Sunday, July 28, 2019

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

04 - فص حكمة قدوسية في كلمة إدريسية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

قال الشيخ رضي الله عنه : ("1" العلو نسبتان، علو مكان و علو مكانة "2". فعلو المكان «و رفعناه مكانا عليا».
و أعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك وهو فلك الشمس، و فيه مقام روحانية إدريس عليه السلام.
و تحته سبعة أفلاك و فوقه سبعة أفلاك و هو الخامس عشر.
فالذي فوقه فلك الأحمر وفلك المشترى و فلك كيوان وفلك المنازل والفلك الأطلس فلك البروج وفلك الكرسي و فلك العرش.
والذي دونه فلك الزهرة وفلك الكاتب، وفلك القمر، وكرة الأثير، وكرة الهوى، وكرة الماء، وكرة التراب.
فمن حيث هو قطب الأفلاك هو رفيع المكان. وأما علو المكانة فهو لنا أعني المحمديين.
قال الله تعالى «وأنتم الأعلون والله معكم» في هذا العلو، وهو يتعالى عن المكان لا عن المكانة.
ولما خافت نفوس العمال منا أتبع المعية بقوله «و لن يتركم أعمالكم»: فالعمل يطلب المكان و العلم يطلب المكانة، فجمع لنا بين الرفعتين علو المكان بالعمل و علو المكانة بالعلم.
ثم قال تنزيها للاشتراك بالمعية «سبح اسم ربك الأعلى» عن هذا الاشتراك المعنوي.
ومن أعجب الأمور كون الإنسان أعلى الموجودات، أعني الإنسان الكامل، وما نسب إليه العلو إلا بالتبعية، إما إلى المكان و إما إلى المكانة وهي المنزلة. فما كان علوه لذاته. فهو العلي بعلو المكان وبعلو المكانة. فالعلو لهما. فعلو المكان.
وعلو المكانة «كل شي ء هالك إلا وجهه»، و«إليه يرجع الأمر كله »، «أإله مع الله» *.
ولما قال الله تعالى «ورفعناه مكانا عليا» فجعل «عليا» نعتا للمكان، «وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة»، فهذا علو المكانة.
وقال في الملائكة «أستكبرت أم كنت من العالين» فجعل العلو للملائكة.
فلو كان لكونهم ملائكة لدخل الملائكة كلهم في هذا العلو.
فلما لم يعم، مع اشتراكهم في حد الملائكة، عرفنا أن هذا علو المكانة عند الله «5».
وكذلك الخلفاء من الناس لو كان علوهم)

1 - المناسبة في تسمية هذه الحكمة
هو ما ذكر عن ادریس عليه السلام في القرآن العزيز بقوله تعالی "ورفعناه مكانا عليا" ، يراد به علو المكانة ، ولما كان الحق تعالی من أسمائه العلي فلهذه المشاركة اللفظية سميت الحكمة قدوسية أي تقدس علو الحق أن يشابه علو المخلوق .

ص 76
قال الشيخ رضي الله عنه : (بالخلافة علوا ذاتيا لكان لكل إنسان. فلما لم يعم عرفنا أن ذلك العلو للمكانة.
ومن أسمائه الحسنى العلي. على من وما ثم إلا هو؟ فهو العلي لذاته.
أو عن ماذا وما هو إلا هو؟ فعلوه لنفسه. وهو من حيث الوجود عين الموجودات.)

2 - علو المكان والمكانة (*)
ما جاء في هذا الفص في معنى « ورفعناه مكانا عليا » يخالف ما جاء في كتب الشيخ الأخرى تماما من حيث المعنى ، فهنا ينسب إلى الشيخ قوله : فعلو المكان « ورفعناه مكانا عليا ، وأعلى الأمكنة المكان الذي تدور عليه رحى عالم الأفلاك .ونجد أن المعنى الذي يذهب إليه الشيخ في الثابت عنه أن المقصود بذلك على المكانة لا المكان حيث يقول « ورفعناه » أي إدريس « مكانا عليا ، وهي السماء الرابعة ، وسميت بذلك لكونها قلبا ، أي قلب الأفلاك ، فهي قلب السماوات وقطبها ، فهو مكان عال بالمكانة ، وما فوقه وإن كان دونه فهو أعلى بالمسافة و بالنسبة إلى رؤسنا ، فأراد الحق علو مكانة المكان ، فلهذا المكان من المكانة رتبة العلو ..
راجع فتوحات  ج2 / 170 , 445 , ج3/ 341 , 348 ,كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار
3 - الحق من حيث الوجود عين الموجودات
الموجودات على تفاصيلها ظهور الحق في مظاهر أعيان الممكنات بحكم ما هي الممكنات عليه من الاستعدادات ، فاختلفت الصفات على الظاهر ، لأن الأعيان التي ظهر فيها مختلفة .
فتميزت الموجودات وتعددت لتعدد الأعيان وتميزها في نفسها ، فما في الوجود إلا الله وأحكام الأعيان .
وما في العدم الشيء إلا أعيان الممكنات ، مهيأة للاتصاف بالوجود ، فهي لا هي في الوجود ، لأن الظاهر أحكامها فهي ، ولا عين لها في الوجود فلا هي، كما هو ولا هو .
لأنه الظاهر فهو، والتميز بين الموجودات معقول ومحسوس لاختلاف أحكام الأعيان فلا هو.
فما ثم إلا الله والكون حادث      ….. وما ثم إلا الله والكون ظاهر
فما العلم إلا الجهل بالله فاعتصم   …. بقولي فإني عن قريب أسافر
وما لي مال غیر علمي ووارث   ….. سوى عين أولادي فذا المال حاضر
الفتوحات ج2 /  ص 160
راجع الظاهر في المظاهر فص 5  هامش 6 ص 84
ص 77
قال الشيخ رضي الله عنه : (فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها وليست إلا هو.
فهو العلي لا علو إضافة، لأن الأعيان التي لها العدم الثابتة فيه ما شمت رائحة من الموجود، فهي على حالها مع تعداد الصور في الموجودات. و العين واحدة من المجموع في المجموع. فوجود الكثرة في الأسماء، و هي النسب، و هي أمور عدمية. و ليس إلا العين الذي هو الذات "4" . فهو العلي لنفسه لا بالإضافة. فما في العالم من هذه الحيثية علو إضافة، لكن الوجوه الوجودية متفاضلة.
فعلو الإضافة موجود في العين الواحدة من حيث الوجود الكثيرة. لذلك نقول فيه هو لا هو، أنت لا أنت. قال الخراز رحمه الله تعالى، وهو وجه من وجوه الحق و لسان من ألسنته ينطق عن نفسه بأن الله تعالى لا يعرف إلا بجمعه بين الأضداد في الحكم عليه بها. فهو الأول والآخر والظاهر والباطن.
فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره.
وما ثم من يراه غيره، وما ثم من يبطن عنه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه.
وهو المسمى أبا سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات.
فيقول الباطن لا إذا قال الظاهر أنا، و يقول الظاهر لا إذا قال الباطن أنا.
وهذا في كل ضد، و المتكلم واحد و هو عين السامع.
يقول النبي صلى الله عليه و سلم: «وما حدثت به أنفسها» فهي المحدثة السامعة حديثها، العالمة بما حدثت به أنفسها ، و العين واحدة و اختلفت الأحكام "5".
ولا سبيل إلى جهل مثل هذا فإنه يعلمه كل إنسان من نفسه و هو صورة الحق.
فاختلطت الأمور وظهرت الأعداد بالواحد في المراتب المعلومة.
فأوجد الواحد العدد، وفصل العدد الواحد، و ما ظهر حكم العدد إلا المعدود و المعدود منه عدم و منه وجود، فقد يعدم الشي ء من حيث الحس وهو موجود من حيث العقل. فلا بد من عدد و معدود، ولا بد من واحد ينشئ ذلك فينشأ بسببه.
فإن كل مرتبة من العدد حقيقة واحدة كالتسعة مثلا والعشرة إلى أدنى وإلى أكثر إلى غير نهاية، ما هي مجموع، ولا ينفك عنها اسم جمع الآحاد.
فإن الاثنين حقيقة واحدة والثلاثة حقيقة واحدة ، بالغا ما بلغت هذه المراتب، وإن كانت واحدة. فما عين واحدة منهن عين ما بقي.
فالجمع يأخذها فنقول بها منها، و نحكم بها عليها. قد ظهر في هذا القول عشرون مرتبة، فقد دخلها التركيب فما تنفك تثبت عين ما هو منفي عندك لذاته.
و من عرف ما قررناه في الأعداد، و أن نفيها عين إثباتها ، علم أن الحق المنزه هو الخلق المشبه، و إن كان قد تميز الخلق من الخالق. فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق. كل ذلك من عين واحدة، لا، بل هو العين الواحد و هو العيون الكثيرة "6" . فانظر ما ذا ترى «قال يا أبت افعل ما تؤمر»، و الولد عين أبيه. فما )
4 - 5 - راجع ( العين واحدة والحكم مختلف) ص 68
6 - راجع فص 3 رقم 5 ص 68
ص 78

قال الشيخ رضي الله عنه : (فما رأى يذبح سوى نفسه. «و فداه بذبح عظيم»، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان.
و ظهر بصورة ولد: لا، بل بحكم ولد من هو عين الوالد. «و خلق منها زوجها»: فما نكح سوى نفسه.
فمنه الصاحبة و الولد و الأمر واحد في العدد. فمن الطبيعة و من الظاهر منها ، و ما رأيناها نقصت بما ظهر منها و لا زادت بعدم ما ظهر؟
و ما الذي ظهر غيرها: و ما هي عين ما ظهر لاختلاف الصور بالحكم عليها: فهذا بارد يابس و هذا حار يابس: فجمع باليبس و أبان بغير ذلك. و الجامع الطبيعة ، لا، بل العين الطبيعية.
فعالم الطبيعة صور في مرآة واحدة، لا، بل صورة واحدة في مرايا مختلفة.
فما ثم إلا حيرة لتفرق النظر "7"و من عرف ما قلناه لم يحر.)
7 - الطبيعية
اعلم أن الطبيعة التي خلقها الله تعالى دون النفس وفوق الهباء ، توجه على خلقها الاسم الباطن ، وهي معقولة الوجود غير موجودة العين ، وقولنا مخلوقة أي مقدرة ، لأن الخلق التقدير ، وما يلزم من تقدير الشيء وجوده ، فقدر سبحانه مرتبة الطبيعة أنه لو كان لها وجود لكان دون النفس .
فهي وإن لم تكن موجودة العين فهي مشهودة للحق ، ولهذا ميزها وعين مرتبتها ، وهي للكائنات الطبيعية كالأسماء الإلهية ، تعلم وتعقل وتظهر آثارها ولا تجهل ولا عين لها جملة واحدة من خارج .
كذلك الطبيعة تعطي ما في قوتها من الصور الحسية المضافة إليها الوجودية ، ولا وجود لها من خارج ، فما أعجب مرتبتها وما أعلى أثرها ، فهي ذات معقولة ، مجموع أربع حقائق ، يسمى أثر هذه الأربع في الأجسام المخلوقة الطبيعية ، حرارة ويبوسة و برودة ورطوبة .
وهذه آثار الطبيعة في الأجسام لا عينها ، الحياة والعلم والإرادة والقول في النسب الإلهية ، فلما أراد الله إيجاد الأجسام الطبيعية .
وما ثم عندنا إلا جسم طبيعي أو عنصري ، والعناصر أجسام طبيعية وإن تولد عنها أجساد أخر .
فكان ذلك من آثار الله فيما خلق الله الطبيعة عليها ، فالطبيعة أمور أربعة ، إذا تألفت تألفا خاصا حدث عنه ما يناسب تلك الألفة بتقدير العزيز العليم .
فلذلك اختلفت أجسام العالم لاختلاف ذلك المزاج .
فأعطى كل جسم في العالم بحسب ما اقتضاه مزاجه ، وما زال الأمر ينزل إلى أن خلق الله العناصر وهي الأركان ، فضم الحرارة إلى اليبوسة على طريق خاص فكان من ذلك المزج ركن النار ، الذي يعبر عنه أيضا بعنصر النار ، ثم الهواء كذلك ، ثم الماء ، ثم التراب .
فالطبيعة معقول واحد ، عنها ظهر ركن النار وجميع الأركان .
فيقال ركن النار من الطبيعة ما هو عينها ، ولا يصح أن يكون المجموع الذي هو عين الأربعة ، فإن بعض الأركان منافر للآخر بالكلية ، وبعضها منافر لغيره بأمر واحد
فتوحات ح1/ 139 , ج2/ 236 ,430 .
ص 79

قال الشيخ رضي الله عنه : (وإن كان في مزيد علم فليس إلا من حكم المحل ، و المحل عين العين الثابتة: فيها يتنوع الحق في المجلى فتتنوع الأحكام عليه، فيقبل كل حكم، و ما يحكم عليه إلا عين ما تجلى فيه "8"، و ما ثم إلا هذا:
فالحق خلق بهذا الوجه فاعتبروا ... وليس خلقا بذاك الوجه فاذكروا من يدر ما قلت لم تخذل بصيرته ... وليس يدريه إلا من له بصر
جمع و فرق فإن العين واحدة ... وهي الكثيرة لا تبقى ولا تذر "9"
فالعلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية و النسب العدمية بحيث لا يمكن أن يفوته نعت منها، و سواء كانت محمودة عرفا و عقلا و شرعا أو مذمومة عرفا و عقلا و شرعا. و ليس ذلك إلا لمسمى الله تعالى خاصة. و أما غير مسمى الله مما هو مجلى له أو صورة فيه، فإن كان مجلى له فيقع التفاضل لا بد من ذلك بين مجلى و مجلى، و إن كان صورة فيه فتلك الصورة عين الكمال الذاتي لأنها عين ما ظهرت فيه.
فالذي لمسمى الله هو الذي لتلك الصورة. ولا يقال هي هو ولا هي غيره. و قد أشار أبو القاسم بن قسي في خلعه إلى هذا بقوله: إن )


راجع فص 3 رقم 5 « والعين واحدة والحكم للنسب » ص 68.
8 - راجع فص 2 رقم 6 « وحدة الوجود المرايا » ص 45 .
9 - راجع فص 2 رقم 6 « وحدة الوجود المرايا » ص 45
   راجع  فص 3 رقم 5 " العين واحدة والحكم مختلف " ص 68

ص 80 
قال الشيخ رضي الله عنه : ( كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء الإلهية وينعت بها. وذلك أن كل اسم يدل على الذات وعلى المعنى الذي سيق له و يطلبه.
فمن حيث دلالته على الذات له جميع الأسماء، ومن حيث دلالته على المعنى الذي ينفرد به، يتميز عن غيره كالرب والخالق والمصور إلى غير ذلك.
فالاسم المسمى من حيث الذات، والاسم غير المسمى من حيث ما يختص به من المعنى الذي سيق له.
فإذا فهمت أن العلي ما ذكرناه علمت أنه ليس علو المكان ولا علو المكانة، فإن علو المكانة يختص بولاة الأمر كالسلطان والحكام والوزراء والقضاة وكل ذي منصب سواء كانت فيه أهلية لذلك المنصب أو لم تكن، والعلو بالصفات ليس كذلك، فإنه قد يكون أعلم الناس يتحكم فيه من له منصب التحكم وإن كان أجهل الناس. فهذا علي بالمكانة بحكم التبع ما هو علي في نفسه. فإذا عزل زالت رفعته و العالم ليس كذلك.)
10 - كل اسم إلهي يتسمى بجميع الأسماء وينعت بها
سبب ذلك التوحيد العين ، وعدم التشبيه بالكون ، وهذا مشهد عزيز لا يناله إلا الأعز من عباده ، المتوحدين به الذين لانظر لأنفسهم إلا بعينه , والمغيب كونهم في كونه .
"يشير إلى الحديث :  فإذا أحببته، كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها فإن سألني عبدي، أعطيته، وإن استعاذني، أعذته "
الموحد له لا لهم ، فلا يطلب بالعقول مالا يصح اليه الوصول فكل اسم إلهي يتضمن جميع الأسماء كلها .
ولتعلم وفقك الله أن كل اسم ينعت بجميع الأسماء في أفقه ، فكل اسم فهو حي قادر سميع بصير متكلم في أفقه وفي علمه ، وإلا فكيف يصح أن يكون ربا لعابده ؟
فكل اسم جامع لما جمعت الأسماء من الحقائق .

الفتوحات ج1/ 101 , ذخائر الأعلاق
راجع   "لكل عبد اسم هو ربه"   فص 7 هامش 2 ص 100 .
.
واتساب

No comments:

Post a Comment