Sunday, July 28, 2019

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .كتاب شرح كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربى أ.محمود محمود الغراب

شرح أ.محمود محمود الغراب 1405 هـ على كلمات فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي رضي الله عنه

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية   

قال رضي الله عنه : (اعلم أن العطايا والمنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد وعلى غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية وعطايا أسمائية وتتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معيَّن وعن سؤال غير معيّن.
ومنها ما لا يكون عن‏ سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعيَّن كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعيِّن أمراً ما لا يخطر له سواه وير المعيّن كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي- من غير تعيين- لكل جزء من ذاتي من لطيف وكثيف.
والسائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
والصنف الآخر بعثه على السؤال لِمَا علم أنَّ ثَمَّ أموراً عند اللَّه قد سبق العلم بأنها لا تُنَال إِلا بعد السؤال‏، فيقول: فلعل‏ ما نسأله فيه‏ سبحانه يكون من هذا القبيل، فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم اللَّه ولا ما يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمانٍ فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
ولو لا ما أعطاه الاستعدادُ السؤالَ ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون‏ فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إِلا بالاستعداد. و هم صنفان: صنف يعلمون مِنْ قبولهم استعدادَهم.
وصنف يعلمون من استعدادهم ما يقبلونه. هذا أتَمُّ ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف.
ومن هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال ولا للإِمكان، وإِنما يسأل امتثالًا لأمر اللَّه في قوله تعالى: «ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ».
فهو العبد المحض، وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معيَّن أو غير معين، وإِنما همته في امتثال أوامر سيِّده.
فإِذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إِذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتُلِيَ أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم اللَّه تعالى به، ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك )

1- وجه المناسبة في تسمية هذا الفص
هو الإفصاح عن كون العلم تابعا للمعلوم وهو من العلوم التي حصلها الشيخ عن طريق النفث في الروع وهذا العلم موروث من شيث عليه السلام .
فإنه أول نبي علم هذا العلم  
قال رضي الله عنه : (فرفعه اللَّه عنهم. و التعجيل بالمسئول‏ فيه‏ و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه. فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا."2"
وأما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد. كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه ويشعر بالحال لأنه يعلم الباعث وهو الحال. فالاستعداد أخفى سؤال.
وإِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.
فهم‏ قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه وقد غابوا عن نفوسهم وأغراضهم‏.
ومن هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، ويعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به وهو ما كان عليه في حال ثبوته، فيعلم‏ علم اللَّه به من أين حصل.
وما ثَمَّ صنف من أهل اللَّه أعلى وأكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سِرِّ القدر."3"
وهم على قسمين: منهم من يعلم ذلك مجملًا، و منهم من يعلمه مُفَصَّلًا.
و الذي يعلمه مفصلًا أعلى و أتم من الذي )
قال رضي الله عنه : (يعلمه مجملًا، فإِنه يعلم ما في علم اللَّه فيه إِما بإِعْلام اللَّه إِياه بما أعطاه عينُه من العلم به، و إما أن يكشف له عن‏ عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إِلى‏ ما لا يتناهى‏ و هو أعلى. فإِنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم اللَّه به لأن الأخذ من معدن واحد إِلا أنه من جهة العبد عناية من اللَّه سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا).

2 - إجابة الحق
الدعاء نداء وهو تأيد بالله فأجابه هذا القدر الذي هو الدعوة وبه سمي داعية أن يلبيه الحق فيقول لبيك ، فهذا لابد منه من الله في حق كل سائل ، ثم ما يأتي بعد هذا النداء فهو خارج عن الدعاء ، وقد وقعت الإجابة كما قال
- راجع الفتوحات ج4 / 177.

3 - العلم تابع للمعلوم
ليس سر القدر الذي يخفى عن العالم عينه الا اتباع العلم المعلوم ، فلا شيء أبين منه ولا أقرب مع هذا البعد ، فإن العلم تابع للمعلوم ما هو المعلوم تابع للعلم فافهمه ، وهذه مسألة عظيمة دقيقة ما في علمي أن أحدا نبه عليها إلا إن كان وما وصل إلينا ، وما من أحد إذا تحققها يمكن له إنكارها ، وفرق يا أخي بين كون الشيء موجودا فيتقدم العلم وجوده ، وبين كونه على هذه الصورة في حال عدمه الأزلي ، فهو مساوق للعلم الإلهي به ومتقدم عليه بالرتبة .
لأنه لذاته أعطاه العلم به ، فإن المعلوم متقدم بالرتبة على العلم وإن تساوقا في الذهن من كون المعلوم معلوما ، لا من كونه وجودا أو عدما ، فإنه المعطي العالم العلم .
فاعلم ما ذكرناه فإنه ينفعك ويقويك في باب التسليم والتفويض للقضاء والقدر الذي قضاه حالك ، فلو لم يكن في هذا الكتاب « الفتوحات المكية » إلا هذه المسألة لكانت كافية لكل صاحب نظر سدید و عقل سلیم .
واعلم أن الله تعالى ما كتب إلا ما علم ولا علم إلا ما شهد من صور المعلومات على ما هي عليه في أنفسها ما يتغير منها وما لا يتغير ، فيشهدها كلها في حال عدمها على تنوعات تغييراتها إلى ما لا يتناهی ، فلا يوجدها إلا كما هي عليه في نفسها ، فمن هنا تعلم علم الله بالأشياء معدومها وموجودها ، وواجبها وممكنها ومحالها ، ومن هنا إن عقلت وصف الحق نفسه بأن له الحجة البالغة لو توزع .
فإنه من المحال أن يتعلق العلم إلا بما هو المعلوم عليه في نفسه ، فلو احتج أحد على الله بأن يقول له علمك سبق فيه بأن أكون على كذا فلم تواخذني ، يقول له الحق هل علمتك إلا بما أنت عليه ؟
فلو كنت على غير ذلك لعلمتك على ما تكون عليه ، ولذلك قال « حتى تعلم » فارجع إلى نفسك وأنصف في كلامه ، فإذا رجع العبد على نفسه ونظر في الأمر كما ذكرناه علم أنه محجوج، وأن الحجة لله تعالى عليه.
أما سمعته تعالى يقول: « وما ظلمهم الله" "وما ظلمناهم" .
وقال « ولكن كانوا أنفسهم يظلمون ، كما قال « ولكن كانوا هم الظالمين » يعني أنفسهم .
فإنهم ما ظهروا لنا حتى علمناهم وهم معدومون إلا بما ظهروا به في الوجود من الأحوال ، فعندنا ما كانت الحجة البالغة لله على عباده إلا من كون العلم تابعا للمعلوم ما هو حاكم على المعلوم.
فإن قال المعلوم شيئا كان الله الحجة البالغة عليه بأن يقول له ما علمت هذا منك إلا بكونك عليه في حال عدمك ، وما أبرزتك في الوجود إلا على قدر ما أعطيتني من ذاتك بقبولك ، فيعرف العبد أنه الحق فتندحض حجة الخلق ، فلا نزال نراقب حكم العلم فينا من الحق حتى تعلم ما كنا
فيه ، فإنه لا يحكم فينا إلا بنا.
فمن وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا علم سر القدر ، وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء ، فما جاءها شيء من خارج ، "ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد" ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق، حينئذ انكشف له علم ما جهله، إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء ، ومن وقف على سر القدر ،" وهو أن الإنسان مجبور في اختياره "، لم يعترض على الله في كل ما يقضيه و يجريه على عباده وفيهم ومنهم ، وهذا يشرح ما ذكره الشيخ في كتابه المشاهد القدسية من أن الحق قال له « أنت الأصل وأنا الفرع ".
وعلامة من يعلم سر القدر هو أن يعلم أنه مظهر ، وعلامة من يعلم أنه مظهر ، أن تكون له مظاهر حيث شاء من الكون كقضيب البان ، فإنه كان له مظاهر فيما شاء من الكون حيث شاء من الكون.
وإن من الرجال من يكون له الظهور فيما شاء من الكون لا حيث شاء ، ومن كان له الظهور حيث شاء من الكون كان له الظهور فيما شاء من الكون.
فتكون الصورة الواحدة تظهر في أماكن مختلفة ، وتكون الصور الكثيرة على التعاقب تلبس الذات الواحدة في عين المدرك لها ، ومن عرف هذا ذوقا .
كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة ، وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم .
راجع الفتوحات ج2 / 2 , 13 .  ج4/ 16 , 70 , 74 , 182 , 235.


قال رضي الله عنه : (الكشف إِذا أطْلَعَه اللَّه على ذلك، أي أحوال عينه، فإِنه ليس في وسع المخلوق‏ إِذا أطْلَعَه اللَّه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطَّلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نِسَب ذاتية لا صورة لها."4"
فبهذا القدْر نقول إِن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه‏ المساواة في إِفادة العلم.
ومن هنا يقول اللَّه تعالى: «حَتَّى نَعْلَمَ» وهي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشْرَب."5"
وغاية المنزه أن يجعل‏ ذلك الحدوث في العلم للتعلق، وهو أعلى)  


4 - راجع فص (8) علم الافتقار إلى الله بالله .  وفص ( 14) هامش (7) تعلق القدرة بالمقدور
5 -  قوله تعالى « حتى نعلم » راجع هامش (3) .

قال رضي الله عنه : ( أعلى وجه يكون للمتكلم بعقْله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائداً على الذات فجعل التعلق له لا للذات. وبهذا انفصل عن المحقق من أهل اللَّه صاحبِ الكشف و الوجود.  ثم نرجع إِلى الأعطيات فنقول: إِن الأعطيات إِما ذاتية أو أسمائية.
فأما المِنَح والهبات والعطايا الذاتية فلا تكون أبداً إِلا عن تجل إِلهي.
والتجلي من الذات لا يكون أبداً إِلا بصورة استعداد المتجلَّي‏ له وغير ذلك لا يكون. فإِذن المتجلَّي له ما رأى سِوَى صورته في مرآة الحق، وما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إِلا فيه.
كالمرآة في الشاهد إِذا رأيت الصورة فيها لا تراها مع علمك أنك ما رأيت الصُّوَرَ أو صورتك إِلا فيها. فأبرز اللَّه ذلك مثالًا نصبه لتجليه الذاتي‏ ليعلم المتجلَّى له أنه ما رآه. وما ثَمَّ مثال أقرب و لا أشبَه بالرؤية و التجلي من هذا.
وأجهد في نفسك عند ما ترى الصورة في المرآة أن ترى جرْم المرآة لا تراه أبداً البتة حتى إِن بعض من أدرك مثل هذا في صور المرايا ذهب إِلى أن الصورة المرئية بين بصر الرائي وبين المرآة. هذا أعظم ما قَدَرَ عليه من العلم، والأمر كما قلناه وذهبنا إِليه.
وقد بينا هذا في الفتوحات المكية وإِذا ذقت هذا ذقت الغاية التي ليس فوقها غاية في حق المخلوق.
فلا تطمع ولا تتعب نفسك في أن ترقى في‏ أعلى من هذا الدرج‏ فما هو ثَمَّ أصلًا، وما بعده إِلا العدم المحض. فهو مرآتك في رؤيتك نفسك، وأنت مرآته في رؤيته‏ أسماءه وظهور أحكامها وليست سوى عينه. "6" فاختلط الأمر وانبهم: فمنا من جهل في علمه )

6 - وحدة الوجود - المرايا
اعلم أن المعلومات ثلاثة لا رابع لها :
وهي الوجود المطلق الذي لا يتقيد وهو وجود الله تعالى الواجب الوجود لنفسه .
والمعلوم الآخر العام المطلق الذي هو عدم لنفسه وهو الذي لا يتقيد أصلا وهو المحال ،
والعلوم الثالث هو البرزخ الذي بين الوجود المطلق والعدم المطلق وهو الممكن ، وسبب نسبة الثبوت إليه مع نسبة العدم هو مقابلته للأمرين بذاته .
وذلك أن العدم المطلق قام للوجود المطلق كالمرآة فرأي الوجود فيه صورته فكانت تلك الصورة عين الممكن ، فلهذا كان للممكن عين ثابتة وشيئية في حال عدمه ولهذا خرج على صورة الوجود المطلق .
ولهذا أيضا اتصف بعدم التناهي فقيل فيه إنه لا يتناهی ، وكان أيضا الوجود المطلق كالمرآة للعدم المطلق فرأى العدم المطلق في مرآة الحق نفسه .
فكانت صورته التي رأي في هذه المرأة هو عين العدم الذي اتصف به هذا الممكن ، وهو موصوف بأنه لا يتناهی كما أن العدم المطلق لا يتناهی ، فاتصف الممكن بأنه معدوم ، فهو كالصورة الظاهرة بين الرائي والمرأة ، لا هي عين الرائي ولا غيره
وقد علمنا أن العالم ما هو عين الحق وإنما هو ما ظهر في الوجود الحق ، إذ لو كان عين الحق ما صح كونه بديعا ، كما تحدث صورة المرئي في المرآة ، ينظر الناظر فيها، فهو بذلك النظر كأنه أبدعها مع كونه لا تعمل له في أسبابها، ولا يدري ما يحدث فيها .
ولكن بمجرد النظر في المرآة ظهرت صور ، هذا أعطاه الحال ، فما لك في ذلك من التعمل إلا قصدك النظر في المرآة .
ونظرك فيها مثل قوله « إنما قولنا لشيء إذا أردناه » وهو قصدك النظر « أن نقول له كن » وهو بمنزلة النظر « فیكون » وهو بمنزلة الصورة التي تدركها عند نظرك في المرآة ،.
ثم إن تلك الصورة ما هي عينك الحكم صفة المرآة فيها من الكبر والصغر والطول والعرض ، ولا حكم لصورة المرآة فيك فما هي عينك ولا عين ما ظهر ممن ليس أنت من الموجودات الموازية لنظرك في المرآة ، ولا تلك الصورة غيرك ، لما لك فيها من الحكم .
فإنك لا تشك أنك رأيت وجهك ، ورأيت كل ما في وجهك ظهر لك بنظرك في المرآة من حيث عين ذلك لا من حيث ما طرأ عليه من صفة المرآة ، فما هو المرئي غيرك ولا عينك ، كذلك الأمر في وجود العالم الحق .
أي شيء جعلت مرآة أعني حضرة الأعيان الثابتة أو وجود الحق، فإما أن تكون الأعيان الثابتة الله مظاهر ، فهو حكم المرآة في صورة الرائي ، فهو عينه وهو الموصوف بحكم المرآة ، فهو الظاهر في المظاهر بصورة المظاهر.
أو يكون الوجود الحق هو عين المرآة ، فترى الأعيان الثابتة من وجود الحق ما يقابلها منه ، فترى صورتها في تلك المرآة و يترائي بعضها البعض ، ولا ترى ما ترى من حيث ما هي المرآة عليه ، وإنما ترى ما ترى من حيث ما هي عليه من غير زيادة ولا نقصان .
وكما لا يشك الناظر وجهه في المرآة أن وجهه رأي ، وبما للمرآة في ذلك من الحكم يعلم أن وجهه ما رأى .
فهكذا الأمر فانسب بعد ذلك ما شئت كيف شئت ، فإن الوجود للعين الممكنة كالصورة التي في المرآة ، ما هي عين الرائي ولا غير الرائي ، ولكن المحل المرئي فيه به و بالناظر المتجلي فيه ظهرت هذه الصورة ، فهي مرآة من حيث ذاتها والناظر ناظر من حيث ذاته والصورة الظاهرة تتنوع بتنوع العين الظاهرة فيها .
كالمرأة إذا كانت تأخذ طولا ترى الصورة على طولها والناظر في نفسه على غير تلك الصورة من وجه ، وعلى صورته من وجه ، فلما رأينا المرآة لها حكم في الصورة بذاتها ورأينا الناظر يخالف تلك الصورة من وجه .
علمنا أن الناظر في ذاته ما أثرت فيه ذات المرآة ، ولما لم يتأثر ولم تكن تلك الصورة هي عين المرأة ولا عين الناظر ، وإنما ظهرت من حكم التجلي للمرآة ، علمنا الفرق بين الناظر وبين المراة وبين الصورة الظاهرة في المرآة التي هي غيب فيها ، ولهذا إذا رؤي الناظر يبعد عن المرآة يرى تلك الصورة تبعد في باطن المرآة ، وإذا قرب قربت .
وإذا كانت في سطحها على الاعتدال ورفع الناظر يده اليمنى رفعت الصورة اليد اليسرى ، تعرفه إني وإن كنت من تجليك وعلى صورتك فما أنت أنا ولا أنا أنت ، فإن عقلت ما نبهناك عليه فقد علمت من أين اتصف العبد بالوجود، ومن هو الموجود، ومن أين اتصف بالعدم، ومن هو المعدوم ومن خاطب ومن سمع ومن عمل ومن كلف .
وعلمت من أنت ومن ربك وأين منزلتك ، وأنك المفتقر إليه سبحانه وهو الغني عنك بذاته.
فسبحان من ضرب الأمثال وأبرز الأعيان دلالة عليه أنه لا يشبهه شيء ولا يشبه شيئا ، وليس في الوجود إلا هو ، ولا يستفاد الوجود إلا منه، ولا يظهر الموجود عين إلا بتجليه.
فالمرأة حضرة الإمكان والحق الناظر فيها والصورة أنت بحسب إمكانيتك ، فإما ملك وإما فلك وإما إنسان وإما فرس ، مثل الصورة في المرآة بحسب ذات المرآة من الهيئة في الطول والعرض والاستدارة واختلاف أشكالها مع كونها مرآة في كل حال .
كذلك الممكنات مثل الأشكال في الإمكان والتجلي الإلهي يكسب الممكنات الوجود والمرآة تكسبها الأشكال ، فيظهر الملك و الجوهر والجسم والعرض ، والإمكان هو هو لا يخرج عن حقیقته ، وأوضح من هذا البيان في هذه المسألة لا يمكن إلا بالتصريح ، فقل في العالم ما تشاء و انسبه إلى من تشاء بعد وقوفك على هذه الحقيقة كشفة وعلما .
راجع الفتوحات ج3/ 46 , 80 , 352 . - ج4/ 316.

قال رضي الله عنه :  ( "والعجز عن درك الإدراك إِدراك""7"، ومنا من علم فلم يقل مثل هذا وهو أعلى القول، بل أعطاه العلمُ السكوتَ، ما أعطاه العجز. وهذا هو أعلى عالمٍ باللَّه. )

7 - العجز عن درك الإدراك إدراك
لا يعلم الممكن من الحق إلا نفس الممكن
جعل الصديق العلم بالله هو لا دركه ، يقول رسول الله مع في دعائه وثنائه على ربه عز وجل « لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك » والحيرة من توالي التجليات باختلاف أحكامها إلى ما لا نهاية يوقف عندها ، فلا تعلم الإنية الإلهية ، ولا يصح أن تتجلى الهوية ، قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في مقام الحيرة و كان من رجاله « العجز عن درك الإدراك إدراك » أي إذا علمت أن ثم من لا تعلم فذلك هو العلم بالله تعالی .
وأعلم الممكنات لا يعلم موجده إلا من حيث هو ، فنفسه علم و من هو موجود عنه ، غير ذلك لا يصح ، لأن العلم بالشيء يؤذن بالإحاطة به والفراغ منه ، وهذا في ذلك الجناب محال ، فالعلم به محال ، ولا يصح أن يعلم منه ، لأنه لا يتبعض ، فلم يق العلم إلا بما يكون منه ، وما يكون منه هو أنت، فأنت المعلوم ، فإن قيل عالمنا بليس هو كذا ( أي العلم بالسلوب ) علم به.
قلنا نعوتك جردته عنها لما يقتضيه الدليل من في المشاركة ، فتميزت أنت عندك عن ذات مجهولة لك من حيث ما هي معلومة لنفسها ، ما هي تميزت لك ، لعدم الصفات الثبوتية التي لها في نفسها .
فافهم ما علمت وقل رب زدني علما ، لو علمته لم يكن هو ولو جهلك لم تكن أنت ، فبعلمه أوجدك ، و بعجزك عبدته ، فهو هو لهو لا لك ، وأنت أنت لأنت وله ، فأنت مرتبط به ما هو مرتبط بك .
الدائرة مطلقة مرتبطة بالنقطة ، النقطة مطلقة ليست مرتبطة بالدائرة ، نقطة الدائرة مرتبطة بالدائرة ، كذلك الذات مطلقة ليست مرتبطة بك ، ألوهية الذات مرتبطة بالمألوه كنقطة الدائرة.
للزيادة راجع كتابنا شرح كلمات الصوفية من 127 الى 130.
الفتوحات ج1/ 46 , 51 , 94 , 271 . ج2/ 619 , 641 .  ج3/ 371 , 429 , 555 . ج4/ 283 .

قال رضي الله عنه : (وليس هذا العلم إِلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، وما يراه أحد من الأنبياء والرسل إِلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إِلا من مشكاة الولي‏ الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه- متى رأوه- إِلا من مشكاة خاتم الأولياء.
فإِن الرسالة والنبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته- تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبداً.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إِلا من مشكاة خاتم الأولياء، فكيف من دونهم من الأولياء؟
وإِن كان خاتم الأولياء تابعاً في الحكم لما جاء به خاتم الرسل من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إِليه، فإِنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى. وقد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إِليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم‏ فيهم، وفي تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي‏ء وفي كل مرتبة، وإِنما نظرُ الرجال إِلى التقدم في رتبة العلم باللَّه: هنالك مطلبهم. "8" .
قال رضي الله عنه : (وأما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
و لمَّا مثّل النبي صلى اللَّه عليه و سلم . النبوة بالحائط من اللَّبِن و قد كَمُلَ سوى موضع لبنَة، فكان صلى اللَّه عليه و سلم تلك اللبنة. غير أنه صلى اللَّه عليه وسلم لا يراها كما قال لبِنَةً واحدةً. وأما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه )
قال رضي الله عنه : (الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، و يرى في الحائط موضع لبنَتين‏، واللّبِنُ  من ذهب و فضة.فيرى اللبنتين اللتين‏ تنقص الحائط عنهما وتكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة. فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين، فيكون خاتم الأولياء)

8 ۔ كون الرسل لا يرون العلم تابعة لمعلوم إلا من مشكاة خاتم الأولياء *
هذه المسألة هي أم المشكلات في كتاب فصوص الحكم وكانت أساس إنكار كثير من العلماء على الشيخ الأكبر رضي الله عنه ، واضطر القليل منهم ممن يعتقدون الشيخ رضي الله عنه إلى تأويل ما جاء في هذه الفقرة ، ومنهجنا في هذه المسألة وجميع المعضلات هو الاعتماد والرجوع إلى ما قاله الشيخ فيها عسى أن يفسر بعضها بعضا .
ومعلوم أن الفتوحات المكية وهي السفر الأعظم والأم لجميع كتب الشيخ هي بخط يده فكل كلام في كتاب لا يكون بخط الشيخ مهما ثبتت نسبته إلى الشيخ فإن الأصول العلمية تثبت كلام الشيخ في الفتوحات وترد كل ما جاء في غيره من الكتب مما يخالفها وتثبت ما جاء في هذه الكتب مما يوافق ما جاء في الفتوحات ، ولتحقيق هذه المسألة نبدأ فنقول :
أخطأ كثير من منتقدي الشيخ مثل الإمام ابن تيمية وغيره حين قالوا ونسبوا إلى الشيخ أنه يقول « إنه أفضل من محمد صلى الله عليه وسلم وأنه ممد لخاتم الأنبياء والرسل بالعلم بالله » ، فإطلاقهم لكلمة العلم لا أساس له من الصحة حتى إذا ثبت ما في الفصوص بهذا الخصوص ، فإنه قيد العلم هنا بمسألة معينة وهي كون العلم تابعا للمعلوم في الحادث والقديم.
ولهذا يعجزهم الدليل على ما قالوه أو نسبوه إلى الشيخ رضي الله عنه ، ولو أنصف العالم ونظر فيما جاء في قصة موسی كلیم الله تعالى عليه السلام والخضر ، وقول موسى عليه السلام للخضر و" هل أتبعك على أن تعلمني مما علمت رشدا ".
وما جاء في الحديث الصحيح من قول الحق لموسى عليه السلام في حق الخضر "لي عبد هو أعلم منك" ، بأفعل التفضيل .
ولا يقول أحد من أهل الإيمان بأن الخضر أفضل من موسى عليه السلام كلیم الله وأحد الرسل الخمسة أولي العزم ، ولهذا قال العلماء إن الخصوصية لا تقتضي الأفضلية ، فكيف إذا ثبت أن الشيخ عين مسألة واحدة من العلوم التي لا حصر لها وأن الله تعالی خصه بها .
أما عن العلم الذي انفرد به الشيخ عن الأولياء خاصة فهو علم أنه « جميع العلوم باطنة في الإنسان بل في العالم كله » وفي ذلك يقول في الفتوحات ج2/ 686 .
"وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي ، فلا أدري هل عثر عليه غيري وكوشیف به أم لا من جنس المؤمنين أهل الولاية لا جنس الأنبياء ، فرحم الله عبدا بلغه أن أحدا قال بهذه المسألة عن نفسه كما فعلت أنا أو عن غيره فيلحقها بكتابي هذا في هذا الموضع استشهادا لي فيما ادعيته ، فإني أحب الموافقة وأن لا أتفرد بشيء دون أصحابي" .
أما عن مسألة كون « العلم تابعا للمعلوم » فيقول في الفتوحات ج4/ 235 , ج2/ 63.
« من وقف في حضرة الحكم وهي القضاء على حقيقتها شهودا ، علم سر القدر وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء فما جاءها شيء من خارج ، ولا ينكشف هذا السر حتى يكون الحق بصر العبد ، فإذا كان بصر العبد بصر الحق نظر الأشياء ببصر الحق ، حينئذ انكشف له علم ما جهله ، "إذ كان بصر الحق لا يخفى عليه شيء » اهـ.
لهذا لم يشر الشيخ أنه اختص بهذا العلم ولا ذكر كما ذكر في غيره من العلوم «أنه لم پر له ذائقا » من أهل الولاية ، فإنه يعلم أن مقام المحبوبية قد حصله كثير من الأولياء قبله وبعده .
فما بالك بالأنبياء والرسل عليهم السلام ، لذلك نراه رضي الله عنه يقول عن الأنبياء والرسل خاصة ما هذا نصه: الفتوحات ج2/ 24 .
« ان شرط أهل الطرق فيما يخبرون عنه من المقامات والأحوال أن يكون عن ذوق ، ولا ذوق لنا ولا لغيرنا ولا لمن ليس بنبي صاحب شريعة في نبوة التشريع ولا في الرسالة .
فكيف تتكلم في مقام لم نصل إليه ، وعلى حال لم نذقه لا أنا ولا غيري ممن ليس بنبي ذي شريعة من الله ولا رسول ، حرام علينا الكلام فيه فما تكلم إلا فيما لنا فيه ذوق ، فما عدا هذين المقامين فلنا الكلام فيه عن ذوق لأن الله ما حجره ».
الفتوحات ج2/ 51 ,84 , 85.
«لا ذوق لأحد في ذوق الرسل » "إني لست بنبي فذوق الأنبياء لا يعمله سواهم" الفتوحات ج4/ 75. "لا ذوق لنا في مقامات الرسل عليهم السلام".
ويقول في رسالة اليقين « المتبوع يزاحم المتبوع ، والتابع يزاحم التابع، لا التابع يزاحم المتبوع ۰۰. فيقابل النبي بالنبي والصاحب بالصاحب والصديق بالصديق ، ولا تخلط بين الحقائق فتكون من الجاهلين".
هذا ما ورد عن الشيخ رضي الله عنه في حق الأنبياء والرسل عامة وإليك ماكتبه بخط يده في هذه المسألة عن خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم الفتوحات ج1/ 151
أما القطب الواحد فهو روح محمد ، وهو الممد لجميع الأنبياء والرسل سلام الله عليهم أجمعين و الأقطاب من حين النشء الإنساني إلى يوم القيامة .
الفتوحات ج1/ 143.  - جاء الله سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بعلوم ما قالها أحد سواه .
الفتوحات ج1/ 144 .  - قوله صلى الله عليه وسلم " علمت علم الأولين" ، وهم الذين تقدموه د "والآخرين" ، وهو علم ما لم يكن عند المتقدمين ، وهو ما تعلمه أمته من بعده إلى يوم القيامة.
الفتوحات ج1/ 214.  - دخل في هذا العلم علم الأولين والآخرين كل معلوم معقول ومحسوس مما يدركه المخلوق .
الفتوحات ج1/ 696 – تقرر أنه صلى اللَّه عليه وسلم  أعلم الخلق بالله ، والعلم بالله لا يحصل إلا من التجلي ... محمد صلى اللَّه عليه وسلم هو أكمل العلماء بالله .
الفتوحات ج2/ 171  - كان صلى اللَّه عليه وسلم من أعظم مجلى إلهي علم به علم الأولين والآخرين ، ومن الأولين علم آدم بالأسماء ، وأوتي محمد صلى اللَّه عليه وسلم و جوامع الكلم ، وكلمات الله لا تنفد .
الفتوحات ج3/ 142 - وأما منزلته ( محمد صلى اللَّه عليه وسلم) في العلم فالإحاطة بعلم كل عالم بالله من العلماء به تعالی متقدميهم ومتأخريهم فلا فلك أوسع من فلك محمد صلى اللَّه عليه وسلم  فإن له الإحاطة ،وهي لمن خصه الله بها من أمته بحكم التبعية.
الفتوحات ج3/ 143 - أعطى هذا السيد منزلة الاختصاص بإعطائه مفاتيح الخزائن ، والخصلة الثانية أوتي جوامع الكلم ، والكلم جمع كلمة ، وكلمات الله لا تنفد ، فأعطى علم ما لا يتناهی ، فعلم ما يتناهی بما حصره الوجود ، وعلم ما لم يدخل في الوجود وهو غير متناه ، فأحاط علما بحقائق المعلومات وهي صفة إلهية لم تكن لغيره .
الفتوحات ج3/ 456  - كل شرع ظهر وكل علم إنما هو ميراث محمدي في كل زمان و رسول ونبي من آدم إلى يوم القيامة ولهذا أوتي جوامع الكلم ومنها علم الله آدم الأسماء كلها .
يقول الشيخ رضي الله عنه في الفتوحات ج 3 ص 496 في تقسيم الرحمة الإلهية : ما أدري لماذا ترك التعبير عنه أصحابنا ، مع ظني بأن الله قد كشف لهم عن هذا ، وأما النبوات فقد علمت أنهم وقفوا على ذلك وقوف عين ،ومن نور مشكاتهم عرفناه.
فهل يصح نسبة ما جاء هنا في هذا الفص إلى الشيخ مع وضوح النصوص بكلمة « الإحاطة بعلم كل عالم بالله » و « كل علم إنما هو میراث محمدي » وهو نص في الاستغراق ، وقوله : « ومن نور مشكاتهم عرفناه » !!! . .
ويقول في الفتوحات ج2  ص 613 : اعلم أن جميع ما يحويه هذا المنزل من العلوم لا يوصل إليها إلا بالتعريف الإلهي بوساطة روحانية الأنبياء لهذا المكاشف .
وتلك الأرواح لا تعلمها من الله إلا بوسائط لغموضها ودقتها .
فأين إمداد روحانية خاتم الولاية المحمدية هنا للأولياء فضلا عن الأنبياء ؟!
ولو شاء الشيخ رضي الله عنه لنص على ذلك في مثل هذا الموطن.
أما عن مكانة ختم الولاية المحمدية التي ينص الشيخ رضي الله عنه أنها له ونسبة هذا الختم من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم مع ففي ذلك يقول رضي الله عنه في الفتوحات ج3 ص 514 : علمت حديث هذا الختم المحمدي بفاس من بلاد المغرب سنة أربع وتسعين وخمسمائة ، عرفني به الحق وأعطاني علامته ولا أسميه ، ومنزلته من رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم منزلة شعرة واحدة من جسده ، ويؤكد الشيخ ذلك في خطبة كتاب الفتوحات في ج1 ص2
حيث يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في الرؤيا « قم یا محمد عليه ( الضمير يعود على المنبر ) فاثن على من أرسلني وعلي" ، فإن فيك شعرة مني لا صبر لها عني » (راجع كتابنا ترجمة حياة الشيخ ص243 ) .
فمن كان شعرة من رسول الله . فهل يعقل أن يمده بعلم ما ؟
أو ينسب إلى نفسه مثل ذلك ؟
وقد علم الشيخ ما يتعلق بهذا المقام عام 594 هـ وألف فيه كتاب عنقاء مغرب قبل عام 596 هـ. ثم جاء على ذكره مفصلا في الفتوحات المكية التي انتهى من تأليفها عام 635 هـ .
فلا يعقل أن يتجاهل مثل هذا الأمر في هذه الكتب كلها حتى يذكره في الفصوص عام 627 هـ. ولذا نراه يقول عن عروجه الروحي المعنوي إلى سدرة المنتهى في الفتوحات ج3/ 350 . « كانت لي بذلك البشري بأني محمدي المقام من ورثة جمعية محمد صلى الله عليه وسلم فإنه آخر مرسل وآخر من إليه تنزل ، آتاه جوامع الكلم وخص بست لم يخص بها رسول أمة من الأمم ، فعم برسالته لعموم ست جهاته ، فمن أي جهة جئت لم تجد إلا نور محمد ينفهق عليك . فما أخذ أحد إلا منه ولا أخبر رسول إلا عنه » اهـ.
ثم يقول فيما استفاده من علوم "ورأيت فيها علم ما يرى الإنسان إلا ما كان عليه" ، أي أن العلم تابع للمعلوم .
الفتوحات ج1/ 195 - يقول عن عيسى عليه السلام - خاتم الأولياء في آخر الزمان يحكم بشرع محمد صلى الله عليه وسلم  أمته وليس يختم إلا ولاية الرسل والأنبياء وختم الولاية المحمدي يختم ولاية الأولياء لتميز المراتب بين ولاية الولي وولاية الرسل .
الفتوحات ج4/ 282  - يقول عن الختم المحمدي - المحمدي ختم الله به ولاية الأولياء المحمديين ، أي الذين ورثوا محمدا صلى الله عليه وسلم ، وعلامته في نفسه أن يعلم قدر ما ورث كل ولي محمدي من محمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون الجامع علم كل ولي محمدي الله تعالى ،وإذا لم يعلم هذا فليس بختم.
ما جاء في الفتوحات  ج1/ 151 ,195 . ج3/ 350 , ج4/ 282 . يعارض تماما ما جاء في هذا الفص من أن روح شيث هو الممد لهذا العلم وأن من روح الخاتم تكون المادة لجميع الأرواح ، كما لا يخفى هذا التناقض في العبارة من كون روح شیث وروح الخاتم هو الممد ولا يكون الممد إلا واحدا هو الأصل .
وكان النص على أن الخاتم الولي يجب أن يعلم قدر ما ورث كل ولي محمدي من محمد صلى الله عليه وسلم  مع لا أنه الممد.
كما فرق بين ولاية الأنبياء والرسل وولاية الأولياء ، وشتان بين من يعلم ومن يمد ، لذلك نراه رضي الله عنه يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابه « عنقاء مغرب في معرفة ختم الأولياء وشمس المغرب » المؤلف بعد عام 590 هـ.
في باب لؤلؤة امتداد الرقائق من الحقيقة المحمدية إلى جميع الحقائق : تراه يقول - فكانت رقيقته مع في دورة الملك إلى هلم جرا إلى الأبد أصلا لجميع الرقائق ، وحقيقته ممدة في كل زمان إلى جميع الحقائق ، فهو الممد و لجميع العالم من أول منشأه إلى أبد لا يتناهی ، مادة شريفة مكملة لا تضاهي .
- وهذا يوافق تماما ما ذكرناه من الفتوحات ج1/ 151.  المؤلف عام 599 هـ إلى 635 هـ. ويعارض تماما ما جاء في هذا الفص في هذه المسألة من كتاب فصوص الحكم المؤلف عام 627 هـ .
وكيف يصح نسبة قوله « ومن روح الخاتم تكون المادة لجميع الأرواح » وهو رضي الله عنه الذي يقول فيما لا يعلم «لا أعلم » ويطلب ممن يعلم أن يثبت ذلك في كتابه - راجع ترجمة حياة الشيخ لنا ص 194 - 195.

لذلك نجد أن الكلام في ص 49 من قوله [ حتى أن الرسل متى رأوه ] إلى قوله في ص 50 [ فتحقق ما ذكرناه ] غير موجود في كتاب المسائل لمؤلفه اسماعیل بن سودكين كما تلقاها من الشيخ في المسألة رقم 24 وهي تطابق قوله في ص 49 [ ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة (الخاتم للولاية)]
- بدلا مما ورد في هذا الفص ( الولي الخاتم ) . وهذا الذي جاء في كتاب المسائل يؤكد ما جاء في الفتوحات الملكية ج1/ 190.  
وقد أشرنا إليه ولذلك لا تجد إشارة إلى مسألة ختم الولاية في كتاب نقش الفصوص إسماعيل بن سودكين وفيه اختصار الفصوص مما يدل على أن الكلام في هذا الموضوع مدرج في الفص.
ونراه رضي الله عنه يقول في الفتوحات ج3/ 520 :
عن آدم وإدريس ونوح وإبراهيم ويوسف وهود وصالح وموسى وداود وسليمان ويحيى وهارون وعيسى ومحمد سلام الله عليهم وعلى المرسلين ، يقول لكل واحد ممن ذكرنا طريق يخصه وعلم ينصه وخبر يقصه ويرثه من ذكرناه ممن ليست له نبوة التشريع وإن كانت له النبوة العامة ، ولهم من الأسماء الإلهية الله والرب والهادي والرحيم والرحمن والشافي والقاهر والمميت والمحيي والجميل والقادر والخالق والجواد والمقسط ، كل اسم إلهي من هذه ينظر إلى قلب نبي ممن ذكرنا .

و كل نبي يفيض على كل وارث ، فالنبي كالبرزخ بين الأسماء والورثة ، وعين لهؤلاء الأنبياء من الأرواح النورية أربعة عشر روما من أمر الله ، ينزلون من الأسماء التي ذكرناها على قلوب الأنبياء ، وتلقيها.
حقائق الأنبياء عليهم السلام على قلوب من ذكرناه من الورثة ، ويحصل للفرد الواحد من الأفراد وراثة الجماعة المذكورة ، فياخذون علم الورث عن طريق المذكورين من الأرواح الملكية والأنبياء البشريين ، ويأخذون بالوجه الخاص من الأسماء الإلهية علوما لا يعلمها من ذكرناه سوی محمد صلى الله عليه وسلم فإن له هذا العلم كله لأنه أخبر أنه قد علم علم الأولين وعلم الآخرين.
هذا هو الثابت بخط يد الشيخ في المواطن المتعددة كلها وهو يخالف ما جاء في الفصوص ، ومع هذا فالوقوف بالأدب أولى في حضرة الإطلاق للحضرة الإلهية ، وأنه لا تحجي على فضل الله ، يختص برحمته من يشاء فإذا كان الذي ذكره الشيخ في الفصوص ثابت الصحة إلى الشيخ فيكون من هذا الباب ، وليس ذلك على الله بعزيز.
أما عن الشاهدين المذكورين في هذه المسألة وهما فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم ، وفي تأبير النخل ، استدلالا على أن الكامل لا يلزم أن يكون له التقدم في كل شيء وفي كل مرتبة .
فلننظر ما قاله الشيخ في هذين الشاهدين ، في الفتوحات ج1/ 144 , 523 . ج3/ 139 .
وفي قبول الكامل ما يشير به الأنقص في المسألة التي هو أعلم بها : إن الإمام لا يقتني العلوم من فكره ، بل لو رجع إلى نظره الأخطاء فإنه نفسه ما اعتادت إلا الأخذ عن الله ، وما أراد الله لعنايته بهذا العبد أن يرزقه الأخذ من طريق فكره فيحجبه ذلك عن ربه .
فإنه في كل حال يريد الحق أنه يأخذ عنه ما هو فيه من الشؤون في كل نفس ، فلا فراغ له ولا نظر لغيره ، فكان ما حدث في هاتين الحادثتين، لأن ذلك كله لم يكن عن بوحي إلهي فإنه صلى الله عليه وسلم ما تعود أن يأخذ العلوم إلا من الله ، لا تنظر له إلى نفسه في ذلك .
وهو الشخص الأكمل الذي لا أكمل منه ، فما ظنك بمن هو دونه . اهـ.
وهل يغيب عن الشيخ رضي الله عنه أن هذه المسألة ليست من أمور الدنيا فلا يستقيم الاستشهاد ، كما أن ما أتي به الخضر عليه السلام لا يتعلق بالإلهيات ، بل هو من سر القدر المتعلق بأمور الدنيا .


التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
يقول العبد لله مستعينا بالله تعالى : لما كانت الفكرة المتسلطة على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله وهو رجل مخلص محب للشيخ بذل عمره فى شرح وتفسير علوم الشيخ الأكبر ولكن لكل جواد كبوة ولكل عالم هفوة يتوقف أمامها متحيرا .
ان فصوص الحكم من كلام الشيخ الأكبر دونها أبو المعالي صدر الدين القنوي باسم "فصوص الحكم" والشيخ القنوي لم يشرح الفصوص وإنما فك بعض المصطلحات والمعاني و أول تفسير كامل شامل كان تلميذه المقرب الشيخ مؤيد الدين الجندي وكذلك أخيه في الطريقة ورفيقه في الصحبة والتعلم منه وقد التقيا الشيخ ابن سبعين في مصر سويا في رحلاتهم من مكة  ومن أوصى له بكتبه ومكتبة مخطوطاته من بعده الى الشيخ عفيف الدين التلمساني الذي تتلمذ على يد الشيخ الأكبر نفسه و مدون اسمه في السماع للفتوحات المكية وهو له شرح جميل على فصوص الحكم  لا يكتبه الا عارف مكاشف راسخ القدم في المعاني والمعارف.
فهل احد الآن يقتنع أن الشيخ صدر الدين القنوي والشيخ مؤيد الدين والشيخ عفيف تآمروا على الشيخ الأكبر كذبوا وزوروا و دلسوا أوراقا وأسموها فصوص الحكم ؟؟!!. مستحيل عقلا ونقلا.
كتاب فصوص الحكم شرحها المئات من أكابر الأولياء و العلماء المشهورين الراسخين والمشهود لهم بالولاية والرسوخ فى العلوم والمعارف في حياتهم وبعد إنتقالهم للرفيق الأعلى. فهل كل هؤلاء الأولياء والعلماء اصابتهم الغفلة والجهل لدرجة عدم التمييز بين الحقيقي والمزيف والأكاذيب ؟؟!! محال عقلا ومنطقأ.
وهو دائم الشك ويسر ليستشهد بصوص لا تتطابق مع ما يستشهد به بعرفها كل منصف يبحث هادئا وليس صاحب رأي مسبق غير صحيح .
"کون الرسل لا يرون العلم تابعا لمعلوم إلا من مشكاة خاتم الأولياء"
قال عنها : " هذه المسألة هي أم المشكلات في كتاب فصوص الحكم وكانت أساس إنكار كثير من العلماء على الشيخ الأكبر رضي الله عنه "
فالأمر واضح جلي لو صبر وأكمل القراءة لوجد إجابة الشيخ الأكبر تفسير هذا في الفقرات التي تليها .وبداية فك هذا اللغز "وإِن تأخر وجود طينته ".
"فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود " صورته في السماء بروحه  منذ يوم ألست بربكم "، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين».
وغيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ.
وكذلك خاتم الأولياء كان ولياً وآدم بين الماء والطين.
وغيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد».
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته‏ مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي.
وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل "يقصد العلوم والإمداد من حضرة الحق تعالى مباشرة بدون أي واسطة " المشاهد للمراتب.
"وبالرغم من كل ماسبق إلا ان حقيقة ختم الأوليا في مقامه ومرتبته " وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم.
الخلاصة :
كل ما استدل به من الفتوحات وغيرها لا محل لها هنا في هذا المقام لأن الشيخ يتكلم تعين ومراتب إلهية اختص بها الله عباد مخصوصين من عباده الرسل والأنبياء والأولياء  كجنود لله ليكونوا خلفاء لله في وظائف عرفها لهم وأمدهم بها والأمثلة على الإختصاص لا تعد ولا تحصى في عطاءات الله تعالى الرسل والأنبياء والأولياء .
فختم الأولياء مصدر من مصادر الإمداد الإلهية بالتعيين المباشر من الله تعالى لانها إرادته سبحانه فهو جندي وعبد لله تعالى استعمله فى هذه الوظيفة .
فختم الأولياء مع كل ما أعطي وعلو مقامه إلا انه هو حسنة من حسنات خاتم المرسلين محمد صلى اللَّه عليه وسلم يعني رغم كل مصدره الأصلي مازال تابعا لرسول الله صلى اللَّه عليه وسلم منذ ألست بربكم إلى يوم يبعثون . فلا يساويه ولا يضاهيه ولا يملك إلا أن يكون تابعا الى رسول الله بالأصالة وليس بأدب التواضع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فالأنبياء والأولياء الذين أمدهم الله من روح ختم الأولياء حتى ولو لم يكن جسمه "شبيحته الأرضية قد ولدت بعد " وهي التي ولدت وظهرت في مرسية سنة 560 هـ رضي الله عنه .
فإن أصله السماوي "صورته فى السماء وروحه" منذ ألست بربكم عينها الله تعالى فى هذه الوظيفة أو التكليف أو الخلافة وأمدها بما يلزمها لتؤديها وقد أدها وما زال يؤديها حتى الآن وعرفها لكل للناس بنشرها في فصوص الحكم كما أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم لينتفعوا بها يعلموا عظم قدر الله سبحانه وكيف نظم ملكه وسلطانه وعين جنودة وكيف يعملون في خلافاتهم في الملك والملكوت .
وكنا سمعنا كثير من كبار الأولياء قالوا لبعد تلاميذهم المتميزين أعرفك واتابعك منذ يوم ألست بربكم .. ومن كشف له الله عن حقيقته عرف ربه وفهم كل شيئ فرحم الخلق ولم يجري عليه الغضب إلا لله لأنه أصبح عارفا بالله .
ولا يمكن ان يختلف العارفين الراسخين المحققين بحقيقتهم من كلام الشيخ أبدا لأنه عاشها كلها لحظة بلحظة وذكره الله تعالى بها وكشف له الحقيقة منذ ألست بربكم وحتى يومه هذا ومنهم من يعرف غده أيضا وحتى يوم يبعثون منهم من يعرفها إجمالا بالنهايات ومنهم من يعلمها تفصيلا وهو الأعلى في هذا الكشف و العلم.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.

قال رضي الله عنه :  (تينك اللبنتين. فيكمل الحائط. "9" والسبب الموجِب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضة،وهو ظاهره وما يتبعه فيه)
قال رضي الله عنه :  (من الأحكام، كما هو آخذ عن‏ اللَّه في السر ما هو بالصورة الظاهرة متبع فيه، لأنه يرى الأمر عَلَى ما هو عليه، فلا بد أن يراه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإِنه أخذ من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به إِلى الرسول.
فإِن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي‏ء.
فكل نبي من لدن آدم إِلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إِلا من مشكاة خاتم النبيين، وإِن تأخر وجود طينته، فإِنه بحقيقته موجود، وهو قوله صلى اللَّه عليه وسلم: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين». وغيره من الأنبياء ما كان نبياً إِلا حين بُعِثَ.
وكذلك خاتم الأولياء كان ولياً وآدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان ولياً إِلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون اللَّه تعالى تسمّى «بالولي الحميد».
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته‏ مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإِنه الولي الرسول النبي.
وخاتم الأولياء الولي الوارث الآخذ عن الأصل المشاهد للمراتب.
وهو حسنة من حسنات خاتم المرسل محمد صلى اللَّه عليه وسلم مقدَّمِ الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة.  فعيّن حالًا خاصاً )

9 - مبشرة بخاتم الأولياء الخاص
رأيت رؤيا لنفسي وأخذتها بشرى من الله ، فإنها مطابقة لحديث نبوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حين ضرب لنا مثله في الأنبياء عليهم السلام.
فقال صلى الله عليه وسلم : « مثلي في الأنبياء كمثل رجل بنى حائطا فأكمله إلا لبنة واحدة فكنت أنا تلك اللبنة فلا رسول بعدي ولا نبي » فشبه النبوة بالحائط والأنبياء باللبن التي قام بها هذا الحائط، وهو تشبيه في غاية الحسن فإن مسمى الحائط هنا المشار إليه لم يصح ظهوره إلا باللبن ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم  خاتم النبيين، فكنت بمكة سنة تسع وتسعين وخمسمائة أری فیما یری النائم الكعبة مبنية بلبن فضة وذهب .

لبنة فضة ولبنة ذهب ، وقد كملت بالبناء وما بقي فيها شيء ، وأنا أنظر إليها وإلى حسنها ، فالتفت إلى الوجه الذي بين الركن اليماني والشامي ، هو إلى الركن الشامي أقرب ، فوجدت موضع لبنتين ، لبنة فضة ولبنة ذهب ، ينقص من الحائط في الصفين .
في الصف الأعلى ينقص لبنة ذهب وفي الصف الذي يليه ينقص لبنة فضة ، فرأيت نفسي قد انطبعت في موضع تلك اللبتين ، فكنت أنا عين تينك اللبنتين ، وكمل الحائط ولم يبق في الكعبة شيء ينقص ، وأنا واقف أنظر ، وأعلم أني واقف ، وأعلم أني تينك اللبتين ، لا أشك في ذلك وأنهما عين ذاتي واستيقظت.
فشكرت الله تعالى ، وقلت متأولا : إني في الأتباع في صنفي كرسول الله صلى الله عليه وسلم في الأنبياء عليهم السلام ، وعسى أن أكون ممن ختم الله الولاية بي ، وما ذلك على الله بعزيز ، وذكرت حديث النبي صلى الله عليه وسلم في ضربه المثل بالحائط وأنه كان تلك اللبنة ، فقصصت رؤياي على بعض علماء هذا الشأن، بمكة من أهل توزر ، فأخبرني في تأويلها بما وقع لي وما سميت الرائي من هو.
راجع الفتوحات ج1/ 318


قال رضي الله عنه : ما عمم."10" وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية، فإِن الرحمن ما شفع‏ عند المنتقم في أهل البلاء إِلا بعد شفاعة الشافعين.
ففاز محمد صلى اللَّه عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام "11" الخاص. فمن فهم المراتب والمقامات لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام.
وأما المنح الأسمائية فاعلم‏ أن مَنْحَ اللَّه تعالى خلقه رحمةٌ منه بهم، و هي كلها من الأسماء. فإِما رحمة خالصة كالطيِّب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسمُ الرحمنُ. فهو عطاء رحماني.
وإِما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكرِهِ الذي يعقب شربه الراحةُ، وهو عطاء إِلهي، فإِن العطاء الإلهي لا يتمكن إِطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء. 
فتارة يعطي اللَّه العبد على يدي الرحمن فيَخْلُصُ العطاء من الشوب الذي‏ لا يلائم الطبع في الوقت أوْ لا يُنِيلُ الغرض وما أشبه ذلك.
وتارة يعطي اللَّه‏ على يدي الواسع فيعم، أو على‏ يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب‏، فيعطي ليُنْعِمَ لا يكون مع الواهب‏ تكليف المعطَى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي‏ الجبار فينظر في الموطن وما يستحقه، أو على يدي‏ الغفار فينظر المحل وما هو عليه.
فإِن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق العقوبة فيسمى معصوماً ومعتنى به ومحفوظاً وغير ذلك مما شاكل هذا النوع. و المعطي هو اللَّه من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه‏ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ‏ على يدي اسم خاص بذلك الأمر. «ف أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ‏» على يدي العدل وإِخوانه‏.
وأسماء اللَّه لا تتناهى لأنها تعْلَم بما يكون عنها- وما يكون عنها غير متناهٍ- وإِن كانت ترجع إِلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء. وعلى الحقيقة فما ثَمَّ إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النِّسَبِ والإضافات التي يكنَّى عنها بالأسماء الإلهية.
والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إِلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك‏ الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم‏ عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، وإِن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، وسبب ذلك تميُّز الأسماء. فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي‏ء يتكرر)

10 ۔ قوله : " فعين حالا خاصا ما عمم " .
يتناقض تماما ما جاء في الفتوحات الباب الثاني عشر عن دورة السيادة وهي فلك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأن من سيادته صلى الله عليه وسلم علم الأولين والآخرين .
- راجع الفتوحات ج1/ 144. / 1 والباب بأكمله (۰)

""التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
الشيخ الأكبر يتحدث هنا عن إرادة الله سبحانه في الإختيار والتعين لسيدنا محمد صلي الله عليه وسلم للمقام المخصوص بالشفاعة ولا يتكلم عن العلم أو المعارف عند رسول الله صلى الله عليه وسلم .
الكلام هنا عن إرادة الحق بإختيار رسول الله لهذا المقام كإختار المولى عز وجل للمقام المحمود ولا علاقة له بالعلوم والمعارف هنا. فالإستلال بكلام الشيخ من الفتوحات لا محل له فى هذا المقام . ولا تعارض بين الفتوحات وفصوص الحكم .


11 - راجع هامش رقم 10
قال رضي الله عنه : ( أصلًا. هذا هو الحق الذي يعوَّل عليه. و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في مثل هذا من الأرواح ما عدا روحَ الخاتم‏ فإِنه لا يأتيه المادة إِلا من اللَّه لا من روح من الأرواح "12"، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إِن كان لا يَعْقلُ ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قَبِلَ الأصلُ الاتصاف بذلك، كالجليل و الجميل‏ ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخِر و هو عينه ليس‏ غير.
فيعلَم لا يعلم، ويدري لا يدري، ويشهد لا يشهد. وبهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة اللَّه.
فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها ونِسَبِهَا، فإِن اللَّه وهبه لآدم أول ما وهبه: وما وهبه إِلا منه لأن الولد سرُّ أبيه. فمنه خرج وإِليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن اللَّه. وكل عطاء في الكون على هذا المجرى.
فما في أحد من اللَّه شي‏ء، وما في أحد من سوى نفسه شي‏ء وإِن تنوعت عليه الصور"13"وما كل )

12 - راجع هامش رقم 8 .

13 - جميع العلوم باطنة في الإنسان بل في العالم كله
اعلم أن الإنسان قد أودع الله فيه علم كل شيء ثم حال بينه وبين أن يدرك ما عنده مما أودع الله فيه ، وما هو الإنسان مخصوص بهذا وحده ، بل العالم كله .
فإن كل جوهر في العالم يجمع كل حقيقة في العالم ، كما أن كل اسم إلهي مسمی بجميع الأسماء الإلهية ، وهو سر من الأسرار الإلهية التي ينكرها العقل ويحيلها جملة واحدة.
وقربها من الذوات الجاهلة في حال علمها قرب الحق من عبده ، ومع هذا القرب لا يدرك ولا يعرف إلا تقليدا ولولا إخباره ما دل عليه عقل .
وهكذا جميع ما لا يتناهى من المعلومات التي يعلمها ، هي كلها في الإنسان وفي العالم بهذه المثابة من القرب ، وهو لا يعلم ما فيه حتى يكشف له عنه مع الآثات.
ولا يصح فيه الكشف دفعة واحدة لأنه يقتضي الحصر ، وقد قلنا إنه لا يتناهى فليس يعلم إلا شيئا بعد شيء إلى ما لا يتناهى ، وهذا من أعجب الأسرار الإلهية أن يدخل في وجود العبد ما لا يتناهی كما دخل في علم الحق ما لا يتناهی من المعلومات.
و علمه عين ذاته، والفرق بین تعلق علم الحق بما لا يتناهى وبين أن يودع الحق في قلب العبد ما لا يتناهی ، أن الحق يعلم ما في نفسه وما في نفس عبده تعیینا وتفصيلا.
والعبد لا يعلم ذلك إلا مجملا ، وليس في علم الحق بالأشياء إجمال مع علمه بالإجمال من حيث أن الإجمال معلوم للعبد من نفسه ومن غيره ، فكل ما يعلمه الإنسان دائما .
وكل موجود فإنما هو تذكر على الحقيقة وتجديد ما نسيه ، فالعبد أقامه الحق في وقت ما مقام تعلق علمه بما لا يتناهی .
وليس بمحال عندنا ، وإنما المحال دخول ما لا يتناهى في الوجود لا تعلق العلم به ، ثم إن الخلق أنساهم الله ذلك كما أنساهم شهادتهم بالربوبية في أخذ الميثاق مع كونه قد وقع منهم ، وعرفنا ذلك بالإخبار الإلهي .
فعلم الإنسان دائما إنما هو تذكر ، فمنا من إذا ذكر تذكر أنه قد كان علم ذلك المعلوم و نسيه ، ومنا من لم يتذكر ذلك مع إيمانه به أنه قد كان يشهد بذلك ، ويكون في حقه ابتداء علم .
ولولا أنه عنده ما قبله من الذي أعلمه ولكن لا شعور له بذلك ، ولا يعلمه إلا من نور الله بصيرته ، وهو مخصوص بمن ماله الخشية مع الأنفاس ، وهو مقام عزيز لأنه لا يكون إلا لمن يستصحبه التجلي دائما ، وهذا العلم خاصة انفردت منه دون الجماعة في علمي ». الفتوحات ج2/ 686 .
وهذا النص يناقض ما جاء في هذا الفص مما نسب إلى الشيخ من أن العلم الذي اختص به هو كون العلم تابعا للمعلوم .


قال رضي الله عنه :(أحد "يعرف" هذا، وأَنَّ الأمر على ذلك، إِلا آحاد من أهل اللَّه.
فإِذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل اللَّه تعالى.
فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقِي إِليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه‏ ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره. فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه،)  "14"

14 - أما قول الشيخ في هذا الفص « فمن شجرة نفسه جني ثمرة علمه » فهو قوله في عروجه المعنوي إلى سدرة المنتهى الفتوحات ج2/ 686.
"ورأيت فيها ما يجني الإنسان إلا ثمرة غرسه لا غير" .
ولكن الذي يلاحظ هنا هو التعارض الواضح بين قول الشيخ
« وهذا "العلم" خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي »
وبين ما ورد في الفص « وما كل أحد "يعرف" هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله ».

""التعقيب على الشيخ محمد محمود الغراب رحمه الله :
الشيخ محمد محمود اختلط عليه الأمر في الفرق الكبير بين العلم و المعرفة .
فالعلم : هو تعلم كل ما لم تكن تعلم عنه شيئا أي صفر معلومة او يسبقه الجهل وخاصة اذا أشار الى العلم من الله او رسل الله.
" وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا " 31 البقرة , " قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا " 32 البقرة
" وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (42) " سورة البقرة
البقرة , " الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) "  البقرة
" وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48) " آل عمران
"وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ " 114 النساء  
" وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) " الأعراف
" قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا (66) " الأعراف
" فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا (65) " الكهف
" يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) " مريم
" الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5) ". سورة العلق

أما المعرفة : هو تذكر ما نسيت او كنت تعرفه من قبل او تتذكر ما حجب عنك اى لك به علم مسبق سواء كان علما تاما او جزئي مثل بوم "ألست بربكم" يوم الميثاق كلنا حضرناه وكلنا حجبه الله عنا والعارف من يذكره الله او يكشف له عنه فيتذكر ما كان يعلمه .
"فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ "89 سورة البقرة.
" وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ " سورة الأعراف
"وَجَاءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (58)" سورة يوسف .
"اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ ..(62)" سورة يوسف.
" سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا " 93 سورة النمل.
"يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ .. (59)" سورة الأحزاب
" أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (69)" سورة المؤمنون
" وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ (6) " سورة محمد
"وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30) "سورة محمد  
"يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ (41) " سورة الرحمن
"فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ..(3)" سورة التحريم
" تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ (24) " سورة المطففين "

والشيخ فى الفصوص يتكلم عن المعرفة "وما كل أحد "يعرف" هذا وأن الأمر على ذلك إلا آحاد من أهل الله "
والشيخ فى الفتوحات يتكلم عن العلم "وهذا العلم خاصة انفردت به دون الجماعة في علمي " فالمقارنة خطأ والإستشهاد هنا غير جائز لعدم التطباق في الوجه المقارن فيما كتبة الشيخ ""


قال رضي الله عنه : (كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيرَه، إِلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إِليه تنقلب‏ من وجه بحقيقة تلك الحضرة، كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيراً أو المستطيلة مستطيلًا، والمتحركة متحركاً.
وقد تعطيه‏ انتكاس صورته من حضرة خاصة، وقد تعطيه عينَ ما يظهر منها فتقابل اليمينُ منها اليمينَ من الرائي، وقد يقابل اليمينَ اليسارَ وهو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: وبخرق العادة يقابل اليمينُ اليمينَ ويَظهر الانتكاس. "15"
وهذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلَّى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إِلا بعد القبول، وإِن كان يعرفه مجملًا.
إِلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن اللَّه، لَمَّا ثبت عندهم أنه فعَّال لما يشاء، جوزوا على اللَّه تعالى ما يناقص الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إِلى نفي الإمكان وإِثبات الوجوب‏ بالذات و بالغير.
والمحقق يثبت الإمكان ويعرف حضرته، والممكنَ ما هو الممكن ومن أين هو ممكن وهو بعينه واجب بالغير، ومن أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إِلا العلماء باللَّه خاصة. و على قدم شيث‏ يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني.

وهو حامل أسراره، وليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. وتولد معه أخت له فتخرج قبله ويخرج بعدها يكون‏ رأسه عند رجليها.
ويكون مولده بالصين ولغته لغة أهل‏ بلده. ويسري العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إِلى اللَّه فلا يجاب.
فإِذا قبضه اللَّه تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحِلُّون حلالًا و لا يحرمون حراماً، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة.

15 - راجع هامش رقم 6
.
واتساب

No comments:

Post a Comment