Sunday, July 28, 2019

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

قال الشيخ رضي الله عنه : ("1" إنما سمي الخليل خليلا لتخلله و حصره جميع ما اتصفت به الذات الإلهية. قال الشاعر:
قد تخللت مسلك الروح مني ... و به سمي الخليل خليلا "2"
كما يتخلل اللون المتلون، فيكون العرض بحيث جوهره ما هو كالمكان و المتمكن، أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم عليه السلام.
وكل حكم يصح من ذلك، فإن لكل حكم موطنا يظهر به لا يتعداه.
ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات، وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص وبصفات الذم؟ "3" . ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها "4" وكلها حق له كما هي صفات المحدثات)
....
1 -  المناسبة
المناسبة في هذه الحكمة في قوله تعالى : « واتخذ الله إبراهيم خليلا » فجعل الخلة في هذا الفص هي المناسبة .
كما أوضح ذلك في آخر الفص بتوضيح المناسبة بين الخلة والغذاء الذي هو القوت فيقول : « فإذا تخلل الرزق ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه شيء إلا تخلله ، فإن الغذاء يسري في جميع أجزاء المتغذي كلها » فجعل الخلة الإبراهيمية المناسبة بينها وبين قوة الأسماء الإلهية في هذا الفص ، وجعلها مهيمية فإن الهيام من لوازم الخلة والمحبة.
2 - إذا تخللت المعرفة بالله أجزاء العارف من حيث ما هو مركب
فلا يبقى فيه جوهر فرد إلا وقد حلت فيه معرفة ربه ،فهو عارف به بكل جزء فيه.
ولولا ذلك ما انتظمت أجزاؤه ولا ظهر تركیبه ، ولا نظرت روحانيته طبيعته ، فبه تعالی انتظمت الأمور معنی وحسا وخيالا.
راجع الفتوحات ج2/ 362
3 - الحق يظهر بصفات المحدثات وأخبر بذلك عن نفسه
مثل قوله تعالى : « جعت فلم تطعمني .. مرضت فلم تعدني - الحديث ».
ومثل قوله تعالى « الله يستهزىء بهم » و « سخر الله منهم ».
4 - المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها
يعني العلم والإرادة والقدرة والكرم والرأفة والرحمة إلى غير ذلك .

ص 82

قال الشيخ رضي الله عنه :  (حق للحق. «الحمد لله»: "5" فرجعت إليه عواقب الثناء من كل حامد و محمود. «و إليه يرجع الأمر كله» فعم ما ذم و حمد، و ما ثم إلا محمود و مذموم.)
.......
5 -  كل الأسماء والصفات الله تعالى بالأصالة
لما رأيت ما ينبغي الله وما ينبغي للعبة، ورأيت ما حجب الله به عباده المنسوبين إليه من حيث أنه جعل لهم في قلوبهم أنهم يعتقدون أن لهم أسماء حقيقة .
وأن الحق تعالى قد زاحمهم فيها ، وحجبهم عن العلم بأن تلك الأسماء أسماؤه تعالی ، زاحموه بالتخلق بالأسماء الإلهية.
وقابلوا مزاحمة بمزاحمة ، وما تفطنوا لما لم يزاحمهم فيه من الذلة والافتقار الذي نبه لأبي يزيد عليها ولنا اعتناء من الله .
فهذه أسماؤهم إلا ما ادعوها ، فزاحموه فيما تخيلوا من الأسماء أنها لهم وهم لا يشعرون .
ولقد كنت مثلهم في ذلك قبل أن يمن الله علي بما من به علي من معرفته ، فعلمني أن الأسماء أسماؤه وأنه لابد من إطلاقها علينا فأطلقناها ضرورة لا اعتقادا.
وأطلقتها أنا ومن خصه الله بهذا العلم على الله اعتقادا .
وأطلقها غيرنا اضطرارا إيمانا لكون الشرع ورد بها لا اعتقادا .
فحفظنا عليه ما هو له حين لم يحفظه ومكر بعباده ، فمن حفظ على نفسه ذله وافتقاره وحفظ على الله أسماءه كلها التي وصف بها نفسه والتي أعطى في الكشف أنها له . فقد أنصف فاتصف بأنه على كل شيء حفيظ .
والكل أسماء الحق تعالى والعيد لا اسم له ، حتى إن اسم العبد ليس له وهو متخلق به كسائر الأسماء الحسنى .
فالسير إلى الله والدخول عليه والحضور عنده ليس إلا بأسمائه ، وإن أسماء الكون أسماؤه ، وهو مجلي عزيز في منصة عظمى .
كانت غاية أبي يزيد البسطامي دونها فإن غايته ما قاله عن نفسه ،" تقرب إلي بما ليس لي"، فهذا كان حظه من ربه ورآه غاية .
وكذلك هو فإنه غايته لا الغاية ، وهذه طريقة أخرى ما رأيتها الأحد من الأولياء ذوقا إلا للأنبياء والرسل خاصة.
فكل اسم للكون فأصله للحق حقيقة وهو للخلق لفظا دون معنى وهو به متخلق ، فكل وصف صفة كمال الله تعالی فهو موصوف بها كما تقتضيه ذاته ، وأنت موصوف بها كما تقتضيها ذاتك.
والعين واحدة والحكم مختلف    ….. و العبد يعبد و الرحمن معبود
الفتوحات ج2 / 350  , ج3 / 228 .

ص 83

قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أنه ما تخلل شي ء شيئا إلا كان محمولا فيه. فالمتخلل - اسم فاعل- محجوب بالمتخلل- اسم مفعول. فاسم المفعول هو الظاهر، واسم الفاعل هو الباطن المستور. وهو غذاء له كالماء يتخلل الصوفة فتربو به وتتسع.
فإن كان الحق هو الظاهر فالخلق مستور فيه، فيكون الخلق جميع أسماء الحق سمعه و بصره و جميع نسبه و إدراكاته.
وإن كان الخلق هو الظاهر فالحق مستور باطن فيه، فالحق سمع الخلق و بصره و يده و رجله و جميع قواه كما ورد في الخبر الصحيح.
ثم إن الذات لو تعرت عن هذه النسب لم تكن إلها.
وهذه النسب أحدثتها أعياننا: فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها، فلا يعرف حتى نعرف.
قال عليه السلام: «من عرف نفسه عرف ربه» وهو أعلم الخلق بالله.
فإن بعض الحكماء وأبا حامد ادعوا أنه يعرف الله من غير نظر في العالم وهذا غلط. نعم تعرف ذات قديمة أزلية لا يعرف أنها إله حتى يعرف المألوه. فهو الدليل عليه.
ثم بعد هذا في ثاني حال يعطيك الكشف أن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه و على ألوهيته، و أن العالم ليس إلا تجليه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها بدونه ، وأنه يتنوع و يتصور بحسب حقائق هذه الأعيان و أحوالها، "6" و هذا بعد العلم به منا أنه إله لنا.)
......
6 - وحدة الوجود - الظاهر في المظاهر
الموجودات على تفاصيلها في ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة ، فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسه فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان ، وما في العدم شيء إلا أعيان الممكنات مهيأة للاتصاف بالوجود .
فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي ، كما هو لا هو .
لأنه الظاهر فهو والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو ، فيا أنا ما هو أنا ولا هو ما هو هو .
مغازلة رقيقة وإشارة دقيقة ردها البرهان ونفاها ، و أوجدها العيان وأثبتها .
ما من شيء في تفاصيل العالم إلا وفي الحضرة الإلهية صورة تشاكل ما ظهر ، أي يتقيد بها، ولولا هي ما ظهر .
فإذا تأملت فما ثم وجود إلا الله خاصة ، وكل موصوف بالوجود مما سوى الله فهو نسبة خاصة ، والإرادة الإلهية إنما متعلقها

ص 84

قال الشيخ رضي الله عنه : (ثم يأتي الكشف الآخر فيظهر لك صورنا فيه، فيظهر بعضنا لبعض في الحق، فيعرف بعضنا بعضا، و يتميز بعضنا عن بعض.)
......
إظهار التجلي في المظاهر ، أي في مظهر ما ، وهو نسبة .
فان الظاهر لم يزل موصوفا بالوجود ، والمظهر لم يزل موصوفا بالعدم ، فإذا ظهر أعطى المظهر حكما في الظاهر بحسب حقائقه النفسية .
فانطلق على الظاهر من تلك الحقائق التي هو عليها المظهر المعدوم حكم يسمى إنسانا أو فلكا أو ملكا أو ما كان من أشخاص المخلوقات .
كما رجع من ذلك الظهور للظاهر اسم يطلق عليه يقال به خالق وصانع ، وضار ونافع ، وقادر.
وما يعطيه ذلك التجلي من الأسماء ، وأعيان الممكنات على حالها من العدم كما أن الحق لم يزل له حكم الوجود .
فحدث لعين الممكن اسم المظهر ، و للمتجلي فيه اسم الظاهر .
فأعطى استعداد مظهر ما أن يكون الظاهر فيه مكلفا ، فيقال له افعل ولا تفعل ، ويكون مخاطبا بأنت وكاف الخطاب .
واعلم أن التجلي الذاتي ممنوع بلا خلاف بين أهل الحقائق في غير مظهر .
فوقتا يكون المظهر جسميا و وقتا يكون جسمانيا ووقتا جسديا ، ووقتا يكون المظهر روحيا ووقتا روحانیا.
فالتجلي في المظاهر هو التجلي في صور المعتقدات وهو كائن بلا خلاف.
والتجلي في المعقولات كائن بلا خلاف . وهما تجلي الاعتبارات .
لأن هذه المظاهر سواء كانت صور المعقولات أو صور المعتقدات فإنها جسور يعبر عليها بالعلم .
أي يعلم أن وراء هذه الصور أمرا لا يصح أن يشهد ولا أن يعلم .
وليس وراء ذلك المعلوم الذي لا يشهد ولا يعلم حقيقة ما يعلم أصلا .
وأما التجلي في الأفعال ففيه خلاف بين أهل هذا الشأن لا يرتفع دنيا ولا آخرة .
فما في المسائل الإلهية ما تقع فيها الحيرة أكثر ولا أعظم من مسألة الأفعال ، ولاسيما في تعلق الحمد والذم بأفعال المخلوقين.
فيخرجها ذلك التعلق أن تكون أفعال المخلوقين لغير المخلوقين حين ظهورها عنهم ، وأفعال الله كلها حسنة في مذهب المخالف الذي ينفي الفعل عن المخلوق ويثبت الذم للفعل بلا خلاف .
ولا شك عنده في تعلق الذم، بذلك الفعل من الله، فمن الشدائد على أهل الله إذا أوقفهم في حضرة الأفعال ، من نسبتها إلى الله ونسبتها إلى أنفسهم ،
ص 85

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمنا من يعرف أن في الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا، و منا من يجهل الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة بنا: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين.
و بالكشفين معا ما يحكم علينا إلا بنا، لا، بل نحن نحكم علينا بنا و لكن فيه، و لذلك قال «فلله الحجة البالغة»: يعني على المحجوبين إذ قالوا للحق لم فعلت بنا كذا و كذا مما لا يوافق أغراضهم، «فيكشف لهم عن ساق»: و هو الأمر الذي كشفه العارفون هنا، فيرون أن الحق ما فعل بهم ما ادعوه أنه فعله و أن ذلك منهم، فإنه ما علمهم إلا على ما هم عليه، فتدحض حجتهم و تبقى الحجة لله تعالى البالغة.
فإن قلت فما فائدة قوله تعالى: «فلو شاء لهداكم أجمعين» قلنا «لو شاء» لو حرف امتناع لامتناع: فما شاء إلا ما هو الأمر عليه.
و لكن عين الممكن قابل للشيء و نقيضه في حكم دليل العقل، و أي الحكمين المعقولين وقع، ذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته.
و معنى «لهداكم لبين لكم: و ما كل ممكن من العالم فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه: فمنهم العالم و الجاهل. فما شاء ، فما هداهم أجمعين، و لا يشاء، و كذلك «إن يشأ»: فهل يشاء؟ هذا ما لا يكون. فمشيئته ).
.....
فيلوح لهم ما لا يمكن لهم معه أن ينسبوها إلى أنفسهم ، ويلوح لهم ما لا يتمكن معه أن ينسبوه إلى الله .
فهم هالكون بين حقيقة وأدب ، والتخلص من هذا البرزخ من أشد ما يقاسيه العارفون ، فإن الذي ينزل عن هذا المقام يشاهد أحد الطرفين فيكون مستريحا لعدم المعارض.
فمذهبنا العين الممكنة إنما هي ممكنة لأن تكون مظهرا ، لا لأن تقبل الاتصاف بالوجود فيكون الوجود عينها .
إذن فليس الوجود في الممكن عين الموجود ، بل هو حال لعين الممكن ، به يسمى الممكن موجودا مجازا لا حقيقة ، لأن الحقيقة تأبى أن يكون الممكن موجودا ، فلا يزال كل شيء هالك .
الفتوحات ج1 / 694  , ج2 / 40,42,99,160,435,606
7 - راجع فص 2 رقم 4 ص   44
8 -  راجع فص 2 رقم 3 ص 42

ص 86

قال الشيخ رضي الله عنه : (أحدية التعلق "9" و هي نسبة تابعة للعلم و العلم نسبة تابعة للمعلوم و المعلوم أنت و أحوالك. فليس للعلم أثر في المعلوم، بل للمعلوم أثر في العلم فيعطيه من نفسه ما هو عليه في عينه.
و إنما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ عليه المخاطبون و ما أعطاه النظر العقلي، ما ورد الخطاب على ما يعطيه الكشف.
و لذلك كثر المؤمنون و قل العارفون أصحاب الكشوف.
«و ما منا إلا له مقام معلوم»: و هو ما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك، "10" هذا إن ثبت أن لك وجودا. فإن ثبت أن الوجود للحق لا لك، فالحكم لك بلا شك في وجود الحق. و إن ثبت أنك الموجود فالحكم لك بلا شك. و إن كان الحاكم الحق، فليس له إلا إفاضة الوجود عليك و الحكم لك عليك.)
.....
9 - أحدية المشيئة ونسبة الاختيار الى الله تعالى
اعلم أن الإمكان للممكن هو الحكم الذي أظهر الاختيار في المرجح ، والذي عند المرجح أمر واحد ، وهو أحد الأمرين لا غير ، فما ثم بالنظر إلى الحق إلا أحدية محضة لا يشوبها اختيار .
ألا تراه تعالى يقول « لو شاء » كذا لكان كذا، فما شاء فما كان ذلك ، فنفى عن نفسه تعلق هذه المشيئة ، فنفى الكون عن ذلك المذكور .
فالإختيار تعلق خاص للذات أثبته الممكن لإمكانه في القبول لأحد الأمرين على البدل ولولا معقولية هذين الأمرين، ومعقولية القبول من الممكن، ما ثبت للإرادة ولا للاختيار حكم .
إن المشيئة الإلهية ما عندها إلا أمر واحد في الأشياء ، ولا تزال الأشياء على حكم واحد معين من الحكمين .
فمشيئة الحق في الأمور عين ما هي الأمور عليه..
نزال الحكم ، فإن المشيئة إذ جعلتها خلاف عين الأمر فإما أن تتبع الأمر وهو محال ، وإما أن يتبعها الأمر.وهو محال.
وبيان ذلك أن الأمر لنفسه كان ما كان، فهو لا يقبل التبديل ، فهو غير مشاء بمشيئة ليست بعينه.
فالمشيئة عينه فلا تابع ولا متبوع.، فتحفظ من الوهم.
فمحال على الله الاختيار في المشيئة ، لأنه محال عليه الجواز , لأنه محال أن يكون الله مرجح يرجح له أمرا دون أمر ، فهو المرجح لذاته ، فالمشيئة أحدية التعلق لا اختيار فيها .

الفتوحات ج3/ 356 ,357  - ج4 / 30 , 201
10 -  راجع الظاهر في المظاهر رقم 6 وفص 2 رقم 3 .

ص 87

قال الشيخ رضي الله عنه : (فلا تحمد إلا نفسك و لا تذم إلا نفسك، و ما يبقى للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لك. فأنت غذاؤه بالأحكام، ... و هو غذاؤك بالوجود. "11" فنعين عليه )
.....
11 - الغذاء
كل غذاء أعلا من حياته المتولدة عنه ، فلا تزال من العالم الأدنۍ ترتقي في أطوار العوالم أغذية وحياة حتى تنتهي إلى الغذاء الأول الذي هو غذاء أغذية الأغذية.
وهي الذات المطلقة ، والأسماء الإلهية أقواتها أعيان آثارها في الممكنات .
فبالآثار تعقل أعيانها ، فلها البقاء بآثارها .
فقوت الاسم أثره، وتقديره مدة حكمه في الممكن أي ممكن كان ، ولما لم يكن في الكون إلا علة و معلول ، علمنا أن الأقوات العلوية والسفلية أدوية لإزالة أمراض ، ولا مرض إلا الافتقار .
فقوت القوت الذي يتقوت به هو استعماله .
فالمستعمل قوت له لأنه ما يصح أن يكون قوتا إلا إذا تقوت به ، فاعلم من قوتك ومن أنت قوته.
من قدر القوت فقد قدرا     …… والقوت ما اختص بحال الوری
بل حكمه سار فقد عمنا    …… ونفسه فانظر تری ما تری
كل تغذي فيه قام في       …… وجوده حقا بغير افتری
فأول رزق ظهر عن الرزاق ما تغذت به الأسماء من ظهور آثارها في العالم ، وكان فيه بقاؤها ونعيمها و فرحها وسرورها .
وأول مرزوق في الوجود الأسماء ، فتأثير الأسماء في الأكوان رزقها الذي به غذاؤها وبقاء الأسماء عليها .
وهذا معنى قولهم إن للربوبية سرا لو ظهر لبطلت الربوبية ، فإن الإضافة بقاء عينها في المتضايفين ، وبقاء المضافين من كونهما مضافين إنما هو بوجود الإضافة، فالإضافة رزق المتضایفین، و به غذاؤهما وبقاؤهما متضايفين .
فهذا من الرزق المعنوي الذي يهبة الاسم الرزاق ، وهو من جملة المرزوقين .
فهو أول من تغذى بما رزق ، فأول ما رزق نفسه .
ثم رزق الأسماء المتعلقة بالرزق الذي يصلح لكل اسم منها.
وهو أثره في العالم المعقول والمحسوس .

الفتوحات  ج2 / 462 , ج4 / 248 , 409

ص 88

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتعين عليه ما تعين عليك. فالأمر منه إليك ومنك إليه.
غير أنك تسمى مكلفا و ما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك و بما أنت عليه.
و لا يسمى مكلفا: اسم مفعول.
فيحمدني و أحمده ... و يعبدني و أعبده
ففي حال أقر به ... و في الأعيان أجحده
فيعرفني و أنكره ... و أعرفه فأشهده
فأنى بالغنى و أنا ... أساعده فأسعده؟ "12"
لذاك الحق أوجدني ... فأعلمه فأوجده
بذا جاء الحديث لنا ... و حقق في مقصده
و لما كان للخليل هذه المرتبة التي بها سمي خليلا لذلك سن القرى ، و جعله ابن مسرة مع ميكائيل للأرزاق ، و بالأرزاق يكون تغذي المرزوقين.
فإذا تخلل الرزق ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه شيء إلا تخلله، فإن الغذاء يسري في جميع أجزاء المغتذي كلها وما هنالك أجزاء فلا بد أن يتخلل جميع المقامات الإلهية المعبر عنها بالأسماء فتظهر بها ذاته جل وعلا "13" ).

....
12 -  یعنی بقبول الممكن أن يكون مظهرا للظاهر .
فلولاه لما كنا ..... ولو لا نحن ما كانا
فإن قلنا بأنا هو ..... يكون الحق إيانا
فأبدانا وأخفاه ..... وأبداه وأخفانا
فكان الحق أكوانا ..... وكنا نحن أعيانا
فيظهرنا لنظهره ..... سرارا ثم إعلانا
الأسماء الإلهية بنا ولنا ، ومدارها علينا ، وظهورها فينا ، وأحكامها عندنا ، وغاياتها إلينا ، وعباراتها عنا ، وبداياتها منا.
فلولاها لما كنا ..... ولولانا لما كانت
بها بنا وما بنا ..... كما بانت وما بانت
فإن خفيت لقد جلت ..... وإن ظهرت لقد زانت

الفتوحات ج2 / 45 , 70
13 - راجع الفقرة رقم 2 ص 82

ص 89
قال الشيخ رضي الله عنه : (
فنحن له كما ثبتت ... أدلتنا ونحن لنا
وليس له سوى كوني ... فنحن له كنحن بنا
فلي وجهان هو وأنا ... و ليس له أنا بأنا
ولكن في مظهره ... فنحن له كمثل إنا "14"
و الله يقول الحق و هو يهدي السبيل. )

.....
14 - الظاهر في المظاهر
"فنحن له كما ثبتت أدلتنا" ، أي نحن له مجلی "ونحن لنا" ، من حيث أننا لا تظهر في الوجود إلا بما كنا عليه في الثبوت.
« وليس له سوی كوني » من حيث الظهور « فنحن له كندن بنا » أي لا يظهر إلا بما نحن عليه في الثبوت .
« فلي وجهان هو وأنا » أي لي مرتبة الوجود والإمكان « وليس له أنا بأنا » أي ليس له مرتبة الإمكان ولو ظهر بما أنا عليه « ولكن في مظهره » أي يظهر بما أنا عليه « فنحن له كمثل إنا » كلون الماء لون إنائه.

ص 90

.
واتساب

No comments:

Post a Comment