Wednesday, July 31, 2019

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي
08 - فص حكمة روحية في كلمة يعقوبية 
الدين دينان، دين عند الله وعند من عرفه الحق تعالى ومن عرف من عرفه الحق. ودين عند الحق، وقد اعتبره الله.
فالدين الذي عند الله هو الذي اصطفاه الله وأعطاه الرتبة العليا على دين الخلق فقال تعالى «ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون»: أي منقادون إليه.
وجاء الدين بالألف واللام للتعريف والعهد، فهو دين معلوم معروف وهو قوله تعالى «إن الدين عند الله الإسلام» وهو الانقياد. فالدين عبارة عن انقيادك.
والذي من عند الله تعالى هو الشرع الذي انقدت أنت إليه.
فالدين الانقياد ، والناموس هو الشرع الذي شرعه الله تعالى.
فمن اتصف بالانقياد لما شرعه الله له فذلك الذي قام بالدين وأقامه، أي أنشأه كما يقيم الصلاة.
فالعبد هو المنشئ للدين والحق هو الواضع للأحكام. فالانقياد هو عين فعلك، فالدين من فعلك.
فما سعدت إلا بما كان منك. فكما أثبت للسعادة لك ما كان فعلك كذلك ما أثبت الأسماء الإلهية إلا أفعاله وهي أنت وهي المحدثات.
فبآثاره سمي إلها وبآثارك سميت سعيدا.
فأنزلك الله تعالى منزلته إذا أقمت الدين وانقدت إلى ما شرعه لك.
وسأبسط في ذلك إن شاء الله ما تقع به الفائدة بعد أن نبين الدين الذي عند الخلق الذي اعتبره الله.
فالدين كله لله وكله منك لا منه إلا بحكم الأصالة.
قال الله تعالى «ورهبانية ابتدعوها» وهي النواميس الحكمية التي لم يجيء الرسول المعلوم بها في العامة من عند الله بالطريقة الخاصة المعلومة في العرف.
فلما وافقت الحكمة والمصلحة الظاهرة فيها الحكم الإلهي في المقصود بالوضع المشروع الإلهي، اعتبرها الله اعتبار ما شرعه من عنده تعالى، «و ما كتبها الله عليهم».
ولم فتح الله بينه وبين قلوبهم باب العناية والرحمة من حيث لا يشعرون جعل في قلوبهم تعظيم ما شرعوه يطلبون بذلك رضوان الله على غير الطريقة النبوية المعروفة بالتعريف الإلهي.
فقال: «فما رعوها»: هؤلاء الذين شرعوها وشرعت لهم: «حق رعايتها» «إلا ابتغاء رضوان الله» وكذلك اعتقدوا، «فآتينا الذين آمنوا» بها «منهم أجرهم» «وكثير منهم»:
أي من هؤلاء الذين شرع فيهم هذه العبادة «فاسقون» أي خارجون عن الانقياد إليها والقيام بحقها.  ومن لم ينقد إليها لم ينقد مشرعه بما يرضيه.
لكن الأمر يقتضي الانقياد: وبيانه أن المكلف إما منقاد بالموافقة وإما مخالف، فالموافق المطيع لا كلام فيه لبيانه، وأما المخالف فإنه يطلب بخلافه الحاكم عليه من الله أحد أمرين إما التجاوز والعفو، وإما الأخذ على ذلك، ولا بد من أحدهما لأن الأمر حق في نفسه.
فعلى كل حال قد صح انقياد الحق إلى عبده لأفعاله وما هو عليه من الحال. فالحال هو المؤثر.
فمن هنا كان الدين جزاء أي معاوضة بما يسر وبما لا يسر: فبما يسر «رضي الله عنهم ورضوا عنه» هذا جزاء بما يسر، «ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا» هذا جزاء بما لا يسر. «ونتجاوز عن سيئاتهم» هذا جزاء.
 فصح أن الدين هو الجزاء، وكما أن الدين هو الإسلام والإسلام عين الانقياد فقد انقاد إلى ما يسر وإلى ما لا يسر و هو الجزاء.
هذا لسان الظاهر في هذا الباب. وأما سره وباطنه فإنه تجلي في مرآة وجود الحق: فلا يعود على الممكنات من الحق إلا ما تعطيه ذواتهم في أحوالها، فإن لهم في كل حال صورة، فتختلف صورهم لاختلاف أحوالهم، فيختلف التجلي لاختلاف الحال، فيقع الأثر في العبد بحسب ما يكون.
فما أعطاه الخير سواه ولا أعطاه ضد الخير غيره، بل هو منعم ذاته ومعذبها. فلا يذمن إلا نفسه ولا يحمدن إلا نفسه.  «فلله الحجة البالغة» في علمه بهم إذ العلم يتبع المعلوم.
ثم السر الذي فوق هذا في مثل هذه المسألة أن الممكنات على أصلها من العدم، وليس وجود إلا وجود الحق بصور أحوال ما هي عليه الممكنات في أنفسها وأعيانها.
فقد علمت من يلتذ ومن يتألم وما يعقب كل حال من الأحوال وبه سمي عقوبة وعقابا وهو سائغ في الخير والشر غير أن العرف سماه في الخير ثوابا وفي الشر عقابا، وبهذا سمى أو شرح الدين بالعادة، لأنه عاد عليه ما يقتضيه ويطلبه حاله.
فالدين العادة قال الشاعر: كدينك من أم الحويرث قبلها أي عادتك.
ومعقول العادة أن يعود الأمر بعينه إلى حاله: وهذا ليس ثم فإن العادة تكرار.
لكن العادة حقيقة معقولة، والتشابه في الصور موجود: فنحن نعلم أن زيدا عين عمرو في الإنسانية وما عادت الإنسانية، إذ لو عادت تكثرت وهي حقيقة واحدة والواحد لا يتكثر في نفسه.
ونعلم أن زيدا ليس عين عمرو في الشخصية: فشخص زيد ليس شخص عمرو مع تحقيق وجود الشخصية بما هي شخصية في الاثنين.
فنقول في الحس عادت لهذا الشبه، ونقول في الحكم الصحيح لم تعد.
فما ثم عادة بوجه وثم عادة بوجه، كما أن ثم جزاء بوجه وما ثم جزاء بوجه فإن الجزاء أيضا حال في الممكن من أحوال الممكن.
وهذه مسألة أغفلها علماء هذا الشأن، أي أغفلوا إيضاحها على ما ينبغي لا أنهم جهلوها فإنها من سر القدر المتحكم في الخلائق.
واعلم أنه كما يقال في الطبيب إنه خادم الطبيعة كذلك يقال في الرسل والورثة إنهم خادمو الأمر الإلهي في العموم، وهم في نفس الأمر خادمو أحوال الممكنات.
وخدمتهم من جملة أحوالهم التي هم عليها في حال ثبوت أعيانهم.
فانظر ما أعجب هذا! إلا أن الخادم المطلوب هنا إنما هو واقف عند مرسوم مخدومه إما بالحال أو بالقول، فإن الطبيب إنما يصح أن يقال فيه خادم الطبيعة لو مشى بحكم المساعدة لها، فإن الطبيعة قد أعطت في جسم المريض مزاجا خاصا به سمي مريضا، فلو ساعدها الطبيب خدمة لزاد في كمية المرض بها أيضا، وإنما يردعها طلبا الصحة والصحة من الطبيعة أيضا بإنشاء مزاج آخر يخالف هذا المزاج.
فإذن ليس الطبيب بخادم للطبيعة، وإنما هو خادم لها من حيث إنه لا يصلح جسم المريض ولا يغير ذلك المزاج إلا بالطبيعة أيضا.
ففي حقها يسعى من وجه خاص غير عام لأن العموم لا يصح في مثل هذه المسألة. فالطبيب خادم لا خادم أعني للطبيعة، وكذلك الرسل والورثة في خدمة الحق.
والحق على وجهين في الحكم في أحوال المكلفين، فيجري الأمر من العبد بحسب ما تقتضيه إرادة الحق، وتتعلق إرادة الحق به بحسب ما يقتضي به علم الحق، ويتعلق علم الحق به على حسب ما أعطاه المعلوم من ذاته: فما ظهر إلا بصورته.
فالرسول والوارث خادم الأمر الإلهي بالإرادة، لا خادم الإرادة.
فهو يرد عليه به طلبا لسعادة المكلف فلو خدم الإرادة الإلهية ما نصح وما نصح إلا بها أعني بالإرادة.
فالرسول والوارث طبيب أخروي للنفوس منقاد لأمر الله حين أمره، فينظر في أمره تعالى وينظر في إرادته تعالى، فيراه قد أمره بما يخالف إرادته ولا يكون إلا ما يريد، ولهذا كان الأمر.
فأراد الأمر فوقع، وما أراد وقوع ما أمر به بالمأمور فلم يقع من المأمور، فسمي مخالفة ومعصية.
فالرسول مبلغ: ولهذا قال شيبتني «هود» وأخواتها لما تحوي عليه من قوله «فاستقم كما أمرت» فشيبه «كما أمرت فإنه لا يدري هل أمرت بما يوافق الإرادة فيقع، أو بما يخالف الإرادة فلا يقع.
ولا يعرف أحد حكم الإرادة إلا بعد وقوع المراد إلا من كشف الله عن بصيرته فأدرك أعيان الممكنات في حال ثبوتها على ما هي عليه، فيحكم عند ذلك بما يراه.
وهذا قد يكون لآحاد الناس في أوقات لا يكون مستصحبا.
قال: «ما أدري ما يفعل بي ولا بكم» فصرح بالحجاب، وليس المقصود إلا أن يطلع في أمر خاص لا غير.

قلت: مشرع هذه الحكمة هو الآية الكريمة وهو قوله تعالى: "ووصی بھا إبراهيم بنيه ويعقوب یا بنی" الآية (البقرة: 132)
وقد قسم الدين إلى قسمين:
الأول: هو الدين الذي هو عند الله تعالى وعند من عرفه الله وعند من عرفه من عرفها الله تعالى، 
وهو مبني على قاعدتين :
إحديهما الانقياد وهو منا، 
والأخرى ما انقدنا إليه وهو الشرع.
فنصيبنا سعادتنا بالانقياد ونصيب الحضرة الإلهية كما ذكر، رضي الله عنه، ظهور الألوهية بانقيادنا إلى شرعته
فبفعله، وهو خلقه لنا، كانت ألوهيته، وبفعلنا، وهو الانقياد، كانت سعادتنا.
وأما الدين الذي عند الخلق وأعتبره الله تعالى فهو ما شرعه العباد من تلقاء أنفسهم يبتغون به رضوان الله کالرهبانية التي ابتدعوها.
ولا شك أن الحق تعالی اعتبرها ولذلك قال :" فأتينا الذين آمنوا منهم أجرهم" (الحدید: 27) .
في قوة كلام الشيخ رضي الله عنه، معنى أن الدين الذي شرعه الخلق لابتغاء رضوان الله هو برسول من عند الله في قلوب عباده، لكنه ماهو الرسول المعلوم الذي يتحدي بالمعجزة ويصرح بالرسالة.
ثم أنه، رضي الله عنه، بين أن ما سعد أحد إلا بما أتى به، فحال كل عبد هو الذي عين له نصيبه من خير وشر، وأما في ظاهر الأمر ففعله عنوان حاله الذي به سعد أو شقي، وأما في الباطن فإن حقيقة العبد ظهرت في نور وجود الحق بما هي عليه في نفسها، فإن عاد عليها عائد من خير أو ضده فمنها عاد عليها والله أظهرها كما هي .
قال وأخفى من هذا الاعتبار الذي ذكرناه أن كل حقيقة باقية على عدميتها، والحق تعالى منزه، فما ظهر إلا أحكامها وهي في العدم، فعادت عليهم أحكام ذواتهم.
وأقول: أن هذه المسئلة تحتاج إلى بيان فإن فيها سر القدر.
وفي قوله: لزاد في كمية المرض، موضع وهي تحقق مشافهة
 وباقي الحكمة ظاهر.


التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment