Friday, August 2, 2019

 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

 10 - فص حكمة أحدية في كلمة هودية .كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر شرح الشيخ عفيف الدين سليمان التلمساني

شرح الشيخ عفيف الدين سليمان ابن علي التلمساني فصوص الحكم الشيخ الأكبر ابن العربي الطائي الحاتمي

إن لله الصراط المستقيم ... ظاهر غير خفي في العموم
في كبير وصغير عينه ... وجهول بأمور وعليم
ولهذا وسعت رحمته ... كل شيء من حقير وعظيم
«ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». فكل ماش فعلى صراط الرب المستقيم.
فهو غير مغضوب عليهم من هذا الوجه ولا ضالون. فكما كان الضلال عارضا كذلك الغضب الإلهي عارض، والمآل إلى الرحمة التي وسعت كل شيء، وهي السابقة.
وكل ما سوى الحق دابة فإنه ذو روح. وما ثم من يدب بنفسه وإنما يدب بغيره. فهو يدب بحكم التبعية للذي هو على الصراط المستقيم، فإنه لا يكون صراطا إلا بالمشي عليه.
إذا دان لك الخلق ... فقد دان لك الحق
و إن دان لك الحق ... فقد لا يتبع الخلق
فحقق قولنا فيه ... فقولي كله الحق
فما في الكون موجود ... تراه ما له نطق
وما خلق تراه العين ... إلا عينه حق
ولكن مودع فيه ... لهذا صوره حق
اعلم أن العلوم الإلهية الذوقية الحاصلة لأهل الله مختلفة باختلاف القوى الحاصلة منها مع كونها ترجع إلى عين واحدة.
فإن الله تعالى يقول : «كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يسعى بها.
فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد. فالهوية واحدة والجوارح مختلفة.
ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح، كالماء حقيقة واحدة مختلف في الطعم باختلاف البقاع، فمنه عذب فرات ومنه ملح أجاج، وهو ماء في جميع الأحوال لا يتغير عن حقيقته وإن اختلفت طعومه.
وهذه الحكمة من علم الأرجل وهو قوله تعالى في الأكل لمن أقام كتبه: «ومن تحت أرجلهم». فإن الطريق الذي هو الصراط هو للسلوك عليه والمشي فيه، والسعي لا يكون إلا بالأرجل.
فلا ينتج هذا الشهود في أخذ النواصي بيد من هو على صراط مستقيم إلا هذا الفن الخاص من علوم الأذواق.
«فيسوق المجرمين» وهم الذين استحقوا المقام الذي ساقهم إليه بريح الدبور التي أهلكهم عن نفوسهم بها، فهو يأخذ بنواصيهم والريح تسوقهم- وهو عين الأهواء التي كانوا عليها- إلى جهنم، وهي البعد الذي كانوا يتوهمونه.
فلما ساقهم إلى ذلك الموطن حصلوا في عين القرب فزال البعد فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق لأنهم مجرمون.
فما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، وإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا في السعي في أعمالهم على صراط الرب المستقيم لأن نواصيهم كانت بيد من له هذه الصفة.
فما مشوا بنفوسهم وإنما مشوا بحكم الجبر إلى أن وصلوا إلى عين القرب.
«ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون»: وإنما هو يبصر فإنه مكشوف الغطاء «فبصره حديد». وما خص ميتا من ميت أي ما خص سعيدا في القرب من شقي.
«ونحن أقرب إليه من حبل الوريد» وما خص إنسانا من إنسان. فالقرب الإلهي من العبد لا خفاء به في الإخبار الإلهي.
فلا قرب أقرب من أن تكون هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى فهو حق مشهود في خلق متوهم.
فالخلق معقول والحق محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود.
وما عدا هذين الصنفين فالحق عندهم معقول والخلق مشهود. فهم بمنزلة الماء الملح الأجاج، والطائفة الأولى بمنزلة الماء العذب الفرات السائغ لشاربه.
فالناس على قسمين: من الناس من يمشي على طريق يعرفها ويعرف غايتها، فهي في حقه صراط مستقيم.
ومن الناس من يمشي على طريق يجهلها ولا يعرف غايتها وهي عين الطريق التي عرفها الصنف الآخر.
فالعارف يدعو إلى الله على بصيرة، وغير العارف يدعو إلى الله على التقليد والجهالة.
فهذا علم خاص يأتي من أسفل سافلين، لأن الأرجل هي السفل من الشخص، وأسفل منها ما تحتها وليس إلا الطريق. فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه، فإن فيه جل وعلا تسلك وتسافر إذ لا معلوم إلا هو، وهو عين الوجود والسالك والمسافر.
فلا عالم إلا هو فمن أنت؟ فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر على لسان الترجمان إن فهمت.
وهو لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق، فإن للحق نسبا كثيرة و وجوها مختلفة.
ألا ترى عادا قوم هود كيف «قالوا هذا عارض ممطرنا» فظنوا خيرا بالله تعالى وهو عند ظن عبده به.
فأضرب لهم الحق عن هذا القول فأخبرهم بما هو أتم وأعلى في القرب، فإنه إذا أمطرهم فذلك حظ الأرض وسقى الحبة فما يصلون إلى نتيجة ذلك المطر إلا عن بعد فقال لهم: «بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم»: فجعل الريح إشارة إلى ما فيها من الراحة فإن بهذه الريح أراحهم من هذه الهياكل المظلمة والمسالك الوعرة والسدف المدلهمة،
و في هذه الريح عذاب أي أمر يستعذبونه إذا ذاقوه، إلا أنه يوجعهم لفرقة المألوف. فباشرهم العذاب فكان الأمر إليهم أقرب مما تخيلوه فدمرت كل شيء بأمر ربها، فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم» وهي جثتهم التي عمرتها أرواحهم الحقية.
فزالت حقية هذه النسبة الخاصة وبقيت على هياكلهم الحياة الخاصة بهم من الحق التي تنطق بها الجلود والأيدي والأرجل وعذبات الأسواط والأفخاذ.
وقد ورد النص الإلهي بهذا كله، إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته «حرم الفواحش» وليس الفحش إلا ما ظهر.
وأما فحش ما بطن فهو لمن ظهر له.
فلما حرم الفواحش أي منع أن تعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء، فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عين الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء.
فما كل أحد عرف الحق: فتفاضل الناس وتميزت المراتب فبان الفاضل والمفضول.
واعلم أنه لما أطلعني الحق وأشهدني أعيان رسله عليهم السلام وأنبيائه كلهم البشريين من آدم إلى محمد صلى الله عليهم وسلم أجمعين في مشهد أقمت فيه بقرطبة سنة ست وثمانين و خمسمائة، ما كلمني أحد من تلك الطائفة إلا هود عليه السلام فإنه أخبرني بسبب جمعيتهم، و رأيته رجلا ضخما في الرجال حسن الصورة لطيف المحاورة عارفا بالأمور كاشفا لها.
ودليلي على كشفه لها قوله: «ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم». وأي بشارة للخلق أعظم من هذه؟
ثم من امتنان الله علينا أن أوصل إلينا هذه المقالة عنه في القرآن، ثم تمها الجامع للكل محمد صلى الله عليه وسلم بما أخبر به عن الحق بأنه عين السمع والبصر واليد والرجل واللسان: أي هو عين الحواس. والقوى الروحانية أقرب من الحواس. فاكتفى بالأبعد المحدود عن الأقرب المجهول الحد.
فترجم الحق لنا عن نبيه هود مقالته لقومه بشرى لنا، وترجم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله مقالته بشرى: فكمل العلم في صدور الذين أوتوا العلم «و ما يجحد بآياتنا إلا الكافرون» فإنهم يسترونها وإن عرفوها حسدا منهم و نفاسة و ظلما.
وما رأينا قط من عند الله في حقه تعالى في آية أنزلها أو إخبار عنه أو صله إلينا فيما يرجع إليه إلا بالتحديد تنزيها كان أو غير تنزيه.
أوله العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء. فكان الحق فيه قبل أن يخلق الخلق. ثم ذكر أنه استوى على العرش، فهذا أيضا تحديد.
ثم ذكر أنه ينزل إلى السماء الدنيا فهذا تحديد. ثم ذكر أنه في السماء وأنه في الأرض وأنه معنا أينما كنا إلى أن أخبرنا أنه عيننا.
ونحن محدودون، فما وصف نفسه إلا بالحد. وقوله ليس كمثله شيء حد أيضا إن أخذنا الكف زائدة لغير الصفة.
ومن تميز عن المحدود فهو محدود بكونه ليس عين هذا المحدود. فالإطلاق عن التقيد تقييد، والمطلق مقيد بالإطلاق لمن فهم.
وإن جعلنا الكاف للصفة فقد حددناه، وإن أخذنا «ليس كمثله شيء» على نفي المثل تحققنا بالمفهوم وبالإخبار الصحيح أنه عين الأشياء، والأشياء محدودة وإن اختلفت حدودها. فهو محدود بحد كل محدود.
فما يحد شيء إلا وهو الحق. فهو الساري في مسمى المخلوقات والمبدعات، ولو لم يكن الأمر كذلك ما صح الوجود. فهو عين الوجود، «وهو على كل شيء حفيظ» بذاته، «ولا يؤده» حفظ شيء.
فحفظه تعالى للأشياء كلها حفظه لصورته أن يكون الشيء غير صورته.
ولا يصح إلا هذا، فهو الشاهد من الشاهد والمشهود من المشهود.
 فالعالم صورته، وهو روح العالم المدبر له فهو الإنسان الكبير.
فهو الكون كله ... وهو الواحد الذي
قام كوني بكونه ... ولذا قلت يغتذي
فوجودي غذاؤه ... وبه نحن نحتذي
فبه منه إن نظرت ... بوجه تعوذي
ولهذا الكرب تنفس، فنسب النفس إلى الرحمن لأنه رحم به ما طلبته النسب الإلهية من إيجاد صور العالم التي قلنا هي ظاهر الحق إذ هو الظاهر، وهو باطنها إذ هو الباطن، و هو الأول إذ كان و لا هي، و هو الآخر إذ كان عينها عند ظهورها.
فالآخر عين الظاهر والباطن عين الأول، « وهو بكل شيء عليم» لأنه بنفسه عليم.
فلما أوجد الصور في النفس وظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء صح النسب الإلهي للعالم فانتسبوا إليه تعالى فقال: «اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي» أي آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم وأردكم إلى انتسابكم إلي.
 أين المتقون؟
أي الذين اتخذوا الله وقاية فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة، وهو أعظم الناس وأحقه وأقواه عند الجميع.
وقد يكون المتقي من جعل نفسه وقاية للحق بصورته إذ هوية الحق قوى العبد. فجعل مسمى العبد وقاية لمسمى الحق على الشهود حتى يتميز العالم من غير العالم.
«قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب» وهم الناظرون في لب الشيء الذي هو المطلوب من الشيء. فما سبق مقصر مجدا كذلك لا يماثل أجير عبدا.
وإذا كان الحق وقاية للعبد بوجه والعبد وقاية للحق بوجه.
فقل في الكون ما شئت: إن شئت قلت هو الخلق.
وإن شئت قلت هو الحق.
 وإن شئت قلت هو الحق الخلق.
وإن شئت قلت لا حق من كل وجه ولا خلق من كل وجه.
وإن شئت قلت بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعيينك المراتب.
ولو لا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه.
فلا تنظر العين إلا إليه ... و لا يقع الحكم إلا عليه
فنحن له وبه في يديه ... و في كل حال فإنا لديه
لهذا ينكر ويعرف وينزه ويوصف.
فمن رأى الحق منه فيه بعينه فذلك العارف.
ومن رأى الحق منه فيه بعين نفسه فذلك غير العارف.
ومن لم ير الحق منه ولا فيه وانتظر أن يراه بعين نفسه فذلك الجاهل.
وبالجملة فلا بد لكل شخص من عقيدة في ربه يرجع بها إليه ويطلبه فيها :
فإذا تجلى له الحق فيها عرفه و أقر به، و إن تجلى له في غيرها أنكره وتعوذ منه وأساء الأدب عليه في نفس الأمر، وهو عند نفسه أنه قد تأدب معه فلا يعتقد معتقد إلها إلا بما جعل في نفسه، فالإله في الاعتقادات بالجعل، فما رأوا إلا نفوسهم و ما جعلوا فيها.
فانظر: مراتب الناس في العلم بالله تعالى هو عين مراتبهم في الرؤية يوم القيامة.
وقد أعلمتك بالسبب الموجب لذلك . فإياك أن تتقيد بعقد مخصوص وتكفر بما سواه فيفوتك خير كثير بل يفوتك العلم بالأمر على ما هو عليه. فكن في نفسك هيولى لصور المعتقدات كلها فإن الله تعالى أوسع وأعظم من أن يحصره عقد دون عقد فإنه يقول «فأينما تولوا فثم وجه الله» وما ذكر أينا من أين.
وذكر أن ثم وجه الله، ووجه الشيء حقيقته.
فنبه بذلك قلوب العارفين لئلا تشغلهم العوارض في الحياة الدنيا عن استحضار مثل هذا فإنه لا يدري العبد في أي نفس يقبض، فقد يقبض في وقت غفلة فلا يستوي مع من قبض على حضور.
ثم إن العبد الكامل مع علمه بهذا يلزم في الصورة الظاهرة والحال المقيدة التوجه بالصلاة إلى شطر المسجد الحرام ويعتقد أن الله في قبلته حال صلاته، و هو بعض مراتب وجه لحق من «فأينما تولوا فثم وجه الله». فشطر المسجد الحرام منها، ففيه وجه الله.
ولكن لا تقل هو هنا فقط، بل قف عند ما أدركت و الزم الأدب في الاستقبال شطر المسجد الحرام و الزم الأدب في عدم حصر الوجه في تلك الأبنية الخاصة، بل هي من جملة أينيات ما تولى متول إليها. فقد بان لك عن الله تعالى أنه في أينية كل وجهة، و ما ثم إلا الاعتقادات.
فالكل مصيب، وكل مصيب مأجور وكل مأجور سعيد وكل سعيد مرضي عند ربه وإن شقي زمانا ما في الدار الآخرة.
فقد مرض وتألم أهل العناية- مع علمنا بأنهم سعداء أهل حق- في الحياة الدنيا. فمن عباد الله من تدركهم تلك الآلام في الحياة الأخرى في دار تسمى جهنم، و مع هذا لا يقطع أحد من أهل العلم الذين كشفوا الأمر على ما هو عليه أنه لا يكون لهم في تلك الدار نعيم خاص بهم، إما بفقد ألم كانوا يجدونه فارتفع عنهم فيكون نعيمهم راحتهم عن وجدان ذلك الألم، أو يكون نعيم مستقل زائد كنعيم أهل الجنان في الجنان و الله أعلم .
قلت: هذه الحكمة الشريفة جعل ابتداء كلامه فيها في معنى قوله تعالى: "وما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقیم"(هود: 56) .
وضمن في الأبيات جملیات " معناها ولحظ القيومية الإلهية التي لا يقوم شيء إلا بها، فهي في الكبير والصغير والجهول والعليم.
وجعل القيومية التي بها تقوم الموجودات رحمة، لأنها وسعت كل شيء فالقيومية هي الرحمة التي وسعت كل شيء.
ولما كان الصراط هو الطريق ذكر الماشي عليه فقال: كل ماش فهو على الصراط المستقيم، فهم غير مغضوب عليهم من هذا الوجه، لأن القيومية رحمة والرحمة لا تجتمع مع الغضب.
قال: فكما كان الضلال عارضا، فكذلك الغضب الإلهي عارض، وإنما كان الضلال عارضا لأن كل مولود يولد على الفطرة والفطرة هدى لا ضلال .
ثم عرض الضلال وهو اعتبار في مقام حجاب، فيكون الغضب اللاحق للضلال عارضا أيضا لأن الرحمة سابقة للغضب كما ورد الأخبار الإلهي على لسان السنة النبوية.
ثم قال: وكل ما سوى الحق تعالى فهو دابة ، قال وما ثم من يدب بنفسه، وإن كان كل شيء هو ذو روح لائقة به.
قال: فهو  يدب بحكم التبعية  للذي هو على صراط مستقیم. 
قوله:
إذا  دان  لك  الخلق          …..         فقد  دان  لك  الحق
 يعني أنه حيث كان الخلق فثم الحق ولا ينعكس
فلذلك قال :
إذا  دان  لك  الحق         …..     فقد  لا  يتبع  الخلق
وإنما قال، فقد، ولم يقل: لم يتبع الخلق، لأن العارف خلق وهو أبدا حيث الحق خصوصا القطب، فإن له نسبة إلى كل موجود وإلى كل حقيقة إلهية. 
ثم قال :
فحقق  قولنا  فيه     ……              فقولي  كله   الحق
يعني وكل ناطق لا بد وأن ينطق بالحق بوجه ما، وكل أحد له نطق بل كل موجود، ولي في مثل هذا المعنى بیت وهو هذا:
وأصبحت معشوق القلوب بأسرها    …..   وما ذرة في الكون إلا لها نطق
وأما قوله: وما ذرة في الكون إلا لها نطق، فـ يعني بألسنة الأحوال وهي أفصح من السنة الأقوال قوله:
وما  خلق  تراه  العين        ……                إلا  عينه  حق
ولم يقل عينه الحق بالألف واللام ثم استثنى بقوله:
ولكن  مودع  فيه       …….        لهذا  صوره  حق
ويعني بالحق هذا الوعاء المعلوم، وهذا على قاعدة الشيخ بأن الأعيان الثابتة قبلت الحقيقة، ولست أقول بذلك بل الحق ليس معه غيره.
وقد قال رضي الله عنه: ما صورته، فذكر أن هويته هي عين الجوارح التي هي عين العبد فالهوية واحدة والجوارح مختلفة ولكل جارحة علم من علوم الأذواق يخصها من عين واحدة تختلف باختلاف الجوارح. 
وأقول: إنه، رضي الله عنه، يريد بالعلوم هنا المعلومات. وكلامه فيما ذكره بعد هذا ظاهر بنفسه.
فإنه أخذ معنى قوله: "إن ربي على صراط مستقيم " (هود: 56)
فجعل كل أحد على صراط مستقيم حتى أن المجرمين الذين يساقون إلى جهنم، فإنهم فائزون في البعد بالقرب، فيتنعمون بالقرب من حقيقة  البعد، لأن الحق تعالی معهم، أو قال: عين جوارحهم وهو قوله: هويته عين أعضاء العبد وقواه، وليس العبد إلا هذه الأعضاء والقوى، فهو حق مشهود في خلق متوهم
قال: ويعرف هذا المؤمنون والمكاشفون.
وهاتان الطائفتان هما بمنزلة الماء العذب الفرات وأما من سواهما، فعندهم الخلق مشهود والحق متوهم وهؤلاء بمنزلة الماء الملح الأجاج.
 ثم أخذ يبين المشي على الصراط المستقيم:
فقال: من الناس من يعرف صراط المستقيم فيمشي عليه ومن الناس من يجهله والصراط واحد لولا الجهل به ما اختلفت.
وقال: كل أحد يدعوا إلى الله، فأما العارفون: فيدعون إلى الله على بصيرة، وأما غير العارفين: فيدعون أيضا إلى الله لكن على جهالة، لأنهم الذين يأكلون من تحت أرجلهم فعلو مهم تأتي من قبل السفل.
ثم قال فمن عرف أن الحق عين الطريق عرف الأمر على ما هو عليه إلى قوله: فاعرف حقيقتك وطريقتك، فقد بان لك الأمر.
 قال: وهذا لسان حق فلا يفهمه إلا من فهمه حق.
قال: ولما كانت للحق اعتبارات في مراتب أسمائه مختلفة اختلفت الأفهام في تلقي علومها.
قال: ولذلك غلط عاد قوم هود حين قالوا "هذا عارض ممطرنا" (الأحقاف: 24) فظنوا بالله الخير غير أن ذلك الخير دون الخير الذي أتاهم الله به، وهو ريح فيها عذاب أليم يريحهم من هياكلهم ويلحقهم بالقرب الأتم.  فاختلف الإدراك بسبب اختلاف نسبهم إلى الأسماء الإلهية.
قال رضي الله عنه: إن العذاب الذي أصابهم من الريح، فهو من العذوبة وإن أوجعهم لفراق المألوف، فإنه يسرهم عقباه.
قال: فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم وهي جثتهم التي عمرتها الأرواح الحقية، فزالت تلك الأرواح وبقيت لهم الحياة الخاصة لجثثهم وتلك لحياة هي التي تنطق بها الجوارح يوم تشهد عليهم
قوله: إلا أنه تعالى وصف نفسه بالغيرة، ومن غيرته حرم الفواحش، ثم
فسر الفواحش بقوله: أي منع أن يعرف حقيقة ما ذكرناه، وهي أنه عين الأشياء. قال: فسترها بالغيرة وهو أنت من الغير.
قال: فالغير يقول السمع سمع زيد، والعارف يقول السمع عین الحق، وهكذا ما بقي من القوى والأعضاء. فما كل أحد عرف الحق فتفاضل الناس.
فهو يقول إن العارف هو الفاضل، والمحجوب هو المفضول ومن هنا إلى الأبيات الشعر التي أولها: فهو الكون كله، فهو مفهوم من لفظ الشيخ غیر محتاج إلى شرح.
قوله في الأبيات:
فهو الكون كله، اشارة إلى قوله تعالى: "هو الأول والآخر والظاهر والباطن"  (الحديد: 3).
وقوله: قام کوني، بكونه اشارة إلى مقام القيومية فإن به تعالی قام كل شيء أي بقي بعد وجوده.
وقوله: ولذا قلت يغتذي، يعني أن النسب الإلهية من مراتب الأسماء لا تقوم إلا بظهور أطوار العبيد كالرازقية بالمرزوق، والخالقية بالمخلوق، وجميع أسماء الأفعال والمتضایفات، لا يتحقق أحد المتضايفين إلا ويكون الآخر متحققا، فصار العبيد كالغذاء الذي به يقوم المغتذي.
وقوله: نحتذي يعني نبقي وفسره بقوله:
فيه  منه  إن  نظرت           ……        بوجه   تعوذي
وبهذا المعنى يتحقق الاسم الواقي تعالي.
ثم شرع بعد الأبيات الشعر في ذكر أن مقام الكنزية الذي ذكره في قوله: "کنت کنزا لا أعرف"، فعبر عن مقام الكنزية بالكرب ومقام ایجاد العالم بالتنفس.
 قال: فكأنه رحم نفسه فتنفس، فسمي النفس المذكور نفس الرحمن،ثم فسر معنى الأول والآخر والظاهر والباطن بكلام ظاهر.
قال: ولما كان هو عين كل شيء كان بكل شيء عليما لأنه عليم بنفسه، فبعین علمه بنفسه علم الأشياء كلها .
و قوله: فلما أوجد الأشياء في النفس،
فكأنه قال: إن الموجودات هي كلمات الله، لأنها صور نفسه، فبسائط العالم حروف النفس، ومركباته كلماته التي من النفس..
قال: فظهر سلطان النسب المعبر عنها بالأسماء، صح النسب الإلهية للعالم
يعني لتضائف "لتلائم" الأسماء الإلهية للأسماء الكونية كالرب للمربوب و الخالق للمخلوق و رفعه النسب المخصوص به تعالى أن يظهر أنه ليس معه غيره.
وقوله: آخذ عنكم انتسابكم إلى أنفسكم، أي اجعله لي، فانتسب إلى نفسي وأنتم نفسي، فأردكم إلى بوجه حق يظهر للعارفين منكم وتمام الخير.
قوله: أين المتقون؟ أي الذين اتخذوا الله وقاية، فكان الحق ظاهرهم أي عين صورهم الظاهرة.
قال: وقد يفسر بأن يجعل العبد وقاية للحق إذا شهد أن ذاته عبارة عن وجوده والحق باطن بالقوى في ذلك الظاهر، وهذا هو بعض المشاهد الجزئية ثم أثنى على ذوي الألباب وفسر ذلك بالناظرين في لب الأشياء وهم المحمديون.
وقال: ما سبق مقصر مجدا.
قال: كذلك أنه لا يماثل أجير عبدا، والأجير هنا هو الذي يبتغي الثواب من الله على طاعته، وأما العبد فهو الذي يخدم عبودية لا يطلب عليها جزاء.
قال: وإذا ثبت الوقاية من الطرفين صدق أن تسمى الكون ربا وأن تسميه عبدا، وإن شئت قلت: هو الحق الخلق معا،
وإن شئت قلت: لا هو خلق من كل وجه ولا هو حق من كل وجه،
وإن شئت قلت: بالحيرة في ذلك فقد بانت المطالب بتعين المراتب
قال: ولو لا التحديد ما أخبرت الرسل بتحول الحق في الصور ولا وصفته بخلع الصور عن نفسه.
قال: فلا تنظر العين إلا إليه ولا يقع الحكم إلا عليه فنحن له وبه في يديه وفي كل حال فإنا لديه
قوله: لهذا ينكر فينزه ويعرف فيوصف، فمن رأى الحق منه فيه بعين الحق فذلك هو العارف.
قال: ومن رأى الحق فيه منه بعين نفسه فذلك غير العارف، من جهة دخوله في القضية حيث اعتقد أنه يراه بعين نفسه مع أنه لا يرى الحق إلا الحق لكن هذا لا يسمى جاهلا، لأنه عرف الحق منه فيه.
قال: ومن لم ير الحق منه فيه وانتظر أن يراه بعين نفسه، فذلك هو الجاهل.
ثم ذكر أن لكل أحد عقيدة وكل عقيدة فهي مصادفة وجه ربها، عز وجل، في متوجهها إليه.
لأنه واسع الإحاطة محيط السعة فمن حصره انحصر هو ولم ينحصر الحق تعالى.
ونبه الشيخ رضي الله تعالی عنه: على وجوب الأدب مع الحق من حيث ما استقرت عليه عقائد هذه الأمة الكريمة، صلوات الله على رسولها.
فيولون وجوههم شطر المسجد الحرام مع معرفتهم بأن الحق تعالى في كل وجهة ، فيقومون بوظيفة مقام اتباعه في ظاهر ما ورد به أمره ونهيه ويقومون بوظيفة معرفة باطنه، عليه السلام، وباقي الحكمة ظاهر
 .
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment