Friday, July 26, 2019

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيئية .شرح الجامي كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي

شرح الشيخ نور الدين عبد الرحمن ابن أحمد ابن محمد الجامي على متن فصوص الحكم للشيخ الأكبر

الفص الشيثي

متن نص فصوص الحكم :
علم أن العطايا و المنح الظاهرة في الكون على أيدي العباد و على غير أيديهم على قسمين:
منها ما يكون عطايا ذاتية
عطايا أسمائية
و تتميز عند أهل الأذواق، كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن
شرح الجامي :
02 - فص حكمة نفثية في كلمة شيثية
النفث : لغة إرسال النفس رخوا.
وههنا عبارة عن إرسال النفس الرحماني
أعني : فاضة الموجود على الماهيات القابلة له والظاهرة به ، أو عن إلقاء العلوم الوهبية والعطايا الإلهية في نوع من أستعد لها. أي:  قلبه.
فالحاصل : أن خلاصة العلوم المتعلقة بالعطايا الحاصلة من مرتبة الغياضية والمبدئية و محل انتقاشها وهو القلب.
أو خلاصة العلوم الحاصلة على سبيل الوهب والتفضل لا على سبيل الكسب والتعمل.
أو محل انتقاشها متحققة في كلمة شيثية أحدية جمع روحه ويديه.
وإنما خصت الحكمة نفثية بالكلمة الشيثية، لأن ثبث عليه السلام كان أول إنسان حصل له العلم بالأعطيات الحاصلة من مرتبة المصدرية والمفيضية ونزلت عليه العلوم الوهبية.
ولما كانت أول المراتب المتعلقة التعيين الجامع للتعينات كلها وله أحدية الجمع وكانت المرتبة التي تليه مرتبة المصدرية والفیضانية التي هي عبارة عن نفث النفس الرحماني في الماهيات القابلة.
وكان آدم عليه السلام صورة المرتبة الأولى كما كان شيث عليه السلام عالما بالعناية الحاصلة من المرتبة الثانية علما وهبيا  قدم المعنی الآدمي في الذكر وجعل الفص الشيثي يتلوه موافقا للوجود الخارجي بتقسيم تلك العطايا.
فقال مبتدئا : (اعلم أن العطايا) جمع عطية (والمنح) جمع منحة وهي العطية (الظاهرة في الكون ) مطلقة بل في الكون الجامع كما تدل عليه التقسيمات الآتية وغيرها الواصلة إلى مستعديها (على أيدي العباد).
أي بواسطة العباد المنفقين مما رزقهم الله تعالى من البشر كانوا أو من غيره .
كالعلم الحاصل للمتعلم من المعلم وللكمل بواسطة الملائكة والأرواح البشرية الكاملة (أو على غير أيديهم وهي على قسمين) أي بغير واسطتهم كما إذا تجلى الحق سبحانه بالوجه الخاص وأورث ذلك التجلي علما ومعرفة .
ويجوز أن يقال : معناه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
كما أن منها ما يكون عن سؤال في معين و عن سؤال غير معين.
و منها ما لا يكون عن سؤال سواء كانت الأعطية ذاتية أو أسمائية.
فالمعين كمن يقول يا رب أعطني كذا فيعين أمرا ما لا يخطر له سواه .
و غير المعين كمن يقول أعطني ما تعلم فيه مصلحتي من غير تعيين لكل جزء من ذاتي
شرح الجامي :
الظاهر مطلقا وعبر واسطتها.
(منها ما يكون عطايا ذانية) منسوبة إلى ذات أحدية جمع جميع الأسماء الإلهية من غير خصوصية صفة دون صفة إذ الذات من حيث هي هي لا تعطي عطاء ولا تتجلى تجليا (و) منها ما يكون (عطايا اسمائية) يكون مبدؤها خصوصية صفة من الصفات من حيث تعينها وتميزها عن الذات وسائر الصفات.
(وتتميز) العطايا الذاتية والأسمائية كل واحدة من الأخرى (عند أهل الأذواق) الذين دأبهم معرفة الحقائق ذوقة وكشفا لا نظرة وكسبأ .
و بهذين القسمين صارت القسمة مربعة .
ثم أشار إلى تقسيم آخر وقال (كما أن منها)، أي من العطايا (ما يكون عن سؤال) صوري (في) مسؤول (معین و) عن (سؤال غير معین) بإضافة السؤال إلى غير أو بنوصيفه به على أن يكون وصفة حال المتعلق أي سؤال غير معين مسؤوله.
وفي بعض النسخ:
وعن سؤال غير معین (ومنها ما لا يكون عن سؤال) صوري فإن العطاء لا بد له من سؤال.
إما بلسان المقال أو الحال أو الاستعداد (سواء كانت العطية) الحاصلة على الوجوه الثلاثة أي على كل واحد منها (ذاتية أو أسمائية) .
وإنما أعاد ذلك تنبيها على أن هذين القسمين يجريان في كل من الوجوه الثلاثة، وبضرب الأقسام الأربعة السابقة في هذه الوجوه الثلاثة يحصل اثني عشر قسما (فالمعين كمن يقول)، أي فالمسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني كذا فيعين أمرأ ما) من الأمور كالعلم والمعرفة وغيرهما.
(لا يخطر له) بالقلب عند السؤال (سواه)، أي سوى ذلك الأمر .
(وغير المعين كمن يقول)، أي وغير المسؤول المعين كمسؤول من يقول : (یا رب أعطني ما تعلم فيه مصلحتي).
وقوله : (من غير تعيين)، أي من غير تعيين مسؤول معين من كلام الشيخ لا من كلام السائل .
كما كان قوله : فيعين أمر ما في المسؤول المعين من كلامه لا من كلام السائل. وقوله : (لكل جزء ذاتي)، أي أحدية جسمي و روحي من كلام السائل والمراد به الإشارة الإجمالية إلى ما فصله النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه.
حيث قال : "اللهم اجعل لي في قلبي نورا وفي سمعي نورا وفي بصري نورا " حديث البخاري، ولا وجه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
لطيف و كثيف.
و السائلون صنفان، صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا.
و الصنف الآخر بعثه على السؤال لما علم أن ثم أمورا عند الله قد سبق العلم بأنها لا تنال إلا بعد السؤال ،
فيقول: فلعل ما نسأله فيه سبحانه يكون من هذا القبيل.
فسؤاله احتياط لما هو الأمر عليه من الإمكان: وهو لا يعلم ما في علم الله و لا ما
شرح الجامي :
تتعلق اللام في لكل جزء إلى التعيين وإن فرض أنها من كلام متكلم واحد.
إذ المراد ههنا تعيين المسؤول لا المسؤول له وقوله : (من لطيف) روحاني (وكثيف) جسمانی بیان الجزء ولو جعل بيانا لما تعلم فيه مصلحتي.
فاللطيف هو الأغذية الروحانية كالعلوم والمعارف والكثيف هو الأغذية الجسمانية كالأطعمة والأشربة.
ولما فرغ من هذه التقسيمات أشار إلى تقسيم آخر باعتبار السائلين
فقال : (والسائلون) بالقول : الذين ليسوا من أهل الحضور ومراقبة الأوقات، وإنما قيدنا بذلك لئلا يرد على السائل لمحض امتثال الأمر كما سيجيء.
فهؤلاء السائلون (صنفان صنف بعثه على السؤال الاستعجال الطبيعي فإن الإنسان خلق عجولا) فهو إما أن يوافقه الاستعداد الحالي فيقع، وإما أن لا برافقه فلا يتع.
(والصنف الآخر بعثه على السؤال) علمه (لما علم) بتشديد اللام وحينئذ يكون قوله : بعثه جوابا له بحسب المعنى في حكم المتأخر عنه فيصح إضمار الفاعل فيه وإرجاعه إلى العلم المفهوم من علم.
ويكون تقدير الكلام: والصنف الآخر لما علم أن ثمة عند الله أمورة كذا بعثه علمه على سؤال، فلما مع جوابه خبر المبتدأ .
وقيل : يحتمل أن يكون بكسر اللام على أنه للتعليل، أي بعثه علمه على السؤال لم علم (أن ثمة أمورا) وفيه إضمار قبل الذكر.
قوله : (عند الله) بدل من ثمة ، أي لما علم أن عند الله أمورة (قد سبق العلم) الإلهي بأنها، أي تلك الأمور (لا تنال إلا بعد سؤال) .
فولی: (فيقول) هذا الصنف (فلعل ما نسأله) على غير المنصوب.
إما للموصول وإما للحق ويدل عليه إردافه بقوله (سبحانه) في كثير من النسخ. وضمير الموصوف محذوف أو ما مصدرية (يكون من هذا القبيل)، أي من قبيل ما لا ينال إلا بعد السؤال.
(فسؤاله احتياط لما هو) ضمير مبهم يفسره قوله: (الأمر)، أي المسؤول .
وضمير (عليه) للموصول و(من الإمكان) بيان للموصول، أي سؤاله احتیاط الإمكان أن يكون المسؤول مما لا ينال إلا بعد سؤال.
(وهو) من علم إجمالا أن عند الله
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
يعطيه استعداده في القبول، لأنه من أغمض المعلومات الوقوف في كل زمان فرد على استعداد الشخص في ذلك الزمان.
و لو لا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل.
فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا أن يعلموه في الزمان الذي يكونون فيه، فإنهم لحضورهم يعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان و أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد.
و هم صنفان: صنف يعلمون من قبولهم استعدادهم، و صنف يعلمون من
شرح الجامي :
أمورا لا تنال إلا بعد سؤال (لا يعلم) تفصيلا (ما) عين (في علم الله) له من تلك الأمور المسؤولة ومن أوقات حصولها (ولا) بعلم أيضا (ما يعطيه) ويقتضيه من المسؤولات (استعداده في القبول).
أي في قبول تلك الأمور، أي لا يعلم مقتضی استعداده في قبولها بأنه، أي أمر من الأمور يقتضي وفي أي زمان يقتضي (لأنه) هذا بحسب الظاهر تعليل للدعوى الثانية .
لكنه لما كان العلم بما يعطيه الاستعداد و هو من جملة ما في علم الله متعذرة يلزم منه تعذير العلم بما في علم الله (من أغمض المعلومات)، أي من أغمض العلم بالمعلومات، ومن العلم بأغمض المعلومات.
(الوقوف في كل زمان فرد)، أي معين (على استعداد الشخص في ذلك الزمان الفرد)، أي في كل زمان فرد بأن يكون واقفا في كل زمان على ما تحرى عليه في جميع الأزمنة.
وذلك لا يتيسر للسائل احتياطا وإلا لم يكن الأمر مبهما عنده بل هو من خواص الكمل الندر من أهل الله ، وذلك السائل المحتاط وإن كان لا يعلم ما في علم الله ولا ما يعطيه استعداده إنما يسأل الإعطاء لإعطاء استعداده السؤال.
(ولولا ما أعطاه الاستعداد للسؤال ما سأل) ولكن لم يكن له علم بذلك الاستعداد قبل السؤال كسائر المسؤولات.
فحكم السؤال معه حكم سائر المسؤولات ما في قوله ما أعطاه مصدرية ، أي لولا ما أعطاه الاستعداد السؤال ما سأل .
(فغاية أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا)، أي مثل العلم الذي يحصل للكمل الندر.
بما في علم الله وبما يعطيه الاستعداد في جميع الأزمنة والأوقات على أن يكون مفعولا مطلقا.
ومثل ما في علم الله وما يعطيه الاستعداد فيكون مفعولا به ويكون لفظ المثل مقحمة (أن يعلموه في الزمان الذي يكون فيه) ويرد عليهم فيه ما يعطيهم الحق (فإنهم الحضورهم) مع ما يرد في كل زمان و مراقبتهم ذلك الزمان.
(یعلمون ما أعطاهم الحق في ذلك الزمان) الذين هم فيه (و) يعلمون أيضا (أنهم ما قبلوه إلا بالاستعداد) لما أعطاهم (وهم)، أي أهل الحضور الذين يعلمون ما أعطاهم الحق في الزمان الذي يكون فيه.
(صنفان صنف يعلمون من قبولهم) لما أعطاهم (استعدادهم) له فإنهم إذا وقفوا على ما أعطاهم الحق رجعوا إلى أنفسهم فوجدوا فيها استعداده الخاص و عرفوه حق المعرفة لأنهم يعلمون
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
استعدادهم ما يقبلونه.
هذا أتم ما يكون في معرفة الاستعداد في هذا الصنف. و من هذا الصنف من يسأل لا للاستعجال و لا للإمكان، وإنما يسأل امتثالا لأمر الله في
قوله تعالى: «ادعوني أستجب لكم».
فهو العبد المحض، و ليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما سأل فيه من معين أو غير معين، و إنما همته في امتثال أوامر سيده.
فإذا اقتضى الحال السؤال سأل عبودية و إذا اقتضى التفويض و السكوت سكت فقد ابتلي أيوب عليه السلام و غيره و ما سألوا رفع ما ابتلاهم الله تعالى به،
ثم اقتضى لهم الحال في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك فرفعه الله عنهم.
و التعجيل بالمسئول فيه
شرح الجامي :
أن لهم أستعداد ما لذلك.
فإن أهل الحضور وغيرهم في هذا العلم سواء (وصنف يعلمون من معرفة خصوص استعدادهم ما يقبلون) العطايا فإنهم إذا علموا حصول كمال استعدادهم الخاص لأمر ما حصل نهم يحصل من ذلك الأمر والتيقن بوجوده.
(هذا)، أي كون العلم بالاستعداد سابقا على العلم بما يقبلون (أتم ما يكون)، أي أكمل ما يكون (في معرفة الاستعداد في هذا الصنف).
أي أهل الحضور الذين لا يعلمون مثل هذا فإنه بمنزلة الاستدلال من المؤثر الى الأثر أو بمنزلة الاستدلال من الأثر إلى المؤثر (ومن هذا الصنف)، أي أهل الحضور المذكورين أو من الصنف الثاني منهم.وهو من يعلم من استعداده القبول.
فإن الصنف الأول لا سؤال له, فإن بعد العلم بقبوله المسؤول لا معقولية للسؤال (من يسأل لا للاستعجال) الطبيعي .
فإنه لا حكم للطبيعة على أهل الحضور (ولا للإمكان)، لأنه على يقين في حصول السؤال في الزمان الذي هو فيه وإنما يسأل امتثالا لأمر الله .
في قوله تعالى: "أدعوني أستجب لكم " (فهو العبد المحض) لله سبحانه ليس فيه شوب ربوبية ولا شائبة رقيه الأمر سواه.
(وليس لهذا الداعي همة متعلقة فيما يسأل فيه من) مسؤول (معين أو غير معين وإنما همته مصروفة في امتثال أوامر سيده) غير متجاوزة إلى مطلوب غيره.
فإنه لا مطلوب له سواه، ولا يطلب في الدارين إلا إياه .
(فإذا اقتضى الحال السؤال) اللفظي (سال عبودية وإذا اقتضى التفويض)، أوكله الأمر إليه سبحانه.
(والسكوت) عن السؤال (سكت) عنه (فقد ابتلي أيوب عليه السلام وغيره) من الأنبياء والأولياء (وما سألوا رفع ما ابتلاهم الله به) أولا  (ثم اقتضى لهم الحال) ثانيا .
(في زمان آخر أن يسألوا رفع ذلك)، أي رفع ما ابتلاهم به (فسألوا رفعه فرفعه الله عنهم والتعجيل بالمسؤول فيه)، أي الشيء الذي وقع السؤال في شأنه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و الإبطاء للقَدَرِ المعين له عند اللَّه.
فإِذا وافق السؤالُ الوقتَ أسرع بالإجابة، و إِذا تأخر الوقت إِما في الدنيا و إِما إِلى الآخرة تأخرت الإجابة: أي المسئول فيه لا الإجابة التي هي لبَّيك من اللَّه فافهم هذا.
و أما القسم الثاني و هو قولنا: «و منها ما لا يكون عن سؤال» فالذي لا يكون عن سؤال فإِنما أُريد بالسؤال التلفظ به، فإِنه في نفس الأمر لا بد من سؤال إِما باللفظ أو بالحال أو بالاستعداد.
كما أنه لا يصح حمد مطلق قط إِلا في اللفظ، و أما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال.
فالذي يبعثك على حمد اللَّه هو المقيِّد لك باسمِ فِعْلٍ أو باسم تنزيه.
شرح الجامي :
(والابطاء) إنما هو (للقدر المعين له).
أي تئوقت المقدر المعين المسؤول فيه (عند الله) لا دخل لدعاء العبد ربه أصلا (فإذا وافق السؤال)، أي وقته (الوقت) المقدر عند الله للإجابة بإعطاء السؤال فيه بأن يكون واحدة (أسرع) الله (سبحانه بالإجابة إذا تأخر الوقت).
أي حصل الوقت المقدر للإجابة متأخرة عن وقت السؤال (إما في الدنيا) كما إذا حصل الأمر المسؤول فيه في الدنيا (وإما في الآخرة) كما إذا حصل الأمر فيه في الآخرة.
(تأخرت الإجابة أي المسؤول فيه) يعين إجابة (لا الإجابة التي هي لبيك من الله سبحانه).
فإنها لا تتأخر عن السؤال لما جاء في الخبر الصحيح:
"إذا أحب الله عبدا أو أراد أن يصافيه؛ صب عليه البلاء صبا، وثجه عليه ثجا،
فإذا دعا العبد قال: يا رباه!
قال الله: لبيك عبدي، لا تسألني شيئا إلا أعطيتك، إما أن أعجله لك، وإما أن أدخره لك".أورده المنذري في الترغيب والترهيب
وما بين الإجابتين من الالتباس، أردفه بقوله: (فافهم).
وأما القسم الثاني من التقسيم الثالث للعطايا وهو قولنا: (ومنها ما لا يكون عن سؤال فإنما أريد بالسؤال اللفظ به)، أي السؤال اللفظي لا السؤال مطلقا (فإنه في نفس الأمر لا بد) في حصول المسؤول (من سؤال إما باللفظ) كما إذا قال : اللهم أعطني عطية أو مقيدة كما قال : اللهم أعطني علما نافعا.
(أو بالحال أو الاستعداد) ولا بد أن يكون السؤال الواقع بلسانهما مقيدة، فإن لسان الحالي أو الاستعداد لا يسأل إلا مقيدة لعدم اقتضاء الحال المعين أو الاستعداد إلا أمر معينة فلا يصح سؤال عطاء معلقة إلا في اللفظ .
وأما في نفس الأمر فلا بد أن يقيده الحالي أو الاستعداد (كما أنه لا يصح حمد مطلق إلا في اللفظ وأما في المعنى فلا بد أن يقيده الحال فالذي يبعثك على حمد الله سبحانه هو القيد لك باسم فعل) كما إذا كنت مريضة مثلا ويشفيك الله تعالى، فقلت:
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و الاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه و يشعر بالحال لأنه يعلم الباعث و هو الحال.
فالاستعداد أخفى سؤال.
و إِنما يمنع هؤلاء من السؤال علمهم بأن اللَّه فيهم سابقة قضاء.
فهم قد هيَّئوا مَحَلّهم لقبول ما يرد منه و قد غابوا عن نفوسهم و أغراضهم.
و من هؤلاء من يعلم أنّ علم اللَّه به في جميع أحواله هو ما كان عليه في حال ثبوت عينه قبل وجودها، و يعلم أن الحق لا يعطيه إِلا ما أعطاه عينه من العلم به و هو ما كان عليه
شرح الجامي :
الحمد لله، نحمدك وإن وقع على اسم الله المطلق.
لكن حالك الذي هو الشفاء بعد المرض يفيد حمدك بالاسم الشافي.
فكأنك قلت : الحمد للشافي (أو باسم تنزيه) كما إذا تجلى عليك الحق سبحانه بالأسماء التنزيهية ، فتنزه من الشرك عن ملاحظة الأغيار.
فقلت : الحمد لله نحمدك وإن وقع على الله لكن حالك يقيده بالأسماء التنزيهية التي بها وقع النجلي عليك (والاستعداد من العبد لا يشعر به صاحبه).
إلا إذا كان من الكمل لكونه موقوفا على العلم بعينه الثابتة وأحوالها وهو أصعب الأمور وأعزها لا يظفر به إلا الندر من الكامل.
(ويشعر بالحال) صاحبه (فإنه يعلم الباعث) له على الطلب (وهو)، أي الباعث هو (الحال فإن الاستعداد أخفى سؤال) بالنسبة إلى اللفظي والحالي.
(وإنما يمنع هؤلاء) السائلين بلسان الحال والاستعداد (من السؤال) اللفظي (علمهم بأن الله سبحانه فيهم)، أي في شأنهم.
(سابقة قضاء)، أي قضاء سابقا على حال الطلب بل على وجودهم بوقوع ما قدر لهم وعليهم بلا تخلف فاستراحوا من تعب الطلب (فهم قد هيئوا محلهم)
بتطهيره عن درن التعلقات الفانية أو تحليته عن الانتقاش بالصور الكونية وتفريغه عن شواغل السؤال والدعاء (لقبول ما يرد عليه).
أي على ذلك المحل من الواردات والتجليات والحال أنهم (قد غابوا عن) حظوظ (نفوسهم وأغراضهم) في هذه الهيئة بل فعلوها ترقيقة عشقية تقتضي إعراضهم عن الأعراض النفسية والتوجه إليه بالكلية.
(ومن هؤلاء) الذين منعهم عن السؤال عليهم بسابق قضاء الله وقدره بجميع ما يجري عليهم (من بعلم) من عباد الله (أن علم الله به في جميع أحواله) بل متعلق علمه بالعبد.
(هو ما كان) العبد (عليه) من الأحوال (في حال ثبوت عينه) في مرتبة العلم (قبل وجودها).
أي وجود عينه الثابتة في مرتبة العين وحاصله أن علمه سبحانه تابع لعينه الثابتة التي هي المعلوم.
(ويعلم) أيضا ذلك العبد (ان الحق لا يعطيه إلا ما أعطاه)، أي إلا مقتضى من أعطاه.
أي الحق سبحانه و ضمير الموصرف محذوف، أو الضمير عائد إلى الموصول والمفعول الأول.
أي الحق محذوف (عينه) فاعل أعلاه (من العلم به)، أي بالعبد بيان للموصول (وهو)، أي العلم به بل متعلق ذلك العلم (ما كان) العبد (عليه) من الأحوال
(في حال ثبوته) في مرتبة العلم قبل خروجه إلى العين.
(فيعلم) أن (علم الله به) وبأحواله الجارية عليه إلى الأبد (من أين حصل).
أي من عينه الثابتة وأن كل ما يجري عليه إنما
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
في حال ثبوته، فيعلم علم الله به من أين حصل.
و ما ثم صنف من أهل الله أعلى و أكشف من هذا الصنف، فهم الواقفون على سر القدر و هم على قسمين:
منهم من يعلم ذلك مجملا، و منهم من يعلمه مفصلا، و الذي يعلمه مفصلا أعلى و أتم من الذي يعلمه مجملا، فإنه يعلم ما في علم الله فيه إما بإعلام الله إياه بما أعطاه عينه من العلم به، و إما أن يكشف له عن عينه الثابتة و انتقالات الأحوال عليها إلى ما لا يتناهى وهو أعلى:
فإنه يكون في علمه بنفسه بمنزلة علم الله به لأن الأخذ من معدن
شرح الجامي :
هو بمقتضى عينه الثابتة وطلبها إياه بلسان الاستعداد والمطلوب بلسان الاستعداد يعطيه الله الجواد المطلق سبحانه لا محالة .
فلا يحتاجون إلى السؤال اللفظي أصلا (وما ثم صنف من أهل الله أعلى) علما (وأكشف) للأمور على ما هي عليه (من هذا الصنف إنهم الواقفون على سير القدر وهم على قسمين منهم من يعلم ذلك).
أي سر القدر (مجملا ومنهم من يعلمه مفصلا والذي بعلمه مفصلا أعلى) كشفا (وأتم) معرفة من الذي يعلمه مجملا .
(فإنه)، أي الذي يعلمه مفصلا (يعلم ما تعين في علم الله فيه)، أي في شأنه من أحوال عينه الثابتة على سبيل التفصيل بخلاف من يعلمه مجملا، وذلك العلم التفصيلي (إما بإعلام الله إياه)، أي الذي يعلمه مفصلا (بما أعطاه عنه من العلم به) بأن يلقى في قلبه بواسطة أو بغير واسطة أن عينه الثابتة تقتضي هذه الأحوال العينية من غير أن يطلعه على عينه كشفة.
(وإما بأن يكشف له)، أي لأجله الحجاب (عن عينه الثابتة وعن انتقالات الأحوال عليها)، أي عن الأحوال المنتقلة عليها ذاهبة (إلى ما لا يتناهى) فيشاهدها ويطلع عليها وعلى أحوالها التي يلحقها في كل حين.
نقل الشيخ مؤید الجندي في شرحه لهذا الكتاب عن شيخه الكامل صدر الدين أبي المعالي محمد بن إسحاق القونوي عن شيخه الأكمل محيي الدين بن العربي قدس الله أسرارهم أنه قال :
لما وصلت إلى بحر الروم من بلاد الأندلس عزمت على نفسي أن لا أرى البحر إلا بعد أن أشهد تفاصيل أحوالي الظاهرة والباطنة الوجودية مما قدر الله سبحانه علي وإلى متى إلى آخر عمري.
فتوجهت إلى الله تعالى بحضور تام وشهود عام ومراقبة كاملة .
فأشهدني الله جميع أحوالي مما يجري ظاهرا أو باطنا إلى آخر عمري حتى صحبة ابنك إسحاق بن محمد و صحبتك وأحوالك وعلومك وأذواقك و مقاماتك وتجلياتك و مكاشفاتك وجميع حظوظك من الله.
ثم ركبت البحر على بصيرة ويمين وكان ما كان ويكون من غير خلال واختلال (وهو)، أي الذي يكشف له عن عينه الثابتة (أعلا) رتبة (فإنه)، أي الذي يكشف له عن عينه (يكون في علمه بنفسه)، وأحوال بينة (بمنزلة علم الله به).
أي بمنزلة الله في علمه به (لأن الأخذ)، أي أخذ العلم لكل منهما (من معدن
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
واحد  هو العين المعلومة.
إلا أنه من جهة العبد عناية من الله سبقت له هي من جملة أحوال عينه يعرفها صاحب هذا الكشف إذا أطلعه الله على ذلك.
أي أحوال عينه، فإنه ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود عليها أن يطلع في هذه الحال على اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها لأنها نسب ذاتية لا صورة لها.
فبهذا القدر نقول إن العناية الإلهية سبقت لهذا العبد بهذه المساواة في إفادة العلم.
شرح الجامي :
(واحد) وهو العين الثابتة فكما يتعلق علم الله بعينه الثابتة فيعلم أحوالها به كذلك يتعلق علم هذا الكامل بها وعلم أحوالها به فلا فرق بين العالمين.
(إلا أنه)، أي العلم بالعين الثابتة أو أخذ العلم منها (من جهة العبد عنابة من الله سبحانه سبقت له)، أي للعبد قبل وجوده.
(هي)، أي هذه العناية (من جملة أحوال عينه) الثابتة التي تقتضي جریان تلك الأحوال عليها فحبيت اقتضت تعلق العناية بها تعلقت.
(يعرفها)، أي تلك العناية السابقة وكونها من أحوال عينه (صاحب الكشف إذا أطلعه الله على ذلك)، أي على المذكور من أحوال عينه، فإنه إذا اطلع عليها باطلاع الحق سبحانه عرف تلك العناية التي من جملتها .
وإنما قلنا: العلم بالعين الثابتة من جانب العبد مسبوق بعناية من الله سبحانه (فإنه) الضمير للشأن (ليس في وسع المخلوق إذا أطلعه الله)، أي أراد اطلاعه على أحوال عينه الثابتة التي تقع صورة الوجود العيني لهذا المخلوق (عليها).
أي على تلك الأحوال (أن يطلع في هذه) الأحوال اطلاع راقية (على) طريقة (اطلاع الحق على هذه الأعيان الثابتة في حال عدمها) علما و عينة .
فقوله : على هذه الأعيان الثابتة يحتمل أن يكون متعلق بقوله : يطلع.
وبالاطلاع أيضا يمكن أن يقال : المراد باطلاع الحق ما يطلع عليه الحق من هذه الأعيان وحينئذ لفظة على الأولى متعلقة بيطلع والثانية بالاطلاع .
وإنما قلنا: ليس في وسع المخلوق اطلاع مثل اطلاع الحق (لأنها) أي تلك الأعيان يعني الحقائق التي تلك الأعيان صورة معلوميتها (نسب ذاتية) وشؤون عينية مستجنة في عين الذات قبل العلم بها.
(لا صورة لها) تتميز بها لا في العلم ولا في العين ليصح تعتق علم المخلوق بها.
فإذا تعلق علم الحق سبحانه بها وحصل لها تمیز وتعين في العلم صح تعلق علم المخلوق بها .
علما مفيدة للعلم بأحوالها مساوية لعلم الحق سبحانه في تنك الإفادة (فبهذا القدر) من سبق علم الحق بالأعيان على علم العبد بها.
(نقول إن العناية) من الحق سبحانه (سبقت لهذا العبد بهذه المساوات)، أي بمساراته للحق والباء متعلقة بالعناية (في إفادة العلم)، أي إفادة العلم بالأعيان الثابتة العلم بأحوالها الجارية
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و من هنا يقول الله تعالى: « حَتَّى نَعْلَمَ »آية 31 سورة محمد .
و هي كلمة محققة المعنى ما هي كما يتوهمه من ليس له هذا المشرب.
شرح الجامي :
عليها في وجوده العيني إلى ما لا يتناهى وتحقيق ذلك أن للحق سبحانه بالنسبة إلى العبد عنایتین.
أحدهما : بحسب فيضه الأقدس ، وهي تقتضي تعين عينه الثابتة في مرتبة العلم بحيث يصلح لأن يتعلق به علم المخلوق و استعدادها الكلي لفيضان الوجود عليها ، وأحدهما بحسب فيضه المقدس وهي تقتضي فيضان الوجود عليها في العين واستعداداتها الجزئية ليترتب عليها أحوالها التي من جملتها صلاحية انكشاف عينة الثابتة وأحوالها عليه.
ولا شك أنه إذا كاشف العبد بعينه الثابتة وعلم بهذا الكشف أحوالها أنه يأخذ العلم بتلك الأحوال من عينه الثابتة .
كما يأخذ الحق سبحانه عنها نكن أخذه منها من رزق بهاتين العنايتين من جانب الحق سبحانه وإلى العناية الأولى أشار الشيخ رضي الله عنه .
واعلم أنه قد وقع في مواضع من القرآن ما يوهم أن علمه سبحانه ببعض الأشياء حادث كقوله سبحانه : " وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ "آية 31 سورة محمد .
وقوله تعالى : " ثم بعثهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" آية 12 سورة الكهف.
وأمثال ذلك والتقصي عن هذه الأشكال، إما بما ذهب إليه المتكلمون من أن علمه سبحانه قدیم وتعلقه حادث .
فمعنى قوله : "حتى نعلم" حتى يتعلق علمنا القديم بالمجاهدين منكم والصابرين.
وإما بأن المراد بالعلم الشهود فإن الأشياء قبل وجودها العيني معلومة للحق سبحانه وبعده مشهودة له فالشهود خصوص نسبة العلم.
فإنه قد يلحق العلم بواسطة وجود متعلقه نسبة باعتبارها نسميه شهود و حضورا لا أنه حدث هناك علم.
فمعنى حتی نعلم حتى نشاهد، وإما بأن يقال المسند إليه في قوله: نعلم ليس هو الحق باعتبار مرتبة الجمع بل باعتبار مرتبة الفرق .
فكأنه يقول : حتى نعلم من حيث ظهورنا في المظاهر الكونية الخلفية فتكون الخلقية وقاية له عن نسبة الحدوث إليه .
وإما بان يقال : المراد بالتأخر المفهوم من كلمة حتى التأخر الذاتي لا الزماني حتى يلزم الحدوث الزماني وحيث انجر الكلام ههنا إلى أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها بالذات.
أشار الشيخ رضي الله عنه إلى أن هذا التأخر هو المصحح لما جاء في القرآن
فقال :(ومن هنا)، أي من جهة أن علم الحق سبحانه بأحوال العبد مأخوذ من عينه الثابتة متأخر عنها (يقول الله) سبحانه : ("حتى نعلم" وهي):
أي قوله : حتى نعلم (كلمة محققة المعنی)، أي معناه الذي هو تأخر العلم وحدوثه أمر محقق واقع.
أو معنى حقيقي لا مجازي فإن ذلك التأخر والحدوث هو الذاتي لا الزماني (ما هي)، أي هذه الكلمة لغير هذا المعنى المحقق أو الحقيقي (كما يتوهمه).
أي كمعنى يتوهمه (من ليس له هذا المشرب) من المتكلمين وهو أن هذا التأخر والحدوث إنما هو لنسبة تعلق العلم إلى
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و غاية المنزه أن يجعل ذلك الحدوث في العلم للتعلق ، و هو أعلى وجه يكون للمتكلم بعقله في هذه المسألة، لو لا أنه أثبت العلم زائدا على الذات فجعل التعلق له لا للذات.
و بهذا انفصل عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف و الوجود.
شرح الجامي :
المعلوم لا نفس العلم ولا فساد في تغير النسب وتجددها بالنسبة إلى ذات الحق و صفاتها .
وإلى هذا أشار رضي الله عنه بقوله : (وغاية) المتكلم (المنزه) للحق سبحانه تعقله عن سمات الحدوث والنقصان (أن يجعل ذلك الحدوث) الزماني المتوهم من ظاهر مفهوم هذه الكلمة (في العلم للتعلق) لا لنفس العلم.
فقال : العلم أزلي وتعلقه بالأشياء حادثة حدوث زمانية (وهو)، أي جعل الحدوث للتعلق لا للعلم (أعلا وجه يكون للمتكلم) .
المنصرف (بعقله في هذه المسألة لولا أنه)، أي المتكلم (أثبت العلم زائدا) في الوجود الخارجي (على الذات) لا عينها (فجعل التعلق له)، أي العلم (لا للذات).
إذ لو لم يكن العلم عین الذات لا معنى لتعلق الذات بالمعلومات لا لأنه يلزم أن تكون الذات محل الحوادث، لأن تجدد النسب لا نستلزمه كما عرفت .
فقوله : وهو على وجه جواب لولا قدم عليه ، ويحتمل أن يكون جوابه مقدرة هكذا لولا أنه أثبت العلم زائدة على الذات.
فجعل التعلق له لا للذات لكان كلامه قريبا من التحقق (وبهذا)، أي بإثبات العلم زائد على الذات وجعل التعلق حادثا بالحدوث الزماني.
(انفصل) المتكلم (عن المحقق من أهل الله صاحب الكشف والوجود) الذي انكشف له الحقائق كما هي عليه وجدها بحسب ذوقه ووجدانه من غير نظر فكري.
فإن هذا المحقق لا يثبت العلم زائدة على الذات إلا في العقل ويجعله بحسب الخارج عن الذات ويقول حدوث التعلق بذلك الحدوث الذاتي لا الزماني مبالغة في التنزيه.
فإنهم لو جعلوا الحدوث زمانية لا فساد فيه أيضا إذ لا يلزم التجدد إلا في النسبة فإن قيل : إذا كان العلم من قوله : "حتى نعلم " ولنعلم مرتبا على حادث زماني كالفعل المفهوم من قوله : "ولنبلونكم" و"ثم بعثناكم " آية 56 سورة البقرة.
كيف يصح الحكم بأن حدوثه ذاتي لا زمانی .
قلنا: من جعل العلم المرتب حادثة ذاتية لا زمانية لا بد له أن يجعل العقل الذي يترتب عليه العلم أيضا كذلك نقول مثلا قوله : "ولنبلونكم" .
معناه : ولنبلونكم أيها النسب الذاتية والشؤون الغيبية المستجنة في غيب الذات بإظهار كم في المرتبة العلمية .
حتى نعلم بسبب العلم بكم في هذه المرتبة ما يجري عليكم بحسب الخارج من المجاهدة والصبر فنعلم المجاهدين منكم والصابرين.
وقوله : ثم بعثناهم
معناه : بعثناه من مرتبة الاستحسان في غيب الذات إلى مرتبة التميز العلمي ليعلم بذلك التمييز ما يجري عليكم من الأحوال التي من حملها أحصى مدة اللبث.
على أنه لا يلزم إذا حمل بعض الآية على معنى إشاري أن يجري ذلك المعنى في البعض الآخر منها.
إذ كثيرا ما يشير أهل الإشارة في أنه إلى معنى لا يساعد عليه تمام الآية.
فإن قيل : ما ذكرتم من بعض بطون الآية وهؤلاء المحققون لا


متن نص فصوص الحكم :
ثم نرجع إلى الأعطيات فنقول: إن الأعطيات إما ذاتية أو أسمائية.
فأما المنح و الهبات و العطايا الذاتية فلا تكون أبدا إلا عن تجل إلهي.
و التجلي من الذات لا يكون أبدا إلا بصورة استعداد المتجلي له و غير ذلك لا يكون.
فإذن المتجلي له ما رأى سوى صورته في مرآة الحق، و ما رأى الحق و لا يمكن أن يراه مع علمه أنه ما رأى صورته إلا فيه:[/
......................................................

متن نص فصوص الحكم :
و هذا هو أعلى عالم بالله.
و ليس هذا العلم إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء، و ما يراه أحد من الأنبياء و الرسل إلا من مشكاة الرسول الخاتم، ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم، حتى أن الرسل لا يرونه متى رأوه إلا من مشكاة خاتم الأولياء: فإن الرسالة و النبوة- أعني نبوة التشريع، ورسالته تنقطعان، والولاية لا تنقطع أبدا.
فالمرسلون، من كونهم أولياء، لا يرون ما ذكرناه إلا من مشكاة خاتم الأولياء ، فكيف من دونهم من الأولياء؟
و إن كان خاتم الأولياء تابعا في الحكم لما جاء به خاتم الرسل
شرح الجامي :
الذي أعطاه العلم السكوت (هو أعلى عالم بالله) و مراتب تجلياته والتمييز بينها.
وليس هذا العلم الذي يعطي صاحبه السكوت بالأصالة (إلا لخاتم الرسل وخاتم الأولياء وما يراه)، أي يرى هذا العلم والشهود وما يأخذه.
(أحد من الأنبياء والرسل) من حيث أنهم أولياء لا من حيث أنهم أنبياء ورسل، فإن هذا العلم ليس من حقائق النبوة إلا من مشكوة الرسول الخاتم من حيث ولايته (ولا يراه أحد من الأولياء إلا من مشكاة الولي الخاتم) التي هي جهة باطنية الرسول والخاتم .
(حتى أن الرسل) أيضا من حيث أنهم أولياء (لا يرونه متى رأوه إلا من مشكوة خاتم الأولياء) التي هي مشكوة ولاية الرسول الخاتم.
وإلا لم يصح كلا الحصرین معا حصر رؤية المرسلين أولا في مشكوة خاتم الأنبياء وحصرها ثانية في مشكاة خاتم الأولياء فمشكاة خاتم الأنبياء في الولاية الخاصة المحمدية وهي بعينها مشكوة خاتم الأولياء، لأنه قائم لمظهريتها وإنما أسند هذه الرؤية إلى مشكاة خاتم الأولياء.
(فإن الرسالة والنبوة) اللتين هما جهة ظاهرية الرسول الخاتم (أعني نبوة التشريع ورسالته) التي هي تبليغ الأحكام المتعلقة بحوادث الأكوان لا نبوة التحقيق التي هي جهة باطنية .
وهي الإنباء عن الحق وأسمائه وصفاته وأسرار الملكوت والجبروت وعجائب الغيب.
(ينقطعان) بانقطاع موطن التكليف بل بانقطاع الرسول الخاتم عن هذا الموطن فكيف يستند إليه ما لا ينقطع.
(والولاية لا تنقطع أبدأ)، فإنها من الجهة تلي الحق سبحانه وهي باقية دائمة ابدا سرمدا وأكمل مظاهرها خاتم الأولياء فلهذا أسندت الرؤية المشار إليها إليه .
ولا يخفى عليك أنه لو فرض عدم انقطاع النبوة لا يصح إسناد هذا العلم إليها أصلا فإنه من حقائق الولاية لا النبؤة .
فالمرسلون من كونهم أولياء لا يرون ما ذكرناه من العلم الذي يعطى صاحبه السكوت (إلا من مشكوة خاتم الأولياء فكيف من دونهم من الأولياء وإن كان خاتم الأولياء) بحسب نشأته العنصرية (تابعة في الحكم) الإلهي (لما جاء به خاتم الرسل من
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
من التشريع، فذلك لا يقدح في مقامه و لا يناقض ما ذهبنا إليه، فإنه من وجه يكون أنزل كما أنه من وجه يكون أعلى.
و قد ظهر في ظاهر شرعنا ما يؤيد ما ذهبنا إليه في فضل عمر في أسارى بدر بالحكم فيهم، و في تأبير النخل.
فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم في كل شي ء و في كل مرتبة، و إنما نظر الرجال إلى التقدم في رتبة العلم بالله: هنالك مطلبهم.
و أما حوادث الأكوان فلا تعلق لخواطرهم بها، فتحقق ما ذكرناه.
و لما مثل النبي صلى الله عليه وسلم النبوة بالحائط من اللبن
شرح الجامي :
التشريع فذلك)، أي كونه تابعا بحسب نشأته العنصرية (لا يقدح في مقامه) الذي يقتضي المتبوعية بحسب حقیقته (ولا يناقض ما ذهبنا إليه) من أن المرسلين لا يرون هذا العلم إلا من مشكوة خاتم الأولياء.
(فإنه من وجه) وهو كونه وليا تابعا بحسب نشأته العنصرية (يكون أنزل) مرتبة من الرسول الخاتم من حيث رسالته (كما أنه من وجه) وهو كونه جهة باطنية الرسول الخاتم باعتبار حقيقته (يكون أعلا) مقاما منه بحسب نبوته وظاهر شرعه
(وقد ظهر في ظاهر شرعه ما يزيد ما ذهبنا إليه) .
من أن الفاضل يجوز أن يكون مفضولا من وجه (في فضل عمر) على أبي بكر رضي الله عنهما (في أسارى بدر بالحكم فيهم) حيث رأى فيهم أبو بكر أن تؤخذ منهم الفدية ويطلقهم ورأى فيهم عمر ضرب الرقاب .
فأنزل الله الآية الكريمة موافقة لرأي عمر (و) قد ظهر في (تأبير النخل) أيضا حيث منع رسول الله صلى الله عليه وسلم عاما من تأبير النخل فما أبر.
فقال صلى الله عليه وسلم : أنتم أعلم بمصالح دنياكم (فما يلزم الكامل أن يكون له التقدم) على غير الكامل (في كل شيء وفي كل مرتبة إنما نظر الرجال إلى التقدم في مرتبة العلم بالله) سبحانه لا فيما عداه.
فإنه (هنالك)، أي في مرتبة العلم بالله يتحقق (مطلبهم) الذي به يعرف تقدمهم وتأخرهم.
(وأما حوادث الأكوان) كتأبير النخل وأمثاله (فلا تعلق لخواطرهم بها) لذاتها بالنسبة إلى هممهم العالية فلو كانوا فيها أنزل درجة مما عداهم.
فلا يقدح ذلك في كمالهم (فتحقق ما قلناه) من علوم مرتبة خاتم الأنبياء في العلم بالله بحسب حقیقته .
وأنه لا يقدح فيه نزول مرتبته عن الرسول الخاتم بحسب نشأته العنصرية حيث يكون تابعة له من حيث نبوته.
فإن قيل : متبوعية خاتم الأولياء لخاتم الأنبياء في حقائق الولاية تقدم في رتب العلم بالله لا في العلم بحوادث الأكوان .
فكيف يصح ما ادعاه الشيخ رضي الله عنه من متبوعية خاتم الأولياء لخاتم الأنبياء فإن خاتم الأنبياء مقدم الكل في رتب العلم بالله.
قلنا: هي في الحقيقة عبارة عن متبوعية حقيقة ولايته المطلقة لولايته المشخصة بعد نشأته العنصرية وإن شئت تحقق ذلك
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و قد كمل سوى موضع لبنة، فكان صلى الله عليه و سلم تلك اللبنة.
غير أنه صلى الله عليه و سلم لا يراها كما قال لبنة واحدة.
و أما خاتم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا، فيرى ما مثله به رسول الله صلى الله عليه و سلم،
شرح الجامي :
فاستمع لما يتلى عليك.
اعلم أن الحقيقة المحمدية مشتملة على حقائق النبوة والولاية كلها، فأحدية جمع حقائق النبوة ظاهرها و أحدية جمع حقائق الولاية باطنها.
فالأنبياء من حيث أنهم أنبياء مستمدون من مشكوة نبوته الظاهرة ومن حيث أنهم أولياء مستمدون من مشكوة ولايته الباطنة .
وكذا الأولياء التابعون يستمدون من مشكوة ولايته، فالأولياء والأنبياء كلهم مظاهر لحقيقته، الأنبياء لظاهر نبوته والأولياء لباطن ولايته، وخاتم الأولياء مظهر أحدية جمعه لحقائق ولايته الباطنة فالاستمداد من مشكوة خاتم الأولياء بالحقيقة هو استمداد من مشكاة خاتم الأنبياء.
فإن مشكاته بعض من مشكاته فلا استمداد في الحقيقة إلا من مشكاة خاتم الأنبياء، فإنما أضيف الاستمداد إلى خاتم الأولياء باعتبار حقيقته التي هي بعض من حقيقة خاتم الأنبياء.
ومعني استمداد خاتم الأنبياء منه بحسب ولابنه استمداده بحسب النشأة العنصرية من حقيقة هي بعض من حقيقته وذلك الولي الخاتم مظهره فهذا بالحقيقة استمداد من نفسه لا من غيره والله أعلم بالحقائق.
(ولما مثل النبي ل النبوة بالحائط من اللبن)، لأن النبوة صورة الإحاطة الإلهية بالأوضاع الشرعية والأحكام الفرعية والحكم والأسرار، والبينة الوضعية قد وضعها الله على ألسنة رسله وفي كتبه وكل لبنة كانت في ذلك الحائط كانت صورة نبي من الأنبياء.
يقصد حديث : "عن أبي هريرة أن رسول الله ، قال : مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بنيانا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زوايا، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قال فأنا اللبنة وأنا خاتم النبیین" صحیح مسلم، حديث رقم ۲۲۸۹ .
(وقد كمل) ذلك الحائط (سوی) موضع لبنة واحدة وهي الموضع الأحدي الجمعي المحمدي الختمي الذي يستوعب الكل (فكان النبي صلى الله عليه وسلم ) بهذا الوضع الأحدي الجمعي
(تلك اللبنة) وسيد تلك الثلمة فكمل به الحائط (غير أنه صلى الله عليه وسلم ) لا يراها أي تلك اللبنة بعين بصيرته في هذا التمثيل (إلا كما قال) صلى الله عليه وسلم (لبنة واحدة).
لأنه صلى الله عليه وسلم غير مأمور بكشف الحقائق والأسرار كخاتم الولاية بل كان مأمورة بسترها في الأوضاع الشرعية والأحكام الوضعية .
والنبوة هي الدعوة إلى كل ذلك والظهور بها والاتصاف بجميعها فهي حقيقة واحدة فلا حاجة في تمثيلها إلى اللبنتين ولا إلى تمييزها بالذهبية والفضية (وأما خانم الأولياء فلا بد له من هذه الرؤيا).
أي من رؤية (ما مثل به النبي صلى الله عليه وسلم) ولكن في رؤياه
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
ويرى في الحائط موضع لبنتين واللبنتان من ذهب وفضة .
فترى اللبنتان ينقص الحائط عنهما ويكمل بهما، لبنة ذهب ولبنة فضة .
فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ، فيكون خاتم الأولياء تينك اللبنتين في الحائط .
والسبب الموجب لكونه رآها لبنتين أنه تابع لشرع خاتم الرسل في الظاهر وهو موضع اللبنة الفضية وهو ظاهره وما يثبعه فيه من الأحكام.
كما هو آخذ من الله تعالى في السر ما هو بالصورة متبع فيه، لأنه يرى الأمر على ما هو عليه، فلا بد أن راه هكذا وهو موضع اللبنة الذهبية في الباطن، فإنه أتي من المعدني الذي يأ منه
شرح الجامي :
البنتبه على مرتبته ومقامه (فیری) ما مثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم و من الحائط ويرى (في الحائط موضع لبنتين) ينقص الحائط عنهما (واللبن من ذهب) هو صورة الولاية.
لأن الولاية كما أنها ليست قابلة للتغيير بوجه من الوجوه عما هو عليه فكذلك الذهب (ومن فضة)هو صورة النبوة كما أنها قابلة للتغير بالنسبة إلى الأزمان.
فكذلك الفضة (فيري اللبنتين اللتين ينقص الحائط عنهما ، ويكمل بهما لبنة من فضة ولبنة من ذهب فلا بد أن يرى نفسه تنطبع في موضع تينك اللبنتين ليكمل الحائط).
به قال رضي الله عنه في فتوحاته المكية أنه رأى حائطا من ذهب وفضة فانطبع رضي الله عنه في موضع تينك اللبنتين .
وقال رضي الله عنه : وكنت لا أشك أني أنا الرائي ولا أني أنا المنطبع في موضعهما وبي كمال الحائط .
ثم عبرت الرؤيا بختام الولاية بي وذكرتهما للمشايخ الكاملين المعاصرين وما قلت من الرائي فعبروها بما عبرتها به.
(والسبب الموجب لكونه)، أي تكون خاتم الأولياء (رآها)، أي اللينة (لبنتين) لبنة ذهب ولبنة فضة (أنه)، أي خاتم الأولياء (تابع لشرع خاتم الرسل) أخذ منه الشرع في الظاهر) وإن كان في الباطن أخذ من المعدن الذي أخذ منه الملك بالوحي إلى خاتم الرسل (وهو)، أي شرع خاتم الرسل (موضع اللبنة الفضية) واتباع خاتم الأولياء خاتم الرسل انطباعه في ذلك الموضع.
(وهو)، أي شرع خاتم الرسل أيضا (ظاهره)، أي ظاهر خاتم الأولياء حين أتبعه فيه (وما يتبعه فيه من الأحكام) عطف على ظاهره.
أي شرع خاتم الرسل هو الأحكام التي اتبع فيها خاتم الأولياء خاتم الرسل فخاتم الأولياء تابع لشرع خاتم الرسل (كما هو آخذ عن الله في السر) بلا واسطة (ما هو)، أي الشرع الذي هو أي خاتم الأولياء (بالصورة الظاهرة متبع) خاتم الرسل (فيه).
أي في هذا الشرع وذلك الأخذ إنما يتحقق (لأنه)، أي خاتم الولاية (يري الأمر)، أي كل أمر (على ما هو عليه) في علم الله سبحانه.
(فلا بد أن يراه هكذا)، أي على ما هو عليه في علم الله سبحانه وإلا لم يكن خاتمة (وهو)، أي كونه رائية لكل أمر على ما هو عليه (موضع اللبنة الذهبية في الباطن) وتحققه بهذه الرؤية انطباعه فيه .
قوله : في الباطن، على ما هو في بعض النسخ متعلق بالرؤية (فإنه أخذ) تعليل للرؤية، أي أن خاتم
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
الملك الذي يوحي به إلى الرسول.
فإن فهمت ما أشرت به فقد حصل لك العلم النافع بكل شي ء.
فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي ما منهم أحد يأخذ إلا من مشكاة خاتم النبيين، وإن تأخر وجود طينته، فإنه بحقيقته موجود.
وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «كنت نبيا وآدم بين الماء و الطين».
و غيره من الأنبياء ما كان نبيا إلا حين بعث.
شرح الجامي :
الأولياء أخذ الأحكام الشرعية التي يتبع خاتم الرسل فيها.
(من المعدن الذي يأخذ منه الملك الذي يوحي به)، أي بسبب هذا الملك (إلى الرسول) و ذلك المعدن باطن علم الله فلا جرم يراه على ما هو عليه .
(فإن فهمت ما أشرت به) من أن الأنبياء من كونهم أولياء والأولياء كلهم لا يرون الحق إلا من مشكاة خاتم الأولياء الذي هو مظهر ولاية خاتم الرسل.
(فقد حصل لك العلم النافع) المفضي إلى كمال متابعة خاتم المرسل المنتج كمال التحقيق تحقيقه الولاية.
(فكل نبي من لدن آدم إلى آخر نبي) بل آدم أيضا (ما منهم أحد بأخذ) النبوة (إلا من مشكاة) روحانية (خاتم النبيين وإن تأخر وجود طينته) عن وجود ذلك النبي الذي يأخذ النبوة من مشكاته.
(فإنه)، أي خاتم النبيين (بحقيقته) وروحانيته (موجود) قبل وجود الأنبياء كلهم حتى آدم منعوت بالنبوة في هذا الوجود مبعوث إليهم وإلى من سواهم في عالم الأرواح.
(وهو)، أي وجوده صلى الله عليه وسلم قبل وجود الجميع وإنصافه بالنبوة بالفعل في هذا الوجود ما بدل عليه قوله: (كنت نبيا)، أي من عند الله مختصا بالإنباء عن الحقيقة الأحدية الجمعية الكمالية مبعوث إلى الأرواح البشريين و الملكيين.
(وآدم بين الماء والطين )، لم يكمل بدنه العنصري بعد فكيف من دون أنبياء أولاده وبيان ذلك : أن الله سبحانه وتعالى لما خلق النور المحمدي كما أشار صلى الله عليه وسلم إليه بقوله : (أول ما خلق الله نوري) جمع في هذا النور المحمدي جميع أرواح الأنبياء والأولياء جمعة أحدية قبل التفصيل في الوجود الجمعي.
وذلك في مرتبة العقل الأول ثم تعينت الأرواح في اللوح المحفوظ الذي هو النفس الكلية وتميزت بمظاهرها النورية .
فبعث الله الحقيقة المحمدية الروحية النورية إليهم نبيا ينبئهم عن الحقيقة الأحذية الجمعية الكمالية .
فلما وجدت الصور الطبيعية العلوية من العرش والكرسي، ووجدت صور مظاهر تلك الأرواح ظهر سر تلك البعثة المحمدية إليهم ثانيا.
فآمن من الأرواح من كان مؤهلا للإيمان بتلك الأحدية الجمعية الكمالية، ولما وجدت الصور العنصرية ظهر حكم ذلك الإيمان في
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
وكذلك خاتم الأولياء كان وليا و آدم بين الماء والطين، وغيره من الأولياء ما كان وليا إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها من كون الله يسمى بالوني الخميده .
فخاتم الرسل من حيث ولايته، نسبته مع الخاتم للولاية نسبة الأنبياء والرسل معه، فإنه الولي الرسول النبي: وختم الأولياء الولي الوارث الأخذ عن الأصل المشاهد للمراتب .
شرح الجامي :
كمل النفوس البشرية فآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فمعنى قوله : كنت نبيا أنه كان نبيا بالفعل عالما بثبوته (وغيره من الأنبياء ما كان نبيا) بالفعل ولا عالما بثبوته (إلا حين بعث) بعد وجوده بدنه العنصري واستكماله شرائط النبوة فاندفع بذلك .
ما يقال من أن كل أحد بهذه المثابة من حيث إنه كان نبيا في علم الله السابق علي وجوده العيني وآدم بين الماء و الطين.
(وكذلك خانم الأولياء) من كونه صورة من صور الحقيقة المحمدية ختمت بها الولاية الخاصة المحمدية أو الولاية المطلقة كان حكمه حكم خاتم النبيين (كان وليا) بالفعل عالم بولايته (وآدم بين الماء والطين وغيره من الأولياء ما كان وليا).
بالفعل ولا عالة بولايته (إلا بعد تحصيله شرائط الولاية من الأخلاق الإلهية في الاتصاف بها).
قوله : من الأخلاق الإلهية بيان للشرائط.
وقوله : في الاتصاف بها متعلق بالمعنى الفعلي المفهوم من قوله : شرائط، أي إلا بعد تحصيله ما يشترط في الإنصاف بالولاية بين الأخلاق الإلهية التي يتوقف الاتصاف بالولاية عليها مع أن الولاية أيضا من أخلاقه وصفات والاتصاف به إنما هو من أجل (كون الله) سبحانه (يسمى بالولي الحميد) فيتصفون بها ليكمل لهم الاتصاف بصفات الله والتخلق بأخلاقه .
ولما ذكر أن المرسلين من كون الأولياء لا يرون ما يرون إلا من مشكاة خاتم الأولياء وكان متوهم أن يتوهم أن هذا المعنى إنما يصح بالنسبة إلى من عدا خاتم الرسل.
دفعه بقوله : (فخاتم الرسل من حيث ولايته) المقيدة الشخصية (نسبته مع الختم للولاية) من حيث إنه مظهر لحقيقة ولايته الخاصة أو المطلقة.
(مثل نسبة الأنبياء والرسل معه)، أي مع متابعة خاتم الولاية فكما أن الرسل يرون ما يرون من مشكاته كذلك خاتم الرسل يرى ما يرى من مشكاته التي هي مشكاته في الحقيقة وإنما يصح أن يرى خاتم الرسل ما يرى من خاتم الولاية.
(فإنه)، أي خاتم الرسل (الولي) باعتبار باطنه (الرسول) باعتبار تبليغ الأحكام والشرائع (النبي) باعتبار الإنباء عن الغيوب والتعريفات الإلهية ولكن بواسطة الملك.
(وخاتم الأولياء الولي) باعتبار باطنه (الوارث) بحكم الرسل في شرائعه وأحكامه.
فالوراثة فيه بمنزلة الرسالة (الأخذ عن الأصل) بلا واسطة فيصح أن يأخذ منه من يأخذ بواسعة (المشاهد للمراتب) العارف باستحقاقات أصحابها ليعطي كل
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
وهو حسنة من حسنات خاتم الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ، مقدم الجماعة وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة .
فعين حالا خاصا وما عمم.
وفي هذا الحال الخاص تقدم على الأسماء الإلهية ، فإن الرحمن ما يشفع عند المنتم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين، ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة في هذا المقام الخاص من فهم المراتب والمقامات لم يعسره قبول مثل هذا الكلام.
شرح الجامي :
ذي حق حقه (وهو)، أي خاتم الولاية مع رفعة شأنه كما ذكرنا (حسنة من حسنات خاتم الرسل صلى الله عليه وسلم مقدم الجماعة) ومظهر من مظاهر ولايته الخاصية أو المطلقة، لأنه صلى الله عليه وسلم حين كان ظاهرا بالشريعة في مقام الرسالة لم تظهر ولايته بالأحدية الذاتية الجامعة الأسماء كلها ليوفي الاسم الهادي حقه.
فبقيت هذه الحسنة أعني ولاية باطنه حتى تظهر في مظهر الخاتم للولاية الوارث منه ظاهر النبوة و باطن الولاية فإن للروح المحمدي مظاهر في العالم بصورة الأنبياء والأولياء
ذكر الشيخ رضي الله عنه في آخر الباب الرابع عشر من الفتوحات أن للروح المحمدي مظاهر في العالم وأكمل مظاهره في قطب الزمان وفي الأفراد وفي ختم الولاية المحمدية وختم الولاية العامة الذي هو عیسى علیه السلام.
(وسيد ولد آدم في فتح باب الشفاعة) في سيادته ثم بين حقيقة شفاعته عليه السلام بقوله (فعین) محمد عليه السلام (بشفاعته) العامة حالا خاصا .
وهو فتح باب الشفاعة فإنه لا يشاركه فيها أحد كما ورد في الخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو أول من يفتح باب الشفاعة فيشفع في الخلق ثم الأنبياء ثم الأولياء ثم المؤمنين وآخر من يشفع. هو أرحم الراحمين .
"عن أبي هريرة قال قال رسول الله : أنا سيد ولد آدم يوم القيامة وأول من ينشق عنه القبر وأول شافع وأول مشفع." رواه الإمام مسلم فى صحيحة.
(ما عمم) في سيادته بأن تكون له السيادة في الأحوال كلها (وفي هذا الحال الخاص)، يعني الشفاعة (تقدم على الأسماء الإلهية) أيضا كما تقدم على مظاهرها.
(فإن الرحمن ما شفع عند المنتقم في أهل البلاء إلا بعد شفاعة الشافعين) الذين تم تظهر شفاعتهم إلا بعد شفاعة خاتم الرسل إياهم ليشفعوا .
(ففاز محمد صلى الله عليه وسلم بالسيادة) على الأسماء ومظاهرها (في هذا المقام الخاص)، يعني مقام الشفاعة (فمن فهم المراتب)، أي مراتب الولاية والنبوة والرسالة.
(والمقامات)، أي مقامات أصحابها وكذلك مراتب الأسماء الإلهية ومقامات مظاهرها (لم يعسر عليه قبول مثل هذا الكلام) المنبي، عن تقدم
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه رحمة منه بهم، وهي لها من الأسماء.
فأما زحمة خالصة كالطيب من الرزق اللذيذ في الدنيا الخالص يوم القيامة، ويعطى ذلك الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني، وإما رحمة ممتزجة كشرب الدواء الكره الذي يقب شربه الراحة، وهي عطاء إلهي ,فإن العطايا الإلهية ، لا يمكن
شرح الجامي :
الولي الخاتم بحسب حقیقته على الرسول الخاتم على الأسماء الإلهية .
اعلم أن الظاهر من كلام الشيخ مؤيد الدين الجندي أن مراد الشيخ بخاتم الولاية نفسه، وهو الظاهر كما يدل عليه كلامه في الفتوحات المكية.
فإن كلامه فيها يشير إلى أنه خاتم الولاية الخاصة المحمدية .
والشيخ شرف الدين داود القيصري صرح بأن المراد بخاتم الولاية هو عيسى عليه السلام مستدلا بأن الشيخ رضي الله عنه صرح في الفتوحات بأنه عليه السلام خاتم الولاية المطلقة .
والشيخ كمال الدين عبد الرزاق أشار إلى أن خاتم الولاية هو المهدي الموعود ولكنه ينافي ما نقله القيصري من الفتوحات .
قال الشيخ صدر الدين القونوي قدس الله سره في تفسير الفاتحة إن الله تعالى:
1- ختم الخلافة الظاهرة في هذه الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالمهدي عليه السلام.
2- وختم مطلق الخلافة عن الله سبحانه بعيسى ابن مريم صلوات الله على نبينا وعليه .
3- وختم الولاية المحمدية لمن تحقق بالبرزخية الثابتة بين الذات والألوهية.

هذا ما قالوه والله سبحانه أعلم بحقيقة الحال.
ولما فرغ من تقرير التجليات الذاتية وما أنجر الكلام إليه شرع في تقرير التجليات الأسمائية .
فقال : (وأما المنح الأسمائية فاعلم أن منح الله تعالى خلقه) الفائضة من الحضرة الإلهية عليهم رحمة منه سبحانه (بهم وهي)، أي تلك المنح (كلها) فائضة ، (من) حضرات (الأسماء) الإلهية لا من حضرة الذات من حيث إطلاقها.
فإنها من هذه الحيثية لا يقتضي عطاء خاصة ومنحة معينة و هي تنقسم ثلاثة أقسام:
1- (فأما رحمة خالصة) عن شرب كل نقمة (كالطيب) من الرزق اللذيذ في الدنيا بأن يكون ملائما للطبع (الخالص) عن سعة العذاب (يوم القيامة) .
بأن يكون حلالا بحسب الشرع فهذان وصفان كاشفان عن معنى الطيب.
(ويعطي ذلك) النوع من الرحمة الخاصة (الاسم الرحمن فهو عطاء رحماني) خالص غير ممتزج بما يقتضيه اسم آخر
2 - (وأما رحمة ممتزجة) مع نقمة ما وهي إما في الظاهر رحمة وفي الباطن نقمة كالأشياء الملائمة للطبع الموافقة للنفس المبعدة للقلب عن الله سبحانه.
3 - وإما بالعكس (كشرب الدواء الكريه) الذي لا يلائم الطبع في الحال لكنه (يعقب شربه الراحة) و زوال ما يلائم بحسب المآل.
(وهو عطاء إلهي) فإنه ممتزج من مقتضيات أسماء عدة لا خصوصية له بأسم واحد ينسب إليه. (فإن العطاء الإلهي).
هذا تعليل لقوله : هي كلها من الأسماء، أي العطاء الإلهي (لا يمكن
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
إطلاق عطائه منه من غير أن يكون على يدي سادن من سدنة الأسماء.
فتارة يعطي الله العبد على يدي الرحمن فيخلص العطاء من الشوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت أو لا ينيل الغرض و ما أشبه ذلك.
و تارة يعطي الله على يدي الواسع فيعم، أو على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت، أو على يدي الوهاب ، فيعطي لينعم لا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك من شكر أو عمل، أو على يدي الجبار فينظر في الموطن و ما يستحقه، أو على يدي الغفار فينظر المحل و ما هو عليه.
فإن كان على حال يستحق العقوبة فيستره عنها، أو على حال لا يستحق العقوبة فيستره عن حال يستحق
شرح الجامي :
إطلاق عطائه)، أي إطلاقه (فیكون) من وضع المظهر موضع المضمر أو إطلاقي تناوله وأخذه (منه) سبحانه من قولهم عطوت الشيء تناولته باليد.
والمراد بإطلاق تناوله أن يؤخذ من الذات البحث (من غير أن يكون على يدي سادن)، أي خادم (من سدنة الأسماء)، أي الأسماء التي هي سدنة لاسم الله الجامع.
فتارة يعطي الله سبحانه (العبد على يدي) الاسم (الرحمن فيخلص العطاء) الواصل إلى المعطى له على يديه (من الثوب الذي لا يلائم الطبع في الوقت).
أي في الحال (أو لا ينيل الغرض)، أي لا يوصل المطعى له إلى الغرض المقصود من ذلك العطاء فلا يلائمه في المال .
(وما أشبه ذلك)، أي ويخلص أيضا مما أشبه الشوب بالغير الملائم والغير المنيل من موجبات الكدورة، فالعطاء الرحماني ينبغي أن يكون خالصا من موجبات الكدورة الحالية والمآلية كلها.
فهذا عين العطاء الرحماني الذي ذكر أولا وإنما أعاده استیفاء للأقسام في سلك واحد (وتارة يعطى) الاسم (الله على يدي الواسع فيعم)، أي الملائم وغير الملائم والخلائق كلهم، أو ظاهر المعطى له وباطنه روحه وطبيعته وغير ذلك.
(أو) يعطى (على يدي الحكيم فينظر في الأصلح في الوقت)، فإن الحكيم يقتضي ذلك.
(أو) يعطى (على يدي الواهب فيعطى لينعم) من الإنعام، أي ليظهر إنعامه في وجوده.
ويجوز أن يكون مفتوح العين من النعومة وهي طيب العيش، أي لينعم المعطى له ويعيش طيبة (ولا يكون مع الواهب تكليف المعطى له بعوض على ذلك) العطاء (من شكر) باللسان (أو عمل) بالجنان والأركان، ووجوب شكر المنعم إنما هو لأجل عبودية المعطى له لا لتكليف الواهب .
(أو) يعطى (على يدي الجبار) الذي يجبر الكسر (وما يستحقه) ذلك الموطن من العطايا التي يجبر بها كسره ويصلح أفته.
وقيل : الجبار هو الذي يرد الأشياء بعد التغير إلى حالها المحمودة تضرب من القهر والغلبة والتأثير.
(أو) يعطى (على يدي الغفار فينظر في المحل) المعطى له (وما هو عليه) من
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
العقوبة فيسمى معصوما و معتنى به و محفوظا.
و غير ذلك مما شاكل هذا النوع.
و المعطي هو الله من حيث ما هو خازن لما عنده في خزائنه.
فما يخرجه إلا بقدر معلوم على يدي اسم خاص بذلك الأمر.
«ف أعطى كل شي ء خلقه» على يدي العدل و إخوانه
شرح الجامي :
الأحوال (فإن كان على حال يستحق) بها (العقوبة فيستره الله) بالاسم الغفار من العقوبة.
(أو) كان (على حال لا يستحق) بها (العقوبة فيستره) الله بالاسم الغفار عن حاله يستحق بها العقوبة (ويسمى) المعطی له (معصوما) على التقدير الثاني بشرط أن يكون من الأنبياء.
(ومعتني به) على التقديرين (ومحفوظا) عنى التقدير الثاني أيضا بشرط أن يكون من الأولياء.
قال الجندي رحمه الله تعالى: المعصوم والمحفوظ هو العبد الذي يحول الغفار بينه وبين ما لا يرضاه من الذنوب والمعنى به أعم منهما.
فقد يكون المعتني به من لا تضره الذنوب ويقلب المحبة الإلهية والاعتناء الرباني سيئاته حسناته ثم المعصوم يختص في العرف الشرعي بالأنبياء والمحفوظ بالأولياء.
اعلم أن بعض هذه الأسماء المذكورة له دخل في كل من الفعل والقبول كالر حمن، فإن كلا من الاعضاء و قابلية المحل له من مقتضيات الرحمة الرحمانية وكذلك الحكيم فإن كل واحد منهما بحسب الحكمة.
وكذلك الواهب فإن الكل من مواهبه وظاهر أن الواسع يعمم الكل بخلاف الجبار والغفار، لأن أثرهما الجبر و الستر، ولا دخل لهما في قابلية المحل بذلك الجبر والستر.
فالجبار والغفار من حيث أنفسهما لا يقتضيان إلا الفعل، وإذا عرفت هذا تنبهت لسر تثنية اليد المضافة إلى الأسماء الأربعة .
الأول: إشارة إلى يدي الفاعلية والقابلية وأفراد اليد المضافة إلى الأخرين و الصورة إلى اليد الفاعلة فقط على هذا القياس.
(وغير ذلك) المذكور (مما يشاكل هذا النوع) الذي هو من العطاء الأسمانی (والمعطي) في جميع هذه الصورة.
(هو) الاسم (الله) أحدية جمع جميع الأسماء (من حيث ما هو)، أي من حيث أنه (خازن) و جامع (لما) هو مخزون (عنده في خزائنه) العلمية التي هي حقائق الأشياء وأعيانها الثابتة المنتفشة بكل ما كان ويكون.
(فما يخرجه)، أي ما يخرج ما يكون مخزونا عنده من الغيب إلى الشهادة ومن التوت إلى الفعل.
("إلا بقدر معلوم") آية 21 سورة الحجر .
و مقدار معين تستدعيه قابلية المعني له (على بدي اسم خاص بذلك الأمر) المخزون عنده المراد عطاء (فـ "وأعطى كل شيء خلقه ثم هدى" ). آية 50 سورة طه.

................................................................
متن نص فصوص الحكم :
و أسماء الله لا تتناهى لأنها تعلم بما يكون عنها- و ما يكون عنها غير متناه- و إن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء.
و على الحقيقة فما ثم إلا حقيقة واحدة تقبل جميع هذه النسب و الإضافات التي يكنى عنها بالأسماء الإلهية.
و الحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر، إلى ما لا يتناهى، حقيقة يتميز بها عن اسم آخر، تلك الحقيقة التي بها يتميز هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك، كما أن الأعطيات تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها، و إن كانت من أصل واحد، فمعلوم أن هذه ما هي هذه الأخرى، و سبب ذلك تميز الأسماء.
شرح الجامي :
(طه: 50]، أي ما اقتضى عينه أن يكون مخلوقا عليه من غير زيادة ولا نقصان. (على يدي الاسم العدل وإخوانه) كالمقسط والحكم، فإنه تحكم على الجواد والوهاب والمعطي أن يعطي بقدر ما يعطي قابلية المعطى له.
(وأسماء الله) الشرعية التفصيلية (لا تتناهي لأنها تعلم) وتميز (بما يكون)، أي تحصل وتصدر (عنها) من الآثار الممكنة (وما يكون عنها) من الآثار (غير متناه) لأنها إنما نحصل وتصدر بحسب التوابل والمظاهر المتعددة الغير المتناهية، وإذا كانت الآثار غير متناهية فالأسماء المتعينة بحسبها أيضا غير متناهية .
(وإن كانت ترجع إلى أصول متناهية هي أمهات الأسماء أو حضرات الأسماء)، كما ترجع مظاهرها أيضا إلى أصول متناهية وهي الأجناس والأنواع مع عدم تناهي الأشخاص التي تحتها.
و(على الحقيقة فما ثمة إلا حقيقة واحدة) مطلقة هي حقيقة الحق سبحانه (تقبل جميع هذه النسب والإضافات) المذكورة (التي يكني عنها) بل عن الذات الملتبسة بها.
(بالأسماء الإلهية والحقيقة تعطي أن يكون لكل اسم يظهر) من الأسماء الإلهية الذاهبة (إلى ما لا يتناهى) بحسب خصوصيتها (حقيقة) معقولة متميزة عن الذات في التعقل.
(يتميز) ذلك الاسم (بها)، أي بتلك الحقيقة (عن اسم آخر) يشاركه في الذات (وتلك بالحقيقة) المعقولة (التي بها يتميز) اسم عن آخر بل الذات متلبسة بها (هي الاسم عينه لا ما يقع فيه الاشتراك) بين جميع الأسماء.
يعني الذات المطلقة (كما أن الأعطيات) بضم الهمزة وتشديد الياء جمع أعطية (تتميز كل أعطية عن غيرها بشخصيتها) و خصوصيتها (وإن كانت) تلك الأغنيات متفرعة (عن أصل واحد) هو منبع الخيرات والكمالات وهو الذات الإلهية .
(ومعلوم أن هذه) الأعطية (ما هي هذه الأعطية) (الأخرى وسبب ذلك) التمييز بين العطايا التي هي معلومات للأسماء (تميز الأسماء) التي هي علل لتلك العطايا إذ


متن نص فصوص الحكم :
فما في الحضرة الإلهية لاتساعها شي ء يتكرر أصلا.
هذا هو الحق الذي يعول عليه.
و هذا العلم كان علم شيث عليه السلام، و روحه هو الممد لكل من يتكلم في
مثل هذا من الأرواح ما عدا روح الخاتم فإنه لا يأتيه المادة إلا من الله لا من روح من الأرواح، بل من روحه تكون المادة لجميع الأرواح، و إن كان لا يعقل ذلك من نفسه في زمان تركيب جسده العنصري.
فهو من حيث حقيقته و رتبته عالم بذلك كله بعينه، من حيث ما هو جاهل به من جهة تركيبه العنصري.
فهو العالم الجاهل، فيقبل الاتصاف بالأضداد كما قبل الأصل الاتصاف
شرح الجامي :
باختلاف العلل تختلف المعلومات وإن كان بمجرد التعيين والشخص فقط.
وإذا كان الأمر كذلك (فما في الحضرة الإلهية لاتساعها) وعدم انحصارها في حد معين (شيء يتكرر) لا من العطايا ولا من الأسماء المقتضية لها (أصلا هذا).
والذي من اتساعها وعدم التكرار فيها (هو الحق الذي يعول)، أي يعتمد (عليه)، ولذلك قيل: إن الحق لا يتجلى بصورة مرتين وفي صورة الإثنين.
ويلزم منه القول بالخلق الجديد الذي أكثر الخلائق في لبس منه .
كما قال تعالى:( "بل هم في لبس من خلق جديد") آية 15 سورة ق.
(وهذا العلم) يعني علم الأعطيات والمنح والهبات (كان علم شيث عليه السلام وروحه)، أي روح شیث (هو الممد لكل من يتكلم مثل هذا العلم من الأرواح) الكاملین (ما عدا روح الخاتم فإنه لا تأتيه المادة)، أي مادة هذا العلم إلا من الله سبحانه (لا من روح من الأرواح بل من روحه).
أي روح الخاتم (تكون المادة لجميع الأرواح) كما سبق تقريره (وإن كان الخاتم لا بعقل ذلك) الإمداد (من نفسه في زمان تركیب جسده العنصري فهو).
أي ألخاتم (من حيث حقيقته) الروحانية (ورتبته) الكمالية الإحاطية (عالم بذلك) الإمداد (كله بعينه)، أي بنفسه (من حيث ما هو جاهل به)، أي بذلك الإمداد (من جهة تركيبه العنصري) يعني أن الخاتم من حيث حقيقته ورتبته الإحاطية الكمالية جامع بين العلم والجهل من حيثية واحدة بأن يكون معروضها حقيقته المطلقة من حيث إطلاقها وعدم تقييدها بأحد المقابلات .
وإن كان علة عروض كل منهما أمر آخر، فإن العلم ناشيء من جهة تجرده الروحاني والجهل من جهة تركيبه العنصري.
وذلك لا يستلزم تعدد حيثيات المعروض في معروضيته فيختلف ولو باعتبار (فهو العالم الجاهل فيقبل) باعتبار حقيقته المطلقة (الاتصاف بالأضداد) .
كالعلم والجهل فلا تنافي فيه بين العلم والجهل كما لا تنافي بين الزوجية والفردية في العدد وبين المواد والبياض في

متن نص فصوص الحكم :
بذلك، كالجليل و الجميل ، و كالظاهر و الباطن و الأول و الآخر و هو عينه ليس غير.
فيعلم لا يعلم، و يدري لا يدري، و يشهد لا يشهد.
و بهذا العلم سمي شيث لأن معناه هبة الله.
فبيده مفتاح العطايا على اختلاف أصنافها و نسبها
شرح الجامي :
اللون بين الحقية والخلقية في الوجود المطلق (كما يقبل الأصل) وهو الهوية الأحدية الواحدية الجمعية (الاتصاف بذلك) المذكور من الأضداد (کالجليل والجميل) في الصفات الحقيقية و(كالظاهر والباطن والأول والآخر) في الصفات الإضافية.
وإنما جعلهما أصلا للخاتم لأنه مخلوق على الصورة الإلهية فكما أن الأصل يقبل الأضداد من جهة واحدة، فكذلك الفرع إذا تحقق به .
قال الشيخ رضي الله عنه في الفصل الأول من أجوبة الإمام محمد بن علي الترمذي قدس الله سره:
وأما ما نعطيه المعرفة الذوقية فهو أنه أي الحق سبحانه ظاهر من حيث ما هو باطن وباطن من حيث ما هو ظاهر وأول من حيث هو آخر، وكذلك القول في الآخر لا ينصف أبدأ بشيئين مختلفين كما يقرره ويعقله العقلي من حيث ما هو ذو فكر .
ولهذا قال أبو سعيد الخراز قدس الله سره وقد قيل له : بما عرفت الله؟
فقال : بجمعه بين الضدين.
ثم تلا: "هو الأول والأخر والظاهر والباطن" آية 3 سورة الحديد.
فلو كان عنده هذا العلم من تسميتين مختلفتين ما صدق قوله بجمعية الضدين ولو كانت معقولية الأولية والآخرية والظاهرية والباطنية في نسبتها إلى الحق من الأولية تسميتها إلى الخلق لما كان ذلك مدحا في الجناب الإلهي.
ولا استعظم العارفون بحقائق الأسماء ورود هذه النسب بئی يصل العبد إذا تحقق بالحق أن تنسب إليه الأضداد وغيرها من عين واحدة لا تختلف فيه.
(وهو)، أي الخاتم (عينه)، أي عين الأصل (وليس غيره) حقيقة فإن الوجود المقيد هو المطلق مع قيد التعيين.
والتعيين ليس إلا قصوره عن قبول سائر التعيينات وصفة عن الاتصاف بجميع الصفات فإذا ارتفع التعيين بالسلوك عمن نظر السالك، واختفى حكمه اتصف بما اتصف به المطلق من الأضداد.
(فيعلم لا يعلم ويدري لا يدري ويشهد لا يشهد) كما أن الأصل يعلم في مرتبته الإلهية ومظاهره الكمالية ولا يعلم في مرتبة ظهوره تصور الجاهلين.
وكذلك البواقي (وبهذا العلم)، أي نسبة علم الأعطيات والمنح والهبات علما ذوقية وجدانية .
(سمي شيث باسمه لأن معناه) بالعبرانية (الهبة) بمعنى العطية (أي هبة الله) فلما كان عالما بهباته سبحانه كان له نوع ملابسة بهبة الله مع أنه عين هبة الله فسمي به لهذا المعنى.
(وبیده) وفي قبضة تصرفه (مفتاح العطايا) الوهبية وهو مظهرية الاسم الوهاب والظاهر فيه (على اختلاف أصنافها) المتميز بعضها عن بعض بسبب تميز الأسماء.
لأن تكل اسم عطاء يختص به (ونسبها)، أي خصوصياتها المتعينة نسبة إلى قابليات الأعيان
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
فإن الله وهبه لآدم أول ما وهبه: و ما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه.
فمنه خرج و إليه عاد. فما أتاه غريب لمن عقل عن الله.
و كل عطاء في الكون على هذا المجرى. فما في أحد من الله شيء، و ما في أحد من سوى نفسه شي ء و إن تنوعت عليه الصور.
و ما كل أحد يعرف هذا، و أن الأمر على ذلك، إلا آحاد من أهل الله.
فإذا رأيت من يعرف ذلك فاعتمد عليه فذلك هو عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله تعالى.
شرح الجامي :
الثابتة فإن لكل عين قابلية لعطاء يختص بها ، وإنما جعل مفتاح العطايا (فإن الله سبحانه وهبه لآدم أول ما وهبه) بعد سؤاله بلسان حاله و مقاله من الوهاب عند فقد هابيل أن يهبه من يكون بدلا منه في مظهر العلوم الوهبية و العطايا المخفية في حقيقة أدم .
ملقيا إياها إلى أرواح المستعدين فوهبه الله لآدم و جعله مفتاحا لما أودع فيه.
(وما وهبه إلا منه لأن الولد سر أبيه) أي مستور موجود فيه بالقوة .
(فمنه خرج) بصورة النطفة ألمانية في الرحم (وإليه عاد) بصيرورته إنسانا داخلا في حده وحقيقته .
(فما أتاه غريب) من خارج وذلك ظاهر (لمن عقل) الحقائق وأدركها (عن الله) لا من عنده نفسه بفكره ونظره (وكل عطاء) يقع (في الكون) جارى (على هذا المجرى) فإنه لا يأتي المعطى له إلا منه لا من خارج.
فإنه ما لم تقتضي عينه الثابتة ذلك العطاء لا يأتيه أصلا (فما في أحد) من المعطی لهم (من الله) المعطي (شيء) بل الله يظهر ما كان مستورة موجودة فيه بالقوة.
(ولا في أحد من سوى نفسه شيء)، بل ما يظهر فيه إلا ما كان مستورة فيه (وإن تنوعت عليه)، أي على ذلك الشيء (الصور) بحسب تنوع استعدادات الأخذ المعطى له، ففي أي صورة كان ذلك الشيء لا يكون من سوى نفس المطعی له أو على ذلك الأخذ فمن أي صورة وصل إليه ذلك الشيء.
فهو من نفسه فإن تنك الصورة كانت موجودة فيه بالقوة، ثم ظهرت بالفعل بعد تحقق شرط ظهورها فما فاض ما فاض عليه من سوى نفسه.
ولا يخفى أن ذلك إنما هو باعتبار الشيخ المقدس لا الأقدس فلا يناقض ما سبق لأن الأمر كله منه ابتداؤه وانتهاؤه .
(وما كل أحد) من أهل الله (يعرف هذا) الحكم يعني أنه ما في أحد من الله ولا من أحد سوى نفسه شيء.
(وأن الأمر) يعني أمر العطاء في الكون كله جار على ذلك المجرى.
(إلا آحاد من أهل الله فإذا رأيت من بعرف ذلك فاعتمد عليه) فيما يقول لأنه حق مطابق أما في الواقع.
(فذلك) الذي يعرف ذلك (عين صفاء خلاصة خاصة الخاصة من عموم أهل الله)، فعموم أهل الله المؤمنون الموجودون، وخاصتهم السالكون السائرون إليه
متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : ( فأي صاحب كشف شاهد صورة تلقي إليه ما لم يكن عنده من المعارف و تمنحه ما لم يكن قبل ذلك في يده، فتلك الصورة عينه لا غيره.
فمن شجرة نفسه جنى ثمرة علمه، كالصورة الظاهرة منه في مقابلة الجسم الصقيل ليس غيره، إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه تنقلب من وجه بحقيقة تلك الحضرة،)
شرح الجامي :
تعالى، وخاصة الخاصة المتحققون بقرب النوافل، و خلاصة خاصة الخاصة المتحققون بقرب الفرائض.
وصفاء الخاصة أي : صفوتهم صاحب مقام قاب قوسين الجامع بين القربين.
وعين الصفاء أي: المختار من هؤلاء الصفوة صاحب مقام أو أدنى الغير المقيد بالجمع بل له الدور في المقامات الثلاث من غير تقييد بواحد منها.
وهذا خاصة نبينا صلى الله عليه وسلم وكمل ورثته.
(فأي صاحب کشف شاهد صورة) في عالم المثال المقيد أو المطلق (تلقی) تلك الصورة (إليه ما لم يكن عنده من المعارف وتمنحه)، أي تعطيه قبل ذلك (ما لم يكن قبل ذلك)المذكور من مشاهدة الصورة (في يده فتلك الصور عينه لا غير فمن شجرة نفسه جني ثمرة غرسه).
و هكذا في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه. وفي بعض النسخ ثمرة عن بيعه.
فإن قيل كثيرا ما يرى أهل الله أرواح الماضيين من الأنبياء والأولياء في الوقائع والمقامات في صورة حسنة تلقى إليهم علوم و معارف ليست عندهم.
ومن هذا القبيل ما ذكر الشيخ رضي الله عنه في صدر الكتاب من المبشرة التي رأي فيها رسول الله پیل وأخذ منه فيها هذا الكتاب مع ما فيه من المعارف والحكم.
فكيف يصح إطلاق الحكم بأن كل صورة تلقى إلى صاحب الكشف ما ليس عنده فتلك الصورة عينة لا غيره؟
قلنا : معنى عينية الصورة للمكاشف وإلقائها عليه ما لم يكن عنده أنها مستجنة في غيب نفسه المستعدة بظهورها فظهرت عليه منصبغة بأحكام ما عليه مرآئته من السعة والصقالة والاستواء وغيرهما.
ثم ألقت عليه من العلوم والمعارف ما يقتضيه استعداده لا غير .
فالمراد بقوله : فتلك الصورة عينه لا غيره، أنها عينه لا من غيره و عبر عنه بهذه العبارة مبالغة في انصباغها بأحكامه.
وهذه الصورة التي يشاهدها صاحب الكشف تلقى إليه ما ليس له عنده هي بعينها .
(كالصورة الظاهرة منه)، أي من صاحب الكشف في الجسم الصقيل حاز کونه (في مقابلة) ذلك (الجسم الصقيل ليس)، أي المرئي من الصورة في الجسم الصقيل (غيره إلا أن المحل أو الحضرة التي رأى فيها صورة نفسه تلقى إليه)، أي ملقية إليه ما لم تكن عنده..
فقوله : تلقى إليه مفعول  ثاني للرؤية (ينقلب)صيغة مضارع من الانقلاب.
هكذا كانت مقيدة في النسخة المقروءة على الشيخ رضي الله عنه وهو خبر أن يعني أن الحضرة التي ترى فيها صورته تنقلب الصورة المرئية فيها وتتحول (بحقيقة تلك الحضرة)
................................................................

متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : ( كما يظهر الكبير في المرآة الصغيرة صغيرا أو المستطيلة مستطيلا، و المتحركة متحركا.
و قد تعطيه انتكاس صورته من حضرة خاصة، و قد تعطيه عين ما يظهر منها فتقابل اليمين منها اليمين من الرائي، و قد يقابل اليمين اليسار و هو الغالب في المرايا بمنزلة العادة في العموم: و بخرق العادة يقابل اليمين اليمين و يظهر الانتكاس. )
شرح الجامي :
باللام التعليلية ، أي لاقتضاء حقيقتها ذلك الانقلاب (كما يظهر الشيء الكبير في المرآة كبيرة أو) الشيء (الصغير صغير ) فحقيقة المرأة الصغيرة يقتضي انقلاب صورة الكبير إلى الصغير .
(و) كما يظهر الشيء الغير المستطيل في المرآة (المستطيل مستطيلا) كظهور الوجه في السيف المصقول الغير المتحرك.
(و) المرآة (المتحرك متحركة) كالماء المتحرك فإنه يظهر فيه الساكن متحركة (وقد تعطیه)، أي تلك المرآة (انعکاس صورته) الخارجية (من حضرة خاصة) كما إذا كانت فوق رأسه وتحت قدمه (وقد تعطيه عين ما يظهر) في المرآة (منها).
أي من صورته الخارجية فمن بيان الموصول، أي تعطيه عين صورته الخارجية التي يظهر في المرآة من غير تعیین.
(فيقابل اليمين منها)، أي من الصورة الظاهرة في المرآة (اليمين من الرائي) كما إذا كانت المرآيا متعددة فإنه إذا ظهرت صورة الراني في مرآة مقابلة لمرة أخرى فلا شك أنه تظهر صورته في المرة الثانية بصورة الأصل.
لأن عکس العكس إنما يكون بصورة الأصل (وقد يقابل اليمين من المرأة اليسار وهو الغالب في المراثي بمنزلة العادة) في غلبة الوقوع و کثرته (في العموم).
فإن غاية الرآيين إنما يرون صورهم لدى استقبالهم ومواجهتهم للمرائي (وبخرق) ما هو بمنزلة (العادة).
أي بخلافه (أن يقابل اليمين اليمين) في بعض الحضرات كما عرفت عند تعدد المرآة (ويظهر الانتكاس) في بعض آخر.
كما إذا كانت المرأة على خلاف العادة فوق رأس الرائي أو تحت قدمه كما مر .
قيل : ظهور الكبير في المرآة الصغيرة ضرب مثال لظهور الحق في كل عين بحسبه، وظهور الغير المستطيل في المستطيلة ضرب مثال لظهور الحق سبحانه في عالم الأمر.
فإن له طولا باعتبار سلسلة الترتيب، وظهور الغير المتحرك في المتحركة ضرب مثال لظهوره سبحانه في الأمور المتصرفة المتجددة آنا فآنا.
وانتكاس الصورة في المرأة إذا كانت تحت الرائي في الوضع ضرب مثال لظهور الحق في الخلق خلقا.
وانتكاسها فيها إذا كانت فوق الراني ضرب مثال لظهور الخلق في الحق وانتكاسها للحق حقا .
وتقابل اليمين لليمين مثال لظهور الحق في الإنسان الكامل کاملا .
ولليسار ضرب مثال لظهوره في غير الإنسان الكامل غير كامل.
ولا يخفى عليك أن هذه التطبيقات وان
................................................................

متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : ( و هذا كله من أعطيات حقيقة الحضرة المتجلى فيها التي أنزلناها منزلة المرايا. فمن عرف استعداده عرف قبوله، وما كل من عرف قبوله يعرف استعداده إلا بعد القبول، و إن كان يعرفه مجملا. إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة يرون أن الله، لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء، جوزوا على الله تعالى ما يناقض الحكمة و ما هو الأمر عليه في نفسه. و لهذا عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان و إثبات الوجوب بالذات و بالغير. )
شرح الجامي :
كانت صحيحة مليحة في نفسها لكن لا تلائم المقام فإن الكلام في اختلافات صور صاحب الكشف بحسب الحضرات المتجلي فيها لا في اختلافات تجليات الحق سبحانه بحسبها.
(وهذا) الذي ذكرناه (كله) من تنوعات اختلافات الصور المفيضة على صاحب الكشف المفهومة مما سبق من ضرب المثال.
(من أعطيات الحضرة المنجلي فيها التي أنزلناها منزلة المرايا)، فكما أن الظاهر في المرايا ينقلب بحسبها وكذلك انقلاب صور صاحب التجلي بحسب الحضرة المتجلي فيها لصاحب الكشف.
(فمن عرف) من أصحاب الكشف (استعداده) لهذه الأعطيات مفضلا (عرف) العطايا المقبولة و(قبوله) إياها (وما كل من يعرف قبوله) الذي هو الأثر (یعرف) مفصلا (استعداده) السابق على القبول (إلا بعد القبول).
إذ ليس أن يكون العلم بها مسبوقا بالعلم باستعدادها مخصوصة (وإن كان بعرفة) قبل القبول (مجملا) بأن له استعدادا لأمر ما.
(إلا أن بعض أهل النظر من أصحاب العقول الضعيفة) الذين لا تقوى عقولهم بالنظر عن إدراك الحقائق على ما هي عليه يرون أن الله سبحانه (لما ثبت عندهم أنه فعال لما يشاء) وزعموا أن مشيئته يمكن أن يتعلق بكل ما هو ممكن في نفسه (جوزوا على الله سبحانه ما يناقض الحكمة وما هو الأمر عليه في نفسه) من إعطائه بعض الأشياء أعطيات لاستعدادها کتنعیم من يتعذب العذاب وتعذيب من يستحق النعيم .
وليس الأمر كذلك فإن الله سبحانه ما تعلقت مشيئته از بتعيين الأعيان الثابتة واستعداداتها إلا بحسب ما اقتضته الشؤون الذاتية والنسب الأصلية.
وبعدما تعينت الأعيان ما تعلقت مشبثته بوجودها وأحوالها التابعة لوجودها إلا بحسب استعداداتها الكلية وقابليتها الجزئية الوجودية .
فالحق سبحانه وإن كان فعالا كما يشاء لكن مشيئته بحسب حكمته ، ومن حكمته أن لا يفعل إلا بحسب أستعدادات الأشياء، فلا يرحم في موضع الانتقام ولا ينتقم في موضع الرحمة .
(ولهذا)، أي لضعف ما يراه هذا البعض وتجويزهم على الله سبحانه ما يناقض الحكمة .
(عدل بعض النظار إلى نفي الإمكان)، فإن منشأ ما ذهبوا إليه إنما هو إمكان ما
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : (  و المحقق يثبت الإمكان و يعرف حضرته، و الممكن ما هو الممكن و من أين هو ممكن و هو بعينه واجب بالغير، و من أين صح عليه اسم الغير الذي اقتضى له الوجوب. و لا يعلم هذا التفصيل إلا العلماء بالله خاصة. و على قدم شيث يكون آخر مولود يولد من هذا النوع الإنساني. و هو حامل )
شرح الجامي :
يناقض الحكمة فلما ظهر على بعض النظار فساد مذهبهم نفوا ما هو منشؤه فذهبوا إلى نفي الإمكان (وإثبات الوجوب بالذات وبالغير والمحقق) .
من هذه الطائفة (يثبت الإمكان) الذي هو يساوي نسبة صور معلوميات الأشياء الي الظهور وعدمه في العين ولا ينفيه مطلقا كالفرقة الثانية من أهل النظر
(ويعرف حضرته) ، أي حضرة الإمكان ومرتبته وأنه في أي حضرة تعرض الأشياء وهي الحضرة العلمية.
فإن العقل إذا لاحظ الأشياء من حيث أنفسها مع قطع النظر عن أسبابها وشرائها يتساوى عنده وجودها وعدمها ، وإذا لاحظها مع أسبابها وشرائطها حكم بوجوب وجودها.
فلا يثبت الإمكان مطلقا كالفرقة الأولى من أهل النظر.
(و) يعرف (الممكن ما هو الممكن) وهو الوجود المتعين فإنه من حيث تعينه ممكن وإن كان بحسب الحقيقة واجبة.
(و) يعرف أيضا (من أين هو ممكن)، أي من النسبة للنسبة انتسبت صفة إمكانه وهي نسبة تقدسه سبحانه عن التعبد بالصفات المتقابلة كأظهور والبطون والأولية والأخرية وغيرهم أو من أي اعتبار وحيثية هو ممكن وهو اعتباره من حيث نفسه من غير ملاحظة أسبابه وشرائطه .
(وهو)، أي: الممكن (واجب بالغير) لكن من حيث النظر إلى أسباب وجوده وشرائطه.
(و) يعرف أيضا أنه (من أين صح عليه) أي على الغير وحدة الوجود (اسم الغير الذي اقتضى له).
أي للممكن (الوجوب ولا يعلم هذا التفصيل) شهود محقق (إلا العلماء بالله) و مراتبه (خاصة) .
فإنهم يعلمون أن الوجود الحق من حيث ذاته واجب ومن حيث تعيناته في الحضرة العلمية ممكن تتساوى نسبة هذه التعيينات العلمية إلى الظهور في العين وعدم الظهور فيه .
إذا لوحظت من حيث أنفسها کتساوي نسبته سبحانه من حيث ذاته المطلقة الى الصفات المقابلة .
وإذا لوحات من حيث أسباب ظهورها وشرائطه ، فهي واجبة بها.
وهذه التعيينات بغایر بعضها بعضا من حيث خصوصیاتها وإن اتحد الكل بالكل حيث حقيقة الوجود.
وأما مغایرتها للوجود الحق المطلق فمن حيث أن كلا منها تعین مخصوص لوجود الواحد تغاير الآخر بخصوصه.
والوجود الحق لا يغاير الكل ولا يغاير البعض لكون كلية الكل وجزنية الجزء نسبا ذاتية.
فهو لا ينحصر في الجزء ولا في الكل مع كونه فيهما عينه .
(وعلى قدم شيث عليه السلام) بلي على قلبه في التهييء للتجليات الذاتية العطايا الرهبية (يكون آخر مولود يولد في هذا النوع الإنساني).
لأن مراتب الموجود دورية و كما أن شيث عليه السلام الذي كان أول مولود من سلسلة أولاد آدم المنتهية إلينا كان محلا
................................................................
متن نص فصوص الحكم :
قال رضي الله عنه : (  أسراره، و ليس بعده ولد في هذا النوع. فهو خاتم الأولاد. و تولد معه أخت له فتخرج قبله و يخرج بعدها يكون رأسه عند رجليها.
و يكون مولده بالصين و لغته لغة أهل بلده. و يسري العقم في الرجال و النساء فيكثر النكاح من غير ولادة و يدعوهم إلى الله فلا يجاب. فإذا قبضه الله تعالى و قبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم لا يحلون حلالا و لا يحرمون حراما، يتصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة عن العقل و الشرع فعليهم تقوم الساعة. )
شرح الجامي :
للتجليات الذائية والعطايا الوهبية ينبغي أن يكون آخر مولود أيضا كذلك لتتم الدائرة بانطباق أولها على آخرها.
(وهو حامل أسراره) من علومه وتجلياته لما ذكرنا.
(وليس) يولد (بعده ولد) آخر (في هذا النوع) الإنساني (فهو خاتم الأولاد ويولد معه) في بطن واحد (أخت له) .
كما أن شيث عليه السلام أيضا كان كذلك فإن حواء کانت تلد لآدم في كل بطن ذکرا وأنثى (فتخرج) أخته (قبله ويخرج) هو (بعدها) لأنه لو لم يتأخر عنها في الولادة لم يكن خاتم الأولاد.
ويشبه أن تكون ولادة شيث عليه السلام مع اخته بعكس ذلك ليكون أول مولود (يكون رأسه عند رجليها ويكون مولده بالصين) أقصى البلاد.
(ولغته لغة بلده ويسري) بعد ولادته (العقم في الرجال والنساء فيكثر النكاح من غير ولادة ويدعوهم إلى الله فلا يجاب) في هذه الدعوة (فإذا قبضه الله وقبض مؤمني زمانه بقي من بقي مثل البهائم).
فهم حيوانات في صور الإنسان لإظهار كمال الحقائق الحيوانية الطبيعية البهيمية والسبعية في الصورة الإنسانية لا على ما تقتضيه القابلية من حيث هي هي من غير وازع عقلي أو مانع شرعي.
(لا يحلون حلالا ولا يحرمون حراما ينصرفون بحكم الطبيعة شهوة مجردة) ، أي تشرف شهوة مجردة (عن العقل والشرع فعليهم تقوم الساعة) وتخرب الدنيا . وانتقل الأمر إلى الآخرة.
اعلم أن مراد الشيخ رضي الله عنه بخاتم الأولاد غير خاتم الولاية.
فإن خانم الولاية المقيدة عند الشيخ هو الشيخ نفسه .
وخاتم الولاية المطلقة هو عيسى عليه السلام كما أومي إلى الأول وصرح بالثاني في مواضع متعددة من كلامه .
ولا يخفى أن هذه القصة لا تنطبق على حال واحد منهما .
ومن حمله على خاتم الولاية المطلقة فكان منشأ حمله أنه لما كان خاتم الأولاد حاملا لأسرار شيث عليه السلام لا بد أن يكون من الأولياء .
وإذا كان من الأولياء لم يتولد بعده ولي آخر يلزم أن يكون خاتم الأولياء ولیس الأمر كذلك.
فإنه يمكن أن يكون تحقیقه بالولاية قبل نزول عیسى علیه السلام وظهوره بالولاية ويكون نزول عيسى عليه السلام في زمانه أو  زمان من بقي من مؤمني زمانه بعده ولا يتحقق أحد بعده بالولاية فيكون خاتما للولاية.
ثم اعلم أن مقصود الشيخ رضي الله عند بيان لدوام إفراد النوع الإنساني وختمهم وغير ذلك مما يتعلق به .
فحمل كلامه على ما يكون في النشأة الإنسانية على سبيل المضاهاة لما ذكره خروج عن المقصود فلهذا لا تشتغل به .

.
التسميات:
واتساب

No comments:

Post a Comment