Sunday, July 21, 2019

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

05 - فص حكمة مهيمية في كلمة إبراهيمية .شرح القاشاني كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر محيي الدين ابن العربي الحاتمي الطائي

شرح القاشاني العارف بالله الشيخ عبد الرزاق القاشاني 938 هـ على متن كتاب فصوص الحكم الشيخ الأكبر 

إنما خصت الكلمة الإبراهيمية بالحكمة المهيمية ، لأن التهييم من الهيمان وهو شدة الوله الذي هو العشق بأن تجلى له الحق بجلال جماله .
أي بكمال الذات الأحدية بجميع الصفات مع بقاء حجاب أنيته ، فهام لقوة انحيازه إلى المحبوب من كل وجه .
فلا ينحاز إلى جهة تعينه وتقيده لما قبل من نور الذات جميع الصفات بقابلية العينية ، وهي معنى الخلة الدالة على تخلل المحبوب محبة وتخلق المحب بأخلاقه فإن إبراهيم خليل الله كان أول من كوشف بالذات.
ولو لا بقية قابليته لارتفع عنه الهيمان الموجب لتركه أباه وولده وماله ، ولتحقق بالأحدية الموهوبة لمحمد حبيب الله عليه الصلاة والسلام .
فإنه تبعه في الاتصاف بجميع الصفات مع  كشف الذات ، وسبقه بالتحقق بالأحدية الحقيقية بالبقاء بالحق بعد الفناء التام بارتفاع البقية دونه ، ولهذا ورد في الصحاح « إن أول ما يكسى من الخلق يوم القيامة إبراهيم عليه السلام » فإنه أول من كملت به أحكام الوجوب في مرتبة الإمكان.
أي ظهر بالصفات الإلهية كلها مع بقاء القابلية العينية بخلاف الخلة المحمدية الموهوبة له كما ذكرها في خطبة قبل وفاته بخمسة أيام ، وقال فيها بعد حمد الله والثناء عليه « أيها الناس ، إنه قد كان لي فيكم أخوة وأصدقاء ، وإني أبرأ إلى الله أن أتخذ أحدا منكم خليلا ، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ، إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ، أوتيت البارحة مفاتيح خزائن الأرض والسماء ».
"" من حاشية تعليقات بالى اعلم أن التخلل عبارة عن السريان ، ومعنى سريان الحق في العبد وجود أثر ذاته وصفاته في وجود العبد مع كون الحق منزها بجميع صفاته عن هذا الكون ، لأن الاتحاد من كل الوجوه باطل عندهم ، فلما نزل الحق نفسه منزلة العهد فأثبت لنفسه ما هو من خواص عبده .
فقال : « مرضت وجعت ؟ »
علمنا أن المريض والجائع ليس صورة العبد ، بل هو الروح المتصف بصفات الله تعالى ، الظاهر في صورة العبد بالهيكل المحسوس المشاهد ، فما أثبت صفات المحدثات في الحقيقة لنفسه ، بل أثبت لأثر نفسه تنبيها على أنه واجب التعظيم فإنه ظل الله تعالى .
فاللَّه عظم ظله كما عظم نفسه فما قاله إلا تعظيما للعباد ، فمن عاده فقد عاد الحق ومن أشبعه فقد أشبع الحق على طريق " من أكرم عالما فقد أكرمني " وهذا مخصوص بالإنسان دون غيره ، لأن كمال ظهور الحق فيه لا في غيره ، لذلك لا يثبت لنفسه صفات سائر المحدثات ، ومعنى سريان العبد في الحق إحاطته ؟
جميع ما اتصف به ذات الحق بحسب استعداده ، فانظر بنظر الإنصاف كيف عادت مسائل الفن بتوجيهنا إلى سيرتها الأولى سيرة الشريعة اهـ بالى . ""
"" قال تعالى : "لئن شكرتم لأزيدنكم" [إبراهيم 7] وفي الحديث : لم يشكرني من لم يشكر من أجريت النعمة على يديه "" رواه أبو نعيم في حلية حلية الأولياء وفتح القدير وفتح المنعم بشرح مسلم ونوادر الأصول باحاديث الرسول.
فإنها المحبة التي لقب بها حبيب الله ، كما رمز إليه في الحديث « إن الناس إذا التجئوا يوم القيامة إلى الخليل أن يشفع لهم ، يقولون : أنت خليل الله اشفع لنا ، يقول لهم إنما كنت خليلا من وراء وراء » .
وفيه أيضا أن الناس يلجأون إلى نبينا يوم القيامة حتى إبراهيم عليه السلام وأنه شفيع الكل ، وسرّ ذلك أن كل واحد من النبيين له مقام الجمعية الإلهية ، وهو مقام قاب قوسين أي جميع الصفات المبدئية والمعادية .
وامتاز محمد عليه الصلاة والسلام بالتحقق بالأحدية المشار إليه بأو أدنى ، لاستواء حكم الظاهر والباطن فيه فختمه بالأحدية ، وقد غلب على إبراهيم حكم الباطن فهام ، كما غلب على موسى حكم الظاهر فملك وعلا وقهر .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( إنما سمي الخليل خليلا لتخلله وحصره جميع ما اتصف به الذات الإلهية ، قال الشاعر :قد تخللت مسلك الروح مني وبذا سمي الخليل خليلا كما يتخلل اللون المتلون فيكون العرض بحيث جوهره ، ما هو كالمكان والمتمكن ) شبه اتصاف الذات بالصفات باتصاف الجوهر بالأعراض ، فإن حلول العرض في الجوهر حلول سريانى لشمول العرض جميع أجزاء الجوهر بحيث لا يخلو جزء ما منه ظاهرا أو باطنا ، بخلاف حلول المتمكن في المكان كسريان السواد في الجسم ، وهو تشبيه المعقول بالمحسوس للتفهيم.
وكذلك نفس التخلل في المحبة استعمال مبنى على التشبيه ، فإن اتصاف العبد بصفة الحق وحصره جميع صفاته ليس تخللا بمعنى الامتزاج ، بل هو محو صفات العبد بتجلى الصفات الإلهية له ، وقيامه محق صفاته حتى يكون العبد مسمى بأسماء الله تعالى كما ذكر في حق إبراهيم عليه الصلاة والسلام ، وهي الكلمات التي ابتلاه الله بهن فأتمهن ، فقال له – " إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً " - فمعنى الخلة بالحقيقة ، ظهوره بصورة الحق فيكون الحق سمعه وبصره وسائر قواه ، فبه يسمع العبد وبه يبصر وتسمى هذه المحبة حب النوافل ، لكون الصفات الزائدة على ذات العبد ، ففناؤه في الحق بها حب النوافل أي الزوائد كأنه تخلل حضرات الأسماء الإلهية فتقرب به بصفات نفسه ، فكساه الله تعالى صفاته أو بالعكس
لقوله رضي الله عنه : ( أو لتخلل الحق وجود صورة إبراهيم ) وهو اتصاف الحق بصفات إبراهيم وصورته ، بأن يتعين بتعينه فيضاف إليه جميع ما يضاف إلى إبراهيم من الصفات ، فيفعل الله تعالى ما يفعل بإبراهيم ويسمع بسمعه ويرى بعينه وهو حب الفرائض ، إذ لا يوجد إبراهيم إلا به ضرورة انعدامه بنفسه ( وكل حكم يصح من ذلك كما ذكر ، فإن لكل حكم موطنا يظهر به لا يتعداه ) أي إنما يصح الحكم الأول وهو ظهور إبراهيم بصورة الحق ، في جناب الحق ومواطن قربه في الحضرة الإلهية وفي الدار الآخرة . والحكم الثاني وهو ظهور الحق بصورة إبراهيم من حيث تعينه في وجوده ، حتى تصدر عنه الصفات الخلقية وتنضاف إليه صفات النقص :
كالتأذى في قوله – " يُؤْذُونَ الله " –
والمكر في قوله – " ومَكَرَ الله " - .
والاستهزاء في قوله " الله يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ "
والسخرية في قوله – " سَخِرَ الله مِنْهُمْ " 
بسبب تعينه بعين العبد لا من حيث حقيقته ، وقد يضاف إليه صفات الكمال فكلا الحكمين في مواطن الحب ، كالرمى في قوله – " وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى " - فإن هذا لا يضاف إليه ، والحكم به عليه قد يصح في موطن حب الفرائض والنوافل جميعا .
فقوله رضي الله عنه : ( ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات ، وأخبر بذلك عن نفسه ، وبصفات النقص وبصفات الذم ) استشهاد ومثال للقسم الثاني .
وقوله رضي الله عنه : ( ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق من أولها إلى آخرها ) استشهاد ومثال للحكم الأول ، كاتصاف العبد بالعلم والرحمة والكرم وأمثالها.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وكلها حق له كما هي صفات المحدثات حق للحق ) أي وجميع صفات الحق تعالى حق واجب ثابت للمخلوق ، لأن حقيقة المخلوق هو الحق الظاهر بحقيقته في صورة عينه وصفاته صفاته فهي حق للمخلوق من حيث الحقيقة .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : ( وكلها ) أي كل صفات الحق حق له ، أي ثابت المخلوق وينعت بها ، ولولا تخلل العبد الحق لما صح هذا الحكم .اهـ بالى .""
وكذلك جميع صفات المحدثات حق واجب ثابت للحق تعالى فإنها شؤونه ، وإذا كان وجود المحدثات وجوده الظاهر فيها فكيف بصفاتها ، وصفات المحدثات بدل من الضمير أو بيان ، فإنه يجرى مجرى التفسير كأنه قال كما هي ، أي صفات المحدثات حق للحق .
قال الشيخ رضي الله عنه : ("الْحَمْدُ لِلَّه " فرجعت إليه عواقب الثناء من كل حامد ومحمود) فإن الحمد صفة كمال من كمالاته تعالى يصدر منه حقيقة ، فإنه هو الظاهر في صورة الحامد .
مظهرا لكماله بالحمد والثناء الذي هو حقيقة لكل محمود هو عينه المتجلى في صورة ذلك المحمود للكمال الذي يستحق به الحمد "وإِلَيْه يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّه ".
قال الشيخ رضي الله عنه : (فعم ما ذم  وحمد وما ثم إلا محمود أو مذموم ) أما عمومه لما حمد فظاهر مما مر ، وأما عمومه لما ذم فإن الذم العقلي والعرفي والشرعي لا يترتب إلا على متعين نسبى ذاتا كان أو صفة ، باعتبار تعينه ونسبته إلى متعين يوجب انعدامه أو انعدام كمال له.
ولو انقطع النظر عن ذلك التعين النسبي ، انقلب مدحا وحمدا بحسب الحقيقة وبحسب نسب أخرى أكثر من تلك النسبة ، كما أن الشهوة مذمومة والزاني والزنا مذمومان .
ولا شك أن حقيقة الشهوة هي قوة الحب الإلهي الساري في وجود النفس وهو محمود بذاته ، ألا ترى أن العنة كيف ذمت في نفسها ، وكذا الزاني باعتبار أنه إنسان ، والزنا باعتبار أنه وقاع فعل كمالى لو لم يقدر الإنسان عليه كان ناقصا مذموما .
فالشهوة باعتبار حقيقتها التي هي الحب ، وباعتبار تعينها في الصورة الذكورية أو الأنوثية ، وكونها سبب حفظ النوع وتوليد المثل وموجبة اللذة كمال محمود .
وكذا الزنا باعتبار قطع النظر عن هذا العارض كان محمودا في نفسه وبسائر النسب .
فانقلب الذم حمدا في الجميع ولم يبق توجه الذم إلا على عدم طاعة الشهوة العقل والشرع وترك سياستها لها .
فكونها مذمومة إنما هو بالإعراض عن حكمها ، حتى أدى فعلها إلى انقطاع النسب والتربية والإرث واختلال النظام بوقوع الهرج والمرج وهو فتنة .
وكلها أمور عدمية راجعة إلى اعتبار التعين الخلفي ، وجهة الإمكان وصفات الممكنات باعتبار عدميتها ، وإلا فالوجود والوجوب وأحكامهما كلها محمودة ، والأمر حمد كله .
قال الشيخ رضي الله عنه : (اعلم أنه ما تخلل شيء شيئا إلا كان محمولا فيه ، فالمتخلل : اسم فاعل محجوب ، بالمتخلَّل : اسم مفعول فاسم المفعول هو الظاهر ، واسم الفاعل هو الباطن المستور ) المتخلل : هو النافذ في الشيء المتغلغل في جوهره كالماء في الشجر.
ولا شك أن ذلك الشيء حامل له ظاهر ، والمحمول مستور فيه باطن ( وهو ) أي المتخلل ( غذاء له ) أي لما يتخلله ( كالماء يتخلل الصوفة فتربو به وتتسع).
قوله رضي الله عنه ( فإن كان الحق هو الظاهر فالخلق مستور فيه ، فيكون الخلق جميع أسماء الحق ، سمعه وبصره وجميع نسبه وإدراكاته وإن كان الخلق هو الظاهر فالحق مستور باطن فيه ، فالحق سمع الخلق وبصره ويده ورجله وجميع قواه ، كما ورد في الخبر الصحيح ) إشارة
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : ( وإدراكاته ) عطف بيان لقوله ( جميع أسماء الحق ) هذا نتيجة قرب الفرائض ، فشاهد العهد في ذلك المقام في مرآة وجوده الوجود الحق ، ويرى أن الحق يسمع به ويبصر به ، وكأن الأحكام كلها للحق لكن بسبب العبد ، وهذا إذا تجلى الله لعباده باسمه الباطن ، وحينئذ كان العبد باطنا والحق ظاهرا له ( وإذا كان الخلق هو الظاهر ، فالحق مستور وباطن فيه ) أي في الخلق ، فالحق سمع الخلق وبصره ويده اه بالى . ""
إلى مقامي قربات الفرائض والنوافل ، فإن الأصل هو الحق الواجب ، فهو الفرض ، والخلق :
هو النفل الزائد ، فإذا كان الحق ظاهرا كان الخلق متخللا محمولا فيه خفيا .
وكان جميع أسماء الحق وصفاته ، كسمعه وبصره وسائر قواه وجوارحه ، كما قال عليه الصلاة والسلام « إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده وقال هذه يد الله وأشار إلى يده » وقال تعالى  " ولكِنَّ الله رَمى" واليد يد محمد عليه الصلاة والسلام .
وقد نفى عنه الرمي حيث قال :" وما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ ولكِنَّ الله رَمى ".
وذلك قرب الفرائض ، وإن كان الخلق ظاهرا كان الحق متخللا محمولا فيه مستورا ، فكان سمع العبد وبصره وجميع جوارحه وقواه كما جاء في الحديث وذلك قرب النفل ، وكلا الأمرين جائز في إبراهيم كما ذكر.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم إن الذات لو تعرت عن هذه النسب لم يكن إلها ، وهذه النسب أحدثتها أعياننا فنحن جعلناه بمألوهيتنا إلها فلا يعرف حتى نعرف ، قال عليه الصلاة والسلام « من عرف نفسه فقد عرف ربه» وهو أعلم الخلق باللَّه)
يعنى إن الذات الإلهية لا تثبت لها الصفات والنسب الأسمائية إلا بثبوت الأعيان ، فإن الصفات نسب والنسب لا تثبت بدون المنتسبين ، فالإلهية لا تثبت إلا بالمألوهية ، والربوبية بالمربوبية ، وكذا الخالقية والرازقية وأمثالها ، ولا يعرف أحد المتضايفين إلا بالآخر ، ولذلك علق عليه الصلاة والسلام معرفة الرب بمعرفة المربوب .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : ( وهذه النسب ) أي الصفات الإلهية التي ثبتت للحق كالخالق والرازق ، إلى غير ذلك من الصفات الإضافية ، فلا يعلم الحق من غير نظر إلى العالم . اهـ بالى ""
قال الشيخ رضي الله عنه : (فإن بعض الحكماء وأبا حامد ادعوا أنه يعرف الله من غير نظر في العالم وهذا غلط ، نعم تعرف ذات قديمة أزلية لا تعرف أنها إله حتى يعرف المألوه ، فهو الدليل عليه )
أبو حامد هو الغزالي رحمه الله ، والمراد أن الذات الموصوفة بصفة الألوهية لا تعرف إلا بالمألوهية كما مر .
بل العقل يعرف من نفس الوجود وجود الواجب وهو ذات قديمة أزلية ، فإن الله بالذات غنى عن العالمين لا بالأسماء ، فالمألوه هو الدليل على الإله .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم بعد هذا في ثاني حال يعطيك الكشف ، وأن الحق نفسه كان عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيته ، )
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  ( وهذه النسب ) أي الصفات الإلهية التي ثبتت للحق كالخالق والرازق ،إلى غير ذلك من الصفات الإضافية ، فلا يعلم الحق من غير نظر إلى العالم.أهـ 
( ثم بعد هذا ) أي بعد معرفتك الحق بالعالم ، وهو أول مرتبة في العلم باللَّه لأنه استدلال من الأثر إلى المؤثر ، ولا توقف له على الكشف ، فإن الاستدلال المذكور يوصل إلى هذا الكشف ، على معنى أنه استدللنا بوجودنا الخارجي إلى أعياننا الثابتة لأنه أثرها ، واستدللنا بأعياننا على ألوهيته وهي صفات الله وأسماؤه ، واستدللنا بأسمائه وصفاته على ذاته تمت مرتبة الاستدلال
( ثم يعطيك الكشف ) أن أعياننا الثابتة عين الصفات وأنها عين الذات ، فكان الحق نفسه عين الدليل على نفسه وعلى ألوهيته ، فإذا كان الحق عين ( الدليل ) كان نفس الحق دليلا ( على نفسه وعلى ألوهيته ) لا العالم بل العالم مرآة لفيضانه الوجود فيه بالتجلي الأسمائى كالمرآة ، فإن المرآة ليست دليلا على وجود الرائي .
بل الدليل هو الصورة الحاصلة فيها من الرائي التي هي عين الرائي ، فكان الرائي عين الدليل على نفسه ، فلا تحصل له هذه المعرفة لأن المعرفة في الحضرة فرع المعرفة بنفس الحضرة ، ومن لم يعرف الحضرة لم تكن الحضرة مرآة له ، ولم تظهر له الصور فيها حتى تحصل المعرفة اهـ بالى .""
قال الشيخ رضي الله عنه : (وأن العالم ليس إلا تجليه في صور أعيانهم الثابتة التي يستحيل وجودها بدونه ، وأنه يتنوع ويتصور بحسب حقائق هذه الأعيان وأحوالها ، وهذا بعد العلم به منا أنه إلهنا )
يعنى أنه لما هداه العقل أنه لا بد من وجود واجب بذاته غنى عن العالمين انكشف عليه إن ساعده التوفيق ، أن ذلك الوجود الحق الواجب هو المتجلى في صور أعيان العالم بذاته .
وأن أول ظهوره هو تجليه في الجوهر الواحد والعين الواحدة المرتسمة بصور الأعيان الثابتة العلمية كلها ولا وجود لها إلا به ، فهي به موجودة أزلا وأبدا ، وينسبه إليها بنسب أسمائه ، بل التعينات العينية كلها صفاته وبها تتميز أسماؤه وتظهر الإلهية بظهورها به في صور العالم ، فهو الظاهر في صورة العالم والباطن في صور أعيانه والعين واحدة في ظهورها .
فذلك عين الدليل على نفسه ، وبعد علمنا به منا أنه إله لنا ، علمنا أنه يتنوع ويتصور بحسب حقائق هذه الأعيان وأحوالها فإنها هو لا غيره ، وقوله : إنه إله لنا بدل من الضمير في به ، أي بعد العلم بأنه إله لنا .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ثم تأتي الكشف الآخر فتظهر لك صورنا فيه ، فيظهر بعضنا لبعض في الحق ،فيعرف بعضنا بعضا ويتميز بعضنا عن بعض).
الكشف الأول : هو الفناء في الحق ، لأن الشاهد والمشهود في ذلك الكشف ليس إلا الحق وحده ويسمى الجمع .
والكشف الثاني : هو البقاء بعد الفناء ، فيظهر في هذا المقام صور الخلق ، ويظهر بعض الخلق للبعض في الحق ، فيكون الحق مرآة للخلق ، على أن الوجود الواحد قد تكثر بهذه الصور الكثيرة .
فالحقيقة حق والصور خلق ، فيعرف بعض الخلق بعضا ويتميز البعض عن بعض في هذا الشهود.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فمنا من يعرف أن في الحق وقعت هذه المعرفة لنا بنا ، ومنا من يجهل الحضرة التي وقعت فيها هذه المعرفة بنا ، أعوذ باللَّه أن أكون من الجاهلين ).
أي فمنا المكاشف بالكشف الثاني ، من لا يحتجب بالخلق عن الحق فيعرف الكثرة الخلقية في عين الحقيقة الأحدية الحقية وهو أهل الكمال . لا يحجبهم الجلال عن الجمال والجمال عن الجلال
فإن الكشف الأول جمالى محض ، لا يشهد فيه صاحبه إلا الجمال وحده ، والصور العينية وأحوالها وتعيناتها أسماؤه وصفاته ، فهو محجوب بالجمال عن الجلال .
ومنهم أي ومن أهل الكشف الثاني ، من يحتجب بالجلال عن الجمال فيخيل الحضرة بحسب الخلق غيره فيحتجب بالخلق عن الحق ، أعوذ باللَّه من الضلال بعد الهدى .
ولا تظن أن الوجود العيني في الظاهر عين الوجود الغيبي في الباطن حقيقة ، فتحسب أن الأعيان قد انتقلت من العلم إلى العين أو بقيت هناك .
والوجود الحق ينسحب عليها فيظهر بآثارها ورسومها ، أو هي مظاهر موجودة ظهر الحق فيها ، بل الأعيان بواطن الظواهر ثابتة على معلوميتها ، وبطونها أبدا قد تظهر وتختفى .
فظهورها باسم النور ووجودها العيني الظاهر وبقاؤها على الصورة العلمية الأزلية الأبدية ووجودها الغيبي ، فهي في حالة واحدة ظاهرة وباطنة بوجود واحد حقي .
قال الشيخ رضي الله عنه : (وبالكشفين معا ما يحكم علينا إلا بنا ، لا بل نحن نحكم علينا بنا ، ولكن فيه ) الحق أن لا يحكم علينا إلا بما فينا من أحوال أعياننا ، بل الحاكم والمحكوم عليه واحد كما مر.
فنحن نحكم على أعياننا الظاهرة بما فيها من حيث هي باطنة ثابتة بالتعين العلمي ، في الوجود الحق المطلق
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  (وبالكشفين معا ) يحصل لنا العلم ، بأنه ( ما يحكم علينا إلا بنا ) بسبب طلبنا ذلك الحكم منه لكن يظهر ذلك الحكم فينا هذا ناظر إلى الكشف الأول ( لا ) أي لا يحكم الحق بحكم من الأحكام علينا بنا (بل نحن نحكم علينا بنا ) أي الحاكم علينا بنا نحن ( ولكن ) ذلك الحكم يظهر ( فيه ) أي في مرآة الحق هذا ناظر إلى الكشف الثاني ، فمن جمع بينهما بحيث لا يحجب أحدهما عن الآخر فهو الواصل إلى درجة الكمال في رتب العلم باللَّه .أهـ بالى.""

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلذلك قال : "فَلِلَّه الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " يعنى على المحجوبين . إذا قالوا للحق : لم فعلت بنا كذا وكذا مما لا يوافق أغراضهم )
فيقول على لسان المالك: " لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ " أي بالذي هو مقتضى أعيانكم والذي سألتموه بلسان استعدادكم ، كقوله :" وما ظَلَمْناهُمْ ولكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ ".
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  ( ولذلك ) أي ولأجل أن كون الحكم علينا منا لا من الله ، وأن ما فعل الله بنا إلا ما نحن نفعل بأنفسنا ( قال تعالى :" فَلِلَّه الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ " ) فأمكن عند العقل هداية كل ممكن ، لأن العقل قاصر عن إدراك الشيء على ما هو عليه ، فجاز أن يكون الشيء الواحد ممتنعا في نفسه ، وممكنا عند العقل وأي الحكمين المعقولين من الهداية وعدمها .
وقع ذلك  الحكم المعقول هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته  فلا يمكن الهداية في استعداد كل أحد فلا يشاء إيمانه ولما حقق الآية على التفسير : شرح تأويلها وتطبيقها على حاصل الكشفين .أهـ بالى ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فكشف بهم عن ساق ) وفي نسخة : فيكشف لهم الحق عن ساق ( وهو ) شدة الأمر الذي اقتضاء أعيانهم على خلاف ما توهموه.
وهو ( الأمر الذي كشفه العارفون هنا ، فيرون ) هناك بالحقيقة رأى العين.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( أن الحق ما فعل بهم ما ادعوه أنه فعله ) بل فعلوه بأعيانهم وأنفسهم ( و ) يتحققون ( أن ذلك منهم فإنه ما علمهم إلا على ما هم عليه ) في حال ثبوت أعيانهم .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتندحض حجتهم وتبقى الحجة لله البالغة فإن قلت : فما فائدة قوله : " فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ " قلنا لو شاء ، لو حرف امتناع لامتناع ، فما شاء إلا ما هو الأمر عليه ).
معنى السؤال : أن المشيئة الأولى الذاتية التي اقتضت الأعيان اقتضت ضلال الضال وهداية المهتدى ، فكان قولهم : " لَوْ شاءَ الله ما أَشْرَكْنا ولا آباؤُنا "  قولا حقا .
وقوله تعالى :" فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ . مقرر له .
فكيف يقوم جوابا لهم ومعنى الجواب أن لو حرف وضع للملازمة مع امتناع التالي الذي هو وجود الهداية ، فيستلزم عدم مشيئته الذاتية الأقدسية الموجبة لتنوع الاستعدادات ، فما شاء إلا هداية البعض وضلال البعض على ما هو الأمر عليه .
وأما قولهم : "لَوْ شاءَ الله ما أَشْرَكْنا " .
فهو كقول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ، حين سمع قول الخوارج : لا حكم إلا لله : كلمة حق يراد بها باطل ، فإن المشركين لما سمعوا قول المؤمنين ما شاء الله ، كأن قالوا ذلك تعنتا وإلزاما لا عن عقيدة وعلم وإلا كانوا موحدين .
ولذلك قال تعالى في جوابهم : " قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ من عِلْمٍ فَتُخْرِجُوه لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ ".
وقال تعالى : " ولَوْ شاءَ الله ما أَشْرَكُوا ".
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي  ( ولو يشاء ) هداية الكل في الماضي والمستقبل ( وكذلك ) أي مثل لو شاء ( أن يشاء ) أي في الاستقبال ولو شاء في السؤال والجواب غايته أن لو شاء ما لم يكن . اهـ بالى
ومعنى( لهداكم ) : لبين لكم  أجمعين ما هو الأمر عليه كما بين لبعضكم لاقتضاء استعداده ذلك اهـ بالى .""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولكن عين الممكن قابل للشيء ونقيضه في حكم دليل العقل ، وأي الحكمين المعقولين وقع ذلك هو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته )
أي لكن عين الممكن من حيث هو فرد من نوع قابل للنقيضين ، كالهداية والضلالة بالنسبة إلى كل فرد من أفراد الإنسان قابل لهما بحسب النظر العقلي .
وأي النقيضين الذي وقع من كل فرد فهو الذي كان عليه الممكن في حال ثبوته.
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : (في حال ثبوته ) فلا يمكن الهداية في استعداد كل أحد فلا يشاء إيمانه ولما حقق الآية على التفسير : شرح تأويلها وتطبيقها على حاصل الكشفين .أهـ بالى ""

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ومعنى لهداكم لبين لكم الحق ) على ما هو عليه الأمر الإلهي في نفسه .
"" ( ومعنى لهداكم لبين لكم ) أجمعين ما هو الأمر عليه كما بين لبعضكم لاقتضاء استعداده ذلك اهـ بالى  ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما كل ممكن من العالم ) أي من الأفراد الإنسانية ( فتح الله عين بصيرته لإدراك الأمر في نفسه على ما هو عليه ، فمنهم العالم والجاهل فما شاء الله فما هداهم أجمعين ) لأن الحكمة اقتضت تنوع الاستعدادات لتنوع الشؤون المختلفة.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولا يشاء وكذلك إن يشاء ) حال وجودهم في المستقبل
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : ( ولا يشاء ) هداية الكل في الماضي والمستقبل .
( وكذلك ) أي مثل لو شاء
( أن يشاء ) أي في الاستقبال ولو شاء في السؤال والجواب غايته أن لو شاء ما لم يكن. أهـ بالى ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فهل يشاء هذا ما لا يكون ) لما قلنا أنهم حال وجودهم لا يمكن أن يكونوا إلا على ما هم عليه ، أعيانهم الثابتة في العدم ، فلا يقع الممتنع فلا يشاؤه
( فمشيئته أحدية التعلق ) أي لا تتغير عما اقتضاه ذاته " لا تَبْدِيلَ لِكَلِماتِ الله "
( وهي نسبة تابعة للعلم ، والعلم نسبة تابعة للمعلوم ، والمعلوم أنت وأحوالك ) أي في حال عينك الثابتة في الأزل
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فليس للعلم أثر في المعلوم ) فإن حال المعلوم أعطى العلم ، فلا يؤثر العلم فيه
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بل للمعلوم أثر في العلم ، فيعطيه من نفسه ما هو عليه في عينه ، وإنما ورد الخطاب الإلهي بحسب ما تواطأ عليه المخاطبون ، وما أعطاه النظر العقلي ) أي إنما خاطب الله تعالى عباده على قدر فهومهم ، وما توافق عليه العموم مما هو مبلغ عقولهم وعلومهم بالنظر العقلي من كمال قدرته وإرادته ، وإنه لو شاء لهدى الجميع لكونه فعالا لما يريد.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ما ورد الخطاب على ما يعطيه الكشف ) فإن الحكمة الإلهية اقتضت التدبير على النظام المعلوم ، فلا بد من احتجاب البعض بل الأكثر بحجب الجلال ، ليختاروا من الأمور ما يناسب استعدادهم ، ويتحملوا المشاق والمتاعب في تدابير المعاش ومصالح نظام العالم ، فيتسبب صلاح الجمهور ، والتدبير إنما يكون ويتيسر عند الاحتجاب عن سر القدر.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولذلك كثر المؤمنون وقل العارفون أصحاب الكشوف ) فإنهم المطلعون على سر القدر وأحوال العالم ، فلا يباشرون التدبير بعد العثور على التقدير
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما منا إلا له مقام معلوم ) فمن كان مقامه الوقوف مع العقل والمعقول في حال عينه فله التدبير لا يتعداه ، ومن أعطاه عينه الوقوف على سر القدر بالكشف فلا يعترض على الله بالجهل ، ولا يتعرض لتدبير تغيير القدر
( وهو ) أي اختصاص كل واحد منا بمقام معلوم لا يتخطاه ، هو هذا المعنى
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ما كنت به في ثبوتك ظهرت به في وجودك ) كقوله تعالى : "مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي من تَحْتِهَا الأَنْهارُ ". أي هذا الكلام
( هذا إن تثبت أن لك وجودا ) أي باعتبار تعينك ، فإن التعين هو الذي سوغ نسبة الوجود الخاص الإضافي إليك .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فإن ثبت أن الوجود للحق ) كما هو على الحقيقة
( لا لك ، فالحكم لك بلا شك في وجود الحق)  باعتبار عينك وما هي عليه .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وإن ثبت أنك الموجود ) بالحقيقة بوجود إفاضة الحق عليك وأوجدك به في الخارج وأنت موجود في عالم الغيب بوجود علمي هو وجود عينك الأزلي.
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  ( فالحكم لك بلا شك ) أي فإن كنت معدوما باقيا في حال عدمك والظاهر الحق في مرآة وجودك ، فأنت تحكم على الله بما في عينك .
( في وجود الحق ، وإن ثبت أنك الموجود ) هذا هو القسم الأول أورده لبيان أحكامه فالحكم لك بلا شك اهـ بالى. ""

قال الشيخ رضي الله عنه : ( فالحكم لك بلا شك ، وإن كان الحاكم الحق ) الذي أوجدك على الصفة التي أنت عليها في الوجود الخارجي فإن حكم الله هو الذي أعطاه عينك .



فقوله : وإن كان الحاكم الحق ، شرط محذوف الجزاء ، لدلالة قوله : فالحكم لك بلا شك عليه.
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : (والحكم لك عليك ) على كلا التقديرين غير إفاضة الوجود ، وذلك أيضا من طلبك من الله ولولا طلبك لما أفاض اهـ بالى ""
وقوله رضي الله عنه : ( فليس إلا إفاضة الوجود عليك ) كلام كالنتيجة لازم الشرطية المذكورة ، أي لزم أنه ليس للحق إلا إفاضة الوجود عليك لا الحكم ، والحكم لك عليك ، ويجوز أن يكون جواب الشرط قوله : فليس له إلا إفاضة الوجود عليك ، أي وإن كان الحاكم في إيجادك الحق بقوله كن ، فليس له إلا إفاضة الوجود عليك ، والحكم بكيفيته لك عليك .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلا تحمد إلا نفسك ) أي إن اقتضت عينك الكمال والكشف والمعرفة بحقيقة الأمر على ما هو عليه ، فإنها صورة شأن من الشؤون الإلهية الأزلية.
( ولا تذم إلا نفسك ) إن اقتضت النقص والحجاب .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : ( فلا تحمد ) عنه ورود الحكم الملائم لطبعك ( إلا نفسك ولا تذم ) عند ورود الحكم الغير الملائم لطبعك ( إلا نفسك ) اهـ بالى . ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما بقي للحق إلا حمد إفاضة الوجود لأن ذلك له لا لك ) فإن الوجود ليس إلا له في الحقيقة أزلا وأبدا ، والحكم ما هو فيك أزلا من حيث إنك حقيقة من حقائق الجمع الإلهي ، وصورة من معلوماته وشئونه.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فأنت غذاؤه بالأحكام ) لأن الوجود الحق إنما يظهر بصور أحكام عينك وهي تخفى فيه ، فقد تغذى بصورة عينك الثابتة وجوده الذي ظهر .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وهو غذاؤك بالوجود ) لأنك تظهر بوجوده ، ووجوده يخفى في صورة عينك الظاهرة ، فقد تغذيت بوجوده الذي ظهرت به .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : ( حمد إفاضة الوجود ) وبذلك تفرق الرب من العبد
( لأن ذلك له لا لك ) بل هو أيضا يحصل لك من الله بطلب عينك
( فأنت غذاؤه بالأحكام ) هذا ناظر إلى أن الوجود للحق ظهر في مرآة العبد اه بالى
( وهو غذاؤك بالوجود ) هذا ناظر إلى أن الموجود للخلق ، لكنه ظهر في مرآة الحق. اهـ بالى ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فتعين عليه ) حكم عينك في الأزل وهو الحكم .
( ما تعين عليك ) من حكمه عليك في هذا الوجود الظاهر .
( فالأمر منه إليك ) أي هنا ( ومنك إليه ) أي في الأزل ابتداء ، وفي بعض
النسخ : وهو حكمك بالأمر منه إليك ومنك إليه ، فالضمير لما تعين ، أي قولك أوجدنى على هذه الصفة بقل كن كذلك ، فأمرك بما أمرت به ، وهو حكمك عليه بحكمه عليك .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( غير أنك تسمى مكلفا اسم مفعول ، وما كلفك إلا بما قلت له كلفني بحالك وبما أنت عليه ، ولا يسمى مكلفا اسم مفعول إذ لا كلفة عليه ،كما لا تسمى مكلفا)
اسم فاعل ، لأن الفعل والحكم والتأثير له بالأصالة ، فإنها من أحكام الوجوب الذاتي ، والانفعال والتأثر والقبول لك بالافتقار الذاتي الأصلي ، فحكمك بما هو من حيث أنك حقيقته لا غيره :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فيحمدني وأحمده   .... ويعبدني وأعبده )
أي يحمدني بإظهار كمالاتى وإيجادى على صورته ، وأحمده بإظهار كمالاته وحسن طاعتي إياه ، ويعبدني بتهيئة أسباب بقائى ونمائى ، وإجابتى لما سألته بلسان حالي .
كما قال عليه الصلاة والسلام حين قال له أبو طالب :" ما أطوع لك ربك يا محمد " وأنت يا عم "ما أطعته إن أطعته أطاعك " والطاعة من جملة العبادة ، وأعبده بامتثال أوامره وقبول ما كلفه من التخلق بأخلاقه ، والاتصاف بأوصافه .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  (فيحمدني ) لأن أحكامه تربى بي ، هذا ناظر إلى كون العبد باطنا والحق ظاهرا
( وأحمده ) لأن وجودي وأحكامى تربى به هذا ، ناظر إلى العبد ظاهر ، والحق باطن ، وكذلك ( فيعبدنى ) فإني سرب ؟
أحكامه ، فكان مربوبى من حيث ظهور أحكامه بي ، ناظر إلى أن العبد باطن والحق ظاهر 
( فاعبده ) فإني مربوب له من حيث الوجود والأحكام ، ناظر إلى أن العبد ظاهر والحق باطن ، فلا يمكن أداء هذه المعاني إلا بهذه العبارات لضيق المقام ، ولا يلزم منها ترك الأدب ، وقد أشار إليه بقوله ( العبد رب والرب عبد ) هذا إذا كان العبد باطنا والحق ظاهرا وبالعكس ، يا ليت شعري من المكلف .أهـ بالى ""

قال الشيخ رضي الله عنه : ( ففي حال أقر به  ... وفي الأعيان أجحده )
أي بالوجود والقول والفعل أقرّ به بلسان الحال والمقال ، فإن الموجودات كلها بوجودها شاهدة بوجوده ، وبتعينها بوحدته وبخواصها بصفاته ، وكل إنسان يقرّبه ، فإذا تجلى في صورة عين من الأعيان يجحده .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  ( ففي حال ) أي في حال طهور الحق وبطونى ( أقر به وفي الأعيان ) أي في حال ظهورى وبطونه عنى ( أجحده) في الأعيان .أهـ ""
قال الشيخ رضي الله عنه :  (فيعرفني وأنكره    .... وأعرفه فأشهده )
أي يعرفني في كل الأحوال وأنكره في صور الأكوان الحادثة ، وأعرفه فأشهده جمعا وتفصيلا ، فإن المعرفة والشهود من مقتضى عيني منه ، وذلك من فضله وعطائه.
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  (فيعرفني ) في الأعيان ( وأنكره ) فيها لعدم علمي به في الأعيان لظهور الأعيان في مرآة الحق ، فكان هو مختفيا بالأكوان ، فقوله : أنكره ، ناظر إلى قوله أجحده ( وأعرفه ) في حال ظهوره وبطونى ( وأشهده ) أي أقر به في الحال لأن المعرفة تقتضي إلا قرار ، كما أن عدمه يقتضي الإنكار. اهـ بالى .""  
قال الشيخ رضي الله عنه : (فأنى بالغنى وأنا   ... أساعده وأسعده )
أي كيف غناه بجميع الأسماء والصفات عنا ، فإن النسب الأسمائية والألوهية والربوبية والموجدية ، تتوقف على المألوهية والمربوبية وقبول الإيجاد كما مر .
وذلك التوقف هو المساعدة والإسعاد وحسن تأتي القابل الإيجاد ، والمظهرية إسعاد للموجد والظاهر في المظهر ، قال تعالى:" إِنْ تَنْصُرُوا الله يَنْصُرْكُمْ "   والنصر هو المساعدة والإسعاد في تحقق الربوبية .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي :  ( فأنى بالغنى ) عنى من جميع الوجوه ( و ) الحال
( أنا أساعده ) بإظهار كمالاته على حسب استعدادي هذا ، ناظر إلا كون العبد باطنا والحق ظاهرا
( وأسعده ) بإظهار وجودي وكمالاتى فيه فيساعدنى ، نظرا إلى أن العبد ظاهر والحق باطن. أهـ بالى. ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لذاك الحق وأجدني  .... فأعلمه فأوجده )
أي أوجدنى بالظهور بإيجاده ، وجعله إياي موجودا أو واجدا له ، فأعلمه بمعرفتي إياه ، فأوجده في العلم صورة مطابقة لما هو عليه في العين .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي  ( لذاك ) أي لأجل إسعادى إياه
( الحق أوجدني ) أثبت الوجود لي نظر إلى أن العبد ظاهر والحق باطن
( فأعلمه ) بهذا الوجود . ( فأوجده ) أثبت هذا الوجود له كما أثبت لي ، نظر إلى أن العبد باطن والحق ظاهر.أهـ. ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( بذا جاء الحديث لنا  .... وحقق في مقصده )
جاء في الحديث المروي عنه عليه الصلاة والسلام حكاية عن الله تعالى:"قد مثلونى بين أعينهم". أي أوجدوا مثالي ، رأى أعينهم علما وشهودا ، فمن صح علمه باللَّه وشهوده لله فقد أوجده في علمه ، ومعنى حقق في مقصده تحقق في ذاتي طلبه ، أي مطلبه بوجود مطلوبه .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي  ( بذا جاء الحديث لنا ) قوله « فخلقت الخلق لأعرف » ( وحقق في مقصده ) حقق على بناء المفعول ، والمقصد المقصود إلخ .أهـ. بالى ""
في ( ولما كان للخليل عليه السلام هذه المرتبة التي بها سمى خليلا ) أي لما تخلل إبراهيم عليه السلام ، بسعة استعداده وقابليته جميع الاستعدادات الإلهية ، حتى ظهر به الحق أي بجميع أسمائه ، وخفى إبراهيم عليه السلام فيه ، كالرزق في المرزوق وصار غذاء للحق ، وكذلك تخلل الحق أنية إبراهيم وسرى في جميع حقائقه وقواه ومراتب وجوده ، حتى ظهر إبراهيم به وخفى الحق فيه ، وصار غذاء لإبراهيم.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( لذلك سن القرى ) أي ظهر من تلك الحال عليه وغلبت حتى أثرت فيه في الخارج ، فانتشر سر حقيقته ومقامه على ظاهر حاله فسن القرى وغذى الخلائق من كل باد وحاضر ووارد وصادر ، بحكم حاله ومقامه.
( وجعله ابن مسرة ) الجيلي ( مع ميكائيل ) ملك ( للأرزاق ) .
وقال : إن الله آخى بينه وبين ميكائيل ، وقد اختلف الباقون في مرافقة الأنبياء الذين مع حمله العرش يوم القيامة ، فإنهم يومئذ ثمانية ، منهم الملائكة الأربعة : جبرائيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل.
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي : ولأجل هذه المرتبة ( جعله ابن مسرة ) بتشديد الراء المهملة من كبار أهل الطريقة ، قال : ميكائيل وإبراهيم للأرزاق .اهـ بالى .""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وبالأرزاق يكون تغذى المرزوقين ، فإذا تخلل الرزق ذات المرزوق بحيث لا يبقى فيه شيء إلا تخلله ،فإن الغذاء يسرى في جميع أجزاء المتغذى كلها).
هذا التشبيه للخلة بالتغذي كما ذكر ، فإن المتخللين يتخلل كل منهما بجمعية وجوده وأحدية جمعه حقيقة بالآخر ، كالغذاء الساري بحقيقته في جميع أجزاء المتغذى .
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي: ( أجزاء المتغذى كلها ) فوجب للخليل بهذه المرتبة أن يسرى الحق.أهـ بالى""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وما هنالك أجزاء ، فلا بد أن يتخلل جميع المقامات الإلهية المعبر عنها بالأسماء ، فتظهر بها ذاته جل وعلا ) .
إشارة إلى الفرق بين المشبه والمشبه به ، فإن الحق الذي تخلله إبراهيم ليس بذى أجزاء ، فجعل الأسماء الإلهية في العقود بمثابة الأجزاء في المتغذى ، فلا بد أن يظهر الحق في صورة إبراهيم بجميع أسمائه وصفاته. فيختفى إبراهيم عليه السلام فيه :
"" من حاشية تعليقات بالى أفندي: ( وما هنالك ) أي في الحق ( أجزاء ) إذ هي محال عليه بل فيه أسماء وصفات .
( فلا بد أن يتخلل جميع المقامات الإلهية ) ومجوز أن يكون فإذن الشرط وجوابه فلا بد ، فإذا كان الأمر كما قلنا فنحن له كما ثبتت اهـ. بالى. ""
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فنحن له كما ثبتت  أدلتنا ونحن لنا )
لما ثبتت أدلتنا العقلية لأنا ملكه ، وأدلتنا الكشفية أن صور أعياننا صفاته ، وصفاتنا أسماؤه ، ونسبة الذاتية وشئونه ووجوداتنا الظاهرة وأنياتنا وجوده ، ونحن من حيث أعياننا لنا فإنا من هذه الحيثية حقائق موجودة في الغيب ، و أشخاص قائمة بأنفسها لا حكم علينا إلا منا :.
قال الشيخ رضي الله عنه : ( وليس له سوى كونى  .... فنحن له كنحن بنا )
أي ليس له كون يظهر به إلا الإنسان الجامع الكامل والإنسان المفصل وهو العالم .
فنحن له في ظهوره بنا ومظهر يتناله ، كنحن بنا بأعياننا أو وحقائقنا .
أو نحن له بوجوداتنا وأنياتنا كنحن بنا بأعياننا وخصوصياتنا وأحكامنا ، ودخول الكاف على الضمير المرفوع المنفصل لأن المراد به الكلام أي نحن له كلام مثل هذا الكلام .
وهو نحن بنا أي نحن من وجه قائمون به عباد له ومظاهر ، ومن وجه قائمون بأنفسنا حاكمون علينا .
وفسر هذا المعنى بقوله :
قال الشيخ رضي الله عنه : ( فلي وجهان هو وأنا   .... وليس له أنا بأنا )


يعنى أن الإنسان الكامل ذو وجهين :
وجه إلى الحق وهو هويته الباطنة التي هو بها حتى .
ووجه إلى العالم وهو أنانيته الظاهرة التي هو بها خلق .
فللانسان به الهوية والأنانية ، وليس للحق بالإنسان الأنانية ، إذ ليس له من حيث الهذية الخلقية أنا بالحقيقة .
والمرد بأنا : لفظة أنا ، أي لا يطلق عليه هذه اللفظة من هذه الحيثية ، فلهذا دخلت الفاء عليه مع كونه الضمير المرفوع المنفصل .
قال الشيخ رضي الله عنه : ( ولكن في مظهره   ...... فنحن له كمثل أنا )
أي في الإنسان الكامل مظهره فنحن له كالإناء لما فيه ، ولفظة في للتجريد.
يعنى أنا مظهره .  كقوله تعالى: " لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ".
( والله يقول الحق وهو يهدى السبيل ) .

.

واتساب

No comments:

Post a Comment