها عن الأقرب المجهول الحد ، يعنى الروحانية ، فإنه تعالى إذا كان عين الأخس إلا بعد المحدود ، فبأن كان عين الأشرف الأقرب الغير المحدود ، أو المجهول في التحديد أولى .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا ، وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مقالته بشرى لنا فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم وما يجحد بآياتنا إلا القوم الكافرون ) .
أي المحجوبون الساترون ، فإنهم توهموا أنه تعالى إذا كان عين المحدودات كان محدودا ، ولم يعرفوا أنه إذا أحاط الكل من الأرواح والأجسام ، ولم ينحصر في واحد منهما ولا في الكل لم يكن محدودا . ( فإنهم يسترونها ) أي الآيات التي هي صفاته وتجلياته .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإن عرفوها حسدا منهم ونفاسة وظلما ) كأكثر علماء أهل الكتاب فإنهم عرفوها من كتبهم ، فإنه ما جاء في جميع الكتب إلا كذلك بشهادة الذين آمنوا من علمائهم ، كعبد الله بن سلام وأحزابه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أوصله إلينا فيما يرجع إليه تعالى إلا بالتحديد ، تنزيها كان أو غير تنزيه ، أو له العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء ، فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق ، ثم ذكر أنه استوى على العرش فهذا أيضا تحديد ، ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد ، ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا ) حيث أخبر أنه جميع قوانا وجوارحنا وهي عيننا.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ونحن محدودون فما وصف نفسه إلا بالحد ، وقوله : " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ " حد أيضا إن أخذنا الكاف زائدة لغير الصفة ) أي لغير معنى المثلية يعنى لا بمعنى مثل مثله .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود ) هذا كلام أورده لدفع توهم المنزه ، فإن الأمر في وصفه أعظم مما توهم من تنزيهه الوهمي وأوسع من التقييد الفكري ، فإنه في التنزيه لم يتميز من شيء حتى يحتاج إلى تميزه ، وفي التحديد لم يتقيد بحد مخصوص حتى ينحصر فيتحدد ، تعالى الله عما يقول المنزه والمحدد ، وإن أخذنا الكاف في الآية المذكورة الدالة على التنزيه زائد دلت على نفى المثلية ، فتميز عن الأشياء بحدنا في حدودنا فكان محدودا ، ولو بكونه ليس عين هذا المحدود لاشتراكه بجميع ما عداه في معنى التشبيه .
"" إضافة بالي زادة : فحينئذ قد تميز عن المحدود ( ومن تميز عن المحدود فهو محدود ) والمراد بالمحدود الأشياء ، فإذا لم يكن الحق عين الأشياء كان محدودا بهذا الحد ، فإذا كان الخلق محدودا ( بكونه ليس عين المحدود ) فالإطلاق عن التقييد تقييد اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالإطلاق عن التقييد تقييد ، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم ) يعنى أن الإطلاق عين التقييد مقابل له فهو تقييد بقيد الإطلاق والمطلق مقيد بقيد اللاتقيد ، أي بمعنى لا شيء معه والحق هو الحقيقة من حيث هي هي ، أي لا بشرط شيء فلا ينافي التقييد واللاتقيد .
(وإن جعلنا الكاف الصفة ) أي بمعنى المثلية ( فقد حددناه ) أي أثبتنا مثله ونفينا عن مثله أن يكون له مثل وهو عين التشبيه والتشبيه تحديد.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإن أخذنا " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ " على نفى المثل ) أي على معنى نفى مثل من هو على صفته ، فإن مثل الشيء يطلق ويراد به من هو على صفته من غير قصد إلى نظير له كقولهم : مثلك لا يبخل أي من هو ذو فضيلة مثلك لا يأتي منه البخل والمراد نفسه والمبالغة في نفى البخل عنه بالبرهان أي أنت لا تبخل لأن فيك ما ينافي البخل فعلى هذا يكون معنى " لَيْسَ كَمِثْلِه شَيْءٌ " نفى المثل بطريق المبالغة أي ليس مثل من هو على صفة من الصمدية وقيومية الكل شيء.
"" إضافة بالي زادة : ( على نفى المثل ) على أن الكاف زائدة لغير الصفة .
(تحققنا بالمفهوم ) أعنى اطلعنا بالمعنى المراد من الآية وهو أنه عين الأشياء بخلاف ما إذا أخذ الكاف للصفة ، فإنه وإن دل على التحديد لكنه لا يدل على أنه عين الأشياء ، فإن مفهومه إثبات الوجود لغيره ومفهوم الثاني نفى المثل فيلزمه نفى الوجود عن غيره ، فتبين بهذا الوجه أنه عين الأشياء كما كان في الإخبار الصحيح ، لذلك أوردهما في إثبات هذا المعنى دون الوجه الأول ( و ) تحققنا ( بالإخبار الصحيح أنه ) أي الحق ( عين الأشياء ) وأشار إلى فرق الآية والحديث في الدلالة على أنه عين الأشياء بقوله في الآية بالمفهوم ، وفي الحديث بقوله وبالاعتبار ولم يقل بعموم الإخبار ، فدلالة الحديث على العينية أتم وأعم من دلالة الآية اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : (تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها) المفهوم على ما ذكر ليس مثله شيء لأنه لا شيء إلا وهو به موجود : أي بوجوده ، فبهذا المفهوم وبالخبر الصحيح تحقق أنه عين الأشياء المحدودة بالحدود المختلفة .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو محدود بحد كل ذي حد فما يحد شيء إلا وهو حد للحق ) لأنه هو المتجلى في صورته فحد كل شيء حد الحق تعالى والضمير لمصدر يحد.
( فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات ) أي هو الظاهر بصورها وحقائقها .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولو لم يكن الأمر كذلك لما صح الوجود فهو عين الوجود ) لأن الممكن ليس له بذاته وجود فلا وجود له إلا به ( فهو على كل شيء حفيظ بذاته ) وإلا لانعدم على أصله ( فلا يؤوده حفظ شيء ) لأن عينه قائم بذاته فكيف يثقله وليس غيره.
( فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشيء غير صورته ) من أن يكون شيء غيره لأنه لو لم صورته يحفظ لكان له مثل في الشيئية والوجود ولزم الشرك .
ولهذا قال ( ولا يصح إلا هذا ) فإن الممكن لا يمكن أن يوجد بذاته ، وإلا لم يكن ممكنا فيكون في الوجود واجبا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود ، فالعالم صورته وهو روح العالم المدبر له ، فهو الإنسان الكبير ).
أي فالعالم ظاهر الحق وهو باطنه ، والحق روح العالم والعالم صورته فهو الإنسان الكبير ، لأن الإنسان الكبير خلق على صورته والعالم كذلك - وهو الظاهر والباطن - لا أن العالم صورة وهو باطنها فحسب ، بل بمعنى أنه ظاهر العالم وباطنه ولهذا قال :
قال الشيخ رضي الله عنه :
( فهو الكون كله ...... وهو الواحد الذي
قام كونى بكونه ...... ولذا قلت يغتذي
فوجودى غذاؤه ....... وبه نحن نحتذى )
أي الواحد الحي القيوم الذي قام الوجود المضاف إلى كل ممكن بوجوده لأنه هو مع قيد الإضافة ، وإذا قلت بالاغتذاء فهو المغتذى بالغذاء المختفى فيه الظاهر بصورة المغتذى ، وبه نحن نحتذى حذوه أي نغتذي به في الظهور بصورته والتكون بوجوده محتذين على مثاله في الوجود ، أي على صورته كالغذاء .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فيه منه إن نظرت ...... بوجه تعوذى )
وإذا كان الأمر على ما قلناه ، فمنه عند إفنائه إيانا بتجليه نتعوذ به في إبقائه إيانا على صورته محتذين حذوه احتذاء الغذاء حذو المغتذى بوجه ، أي من جهة الذات والوجود فنقول : أعوذ بك منك ، أما من جهة الأسماء فنقول : أعوذ برضاك من سخطك ، وذلك لظهوره في المظاهر المختلفة بالصفات المختلفة كظهوره في بعضها باسم الرضى فيه ، فنعوذ به من سخطه عند إرادته قهرنا في مظهر المنكر الذي ظهر فيه بصورة القهر والسخط ، وكذلك في الأفعال نقول : نعوذ بعفوك من عقابك.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولهذا الكرب تنفس فنسب النفس إلى الرحمن ، لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية من إيجاد صور العالم التي قلنا هي ظاهر الحق إذ هو الظاهر ، وهو باطنها إذ هو الباطن ، وهو الأول إذ كان ولا هي وهو الآخر إذ كان عينها عند ظهورها فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول" وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " لأنه بنفسه عليم )
أي ولأن أعيان الأشياء وحقائقها التي هي صور معلوماته في الأزل معدومة العين ، موجودة في الغيب بالوجود العلمي طالبة للوجود العيني ، كانت كرب الرحمن لإرادة إيجادها بقوله « كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف » فتنفس في إيجادها ، وإنما نسب النفس للرحمن لأنه رحمها به بالنفس وهو الفيض الوجودي وهو الذي كانت النسب الإلهية تطلبه.
فإن الأسماء الإلهية التي سماها نسبا تقتضي ظهورها التي هي صور العالم وظاهر الحق باعتبار أنه الظاهر ، وهي بعينها في الغيب باطن الحق باعتبار اسمه الباطن ، إذ هي عند كونها ظاهرة لم تزل عن صورتها الغيبية .
وهو الأول باعتبار كونها في غيب الغيب ، أعنى في عين الذات معلومة بالقوة على الإجمال ، كوجود الشجرة في النواة ، وكونها في الغيب مفصلة بالعلم التفصيلي عند التعين الأول بسبب علمه بذاته لأنه كان ولم تكن هي وهو الآخر باعتبار ظهورها بوجوده لأنه عينها عند ظهورها والظاهر عين الآخر والباطن عين الأول وهو بذاته عين الأول في آخريته وعين الباطن في ظاهريته وعلمه بنفسه عين علمه بكل شيء لأنه عين كل شيء ظاهرا وباطنا .
"" إضافة بالي زادة : (قلت له يغتذي ) من حيث ظهور أحكامه فينا وإخفاؤنا في وجوده ( فوجودى غذاؤه ) لقيام أحكامه بنا ( وبه نحن نحتذى ) لقيام وجودي بوجوده اهـ .
قوله ( فوجودى غذاؤه ) هذا إذا كان الحق ظاهرا والعبد باطنا ( وبه نحن نحتذى ) هذا إذا كان العبد ظاهرا والحق باطنا اهـ بالى .
( ولهذا الكرب ) أي ولئلا يلزم هذا الكرب المحال ( تنفس ) أي أخرج ما في باطنه إلى الظاهر بكلمة " كُنْ فَيَكُونُ " هو في الظاهر بعد كونه في الباطن فما كان في نفس الأمر إلا هذا ، ولا بد أن ينسب هذا النفس إلى يد من أيدي الأسماء اه قال عليه الصلاة والسلام « إني أجد نفس الرحمن من قبل اليمن » فكانت الموجودات حاصلة من نفس الرحمن ، بل هما عين نفس الرحمن ، فالأسماء قبل وجودها في الخارج مكنونة في ذات الحق طالبة كلها الخروج إلى الأعيان كالنفس الإنسانى ، فبحبس الطالب للخروج يحصل الكرب للإنسان فإذا تنفس يزول كربه ، فجاز نسبة الكرب إلى المتنفس وإلى النفس قبل الخروج من الجوف ، فشبه ذلك نسبة الأسماء إلى الحق ، فلو لم يتنفس الإنسان لزم الكرب ، ولو لم يعط الحق ما طلبته الأسماء منه من إيجاد العالم للزم الكرب ، تعالى عن ذلك ، ومن جملة ما تقتضي ذاته أنه يعطى كل ذي حق حقه ، وكذا لو لم يحصل ما طلبته الأسماء من الله من صور العالم لحصل للأسماء من الله كرب وهو ظلم منه ، تعالى عن ذلك اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم ، فانتسبوا إليه تعالى فقال « اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبى » أي إني آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم وأردكم إلى انتسابكم إلىّ )
أي فلما ظهرت الأعيان التي هي أجزاء العالم وصورها في الفيض الوجودي وظهرت النسب التي هي الأسماء الإلهية في صورها التي هي مظاهرها وأظهرت سلطنتها بأفعالها وأحكامها في الآثار المتصلة بها انتسب العالم إلى موجده فصح النسب الإلهي الحقيقي باستناد المألوه إلى الإله والرب إلى المربوب والخالق إلى المخلوق فانتسب الكل من حيث افتقاره الذاتي إليه على التعيين لا إلى غيره ولم يبق لانتساب أحد إلى غيره وجه فأخذ منهم انتسابهم إلى أنفسهم وردهم إلى انتسابهم إلى ذاته فعرف كل عبد نسبه إلى ربه وعرف كل عبد بربه فقيل : هذا عبد الرحمن وهذا عبد الرحيم وهذا عبد المنعم وهذا عبد الله.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( أين المتقون أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة وهو أعظم الناس وأحقهم وأقواهم عند الجميع ) .
وهم الذين عرفوا فناءهم الأصلي به ، فكان الحق وجوداتهم الظاهرة وأعيانهم الباطنة ، لفناء أنياتهم وحقائقهم ، فكيف بصفاتهم وأفعالهم ، فهم الشاهدون له بذاته المشهودون بجماله بعينه ، فهم أعظم الناس قدرا وأحقهم وجودا وقربا وأقواهم صفة وفعلا ، وإفراد الضمير في قوله : وهو أعظم الناس ، محمول على المعنى أي والمتقى بهذا المعنى .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وقد يكون المتقى من جعل نفسه وقاية للحق بصورته ، إذ هوية الحق قوى العبد ، فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير العالم " قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الأَلْبابِ وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء ) .
وقد يكون المتقى من له قرب النوافل فشهد الحق مستترا بصورته فجعل لعينه ، وما يسمى به وقاية للحق وهو صورته ، لأن هوية الحق قوى العبد فكان شاهدا للحق باسمه الباطن ، عالما متميزا عن الجاهل الغائب الذي لا يعرف الحق ، وهو ذو لب متذكر للمعارف والحقائق المعنوية لغلبة التنزيه عليه ، أو هو ناظر بلبه في لب الشيء الذي المطلوب منه هو تجلى الحق من إضافة صفات العبد وأفعاله إليه ، موف حقوق العبودية لربه مجدّ في خدمة سيده .
"" إضافة بالي زادة : ( اتخذوا الله وقاية ) لأنفسهم بإسناد ذواتهم وصفاتهم وأفعالهم كلها إلى الحق ، فتحقق بقوله : « اليوم أضع نسبكم » بغنائهم في الله وبقائهم به ( وأقواه عند الجميع ) أي عند جميع أهل الله لوصولهم نهاية الأمر ، فكان قولهم : إن الحق عين الصورة الظاهرة صادقا لشهودهم أن انتساب العالم كله إلى الحق اهـ بالى
(وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه ) أي من حيث كون الحق ظاهر للعبد ، نظرا إلى قوله : فأين المتقون ( والعبد وقاية للحق بوجه ) أي من حيث كون العبد ظاهر الحق ، فقد حصل في تلك المسألة خمسة أوجه كلها صحيحة ( فقل في الكون ) اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فما سبق مقصر مجدا ، كذلك لا يماثل أجير عبدا )
أي أن هذا العبد المتقى من حيث أنه عالم بربه مجد في القيام بحقه في مقام عبدانيته ، فلا يسبقه المقصر الذي لا يشهد ربه الجاهل به الطالب أجره بعمله ولا يساويه كما ذكر في الآية ، لأنه عبد أجرة عابد لنفسه عائب عن ربه ، بخلاف الأول العالم المخلص ، فإنه عبد ربه على الشهود فلا يماثله الأول.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه ، والعبد وقاية للحق بوجه ، فقل في الكون ما شئت ) أي وإذا كان المتقى يعرف أنه بأي وجه حق وبأي وجه عبد ، ويعرف بأن المذام والنقائص وفي الجملة الأمور العدمية من صفات العبد ولوازم الإمكان ، والممكن الذي أصله العدم والمحامد والكمالات ، وفي الجملة الأمور الوجودية كالجود بالنسبة إلى البخل من صفات الحق وأحكام الوجوب ونعوت الواجب ، وكان الحق عنده وقاية للعبد في الكمالات والمحامد ، والعبد وقاية للحق في النقائص والمذام.
فقل ما شئت في الوجهين ( إن شئت قلت : هو الخلق ) أي بصفات النقص
( وإن شئت قلت : هو الحق ) في صفات الكمال
( وإن شئت قلت : هو الحق والخلق ) في الأمرين
( وإن شئت قلت : لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه ) لما ذكر .
( وإن شئت قلت : بالحيرة في ذلك ) لغلبة الحال بنسبة ما لكل واحد منها إلى الآخر.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب ، ولولا التجديد ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصور ، ولا وصفه بخلع الصور عن نفسه )
أي ولولا جواز التحديد على الحق بظهوره في صور المحدودات وتقيده بها وعدم منافاة ذلك للإطلاق ، ما أخبرت الرسل بتحولة في الصور ولا بخلع الصور عن نفسه ، فإن الظهور في كل ما شاء من الصور وخلع ما شاء عن نفسه عين اللاتقيد واللاإطلاق .
( فلا تنظر العين إلا إليه .... ولا يقع الحكم إلا عليه )
لامتناع وجود غيره ، لأن ما عداه العدم المحض ، فلا يصح كون العدم وجودا
( فنحن له وبه في يديه ) أي ونحن له عباد مملوكون ، وبه موجودون ، وفي يده مأسورون
مجبورون ( وفي كل حال فإنا لديه ) لأنا معه بإضافة وجوده إلينا وكوننا بوجوده ، كما قال علي رضي الله عنه : مع كل شيء لا بمقارنه .
( ولهذا ينكر ويعرف وينزه ويوصف ) لاختلاف صور مجاليه ومظاهره .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمن رأى الحق منه فيه بعينه ، فذلك العارف ) أي من الحق في الحق لأن الحق لا يرى إلا بعينه ، وعين الحق لا يخطئ في الرؤية .
( ومن رأى الحق منه فيه بعين نفسه ، فذلك غير العارف ) ومن رأى بعين نفسه فقد أخطأ ولم يره لأن الحق لا يرى بعين الغير بل يراه غيره.
( ومن لم ير الحق منه ولا فيه ، وانتظر أن يراه بعين نفسه فهو الجاهل المحجوب ) الذي لم يهتد إلى معنى اللقاء فينظر في الآخرة
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها ، فإذا تجلى له الحق فيها عرفه وأقرّ به ، وإن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر ، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه ) يعنى لا بد لكل شخص من أهل الحجاب المحجوبين بالتقييد أن يعتقدوا إلها معينا لا يقرون إلا به ، فلذلك ينكرون ما عداه ويسيئون معه الأدب .
"" إضافة بالي زادة : ولهذا ، أي لأجل ظهور الحق في كل صورة ( ينكر ويعرف ) على حسب مراتب الناس ، فإذا لم تنظر للعين إلا إليه صار النظر مختلفا في رؤية الحق ، بأن كان بعضه فوق بعض ( فمن رأى الحق منه ) أي من الحق ( فيه ) أي في الحق ( بعينه ) أي بعين الحق ( فذلك العارف ) لكون الناظر والنظر والمنظور منه والمنظور فيه والمنظور إليه كلها حتى في نظره ( ومن رأى الحق ) فذلك غير العارف لعدم علمه أن الحق لا يرى بعين غيره اهـ بالى .
( الموجب لذلك ) أي لكون مراتب العلم عين مراتب الرؤية ، وذلك السبب المعلم به هو رجوع كل واجد إلى صورة معتقده ، فمن كان صورة معتقده مقيدة لا يرى الحق إلا فيها ، ومن لم يكن صورة معتقده . أهـ بالي زادة ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا يعتقد معتقدا لها إلا بما جعل في نفسه ، فالإله في الاعتقادات بالجعل ، فما رأوا إلا نفوسهم وما جعلوا فيها )
أي معتقدات أهل الحجاب ألوهية إله غير الذي تصوره في نفسه فالإله عند أهل الاعتقادات إنما هو الذي جعلوه في أنفسهم ويحبونه بأوهامهم وجزموا بحقيته وبطلان ما هو على خلافه ، واعتادوا بهواهم على عبادته فهو مجعول لهم ، فما رأوا إلا نفوسهم للمناسبة لما اخترعوه وما جعلوه فيها من صورة معتقدهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فانظر مراتب الناس في العلم باللَّه هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة ، وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك ) .
لا شك أن العلم باللَّه يختلف بحسب استعدادات الخلق أولا ، ثم بحسب التربية والصحبة والعادة ، فكل أحد علمه باللَّه هو ما أبلغه من كماله المخصوص به فلا يتصوره إلا على صورة الكمال الذي وسعه ، فلا جرم كانت مرتبته يوم القيامة في الرؤية بحسب ما علمه واعتقده من الموصوف بالكمال الذي تصوره على الصورة التي اعتقدها ، وهي الصورة المقيدة بالقيد المعين الذي جعله كمالا في حقه تعالى ، واعتقد أنه يستحيل أن لا يكون على تلك الصورة وتلك الصفة المعينة التي يرجع بها في عقيدته إلى ربه فهو عبد ذلك المعتقد .
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر ما سواه فيفوتك خير كثير ، بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه ) .
فإن الحق المتجلى في صورة المعتقدات يسع الكل ويقبلها جميعا ، فإذا تقيدت بصورة مخصوصة فقد كفرت بما سواه وهو الحق المتجلى بتلك الصورة إذ لا شيء غيره ، فإذا أنكرته فقد جهلته وأسأت الأدب معه وأنت لا تدري ، فيفوتك الحق المتجلى في جميع الصور التي هي غير الصورة التي تقيدت بها في اعتقادك وهو خير كثير ، بل يفوتك العلم بالحق على ما هو عليه وهو الخير الكثير.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها ، فإن الإله تبارك وتعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد ، فإنه يقول " فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه الله " وما ذكر أينا من أين ، وذكر أن ثمة وجه الله ) .
إذا علمت أنه غير محصور في قيد ولا صورة يوجد بدونه في عقل ولا خارج ، فانطلق عن أمر القيود والعقود ، وأطلق الأمر في كل الموجود تحظ بالعلم الأتم في الشهود .
فإن الله تعالى يقول " فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه الله " (وما ذكر أينا من أين. وذكر أن ثم وجه الله)
ما خص جهة دون جهة لوجهه ، فلا أين إلا وقد تجلى فيه وجهه وتولى إلى وجهه فيه من تولى إليه .
"" إضافة عبد الرحمن الجامي : مقيدة بل مطلقة يراه في كل صورة ( فإياك أن تتقيد ) فإنه غير محصور فيما قيدته به وكفرت بما سواه ، بل هو شامل الكل ظاهر في الجميع من غير تقييد ( فكن في نفسك هيولى ) واقبل كل صورة ترد عليك واعتقد أنها بعض مجاليه وهو غير منحصر فيها ، فإن الإله أوسع وأعظم. اهـ جامى .""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ووجه الشيء حقيقته ، فنبه بهذا قلوب العارفين لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا ، فإنه لا يدرى العبد في أي نفس يقبض فقد يقبض في وقت غفلة ، فلا يستوي مع من قبض على حضور ) .
حرّض على الحضور مع الله والمراقبة في شهوده ، وحذر عن التقيد والالتفات إلى الغير والاشتغال بما يشوش الوقت ، حتى يعم شهود وجه الله جميع أحواله فيقبض في حال الشهود فيحشر مع الله ، لا من غفل فيقبض على حال الغفلة فيحشر مع من تولاه ، اللهم لا تحجبنا عن نور حمالك ولا تكلنا إلى أنفسنا بفضلك ، وتولنا بولايتك عن مطالعة نوالك .
قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا يلزمه في الصورة الظاهرة والحال المقيد بوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام ، ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته ، وهي بعض مراتب الحق من " فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْه الله " فشطر المسجد الحرام منها ففيه وجه الله ، ولكن لا تقل هو هاهنا فقط ، بل قف عندما أدركت ، والزم الأدب في الاستقبال شطر المسجد الحرام ، والزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأينية الخاصة بل هي من جملة أينيات ما تولى متول إليها ، فقد بان لك عن الله أنه في أينية كل وجه ).
يعنى أن الكامل مع علمه بلا تقيد الحق بجهة مخصوصة يلزمه بحكم حال التقيد بالتعلق البدني التوجه بالصلاة إلى جهة الكعبة ، فإنه لا يمكنه التوجه حال التقيد إلى جميع الجهات ، بل يختص توجهه بجهة واحدة ، وتلك الجهة هي المأمور بالتوجه إليها من عند الله فتعينت وإلا ثبت العصيان ، والباقي ظاهر
(وما ثم إلا الاعتقادات ) أي وما في أينية كل جهة إلا الاعتقادات ، لأنها هي الجهات المعنوية تتوجه فيها قلوب المعتقدين إلى الحق.
( فالكل مصيب ) لأن للحق في كل معتقد وجها ( وكل مصيب مأجور ) لأن له من الحق المطلق حظا ونصيبا.
قال الشيخ رضي الله عنه : (وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضى عنه وإن شقي زمان في دار الآخرة ، فقد مرض وتألم أهل العناية مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق في الحياة الدنيا فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم ، ومع هذا لا يقع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم) .
قوله في الحياة الدنيا متعلق بقوله مرض وتألم ، ثم إن أهل العلم الكشفي يطلعون من طريق الكشف على أن أهل جهنم قد يكون لهم نعيم مختص بهم ولذة تناسب حالهم ، مع كونهم في دار الهوان والبعد المتوهم وبعض الشر أهون من بعض ، ومع ذلك لا يخلد مؤمن في عذاب جهنم وإن كان فاسقا .
"" إضافة بالي زادة : ( فالكل مصيب ) في اعتقاده الحق في نفس الأمر سواء طابق ذلك الاعتقاد بالشرع أو لم يطابق ، لكنه إذا لم يطابق الشرع لا ينفع ( وكل مصيب مأجور ) بحسب اعتقاده ، فكان أجر من اعتقد بما يخالف الشرع من الكفار ، والتلذذات الروحانية بمشاهدة ربه مخلدا في النار ( وكل مأجور سعيد ) وإن شقي ، أي وإن عذب ذلك السعيد بالعذاب الخالص زمانا طويلا في الدار الآخرة ، فكان المؤمن سعيدا خالصا من الشقاء لذلك أدخلوا الجنة ، والكافر سعيدا ممتزجا من الشقاء لذلك أبقوا في النار ، وكذلك في الرضا اهـ بالى .
( في دار تسمى جهنم ) فكما لا ينافي الألم السعادة في الحياة الدنيا كذلك لا ينافي في الحياة الأخرى ، فكما أن أهل الحق إذ تألموا في الدنيا فهم على لذة في ذلك الألم بمشاهدة ربهم فلا يشغلهم الألم عن ربهم ، فإن الألم أين من الأينيات والأين لا يشغل العارفين عن استحضار الحق ، كذلك أهل النار في الأخرى وإن كانوا يتألمون فهم على لذة روحانية بمشاهدة ربهم ، لأنهم عارفون فيها فلا يحتجبون بالألم عن الحق فلا ينافي المهم راحتهم ، وقد أورد دليلا على ذلك بقوله ( ومع هذا لا يقطع ) اهـ بالى . ""
ثم فصل النعيم المختص بأهل النار بقوله ( إما بفقد ألم كانوا يجحدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم من وجدان ذلك الألم أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان ، والله أعلم ).
ولكن بالنسبة إليهم فإن اللذة إدراك الملائم ، فقد يكون نعيم ملائم لهم يلتذون به مع أنه بالنسبة إلى أهل اللطف عذاب أليم للطف إدراكهم ، وقد يكون مماثلا لنعيم أهل الجنة في بعض الصور ، ولكن أهل الجنة يختصون بأنواع النعيم المقيم ، مما ليس لأولئك فيه نصيب .
.
التسميات:
eabd-alrrazaq-alqashaniu
،
Fusus-AlHikam
،
IbnArabi
مواضيع ذات صله :
IbnArabi
Subscribe to:
Post Comments (Atom)
اشترك في قناتنا علي اليوتيوب
المشاركات الشائعة
-
شرح النابلسي لخطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي
-
05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني
-
01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .شرح داود القيصرى متن فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الحاتمي الطائي
-
السفر السادس والعشرون فص حكمة صمدية في كلمة خالدية الفقرة السابعة .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
-
مقدمة الشارح داود بن محمود بن محمد القَيْصَري كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم على فصوص الحكم الشيخ الأكبر
-
السفر الثاني فص حكمة نفثية فى كلمة شيثية الفقرة السابعة عشر .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
-
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الأولى .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
-
01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب
-
السفر الأول فص حكمة إلهية فى كلمة آدمية الفقرة الحادية والثلاثون .موسوعة فتوح الكلم فى شروح فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي
-
الفصل الثالث في الأعيان الثابتة والتنبيه على المظاهر الأسمائية من مقدمة كتاب مطلع خصوص الكلم في معاني فصوص الحكم للشيخ الأكبر ابن العربي
آخر ما نشر على مدونة فتوح الكلم في شروح فصوص الحكم
فهرس زمني لمدونة فتوح الكلم فى شرح الحكم
-
▼
2019
(764)
- ► 06/30 - 07/07 (59)
- ► 07/07 - 07/14 (135)
- ► 07/14 - 07/21 (127)
- ► 07/21 - 07/28 (94)
-
▼
07/28 - 08/04
(48)
- مقدمة كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن ا...
- 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب شرح كلمات ف...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .كتاب شرح كلمات ف...
- 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب شرح كلمات ...
- 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب شرح كلما...
- 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب شرح كل...
- 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب شرح كلمات ...
- 07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب شرح كلما...
- 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب شرح كلمات...
- 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب شرح كلمات ...
- مقدمة الشيخ ناصر بن الحسن الشريف الحسيني السبتي .ك...
- فصل شريف ونص لطيف في سبب الاختلافات الواقعة في الك...
- شرح خطبة الشيخ الأكبر لكتاب فصوص الحكم .كتاب مجمع ...
- 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الأول .كتاب...
- 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية الجزء الثاني .كتا...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الأول .كتاب...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية الجزء الثاني .كتا...
- خطبة كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي شرح ا...
- 01 - فص حكمة إلهية في كلمة آدمية .كتاب فصوص الحكم ...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب فصوص الحكم ...
- 03 - فص حكمة سبوحية في كلمة نوحية .كتاب فصوص الحك...
- 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب فصوص الح...
- 05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب فصوص ا...
- 06 - فص حكمة حقية في كلمة اسحاقية .كتاب فصوص الحكم...
- 07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب فصوص الح...
- 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب فصوص الحك...
- 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب فصوص الحكم...
- خطبة الكتاب "فاتحة الكتاب" فصوص الحكم الشيخ الأكب...
- 01 - فص حكمة ألهية فى كلمة آدمية كتاب فصوص الحكم ا...
- 02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية .كتاب فصوص الحكم ...
- 03 - فص حكمة سبُّوحيَّة في كلمة نُوحِيَّة .كتاب فص...
- 04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسيَّة .كتاب فصوص ا...
- 05 - فص حكمة مُهَيَّميَّة في كلمة إبراهيمية .كتاب ...
- 06 - فص حكمة حقية في كلمة إسحاقية .كتاب فصوص الحكم...
- 07 - فص حكمة علية في كلمة إسماعيلية .كتاب فصوص الح...
- 08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب فصوص الحك...
- 09 - فص حكمة نورية في كلمة يوسفية .كتاب فصوص الحكم...
- 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب فصوص الحكم ...
- 10 - شرح نقش فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب نق...
- 10- فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب شرح كلمات فص...
- 10 - فك ختم الفص الهودى .كتاب الفكوك في اسرار مستن...
- 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب فصوص الحكم ...
- 10 - فصّ حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح الشيخ مؤيد ...
- 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح القاشاني كتا...
- 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح داود القيصرى...
- 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب خصوص النعم ...
- 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب شرح فصوص ال...
- 10 – فص حكمة أحدية في كلمة هودية .شرح عبد الرحمن ا...
- ► 08/04 - 08/11 (66)
- ► 08/11 - 08/18 (21)
- ► 08/18 - 08/25 (10)
- ► 09/08 - 09/15 (23)
- ► 11/03 - 11/10 (38)
- ► 11/10 - 11/17 (2)
- ► 11/17 - 11/24 (37)
- ► 12/01 - 12/08 (31)
- ► 12/15 - 12/22 (15)
- ► 12/22 - 12/29 (24)
- ► 12/29 - 01/05 (34)
-
►
2020
(347)
- ► 01/12 - 01/19 (32)
- ► 01/19 - 01/26 (27)
- ► 01/26 - 02/02 (24)
- ► 02/09 - 02/16 (71)
- ► 02/16 - 02/23 (35)
- ► 03/01 - 03/08 (20)
- ► 03/08 - 03/15 (14)
- ► 03/15 - 03/22 (41)
- ► 03/22 - 03/29 (10)
- ► 03/29 - 04/05 (21)
- ► 04/12 - 04/19 (39)
- ► 04/19 - 04/26 (13)
تابعونا علي فيس بوك
تغريداتي علي التويتر
التسميات
Abd-al-Ghani-al-Nabulsi
abu-aleila-eafifi
afif-aldin-talmansani
almafatih-alwujudiya-walqurania
alsafar_alkhatum_fusus_alhikam
dawud-bin-mahmud-alqaysary
eabd-alrrazaq-alqashaniu
eabd-alruhmin-aljami
eala'-alddin-ahmad-almuhayimi
Fusus-AlHikam
IbnArabi
IbnArabiو
mahmoud-mahmoud-alghurab
majmae-lbahrayn-fi-sharah-alfasin
muayid-aldiyn-aljundii
mustafaa-baly-zada
naqash
naqash-fusus-alhikam
sadar-aldiyn-alqwnw
sayin-aldiyn-altaraka
the-eighteen-book-of-fusus-alhikam
the-eighth-book-of-fusus-alhikam
the-eleventh-book-of-fusus-alhikam
the-fifteenth-book-of-fusus-alhikam
the-fifth-book-of-fusus-alhikam
the-first-book-of-fusus-alhikam
the-fourteenth-book-of-fusus-alhikam
the-fourth-book-of-fusus-alhikam
the-nineteenth-book-of-fusus-alhikam
the-ninth-book-of-fusus-alhikam
the-second-book-of-fusus-alhikam
the-seventeenth-book-of-fusus-alhikam
the-seventh-book-of-fusus-alhikam
the-sixteen-book-of-fusus-alhikam
the-sixth-book-of-fusus-alhikam
the-tenth-book-of-fusus-alhikam
the-third-book-of-fusus-alhikam
the-thirteenth-book-of-fusus-alhikam
the-twelveth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-fifth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-first-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-fourth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-seventh-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-sixth-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-third-book-of-fusus-alhikam
the-twenty-tow-book-of-fusus-alhikam
No comments:
Post a Comment